Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore Book STAM TARIKH AL-ADAB NUSUSUHU Digital

Book STAM TARIKH AL-ADAB NUSUSUHU Digital

Published by Madzani Nusa, 2021-08-12 13:19:14

Description: Book STAM TARIKH AL-ADAB NUSUSUHU Digital

Search

Read the Text Version

‫سجيل تيڠڬي اڬام مليسيا‬ ‫َتا ِري ُخ الأَ َد ِب‬ ‫ال َع َربِ ّي َو ُن ُصو ُص ُه‬ ‫لِل َّص ِّف ال َّثالِ ِث ال َّثا َن ِو ِّي‬ ‫لجنة إعداد وتطوير المناهج بالأزهر ال ّشريف‬ ‫‪2019‬‬ ‫تلاڬ بيرو سنديرين برحد‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬

‫الفهرس‬ ‫الصفحة‬ ‫الموضوعات‬ ‫و‬ ‫مقدمة‬ ‫ح‬ ‫الأهداف العامة للكتاب‬ ‫‪2‬‬ ‫‪5‬‬ ‫الوحدة الأولى‬ ‫‪9‬‬ ‫‪10‬‬ ‫الوحدة الأولى‪ :‬النّهضة الأدب ّية في العصر الحديث‬ ‫‪12‬‬ ‫‪14‬‬ ‫تـمهيد‬ ‫‪16‬‬ ‫ال ّدرس الأ ّول‪ :‬عوامل النّهضة الأدب ّية الحديثة‬ ‫‪18‬‬ ‫‪20‬‬ ‫ال ّطباعة‬ ‫‪20‬‬ ‫ال ّصحافة‬ ‫‪22‬‬ ‫البعثات وال ّترجـمة‬ ‫‪26‬‬ ‫ا ّتساع نطاق ال ّتعليم‬ ‫‪33‬‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الأزهر ال ّشريف‬ ‫من أعلام الأزهر ُر ّواد النّهضة الحديثة‬ ‫جت‬ ‫ال ّشيخ حسن الع ّطار‬ ‫ِرفاعة ال ّطهطاو ّي‬ ‫ت‬ ‫ال ّشيخ محمد عب ُده‬ ‫ال ّتدريبات‬

‫‪KEMENTERIAN‬‬ ‫‪PENDIDIKAN‬‬ ‫‪MALAYSIA‬‬ ‫ڤڠهرڬاءن‬ ‫‪NO. SIRI BUKU: 0218‬‬ ‫ڤنربيتن بوكو تيک س اين مليبتكن‬ ‫‪KPM2019 ISBN 978-967-388-500-8‬‬ ‫كرجاسام باپق ڤيهق‪ .‬سكالوڠ‬ ‫بوكو تاريخ الأدب العربي ونصوصه اين اياله تربيتن سمولا يڠ صح‬ ‫ڤڠهرڬاءن دان تريما كاسيه دتوجوكن‬ ‫درڤد تاريخ الأدب العربي ونصوصه للصف الثالث الثانوي اوليه‬ ‫كڤد سموا ڤيهق يڠ ترليبت‪:‬‬ ‫لجنة إعداد وتطوير المناهج بالأزهر الشريف يڠ دتربيتكن اوليه قطاع‬ ‫المعاهد الأزهرية دان ڤيهق الأزهر ال ّشريف يڠ ممبنركن كمنترين‬ ‫* جاوتنكواس ڤنمبهباءيقن ڤروف ‬ ‫موک سورت‪ ،‬بهاڬين سومبر دان‬ ‫ڤنديديقن مليسيا سچارا وقف اونتوق توجوان ڤنديديقن دمليسيا‪.‬‬ ‫تيكنولوجي ڤنديديقن ‪ ،‬كمنترين‬ ‫© ‪ 2017 - 2016‬م اوليه الأزهر ال ّشريف‪.‬‬ ‫ڤنديديقن مليسيا‪.‬‬ ‫چيتقن ڤرتام ‪2019‬‬ ‫* جاوتنكواس ڤپيمقن نسخة سديا‬ ‫© كمنترين ڤنديديقن مليسيا‬ ‫كاميرا‪ ،‬بهاڬين سومبر دان تيكنولوجي‬ ‫ڤنديديقن ‪ ،‬كمنترين ڤنديديقن مليسيا‪.‬‬ ‫حق چيڤتا ترڤليهارا‪ .‬مان‪ ٢‬باهن دالم بوكو اين تيدق دبنركن دتربيتكن‬ ‫سمولا‪ ،‬دسيمڤن دالم چارا يڠ بوليه دڤرڬوناكن لاڬي اتاوڤون دڤيندهكن‬ ‫* فڬاواي‪2‬بهاڬين سومبر دان‬ ‫دالم سبارڠ بنتوق اتاو چارا‪ ،‬باءيق دڠن چارا ايليكترونيک‪ ،‬ميكانيكل‪،‬‬ ‫تيكنولوجي ڤنديديقن ‪ ،‬كمنترين‬ ‫ڤڠڬمبرن سمولا ماهوڤون دڠن چارا ڤراقمن تنڤا كبنرن ترلبيه دهولو‬ ‫درڤد كتوا ڤڠاره ڤلاجرن مليسيا‪ ،‬كمنترين ڤنديديقن مليسيا‪ .‬ڤرونديڠن‬ ‫ڤنديديقن مليسيا‪.‬‬ ‫ترتعلوق كڤد ڤركيراءن رويلتي اتاو هونوراريوم‪.‬‬ ‫* سموا ڤيهق يڠ ترليبت سچارا‬ ‫لڠسوڠ اتاو تيدق لڠسوڠ دالم‬ ‫دتربيتكن اونتوق كمنترين ڤنديديقن مليسيا اوليه‪:‬‬ ‫منجاياكن بوكو اين‪.‬‬ ‫تلاڬ بيرو سنديرين برحد‪،‬‬ ‫نومبور ‪ ،28‬جالن تمباڬ‪ ،‬س د ‪ 2/5‬أ‪،‬‬ ‫سري دامنسارا ايندستريال ڤارك‪،‬‬ ‫‪ 52200‬كوالا لومڤور‪.‬‬ ‫تيليفون‪03-62754070 :‬‬ ‫فكس‪03-62754110 :‬‬ ‫لامن ويب‪telagabiru.com.my :‬‬ ‫موک تاءيڤ تيک س‪ :‬لوتوس لينوتاءيڤ‪.‬‬ ‫ساءيز موک تاءيڤ تيک س‪16:‬ڤوءينت‪.‬‬ ‫دچيتق اوليه‪:‬‬ ‫تيهاني چيتق سنديرين برحد‪،‬‬ ‫نومبور ‪ ،1‬جالن س ب جاي ‪،15‬‬ ‫تامن ايندوستري س ب جاي ‪،‬‬ ‫‪ 47000‬سوڠاي بولوه‪،‬‬ ‫سلاڠور دار الإحسان‪.‬‬

‫‪138‬‬ ‫ال ّتدريبات‬ ‫‪139‬‬ ‫ال ّدرس ال ّسابع‪ :‬قصيدة (أنا) لإيليا أبى ماضي‬ ‫‪150‬‬ ‫ال ّتدريبات‬ ‫‪152‬‬ ‫ال ّدرس ال ّثامن‪ :‬من قصيدة صخرة الـملتقى لل ّشاعر‬ ‫‪166‬‬ ‫إبراهيم ناجي‬ ‫ال ّتدريبات‬ ‫‪169‬‬ ‫‪171‬‬ ‫الوحدة ال ّثالثة‬ ‫‪172‬‬ ‫‪173‬‬ ‫الوحدة ال ّثالثة‪ :‬فنون النّثر في العصر الحديث‬ ‫‪178‬‬ ‫‪181‬‬ ‫ال ّدرس الأول‪ :‬النّثر وفنونه‬ ‫‪184‬‬ ‫تمهيد‬ ‫‪192‬‬ ‫‪199‬‬ ‫الـخطابة‬ ‫‪203‬‬ ‫الكتابة‬ ‫‪216‬‬ ‫الـمقالة‬ ‫‪218‬‬ ‫الف ّن القصصي‬ ‫الـمسرحية‬ ‫‪228‬‬ ‫ال ّتدريبات‬ ‫هجـ‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬من خطبة ال ّشيخ محمد مصطفي المراغي‬ ‫ال ّتدريبات‬ ‫ج‬ ‫ال ّدرس ال ّثالث‪ :‬مقال يا هادي الطريق جرت!! لأحمد‬ ‫حسن ال ّزيات‬ ‫ال ّتدريبات‬

