Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore منهج أهل الإيمان للعصمة من فتن آخر الزمان - الدكتور خالد الياسين

منهج أهل الإيمان للعصمة من فتن آخر الزمان - الدكتور خالد الياسين

Published by ialamareen, 2021-08-25 09:12:17

Description: منهج أهل الإيمان للعصمة من فتن آخر الزمان - الدكتور خالد الياسين

Search

Read the Text Version

‫منهج أهل الإيمان‬ ‫للعصمة من فتن آخر الزمان‬



‫منهج أهل الإيمان‬ ‫للعصمة من فتن آخر الزمان‬ ‫تأليف‬ ‫د‪ .‬خالد سليمان الياسين‬







‫الإهداء‬ ‫أتقدم بهذا الكتاب‪..‬‬ ‫إلى من وضعه والده منذ صغره في الطريق الموصلة إلى الله‪ ،‬فسلك فيها مسرعاً‪.‬‬ ‫إلى من ج َّد واجتهد في العلم والتعليم حتى صار فيه إماماً وحجة وقدوة صالحة‪.‬‬ ‫إلى من أحيا ليله في محراب العبودية‪ ،‬ونهاره على منابر العلم في المساجد والجامعات‪.‬‬ ‫إلى من أوقف حياته داعياً إلى الله بقوله وفعله وأحواله وكتاباته ومحاوراته ولقاءاته‪.‬‬ ‫إلى من آثر الآخرة في نصحه للعامة والعلماء والحكام من غير أن يخاف في الله لومة لائم‪.‬‬ ‫إلى من جمع الله في كلامه بين إقناع العقل وطمأنينة القلب وسمو الروح وإمتاع العاطفة‪.‬‬ ‫إلى من ختم الله له بخاتمة الحسنى‪:‬‬ ‫في بيت الله ‪ ..‬وبين يدي كتاب الله ‪ ..‬وهو يفسر آيات الله ‪ ..‬وحوله أحباب الله ‪ ..‬وكان‬ ‫صائماً لله ‪ ..‬بين المغرب والعشاء‪.‬‬ ‫إلى أستاذنا الجليل‪ ..‬الفقيه القدوة ‪ ..‬الأصولي البارع ‪ ..‬المفسر الرائع ‪ ..‬الأشعري‬ ‫المتكلم ‪ ..‬المفكر المبدع ‪ ..‬المحاور المقنع ‪ ..‬النحوي المتفنن ‪ ..‬الصوفي المتحقق‬ ‫غزالي عصره ‪ ..‬الإمام الحجة ‪ ..‬العلامة الشهيد‪..‬‬ ‫سيدي الشيخ الأستاذ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي‬ ‫رحمـه الله تعالـى وأجـزل مثوبتـه ونفعنـا الله بعلومـه ومعارفـه وبركاتـه‪ ،‬وجمعنـا الله‬ ‫معـه فـي مسـتقر رحمتـه مـع النبييـن والصديقيـن والشـهداء والصالحيـن والعلمـاء‬ ‫العامليـن والأوليـاء المقربيـن‪.‬‬ ‫تلميذكم الصغير ومحبكم‬ ‫خالد بن سليمان الياسين‬ ‫‪7‬‬

‫السيرة الذاتية للمؤلف‬ ‫التعريف‪:‬‬ ‫خالد بن سليمان بن عباس الياسين‪ ،‬مواليد سوريا ـ حمص ـ ‪1969/10/5‬م‪.‬‬ ‫الأعمال المكلف بها‪:‬‬ ‫ـ عضــو هيئــة تدريســية فــي جامعــة بــاد الشــام للعلــوم الشــرعية ‪ /‬مجمــع الفتــح‬ ‫الإســامي بدمشــق‪ ،‬مــن ‪2006‬م إلــى الآن‪.‬‬ ‫ـ رئيـس قسـم التفسـير والحديـث فـي كليـة أصـول الدين‪/‬جامعـة بـاد الشـام للعلـوم‬ ‫الشـرعية‪ ،‬مـن ‪2011‬م إلـى الآن‪.‬‬ ‫ـ رئيـس قسـم القـراءات القرآنيـة وعلومهـا فـي كليـة أصـول الدين‪/‬جامعـة بـاد الشـام‬ ‫للعلـوم الشـرعية‪ .‬مـن ‪2012‬م إلـى ‪2017‬م‪.‬‬ ‫ـ عضـو لجنـة التفسـير وعلـوم القـرآن فـي مشـروع تطويـر مناهـج التعليـم الشـرعي فـي‬ ‫وزارة الأوقـاف‪ .‬مـن ‪2014‬م إلـى الآن‪.‬‬ ‫ـ عضـو لجنـة التجويـد والاسـتحفاظ فـي مشـروع تطويـر مناهـج التعليـم الشـرعي فـي‬ ‫وزارة الأوقـاف‪ .‬مـن ‪2014‬م إلـى الآن‪.‬‬ ‫ـ عضـو لجنـة الشـمائل النبويـة والأخـاق فـي مشـروع تطويـر مناهـج التعليـم الشـرعي‬ ‫فـي وزارة الأوقـاف‪ .‬مـن ‪2014‬م إلـى الآن‪.‬‬ ‫ـ عضـو لجنـة التقويـم البنائـي فـي مشـروع تطويـر مناهـج التعليـم الشـرعي فـي وزارة‬ ‫الأوقـاف‪ .‬مـن ‪2014‬م إلـى الآن‪.‬‬ ‫ـ مدير ثانوية أبي بكر الصديق ‪ ‬الشرعية في حمص من ‪2007‬م إلى ‪2011‬م‪.‬‬ ‫ـ مديـر معهـد تحفيـظ القـرآن الكريـم فـي جامـع أبـي بكـر الصديـق ‪ ‬فـي حمـص مـن‬ ‫‪1996‬م إلـى ‪2011‬م‪.‬‬ ‫ـ إمام وخطيب جامع أبي بكر الصديق ‪ ‬في حمص من ‪1996‬م إلى ‪2012‬م‪.‬‬ ‫ـ عضو لجنة فحص الأئمة والخطباء في مديرية أوقاف حمص من ‪1998‬م إلى ‪2011‬م‪.‬‬ ‫الشهادات العلمية الحاصل عليها ومصدرها‪:‬‬ ‫ـ الإجازة في الشريعة عام ‪1991‬م من كلية الشريعة‪ ،‬جامعة دمشق‪.‬‬ ‫ـ دبلــوم الدراســات العليــا عــام ‪1996‬م مــن كليــة أصــول الديــن ـ جامعــة أم درمــان‬ ‫الإســامية ـ الســودان‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫ـ ماجســتير فــي التفســير وعلــوم القــرآن الكريــم عــام ‪2000‬م‪ ،‬مــن جامعــة أم درمــان‬ ‫الإســامية ـ الســودان‪.‬‬ ‫ـ دكتــوراه فــي التفســير وعلــوم القــرآن الكريــم عــام ‪2006‬م‪ ،‬مــن جامعــة أم درمــان‬ ‫الإســامية ـ الســودان‪.‬‬ ‫الإجازات العامة من العلماء والشيوخ‪:‬‬ ‫قـرأ علـى أكابـر علمـاء بـاد الشـام الكثيـر مـن الكتـب فـي التفسـير وعلـوم القـرآن‬ ‫الكريـم‪ ،‬والحديـث النبـوي وعلـوم المصطلـح‪ ،‬والفقـه الإسـامي وأصولـه‪ ،‬والسـيرة‬ ‫النبويـة والشـمائل والأخـاق‪ ،‬واللغـة العربيـة وعلومهـا‪.‬‬ ‫وقد أكرمه الله تعالى بإجازات مكتوبة بالأسانيد المتصلة من بعض شيوخه منها‪:‬‬ ‫ـ إجـازة حفـظ القـرآن الكريـم وإقرائـه مـن القـارئ الجامـع للقـراءات العشـر الشـيخ‬ ‫إحسـان السـيد حسـن حفظـه الله‪.‬‬ ‫ـ إجـازة عامـة مـن محـدث الديـار الشـامية العلامـة الأسـتاذ الدكتـور الشـيخ نـور الديـن‬ ‫محمـد عتـر الحسـني حفظـه الله‪.‬‬ ‫ـ إجـازة عامـة مـن أسـتاذ التفسـير والحديـث فـي كليـة الشـريعة العلامـة الأسـتاذ الدكتور‬ ‫مصطفـى البغـا حفظه الله‪.‬‬ ‫ـ إجـازة عامـة مـن عضـو المجامـع الفقهيـة العلامـة الفقيـه الأصولـي المفسـر الأسـتاذ‬ ‫الدكتـور وهبـة الزحيلـي رحمـه الله‪.‬‬ ‫ـ إجــازة عامــة مــن عضــو مجمــع اللغــة العربيــة بدمشــق العلامــة النحــوي الأســتاذ‬ ‫الدكتــور مــازن المبــارك حفظــه الله‪.‬‬ ‫ـ إجــازة عامــة مــن شــيخ دار الحديــث الأشــرفية بدمشــق الشــيخ حســين بــن حســن‬ ‫صعبيــة الدمشــقي حفظــه الله‪.‬‬ ‫ـ إجـازة عامـة مـن مـدرس جامـع السـلطان محمـد الفاتـح العلامـة الشـيخ محمـد أميـن‬ ‫سـراج التركـي حفظـه الله‪.‬‬ ‫ـ إجـازة عامـة مـن محـدث بـاد الحجـاز العلامـة الأسـتاذ الدكتـور الشـيخ محمـد بـن‬ ‫علـوي المالكـي المكـي رحمـه الله‪.‬‬ ‫ـ إجــازة عامــة مــن شــيخ حمــص وخطيــب جامــع خالــد بــن الوليــد العلامــة الشــيخ‬ ‫محمــد ســعيد الكحيــل رحمــه الله‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫الكتب والمؤلفات‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ الحوار والاستدلال في القرآن الكريم [رسالة الدكتوراه]‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ تحقيق سورة المائدة من تفسير اللباب من علوم الكتاب [رسالة ماجستير]‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ المصباح المنير في قواعد التفسير [مجلدان]‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ الصحبة وأثرها في حياة الإنسان ‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ منهاج الدعاء في ضوء الكتاب والسنة [شروطه ـ آدابه ـ مكروهاته ـ أوقاته]‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ تفسير سورة الحجرات [دراسة تحليلية واستخلاص الأخلاق والآداب]‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ الرضا والرضوان بقضاء الله في الأكوان‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ التشريعات الوقائية في الإسلام لضمان صحة الإنسان‪.‬‬ ‫‪ 9‬ـ الإفساد في الأرض في المنظور القرآني‪.‬‬ ‫‪ 10‬ـ الآثار التربوية لأسلوب السؤال في القرآن الكريم‪.‬‬ ‫‪ 11‬ـ منهج أهل الإيمان للعصمة من فتن آخر الزمان‪.‬‬ ‫‪ 12‬ـ نقض أوهام الطاعنين في القرآن الكريم [ردود على الشبهات]‪.‬‬ ‫‪ 13‬ـ دفع أوهام التعارض بين الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫‪ 14‬ـ تحقيق تفسير الإمام البيضاوي مقابل على أصول خطية معتمدة [قيد الإنجاز]‪.‬‬ ‫‪ 15‬ـ تحقيق تفسير الإمام النسفي مقابل على أصول خطية معتمدة [قيد الإنجاز]‪.‬‬ ‫الأبحاث المحكمة‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ قَ َسـ ُم اللهِ بمخلوقاتـه فـي القـرآن الكريـم‪ ،‬مجلـة الإحيـاء بكليـة العلـوم الإنسـانية ـ‬ ‫جامعـة الحـاج لخضـر ـ باتنـة ـ الجزائـر‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ بيـان المحجـة فـي فضائـل وأحـكام عشـر ذي الحجـة‪ ،‬مجلـة الإحيـاء بكليـة العلـوم‬ ‫الإنسـانية ـ جامعـة الحـاج لخضـر ـ باتنـة ـ الجزائـر‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ التعظيـم فـي منـاداة النبـي الكريـم ﷺ فـي ضـوء أقـوال المفسـرين‪ ،‬مجلـة التـراث‬ ‫العربـي فـي اتحـاد الكتـاب العـرب ـ دمشـق‬ ‫‪ 4‬ـ دراســة ( إِ َذ ْن ) مـن أدوات المعانـي فـي ضـوء أقـوال النحوييـن والمفسـرين‪ ،‬مجلـة‬ ‫مجمـع اللغـة العربيـة ـ دمشـق‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫المقدمة‬ ‫الحمـد لله رب العالميـن‪ ،‬والصـاة والسـام علـى سـيدنا محمـد وعلـى آلـه‬ ‫وأصحابـه أجمعيـن‪ ،‬وعلـى مـن تبعهـم بإحسـان إلـى يـوم الديـن‪.‬‬ ‫أما بعد‪:‬‬ ‫فــإ َّن الفتــن أحــداث تطيــش معهــا العقــول‪ ،‬وتمــوت فيهــا القلــوب‪ ،‬إ ّل مــن‬ ‫عصمـه الله ‪ ،‬وتجعـل الحليـم حيـران‪ ،‬وينـدر فيهـا وجـود العاقل الحكيـم‪ ،‬الذي‬ ‫ينظـر إلـى الأزمـات بالعقـل الرشـيد‪ ،‬ويتأمـل فـي نتائجهـا علـى الفـرد والمجتمـع‪،‬‬ ‫والعبـاد والبـاد؛ لأن أكثـر مـا يحـرك النـاس وقـت الفتـن مشـاعر الغضـب‪ ،‬وغليان‬ ‫العواطـف‪ ،‬والرغبـة بالثـأر‪ ،‬وانتشـار الشـائعات كالنـار فـي الهشـيم‪.‬‬ ‫والفتـن ليسـت مقصـورةً علـى زمـن دون زمـن‪ ،‬أو مـكان دون مـكان‪ ،‬بـل هـي‬ ‫مسـتمرة باقيـة إلـى أن يـرث الله الأرض ومـن عليهـا‪ ،‬وتتعاظـم كلمـا مـرت الأيـام‪،‬‬ ‫ل ِح َكـ ٍم لا يعلمهـا إلا الله ‪.‬‬ ‫وقـد قـال العلامـة شـيخ قـراء حمـص‪ ،‬والمحـدث الفقيـه‪ ،‬أميـن الفتـوى فـي‬ ‫حمـص فضيلـة سـيدي الشـيخ عبـد العزيـز عيـون السـود رحمـه الله فـي خطبتـه‬ ‫الغــراء‪« :‬وإ َّن بيــن يــدي الســاعة فتنــاً كثيــرة‪ ،‬ومحنــاً أثيــرة‪ ،‬حقــاً علــى كل مــن‬ ‫أطلعـه الله ‪ ‬علـى شـيء مـن ذلـك‪ ،‬أن يسـرد الأحاديـث والأخبـار علـى النـاس‬ ‫مـرة بعـد أخـرى‪ ،‬ليكـون أهـل كل قـرن علـى حـذر منهـا‪ ،‬متهيئيـن لهـا بالأعمـال‬ ‫الصالحـة الباقيـة‪ ،‬غيـر منهمكيـن فـي الشـهوات واللـذات الفانيـة»‪.‬‬ ‫إلـى أن قـال رحمـه الله‪« :‬وعسـى بذكـر شـي ٍء منهـا أن تليـ َن القلـوب وتنتبـهَ مـن‬ ‫ِسـنَ ِة الغفلـة‪ ،‬وتغتنـ َم المهلـة قبـل الوهلـة»‪.‬‬ ‫‪11‬‬

‫والفتـن إذا وقعـت وانتشـرت َص ُعـب علـى العقـاء دفـع السـفهاء ‪ ..‬مـن هنـا‬ ‫كان الأخــ ُذ علــى أيــدي العابثيــن والســفهاء فــي أولِّهــا منجــاةً للجميــع‪ ،‬فعــن‬ ‫النعمــان بــن بشــير ‪ ‬قــال‪ :‬قــال رســول الله ﷺ‪« :‬مثــل القائــم علــى حــدود‬ ‫الله والواقـع فيهـا‪ ،‬كمثـل قـوم اسـتهموا علـى سـفينة‪ ،‬فأصـاب بعضهـم أعلاهـا‪،‬‬ ‫وبعضهـم أسـفلها‪ ،‬فـكان الذيـن فـي أسـفلها إذا اسـتقوا مـن المـاء مـروا علـى مـن‬ ‫فوقهـم فقالـوا‪ :‬لـو أنـا خرقنـا فـي نصيبنـا خرقـاً ولـم نـؤذ مـن فوقنـا‪ ،‬فـإن يتركوهم‬ ‫ومـا أرادوا هلكـوا جميعـاً‪ ،‬وإن أخـذوا علـى أيديهـم نجـوا ونجـوا جميعـاً»(‪.)1‬‬ ‫ولمـا نشـبت الفتـن فـي بعـض بلادنـا العربيـة المجـاورة سـألت شـيخنا الفاضل‬ ‫الإمـام العلامـة أسـتاذنا الدكتـور نـور الديـن عتـر حفظـه الله ونفعنـا بـه وبعلومـه‬ ‫ـ آميـن ـ مـاذا يجـب علينـا فـي خضـم هـذه الأحـداث؟ فقـال‪« :‬اقـرؤوا أحاديـث‬ ‫الفتـن‪ ،‬واعملـوا بوصايـا النبـي ﷺ فيهـا‪ ،‬وجنبـوا أنفسـكم الوقـوع فـي الفتـن»(‪.)2‬‬ ‫(‪ )1‬أخرجه البخاري في كتاب الشركة‪ ،‬باب هل يقرع في القسمة والاستهام فيه‪ ،882/2:‬رقم(‪.)2361‬‬ ‫(‪ )2‬ع َّلق أحد العلماء على هذا الكلام قائل ًا‪ :‬هذا كلام العلماء الربانيين العارفين بما يجري من حولهم‪ ،‬والذين‬ ‫يعيشون داخل بلادهم‪ ،‬بعيدين عن المؤثرات الخارجية‪ ،‬والضغوطات الجماهيرية‪ ،‬وهو موقف ُجل‬ ‫علماء الداخل وعقلاء الأمة ‪ ...‬الذين بدأ كثير من الشباب بتفهم موقفهم من الأحداث الجارية‪ ،‬بعد‬ ‫أن رأوا الآثار السلبية لما أقدموا عليه بوحي من أعدائهم‪ ،‬وتزيين شياطين الإنس والجن لهم‪ ،‬وقد سبق‬ ‫َعنِ ُّت ۡم َحرِي ٌص َعلَ ۡي ُكم‬ ‫َجآ َء ُك ۡم َر ُسو ‪ٞ‬ل ِّم ۡن أَن ُف ِس ُك ۡم َع ِزي ٌز َع َل ۡيهِ َما‬ ‫فيه ‪﴿ :‬لَ َق ۡد‬ ‫السنوات الخداعات‪:‬‬ ‫أن َح ّذرنا من الوقوع بالفتن‪ ،‬وحدثنا عن‬ ‫‪[ ﴾١٢٨‬التوبة]‪،‬‬ ‫لرسولنا ﷺ‪ ،‬الذي قال‬ ‫بِٱلۡ ُم ۡؤ ِمنِي َن َر ُءو ‪ٞ‬ف َّر ِحي ‪ٞ‬م‬ ‫التي يكذب فيها الصادق‪ ،‬ويصدق فيها الكاذب‪ ،‬و ُي َّون فيها الأمين‪ ،‬و ُيؤ َّمن فيها الخائن‪ ،‬وسينطق فيها‬ ‫الرويبضة‪ ،‬وهو‪ :‬التافه ينطق بأمر العامة‪ ...‬كما حدثنا أنه سيأتي زمان نرى فيه‪ :‬حدثاء الأسنان‪ ،‬و ُسفهاء‬ ‫الأحلام‪ ،‬الذين يقولون بقول خير البرية‪ ،‬ويمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ‪...‬ومع هذا‬ ‫نرى اليوم كثير ًا من المسلمين كبار ًا وصغار ًا‪ ،‬يغفلون عن هذه الوصايا النبوية‪ ،‬وينساقون وراء العواطف‬ ‫الجامحة‪ ،‬والحركات الغوغائية‪ ،‬التي خلفت ولا تزال الهلاك والدمار ‪.‬أسأل الله عز وجل أن يوقظنا من‬ ‫غفلتنا‪ ،‬وأن يلطف بالبلاد والعباد‪ ،‬وأن يعيدنا إلى رشدنا‪ ،‬لنتمسك بكتاب ربنا‪ ،‬وسنة نبينا‪ ،‬وأن يعصمنا‬ ‫من الفتن‪ ،‬ما ظهر منها وما بطن‪ ،‬وأن يجعل العاقبة خير ًا ‪ ...‬إنه سميع مجيب‪.‬‬ ‫‪12‬‬