‫الوحدة ال ّثانية‬ ‫الوحدة ال ّثانية‪ :‬مدارس الـ ّشعر وا ّتـجاهـاته في‬ ‫العصر الحديث ‪38‬‬ ‫ال ّدرس الأ ّول‪ :‬مدارس ال ّشعر في العصر الحديث ‪40‬‬ ‫مدرسة الإحياء والبعث ‪41‬‬ ‫مدرسة الـمحافظين ‪44‬‬ ‫مدرسة ال ّديوان ‪46‬‬ ‫ال ّتجديد قبل مدرسة ال ّديوان ‪48‬‬ ‫مدرسة شعراء المهجر ‪50‬‬ ‫جماعة أبو ُّللو ‪52‬‬ ‫ال ّتدريبات ‪55‬‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬طيف سـميرة ‪58‬‬ ‫ال ّتدريبات ‪73‬‬ ‫ال ّدرس ال ّثالث‪ :‬رحلة عابسة لل ّشاعر أحمد محرم ‪74‬‬ ‫ال ّتدريبات ‪88‬‬ ‫ال ّدرس ال ّرابع‪ :‬من قصيدة نهج البردة لل ّشاعر أحمد شوقي ‪90‬‬ ‫ال ّتدريبات ‪105‬‬ ‫ال ّدرس الخامس‪ :‬من مسرح ّية ك ّليوباترا لأمير ال ّشعراء ‪107‬‬ ‫أحمد شوقي‬ ‫ال ّتدريبات ‪122‬‬ ‫‪124‬‬ ‫ال ّدرس ال ّسـادس‪ :‬من قصيدة رثاء مي زيادة لل ّشـاعر‪ :‬ع ّباس‬ ‫محمود الع ّقاد‬ ‫دث‬

‫ وقد تناول الكتاب أبرز جوانب الأدب شعره ونثره في العصر الحديث بداية ِمن‬ ‫واقع الأدب قبل عصر النّهضة (العصر العثمان ّي)‪ ،‬ث ّم عوامل النّهضة الأدب ّية الحديثة‪،‬‬ ‫ودورالأزهر وشيوخه في إحداث تلك النّهضة‪ ،‬ودفعها إلى الأمام‪ ،‬كما تناول أه ّم‬ ‫مدارس ال ّشعر بال ّدراسة‪ ،‬وعالج فنون النّثر المختلفة ِمن خطابة ومقالة وق ّصة ومسرح ّية‪،‬‬ ‫واختار الكتاب عددا ِمن النّصوص ال ّشعر ّية والنّثر ّية ا ّلتي تم ّثل مختلف الا ّتجاهات‬ ‫والمدارس الأدب ّية‪ ،‬لتكون موض ًعا لل ّدراسة كي تكشف لل ّطالب أبرز معالم أدب هذا‬ ‫العصر‪ ،‬وتج ّلى أمام ناظريه قر ًنا ِمن الإبداع‪ ،‬وعصرا ِمن ال ّتاريخ الأدب ّي‪ ،‬وقد اشتمل‬ ‫الكتاب على عدد ِمن ال ّتدريبات المتن ّوعة راعت الأهداف ال ّتربو ّية العا ّمة ا ّلتي وضعها‬ ‫وأشرف عليها نخبة ِمن أساتذة ال ّترب ّية‪.‬‬ ‫ز‪1‬‬ ‫‪1‬‬

‫مقدمة‬ ‫‪‬‬ ‫ الحمد لله حم ًدا يوافي مزيد آلائه‪ ،‬ويكافئ وافر نعمائه‪ ،‬وال ّصلاة وال ّسلام على‬ ‫أفصح من نطق بلسان عربي مبين محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه ‪ ‬ومن سلك‬ ‫مسلكه‪ ،‬ونهج منهجه‪ ،‬واقتفي أثره إلى يوم ال ّدين‪ ،‬وبعد‪...‬‬ ‫ فإن دراسة الأدب ليست تقويما للسان‪ ،‬وتهذيبا للجنان فحسب‪ ،‬بل إ ّنها مطية‬ ‫المسلم إلى فهم قرآنه‪ ،‬ولغة نبيه ‪ ‬وما انطوت عليه من صور أدب ّية عميقة‪ ،‬دفعت‬ ‫العرب ّي المشرك ‪ -‬لسلامة لغته ‪ -‬إلى أن يق ّر بنصاعة بيان القرآن وإعجاز لغته‪.‬‬ ‫ ومتى ابتعدنا عن دراسة آدابنا فقد تم ّكنت منا ال ُعجمة‪ ،‬وصار بيننا وبين القرآن‬ ‫الكريم حاجز‪ ،‬نقرأه فلا ندرك مواطن الجمال ولا أسرار الإعجاز فيه‪ ،‬بل صار أكثرنا لا‬ ‫يدرك ح ّتى معانيه‪.‬‬ ‫ ِمن هنا كانت دراسة ال ّلغة واجبا شرع ّيا ليتح ّقق معنى الإيمان بإعجاز لغة‬ ‫القرآن‪ ،‬فكيف يؤمن بإعجاز ال ّلغة َمن َج ِهلها‪ ،‬وضرورة حضار ّية إذ لا حضارة بلا هو ّية‪،‬‬ ‫ولا هو ّية بلا عرب ّية‪ ،‬وإذا كانت المعرفة هي ا ّلتي تش ّكل عقولنا‪ ،‬فالف ّن لاسيما الأدب ِمنه‬ ‫هو ا ّلذي يش ّكل وجداننا‪ ،‬وما أحوجنا إلى وجدان نابض ُيعلى اله ّمة لتنهض الأ ّمة‪.‬‬ ‫ و ِمن بين عصور تاريخ الأدب يأتي العصر الحديث كإحدى حلقات سلسلة‬ ‫العصور الأدب ّية المتتابعة وفق ال ّتقسيم البحث ّي لتاريخ الأدب إلى ع ّدة عصور تبدأ‬ ‫بالعصر الجاهل ّي وصولا لأدب العصر الحديث‪.‬‬ ‫و‬

‫ال َمنْ َه ُج‬ ‫ال َو ْح َد ُة الأُ ْو َلى‬ ‫النَّ ْه َضـ ُة الأَ َدبِ َّيـ ُة فِي‬ ‫ال َع ْص ِرال َح ِدي ِث‬ ‫ال َو ْح َد ُة ال َّثانِ َي ُة‬ ‫َمــ َدا ِر ُس ال ِّشــ ْع ِر َوا ِّت َجا َها ُتــه‬ ‫فِـي ال َع ْصـ ِر ال َح ِديـ ِث‬ ‫ال َو ْح َد ُة ال َّثالِ َث ُة‬ ‫ُفنُــو ُن النَّ ْثــ ِر فِــي‬ ‫ال َع ْصــ ِر ال َح ِديــ ِث‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬

‫الأهداف العا ّمة للكتاب‬ ‫‪ 1‬إدراك ال ّط ّلب العوامل ال ّرئيسة في نهضة الأدب العرب ّي الحديث (شعره ونثره)‪.‬‬ ‫‪ 2‬تعريف ال ّط ّلب بأشهر ُر ّواد النّهضة الأدب ّية الحديثة‪.‬‬ ‫‪ 3‬تعريف ال ّط ّلب بدور الأزهر في الحياة الأدب ّية‪.‬‬ ‫‪ 4‬فهم ال ّط ّلب لأه ّم ا ّتجاهات الأدب العرب ّي الحديث (شعره ونثره)‪.‬‬ ‫وقوف ال ّط ّلب على ال ّسمات العا ّمة المم ّيزة للأدب العرب ّي الحديث (شعره ونثره)‪.‬‬ ‫‪ 5‬‬ ‫تعريف ال ّط ّلب بالفنون والمدارس الأدب ّية الحديثة‪ ،‬ومكانة الأدب العرب ّي ِمنها‪.‬‬ ‫‪ 6‬‬ ‫‪ 7‬‬ ‫لجنة تطوير المناهج بالأزهر ال ّشريف‬ ‫‪ 8‬‬ ‫عقد موازنة بين مدارس ال ّشعر في العصر الحديث‪.‬‬ ‫وقوف ال ّط ّلب على ألوان الأدب المختلفة ِمن ق ّصة ومقالة ومسرح ّية‪...‬إلخ‪،‬‬ ‫وذلك عن طريق فهم خصائص ك ّل لون ِمن هذه الألوان وإدراك ما فيها ِمن جمال‪.‬‬ ‫‪ 9‬حفظ وتذ ّوق ال ّط ّلب لبعض النّصوص ال ّشعر ّية والنّثر ّية‪.‬‬ ‫أح‬

‫بعد الانتهاء ِمن هذه الوحدة ينبغي أن يكون ال ّطالب قاد ًرا على أ ْن‪:‬‬ ‫‪ 1‬يح ّدد الخصائص العامة للأدب في العصر الحديث‪.‬‬ ‫‪ُ 2‬يع ّد جدولا يب ّين أثر ك ّل ِمن‪ :‬ال ّطباعة‪ ،‬ال ّصحافة‪ ،‬ال ّترجمة‪ ،‬ا ّتساع‬ ‫ نطاق ال ّتعليم‪.‬‬ ‫‪ 3‬يشرح دو َر الأزه ِر ال ّشريف في النّهضة الأدب ّية في العصر الحديث‪.‬‬ ‫‪ 4‬يتع ّرف ال ّط ّلب على أشهر ُر ّواد النّهضة الأدب ّية الحديثة‪.‬‬ ‫‪ 5‬يح ّدد عوامل النّهضة الأدب ّية الحديثة‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪3‬‬

‫الوحدة الأولى‬ ‫النّهضة الأدب ّية في‬ ‫العصر الحديث‬ ‫‪2‬‬

‫تمهيد‬ ‫ يؤ ّرخ ُنقاد العصر الحديث للأدب العرب ّي مع ميلاد النّهضة الحديثة ا ّلتي أخذت تتد ّرج‬ ‫ِمن أواخر القرن ال ّثامن عشر وبدايات القرن ال ّتاسع عشر عبر ثلاث مح ّطات بارزة‪:‬‬ ‫ الم ح ّطة ا لأولى الحملة الفرنس ّية على مصر سنة ‪١٧٩٨‬م‪ ،‬ول ْم يط ْل مكثها في‬ ‫مصر أكثر ِمن ثلاث سنوات‪ ،‬فكان الجلاء عن مصر عام ‪١٨٠١‬م‪ ،‬وكانت الحملة الفرنس ّية‬ ‫بقيادة نابليون بونابرت أ ّول لقاء بين المصر ّيين والفر ْنجة منذ عصر صلاح ال ّدين الأ ّيوب ِّي‪،‬‬ ‫وشتان ما بين العهدين ففي أوائل العهد الأ ّيوب ِّي كانت مصر مهد العروبة وحاضرة الإسلام‪،‬‬ ‫ورمز الحضارة‪ ،‬وعلى نقيض ذلك كان حالها حين طرق الاحتلال الفرنس ّي بابها‪ ،‬وهي‬ ‫ضعيفة هاوية في خضم الجهل والغفلة والفقر‪ ،‬وفي الوقت ا ّلذي واجه فيه المصر ّيون الحملة‬ ‫الفرنس ّية بوصفها عد ّوا غاز ًيا‪ ،‬أثار انتباههم وح ّرك تفكيرهم ما رأوه مع تلك الحملة ِمن مظاهر‬ ‫حضار ّية لم يعهدوها ِمن قبل‪ ،‬فكانت دهشة المصر ّيين ج ّد عظيمة م ّما رأوا ِمن مظاهر هذه‬ ‫ال َم َدن ّية الجديدة‪ ،‬إذ أنشأ نابليون مسرحا لل ّتمثيل كانوا يم ّثلون فيه رواية فرنس ّية ك ّل عشر ليال‪،‬‬ ‫وأنشأوا مدرستين لأولاد الفرنس ّيين‪ ،‬وأصدروا جريدتين بالعرب ّية والفرنس ّية‪ ،‬وأ ّسسوا مكتبة‬ ‫عا ّمة‪ ،‬ومعملا للورق‪ ،‬وأ ّسسوا مراصد فلك ّية‪ ،‬وأماكن للأبحاث ال ّرياض ّية‪ ،‬والنّقش وال ّتصوير‬ ‫في حارة النّاصر ّية‪ ،‬وأقاموا المجمع العلم ّي المصر ّي على نظام المجمع العلم ّي الفرنس ّي في‬ ‫أغسطس سنة ‪١٧٩٨‬م‪ ،‬أ ّلفه نابليون بونابرت ِمن ثمانية وأربعين عضوا يم ّثلون فروع العلم‬ ‫والمعرفة‪ ،‬كما أنشأوا ال ّدواوين في مصر وال ُمدن الكبرى‪ ،‬لكنّهم ظ ّلوا المحت ّل الغازي ا ّلذي‬ ‫يفرض ال ّضرائب‪ ،‬ويغتصب الخيرات‪ ،‬ويستب ّد بمقدرات البلاد‪ ،‬فثار عليهم المصر ّيون في‬ ‫أكتوبر سنة ‪١٧٩٨‬م‪ ،‬فأخمدوا ثورتهم في قسوة عارمة‪ ،‬وانتهكوا حرمات المساجد بخيلهم‪،‬‬ ‫وعبثا حاول نابليون استمالتهم إ ّل أ ّنه فشل هو ومن تبعه ِمن قيادات للحملة‪ ،‬واضط ّرت للج ّلء‬ ‫عن مصر‪.‬‬ ‫ ‬ ‫‪5‬‬ ‫‪5‬‬ ‫تمهيد‬

‫موضوعات الوحدة الأولى‬ ‫ال ّدرس الأ ّول‬ ‫عوامل النّهضة الأدب ّية الحديثة‪:‬‬ ‫ال ّطباعة‬ ‫ال ّصحافة‬ ‫البعثات وال ّترجمة‬ ‫ا ّتساع نطاق ال ّتعليم‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‬ ‫أثر الأزهر ال ّشريف في النّهضة الحديثة‪،‬‬ ‫ودور أعلامه ُر ّواد النّهضة الأدب ّية الحديثة‪:‬‬ ‫ال ّشيخ حسن الع ّطار‬ ‫ِرفاعة ال ّطهطاو ّي‬ ‫محمد عب ُده‬ ‫‪4‬‬ ‫الوحدة الأولى‬

‫ ال مح ّط ة ال ّثالث ة وتتم ّثل في حكم ال ُخديو ّي إسماعيل ا ّلذي استجاب لل ّروح‬ ‫المصر ّية‪ ،‬فظهرت النّزعة القوم ّية المصر ّية لأ ّول م ّرة‪ ،‬وأصبح العلم للعلم‪ ،‬وليس لتأسيس‬ ‫الجيش وخدمته كما كان الأمر في عهد محمد عل ّي‪ ،‬فأنشأ المكتبة ال ُخديو ّية‪ ،‬ودار الأوبرا‪،‬‬ ‫وأكثر ِمن المدارس الابتدائ ّية وال ّثانو ّية‪ ،‬وأقام أول مدرسة للبنات‪ ،‬وافتتحت قناة ال ُّسويس في‬ ‫عهده ا ّلتي ق ّربت المسافات الما ّد ّية والمعنو ّية بين ال ّشعوب ال ّشرق ّية والغرب ّية‪ ،‬وكان لها أكبر‬ ‫الأثر في تشكيل مستقبل مصر الحديث‪ ،‬وتوجيه نظر المستعمر الغرب ّي إليها‪ ،‬فكانت إحدى‬ ‫أسباب تض ُّخم ال ّدين الخارج ّي والامتيازات الأجنب ّية وال ّتد ُّخل الغرب ّي وصولا إلى الاحتلال‬ ‫الإنجليز ّي لمصر‪ ،‬ونِضال المصر ّيين من أجل الاستقلال‪ ،‬فثورة ‪١٩٥٢‬م وما تبعها ِمن تأميم‬ ‫لقناة ال ُّسويس ث َّم النّكسة ث َّم حرب العاشر ِمن رمضان‪ ،‬فأبرز الأحداث في تاريخ مصر الحديثة‬ ‫ارتبطت بقناة ال ُّسويس مشروع إسماعيل للنّهضة بمصر‪.‬‬ ‫***‬ ‫الأعلام‬ ‫المفردات‬ ‫الكلمة‬ ‫تضخم‬ ‫ال ُخ َد ْي ِو ّي إسماعيل‬ ‫المعنى‬ ‫الاحتلال‬ ‫‪7‬‬ ‫نضال‬ ‫ع ُظمت وا َّتسعت‬ ‫‪7‬‬ ‫ُد ُخوأ َرلاا ِلبضيل ََاهاِد َقوْهالر ًاا َْوستِ َغي ْلز َاًو ُءا َع َل‬ ‫الاستقلال‬ ‫تمهيد‬ ‫ال ِّد َفا َع َق ْولاً َوفِ ْعل ًا‬ ‫استكمال الدولة سيادتها وانفرادها‬ ‫بتدبير شؤونها الداخلية والخارجية‬ ‫بنفسها لا تخضع في ذلك لوصاية‬ ‫أو رقابة دولة أخرى عليها‬