‫وأمرنـي أن أجمـع أحاديـث الفتـن مـن مصادرهـا‪ ،‬وأن أحـدث بهـا النـاس فيمـا‬ ‫أسـتطيع؛ لأ َّن التحصـن بالشـرع الشـريف‪ ،‬والانضبـاط بالعقـل الرشـيد‪ ،‬والاتـزان‬ ‫الفكـري‪ ،‬ومعالجـة الأمـور بالحكمـة والرويـة مـن أعظـم الأسـباب التـي تعصـم‬ ‫الإنسـان مـن الفتـن‪.‬‬ ‫فـإن التمسـك بالتوجيهـات والوصايـا النبويـة‪ ،‬والحـرص علـى وحـدة الأمـة‬ ‫وسـامة صدورهـا‪ ،‬وأمـن مجتمعاتهـا‪ ،‬والبعـد عـن اسـتباحة حـدود الله بالتأويـل‬ ‫والشــبهة؛ ممــا يســد أبــواب الفتــن‪ ،‬ويقــي الأجيــال مــن مخاطرهــا‪ ،‬ويضمــن‬ ‫عصمــة المؤمــن مــن أن تلفحــه نيرانهــا فــي آخــر الزمــان‪.‬‬ ‫كمـا أن فتـح أبـواب الفتـن‪ ،‬والاقتتـال الداخلـي‪ ،‬وتوجيـه السـاح نحـو صـدور‬ ‫المســلمين‪ ،‬لا يخــدم إلا أعــداء الأمــة‪ ،‬وفــي التاريــخ القديــم والحديــث عبــ ٌر‬ ‫ومواعـ ُظ للعقـاء ‪ ...‬فأيـن مـن يـدرك ذلـك ؟!‬ ‫فمــا أحوجنــا فــي هــذا الزمــان‪ ،‬المملــوء بالفتــن والأكــدار‪ ،‬إلــى أن نســلك‬ ‫سـبيل أهـل الإيمـان ـ المبنـي علـى هـدي القـرآن الكريـم والسـنة النبويـة الشـريفة‪،‬‬ ‫وهـدي الصحابـة الكـرام ‪‬ـ للوقايـة مـن الفتـن التـي تنشـب وتتوالـى فـي آخـر‬ ‫الزمـان‪ ،‬وتسـتعر نارهـا ويشـب ضرامهـا وينتشـر أوارهـا‪ ،‬عميـاء صمـاء مطبقـة‪،‬‬ ‫كقطـع الليـل المظلـم‪ ،‬أو كالأمـواج المتلاطمـة‪.‬‬ ‫لذلـك لابـد مـن الاسـتعداد للفتـن قبـل حدوثهـا‪ ،‬بالتسـلح بالعلـم والبصيـرة‪،‬‬ ‫مـع العمـل والاجتهـاد‪ ،‬والاسـتعداد ليـوم المعـاد‪ ،‬عسـى أن ننتبـه مـن ِسـنَ ِة الغفلـة‪،‬‬ ‫ونغتنـم المهلـة قبـل المباغتـة وال َو ْهلَـة‪.‬‬ ‫فـإ ّن هـذه الفتـن المعاصـرة التـي نعايشـها اشـتبه فيهـا الحـق بالباطـل علـى كثيـ ٍر‬ ‫مــن النــاس‪ ،‬فــكان حقــاً علــى كل مســلم أن يتأنّــى ولا يتع ّجــل‪ ،‬ويستشــي َر أهــل‬ ‫العلـم‪ ،‬الذيـن شـهدت لهـم الدنيـا بسـعة علومهـم‪ ،‬وإخلاصهـم‪ ،‬ورجاحـة رأيهـم‪،‬‬ ‫وبُعـ ِد نظرهـم‪.‬‬ ‫‪13‬‬

‫ومـن هنـا جـاء هـذا الكتـاب [منهـج أهـل الإيمـان للعصمة مـن فـن آخـر الزمان]‬ ‫تذكـرةً لمـن كان لـه قلـب‪ ،‬أو ألقـى السـمع وهـو شـهيد‪ ،‬واللهَ ‪ ‬أسـأ ُل أن يُخلـص‬ ‫نيتـي‪ ،‬وي ْح ِسـ َن َط ِويَّتـي‪ ،‬فإنمـا الأعمـا ُل بالنيـات‪ ،‬وإن الحسـنا ِت يُذهبـن السـيئا ِت‪،‬‬ ‫وإنمـا لـكل امـرئ مـا نـوى‪.‬‬ ‫وإنـي أتقـدم بهـذا الكتـاب إلـى كل مؤمـن عاقـل‪ ،‬يريـد أن يلقـى الله بالرضـا‪،‬‬ ‫حريــ ٍص علــى دمــاء المســلمين‪ ،‬ووحــدة الصــف والجماعــة‪ ،‬يريــد أن يفــ ِّوت‬ ‫الفرصــة علــى أعــداء الأمــة والمتربصيــن بهــا‪.‬‬ ‫راجيـاً الله تعالـى أن يخمـد نيـران الفتـن مـا ظهـر منهـا ومـا بطـن فـي جميـع‬ ‫بـاد الإسـام‪.‬‬ ‫أخوكم المحب‬ ‫خـالـد بن ســليمان الياســيـن‬ ‫‪14‬‬

‫تعريف الفتنة‪:‬‬ ‫الفتنـة فـي اللغـة‪ :‬الابتـاء والامتحـان والاختبـار‪ ،‬وأصلهـا مأخـوذ مـن قولـك‪:‬‬ ‫فتنـت الفضـة والذهـب‪ ،‬إذا أذبتهمـا بالنـار لتَ ِميـ َز الـرديء مـن الجيـد(‪ .)1‬والفاتـن‪:‬‬ ‫المضـل عـن الحـق(‪ .)2‬ثـم صـارت تطلـق الفتنـة علـى كل مكـروه‪ ،‬أو كل مـا يـؤول‬ ‫إليـه مـن أمـر مـن المكـروه والسـوء والشـر والفسـاد‪.‬‬ ‫والفتنة أيضاً‪ :‬إعجاب المر ِء بالشيء‪ ،‬فَتَنَه ي ْفتِنه فَتْناً وفتوناً‪ ،‬وأفتَنه‪.‬‬ ‫وقد ورد معنى الفتنة في القرآن الكريم على عشرة وجوه‪:‬‬ ‫‪ )1‬الشرك‪ :‬قال الله ‪َ ﴿ :‬وٱ ۡلفِ ۡت َن ُة أَ ۡك َ ُب ِم َن ٱ ۡل َق ۡت ِل﴾ [الآية‪/‬البقرة‪.]217:‬‬ ‫‪ )2‬الكفـر‪ :‬قـال الله ‪﴿ :‬لَ َقـ ِد ٱ ۡب َت َغـ ُواْ ٱ ۡلفِ ۡت َنـ َة﴾ [الآية‪/‬التوبـة‪ ،]48:‬وقـال الله ‪:‬‬ ‫﴿ َف َي َّتبِ ُعـو َن َمـا ت َ َ ٰشـ َب َه ِم ۡنـ ُه ٱبۡتِ َغـآ َء ٱ ۡل ِف ۡت َنـ ِة﴾ [الآيـة‪/‬آل عمـران‪ ،]7:‬وقـال الله ‪:‬‬ ‫﴿ َو َلٰ ِك َّن ُكـ ۡم َف َتن ُتـ ۡم أَن ُف َسـ ُك ۡم﴾ [الآية‪/‬الحديـد‪]14:‬؛ أي‪ :‬كفرتـم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أَ ۡمـ ِرهِۦٓ‬ ‫فِ ۡت َنـ ٌة﴾‬ ‫تُ ِصي َب ُهـ ۡم‬ ‫أن‬ ‫ـ ۡن‬ ‫َع‬ ‫ُ َيالِ ُفـو َن‬ ‫ٱ َّ ِليـ َن‬ ‫﴿ َف ۡل َي ۡحـ َذرِ‬ ‫‪:‬‬ ‫الله‬ ‫قـال‬ ‫الإثـم‪:‬‬ ‫‪)3‬‬ ‫ۚ‬ ‫َت ۡفتِـ ِّ ٓي‬ ‫َو َل‬ ‫ّ‬ ‫ٱئۡـ َذن‬ ‫َي ُقـو ُل‬ ‫[الآية‪/‬النـور‪]63:‬؛ أي‪ :‬إثـم‪ ،‬وقـال الله ‪َ ﴿ :‬و ِم ۡن ُهـم َّمـن‬ ‫ِل‬ ‫ََ‬ ‫َسـ َق ُطواْ﴾‬ ‫ٱ ۡلفِ ۡت َنـ ِة‬ ‫أل‬ ‫الإثـم‪.‬‬ ‫فـي‬ ‫أي‪:‬‬ ‫[التوبـة‪]49:‬؛‬ ‫ِف‬ ‫‪ )4‬العــذاب‪ :‬قــال الله ‪ِ ﴿ :‬مــ ۢن َب ۡعــ ِد َمــا فُتِ ُنــواْ﴾ [الآية‪/‬النحــل‪]110:‬؛ أي‪ُ :‬ع ِّذبــوا‪.‬‬ ‫وقــال الله ‪﴿ :‬إِ َّن ٱ َّ ِليــ َن َف َت ُنــواْ ٱلۡ ُم ۡؤ ِمنِــ َن﴾ [الآية‪/‬البــروج‪]10:‬؛ أي‪ :‬ع َّذبوهــم‪،‬‬ ‫وقــال ‪ُ ﴿ :‬ذو ُقــواْ فِ ۡتنَ َت ُكــ ۡم﴾ [الآية‪/‬الذاريــات‪ .]14:‬أي‪ :‬عذابكــم‪.‬‬ ‫(‪ )1‬انظر مقاييس اللغة‪ ،‬لابن فارس‪.472 /4:‬‬ ‫(‪ )2‬لسان العرب‪ ،‬لابن منظور الإفريقي‪ ،173/4:‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1:‬والمصباح المنير في غريب‬ ‫الشرح الكبير‪ ،‬للرافعي‪ ،462/2:‬المكتبة العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ومختار الصحاح‪ ،‬للرازي‪ :‬ص‪ ،488‬مكتبة‬ ‫لبنان ناشرون‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1415:‬ﻫ‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمود خاطر‪.‬‬ ‫‪15‬‬

‫[الآية‪/‬العنكبوت]؛‬ ‫‪﴾٢‬‬ ‫ُي ۡف َت ُنـو َن‬ ‫َ‬ ‫َو ُهـ ۡم‬ ‫َءا َم َّنا‬ ‫ْ‬ ‫َي ُقولُـ ٓوا‬ ‫﴿أَن‬ ‫‪:‬‬ ‫الله‬ ‫قـال‬ ‫وال ِم ْحنَـة‪:‬‬ ‫البـاء‬ ‫‪)5‬‬ ‫ل‬ ‫أي‪ :‬يُبتَلُـون‪ ،‬وقـال الله ‪َ ﴿ :‬و َل َقـ ۡد َف َت َّنـا ٱ َّ ِليـ َن ِمـن َق ۡبلِ ِهـ ۡم﴾ [الآية‪/‬العنكبـوت‪]3:‬؛ أي‪:‬‬ ‫امتحنَّا ُهـ ْم‪ ،‬وقـال الله‪َ ﴿ :‬و َف َت َّنٰـ َك ُف ُتو ٗنـا﴾ [الآية‪/‬طـه‪]40:‬؛ أي‪ :‬بلونـاك‪ ،‬وقـال الله‬ ‫‪َ ۞﴿ :‬و َل َقـ ۡد َف َت َّنـا َق ۡبلَ ُهـ ۡم قَـ ۡو َم فِ ۡر َعـ ۡو َن﴾ [الآية‪/‬الدخـان‪]17:‬؛ أي‪ :‬ابتليناهـم‪.‬‬ ‫َك َفــ ُر ٓواْ﴾‬ ‫ٱ َّ ِليــ َن‬ ‫َ‬ ‫َي ۡفتِ َن ُكــ ُم‬ ‫أن‬ ‫ِخ ۡف ُتــ ۡم‬ ‫﴿إِ ۡن‬ ‫‪:‬‬ ‫الله‬ ‫قــال‬ ‫والهــاك‪:‬‬ ‫القتــل‬ ‫‪)6‬‬ ‫[الآية‪/‬النســاء‪]101:‬؛ أي‪ :‬يقتلكــم‪ ،‬وقــال الله ‪ٰ َ َ ﴿ :‬ع َخــ ۡو ٖف ِّمــن فِ ۡر َعــ ۡو َن‬ ‫َي ۡفتِ َن ُهــ ۡم﴾‬ ‫َ‬ ‫َو َم َ ِليْ ِهــ ۡم‬ ‫يقتلهــم‪.‬‬ ‫أي‪:‬‬ ‫]؛‬ ‫[يونــس‪83:‬‬ ‫أن‬ ‫‪ )7‬الصـ ّد عـن الصـراط المسـتقيم‪ :‬قـال الله ‪ِ﴿ :‬إَون َك ُدواْ َلَ ۡفتِ ُنونَ َك﴾ [الآية‪/‬الإسـراء‪،]73:‬‬ ‫أَي‪:‬‬ ‫َي ۡفتِ ُنــو َك﴾‬ ‫َ‬ ‫﴿ َوٱ ۡح َذ ۡر ُهــ ۡم‬ ‫وقيــل‪:‬‬ ‫يصــ ّدو َك‪،‬‬ ‫[الآية‪/‬المائــدة‪]49:‬؛‬ ‫أن‬ ‫‪:‬‬ ‫الله‬ ‫وقــال‬ ‫يوقعـوك فـي بليّـة وشـ ّدة فـي صرفهـم إِيّـاك ع ّمـا أُوحـى إِليـك‪.‬‬ ‫‪ )8‬الحيـرة وال َّضـال‪ :‬قـال الله ‪َ ﴿ :‬مــآ أَن ُتــ ۡم َع َل ۡيــهِ بِ َفٰتِنِــ َن ‪[ ﴾١٦٢‬الصافـات]؛ أي‪:‬‬ ‫بضالِّيـن‪ ،‬وقـال الله ‪َ ﴿ :‬و َمـن يُـ ِردِ ٱلَّ ُل فِ ۡتنَ َتـ ُهۥ﴾ [الآية‪/‬المائـدة‪]41:‬؛ أي‪ :‬ضلالتـه ‪.‬‬ ‫قَالُواْ﴾‬ ‫َ‬ ‫َّ ٓ‬ ‫لَ ۡم‬ ‫[الآية‪/‬الأنعـام‪]23:‬؛‬ ‫أن‬ ‫إِل‬ ‫فِ ۡتنَ ُت ُهـ ۡم‬ ‫تَ ُكـن‬ ‫﴿ ُثـ َّم‬ ‫‪:‬‬ ‫الله‬ ‫قـال‬ ‫وال ِعلّـة‪:‬‬ ‫ال ُعـذر‬ ‫‪)9‬‬ ‫أَي‪ :‬عذرهم‪.‬‬ ‫‪ )10‬الجنـون والغفلـة‪ :‬قـال الله ‪﴿ :‬بِأَي ّيِ ُكـ ُم ٱلۡ َم ۡف ُتـو ُن ‪[ ﴾٦‬القلـم]؛ أي‪ :‬المجنون‪،‬‬ ‫والتقديـر‪ :‬أيكـم المفتـون‪ ،‬والبـاء زائـدة للتوكيد‪.‬‬ ‫فالفتنــة التــي يضيفهــا الله ســبحانه إلــى نفســه‪ ،‬أو يضيفهــا رســولُه إليــه؛‬ ‫َفكٱق ۡغو‪ِ‬فل‪:‬ــ ۡره﴿َإِلَ ۡـن‪‬ا‪َِ :‬وٱَهۡ﴿ر َإَِو ََّۡحكلَن َذٰـلفِِاۖـۡتـ َنَوأَُتَنكــ َفَ ََكتت َّنتُــ َخاِضـ َبۡـ ُُّۡعرلٱَ ۡبلضِ ََُههغٰـــِفامِر َيمبِــَب َۡعننــ‪٥‬ت َ‪١َٖ ٥‬شضـ﴾آ﴾ُ[ءال[ َاآويل َتآةيۡه‪/‬ةاـل‪/‬اأِدلعأـنيرعاـ َامفمـ]‪3،:‬نف‪5‬ت َت] َل‪،‬شــوآقكُءۖـبأَنومـلعنَمتىوَوآ ِسُّلخَـنرـا‪،‬ى‬ ‫وهـي بمعنـى الامتحـان والاختبـار‪ ،‬والابتـاء مـن الله لعبـاده بالخيـر والشـر‪،‬‬ ‫بالنعـم والمصائـب‪ ،‬فهـذه لـون‪ ،‬وفتنـة المشـركين لـون‪ ،‬وفتنـة المؤمـن فـي‬ ‫مالــه وولــده وجــاره لــون آخــر‪ ،‬والفتنــة التــي يوقعهــا بيــن أهــل ال ِإســام؛‬ ‫‪16‬‬

‫كالفتنـة التـي أوقعهـا بيـن أصحـاب علـي ومعاويـة وبيـن أهـل الجمـل‪ ،‬وبيـن‬ ‫المسـلمين‪ ،‬حتـى يتقاتلـوا ويتهاجـروا لـون آخـر‪ ،‬وهـي الفتنـة التـي قـال فيهـا‬ ‫النبـي ﷺ‪« :‬سـتكون فتنـة‪ ،‬القاعـد فيهـا خيـر مـن القائـم‪ ،‬والقائـم فيهـا خيـر‬ ‫مـن الماشـي‪ ،‬والماشـي فيهـا خيـر مـن السـاعي»(‪ ،)1‬وأحاديـ ُث الفتنـة التـي‬ ‫أمـر رسـول الله ﷺ فيهـا باعتـزال الطائفتيـن‪ ،‬هـي هـذه الفتنـة‪.‬‬ ‫قـال الحافـظ ابـن حجـر العسـقلاني رحمـه الله‪ُ « :‬ويعـرف المـراد حيثمـا َو َر َد‬ ‫بالســياق والقرائــن»(‪.)2‬‬ ‫والفتنـة والبـاء يسـتعملان فيمـا يدفـع إليـه الإنسـان‪ ،‬مـن شـدة ورخـاء‪ ،‬وهمـا‬ ‫فـي الشـ ّدة أظهـر معنـى‪ ،‬وأكثـر اسـتعمالاً‪ .‬وقـال الله ‪َ ﴿َ :‬و َل يَـ َر ۡو َن َأ َّن ُهـ ۡم ُي ۡف َت ُنـو َن‬ ‫ٱ ۡ َل ۡو ِف‬ ‫ِّمـ َن‬ ‫﴿ َو َلَ ۡب ُل َونَّ ُكـم ب ِـ َ ۡيءٖ‬ ‫َِوٱف ُُۡل ِّـكو َِعع ٖم َو َن ۡ﴾قـ[ا ٖلآيصة ّ‪ِ/‬مالَتنوٱبـۡة َل‪ۡ :‬م‪6‬ـ‪َ2‬وٰ‪]ِ 1‬ل‬ ‫[الآية‪/‬البقـرة‪.]155:‬‬ ‫إِ َوٱ ۡشـلَان ُرفةـ إِِلـس َىوٱلقثَّو َملِــ َهرٰ ِت‪﴾:‬‬ ‫قـال ال ِإمـام الطبـري رحمـه الله‪« :‬والصـواب أن يُقـال‪ :‬إن الفتنـ َة أصلهـا الابتلاء‪،‬‬ ‫وإنــكار المنكــر واجــب علــى كل َمــ ْن قــدر عليــه‪ ،‬فمــن أعــان المحــق أصــاب‪،‬‬ ‫و َمـ ْن أعـان المخطـئ أخطـأ‪ ،‬وإن أُشـكل الأمـ ُر فهـي الحالـة التـي ورد النهـي عـن‬ ‫القتـال فيهـا»(‪.)3‬‬ ‫والفتنـة مـن الأفعـال التـي تكـون مـن الله ‪ ‬ومـن العبـد؛ كالبليـة والمصيبـة‪،‬‬ ‫والقتـل‪ ،‬والعـذاب‪ ،‬ونحـوه‪ ،‬فـإذا كان مـن الله ‪ ،‬فهـو علـى وجـه الحكمـة‪ ،‬وإذا‬ ‫كان مـن الإنسـان فيكـون ضـد ذلـك‪.‬‬ ‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود في كتاب الفتن‪ ،‬باب النهي عن السعي في الفتنة‪ ،161/4:‬رقم (‪ ، )4259‬والترمذي في‬ ‫كتاب الفتن‪ ،‬باب تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم‪ ،486/4:‬رقم (‪ ،)2194‬وقال الترمذي‪( :‬هذا‬ ‫حديث حسن)‪.‬‬ ‫(‪ )2‬فتح الباري‪ ،‬لابن حجر العسقلاني‪.176/11:‬‬ ‫(‪ )3‬نقله عنه الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري‪.35/13:‬‬ ‫‪17‬‬

‫هل ما يحدث في بلادنا فتنة وعذاب أم ربيع عربي؟‬ ‫ل َّمـا شـبت نـار الفتنـة فـي بلادنـا العربيـة ولا سـيما فـي بلدنـا الحبيـب سـوريا‪ ،‬قمنـا‬ ‫بالتحذيـر مـن المسـاهمة فـي تأجيجهـا‪ ،‬وبيّنـا خطـورة النفـخ فـي كيرها‪ ،‬والخـوض في‬ ‫ضرامهـا‪ ،‬ووجهنـا العامـة والخاصـة إلـى البعـد عـن أسـبابها والعمـل علـى إخمادهـا‪،‬‬ ‫وتـرك الأعمـال والأقـوال التـي تزيـد فـي سـعيرها مـن الخـروج فـي المظاهـرات ورفـع‬ ‫الشـعارات والانطـواء تحـت الرايـات المشـبوهة كيـا يكـون شـباب الأمـة وقـود هـذه‬ ‫الفتـن التـي أضرمهـا أعـداء الله تعالـى تحـت شـعار (الربيـع العربـي)‪.‬‬ ‫ومــن نظــر بعيــن الإنصــاف والواقعيــة‪ ،‬وتدبــر الأمــور مــن منظــار المصالــح‬ ‫والمفاســد رأى أن المظاهــرات مــا لبثــت أن تحولــت إلــى فتنــة عميــاء ثــم إلــى‬ ‫هـرج ومـرج وقتـل وسـفك للدمـاء وفسـاد عريـض فـي الحـرث والنسـل وتمزيـق‬ ‫المجتمــع وهيمنــة الخــوف والذعــر بــدل الســلم والأمــن‪ ،‬وغيرهــا مــن الآثــار‬ ‫المروعــة والنتائــج الفظيعــة‪.‬‬ ‫فالعاقـل يـدرك أننـا فـي أتـون عـذاب وفتنـة‪ ،‬وليـس فـي أحضـان ربيـع كمـا‬ ‫يصـوره لنـا أعداؤنـا‪.‬‬ ‫ومـن أهـم أهـداف هـذه الفتنـة تشـويه صـورة الجهـاد الإسـامي الـذي هـو‬ ‫ذروة سـنام الإسـام‪ ،‬وتحويلـه مـن جهـاد مقـدس فـي وجـه أعـداء الأمـة لتحريـر‬ ‫البـاد إلـى التناحـر والهـرج والمـرج بيـن أفـراد الأمـة!‬ ‫ومن مظاهر هذه الفتنة‪:‬‬ ‫ ● انفـات النـاس مـن الضوابـط الشـرعية والعقليـة واتبـاع الهـوى‪ ،‬والانصيـاع‬ ‫وراء ردود الفعــل والعواطــف دون النظــر فــي المــآلات والعواقــب‪ ،‬بعيــداً‬ ‫عـن الموازنـة بيـن المصالـح والمفاسـد فـي أقوالهـم وأفعالهـم‪.‬‬ ‫ ● لجـوء الكثيـر ممـن أضـرم نـار الفتنـة إلـى أعـداء الأمـة والاسـتعانة بهـم فـي‬ ‫تحقيـق أهدافهـم‪ ،‬والركـون إلـى وعودهـم الكاذبـة‪ ،‬بـل وع ُّدوهـم أصدقـاء‬ ‫للشـعب وهـم ألـ ُّد أعدائـه‪.‬‬ ‫‪18‬‬

‫ ● هجرة الكثير من أبناء الوطن من النخب العلمية والثقافية والفكرية والكوادر‬ ‫الاقتصادية والصناعية‪ ،‬مما ساهم في ضعف البلد في هذه المجالات‪.‬‬ ‫ ● انتشـار أسـاليب اللعـن والطعـن‪ ،‬والتشـكيك والتخويـن‪ ،‬والاتهـام الباطـل‪،‬‬ ‫والافتــراءات المغرضــة لرمــوز هــذه الأمــة وقادتهــا ومفكريهــا وعلمائهــا‪،‬‬ ‫ممـا قطـع الصلـة بينهـم وبيـن عامـة النـاس‪ ،‬وهـذا مـا أراده أعداؤنـا‪.‬‬ ‫إلى غير ذلك من المفاسد التي نجمت عن هذه الفتنة الفتنة المهلكة‪.‬‬ ‫بعد هذا أسأل‪ :‬هل ما يجري في بلادنا (ربي ٌع) أم (عذاب)؟!‬ ‫الله ‪ ‬سـمى ذلـك ( عذابـاً )‪ ،‬وأعـداء الله سـموا ذلـك ( ربيعـاً )‪ ،‬فأعرضنـا عـن‬ ‫كلام الله ‪ ،‬وصدقنـا أعـداءه؛ فحـ َّل البـاء‪ ،‬ولا حـول ولا قـوة إلا بـالله‪..‬‬ ‫ِمـنقـ َا ۡتـل اِلتلهأَ ۡر ُج‪‬لِ‪ُ :‬ك﴿ـُق ۡمـ ۡأَلۡو يَُه ۡلـبِ َو َسٱـۡل َقـُكا ِۡدم ُر ِش َـ ََي ٰٓٗععاأَ َون ُي َي ِذ ۡبي َعـ َـق ََبث ۡع َعَضَل ۡي ُك ُـكمـ ۡبَمـأۡ َع َ َذاس ٗب َبـ ۡعاـ ِّمٍـ ۗضنٱن َف ُ ۡظوقـِ ۡر ُكَك ۡـيـۡم َأَ ۡوف‬ ‫نُـ َ ِّر ُف ٱٓأۡل َيٰـ ِت لَ َع َّل ُهـ ۡم َي ۡف َق ُهـو َن ‪[ ﴾٦٥‬الأنعـام]‪.‬‬ ‫قـال الإمـام القرطبـي رحمـه الله فـي تفسـير هـذه الآيـة الكريمـة‪ « :‬أي القـادر‬ ‫علـى إنجائكـم مـن الكـرب‪ ،‬قـادر علـى تعذيبكـم‪.‬‬ ‫ومعنـى ﴿ ِّمـن َف ۡوقِ ُكـ ۡم﴾‪ :‬الرجـم بالحجـارة والطوفـان والصيحـة والريـح؛ كمـا‬ ‫فعـل بعـاد وثمـود وقـوم شـعيب وقـوم لـوط وقـوم نـوح‪.‬‬ ‫﴿أَ ۡو ِمن َ ۡت ِت أَ ۡر ُجلِ ُك ۡم﴾‪ :‬الخسف والرجفة؛ كما فعل بقارون وأصحاب مدين‪.‬‬ ‫وقيـل‪ِّ ﴿ :‬مــن َف ۡوقِ ُكــ ۡم﴾ يعنـي‪ :‬الأمـراء الظلمـة‪﴿ ،‬أَ ۡو ِمــن َ ۡتــ ِت أَ ۡر ُجلِ ُكــ ۡم﴾‬ ‫يعنـي‪ :‬السـفلة وعبيـد السـوء‪.‬‬ ‫﴿أَ ۡو يَ ۡلبِ َس ُك ۡم ِش َي ٗعا﴾ بضم الياء‪ ،‬أي‪ :‬يجللكم العذاب ويعمكم به‪.‬‬ ‫وقيـل‪ :‬معنـى ﴿يَ ۡلبِ َسـ ُك ۡم ِشـ َي ٗعا﴾ يقـوي عدوكـم حتـى يخالطكـم وإذا خالطكم‬ ‫فقـد لبسـكم‪ ،‬و﴿ ِشـ َي ٗعا﴾ معنـاه فرقـاً‪ .‬وقيـل‪ :‬يجعلكـم فرقـاً يقاتـل بعضكـم بعضاً؛‬ ‫وذلـك بتخليـط أمرهم‪.‬‬ ‫‪19‬‬

‫وهو معنى قوله ‪َ ﴿ :‬و ُي ِذي َق َب ۡع َض ُكم بَأۡ َس َب ۡع ٍض﴾ أي‪ :‬بالحرب والقتل في الفتنة‪.‬‬ ‫والآية عامة في المسلمين والكفار‪ ،‬وقيل‪ :‬هي في الكفار خاصة‪.‬‬ ‫وقال الحسن‪ :‬هي في أهل الصلاة‪.‬‬ ‫قلـت ـ أي القرطبـي ـ‪ :‬وهـو الصحيـح؛ فإنـه المشـاهد فـي الوجـود‪ ،‬فقـد لبسـنا‬ ‫العـدو فـي ديارنـا واسـتولى علـى أنفسـنا وأموالنـا‪ ،‬مـع الفتنـة المسـتولية علينـا‬ ‫بقتـل بعضنـا بعضـاً واسـتباحة بعضنـا أمـوال بعـض»(‪.)1‬‬ ‫مصدر الفتن من المشرق‪:‬‬ ‫بيَّــن النبــي ﷺ أن أكثــر الفتــن يكــون مصدرهــا مــن جهــة الشــرق‪ ،‬كمــا فــي‬ ‫الأحاديــث الآتيــة‪:‬‬ ‫عــن أبــي هريــرة ‪ ‬قــال‪ :‬قــال رســول الله ﷺ‪« :‬رأس الكفــر نحــو الشــرق‪،‬‬ ‫والفخـر والخيـاء فـي أهـل الخيـل والإبـل‪ :‬الف ّداديـن(‪ )2‬أهـل الوبـر‪ ،‬والسـكينة‬ ‫فـي أهـل الغنـم»(‪.)3‬‬ ‫وفـي روايـة أنـه قـال ﷺ‪« :‬الإيمـان يمـان‪ ،‬والكفـر قبـل المشـرق‪ ،‬والسـكينة‬ ‫فـي أهـل الغنـم‪ ،‬والفخـر والريـاء فـي الفداديـن‪ :‬أهـل الخيـل والوبـر»(‪.)4‬‬ ‫(‪ )1‬الجامع لأحكام القرآن‪ ،‬للقرطبي‪ ،9/7:‬تحقيق‪ :‬هشام البخاري‪ ،‬دار عالم الكتب‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1423 :‬ﻫ‪.‬‬ ‫(‪ )2‬الفدادون بالتشديد‪ :‬الذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم‪ ،‬وأحدهم‪ :‬فداد‪ .‬يقال‪ :‬فد الرجل يفد‬ ‫فديد ًا إذا اشتد صوته‪ .‬وقيل‪ :‬هم المكثرون من الإبل‪ .‬وقيل‪ :‬هم الج ّملون والب ّقارون والح ّمرون والرعيان‪.‬‬ ‫وقيل‪ :‬إنما هو [الفدادين] مخفف ًا واحدها‪ :‬فدان مشدد وهي البقر التي يحرث بها‪ ،‬وأهلها أهل جفاء وغلظة‪.‬‬ ‫انظر‪ :‬النهاية‪ ،‬لابن الأثير‪.419/3:‬‬ ‫(‪ )3‬أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق‪ ,‬باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال‪ ،1002/2:‬رقم (‪،)3125‬‬ ‫ومسلم في كتاب الإيمان‪ ،‬باب تفاضل أهل الإيمان فيه ورجحان أهل اليمن فيه‪ ،71/1:‬رقم (‪.)52‬‬ ‫(‪ )4‬أخرجه مسلم في كتاب الإيمان‪ ،‬باب تفاضل أهل الإيمان فيه ورجحان أهل اليمن فيه‪ ،71/1:‬رقم (‪.)52‬‬ ‫‪20‬‬

‫عـن عبـد الله بـن عمـر ‪ ‬قـال‪ :‬سـمعت رسـول الله ﷺ يقـول وهو علـى المنبر‪:‬‬ ‫«ألا إن الفتنـة هـا هنـا ـ يشـير إلـى المشـرق ـ مـن حيث يطلـع قرن الشـيطان»(‪.)1‬‬ ‫وفـي روايـة بزيـادة فـي أولـه‪ :‬أن النبـي ﷺ قـال‪« :‬اللهـم بـارك لنـا فـي شـامنا‬ ‫وفـي يمننـا» قالـوا‪ :‬وفـي نجدنـا؟ قـال‪« :‬اللهـم بـارك لنـا فـي شـامنا وفـي يمننـا»‬ ‫قالـوا‪ :‬وفـي نجدنـا؟ قـال‪« :‬هنـاك الـزلازل والفتـن وبهـا يطلـع قـرن الشـيطان»(‪.)2‬‬ ‫وعـن سـالم بـن عبـد الله بـن عمـر بـن الخطـاب ‪ ‬أنـه قـال‪ :‬يـا أهـل العـراق‬ ‫مـا أسـألكم عـن الصغيـرة‪ ،‬وأركبكـم للكبيـرة‪ ،‬سـمعت أبـي عبـد الله بـن عمـر ‪‬‬ ‫يقـول‪ :‬سـمعت رسـول الله ﷺ يقـول‪« :‬إن الفتنـة تجـئ مـن ههنـا ـ وأومـأ بيـده‬ ‫نحـو المشـرق ـ مـن حيـث يطلـع قرنـا الشـيطان»‪ ،‬وأنتـم يضـرب بعضكـم رقـاب‬ ‫بعـض(‪.)3‬‬ ‫الشيطان يثير الفتن‪:‬‬ ‫الشـيطان حريـص علـى إثـارة الفتـن والبلايـا‪ ،‬وإيقـاع المؤمنيـن فـي المعاصـي‬ ‫والخطايـا‪ ،‬وإضـرام نـار الفتـن بيـن المسـلمين بعضهـم مـع بعـض‪ ،‬ليحرقهـم بهـا‬ ‫جميعــاً‪ ،‬يحــرش بيــن الإخــوة والأهــل والجيــران والأحبــاب‪ ،‬لتحــ َّل الشــحناء‬ ‫والبغضــاء والتنافــر والتدابــر فيمــا بينهــم‪ ،‬فيفــرق جمعهــم‪ ،‬ويوغــر صدورهــم‪،‬‬ ‫ويـزرع الأحقـاد فـي قلوبهـم‪ ،‬فعلـى المسـلم أن يكـون علـى حـذر مـن الشـيطان‬ ‫وأسـاليبه‪ ،‬فقـد بيَّـن لنـا رسـول الله ﷺ بعـض أسـاليب الشـيطان فـي إثـارة الفتـن‬ ‫لنكـون علـى حـذر منهـا‪.‬‬ ‫(‪ )1‬أخرجه البخاري في كتاب المناقب‪ ،‬باب نسبة اليمن إلى إسماعيل‪ ،1293/2:‬رقم (‪ ،3320‬ومسلم في‬ ‫كتاب الفتن وأشراط الساعة‪ ،2747/5:‬رقم (‪ .)2905‬وقرن الشيطان‪ :‬أي‪ :‬حزبه وأهل وقته وزمانه‬ ‫وأعوانه‪ .‬وقيل‪ :‬يحتمل أن يريد بالقرن قوة الشيطان وما يستعين به على الإضلال‪ .‬انظر‪ :‬تحفة الأحوذي‪،‬‬ ‫للمباركفوري‪.315/10:‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه البخاري في كتاب الاستسقاء‪ ،‬باب ما قيل في الزلازل والآيات‪ ،351/1:‬رقم (‪.)990‬‬ ‫(‪ )3‬أخرجه مسلم في كتاب الفتن‪ ،‬باب الفتنة من المشرق‪ ،2747/5:‬رقم (‪.)2905‬‬ ‫‪21‬‬

‫فعـن جابـر بـن عبـد الله ‪ ‬قـال‪ :‬سـمعت رسـول الله ﷺ يقـول‪« :‬إن إبليـس‬ ‫يضـع عرشـه علـى المـاء‪ ،‬ثـم يبعـث سـراياه‪ ،‬فأدناهـم منـه منزلـة أعظمهـم فتنـة‪،‬‬ ‫يجـئ أحدهـم فيقـول‪ :‬فعلـت كـذا وكـذا‪ ،‬فيقـول‪ :‬مـا صنعـت شـيئاً‪ ،‬قـال‪ :‬ثـم‬ ‫يجـئ أحدهـم فيقـول‪ :‬مـا تركتـه حتـى فرقـت بينـه وبيـن امرأتـه‪ ،‬قـال‪ :‬فيدنيـه منـه‪،‬‬ ‫ويقـول‪ :‬نعـم‪ ..‬أنـت»(‪.)1‬‬ ‫قـال سـيدنا علـي بـن أبـي طالـب ‪«:‬أيهـا النـاس‪ ..‬إن أول وقـوع الفتـن أهـواء‬ ‫تتبـع‪ ،‬وأحـكام تبتـدع‪ ،‬يخالـف فيهـا حكـم الله‪ ،‬ويعظـم عليهـا رجـال رجـالاً‪ ،‬ولـو‬ ‫أن الحـق أُخلـص ف ُعمـل بـه لـم يَخـ َف علـى ذي حجـاً(‪ ،)2‬ولكنـه يؤخـذ ضغـث‬ ‫مـن هـذا وضغـث مـن هـذا(‪ )3‬فيخلـط‪ ،‬فيعمـل بـه‪ ،‬فعنـد ذلـك يسـتولي الشـيطان‬ ‫علـى أوليائـه‪ ،‬وينجـوا الذيـن سـبقت لهـم منـا الحسـنى»(‪.)4‬‬ ‫عــن محمــد بــن ســيرين رحمــه الله قــال‪ :‬قــال جنــدب ‪« :‬جئــت يــوم‬ ‫ال َج َرعــة(‪ ،)5‬فــإذا رجــل جالــس‪ ،‬فقلــت‪ :‬ليهراقــن اليــوم ههنــا دمــاء‪ .‬فقــال ذاك‬ ‫الرجــل‪ :‬كلا والله‪ .‬قلــت‪ :‬بلــى والله‪ .‬قــال‪ :‬كلا والله‪ .‬قلــت‪ :‬بلــى والله‪ .‬قــال‪ :‬كلا‬ ‫والله إنــه لحديــث رســول الله ﷺ حدثنيــه‪ .‬قلــت‪ :‬بئــس الجليــس لــي أنــت منــذ‬ ‫اليـوم تسـمعني أخالفـك وقـد سـمعته مـن رسـول الله ﷺ فـا تنهانـي؟ ثـم قلـت‪:‬‬ ‫مــا هــذا الغضــب؟ فأقبلــت عليــه أســأله فــإذا الرجــل حذيفــة ‪.)6(»‬‬ ‫(‪ )1‬أخرجه مسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم‪ ،‬باب تحريش الشيطان ‪ ،2692/5:...‬رقم (‪.)2813‬‬ ‫(‪ )2‬على ذي حج ًا‪ :‬أي على صاحب عقل‪.‬‬ ‫(‪ )3‬ضغث من هذا وضغث من هذا‪ :‬أي كلام ملفق الطرفين من هذا ومن هذا؛ والضغث قبضة حشيش‬ ‫مختلطة الرطب باليابس‪ ،‬والمراد به‪ :‬البدع والشبهات المخالفة للكتاب والسنة والإجماع‪.‬‬ ‫(‪ )4‬دستور معالم الحكم ومأثور مكارم الشيم (من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه)‪،‬‬ ‫للقاضي أبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي‪ ،‬ص‪ ،239‬المكتبة الأزهرية‪.‬‬ ‫(‪ )5‬قال النووي‪ :‬الجَ َرعة‪ :‬موضع بقرب الكوفة على طريق الحيرة‪ ،‬ويوم الجرعة‪ :‬يوم خرج فيه أهل الكوفة‬ ‫يتلقون والي ًا ولاه عليهم عثمان ‪ ‬فردوه‪ ،‬وسألوا عثمان ‪ ‬أن يولى عليهم أبا موسى الأشعري ‪‬‬ ‫فو َّله‪ .‬انظر‪ :‬صحيح مسلم بشرح النووي‪.2747/5:‬‬ ‫(‪ )6‬أخرجه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة‪ ،‬باب في الفتنة التي تموج كموج البحر‪ ،2747/5:‬رقم (‪.)2905‬‬ ‫‪22‬‬

‫أنواع الفتن‪:‬‬ ‫والفتـن ليسـت نوعـاً واحـداً‪ ،‬بـل هـي أنـواع متعـددة‪ ،‬منهـا مـا يكـون علـى‬ ‫الأفـراد‪ ،‬ومنهـا مـا يكـون علـى الأسـرة‪ ،‬ومنهـا مـا يكـون علـى المجتمـع‪ ،‬ومنهـا‬ ‫مـا يكـون علـى الأمـة كلهـا‪.‬‬ ‫وتختلــف أشــكال الفتــن وألوانهــا وشــدتها وتأثيرهــا وخصائصهــا ونتائجهــا‬ ‫باختــاف الأفــراد والمجتمعــات والأجــواء والظــروف الاقتصاديــة والبيئيــة‬ ‫والاجتماعيــة والدينيــة وغيرهــا‪ ،‬لذلــك لا يمكــن تحديــد صــور وأشــكال معينــة‬ ‫للفتــن التــي تتربــص للإنســان والمجتمــع والأمــة‪.‬‬ ‫* فتنة الإنسان في دينه‪:‬‬ ‫أعظـم فتنـة قـد يتعـرض لهـا المؤمـن هـي فتنتـه فـي دينـه‪ ،‬حيـث يختبـر المؤمن‬ ‫ويمتحـن فـي دينـه هـل يثبـت عليـه ويتمسـك بـه ويضحـي بـكل شـيء دونـه‪ ،‬أم‬ ‫يسـرع بالانسـاخ والتنصـل منـه‪.‬‬ ‫عـن أبـي هريـرة ‪ ‬أن رسـول الله ﷺ قـال‪« :‬بـادروا بالأعمـال فتنـاً‪ ،‬كقطـع‬ ‫الليـل المظلـم‪ ،‬يصبـح الرجـل مؤمنـاً‪ ،‬ويمسـي كافـراً‪ ،‬أو يمسـي مؤمنـاً‪ ،‬ويصبـح‬ ‫كافـرا‪ ً,‬يبيـع دينـه بعـرض مـن الدنيـا»(‪.)1‬‬ ‫وعـن عمـران بـن حصيـن ‪ ‬قـال رسـول الله ﷺ‪« :‬مَـ ْن َسـ ِمع بال َّدجـال فَلْيَنْـأَ‬ ‫عنـه‪ ،‬فـو اللهِ إن الرجـ َل ليأتيـه وهـو يحسـب أنـه مومـن‪ ،‬فيتَّبعـه‪ ،‬ممـا يُبْ َعـ ُث بـه مـن‬ ‫الشـبهات‪ ،‬أو‪ :‬لِ َمـا يُب َعـث بـه مـن الشـبهات»(‪.)2‬‬ ‫(‪ )1‬أخرجه مسلم في كتاب الإيما ‪,‬ن باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن‪ 2, 70/1:‬رقم (‪.)118‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود في كتاب الملاحم‪ ،‬باب خروج الدجال‪ ،116/4:‬رقم (‪ ،)4319‬والإمام أحمد‪،431/4:‬‬ ‫رقم (‪ ،)19875‬والطبراني في المعجم الكبير‪ ،220/18:‬رقم (‪ ،)550‬والحاكم في المستدرك‪،531/4:‬‬ ‫وصححه على شرط مسلم‪ ،‬وسكت عنه الذهبي‪.‬‬ ‫‪23‬‬