‫ كانت الحملة الفرنس ّية هزة عنيفة لمصر‪ ،‬أيقظتها ِمن سباتها ال ّطويل العميق ليروا ما‬ ‫آلت إليه الأمم ِمن تق ّدم فكر ّي ونهضة علم ّية‪ ،‬واستحداث لنظم إدار ّية‪ ،‬وأدركوا أ ّنهم يعيشون‬ ‫في عزلة الجهل وال ّظلام‪ ،‬م ّما كان دافعا إلى ال ّتفكير في إحداث نهضة شاملة‪ ،‬انعكست على‬ ‫الحياة الأدب ّية‪.‬‬ ‫وتش ّكلت فيها الكثير ِمن معالم النّهضة ومظاهرها‪ ،‬وت ّوفر‬ ‫ الم ح ّطة ا ل ّثانية ‬ ‫في تلك المح ّطة الكثير ِمن العوامل الباعثة على ال ّتم ُّدن وال ّتطوير‪ ،‬وتتم ّثل في حكم محمد‬ ‫عل ّي لمصر‪ ،‬فبعد أن استولى على عرش مصر‪ ،‬ونجح في الانفراد به بال ّتخلص ِمن الخصوم‬ ‫وال ّشركاء سعى جاهدا لإقامة دولة قو ّية خالصة لنفسه وذ ّريته ِمن بعده‪ ،‬وقد استفادت مصر فترة‬ ‫حكمه ِمن مجهوداته في ش ّتى المجالات‪ ،‬وإن حكمها حكما فرد ّيا ملك ّيا‪.‬‬ ‫ا ّتخذ محمد عل ّي ِمن ال ّدولة الغرب ّية نموذجا يحت َذى‪ ،‬وأخذ يؤ ّسس لدولة مصر الحديثة‬ ‫ ‬ ‫على أسس ال ّدول الأورب ّية‪ ،‬فأنشأ الجيش‪ ،‬واهت ّم بال ّصناعة وال ّزراعة فش ّق لها ال ّترع والمصارف‪،‬‬ ‫ون ّظم أعمال ال ّري‪ ،‬واستحدث نظاما إدار ّيا يربط ال ُمدن وال ُقرى‪ ،‬ورأى أ ّن أه ّم وسائل تحقيق‬ ‫النّهضة هو ال ّتعليم‪ ،‬فكانت البعثات في عهده لأ ّول م ّرة‪ ،‬وفتحت المدارس‪ ،‬وتأ ّسست المطبعة‬ ‫وال ّصحافة‪ ،‬و ُت ْر ِج َمت العلوم والآداب‪.‬‬ ‫الأعلام‬ ‫المفردات‬ ‫محمد علي باشا المسعود بن إبراهيم‬ ‫المعنى‬ ‫الكلمة‬ ‫آغا القوللي‬ ‫هزة‬ ‫ال َّت َأ ُّث ُر بِ َت َح ُّر ِك النَّ ْف ِس‬ ‫العميق‬ ‫َث ِقي ٌل‬ ‫النّهضة‬ ‫الوثب ُة في سبيل التق ّدم الاجتماعي‬ ‫َأو غيره‬ ‫ال ّتمدن‬ ‫ُدخو ُل ُه في َم ْرو َاحل َل ُعِة ْمالرُّار ِقِن ِّي والحَضا َر ِة‬ ‫ال ّتطوير‬ ‫َت ْع ِدي ُل َها َو َ ْت ِسينُ َها إِ َل َما ُه َو َأ ْف َض ُل‬ ‫ ‬ ‫‪6‬‬ ‫الوحدة الأولى‬

‫ال ّدرس الأ ّول‬ ‫عوامل ال ّنهضة‬ ‫الأدب ّية الحديثة‬ ‫أهداف ال ّدرس‪:‬‬ ‫بنهاية ال ّدرس يتوقع أن يكون ال ّطالب قاد ًرا على أ ْن‪:‬‬ ‫‪ 1‬يب ّين أثر ال ّطباعة في الحياة الأدب ّية في مصر‪.‬‬ ‫‪ 2‬يوازن ب ْين أثر ك ّل ِمن ال ّترجمة وال ّصحافة في النّهضة الأدب ّية الحديثة‪.‬‬ ‫‪ 3‬يو ّضح الآثار المتر ّتبة على انتشار ال ّتعليم في زيادة الوعي بالأدب وفنونه‪.‬‬ ‫‪ 4‬يشرح دور الأزهر في الحياة المصر ّية بصفة عا ّمة‪ ،‬والحياة الأدب ّية بصفة خا ّصة‪.‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪9‬‬

‫الخريطة ال ّذهن ّية‬ ‫يؤ ّرخ نقاد العصر الحديث للأدب العرب ّي مع ميلاد النّهضة الحديثة ا ّلتي أخذت تتد ّرج‬ ‫ِمن أواخر القرن ال ّثامن عشر وبدايات القرن ال ّتاسع عشر عبر ثلاث مح ّطات بارزة‪:‬‬ ‫المح ّطة ال ّثالثة‬ ‫المح ّطة ال ّثانية‬ ‫المح ّطة الأولى‬ ‫تتم ّثل في حكم‬ ‫تتم ّثل في حكم محمد‬ ‫تتم ّثل في الحملة الفرنس ّية‬ ‫ال ُخديو ّي إسماعيل‪.‬‬ ‫عل ّي لمصر‪.‬‬ ‫على مصر سنة ‪١٧٩٨‬م‪.‬‬ ‫أه ّم الإنجازات ا ّلتي‬ ‫العوامل الباعثة على‬ ‫‪1‬‬ ‫تحق ّقت في عهده‬ ‫التمدن والتطوير‬ ‫الم ّدة ا ّلتي مكثتها فيها‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫الجلاء عنها‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫حال مصر في تلك الفترة‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫مظاهر حضارة تلك الحملة‬ ‫لم يعهدوها من قبل‪.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫الظروف ا ّلتي ت ّم فيها الجلاء‬ ‫الحملة الفرنس ّية عن مصر‪.‬‬ ‫‪8‬‬ ‫الوحدة الأولى‬

‫ ول ْم تقف المطابع العرب ّية عند الكتب القديمة وال ّدواوين بل أخذت تنشر بين النّاس‬ ‫الكتب الغرب ّية ا ّلتي ترجمها أعلام المصر ّيين ِم َّمن حذقوا ال ّلغات الأجنب ّية‪ ،‬وكان أكثرها في‬ ‫النّصف الأ ّول ِمن القرن ال ّتاسع عشر كتبا علم ّية‪ ،‬ولم تلبث أن زاحمتها في النّصف ال ّثاني‬ ‫ال ّروايات والكتب الأدب ّية‪.‬‬ ‫ فكانت المطبعة عام ًل عظي ًما في إيقاظ العقل المصر ّي‪ ،‬وتوجيهه إلى مثل جديدة في‬ ‫ال ّلغة والأدب والفكر‪ ،‬ولا نستطيع أن نقف وقو ًفا بينًا على خطر هذا العامل إ ّل إذا و ّجهنا النّظر‬ ‫إلى ال ّطريقة ا ّلتي كان ينشر بها الأدب قبل ظهور المطبعة‪ ،‬فقد كان الأدباء يعتمدون في ذلك‬ ‫على النَّسخ باليد‪ ،‬وكان النّسخ يك ّلف أثمانا باهظة‪ ،‬ويستغرق وقتا طويلا‪ ،‬وكان َمن يحصل‬ ‫على النّسخ المخطوطة ق ّلة محدودة تكاد تحتكر الحياة الأدب ّية والفكر ّية‪ ،‬فل ّما ظهرت المطابع‬ ‫عملت على نشر الكتاب الواحد مئات النّسخ بل آلاف النّسخ‪ ،‬فأتيح لجمهور كبير ِمن ال ّشعب‬ ‫أن يطلع عليه ويفيد منه‪ ،‬وفتحت المكتبات في ك ّل مكان لبيع الكتب ونشرها‪ ،‬كما ُأنشئت‬ ‫دور الكتب العا ّمة أمام المتع ّلمين؛ ليقرأوا فيها ما لا يقدرون على شرائه‪ .‬فأقام عل ّي مبارك‬ ‫سنة ‪١٨٧٠‬م دار الكتب المصر ّية‪ ،‬وز ّودها بالكتب في مختلف الآداب والعلوم والفنون‪ ،‬ولم‬ ‫يكت ِف بالكتب العرب ّية‪ ،‬بل ض ّم إليها طائفة كبيرة ِمن كتب ال ّلغات الغرب ّية‪ ،‬وم ّما زاد ِمن أهم ّية‬ ‫ال ّطباعة في تثقيف ال ّشعب ا ّتساع دائرة ال ّتعليم منذ عصر إسماعيل‪ ،‬فك ُثر الجمهور القارئ‬ ‫ا ّلذي تخاطبه‪ ،‬واستطاع أن ُيفيد منها و ِمن آثارها‪ ،‬فكان ل ّما نشرته ال ّطباعة ِمن أدبنا القديم‪،‬‬ ‫والمترجمات عن الآداب الغرب ّية أثر كبير في‬ ‫نهضة الحياة الأدب ّية‪.‬‬ ‫المفردات‬ ‫الكلمة‬ ‫المعنى‬ ‫تحتكر‬ ‫تثقيف ال ّشعب‬ ‫جمعها لينفرد بال َّتص ّرف فيها‬ ‫تعليم ال ّشعب‬ ‫‪11‬‬ ‫ال ّدرس الأ ّول ‪11‬‬