‫* فتنة الإنسان في أهله‪:‬‬ ‫الأهـل والأولاد مـن نعـم الله ‪ ‬علـى عبـده‪ ،‬وربمـا تعـرض العبـد للاختبـار‬ ‫مـن الله ‪ ‬فيمـا أنعـم عليـه‪ ،‬فيجعـل فتنتـه فـي أهلـه وأولاده‪ ،‬قـال تعالـى‪﴿ :‬إِ َّن َمـآ‬ ‫أَ ۡم َوٰلُ ُكـ ۡم َوأَ ۡو َلٰ ُد ُكـ ۡم فِ ۡت َنـة‪َ ۚ ٞ‬وٱلَّ ُل ِعنـ َد ُه ٓۥ أَ ۡجـ ٌر َع ِظيـ ‪ٞ‬م ‪[ ﴾١٥‬التغابـن]‪.‬‬ ‫وعــن عبــد الله بــن عمــرو ‪ ‬أن رســول الله ﷺ قــال‪« :‬ســتكون فتنــة يفــارق‬ ‫الرجـل فيهـا أخـاه وأبـاه‪ ،‬تطيـر الفتنـة فـي قلـوب رجـال منهـم إلـى يـوم القيامـة‪،‬‬ ‫حتـى يعيـر الرجـل بهـا كمـا تعيـر الزانيـة بزناهـا»‪.‬‬ ‫وعنـه أن رسـول الله ﷺ قـال‪« :‬أتتكـم القريعـاء(‪ .»)1‬قلنـا‪ :‬ومـا هـي يـا رسـول‬ ‫الله؟ قـال‪« :‬فتنـة يكـون فيهـا مثـل البيضـة»(‪.)2‬‬ ‫*فتنة الإنسان في ماله‪:‬‬ ‫المـال فـي ظاهـره نعمـة‪ ،‬وفـي حقيقتـه فتنـة‪ ،‬يختبـر الله ‪ ‬بـه عبـاده‪ ،‬وكثيـر‬ ‫مـن النـاس يطغيـه المـال ويميـل بـه نحـو الهاويـة إذا لـم يحسـن سـلوك السـبل‬ ‫لتحصيلـه‪ ،‬وانحـرف عـن جـادة الحـق فـي إنفاقـه‪ ،‬قـال تعالـى‪ ﴿ :‬إِ َّن َمـآ أَ ۡم َوٰ ُل ُكـ ۡم‬ ‫َوأَ ۡو َلٰ ُد ُكــ ۡم فِ ۡت َنــة‪َ ۚ ٞ‬وٱلَّ ُل ِعنــ َدهُ ٓۥ أَ ۡجــ ٌر َع ِظيــ ‪ٞ‬م ‪[ ﴾ ١٥‬التغابـن]‪.‬‬ ‫وعـن عمـران بـن حصيـن ‪ ‬أن رسـول الله ﷺ قـال‪« :‬سـيكون بعـدي أربـع‬ ‫فتـن‪ :‬الأولـى يُسـتح ُّل فيهـا الـدم‪ ،‬والثانيـة‪ :‬يسـتحل فيهـا الـدم والمـال‪ ،‬والثالثـة‪:‬‬ ‫يسـتحل فيهـا الـدم والمـال والفـرج»(‪.)3‬‬ ‫(‪ )1‬القريعاء‪ :‬أرض لعنها الله إذا ز ِرع فيها نبت في حافتيها ولم ينبت في متنها شيء‪ .‬انظر‪ :‬النهاية‪ ،‬لابن‬ ‫الأثير‪.69/4:‬‬ ‫(‪ )2‬قال الهيثمي‪\" :‬أخرجهما الطبراني‪ ،‬وفيهما‪ :‬محمد بن سفيان الحضرمي ولم أعرفه‪ ،‬وابن لهيعة لين\"‪ .‬مجمع‬ ‫الزوائد‪ ،598/7:‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1414 :‬ﻫ‪ .‬وبياض الأرض‪ :‬ما لا عمارة فيه‪ .‬انظر‪ :‬لسان‬ ‫العرب‪ ،‬مادة بيض‪.122/7:‬‬ ‫(‪ )3‬قال الهيثمي‪\" :‬أخرجه الطبراني في الأوسط والكبير ولم يذكر غير ثلاث‪ ،‬وفيه حفص بن غيلان وثقه أبو‬ ‫زرعة وغيره‪ ،‬وضعفه الجمهور‪ ،‬وابن لهيعة ل ّي\"‪ .‬مجمع الزوائد‪.599/7:‬‬ ‫‪24‬‬

‫وعـن علـي ‪ ‬قـال‪َ « :‬سـتَ ُكو ُن فِتْنَـةٌ يُ َح َّصـ ُل النَّـا ُس ِمنْ َهـا َك َمـا يُ َح َّصـ ُل ال َّذ َهـ ُب‬ ‫فِـي الْ َم ْعـ ِد ِن»(‪.)1‬‬ ‫التحذير من الفتن‪:‬‬ ‫تظاهــرت نصــوص الكتــاب علــى التحذيــر مــن الفتــن‪ ،‬والأمــر بتجنبهــا‬ ‫َّ‬ ‫فِ ۡت َنـ ٗة‬ ‫﴿ َوٱ َّت ُقـواْ‬ ‫تُ ِصيـ َ َّن‬ ‫ل‬ ‫‪:‬‬ ‫قولـه‬ ‫ذلـك‬ ‫فمـن‬ ‫فيهـا‪،‬‬ ‫الخـوض‬ ‫وعـدم‬ ‫واعتزالهـا‪،‬‬ ‫ٱ َّ ِليــ َن َظ َل ُمــواْ ِمن ُكــ ۡم َخآ َّصــ ٗة﴾ [الآية‪/‬الأنفــال‪.]25:‬‬ ‫وأَ ْولَـى الشـر ُع الشـري ُف الفتـ َن قـدراً عظيمـاً مـن الاهتمـام‪ ،‬فحفلـت كتب السـنة‬ ‫المطهـرة بالنصـوص التـي تحـ ّذر منهـا‪ ،‬وقـ َّل أن يخلـو ِسـ ْف ٌر منهـا مـن كتـا ِب أو‬ ‫بـا ِب الفتـن‪.‬‬ ‫قـال الإمـام البخـاري رحمـه الله فـي صحيحـه‪« :‬كتـاب الفتـن‪ ،‬بـاب مـا جـاء‬ ‫َخآ َّصــ ٗة﴾‬ ‫َظلَ ُمــواْ‬ ‫ٱ َّ ِليــ َن‬ ‫َّ‬ ‫فِ ۡت َنــ ٗة‬ ‫﴿ َوٱ َّت ُقــواْ‬ ‫ِمن ُكــ ۡم‬ ‫تُ ِصيــ َ َّن‬ ‫ل‬ ‫تعالــى‪:‬‬ ‫الله‬ ‫قــول‬ ‫فــي‬ ‫[الآية‪/‬الأنفــال‪ .]25:‬ومــا كان النبــي ﷺ يُ َحــ ِّذ ُر مــن الفتــن»(‪.)2‬‬ ‫فعـن أسـامة بـن زيـد ‪ ‬قـال‪ :‬أشـرف النبـ ُّي ﷺ علـى أُ ُطـ ٍم مـن آطـام المدينـة‪،‬‬ ‫ثـم قـال‪« :‬هـل تـرون مـا أري؟ إنـي أرى مواقـع الفتـن خـا َل بيوتكـم كمواقـع‬ ‫ال َق ْطـر»(‪.)3‬‬ ‫(‪ )1‬أخرجه الحاكم في المستدرك‪ ،596/4:‬رقم (‪ ،)8658‬وقال‪\" :‬صحيح الإسناد ولم يخرجاه\"‪ ،‬ووافقه الذهبي‪.‬‬ ‫(‪ )2‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ :‬لابن حجر العسقلاني‪.3/13:‬‬ ‫(‪ )3‬أخرجه البخاري كتاب فضائل المدينة‪ ،‬باب آطام المدينة‪ ،22/3 :‬رقم (‪ ، )1878‬ومسلم في الفتن وأشراط‬ ‫الساعة‪ ،‬باب نزول الفتن كمواقع القطر‪ 2211/4:‬رقم (‪ .)2885‬و(أطم) الحصون التي تبنى بالحجارة‪،‬‬ ‫وقيل‪ :‬هو كل بيت مربع مسطح‪ .‬و(مواقع الفتن) مواضع حصولها وسقوطها‪ .‬و(خلال بيوتكم) بينها‬ ‫ونواحيها‪ ،‬جمع (خلل)‪ :‬وهو الفرجة بين الشيئين‪ .‬و(كمواقع القطر) مثل سقوط المطر الكثير الذي يعم‬ ‫الأنحاء والأماكن‪.‬‬ ‫‪25‬‬

‫قـال الإمـام النـووي رحمـه الله‪« :‬والتشـبيه بمواقـع ال َق ْطـر فـي الكثـرة والعمـوم‪،‬‬ ‫أي‪ :‬أنهـا كثيـرة‪ ،‬وتعـم النـاس‪ ،‬لا تختـص بهـا طائفـة‪ ،‬وهـذا إشـارة إلـى الحـروب‬ ‫الجاريـة بينهـم؟ كوقعـة الجمـل‪ ،‬وصفيـن‪ ،‬وال َحـ َّرة‪ ،‬ومقتـل عثمـان ‪ ،‬ومقتـل‬ ‫الحسـين ‪ ،‬وغيـر ذلـك‪ ،‬وفيـه معجـزة ظاهـرة لـه ﷺ»(‪.)1‬‬ ‫**تحذير النبي ﷺ أمته أن يرجعوا بعده كفاراً‪:‬‬ ‫لقـد حـ َّذر رسـول الله ﷺ أمتـه أن يرجعـوا بعـده كفـاراً‪ ،‬كل منهـم يكفـر الآخـر‪،‬‬ ‫بسـبب مخالفتـه لـه فـي الـرأي والمنهـج‪ ،‬ممـا يدفعـه لمقاتلتـه معلنـاً أن ذلـك هـو‬ ‫الجهـاد المشـروع فـي سـبيل الله تعالـى‪.‬‬ ‫فعــن عبــد الله بــن مســعود ‪ ‬قــال‪ :‬قــال رســول الله ﷺ‪« :‬ســباب المســلم‬ ‫فســوق‪ ،‬وقتالــه كفــر»(‪.)2‬‬ ‫وعـن عبـد الله بـ ِن عمـر ‪ ‬أن رسـول الله ﷺ قـال‪« :‬لا ترجعـوا بعـدي كفـار ‪,‬اً‬ ‫يضـرب بع ُضكـم رقـاب بعـض»(‪ .)3‬وزاد النسـائي فـي روايـة أخـرى‪« :‬ولا يؤخـذ‬ ‫الرجـل بجنايـة أبيـه‪ ،‬ولا جنايـة أخيـه»(‪.)4‬‬ ‫عـن ُكـر ِز بـن علقمـة الخزاعـي ‪ ‬قـال‪ :‬قـال رجـل‪ :‬يا رسـول الله‪ ،‬هل للإسـام‬ ‫مـن منتهـى؟ قـال ﷺ‪« :‬نعـم‪ ،‬أيُّمـا أهـل بيـت مـن العـرب أو العجـم أراد الله بهـم‬ ‫خيـراً أدخـل عليهـم الإسـام‪ ،‬ثـم تقـع الفتـن كأنهـا الظلـل»‪ .‬قـال‪ :‬كلا والله‪ ،‬إن‬ ‫شـاء الله‪ .‬قـال ﷺ‪« :‬بلـى‪ ،‬والـذي نفسـي بيـده‪ ،‬ثـم تعـودون فيهـا أسـاود صبـاً‪،‬‬ ‫(‪ )1‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.8 ،7/18:‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه البخاري في كتاب الإيمان‪ ،‬باب خوف المسلم أن يحبط عمله‪ ،19/1:‬رقم (‪ ، )48‬ومسلم في كتاب‬ ‫الإيمان‪ ،‬باب قول النبي ﷺ‪« :‬سباب المسلم ‪ ،214/1:»...‬رقم (‪.)64‬‬ ‫(‪ )3‬أخرجه البخاري في كتاب المغازي‪ ،‬باب حجة الوداع‪ ،1598/4:‬رقم (‪ ، )4141‬ومسلم في كتاب الإيمان‪،‬‬ ‫باب بيان معنى قول النبي ﷺ‪« :‬لا ترجعوا بعدي‪ ،216/1:»...‬رقم (‪.)66‬‬ ‫(‪ )4‬أخرجه النسائي في سننه‪ ،‬كتاب تحريم الدم‪ ،‬باب تحريم القتل‪ ،144/7:‬رقم (‪ ،)4137‬سنن النسائي بشرح‬ ‫السيوطي وحاشية السندي‪ ،‬دار المعرفة بيروت‪ ،‬ط‪1420 :5‬ﻫ‬ ‫‪26‬‬

‫يضـرب بعضكـم رقـاب بعـض»(‪ .)1‬وفـي روايـة‪« :‬فأفضـل النـاس مؤمـن معتـزل‬ ‫فـي ِشـع ٍب مـن الشـعاب يتقـي ربـه ـ تبـارك وتعالـى ـ ويـ َدع النـاس مـن شـره»‪.‬‬ ‫عـن عامـر بـن سـعد عـن أبيـه ‪ ‬أن رسـول الله ﷺ أقبـل ذات يـوم مـن العاليـة‪،‬‬ ‫حتـى إذا مـ َّر بمسـجد بنـي معاويـة‪ ،‬دخـل فركـع فيـه ركعتيـن‪ ،‬وصلينـا معـه ودعـا‬ ‫ربـه طويـاً‪ ،‬ثـم انصـرف إلينـا‪ ،‬فقـال ﷺ‪« :‬سـألت ربـي ثلاثـاً‪ ،‬فأعطانـي ثنتيـن‪،‬‬ ‫ومنعنـي واحـدة‪ ،‬سـألت ربـي ألا يهلـك أمتـي بال َّسـنَ ِة فأعطانيهـا‪ ،‬وسـألته ألا يهلك‬ ‫أمتـي بالغـرق فأعطانيهـا‪ ،‬وسـألته ألا يجعـل بأسـهم بينهـم فمنعنيهـا»(‪.)2‬‬ ‫وعـن جابـر بـن عتيـك ‪ ‬أنـه قـال‪ :‬جاءنـا عبـد الله بـن عمـر ‪ ‬فـي بنـي معاوية‬ ‫قريــة مــن قــرى الأنصــار‪ ،‬فقــال لــي‪ :‬هــل تــدري أيــن صلــى رســول الله ﷺ مــن‬ ‫مسـجدكم هـذا؟ فقلـت‪ :‬نعـم‪ ،‬فأشـرت لـه إلـى ناحيـة منـه‪ ،‬فقـال‪ :‬هـل تـدري مـا‬ ‫الثـاث التـي دعـا بهـن فيـه؟ فقلـت‪ :‬نعـم‪ ،‬قـال‪ :‬فأخبرنـي بهـم‪ ،‬فقلـت‪ :‬دعـا بـألا‬ ‫يظهـر عليهـم عـدواً مـن غيرهـم‪ ،‬ولا يهلكهـم بالسـنين فأعطيهمـا‪ ،‬ودعـا بـألا يجعـل‬ ‫بأسـهم بينهـم فمنعنيهـا‪ ،‬قـال‪ :‬صدقـت‪ ،‬فـا يـزال الهـرج إلـى يـوم القيامـة (‪.)3‬‬ ‫َع َذاقٗبــاالِّماـلن ِّطيفَبِ ۡوـقِي ُكرـحۡممأَـۡوه ِمالـلهن‪ۡ «َ :‬تهــ ِوت أَم ۡرن ُجقلِول ُـكهـ ۡم أَ‪ۡ‬و‪:‬يَ ۡل﴿بِقُ َـس ۡـل ُهُكـ ۡمَو ٱ ِشۡلـَق َيـ ٗاعادِ َُرو ُي َ ِذَيٰٓعـأََقن َب َي ۡعۡب ََعضـ َ ُثكـ َعم َلبَۡيـأۡ َُك ۡمس‬ ‫َب ۡعـ ٍض﴾ [الآية‪/‬الأنعـام‪ ،]65:‬أي‪ :‬يجعـل كل فرقـة منكـم متابعـة لإمـام‪ ،‬وينشـب القتـال‬ ‫بينكـم‪ ،‬وتختلطـوا وتشـتبكوا فـي ملاحـم القتـال‪ ،‬يضـرب بعضكـم رقـاب بعـض‪،‬‬ ‫ويذيـق بعضكـم بـأس بعـض‪ .‬المعنـى‪ :‬يخلطكـم فرقـاً مختلفيـن علـى أهواء شـتى»(‪.)4‬‬ ‫(‪ )1‬قال الهيثمي‪ :‬أخرجه أحمد والبزار والطبراني بأسانيد‪ ،‬وأحدها رجاله رجال الصحيح‪ .‬مجمع الزوائد‪.595/7:‬‬ ‫قال الإمام ابن رجب الحنبلي في فتح الباري‪ :‬الأساود‪ :‬جمع (أ ْس َود)‪ :‬وهو أخبث الحيات وأعظمها ‪.‬والصب‪:‬‬ ‫جمع (صبوب)‪ ،‬على أن أصله‪( :‬صبب) كـ(رسول ورسل)‪ ،‬ثم خفف كـ(رسل)؛ وذلك أن (الأ ْس َود) إذا‬ ‫أراد أن ينهش ارتفع ثم انصب على الملدوغ‪.‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة‪ ،‬باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض‪ ،2216/4:‬رقم (‪.)2890‬‬ ‫(‪ )3‬أخرجه الإمام أحمد في مسند جابر بن عتيك ‪ ،157/9:‬والمعنى هنا على تقدير محذوف؛ أي‪( :‬قال ﷺ‪ :‬فمنعنيها)‪.‬‬ ‫(‪ )4‬تحفة الأحوذي‪ ،‬للمباركفوري‪.398/6:‬‬ ‫‪27‬‬

‫**التحذير من خطباء الفتنة‪:‬‬ ‫وينبغـي الحـذر أشـد الحـذر مـن خطبـاء ومتكلميـن ينفخـون فـي كيـر الفتـن‬ ‫ليأججــوا نارهــا ـ عــن قصــد أو عــن غيــر قصــد ـ فيكونــون عونــاً للشــيطان فــي‬ ‫الوصـول إلـى مأربـه‪.‬‬ ‫فعـن حذيفـة بـن اليمـان ‪ ‬قـال ‪« :‬إن الفتنـة ُوكلـت بثـاث‪ :‬بالحاد الخريـر الذي‬ ‫لا يرتفـع لـه شـيء إلا قمعـه بالسـيف‪ ،‬وبالخطيـب الـذي يدعـو إليهـا‪ ،‬وبالسـيد‪ .‬فأمـا‬ ‫هـذان‪ :‬فتبطحهمـا لوجودهمـا‪ ،‬وأمـا السـيد‪ :‬فتبحثـه حتـى تَبلـ َو ما عنـده»(‪.)1‬‬ ‫وفـي روايـة (بالشـريف) بـدل (بالسـيد) وفيهـا‪( :‬فأمـا الحـاد الخريـر‪ :‬فتصرعـه‪،‬‬ ‫وأمـا هـذان فتبحثهمـا حتـى تَبلـ َو مـا عندهمـا)‪.‬‬ ‫فهــذا الحديــث موقــو ٌف علــى الصحابــي حذيفــة بــن اليمــان ‪ ‬أميــن ســر‬ ‫رسـول الله ﷺ‪ ،‬وليـس مرفوعـاً إلـى الرسـول ﷺ‪ ،‬ويغلـب علـى الظـن أن يكـون‬ ‫لـه حكـم المرفـوع إلـى النبـي ﷺ؛ لأن مـا جـاء فيـه مجـردُ أخبـار لا تُقـال بالـرأي‬ ‫والاجتهـاد‪ ،‬وقـد صحـح سـنده بعـض العلمـاء‪.‬‬ ‫ومعنـاه‪ :‬أن الفتنـة إذا وقعـت تؤثـر تأثيـراً سـلبياً شـديداً فـي ثلاثـة أصنـاف مـن‬ ‫النـاس‪ ،‬أكثـر ممـا تؤثـر فـي غيرهـم‪ ،‬وهـم‪:‬‬ ‫● الرجـل الذكـي ال َف ِطـ ُن حـاد المـزاج‪ ،‬الـذي يتأثـر سـريعاً بـكل شـيء يمـر‬ ‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي شيبة في ُمصنفه‪ ،18-17/15:‬والإمام أحمد في الزهد‪ ،136/2:‬وغيرهما‪ .‬وال ِخري ُر‪ :‬هو‬ ‫ال َفطِ ُن البصير بكل شيء‪ ،‬و ُت َو ّك ُل الفتنة به إن كان حاد ًا غير حليم‪ ،‬ولا أناة عنده‪ ،‬يريد الخير بمجرد وقوفه‬ ‫ومعرفته له‪ ،‬دون اتباع منهج الله في التغيير‪ ،‬ودون النظر إلى مآلات الأفعال‪ ،‬وعواقب الأمور‪ .‬وتشمل‬ ‫كذلك المعجبين به وبقراراته وأطروحاته‪ ،‬فيشاركون فيها بشرفهم وسيادتهم‪ ،‬وبألسنتهم وخطبهم‪،‬‬ ‫ومقالاتهم‪ ،‬ومؤلفاتهم‪ ،‬ونشراتهم وصحفهم‪ ،‬وهيئاتهم‪ ،‬فتختبرهم الفتن ُة‪ ،‬و َتبل َو ما عندهم‪ .‬فالخطيب‬ ‫والداعي لها أقرب منها من الشريف المعجب الذي َ َبرته الزخارف‪ ،‬وغرته الشعارات‪ ،‬ولعله إن تأمل‪،‬‬ ‫وتحلم‪ ،‬ونظر‪ ،‬وفكر‪ ،‬ود ّبر‪ ،‬وق ّدر‪َ ،‬ي ُل ُص منها إن تداركته رحمة مولاه‪ ،‬وخرج عن داعي هواه‪.‬‬ ‫‪28‬‬

‫عليــه‪،‬ويتفاعــلمعــهدونتَب ّصــربالنتائــجوالعواقــب‪،‬فينســاقمــعالأحــداث‪.‬‬ ‫ ● المتكلمـون الذيـن يُلهبـون عواطـف النـاس‪ ،‬ويحركونهـا فـي مسـار الفتنـة‪،‬‬ ‫تبعـاً لـرأي وموقـف ذلـك (النحريـر)‪ ،‬وهـم فـي الاصطـاح‪ :‬غيـر العلمـاء‬ ‫الذيـن يُع ّقلـون النـاس ويُب ّصرونهـم بالعواقـب والمـآلات‪.‬‬ ‫ ● الزعمــاء والوجهــاء مــن النــاس‪ ،‬الذيــن يتبعهــم النــاس لمجــرد شــهرتهم‬ ‫وموقعهـم الاجتماعـي أو السياسـي بينهـم‪ ،‬وليـس بسـبب علمهـم وخبرتهـم‬ ‫بالأمــور وعواقبهــا‪.‬‬ ‫فتصـرع الفتنـة الصنفيـن الأوليـن‪ ،‬وتبطحهمـا علـى وجوههمـا‪ ،‬وتختبـر وتبتلـي‬ ‫الصنـف الثالـث‪ ،‬الـذي قـد يتبصـر فـي الأمـر وينجـو مـن شـر الفتنـة‪.‬‬ ‫فمـن تفهـم معنـى الحديـث تمامـاً‪ ،‬ولاحـظ واقـع الفتـن التـي تـدور اليـوم هنـا‬ ‫أو هنـاك‪ ،‬وعـرف رجالهـا وخطباءهـا وأبطالهـا‪ ،‬ظهـر لـه موقـع هـؤلاء الأصنـاف‬ ‫الثلاثـة مـن تلـك الفتـن‪ ،‬و َع ِلـم أنـه لا نجـاة مـن شـر الفتـن الظاهـرة والباطنـة إلا‬ ‫بالعلــم الراســخ‪ ،‬والاتبــاع الكامــل لمنهــج الله ورســوله ﷺ فــي التعامــل معهــا‪،‬‬ ‫حيــ ُث يُ ْعصــ ُم المــرءُ بذلــك مــن أن يكــون ( إِمّ َعــةً ) يقــول‪ :‬أنــا مــع النــاس إن‬ ‫أحسـنوا أحسـنت‪ ،‬وإن أسـاؤوا أسـأت‪ ،‬أو يكـون ( عاطفيـاً )‪ ،‬تجنَـح بـه عواطفـه‬ ‫عـن مسـار التب ّصـر والتع ّقـل‪ ،‬فيتبـع كل داع إلـى الفتنـة ُمحـ ِّرض عليهـا‪ ،‬سـواء كان‬ ‫هـذا المحـ ِّرض خطيبـاً مف ِّوهـاً‪ ،‬أو زعيمـاً مسـ َّوداً‪.‬‬ ‫**إخبار النبي ﷺ عن فتن آخر الزمان‪:‬‬ ‫أخبـر النبـي ﷺ عـن الفتـن التـي سـتقع آخـر الزمـان‪ ،‬والتـي شـاء الله تعالـى‬ ‫أن يختبــر ويبتلــي بهــا عبــاده‪ ،‬فعــن أبــي زيــ ٍد الأنصــاري ‪ ‬قــال‪« :‬صلــى بنــا‬ ‫رســول الله ﷺ الفجــر‪ ،‬وصعــد المنبــر فخطبنــا حتــى حضــرت الظهــر‪ ،‬فنــزل‬ ‫فصلـى‪ ،‬ثـم صعـد المنبـر فخطبنـا حتـى حضـرت العصـر‪ ،‬ثـم نـزل فصلـى‪ ،‬ثـم‬ ‫‪29‬‬

‫صعـد المنبـر فخطبنـا حتـى غربـت الشـمس‪ ،‬فأخبرنـا بمـا كان وبمـا هـو كائـن‪،‬‬ ‫فأعلمنــا أحفظنــا»(‪.)1‬‬ ‫وعـن عمـر بـن الخطـاب ‪ ‬قـال‪« :‬قـام فينـا النبـي ﷺ مقامـاً‪ ،‬فأخبرنـا عـن‬ ‫بـدء الخلـق حتـى دخـل أهـل الجنـة منازلهـم‪ ،‬وأهـل النـار منازلهـم‪ ،‬حفـظ ذلـك‬ ‫مـن حفظـه‪ ،‬ونسـيه مـن نسـيه»(‪.)2‬‬ ‫وعـن حذيفـة بـن اليمـان ‪ ‬قـال‪« :‬قـام فينـا رسـول الله ﷺ مقامـاً‪ ،‬مـا تـرك‬ ‫شـيئاً يكـون فـي مقامـه ذلـك إلـى قيـام السـاعة إلا حـدث بـه‪ ،‬حفظـه مـن حفظـه‬ ‫ونسـيه مـن نسـيه‪ ،‬قـد علمـه أصحابـي هـؤلاء‪ ،‬وإنـه ليكـون منـه الشـيء قـد نسـيته‪،‬‬ ‫فـأراه فأذكـره‪ ،‬كمـا يذكـر الرجـل وجـه الرجـل إذا غـاب عنـه‪ ،‬ثـم إذا رآه عرفـه»(‪.)3‬‬ ‫وعـن أبـي سـعيد الخـدري ‪ ‬قـال‪ :‬صلـى بنـا رسـول الله ﷺ صـاة العصـر‬ ‫ذات يـوم بنهـار‪ ،‬ثـم قـام يخطبنـا إلـى أن غابـت الشـمس‪ ،‬فلـم يـدع شـيئاً ممـا‬ ‫يكــون إلــى يــوم القيامــة إلا حدثنــاه‪ ،‬حفــظ ذلــك مــن حفــظ ونســي ذلــك مــن‬ ‫نســي‪ ،‬وكان فيمــا قــال ﷺ‪« :‬يــا أيهــا النــاس إن الدنيــا خضــرة حلــوة‪ ،‬وإن الله‬ ‫مسـتخلفكم فيهـا فناظـر كيـف تعملـون‪ ،‬فاتقـوا الدنيـا واتقـوا النسـاء»‪ ،‬إلـى أن‬ ‫قـال‪ :‬ـ وقـد دنـت الشـمس أن تغـرب ـ «وإن مـا بقـي مـن الدنيـا فيمـا مضـى منهـا‪،‬‬ ‫مثـل مـا بقـي مـن يومكـم هـذا فيمـا مضـى منـه»(‪.)4‬‬ ‫(‪ )1‬أخرجه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة‪ ،‬باب إخبار النبي ﷺ فيما يكون إلى قيام الساعة‪،2738/5:‬‬ ‫ٱ ۡ َل ۡل َق﴾‪:‬‬ ‫رقم (‪.)2892‬‬ ‫‪،1066/3‬‬ ‫ْ‬ ‫َي ۡب َد ُؤا‬ ‫َّ‬ ‫﴿ َو ُه َو‬ ‫الله‪:‬‬ ‫قول‬ ‫في‬ ‫جاء‬ ‫ما‬ ‫باب‬ ‫الخلق‪،‬‬ ‫بدء‬ ‫كتاب‬ ‫في‬ ‫البخاري‬ ‫أخرجه‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ٱ ِلي‬ ‫رقم (‪.)3020‬‬ ‫(‪ )3‬أخرجه البخاري في القدر‪ ،‬باب ﴿ َو َك َن أَ ۡم ُر ٱلَّلِ قَ َد ٗرا َّم ۡق ُدو ًرا﴾‪ ،123/8:‬رقم (‪ ،)6604‬ومسلم في‬ ‫الفتن‪ ،‬باب إخبار الني ﷺ فيما يكون إلى قيام الساعة‪ ،2217/4:‬رقم (‪ ،)2891‬وأبو داود في الفتن‪،‬‬ ‫باب ذكر الفتن ودلائلها‪ 151/4:‬رقم (‪.)4240‬‬ ‫(‪ )4‬أخرجه الترمذي في كتاب الفتن‪ ،‬باب ما أخبر النبي ﷺ أصحابه بما هو كائن إلى يوم القيامة‪ ،53/4:‬رقم‬ ‫(‪ ،)2191‬وقال‪\" :‬حسن صحيح\"‪ ،‬والإمام أحمد في مسند أبي سعيد الخدري ‪ ،132/18:‬رقم (‪،)11587‬‬ ‫وأخرج مسلم بعضه في كتاب الرقاق‪ ،‬باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر‪ ،2623/5:...‬رقم (‪.)2742‬‬ ‫‪30‬‬

‫قـال حذيفـة بـن اليمـان ‪« :‬والله إنـي لأعلـم النـاس بـكل فتنـة هـي كائنـة فيما‬ ‫بينـي وبيـن السـاعة‪ ،‬ومـا بـي إلا أن يكـون رسـول الله ﷺ أسـر إلـي فـي ذلـك شـيئاً‬ ‫لـم يحدثـه غيـري»(‪.)1‬‬ ‫وعـن حذيفـة بـن اليمـان ‪ ‬قـال‪« :‬والله مـا أدري أنسـي أصحابـي أم تناسـوا؟‬ ‫والله مـا تـرك رسـول الله ﷺ مـن قائـد فتنـة إلـى أن تنقضـي الدنيـا‪ ،‬يبلـغ مـن معـه‬ ‫ثلاثمئـة فصاعـداً إلا قـد سـماه لنـا باسـمه واسـم أبيـه واسـم قبيلتـه»(‪.)2‬‬ ‫● إخبار النبي ﷺ عن فتنة الخوارج‪:‬‬ ‫ومـن أعظـم الفتـن التـي فتكـت فـي جسـد الأمـة الإسـامية‪ ،‬ومـا زالـت تفتـك‬ ‫بهـا‪ ،‬مـا أخبـر عنـه رسـول الله ﷺ مـن خـروج قـوم ظاهرهـم الإسـام‪ ،‬يمزقـون‬ ‫الأمـة شـر ممـزق‪ ،‬وصفهـم لنـا رسـول الله ﷺ بصفـات‪:‬‬ ‫منهـا مـا جـاء فـي الحديـث عـن زيـد بـن وهـب الجهنـي ‪« :‬أنـه كان فـي‬ ‫الجيـش الـذي كان مـع علـي ‪ ‬وسـار إلـى الخـوارج‪ ،‬فقال علـي ‪ :‬أيهـا الناس‬ ‫إنـي سـمعت رسـول الله ﷺ يقـول‪« :‬يخـرج قـوم مـن أمتـي يقـرأون القـرآن ليـس‬ ‫قراءتكـم إلـى قراءتهـم بشـيء‪ ،‬ولا صلاتكـم إلـى صلاتهـم بشـيء‪ ،‬ولا صيامكـم‬ ‫إلـى صيامهـم بشـيء‪ ،‬يقـرؤون القـرآن يحسـبون أنـه لهـم‪ ،‬وهـو عليهـم‪ ،‬لا تجـاوز‬ ‫صلاتهـم تراقيهـم‪ ،‬يمرقـون مـن الإسـام كمـا يمـرق السـهم مـن الرميـة»‪ ،‬لـو‬ ‫يعلـم الجيـش الــذي يصيبونهـم مـا قضـي لهـم علـى لسـان نبيهـم ﷺ لاتكلـوا‬ ‫عــن العمــل‪ ،‬وآيــة ذلــك أن فيهــم رجــاً لــه عضــد وليــس لــه ذراع‪ ،‬علــى رأس‬ ‫عضـده مثـل حلمـة الثـدي‪ ،‬عليـه شـعرات بيـض‪ ،‬فتذهبـون إلـى معاويـة وأهـل‬ ‫(‪ )1‬أخرجه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة‪ ،‬باب إخبار النبي ﷺ فيما يكون إلى قيام الساعة‪،2737/5:‬‬ ‫رقم (‪.)2891‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود في كتاب الفتن‪ ،‬باب ذكر الفتن‪ ،151/4:‬رقم (‪.)4245‬‬ ‫‪31‬‬

‫الشـام‪ ،‬وتتركـون هـؤلاء يخلفونكـم فـي ذراريكـم وأموالكـم‪ ،‬والله إنـي لأرجـو‬ ‫أن يكونـوا هـؤلاء القـوم‪ ،‬فإنهـم قـد سـفكوا الـدم الحـرام‪ ،‬وأغـاروا فـي سـرح‬ ‫النـاس‪ ،‬فسـيروا علـى اسـم الله‪.‬‬ ‫قـال سـلمة بـن كهيـل فنزلنـي زيـد بـن وهـب منـزلاً حتـى قـال‪ :‬مررنـا علـى‬ ‫قنطـرة‪ ،‬فلمـا التقينـا ـ وعلـى الخـوارج يومئـذ عبـدالله بـن وهـب الراسـبي ـ فقـال‬ ‫لهـم‪ :‬ألقـوا الرمـاح‪ ،‬وسـلوا سـيوفكم مـن جفونهـا‪ ،‬فإنـي أخـاف أن يناشـدوكم‪،‬‬ ‫كمـا ناشـدوكم يـوم حـروراء(‪ ،)1‬فرجعـوا فوحشـوا برماحهـم(‪ ،)2‬وسـلوا السـيوف‪،‬‬ ‫وشـجرهم النـاس برماحهـم(‪.)3‬‬ ‫قـال‪ :‬وقتـل بعضهـم علـى بعـض‪ ،‬ومـا أصيـب مـن النـاس يومئـذ إلا رجـان‪،‬‬ ‫فقـال علـي ‪ :‬التمسـوا فيهـم ال ُمخـ َدج(‪ ،)4‬فالتمسـوه فلـم يجـدوه‪ ،‬فقـام علي ‪‬‬ ‫بنفسـه حتـى أتـى ناسـاً قـد قتـل بعضهـم علـى بعـض‪ ،‬قـال‪ :‬أخروهـم‪ ،‬فوجـدوه‬ ‫ممــا يلــي الأرض‪ ،‬فكبــر‪ ،‬ثــم قــال‪ :‬صــدق الله وبلــغ رســوله‪ ،‬قــال‪ :‬فقــام إليــه‬ ‫عبيـدة السـلماني فقـال‪ :‬يـا أميـر المؤمنيـن ألله الـذي لا إلـه إلا هـو‪ ،‬لسـمعت هـذا‬ ‫الحديـث مـن رسـول الله ﷺ؟ فقـال‪ :‬إي والله الـذي لا إلـه إلا هـو‪ ،‬حتـى اسـتحلفه‬ ‫ثلاثـاً وهـو يحلـف لـه»(‪.)5‬‬ ‫وفـي روايـة عـن أبـي الوضـيء‪ ،‬قال علـي ‪ :‬اطلبـوا ال ُمخـ َدج‪ ...‬فاسـتخرجوه‬ ‫مـن تحـت القتلـى فـي طيـن‪ ،‬قـال أبـو الوضـيء‪ :‬فكأنـي أنظـر إليـه‪ ،‬حبشـي عليـه‬ ‫(‪ )1‬حروراء‪ :‬موضع قريب من الكوفة‪ ،‬كان أول مجتمع الخوارج وتحكيمهم فيها‪ ،‬وهم أحد الذين قاتلهم‬ ‫علي ‪ ،‬ويسمون الحرورية‪ .‬انظر‪ :‬النهاية‪ ،‬لابن الأثير‪.366/1:‬‬ ‫(‪ )2‬فوحشوا برماحهم‪ :‬رموها‪ .‬انظر‪ :‬النهاية‪ ،‬لابن الأثير‪.160/5:‬‬ ‫(‪ )3‬شجرهم الناس برماحهم‪ :‬طعنوهم بها حتى اشتبكت فيهم‪ .‬انظر‪ :‬النهاية لابن الأثير‪.446/2:‬‬ ‫(‪ )4‬المخدج‪ :‬ناقص الخلق‪ .‬انظر‪ :‬النهاية‪ ،‬لابن الأثير‪.13/2:‬‬ ‫(‪ )5‬أخرجه مسلم في كتاب الزكاة‪ ،‬باب التحريض على قتل الخوارج‪ ،1103/2:‬رقم (‪.)1066‬‬ ‫‪32‬‬

‫قُريطـق(‪ ،)1‬لـه إحـدى يديـن مثـل ثـدي المـرأة‪ ،‬عليهـا شـعيرات مثـل شـعيرات‬ ‫التـي تكـون علـى ذنـب اليربـوع(‪.)2‬‬ ‫قـال أبـو مريـم‪ :‬إن كان ذلـك ال ُمخـ َدج لمعنـا يومئـذ فـي المسـجد‪ ،‬نجالسـه‬ ‫بالليــل والنهــار‪ ،‬وكان فقيــراً‪ ،‬ورأيتــه مــع المســاكين يشــهد طعــام علــي ‪ ‬مــع‬ ‫النـاس‪ ،‬وقـد كسـوته برنسـاً لـي‪.‬‬ ‫قــال أبــو مريــم‪ :‬وكان ال ُمخــ َدج يســمى نافعــاً ذا الثديــة‪ ،‬وكان فــي يــده مثــل‬ ‫ثـدي المـرأة‪ ،‬علـى رأسـه حلمـة مثـل حلمـة الثـدي‪ ،‬عليـه شـعيرات مثـل ِسـبالة‬ ‫الســنور(‪.)3‬‬ ‫وعـن عبيـد الله بـن أبـي رافـع مولـى رسـول الله ﷺ‪ :‬أن الحروريـة لمـا خرجت‪،‬‬ ‫وهـو مـع علـي بـن أبـي طالـب ‪ ‬قالـوا‪ :‬لا حكـم إلا لله‪ ،‬قـال علـي ‪ :‬كلمـة‬ ‫حـق أريـد بهـا باطـل‪ ،‬إن رسـول الله ﷺ وصـف ناسـاً‪ ،‬إنـي لأعـرف صفتهـم فـي‬ ‫هـؤلاء‪ ،‬يقولـون الحـق بألسـنتهم‪ ،‬لا يجـوز هـذا منهـم ـ وأشـار إلـى حلقـه ـ مـن‬ ‫أبغـض خلـق الله إليـه‪ ،‬منهـم أسـود إحـدى يديـه ِطبْـ ُي شـاة(‪ ،)4‬أو حلمـة ثـدي‪،‬‬ ‫فلمـا قتلهـم علـي بـن أبـي طالـب ‪ ‬قـال‪ :‬انظـروا‪ ،‬فنظـروا‪ ،‬فلـم يجـدوا شـيئاً‪،‬‬ ‫فقـال‪ :‬ارجعـوا فـو الله مـا كذبـت‪ ،‬ولا كذبـت‪ ،‬مرتيـن أو ثلاثـاً‪ ،‬ثـم وجـدوه فـي‬ ‫خربـة‪ ،‬فأتـوا بـه‪ ،‬حتـى وضعـوه بيـن يديـه‪ ،‬قـال عبيـد الله رحمـه الله‪ :‬وأنـا حاضـر‬ ‫(‪ )1‬قريطق‪ :‬تصغير ُقر َطق‪ ،‬وهو‪ :‬القباء‪ ،‬لبس معروف‪ ،‬مع َّرب‪ُ :‬ك ْر َته‪ ،‬وإ ْبدال القاف من الهاء في الأسماء‬ ‫المعربة كثير‪ .‬انظر‪ :‬النهاية‪ ،‬لابن الأثير‪.42/4 :‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود في كتاب السنة‪ ،‬باب في قتال الخوارج‪ ،390/4:‬رقم (‪.)4771‬‬ ‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود في كتاب السنة‪ ،‬باب في قتال الخوارج‪ ،391/4:‬رقم (‪ ،)4772‬و ِسبالة السنور‪ :‬من‬ ‫ال َّس َبلة بالتحريك‪ :‬الشارب والجمع ال ِّسبال‪ ،‬وهي الشعرات التي تحت اللحى الأسفل‪ ،‬والسبلة عند‬ ‫العرب‪ :‬مقدم اللحية‪ ،‬وما أ ْس َبل منها على الصدر‪ .‬انظر‪ :‬النهاية‪ ،‬لابن الأثير‪.339/2:‬‬ ‫(‪ )4‬ال ِّط ْب ُي‪َ :‬ح َلمات الضرع التي فيها اللبن من الخُ ِّف وال ِّظلف والحافر والسباع‪ .‬انظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬مادة‬ ‫(طبي)‪.3/15:‬‬ ‫‪33‬‬