‫ال ّطباعة‬ ‫ ُعرفت المطبعة في أوربا منذ القرن الخامس عشر‪ ،‬وطبع الأورب ّيون بها الكتب العرب ّية‬ ‫أو أخذوا يطبعونها بها منذ القرن ال ّسادس عشر‪ ،‬وعنهم نقلتها تركيا في القرن ال ّسابع عشر‪،‬‬ ‫فطبعت عددا محدودا ِمن الكتب العرب ّية لا تزيد على أربعين كتابا منها‪ :‬القاموس ال ُمحيط‪،‬‬ ‫وكافية ابن الحاجب‪ ،‬كما نقلتها ُسوريا في القرن ال ّثامن عشر‪ ،‬أ ّما مصر فظ ّل ْت لا تعرفها‪،‬‬ ‫ح ّتى كانت الحملة الفرنس ّية في أواخر القرن ال ّثامن عشر‪ ،‬وأوائل القرن ال ّتاسع عشر‪ ،‬فنقلت‬ ‫ال ّطباعة إلى مصر‪ ،‬واستخدمتها في منشوراتها‪.‬‬ ‫ غادرت المطبعة العرب ّية مصر مع جلاء الحملة الفرنس ّية‪ ،‬ح ّتى إذا كان عهد محمد عل ّي‬ ‫ُأنشئت أ ّول مطبعة مصر ّية‪ُ ،‬عرفت بمطبعة بولاق‪ ،‬قام المشرفون عليها بطبع الكتب العرب ّية‬ ‫وال ّترك ّية‪ ،‬وصحيفة الوقائع المصر ّية النّاطقة بمراسيم ال ّدولة متم ّثلة في شخص محمد عل ّي‪،‬‬ ‫و َل ْم َي ُكن ا ّتجاه ال ّطباعة في عهد محمد عل ّي أدب ّيا‪ ،‬إذ كان اهتمامه بالعلوم والجيش والإدارة؛‬ ‫لذا كان نتاج مطبعة بولاق أول الأمر علميا بحتا‪ ،‬ح ّتى كان عهد إسماعيل فأخذت مطبعة‬ ‫بولاق في طباعة الكتب الأدب ّية القديمة مشاركة في نهضة أدب ّية بدأت تتنامى‪ ،‬وتشت ّد في‬ ‫المجتمع المصر ّي‪.‬‬ ‫ ولا نتق ّدم في النّصف ال ّثاني من القرن ال ّتاسع عشر ح ّتى تكثر المطابع‪ ،‬ويكثر طبع‬ ‫الكتب العرب ّية القديمة ودواوين ال ّشعر العباس ّية وغيرها‪ ،‬فطبعت رسائل الجاحظ‪ ،‬وكليلة‬ ‫و ِدمنة‪ ،‬وكتابات ابن خلدون‪ ،‬م ّما كان له تأثير بالغ في الحياة الأدب ّية‪ ،‬فا ّطلع الأدباء في هذه‬ ‫الكتب والآثار القديمة ا ّلتي طبعت على نماذج وأعمال أدب ّية لم يكونوا يعرفونها‪ ،‬ورأوا‬ ‫أساليب مرسلة جديدة عليهم غير ا ّلتي أ ّلفوها في عصرهم ِمن الكتابات المتك ّلفة المملوءة‬ ‫بال ّسجع وألوان البديع‪.‬‬ ‫‪10‬‬ ‫الوحدة الأولى‬

‫سرعان ما استعادت نشاطها وقوتها‪ ،‬فأنشأ ال ّشيخ عل ّي يوسف صحيفة المؤ ّيد‪ ،‬وأنشأ الأفغان ّي‬ ‫ومحمد عب ُده ال ُعروة الوثقى‪ ،‬ث ّم كان لنشأة الحياة البرلمان ّية وظهور الأحزاب السياس ّية أثر كبير‬ ‫في إثراء ال ّصحافة‪ ،‬فتع ّددت ال ّصحف بتع ّدد الأحزاب‪ ،‬فأصدر مصطفى كامل جريدة ال ّلواء‪،‬‬ ‫وأصدر حزب الأمة جريدة \"الجريدة\"‪ ،‬ومصر الفتاة‪ ،‬ث ّم توالى إصدار المجلات المتن ّوعة‬ ‫منها الأسبوع ّي والشهر ّي‪ ،‬و ِمن أه ّمها المقتطف‪ ،‬والهلال‪ ،‬والسياسة الأسبوع ّية‪ ،‬والبلاغ‬ ‫الأسبوع ّي‪ ،‬والكاتب المصر ّي‪ ،‬والكتاب‪ ،‬وال ّرسالة‪ ،‬وال ّثقافة‪.‬‬ ‫ وقد نجحت ال ّصحافة في إحداث تح ّول واسع نحو النّهضة الأدب ّية الحديثة‪ ،‬فعالج‬ ‫الأدب موضوعات سياس ّية واجتماع ّية واقتصاد ّية لا عهد لأدبنا القديم بها‪ ،‬واستحدثت‬ ‫ال ّصحافة فنونا أدب ّية لم يكن لنا عهد بها من المقالة‪ ،‬والق ّصة‪ ،‬والأقصوصة‪ ،‬والخاطرة‪ ،‬كما‬ ‫نما في ظ ّلها عدد كبير ِمن الك ّتاب وال ّشعراء نهلوا منها‪ ،‬واستفادوا ِمن لغتها‪ ،‬وظهر الأسلوب‬ ‫المرسل في الكتاب ا ّلذي يهت ّم بالمعنى بعيدا عن ال ّتق ّيد بال ّسجع والبديع وغيره ِمن الحلى‬ ‫ال ّلفظ ّية والمعنو ّية المتك ّلفة‪ ،‬وانحسرت ال ّلغة العا ّمية في الكتابة‪ ،‬وعادت ال ّلغة الفصحى على‬ ‫نِطاق واسع‪ ،‬وأصبح الأدب ‪ -‬بفضل ال ّصحافة ‪ -‬تعبيرا عن الوجدان الجماع ّي‪ ،‬والأفكار‬ ‫المشتركة‪ ،‬أكثر ِمن كونه فرد ّيا ذات ّيا كما كان في الأدب القديم‪ ،‬كما خ ّلفت ال ّصحافة كثيرا ِمن‬ ‫الكتب الأدب ّية ا ّلتي كانت مقالات ث ّم جمعت في كتب‪ ،‬منها‪ :‬وحي القلم لمصطفى صادق‬ ‫ال ّرافعي‪ ،‬وحديث الأربعاء لطه حسين‪ ،‬وفيض الخاطر لأحمد أمين‪.‬‬ ‫كتاب وحي القلم لمصطفى صادق ال ّرافعي‬ ‫‪13‬‬ ‫ال ّدرس الأ ّول ‪13‬‬

‫ال ّصحافة‬ ‫ عرف المصر ّيون ال ّصحافة لأ ّول مرة مع مجيء الحملة الفرنس ّية ا ّلتي أصدرت صحيفتي‬ ‫العشار المصر ّي‪ ،‬وبريد مصر‪ ،‬وقد صدرتا بال ّلغة الفرنس ّية؛ لذا ل ْم َي ُك ْن لهما أثر في ال ّشعب‬ ‫المصر ّي‪ ،‬ا ّلذي رأى في ال ّلغة الفرنس ّية لغة المحت ّل الأعجم ّية ا ّلتي يجهلها‪.‬‬ ‫ فل ّما جاء محمد عل ّي أصدر أ ّول صحيفة عرب ّية سنة ‪١٨٢٢‬م باسم جورنال ال ُخديو ّي‪،‬‬ ‫ث ّم تغ ّير اسمها إلى الوقائع المصر ّية‪ ،‬وكانت تصدر أول الأمر بالعرب ّية وال ّترك ّية‪ ،‬ث ّم قصرها‬ ‫ِرفاعة ال ّطهطاو ّي حين أسندت إليه على ال ّلسان العرب ّي‪ ،‬وكانت تشتمل بجانب الأخبار‬ ‫الحكوم ّية على بعض ال ّطرائف الأدب ّية‪ ،‬وكانت صحيفة رسم ّية ناطقة باسم ال ّدولة متم ّثلة في‬ ‫شخص محمد عل ّي‪ ،‬ول ْم يك ْن قد تك ّون بعد ال ّرأي العام المصر ّي‪.‬‬ ‫ ث ّم تو ّقفت جريدة الوقائع المصر ّية‪ ،‬وتج ّمدت ال ّصحافة في عهدي ع ّباس وسعيد‬ ‫(‪١٨٦٣ -١٨٤٩‬م) لعزوفهما عن النّهضة ووسائلها‪ ،‬ح ّتى استأنفت نشاطها في عهد إسماعيل‪،‬‬ ‫فتضافرت عوامل عديدة على نهضتها منها اهتمام نظارة المعارف في عهد عل ّي مبارك بإخراج‬ ‫جريدة روضة المدارس ا ّلتي اهتمت بإحياء الآداب العرب ّية‪ ،‬ونشر المعارف والأفكار‪ ،‬وأشرف‬ ‫عليها ِرفاعة ال ّطهطاو ّي‪ ،‬وتبع ذلك صدور َم َج َّلة ال َي ْع ُسوب أ ّول مج ّلة علم ّية تهت ّم بال ّطب‬ ‫والعلوم‪ ،‬أصدرها ال ّطبيبان محمد عل ّي البقلي وإبراهيم الدسوقي عام ‪١٨٦٥‬م‪ ،‬ث ّم عرفت مصر‬ ‫لأ ّول م ّرة ال ّصحافة السياس ّية عقب نمو الحركة القوم ّية ا ّلتي أغضبتها سياسة ال ُخديو ّي إسماعيل‬ ‫المتو ّسعة في الاقتراض ِمن الغرب‪ ،‬فأصدرت جريدة وادي النيل لعبد الله أبي ال ّسعود‪ ،‬ونزهة‬ ‫الأفكار لمحمد عثمان وإبراهيم المويلح ّي‪ ،‬وال ّتنكيت وال ّتبكيت لعبد الله النّديم‪.‬‬ ‫ وم ّما أسهم أيضا في نشاط حركة ال ّصحافة طوائف ال ّسور ّيين واللبنان ّيين ا ّلذين نزحوا‬ ‫إلى مصر‪ ،‬وأسهموا في مسيرة الإصلاح بأقلامهم ال ّصحف ّية‪ ،‬فأصدر أديب إسحاق وسليم‬ ‫نقاش جريدة المحروسة‪ ،‬وأصدر بشارة تقلا وسليم تقلا جريدة الأهرام والمقطم‪ ،‬ومع بداية‬ ‫الاحتلال الإنجليز ّي لمصر أغلقت أكثر ال ّصحف وخمد صوت المصر ّيين الوطن ّي إ ّل أ ّنه‬ ‫‪12‬‬ ‫الوحدة الأولى‬