‫ذلـك مـن أمرهـم‪ ،‬وقـول علـي ‪ ‬فيهـم(‪.)1‬‬ ‫وعـن سـويد بـن غفلـة رحمـه الله قـال‪ :‬قـال علـي ‪ :‬إذا حدثتكـم عـن رسـول‬ ‫الله ﷺ حديثــاً‪ ،‬فــو الله لأن أخــر مــن الســماء أحــب إلــي مــن أكــذب عليــه‪ .‬وفــي‬ ‫روايــة‪ :‬مــن أن أقــول عليــه مــا لــم يقــل‪ ،‬وإذا حدثتكــم فيمــا بينــي وبينَكــم‪ ،‬فــإن‬ ‫الحـرب خدعـة‪ ،‬وإنـي سـمعت النبـي ﷺ يقـول‪« :‬سـيخرج قـوم فـي آخـر الزمـان‪،‬‬ ‫حدثـاء الأسـنان‪ ،‬سـفهاء الأحـام‪ ،‬يقولـون مـن قـول خيـر البرية‪ ،‬يقـرؤون القـرآن‪ ،‬لا‬ ‫يجـاوز إيمانهـم حناجرهـم‪ ،‬يمرقـون مـن الديـن كمـا يمرق السـهم مـن الرميـة‪ ،‬فأينما‬ ‫لقيتموهـم فاقتلوهـم‪ ،‬فـإن فـي قتلهـم أجـراً لمـن قتلهـم عنـد الله يـوم القيامـة»(‪.)2‬‬ ‫وعـن أبـي سـلمة وعطـاء بـن يسـار رحمهمـا الله‪ ،‬أنهمـا أتيـا أبـا سـعيد الخـدري ‪‬‬ ‫فســألاه عــن الحروريــة‪ ،‬هــل ســمعت رســول الله ﷺ يذكرهــا؟ قــال‪ :‬لا أدري مــن‬ ‫الحروريــة؟ ولكنــي ســمعت رســول الله ﷺ يقــول‪« :‬يخــرج فــي هــذه الأمــة قــوم‪،‬‬ ‫تحقـرون صلاتكـم مـع صلاتهـم‪ ،‬يقـرؤون القـرآن‪ ،‬لا يجـاوز حلوقهـم ـ أو حناجرهـم ـ‬ ‫يمرقـون مـن الديـن مـروق السـهم مـن الرميـة‪ ،‬فينظـر الرامـي إلـى سـهمه‪ ،‬إلى نصلـه(‪،)3‬‬ ‫إلـى ِرصافـه(‪ ،)4‬فيتمـارى فـي ال ُف َوقـة(‪ :)5‬هـل علـق بهمـا مـن الـدم شـيء؟»(‪.)6‬‬ ‫وفـي روايـة‪ :‬أن أبـا سـعيد الخـدري ‪ ‬قـال‪ :‬بينمـا نحـن عنـد رسـول الله ﷺ‬ ‫وهـو يقسـم قَسـماً‪ ،‬أتـاه ذو ال ُخ َويَ ِصـرة ـ وهـو رجـل مـن بنـي تميـم ـ فقـال‪ :‬يـا‬ ‫(‪ )1‬أخرجه مسلم في كتاب الزكاة‪ ،‬باب التحريض على قتل الخوارج‪ ،1103/2:‬رقم (‪.)1066‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه البخاري في كتاب المناقب‪ ،‬باب علامات النبوة في الإسلام‪ ،1321/3:‬رقم (‪ ، )3415‬ومسلم‬ ‫في كتاب الزكاة‪ ،‬باب التحريض على قتل الخوارج‪ ،1101/2:‬رقم (‪.)1066‬‬ ‫(‪ )3‬النصل هو‪ :‬حديدة السهم‪ .‬انظر‪ :‬شرح النووي على مسلم‪.1098/2 :‬‬ ‫(‪ )4‬ال ِّرصاف‪ :‬واحده َر َصفة بالتحريك‪ ،‬وهو من ال َّر ْصف‪ :‬الشد والضم‪ .‬و َر َصف السهم إذا شده بال ِّرصاف‪،‬‬ ‫وهو‪ :‬عقب يلوى على مدخل النصل فيه‪ .‬انظر‪ :‬النهاية‪ ،‬لابن الأثير‪.227/2 :‬‬ ‫(‪ )5‬الفوقة‪ :‬هو الحز الذي يجعل فيه الوتر‪ .‬انظر‪ :‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.1098/2:‬‬ ‫(‪ )6‬أخرجه البخاري في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم‪ ،‬باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة‬ ‫عليهم‪ ،2540/6:‬رقم (‪ ،)6532‬ومسلم في كتاب الزكاة‪ ،‬باب ذكر الخوارج وصفاتهم‪ ،1098/2 :‬رقم (‪.)1064‬‬ ‫‪34‬‬

‫رسـول الله‪ ،‬اعـدل‪ ،‬فقـال رسـول الله ﷺ‪« :‬ويلـك‪ ،‬ومـن يعـدل إذا لـم أعـدل؟»‬ ‫ـ وفـي روايـة‪ :‬قـد خبـت وخسـرت إن لـم أعـدل ـ فقـال عمـر بـن الخطـاب ‪:‬‬ ‫ائـذن لـي فيـه فأضـرب عنقـه‪ ،‬فقـال رسـول الله ﷺ‪« :‬دعـه‪ ،‬فـإن لـه أصحابـاً يحقـر‬ ‫أح ُدكـم صلاتَـه مـع صلاتِهـم‪ ،‬وصيامَـه مـع صيا ِمهـم»‪.‬‬ ‫زاد فــي روايــة‪« :‬يقــرؤون القــرآن لا يجــاوز تراقيهــم‪ ،‬يمرقــون مــن الإســام‬ ‫كمـا يمـرق السـهم الرميـة‪ ،‬ينظـر أحدهـم إلـى نصلـه فـا يوجـد فيـه شـيء‪ ،‬ثـم‬ ‫ينظـر إلـى ِرصافـه فـا يوجـد فيـه شـيء‪ ،‬ثـم ينظـر إلـى نَ ِضيِّـه(‪ )1‬لا يوجـد فيـه‬ ‫شـيء‪ ،‬ثـم ينظـر إلـى قُـ َذذه(‪ )2‬فـا يوجـد فيـه شـيء‪ ،‬سـبق الفـرث والـدم‪ ،‬آيتهـم‪:‬‬ ‫رجـل أسـود‪ ،‬إحـدى عضديـه‪ ،‬مثـل البضعـة تَـ َدردَر‪ ،‬يخرجـون علـى حيـن فرقـة‬ ‫مـن النـاس»‪.‬‬ ‫قـال أبـو سـعيد ‪ :‬فأشـهد أنـي سـمعت هـذا مـن رسـول الله ﷺ‪ ،‬وأشـهد أن‬ ‫عليـاً ‪ ‬قاتلهـم وأنـا معـه‪ ،‬فأمـر بذلـك الرجـل‪ ،‬فالتمـس فوجـد‪ ،‬فأتـي بـه حتـى‬ ‫نظـرت إليـه‪ ،‬علـى نعـت رسـول الله ﷺ الـذي نعـت(‪.)3‬‬ ‫وفــي روايــة أخــرى‪ :‬قــال أبــو ســعيد الخــدري ‪ :‬بعــث علــي ‪ ‬وهــو‬ ‫باليمـن إلـى النبـي ﷺ بذهيبـة فـي تربتهـا‪ ،‬فقسـمها بيـن أربعـة‪ :‬الأقـرع بـن حابـس‬ ‫الحنظلـي‪ ،‬ثـم أحـد بنـي مجاشـع‪ ،‬وبيـن ُعيَينـة بـن بـدر الفـزاري‪ ،‬وبيـن َعلقمـة بن‬ ‫ُعلاثـة العامـري‪ ،‬ثـم أحـد بنـي كلاب‪ ،‬وبيـن زيـد الخيـل الطائـي‪ ،‬ثـم أحـد بنـي‬ ‫نبهـان‪ ،‬فتغضبـت قريـش والأنصـار‪ ،‬فقالـوا‪ :‬يعطيـه صناديـد أهـل نجـد ويدعنـا؟‬ ‫قـال رسـول الله ﷺ‪« :‬إنمـا أتألفهـم»‪ ،‬فأقبـل رجـل غائـر العينيـن‪ ،‬ناتـئ الجبيـن‪،‬‬ ‫(‪ )1‬النَ ِ ُّض‪ :‬هو القدح؛ أي‪ :‬عود السهم‪ .‬انظر‪ :‬شرح مسلم‪ ،‬للنووي‪.1098/2:‬‬ ‫(‪ )2‬ال ُق َذ ُذ‪ :‬هو ريش السهم‪ .‬انظر‪ :‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.1098/2:‬‬ ‫(‪ )3‬أخرجه البخاري في كتاب المناقب‪ ،‬باب علامات النبوة في الإسلام‪ ،1321/3:‬رقم (‪ ، )3414‬ومسلم‬ ‫في كتاب الزكاة‪ ،‬باب ذكر الخوارج وصفاتهم‪ ،1099/2:‬رقم (‪.)1064‬‬ ‫‪35‬‬

‫كـث اللحيـة‪ ،‬مشـرف الوجنتيـن‪ ،‬محلـوق الـرأس‪ ،‬فقـال‪ :‬يـا محمـد‪ ،‬اتـق الله‪ ،‬فقال‬ ‫ﷺ‪« :‬فمــن يطيــع الله إذا عصيتــه؟ أفيأمنــي علــى أهــل الأرض ولا تأمنونــي؟»‪،‬‬ ‫فسـأل رجـل مـن القـوم قتلـه ـ أُراه خالـد بـن الوليـد ‪ ‬ـ فمنعـه ﷺ‪ ،‬فلمـا ولـى‪،‬‬ ‫قـال ﷺ‪« :‬إن مـن ِضئضـيء(‪ )1‬هـذا‪ ،‬قومـاً يقـرؤون القـرآن‪ ،‬لا يجـاوز حناجرهـم‪،‬‬ ‫يمرقـون مـن الإسـام‪ ،‬مـروق السـهم مـن الرميـة‪ ،‬يقتلـون أهـل الإسـام‪ ،‬ويدعون‬ ‫أهـل الأوثـان‪ ،‬لئـن أدركتهـم لأقتلنهـم قتـل عـاد»(‪.)2‬‬ ‫وفـي روايـة‪ :‬فقـال خالـد بـن الوليـد ‪ :‬يـا رسـول الله‪ :‬ألا أضـرب عنقـه؟‬ ‫فقـال ﷺ‪« :‬لا‪ ،‬لعلـه أن يكـون يصلـي»‪ ،‬قـال خالـد ‪ :‬وكـم مـن مصـل‪،‬‬ ‫يقــول بلســانه مــا ليــس فــي قلبــه‪ ،‬فقــال رســول الله ﷺ‪« :‬إنــي لــم أومــر أن‬ ‫أنقـب عـن قلـوب النـاس‪ ،‬ولا أشـق بطونهـم»‪ ،‬قـال‪ :‬ثـم نظـر إليـه وهـو مُ َق ٍّف‪،‬‬ ‫فقـال ﷺ‪« :‬إنـه يخـرج مـن ِضئْ ِضـي هـؤلاء قـوم يتلـون كتـاب الله رطبـاً‪ ،‬لا‬ ‫يجـاوز حناجرهـم‪ ،‬يمرقـون مـن الديـن‪ ،‬كمـا يمـرق السـهم مـن الرميـة‪ ،‬لئـن‬ ‫أدركتهـم لأقتلنهـم قتـل ثمـود»(‪.)3‬‬ ‫وعــن أبــي ســعيد الخــدري وأنــس بــن مالــك ‪ ‬أن رســول الله ﷺ قــال‪:‬‬ ‫«ســيكون فــي أمتــي اختــاف وفرقــة‪ ،‬قــوم يحســنون القيــل ويســيئون الفعــل‪،‬‬ ‫يقـرؤون القـرآن‪ ،‬لا يجـاوز تراقيهـم‪ ،‬يمرقـون مـن الديـن مروق السـهم مـن الرمية‪،‬‬ ‫لا يرجعـون حتـى يرتـد علـى فوقـه(‪ ،)4‬هـم شـر الخلـق والخليقـة‪ ،‬طوبـى لمـن‬ ‫(‪ )1‬ال ِضئضيء‪ :‬أصل الشيء‪ .‬انظر‪ :‬شرح النووي على مسلم‪.1098/2:‬‬ ‫(‪)2‬أخرجهالبخاريفيكتابالأنبياء‪،‬باب قولالله ‪َ ﴿‬وأَ َّما َعد‪ ٞ‬فَأُ ۡهلِ ُكواْبِ ِري ٖح َ ۡص َ ٍص َعتِ َيةٖ ‪[﴾٦‬الحاقة]‪،1219/3:‬‬ ‫رقم (‪ ، )3166‬ومسلم في كتاب الزكاة‪ ،‬باب ذكر الخوارج وصفاتهم‪ ،1097/2:‬رقم (‪.)1064‬‬ ‫(‪ )3‬أخرجه البخاري في كتاب المغازي‪ ،‬باب بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد ‪ ‬إلى اليمن قبل حجة‬ ‫الوداع‪ ،1581/4:‬رقم (‪ ،)4094‬ومسلم في كتاب الزكاة‪ ،‬باب ذكر الخوارج وصفاتهم‪ ،1097/2:‬رقم (‪.)1064‬‬ ‫(‪ )4‬على فوقه‪ :‬الفوق هو موضع الوتر من السهم‪ ،‬وهذا تعليق بالمحال‪ ،‬فإن ارتداد السهم على الفوق محال‪،‬‬ ‫فرجوعهم إلى الدين أيض ًا محال‪ .‬انظر‪ :‬عون المعبود‪ ،‬للعظيم آبادي‪.78/13:‬‬ ‫‪36‬‬

‫قتلهـم وقتلـوه‪ ،‬يدعـون إلـى كتـاب الله‪ ،‬وليسـوا منـه فـي شـيء‪ ،‬مـن قاتلهـم كان‬ ‫أولـى بـالله منهـم»‪ ،‬قالـوا‪ :‬يـا رسـول الله‪ ،‬مـا سـيماهم؟ قـال ﷺ‪« :‬التحليـق»(‪.)1‬‬ ‫وعـن عبـد الله بـن مسـعود ‪ ‬قـال‪ :‬قـال رسـول الله ﷺ‪« :‬يخـرج فـي آخـر‬ ‫الزمــان قــوم‪ :‬أحــداث الأســنان‪ ،‬ســفهاء الأحــام‪ ،‬يقــرؤون القــرآن لا يجــاوز‬ ‫تراقيهـم‪ ،‬يقولـون مـن قـول خيـر البريـة‪ ،‬يمرقـون مـن الديـن كمـا يمـرق السـهم‬ ‫مــن الرميــة»(‪.)2‬‬ ‫وعـن جابـر بـن عبـد الله ‪ ‬قـال‪ :‬أتـى رجـل بال ِجعرانـة ـ منصرفـاً مـن حنيـن ـ‬ ‫وفـي ثـوب بـال ‪ ‬فضـة‪ ،‬ورسـول الله ﷺ يقبـض منهـا ويعطـي النـاس‪ ،‬فقـال‪:‬‬ ‫يـا محمـد ‪ ..‬اعـدل‪ ،‬فقـال ﷺ‪« :‬ويلـك ‪ ..‬ومـن يعـدل إذا لـم أكـن أعـد ‪,‬ل لقـد‬ ‫خبـت وخسـرت إن لـم أكـن أعـدل»‪ ،‬فقـال عمـر بـن الخطـاب ‪ :‬دعنـي يـا‬ ‫رسـول الله أقتـل هـذا المنافـق‪ ،‬فقـال ﷺ‪« :‬معـاذ الله‪ ،‬أن يتحـدث النـاس أنـي أقتـل‬ ‫أصحابـي‪ ،‬إن هـذا وأصحابـه يقـرؤون القـرآن‪ ،‬لا يجـاوز حناجرهـم‪ ،‬يمرقـون منـه‬ ‫كمـا يمـرق السـهم مـن الرميـة»(‪.)3‬‬ ‫عــن شــريك بــن شــهاب قــال‪ :‬كنــت أتمنــى أن ألقــى رجــاً مــن أصحــاب‬ ‫النبـي ﷺ‪ ،‬أسـأله عـن الخـوارج‪ ،‬فلقيـت أبـا بـرزة ‪ ‬فـي يـوم عيـد‪ ،‬فـي نفـر‬ ‫مـن أصحابـه‪ ،‬فقلـت لـه‪ :‬هـل سـمعت رسـول الله ﷺ يذكـر الخـوارج؟ قـال‪:‬‬ ‫نعـم‪ ،‬سـمعت رسـول الله ﷺ بأذنـي‪ ،‬ورأيتـه بعينـي‪ ،‬أتـي رسـول الله ﷺ بمـال‬ ‫فقسـمه‪ ،‬فأعطـى مـن عـن يمينـه‪ ،‬ومـن عـن شـماله‪ ،‬ولـم يعـط مـن وراءه شـيئاً‪،‬‬ ‫فقـام رجـل مـن ورائـه‪ ،‬فقـال‪ :‬يـا محمـد ‪ ..‬مـا عدلـت فـي القسـمة ـ رجـل أسـود‬ ‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود في كتاب السنة‪ ،‬باب قتال الخوارج‪ ،387/4:‬رقم (‪.)4767‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه الترمذي في كتاب الفتن‪ ،‬باب صفة المارقة‪ ،481/4:،‬رقم (‪ )2188‬وقال‪\" :‬هذا حديث حسن صحيح\"‪.‬‬ ‫(‪ )3‬أخرجه البخاري في كتاب الخمس‪ ،‬باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين‪ ،1143/2:‬رقم‬ ‫(‪ ،)2969‬ومسلم في كتاب الزكاة‪ ،‬باب ذكر الخوارج وصفاتهم‪ ،1095/2:‬رقم (‪ ،)1063‬واللفظ لمسلم‪.‬‬ ‫‪37‬‬

‫مطمـوم الشـعر(‪ ،)1‬عليـه ثوبـان أبيضـان ـ فغضـب رسـول الله ﷺ غضبـاً شـديداً‪،‬‬ ‫وقـال‪« :‬والله لا تجـدون بعـدي رجـاً هـو أعـدل منـي»‪ ،‬ثـم قـال ﷺ‪« :‬يخـرج‬ ‫فــي آخــر الزمــان قــوم ـ كأن هــذا منهــم ـ يقــرؤون القــرآن لا يجــاوز تراقيهــم‪،‬‬ ‫يمرقــون مــن الإســام كمــا يمــرق الســهم مــن الرميــة‪ ،‬ســيماهم التحليــق‪ ،‬لا‬ ‫يزالـون يخرجـون‪ ,‬حتـى يخـرج آخرهـم مـع المسـيح الدجـال‪ ،‬فـإذا لقيتموهـم‬ ‫فاقتلوهـم‪ ،‬هـم شـر الخلـق والخليقـة»(‪.)2‬‬ ‫وروى الإمـام أبـو بكـر محمـد بـن الحسـين الآجـري‪ ،‬قيـل للحسـن البصـري‬ ‫رحمـه الله‪ :‬يـا أبـا سـعيد‪ ،‬خـرج خارجـي بالخريبـة‪ ،‬فقـال‪« :‬المسـكين رأى منكـراً‬ ‫فأنكـره‪ ،‬فوقـع فيمـا هـو أنكـر منـه»‪.‬‬ ‫قــال محمــد بــن الحســين الآجــري‪ :‬فــا ينبغــي لمــن رأى اجتهــاد خارجــي‬ ‫قـد خـرج علـى إمـام عـدلاً كان الإمـام أو جائـراً‪ ،‬فخـرج وجمـع جماعـة وسـل‬ ‫ســيفه‪ ،‬واســتحل قتــال المســلمين‪ ،‬فــا ينبغــي لــه أن يغتــر بقراءتــه للقــرآن‪ ،‬ولا‬ ‫بطـول قيامـه فـي الصـاة‪ ،‬ولا بـدوام صيامـه‪ ،‬ولا بحسـن ألفاظـه فـي العلـم إذا‬ ‫كان مذهبـه مذهـب الخـوارج‪ ،‬وقـد روي عـن رسـول الله ﷺ ـ فيمـا قلتـه ـ أخبـار‬ ‫لا يدفعهـا كثيـر مـن علمـاء المسـلمين‪ ،‬بـل لعلـه لا يختلـف فـي العلـم بهـا جميـع‬ ‫أئمـة المسـلمين(‪.)3‬‬ ‫(‪ )1‬ط َّم شعره‪ :‬أي جزه واستأصله‪ .‬انظر‪ :‬النهاية‪ ،‬لابن الأثير‪.139/3:‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه النسائي في كتاب تحريم الدم‪ ،‬باب من شهر سيفه ثم وضعه في الناس‪ ،136/7:‬رقم (‪.)4114‬‬ ‫(‪ )3‬الشريعة‪ ،‬للآجري‪.345/1:‬‬ ‫‪38‬‬

‫● تداعي الأمم على المسلمين‪:‬‬ ‫عـن ثوبـان ‪ ‬قـال‪ :‬قـال رسـول الله ﷺ‪« :‬يوشـك الأمـم أن تداعـى عليكـم‬ ‫كمـا تداعـى الأكلـة إلـى قصعتهـا»‪ ،‬فقـال قائـل‪ :‬ومـن قلـة نحـن يومئـذ؟ قـال ﷺ‪:‬‬ ‫«بـل أنتـم يومئـذ كثيـر‪ ،‬ولكنكـم غثـاء كغثـاء السـيل‪ ،‬ولينزعـن الله مـن صـدور‬ ‫عدوكـم المهابـة منكـم‪ ،‬وليقذفـن الله فـي قلوبكـم الوهـن»‪ ،‬فقـال قائـل‪ :‬يـا رسـول‬ ‫الله ومـا الوهـن؟ قـال ﷺ‪« :‬حـب الدنيـا‪ ،‬وكراهيـة المـوت»(‪.)1‬‬ ‫● فتنة بني قنطوراء في العراق‪:‬‬ ‫عــن أبــي بكــرة ‪ ‬أن رســول الله ﷺ قــال‪« :‬ينــزل نــاس مــن أمتــي بغائــط‬ ‫يسـمونه البصـرة‪ ،‬عنـد نهـر يقـال لـه‪ :‬دجلـة‪ ،‬يكـون عليـه جسـر‪ ،‬يكثـر أهلهـا‪،‬‬ ‫وتكـون مـن أمصـار المهاجريـن ـ أو مـن أمصـار المسـلمين ـ فـإذا كان فـي آخـر‬ ‫الزمـان‪ ،‬جـاء بنـو قنطـوراء‪ :‬عـراض الوجـوه‪ ،‬صغـار الأعيـن‪ ،‬حتـى ينزلـوا علـى‬ ‫شــط النهــر‪ ،‬فيتفــرق أهلهــا ثــاث فــرق‪ :‬فرقــة يأخــذون أذنــاب البقــر والبريــة‬ ‫وهلكــوا‪ ،‬وفرقــة يأخــذون لأنفســهم وكفــروا‪ ،‬وفرقــة يجعلــون ذراريهــم خلــف‬ ‫ظهورهــم ويقاتلونهــم‪ ،‬وهــم الشــهداء»(‪.)2‬‬ ‫● فتن (الأحلاس‪ ،‬السراء‪ ،‬الدهيماء)‪:‬‬ ‫عـن عبـد الله بـن عمـر ‪ ‬قـال‪ :‬كنـا عنـد رسـول الله ﷺ قعـوداً‪ ،‬فذكـر الفتـن‪،‬‬ ‫فأكثـر ذكرهـا حتـى ذكـر فتنـة الأحـاس(‪ ،)3‬فقـال قائـل‪ :‬يـا رسـول الله‪ ،‬ومـا فتنـة‬ ‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود في كتاب الملاحم‪ ،‬باب في تداعي الأمم على الإسلام‪ ،184/4:‬رقم (‪.)4299‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود في كتاب الملاحم‪ ،‬باب في ذكر البصرة‪ ،189/4:‬رقم (‪ ، )4380‬وابن حبان في صحيحه‬ ‫كتاب التاريخ‪ ،‬باب إخباره عما يكون في أمته من الفتن والحوادث‪ 148/15:‬رقم (‪.)6748‬‬ ‫(‪ )3‬الأحلاس‪ :‬جمع حلس‪ ،‬وهو الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القتب‪ ،‬شبهت به الفتنة لملازمتها الناس‬ ‫حين تنزل بهم‪ ،‬كما يلازم الحلس ظهر البعير‪ ،‬ويحتمل أنها شبهت بالأحلاس لسواد لونها وظلمتها‪ .‬انظر‪:‬‬ ‫النهاية‪ ،‬لابن الأثير‪ ،423/1:‬وعون المعبود‪ ،‬للعظيم آبادي‪.208/11:‬‬ ‫‪39‬‬

‫الأحـاس؟ قـال‪« :‬هـي فتنـة هـرب(‪ )1‬وحـرب(‪ ،)2‬ثـم فتنـة السـراء(‪ ،)3‬دخلهـا(‪)4‬‬ ‫ـ أو دخنهـا ـ مـن تحـت قدمـي رجـل مـن أهـل بيتـي‪ ،‬يزعـم أنـه منـي‪ ،‬وليـس‬ ‫منـي‪ ،‬إنمـا وليـي المتقـون‪ ،‬ثـم يصطلـح النـاس علـى رجـل َكـ َو ِرك علـى ِضلَـ ٍع(‪،)5‬‬ ‫ثـم فتنـة الدهيمـاء(‪ )6‬لا تـدع أحـداً مـن هـذه الأمـة إلا لطمتـه لطمـة‪ ،‬فـإذا قيـل‪:‬‬ ‫انقطعــت تمــادت‪ ،‬يصبــح الرجــل فيهــا مؤمنــاً ويمســي كافــراً(‪ ،)7‬حتــى يصيــر‬ ‫النـاس إلـى فسـطاطين‪ ،‬فسـطاط إيمـان لا نفـاق فيـه‪ ،‬وفسـطاط نفـاق لا إيمـان‬ ‫فيـه‪ ،‬إذا كان ذاكـم فانتظـروا الدجـال مـن اليـوم أو غـد»(‪.)8‬‬ ‫(‪ )1‬الهرب‪ :‬قال الشيخ عبد العزيز رحمه الله هو‪ :‬فرار الناس بعضهم من بعضهم لما بينهم من التنافر‬ ‫والتجسس‪ .‬وانظر‪ :‬عون المعبود‪.208/11:‬‬ ‫(‪ )2‬الحرب‪ :‬ذهاب المال والأهل بالسلب والنهب‪ .‬انظر‪ :‬النهاية‪ ،‬لابن الأثير‪ ،358/1:‬وعون المعبود‪،‬‬ ‫للعظيم آبادي‪ ،208/11:‬وقال الشيخ عبد العزيز‪ :‬هي نهبهم لأموال الناس‪ ،‬وأخذهم لها بغير‬ ‫استحقاق‪ ،‬وتركهم لا شيء لهم‪.‬‬ ‫(‪ )3‬السراء‪ :‬النعمة التي تسر الناس‪ ،‬فهذه الفتنة من وفرة المال والرفاهية وحصول الحسد والطمع بما في أيدي الآخرين‬ ‫من أفراد أو دول‪ .‬والنعماء‪ :‬التي تسر الناس من الصحة والرخاء‪ ،‬والعافية من البلاء والوباء‪ ،‬وأضيفت إلى السراء؛‬ ‫لأن السبب في وقوعها ارتكاب المعاصي بسبب كثرة التنعم‪ ،‬أو لأنها تسر العدو‪ ،‬انظر‪ :‬عون المعبود‪ ،‬للعظيم‬ ‫آبادي‪ .208/11:‬وقال الشيخ عبد العزيز رحمه الله في خطبته‪ :‬سببها الوقوع في المعاصي بكثرة التنعم والترفه‪،‬‬ ‫فتدخل الباطن وتزلزله‪ ،‬لكثرة الشرور والمفاسد ‪ ،‬وتعم الناس كلهم‪ ،‬خاصتهم وعامتهم‪ ،‬فتكون مسرة للعدو‪.‬‬ ‫(‪ )4‬الدخل‪ :‬الغش والفساد‪.‬‬ ‫(‪ )5‬كناية عن عدم استقامته‪ ،‬يصطلحون على أمر واه لا نظام له ولا استقامة؛ لأن الورك لا يستقيم على ال ِّضلع‬ ‫ولا يتركب عليه‪ ،‬لاختلاف ما بينهما وبعده‪ .‬انظر‪ :‬النهاية‪ .176/5:‬وقال الشيخ عبد العزيز رحمه الله في‬ ‫خطبنه‪ :‬أي على رجل غير أهل للولاية لقلة علمه‪ ،‬وخفة رأيه وحلمه‪ ،‬لا نظام له ولا استقامة‪ ،‬ولا يستقل‬ ‫بالملك فلا يثبت الأمر‪ ،‬ولا يستقيم له‪.‬‬ ‫(‪ )6‬الدهيماء‪ :‬تصغير دهماء‪ ،‬وهذا التصغير لزيادة التعظيم والتهويل‪ ،‬والدهماء‪ :‬الداهية التي تدهم الناس‬ ‫بشرها‪ .‬انظر‪ :‬النهاية‪ ،‬لابن الأثير‪.146/5:‬‬ ‫(‪ )7‬قال الشيخ عبد العزيز عيون السود رحمه الله في خطبته‪ :‬يصبح الرجل فيها مؤمن ًا لتحريمه دم أخيه وماله‬ ‫وعرضه‪ ،‬ويمسي كافر ًا لتحلله ذلك‪.‬‬ ‫(‪ )8‬أخرجه أبو داود في كتاب الفتن‪ ،‬باب ذكر الفتن ودلائلها‪ ،152/4:‬رقم (‪ ، )4244‬والإمام أحمد في مسند‬ ‫عبد الله بن عمر ‪ ،309/10:‬رقم (‪ ، )6168‬والحاكم في المستدرك في كتاب الفتن والملاحم‪،513/4:‬‬ ‫رقم (‪ ،)8441‬وقال الحاكم‪\" :‬صحيح الإسناد ولم يخرجاه\"‪ ،‬ووافقه الذهبي‪.‬‬ ‫‪40‬‬

‫● فتنة عمياء مظلمة تعم العرب والعجم‪:‬‬ ‫عـن أبـي هريـرة ‪ ‬قـال‪« :‬الفتنـة الرابعـة عميـاء مظلمـة‪ ،‬تمـور مـور البحـر‪،‬‬ ‫لا يبقــى بيــت مــن العــرب والعجــم إلا ملأتــه ذلاً وخوفــاً‪ ،‬تطيــف بالشــام‪،‬‬ ‫وتعشـى بالعـراق‪ ،‬وتخبـط بالجزيـرة بيدهـا ورجلهـا‪ ،‬تعـرك الأمـة فيهـا عـرك‬ ‫الأديـم‪ ،‬ويشـتد فيهـا البـاء‪ ،‬حتـى ينكـر فيهـا المعـروف‪ ،‬ويعـرف فيهـا المنكـر‪،‬‬ ‫لا يســتطيع أحــد يقــول‪ :‬مــه ‪ ..‬مــه‪ ،‬ولا يرقعونهــا مــن ناحيــة إلا تفتقــت مــن‬ ‫ناحيـة‪ ،‬يصبـح الرجـل فيهـا مؤمنـاً‪ ،‬ويمسـي كافـراً‪ ،‬ولا ينجـو منهـا إلا مـن دعـا‬ ‫كدعـاء الغـرق فـي البحـر‪ ،‬تـدوم اثنـي عشـر عامـاً‪ ،‬تنجلـي حيـن تنجلـي‪ ،‬وقـد‬ ‫انحســر الفــرات عــن جبــل مــن ذهــب‪ ،‬فيقتلــون عليهــا‪ ،‬حتــى تقتــل مــن كل‬ ‫تسـعة سـبعة»(‪.)1‬‬ ‫● الفتنة التي في الشام‪:‬‬ ‫عـن سـعيد بـن المسـيب رحمـه الله قـال‪« :‬تكـون فتنـة بالشـام‪ ،‬كان أولهـا لعـب‬ ‫الصبيـان‪ ،‬تطفـو مـن جانـب‪ ،‬وتسـكن مـن جانـب‪ ،‬فـا تتناهـى حتـى ينـادي منـاد‬ ‫مـن السـماء‪ :‬إن الأميـر فـان»‪ .‬قـال‪ :‬فيقبـل سـعيد بـن المسـيب رحمـه الله يديـه‪،‬‬ ‫حتـى إنهمـا لينتفضـان‪ ،‬ثـم يقـول‪« :‬ذاكـم الأميـر حقـاً‪ ،‬ذاكـم الأميـر حقـاً»(‪.)2‬‬ ‫(‪ )1‬ورد الحديث موقوف ًا‪ ،‬في كتاب الفتن لنعيم بن حماد‪ ،238/1:‬رقم (‪.)676‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه نعيم بن حماد في الفتن‪ ،237/1:‬رقم (‪ .)673‬وروى الطبراني في المعجم الأوسط‪،338/5 :‬‬ ‫رقم (‪ )4663‬من حديث طلحة بن عبيد الله عن النبي ﷺ قال‪« :‬ستكون فتنة لا يهدأ منها جانب إلا‬ ‫جاش منها جانب‪ ،‬حتى ينادي مناد من السماء‪ :‬أميركم فلان»‪ .‬قال الهيثمي في مجمع الزوائد‪:316/ 7:‬‬ ‫\"أخرجه الطبراني في الأوسط‪ ،‬وفيه مثنى بن الصباح‪ ،‬وهو متروك‪ ،‬ووثقه ابن معين وضعفه أيض ًا\"‪.‬‬ ‫والمراد بـ(الأمير) المهدي‪.‬‬ ‫‪41‬‬

‫من خصائص الفتن‪:‬‬ ‫إن للفتـن طبائـ َع وخصائـ َص يُعيـن الاسـتبصار بهـا علـى تَ َوقِّيهـا والنجـا ِة منهـا‪،‬‬ ‫ومـا أكثـر الفتـن التـي وقعـت بسـبب غيـاب المنهـج الإيمانـي الصحيـح‪ ،‬وجهـل‬ ‫أكثـر المسـلمين بوصايـا النبـي ﷺ للعصمـة مـن الفتـن‪ ،‬وعـدم اطلاعهـم علـى‬ ‫خصائصهـا‪ ،‬والتـي منهـا‪:‬‬ ‫**تتزين للناس في مباديها‪ ،‬حتى تُ ْغ ِريهم فيقعون فيها‪:‬‬ ‫قـال الإمـام البخـاري فـي صحيحـه‪ :‬بـاب الفتنـة التـي تمـوج كمـوج البحـر‪.‬‬ ‫وقــال ابــن ُعيَينَــة عــن خلــف بــن َح ْو َشــ ٍب‪ :‬كانــوا يســتَحبّون أن يتمثّلــوا بهــذه‬ ‫الأبيــات عنــد الفتــن(‪ ،)1‬قــال امــر ُؤ ال َقيــ ِس‪:‬‬ ‫تسعى بزينتها لكل جهول‬ ‫الحـر ُب أ َّول مـا تكـون فَتِيَّ ةً ‬ ‫َولَّ ْت َع ُجو ًزا َغيْ َر َذا ِت َح ِلي ِل‬ ‫َحتَّى إِ َذا ا ْشتَ َعلَ ْت َو َش َّب ِض َرا ُم َها ‬ ‫َم ْك ُرو َهـ ًة لِل َّشـ ِّم َوالتَّ ْقبِيـ ِل‬ ‫َش ْم َطاءَ يُنْ َك ُر لَ ْونُ َها َوتَ َغيَّ َر ْت ‬ ‫وكان خلف رحمه الله يقول‪« :‬ينبغي للناس أن يتعلموا هذه الأبيات في الفتنة»(‪.)2‬‬ ‫وقــال ال ِإمــام ابــن حــزم رحمــه الله‪« :‬نُــ َّوا ُر الفتنــ ِة لا يَ ْع ِقــ ُد»(‪)3‬؛ أي‪ :‬أن للفتنــة‬ ‫مظهــراً خادعــاً فــي مبدئــه‪ ،‬حتــى يستحســن النــا ُس صورتَهــا‪ ،‬ويعقــدوا الآمــال‬ ‫عليهـا‪ ،‬ولكـن ُسـرعان مـا تمـوت وتتلاشـى‪ ،‬مثـل الزهـرة التـي تمـوت قبـل أن‬ ‫تتفتــح‪ ،‬وتُعطــ َي ثمرتهــا‪.‬‬ ‫(‪ )1‬والمراد بالتمثل بهذه الأبيات استحضار ما شاهدوه وسمعوه من حال الفتنة‪ ،‬فإنهم يتذكرون بإنشادها‬ ‫ذلك فيصدهم عن الدخول فيها حتى لا يغتروا بظاهر أمرها أولاً ‪.‬‬ ‫(‪ )2‬السنن المأثورة للشافعي‪ :‬ص ‪ ،344‬رقم (‪ ،)423‬وصحيح البخاري‪ 68/9:‬ط‪ .‬دار الشعب‪.‬‬ ‫(‪ )3‬الأخلاق والسير‪ ،‬لابن حزم‪ :‬ص ‪ .84‬والنُّ َّوار‪ :‬الزهر؛ ويقال‪َ :‬ع َقد الزه ُر‪ :‬إذا تضا َّم ْت أجزاؤه فصار‬ ‫ثمر ًا‪ .‬ووقد عاصر ابن حزم فتنة البربر في الأندلس‪ ،‬ورأى كيف كانت الآمال المعقودة على كل ثائر تنتهي‬ ‫بمآ ٍس وأحزان وضحايا ودمار‪.‬‬ ‫‪42‬‬

‫* *الفتن تُذهب عقول الرجال‪:‬‬ ‫إن للفتـن تأثيـراً سـلبياً فـي العقـول‪ ،‬لا تقـل عـن تأثيـر الخمـر فيهـا‪ ،‬بحيـث‬ ‫يفقـد كثيـر مـن النـاس توازنـه الفكـري‪ ،‬فعـن حذيفـة بـن اليمـان ‪« :‬مـا الخمـر‬ ‫صرفـاً بأذهـب لعقـول الرجـال مـن الفتـن»(‪.)1‬‬ ‫وجـاء عنـه أيضـاً‪« :‬تكـون فتنـة تعـرج فيهـا عقـول الرجـال حتـى مـا تـكاد تـرى‬ ‫رجـاً عاقـاً »(‪.)2‬‬ ‫وعـن أبـي موسـى الأشـعري ‪ ‬قـال‪ :‬حدثنـا رسـول الله ﷺ قـال‪« :‬إن بيـن‬ ‫يـدي السـاعة لهرجـاً»‪ ،‬قـال‪ :‬قلـت‪ :‬يـا رسـول الله‪ ،‬مـا الهـرج؟ قـال‪« :‬القتـل»‪،‬‬ ‫فقــال بعــض المســلمين‪ :‬يــا رســول الله‪ ،‬إنــا نقتــل الآن فــي العــام الواحــد مــن‬ ‫المشــركين كــذا وكــذا‪ ،‬فقــال رســول الله ﷺ‪« :‬ليــس بقتــل المشــركين‪ ،‬ولكــن‬ ‫يقتـل بعضكـم بعضـاً‪ ،‬حتـى يقتـل الرجـل جـاره‪ ،‬وابـن عمـه‪ ،‬وذا قرابتـه»‪ ،‬فقـال‬ ‫بعـض القـوم‪ :‬يـا رسـول الله‪ ،‬ومعنـا عقولنـا ذلـك اليـوم! فقـال رسـول الله ﷺ‪:‬‬ ‫«لا‪ ،‬تنـزع عقـول أكثـر ذلـك الزمـان»‪.‬‬ ‫وفــي روايــة‪« :‬وتنــزع عقــول رجــال‪ ،‬يحســبون الغــي رشــداً‪ ،‬ويخلــف لــه‬ ‫هبـاء(‪ )3‬مـن النـاس لا عقـول لهـم‪ ،‬يحسـب أكثرهـم أنـه علـى شـيء‪ ،‬وليسـوا‬ ‫علــى شــيء»‪.‬‬ ‫(‪ )1‬أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه‪ ،134/20:‬رقم (‪ ،)38500‬وأبو نعيم في الحلية ‪ ،274/1‬وال ِّصف‪:‬‬ ‫غير الممزوج بغيره‪.‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه نعيم بن حماد في الفتن‪ ،62/1 :‬رقم (‪ ،)107‬وصححه المتقي الهندي في كنز العمال‪،179/11:‬‬ ‫رقم (‪.)31126‬‬ ‫(‪ )3‬هباء‪ :‬أي قليلو العقل‪ ،‬أراذل‪ ،‬وهو في الأصل‪ :‬الغبار ال ُمنب ُّث‪.‬‬ ‫‪43‬‬