‫البعثات وال ّترجمة‬ ‫لم يحدث ا ّتصال ثقاف ّي بين مصر وأوربا طِوال حكم الأتراك ح ّتى كانت الحملة‬ ‫ ‬ ‫الفرنس ّية على مصر‪ ،‬فتع ّرف المصر ّيون على الفرنس ّيين وثقافتهم لكن على نحو محدود‪َ ،‬ف ُه ْم‬ ‫الغزاة ا ّلذين واجههم المصر ّيون‪ ،‬وثاروا على ظ ّلمهم خلال ثلاث سنوات أقامتها الحملة‬ ‫الفرنس ّية في مصر‪.‬‬ ‫ أ ّما الا ّتصال الحقيق ّي فكان عن طريق البعثات وال ّترجمة في عهد محمد عل ّي ا ّلذي أراد‬ ‫أن يقيم دولة قوية قوامها الجيش‪ ،‬ورأى أ ّن ِمن أقوى العوامل ا ّلتي تساعده على تحقيق ذلك أن‬ ‫يأخذ عن الغرب علومه وفنونه‪ ،‬فأنشأ محمد عل ّي مدرسة لتعليم المبعوثين ال ّلغة الفرنس ّية في‬ ‫باريس‪ ،‬ظ ّلت تعمل ح ّتى ُأغلقت سنة ‪١٨٤٨‬م‪.‬‬ ‫ وأوفد أول بعثة إلى باريس‪ ،‬وكان أكثرها ِمن غير المصر ّيين إ ّل ق ّلة ِمن طلبة الأزهر‪،‬‬ ‫وقد سافرت هذه البعثة وعددها أربعة وأربعون طالبا سنة ‪١٨٢٧‬م‪ ،‬وكان إمامها طالبا أزهر ّيا‪،‬‬ ‫كان له أثره بعد ذلك في النّهضة الحديثة بتأسيسه لحركة ال ّترجمة‪ ،‬وهو ِرفاعة ال ّطهطاو ّي‪،‬‬ ‫وقد عاد أفراد البعثة مز َّودين بثقافة واسعة في مختلف الفنون ِمن ط ّب وهندسة وفلك وغيرها‬ ‫ِمن علوم‪ ،‬ث ّم توال ْت البعثات ِمن ال ّط ّلب المصر ّيين إلى فرنسا وغيرها ِمن البلاد الأورب ّية‪،‬‬ ‫وتخ ّصص المبعوثون في فروع العلم والأدب‪ ،‬وكان لهم آثار جليلة في النّهضة الحديثة بما‬ ‫أ ّلفوا ِمن كتب‪ ،‬وما نقلوا ِمن آثار الغرب ِمن العلم والأدب‪.‬‬ ‫و ِمن أه ّم أسباب النّهضة الأدب ّية ال ّتبادل ال ّثقاف ّي وتلاقح الأفكار ا ّلذي وفر ْته حركة‬ ‫ ‬ ‫ال ّترجمة ا ّلتي نشطت نشاطا ملحوظا في العصر الحديث‪ ،‬وكان الغرض منها في بداية الأمر نقل‬ ‫العلوم ال ّتطبيق ّية ِمن ال ّط ّب وال ّطبيعة وال ّرياض ّيات والهندسة إلى المدارس ا ّلتي أنشأها محمد‬ ‫عل ّي‪ ،‬ث ّم تو ّسعت حركة ال ّترجمة لتشمل الآداب والفنون في عهد إسماعيل‪ ،‬ف ُأنشئت عدة‬ ‫مدارس ومعاهد ومكاتب متخ ّصصة في ف ّن ال ّترجمة وتعليم ال ّلغات الأجنب ّية‪ ،‬كمدرسة الألسن‬ ‫‪14‬‬ ‫الوحدة الأولى ‪14‬‬

‫عام ‪١٨٣٦‬م‪ ،‬ومدرسة دار العلوم ال ّتوفيق ّية ا ّلتي أنشأت سنة ‪١٨٨٠‬م‪ ،‬وأقيم سنة ‪١٨٨١‬م مكتب‬ ‫لل ّترجمة وال ّتحرير برئاسة أديب إسحاق تح ّول فيما بعد إلى مدرسة المع ّلمين ال ُخديو ّية؛ لتخرج‬ ‫نخبة ِمن المدرسين المتخ ّصصين في ال ّلغات الأجنب ّية ‪١٨٨٩‬م‪.‬‬ ‫ وم ّما ساعد على ازدهار حركة ال ّترجمة اللبنان ّيون والسور ّيون ا ّلذين نزحوا إلى مصر‪،‬‬ ‫وكان ا ّتصال هؤلاء بالآداب الغرب ّية أقوى ِمن المصر ّيين‪ ،‬فل ْم يهتم ال ّشوام في ا ّتصالهم بالغرب‬ ‫بنقل العلوم كما حدث من المصر ّيين في عهد محمد عل ّي‪ ،‬فكان اهتمامهم منص ًّبا على الآداب‬ ‫والفنون‪ ،‬فنقلوا للأدب العرب ّي مئات المسرح ّيات والقصص الغرب ّية المترجمة‪ ،‬و ِمن هؤلاء نجيب‬ ‫ح ّداد‪ ،‬وخليل مطران‪ ،‬ويعقوب صنوع‪ ،‬وطانيوس عبده‪ ،‬فأصدروا مج ّلت اهت َّمت بترجمة ونشر‬ ‫ال ّروايات الغرب ّية ال ّشهيرة ِمن أمثال‪ :‬مج ّلة مسامرات ال ّشعب‪ ،‬والراوي‪.‬‬ ‫ وقد تركت ال ّترجمة أثرا عظيما في الأدب العرب ّي الحديث‪ ،‬فأخذ تيار الفكر الغرب ّي يسرى‬ ‫في تضاعيف شعره ونثره‪ ،‬وظهرت المدارس النّقد ّية تبعا لذلك‪ ،‬وازدهرت فنون النّثر الحديث‬ ‫محاكية نظائرها في الغرب‪ ،‬فكانت الأجناس الأدب ّية الجديدة الق ّصة والمسرح ّية والمقالة‪.‬‬ ‫المفردات‬ ‫الكلمة‬ ‫اتصال‬ ‫المعنى‬ ‫الأتراك‬ ‫الا ْلتِ َقا َء‬ ‫الغزاة‬ ‫جمع ُّت ْرك ُّي‬ ‫تلا ُقح الأفكار‬ ‫جمع غازي‪ :‬فاتح ‪ ،‬محتاج‬ ‫نخبة‬ ‫نزحوا‬ ‫تبادل استفادة الأفكار بعضها من بعض أو اجتماعها‬ ‫محاكية‬ ‫لتوليد أفكار أسمى‬ ‫مسرحية‬ ‫المختا ُر من كل شيء‬ ‫ال ّدرس الأ ّول‬ ‫اِ ْن َت َق ُلوا‬ ‫مشا ِ َبة‬ ‫قصة ُم َع َّدة للتمثيل على المسرح‬ ‫‪15‬‬

‫الحكومة عدة مدارس ثانو ّية منها مدرسة رأس ال ّتين‪ ،‬والمدرسة ال ُخديو ّية‪ ،‬وأعادت ديوان‬ ‫المدارس نواة وزارة المعارف (ال ّتربية وال ّتعليم) بعد أن ألغاه ال ُخديو ّي سعيد‪ ،‬ليشرف على‬ ‫ال ّتعليم ويرعاه‪.‬‬ ‫ ونمضي في القرن العشرين فإذا بالاحتلال الإنجليز ّي جاثم على قلب مصر لعقود ِمن‬ ‫ال ّزمن‪ ،‬لكن إرادة المصر ّيين في المعرفة وال ّتعلم ل ْم تضعف‪ ،‬فاستجاب المصر ّيون لل ّدعوة ا ّلتي‬ ‫أطلقها سعد زغلول ومصطفى كامل بضرورة أن يكون هناك جامعة أهل ّية‪ ،‬وجمعت تب ّرعات‬ ‫ضخمة لتأسيس الجامعة المصر ّية‪ ،‬وفتحت الجامعة أبوابها لتد ّرس ال ّتاريخ والفلسفة والأدب‪،‬‬ ‫وانتقلت مصر بها في حياتها العقل ّية نقلة كبيرة‪ ،‬فهي لا تدرس العلم والأدب لإنشاء جيش أو‬ ‫طبقة من مو ّظفي ال ّدواوين أو معلمي ال ّلغات في المدارس كما كان الأمر في أ ّول عهد النّهضة‬ ‫زمن محمد عل ّي‪ ،‬وإ ّنما تدرس العلم والأدب طلبا للمعرفة وحرصا على ال ّدخول إلى آفاق‬ ‫جديدة ِمن ال ّرق ّي وال ّتم ّدن‪ ،‬وبدأ يتش ّكل من المتع ِّلمين ق ّوة دافعة لإحداث نهضة في مختلف‬ ‫مناحي الحياة‪.‬‬ ‫الخريطة ال ّذهن ّية‬ ‫عوامل النّهضة الأدب ّية الحديثة‬ ‫ا ّتساع نِطاق ال ّتعليم‬ ‫البعثات وال ّترجمة‬ ‫ال ّصحافة‬ ‫ال ّطباعة‬ ‫الا ّتصال ال ّثقاف ّي بين حال ال ّتعليم في القرن ال ّتاسع‬ ‫نشأة ال ّصحافة في مصر‬ ‫تاريخ نشأة ال ّطباعة‬ ‫مصر وأوروبا عشر وأثره على النّهضة الأدبية‬ ‫أثر ال ّطباعة في النهضة العوامل ا ّلتي ساعدت على‬ ‫الأدبية الحديثة في مصر نهضة ال ّصحافة في مصر النّهوض بال ّثقافة عن التعليم في القرن العشرين‬ ‫طريق البعثات وال ّترجمة‬ ‫أثر ال ّصحافة في النهضة‬ ‫الأدبية الحديثة في مصر‬ ‫‪17‬‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني ‪17‬‬

‫ا ّتساع نطاق ال ّتعليم‬ ‫ أقبل القرن ال ّتاسع عشر ولا يزال ال ّتعليم في مصر مقصو ًرا على الكتاتيب ا ّلتي تعلم‬ ‫النّاشئة القرآن الكريم‪ ،‬ور ّبما جاوز بعضها ذلك إلى تحفيظ بعض المتون العلم ّية‪ ،‬بجوار‬ ‫الأزهر ال ّشريف يرسل بصيصا من نور يضيء جوانب الحياة العلمية إضاءة ضعيفة شاحبة‪ ،‬ولم‬ ‫يكن لذاك ال ّتعليم أن يحدث النّهضة العلم ّية والأدب ّية‪ ،‬ح ّتى كان عهد محمد عل ّي ا ّلذي ما إن‬ ‫استق َّر ْت له الأمور ح ّتى أخذ في إنشاء المدارس وبدأ بال ّدراسة العسكر ّية‪ ،‬ث ّم بدراسة ال ّطب‪،‬‬ ‫وهذه ال ّدراسة وإن كانت علم ّية فقد كان لها أثر في النّهضة الأدب ّية من ناحيتين‪:‬‬ ‫الاتصال بال ّثقافة الغرب ّية عن طريق الأساتذة ا ّلذين استقدمهم محمد عل ّي‬ ‫الأولى ‬ ‫لل ّتدريس‪ ،‬وعن طريق الكتب ا ّلتي ُترجم ْت‪.‬‬ ‫ ‬ ‫تطويع ال ّلغة العرب ّية لترجمة تلك الكتب العلم ّية ا ّلتي أريد نقلها إلى العرب ّية‪.‬‬ ‫ال ّثانية ‬ ‫ تو ّلى إسماعيل حكم مصر سنة ‪١٨٦٣‬م‪ ،‬وما بها إلا مدرسة ابتدائ ّية واحدة‪ ،‬وقد أوقفت‬ ‫البعثات‪ ،‬وأغلق الواليان ع ّباس وسعيد المدارس العالية ا ّلتي فتحها محمد عل ّي باستثناء‬ ‫الحرب ّية‪ ،‬وكادت مصر أن تعود م ّرة أخرى إلى الخلف لولا طموح ال ُخديو ّي إسماعيل لإحداث‬ ‫نهضة شاملة دعامتها ال ّتعليم‪ ،‬فعلى الرغم من المساوئ السياس ّية والاجتماع ّية لعصره إ ّل أ ّنه‬ ‫أعاد للبعثات سيرتها الأولى ح ّتى بلغ عدد أعضائها في عصره اثنين وسبعين ومائة‪ ،‬وأعيدت‬ ‫المدارس العالية كالهندسة والط ّب و ِز ْي َد عليها مدرسة الحقوق‪ ،‬وكانت تس ّمى مدرسة الإدارة‬ ‫والألسن‪ ،‬وكان لها بجانب مدرسة دار العلوم ا ّلتي افتتحها علي مبارك ‪١٨٧١‬م إسهام كبير‬ ‫في النّهضة ال ّلغو ّية والأدب ّية‪ ،‬و ُأنشئت في عهد إسماعيل أ ّول مدرسة للبنات ‪١٨٧٣‬م ُعرفت‬ ‫بالمدرسة ال ّسيوف ّية‪ ،‬وظهر عدد كبير ِمن المدارس ال ّصناع ّية كمدرسة المساحة والمحاسبة‬ ‫وال ّزراعة‪ ،‬وال ُعميان وال ُبكم‪ ،‬وزاد عدد المدارس الابتدائ ّية ح ّتى بلغ أربعين مدرسة‪ ،‬وأنشأت‬ ‫‪16‬‬ ‫الوحدة الأولى‬ ‫ال ّدرس الأ ّول‬

‫ حافظ الأزهر على ال ّتراث العرب ّي والإسلام ّي زمن محنة الحكم العثمان ّي‪ ،‬ففي الوقت‬ ‫ا ّلذي أغلقت المدارس المختلفة ا ّلتي أنشأها الأ ّيوب ّيون والمماليك‪ ،‬لم يكن هناك بصيص ِمن‬ ‫نور إ ّل في هذه المصابيح الضئيلة في حلقات العلم وال ّدرس بالجامع الأزهر‪ ،‬ولم تكن تلك‬ ‫المصابيح تقتصر على علوم ال ّدين فحسب بل شملت العلوم ال ّلغو ّية والفلسف ّية وال ّطب ّية‪ ،‬وإن‬ ‫كانت العلوم الأخيرة ضعيفة تحت تأثير ال ّظلم ا ّلذي أرهق به العثمان ُّيون أهل مصر‪.‬‬ ‫ ارتبطتعواملالنّهضةوأسبابهابالأزهرال ّشريف‪ ،‬فل ّمااقتضتالنّهضةنقلكنوزالغرب‬ ‫إلى ال ّلغة العرب ّية‪ ،‬وتأ ّسست أول مدرسة لل ّترجمة مدرسة الإدارة والألسن ُعهد بالإشراف عليها‬ ‫إلى أحد علماء الأزهر وهو ِرفاعة ال ّطهطاو ّي ا ّلذي ارتبط تاريخ ال ّترجمة في عهد محمد عل ّي‬ ‫وخلفائه بج ّده وك ّده‪.‬‬ ‫ ول ّما أراد محمد عل ّي إصدار جريدته \"جورنال ال ُخديو ّي\" لجأ إلى الأزهر‪ ،‬فأشرف‬ ‫عليها ال ّشيخ حسن الع ّطار شيخ الأزهر حينها‪ ،‬يعاونه نخبة ِمن علماء الأزهر‪ ،‬وفي مراحل تط ّور‬ ‫ال ّصحافة كان لشيوخه وط ّلبه أثر كبير في ذلك‪ ،‬فأ ّول تح ّول إلى المج ّلت المتخ ّصصة متم ّثلا‬ ‫في مج ّلة اليع ُسوب أحدثه أحد أبناء الأزهر وأدبائه‪ ،‬فهم أوائل من ح ّرروا ال ّصحف والمج ّلت‪.‬‬ ‫فعلماء الأزهر هم ُر ّواد النّهضة‪ ،‬والباعثون لها‪ ،‬بعضهم كان داعية إلى ال ّتجديد ِمن‬ ‫ ‬ ‫أمثال شيخ الأزهر حسن الع ّطار ا ّلذي وقف يدافع عن علم ال ّتشريح في أ ّول مدرسة لل ّطب في‬ ‫العصر الحديث في مصر‪ ،‬وعمل بعض علماء الأزهر مد ِّرسين بالمدارس ا ّلتي أنشأها محمد‬ ‫عل ّي‪ ،‬وعندما ُأنشئت مدرسة دار العلوم كان ِمن الأزهر ِّيين طلبتها وأساتذتها‪ ،‬وهم ا ّلذين شغلوا‬ ‫المناصب في ال ّدواوين والنّظارات ا ّلتي خ ّطط بها محمد عل ّي نظام الحكم في مصر‪ ،‬والأزهر ّيون‬ ‫هم ط ّلب البعثات ِمن المصر ّيين ا ّلذين أوفدهم محمد عل ّي وإسماعيل لل ّدراسة بالخارج‪ ،‬فنقلوا‬ ‫العلم والخبرة الأورب ّية إلى مصر فل ّما عادوا كانوا بناة النّهضة‪ ،‬وطلائع الإصلاح ِمن أمثال ِرفاعة‬ ‫ال ّطهطاو ّي‪ ،‬ومحمد عل ّي البقل ّي‪ ،‬ومحمد عب ُده‪.‬‬ ‫‪19‬‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني ‪19‬‬

‫ال ّدرس ال ّثاني‬ ‫الأزهر ال ّشريف‬ ‫أهداف ال ّدرس‪:‬‬ ‫بنهاية ال ّدرس يتو ّقع أن يكون ال ّطالب قاد ًرا على أ ْن‪:‬‬ ‫‪ 1‬يتع ّرف على أه ّم أعلام الأزهر ُر ّواد النّهضة الأدب ّية الحديثة‪.‬‬ ‫‪ 2‬يتع ّرف نشأة ال ّشيخ حسن الع ّطار‪.‬‬ ‫‪ 3‬يذكر موقفا ِمن المواقف ا ّلتي تحسب لل ّشيخ حسن الع ّطار‪.‬‬ ‫‪ 4‬يذكر نبذة عن نشأة ِرفاعة ال ّطهطاو ّي وتاريخه‪.‬‬ ‫‪ 5‬يع ّدد إسهامات ِرفاعة ال ّطهطاو ّي في الحياة المصر ّية‪.‬‬ ‫‪ 6‬يتع ّرف نشأة ال ّشيخ محمد عب ُده وتاريخه‪.‬‬ ‫‪ 7‬يع ّدد إسهامات ال ّشيخ محمد عب ُده في الحياة المصر ّية‪.‬‬ ‫‪18‬‬

‫بأن يفتح عينيه وعقله‪ ،‬وأن ُيد ّون يوميات عن رحلته‪ ،‬وهذه اليوميات هي ا ّلتي نشرها ال ّطهطاو ّي‬ ‫بعد ذلك في كتاب‪\" :‬تخليص الإبريز في تلخيص باريز\"‪.‬‬ ‫ شارك ال ّشيخ حسن الع ّطار محمد عل ّي مراحل تطوير وبناء نهضة مصر الحديثة‪،‬‬ ‫فأشرف على إنشاء أ ّول مدارس عرفتها مصر في العصر الحديث مثل‪ :‬مدرسة الألسن‪،‬‬ ‫وال ّط ّب‪ ،‬والهندسة‪ ،‬وال ّصيدلة‪ ،‬وأسند مهمة إدارتها إلى َمن قام على إعدادهم ِمن تلاميذه من‬ ‫أمثال‪ِ :‬رفاعة ال ّطهطاو ّي‪ ،‬ومحمد عياد ال ّطنطاو ّي‪ ،‬وا ْختي َر الع ّطار رئيسا لتحرير أ ّول جريدة‬ ‫عرب ّية مصر ّية هي الوقائع ال ّرسمية ا ّلتي أنشأها محمد عل ّي سنة ‪١٨٢٨‬م‪ ،‬وجعلها لسان حال‬ ‫الحكومة‪ ،‬والجريدة ال ّرسم ّية لل ّدولة‪ ،‬ولع ّل س ّر اختياره كأ ّول مح ّرر للوقائع المصر ّية يكمن‬ ‫وراء جمال أسلوبه في الكتابة‪.‬‬ ‫أصبح الع ّطار شي ًخا للأزهر وهو في ال ّرابعة والخمسين ِمن عمره‪ ،‬وذلك سنة ‪١٨٣٠‬م‬ ‫ ‬ ‫الموافق ‪١٢٤٦‬هـ وظل ‪ِ -‬من موقعه الجديد ‪ -‬يواصل دفاعه عن علوم النّهضة وضرورة الأخذ‬ ‫بها ِمن النّاحية ال ّشرعية‪ ،‬فواجه ال ّشيخ حسن الع ّطار رافضي العلم الحديث م َّمن رأوا دراسة‬ ‫ال ّط ّب بتشريح جسد الإنسان حرام‪ ،‬وحين حاول أحد ال ّط ّلب قتل ال ّطبيب كلوت بك أثناء‬ ‫تشريحه ج ّثة في مشرحة مدرسة ال ّط ّب بأبي زعبل‪ ،‬ظنّا منه أ ّنه يدافع عن الإسلام‪ ،‬وتص َّدى‬ ‫له ال ّط ّلب وحموا الأستاذ من أن يصاب بسوء‪ ،‬وقف شيخ الأزهر حسن الع ّطار في امتحان‬ ‫مدرسة ال ّط ّب يصدع برأي ال ّدين في تعليم ال ّط ّب‪ ،‬ويشيد بفائدته في تق ّدم الإنسان َّية‪ ،‬فكانت‬ ‫هذه ال ّشجاعة في إحقاق الح ّق بمثابة الفتوى ا ّلتي اعتبرت نقطة انطلاق لل َّتعليم ال ّط ّب ّي قال عنه‬ ‫المفردات‬ ‫المؤ ّرخ عبد ال ّرحمن ال ّرافع ّي‪\" :‬كان ال ّشيخ‬ ‫حسن الع ّطار ِمن علماء مصر الأعلام‪،‬‬ ‫امتاز بال ّتض ُّلع في الأدب وفنونه‪ ،‬وال ّتق ُّدم‬ ‫المعنى‬ ‫الكلمة‬ ‫في العلوم العصر ّية\"‪ .‬وافته المنية عام‬ ‫امتاز‬ ‫‪12٥٠‬هـ الموافق سنة ‪١٨٣٥‬م‪.‬‬ ‫َت َف َّو َق فِي َها‬ ‫تحرير‬ ‫راجع ٌة نقد َّية لن ٍّص بما في ذلك دمج‬ ‫عناصر موثوق ّية من مصادر مختلفة‬ ‫‪21‬‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني ‪21‬‬

‫ِمن أعلام الأزهر ُر ّواد النّهضة الحديثة‬ ‫ال ّشيخ حسن الع ّطار‬ ‫ ال ّشيخ حسن بن محمد بن محمود الع ّطار‪ ،‬ونسبته إلى الع ّطار؛ لأ ّن والده كانت مهنته‬ ‫بيع العطور‪ ،‬تنحدر أصوله إلى بلاد المغرب العرب ّي‪ ،‬ولد بالقاهرة ‪١١٩٠‬هـ الموافق ‪١٧٧٦‬م‪،‬‬ ‫وتل َّقى تعليمه في الأزهر منذ صغره على يد عدد ِمن شيوخه ِمنهم‪ :‬ال ّشيخ محمد مرتضى‬ ‫ال ّزبي ِد ّي صاحب تاج العروس في شرح القاموس‪ ،‬وال ّشيخ محمد الأمير‪ ،‬وال ّشيخ محمد‬ ‫ال ّصبان‪ ،‬وال ّشيخ عبد الله ال ّشرقاو ّي‪ ،‬وال ّشيخ البيلي وغيرهم‪ ،‬كما َت َت ْل َم َذ على يد ال ّشيخ حسن‬ ‫الجبرت ّي والد صديقه المؤ ّرخ عبد ال ّرحمن الجبرت ّي‪ ،‬وكان الجبرت ّي الوالد عالما بال ّرياض ّيات‬ ‫والفلك وبكيفية صنع المزاول‪.‬‬ ‫ لم يكت ِف ال ّشيخ الع ّطار بقراءة الحواشي بل رجع إلى المصادر الأصل ّية يتع ّلم ِمنها‪،‬‬ ‫ويدرسها لتلاميذه بالأزهر‪ ،‬ويدعو إلى تواصل خلاق معها‪ ،‬ليحد َث ال ّتواصل الحضار ّي‬ ‫الحقيق ّي ا ّلذي كان ينشده‪ ،‬فجمع في تكوينه العلمي بين الأصالة الفكر ّية بدراسة ال ّتراث‬ ‫والنّزوع إلى إعمال العقل بتت ّبع ما استحدث ِمن علوم في عصره‪ ،‬كما لم يكت ِف الع ّطار بالكتب‬ ‫العرب ّية‪ ،‬بل ا ّتجه إلى الكتب ا ّلتي ُترجمت في أوائل عصر النّهضة في القرن ال ّتاسع عشر‪ ،‬إبان‬ ‫الحملة الفرنس ّية على مصر‪ ،‬فقرأها وأفاد ِمن تجاربها ومعارفها‪ ،‬وجمع بها بين ثقافة ال ّشرق‬ ‫وثقافة الغرب‪ ،‬مستفيدا ِمن الالتقاء الحضار ّي‪.‬‬ ‫ ارتحل إلى أوربا وال ّشام والحجاز عقب جلاء الحملة الفرنس ّية عن مصر‪ ،‬فأقام زمنا‬ ‫ببلاد ال ّشام وألبان ّيا حيث عمل بال ّتدريس‪ ،‬ث ّم عاد إلى مصر ‪١٨١٥‬م في عهد محمد عل ّي ا ّلذي‬ ‫عرف فضله وعلمه‪ ،‬استغل ال ّشيخ الع ّطار قربه ِمن