‫قـال أبـو موسـى ‪« :‬والـذي نفسـي بيـده‪ ،‬مـا أجـد لـي ولكـم منهـا مخرجـاً‪ ،‬فيما‬ ‫عهـد إلينـا نبينـا ﷺ إلا أن نخـرج كمـا دخلنـا فيهـا‪ ،‬لـم نصـب فيهـا دمـاً ولا مـالاً»(‪.)1‬‬ ‫قـال الإمـام الحافـظ ابـن حجـر العسـقلاني رحمـه الله فـي فتـح البـاري شـرح‬ ‫صحيــح البخــاري فــي كتــاب الفتــن؛ بــاب الفتنــة التــي تمــوج كمــوج البحــر‪:‬‬ ‫قولـه (بـاب الفتنـة التـي تمـوج كمـوج البحـر)‪ :‬كأنـه يشـير إلـى مـا أخرجـه بـن‬ ‫أبـي شـيبة مـن طريـق عاصـم بـن ضمـرة عـن علـي قـال‪\" :‬وضـع الله فـي هـذه‬ ‫الأمــة خمــس فتــن\" فذكــر الأربعــة‪ ،‬ثــم فتنــة تمــوج كمــوج البحــر‪ ،‬وهــي التــي‬ ‫يصبـح النـاس فيهـا كالبهائـم أي لا عقـول لهـم‪ ،‬ويؤيـده حديـث أبـي موسـى ‪:‬‬ ‫«تذهـب عقـول أكثـر ذلـك الزمـان»‪.‬‬ ‫* الفتن مشتبهة في أول أمرها‪:‬‬ ‫مــن طبائــع الفتــن ـ كمــا ذكــر ســيدنا حذيفــة بــن اليمــان ‪ ‬ـ \" أنهــا تكــون‬ ‫مشـتبهة فـي أول أمرهـا \" بمعنـى أن الحـق يختلـط فيهـا بالباطـل‪ ،‬بحيـث يشـتبه‬ ‫الأمـر فيهـا علـى كثيـر مـن النـاس‪ ،‬ولكـن بعـد انتهائهـا وخمـود نارهـا‪ ،‬تتجلـى‬ ‫فيهـا الحقائـق‪ ،‬ويشـرق فيهـا الصـواب‪ ،‬فيحمـد اللهَ ‪ ‬العقـاءُ الذيـن عصمهـم‬ ‫الله ‪ ‬مـن الوقـوع فـي مسـتنقع الفتـن‪.‬‬ ‫عــن حذيفــة بــن اليمــان ‪ ‬قــال رســول الله ﷺ‪« :‬تكــون فتنــة تعــر ُج فيهــا‬ ‫عقــو ُل الرجــال‪ ،‬حتــى مــا تــكاد تــرى رجــ ًا عاقــ ًا»(‪.)2‬‬ ‫(‪ )1‬أخرجه ابن ماجه في كتاب الفتن‪ ،‬باب التثبت في الفتنة‪ ،1309/2:‬رقم (‪ ،)3959‬والإمام أحمد في‬ ‫مسنده‪ ،409/32:‬والبخاري في التاريخ الكبير‪ ،12/2:‬وابن المبارك في مسنده‪ :‬رقم (‪ ،)260‬وأبو الشيخ‬ ‫في طبقات المحدثين بأصبهان رقم (‪ ،)17‬وأبو نعيم في تاريخ أصبهان‪.226/1:‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه نعيم في الفتن‪ ،62/1:‬رقم (‪ ،)107‬وصححه المتقي الهندي في كنز العمال‪ ،179/11:‬رقم‬ ‫(‪.)31126‬‬ ‫‪44‬‬

‫وأخـرج بـن أبـي شـيبة مـن وجـه آخـر عـن حذيفـة ‪ ‬قـال‪« :‬لا تضـرك الفتنـة‬ ‫مـا عرفـت دينـك‪ ،‬إنمـا الفتنـة إذا اشـتبه عليـك الحـق والباطـل»(‪.)1‬‬ ‫وعـن أبـي موسـى الأشـعري ‪ ‬أن رسـول الله ﷺ قـال‪« :‬إن بيـن يـدي السـاعة‬ ‫ال َهـ ْر َج\" قالـوا‪ :‬ومـا الهـر ُج؟ قـال‪\" :‬القتـل‪ ،‬إنـه ليـس بقتلكـم المشـركين‪ ،‬ولكـن‬ ‫قتــ ُل بع ِضكــم بع ًضــا‪ ،‬حتــى يقتــل الرجــل جــاره‪ ،‬ويقتــل أخــاه‪ ،‬ويقتــ َل ع َّمــه‪،‬‬ ‫ويقتـ َل ابـ َن عمـه\" قالـوا‪ :‬ومعنـا عقولُنـا يومئـ ٍذ؟ قـال‪\" :‬إنـه لَتُنـ َزع عقـو ُل أهـ ِل ذلـك‬ ‫الزمـان‪ ،‬ويَ ْخلُـ ُف لـه هبـاءٌ مـن النـاس‪ ،‬يحسـب كثرهـم أنهـم علـى شـيء‪ ،‬وليسـوا‬ ‫علــى شــيء\"‪ ،‬قــال أبــو موســى‪\" :‬والــذي نفســي بيــده مــا أجــد لــي ولكــم منهــا‬ ‫مخر ًجـا إن أدركتنـي وإياكـم إلا أن نخـرج منهـا كمـا دخلنـا فيهـا‪ ،‬ولـم نصـب منهـا‬ ‫دمـاً ولا مـالاً»(‪.)2‬‬ ‫قــال الحســن البصــري رحمــه الله‪« :‬إن الفتنــة إذا أقبلــت عرفهــا العالــم‪ ،‬وإذا‬ ‫أدبــرت عرفهــا ك ُّل جاهــل»(‪.)3‬‬ ‫* الفتن واقعة لا محالة‪:‬‬ ‫والفتـن واقعـة فـي أمـة محمـ ٍد ﷺ قضـاءً مقـدراً‪ ،‬ولا بـد مـن أن يقـع مـا أخبـر‬ ‫بــه رســول الله ﷺ كمــا أخبــر‪ ،‬و ِمــن ثَــ َّم فــا بــد مــن التبصــر بهــا‪ ،‬والاســتعداد‬ ‫لهـا‪ ،‬والحـذر منهـا‪ ،‬بـل يجـب مضاعفـة الحـذر منهـا فـي عصرنـا؛ واتبـاع المنهـج‬ ‫النبـوي للخـروج منهـا بسـام وأمـان‪ ،‬لأننـا ِصرنـا أقـر َب إلـى أشـراط السـاعة ممـا‬ ‫كان عليـه المسـلمون منـذ أربعـة عشـر قرنـاً‪.‬‬ ‫(‪ )1‬فتح الباري‪ ،‬لابن حجر‪.49/13:‬‬ ‫(‪ )2‬سبق تخريجه‪ :‬ص‪.43‬‬ ‫(‪ )3‬الطبقات الكبرى‪ ،‬لابن سعد‪ ،166/7:‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪45‬‬

‫وقـد اقتضـت سـنة الله ‪ ‬وقـوع الفتـن وجريـان المحـن‪ ،‬تمحيصـاً للإيمـان‪ ،‬وابتلاءً‬ ‫اللللهمؤم‪‬ن‪:‬يـ﴿نأَ‪َ ،‬حلي ِسمـيــ َزباٱلللهنَّـاـلا ُخبسيأَـنثُي ۡم َتـ ُكـنـ آوالْ أَطينـ َي ُقبو‪،‬لُــويُٓواْعـَءار َم َّنفــاال َوم ُهطــي ۡـم َعلم ُيـ ۡفنَت ُناـلـعوا َنصـ‪٢‬ي َو‪،‬لَ َقوـقــ ۡدد َفق َتـَّناــال‬ ‫ٱ ۡل َكٰ ِذبِـ َن‬ ‫َو َ َل ۡعلَ َمـ َّن‬ ‫ْ‬ ‫َص َدقُـوا‬ ‫ـ َن‬ ‫َّ‬ ‫ٱلَّ ُل‬ ‫َفلَ َي ۡعلَ َمـ َّن‬ ‫ـ ۡمۖ‬ ‫َق ۡبلِ ِه‬ ‫ـ َن‬ ‫َّ‬ ‫[العنكبـوت]‪.‬‬ ‫‪﴾٣‬‬ ‫ٱ ِلي‬ ‫ِمـن‬ ‫ٱ ِلي‬ ‫وعـن معاويـة ‪ ‬قـال‪ :‬سـمعت رسـول الله ﷺ يقـول‪« :‬لـم يبـ َق مـن الدنيـا إلا‬ ‫بـاءٌ وفتنـة»(‪.)1‬‬ ‫وعـن أبـي موسـى ‪ ‬قـال رسـول اللهﷺ‪« :‬أمتـي أمـة مرحومـة‪ ،‬ليـس عليهـا‬ ‫عـذاب فـي الآخـرة(‪ ،)2‬عذابهـا فـي الدنيـا(‪ :)3‬الفتـن‪ ،‬والـزلازل‪ ،‬والقتـل»(‪.)4‬‬ ‫وفـي بعـض طرقـه‪ :‬أن أبـا بـردة ‪ ‬قـال‪ :‬بينمـا أنـا واقـف فـي إمـارة زيـاد‪ ،‬إذ‬ ‫ضربـت بإحـدى يـدي علـى الأخـرى تعجبـاً‪ ،‬فقـال رجـل مـن الأنصـار ـ قـد كانـت‬ ‫لوالـده صحبـة مـع رسـول الله ﷺ ـ‪ :‬ممـا تعجـب يـا أبـا بـردة؟ قلـت‪ :‬أعجـب مـن‬ ‫قـوم دينهـم واحـد‪ ،‬ونبيهـم واحـد‪ ،‬ودعوتهـم واحـدة‪ ،‬وحجهـم واحـد‪ ،‬وغزوهـم‬ ‫واحــد‪ ،‬يســتحل بع ُضهــم قتــل بعــض‪ ،‬قــال‪ :‬فــا تعجــب‪ ،‬فإنــي ســمعت والــدي‬ ‫أخبرنـي أنه سـمع رسـول الله ﷺ يقـول‪« :‬أمتـي أمة مرحومـة ‪ )5(»...‬فذكـر الحديث‪.‬‬ ‫وقـال الحافـظ ابـن حجـر رحمـه الله‪ :‬وأخـرج أبـو يعلـى أيضـاً بسـند صحيـح‬ ‫مــن روايــة أبــي مالــك الأشــجعي‪ ،‬عــن أبــي حــازم‪ ،‬عــن أبــي هريــرة ‪ ‬قــال‪:‬‬ ‫(‪ )1‬أخرجه ابن ماجه في كتاب الفتن‪ ،‬باب الصبر على البلاء‪ ،1339/2:‬رقم (‪ ،)4035‬وأحمد في مسنده‪،94/4:‬‬ ‫والقضاعي في مسند الشهاب‪ :‬رقم (‪ ،)1175‬والرامهرمزي في الأمثال‪ :‬رقم (‪ ،)59‬وابن أبي عاصم في‬ ‫الزهد‪ :‬رقم (‪ ،)146‬وقال البوصيري في مصباح الزجاجة‪\" :190/4:‬هذا إسناد صحيح رجاله ثقات\"‪.‬‬ ‫(‪ )2‬قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في بذل الماعون في فضل الطاعون ص ‪\" :127‬وهو محمول على معظم الأمة‬ ‫المحمدية؛ لثبوت أحاديث الشفاعة‪ :‬أن قو ًما ُيعذبون ثم يخرجون من النار‪ ،‬ويدخلون الجنة\"‪.‬‬ ‫(‪ )3‬وجاء في التاريخ الكبير للبخاري‪ :38/1:‬حديث‪« :‬إن أمتي أمة مرحومة‪ُ ،‬جعل عذابها بأيديها في الدنيا»‪.‬‬ ‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود في كتاب الفتن‪ ،‬باب ما يرجى في القتل‪ ،105/4:‬رقم (‪ ،)4278‬والإمام أحمد في‬ ‫مسنده‪ ،418 ،410/4:‬والحاكم في المستدرك‪ ،444/4:‬وقال الحاكم‪\" :‬صحيح الإسناد\"‪ ،‬ووافقه الذهبي‪،‬‬ ‫وح َّسنه الحافظ ابن حجر في بذل الماعون ص ‪ ،127‬وانظر‪ :‬عون المعبود‪ 358/11:‬ـ ‪.360‬‬ ‫(‪ )5‬أخرجه الحاكم في المستدرك‪ ،354 ،353/4:‬وقال‪\" :‬صحيح الإسناد\"‪ ،‬ووافقه الذهبي‪.‬‬ ‫‪46‬‬

‫«إن هـذه الأمـة أمـة مرحومـة‪ ،‬لا عـذاب عليهـا إلا مـا عذبـت بـه أنفسـها‪ ،‬قلـت‪:‬‬ ‫وكيـف تعـذب أنفسـها؟ قـال‪ :‬أمـا كان يـوم النهـر عـذاب؟! أمـا كان يـوم الجمـل‬ ‫عـذاب؟! أمـا كان يـوم صفيـن عـذاب؟!»(‪.)1‬‬ ‫* الفتن متفاوتة في الشدة ‪:‬‬ ‫ليسـت الفتـن علـى مسـتوى واحـد فـي الشـدة‪ ،‬بـل هـي متفاوتـة‪ :‬فبعضهـا أشـد مـن‬ ‫بعـض‪ ،‬وبعضهـا تمـر بلطـف حتـى لا يـكاد المـرء يشـعر بهـا إلا كوخـز الإبـرة‪ ،‬وبعضهـا‬ ‫تخبـط الأمـة خبطـاً فتقلـب أسـفلها علـى عاليهـا‪ ،‬وبعضهـا يمـر بسـرعة البـرق‪ ،‬وبعضهـا‬ ‫يمكـث الليالـي والأيـام‪ ،‬بـل الشـهور والأعـوام‪ ،‬فتهلـك الحـرث والنسـل‪ ،‬ويعم الفسـاد‬ ‫فـي البـر والبحـر‪ ،‬وهـذا مـا بينـه رسـول الله ﷺ فـي كثيـر مـن أحاديثـه‪ ،‬منهـا‪:‬‬ ‫مـا جـاء عـن أبـي إدريـس الخولانـي رحمـه الله قـال‪ :‬قـال حذيفـة ‪ :‬والله إنـي‬ ‫لأعلـم النـاس بـكل فتنـة هـي كائنـة فيمـا بينـي وبيـن السـاعة‪ .‬ومـا بـي إلا أن يكـون‬ ‫رسـول الله ﷺ أسـ َّر إلـي فـي ذلـك شـيئاً لـم يحدثـه غيـري‪ ،‬ولكـن رسـول الله ﷺ‬ ‫قـال ـ وهـو يحـدث مجلسـاً أنـا فيـه ـ عـن الفتـن فقـال رسـول الله ﷺ وهـو يعـد‬ ‫الفتـن‪« :‬منهـن ثـاث لا يكـدن يـذرن شـيئاً‪ ،‬ومنهـن فتـن كريـاح الصيـف(‪ ،)2‬منهـا‬ ‫صغـار ومنهـا كبـار»‪ .‬قـال حذيفـة ‪« :‬فذهـب أولئـك الرهـط كلهـم غيـري»(‪.)3‬‬ ‫* الفتن تعرض على القلوب‪:‬‬ ‫وأخطــر الفتــن تلــك التــي تهجــم علــى القلــوب‪ ،‬فتــزرع فيــه الشــك والريبــة‬ ‫حتــى يخــرج الإيمــان منــه ليحــل محلــه الكفــر ـ والعيــاذ بــالله ـ أو تؤثــر فــي‬ ‫القلـوب فتمرضهـا حتـى لا تسـتطيع تمييـز المنكـر مـن المعـروف‪ ،‬ولا المعـروف‬ ‫مـن المنكـر‪ ،‬فتـراه ينكـر المعـروف ويدعـو إلـى المنكـر‪ ،‬كمـا جـاء الحديـث عـن‬ ‫(‪ )1‬أخرجه أبو يعلى في مسنده‪ ،67/11:‬رقم(‪ ،)6204‬وانظر‪ :‬بذل الماعون في فضل الطاعون‪ ،‬لابن حجر‪ :‬ص‪.127‬‬ ‫(‪ )2‬كرياح الصيف‪ :‬أي فيها بعض الشدة‪ ،‬وإنما خص الصيف؛ لأن رياح الشتاء أقوى‪ .‬كشف المشكل من حديث‬ ‫الصحيحين‪ ،‬لابن الجوزي‪ ،399/1:‬دار الوطن‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1418 :‬ﻫ‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬علي حسين البواب‪.‬‬ ‫(‪ )3‬أخرجه مسلم في كتاب الفتن‪ ،‬باب إخبار النبي ﷺ فيما يكون إلى قيام الساعة‪ ،2737/5:‬رقم (‪.)2891‬‬ ‫‪47‬‬

‫رسـول الله ﷺ‪ ،‬ففـي الصحيحيـن منحديـث حذيفـة بـن اليمـان ‪ ‬قـال‪ :‬سـمعت‬ ‫رسـول الله ﷺ يقـول‪« :‬تعـرض الفتـن علـى القلـوب كالحصيـر عـوداً عـوداً‪ ،‬فـأي‬ ‫قلـب أشـربها نكـت فيـه نكتـة سـوداء‪ ،‬وأي قلـب أنكرهـا نكـت فيـه نكتـة بيضـاء‪،‬‬ ‫حتــى تصيــر علــى قلبيــن‪ :‬علــى أبيــض مثــل الصفــا فــا تضــره فتنــة مــا دامــت‬ ‫الســماوات والأرض‪ ،‬والآخــر أســود ِمربــاداً كالكــوز مُ َج ِّخيــاً (‪ )1‬لا يعــرف معروفــاً‪،‬‬ ‫ولا ينكــر منكــراً‪ ،‬إلا مــا أشــرب مــن هــواه»(‪.)2‬‬ ‫وقـد بيَّـن حذيفـة ‪ ‬مـا يقيـس بـه الإنسـان تأثـره بالفتنـة‪ ،‬فقـال ‪« :‬تعـرض‬ ‫الفتـن علـى القلـوب‪ ،‬فـأي قلـب كرههـا نكتت فيـه نكتـة بيضـاء‪ ،‬وأي قلب أشـربها‬ ‫نكتـت فيـه نكتـة سـوداء؛ فمـن أحـ َّب أن يعلـ َم أصابتـه الفتنـ ُة أم لا؟ فلينظـر هـل‬ ‫يـرى شـيئاً حـالاً كان يـراه حرامـاً‪ ،‬أو يـرى شـيئاً حرامـاً كان يـراه حـالاً»(‪.)3‬‬ ‫وعـن عبـد الله بـن مسـعود ‪ ‬قـال‪« :‬أخـاف عليكـم فتنًـا كأنهـا الدخـان‪ ،‬يموت‬ ‫فيهـا قلـ ُب الرجـل‪ ،‬كما يمـوت بدنـه»(‪.)4‬‬ ‫(‪ )1‬قال أبو خالد ـ أحد رواة الحديث ـ‪ :‬فقلت يا أبا مالك‪ :‬ما أسو ُد ِمرباد ًا؟ قال‪ :‬شدة البياض في سواد‪ ،‬قلت‪:‬‬ ‫فما الكوز ُمَ ِّخي ًا؟ قال‪ :‬منكوس ًا‪.‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه مسلم في كتاب الإيمان‪ ،‬باب بيان أن الإسلام بدأ غريب ًا وسيعود غريب ًا‪ ،128/1:‬رقم (‪ ، )144‬قال‬ ‫ابن الأثير في جامع الأصول‪« :22/10:‬كالحصير َعود ًا َعود ًا» قال الحميدي‪ :‬في بعض الروايات «عرض‬ ‫الحصير» والمعنى فيهما‪ :‬أنها تحيط بالقلوب كالمحصور المحبوس‪ ،‬يقال‪ :‬حصره القوم‪ :‬إذا أحاطوا به‪ ،‬وض َّيقوا‬ ‫عليه‪ ،‬قال‪ :‬وقال الليث‪ :‬حصير الجَنْب‪ِ :‬ع ْرق يمتد معترض ًا على الجَنْب إلى ناحية البطن‪َ ،‬ش َّبه إحاط َتها بالقلب‬ ‫بإحاطة هذا ال ِعرق بالبطن‪ ،‬وقوله ﷺ « َع ْود ًا َع ْود ًا»؛ أي‪ :‬م َّرة بعد مرة‪ ،‬تقول‪ :‬عاد يعو ُد عو َدة و َع ْود ًا‪.‬‬ ‫( ُأ ْ ِش َبا) ُأ ْ ِشب القلب هذا الأمر‪ :‬إذا دخل فيه و َقبِ َل ُه و َس ِك َن إليه‪ ،‬كأنه قد َ ِشبه‪ُ ( .‬ن ِك َت فيه نكتة سوداء) أي‬ ‫أثر فيه أثر أسود‪ ،‬وهو دليل السخط ولذلك قال في حالة الرضى‪ :‬نكت فيه نكتة بيضاء‪ ،‬حتى تصير القلوب‬ ‫على قلبين‪ ،‬أي على قسمين‪« .‬مربا َّد ًا» الم ْربا ُّد وال ُم ْر َب ُّد‪ :‬الذي في لونه ُر ْبدة‪ ،‬وهي بين السواد وال ُغبرة‪( .‬كالكوز‬ ‫مجخي ًا) ال ُم َج ِّخي‪ :‬المائل عن الاستقامة والاعتدال هاهنا‪ ،‬و َج َّخى الرجل في جلوسه‪ :‬إذا جلس مستوفز ًا‪،‬‬ ‫و َج َّخى في صلاته‪ :‬إذا جا َف عضديه عن جوفه ورفع جوفه عن الأرض و َخوى‪.‬‬ ‫(‪ )3‬أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه‪ ،474/7:‬وأبو نعيم في الحلية‪ ،273/1:‬والحاكم في المستدرك‪،514/4:‬‬ ‫وقال الحاكم‪\" :‬صحيح الإسناد على شرط الشيخين\"‪ ،‬ووافقه الذهبي‪.‬‬ ‫(‪ )4‬أخرجه نعيم بن حماد في الفتن‪ ،65/1:‬رقم (‪.)117‬‬ ‫‪48‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook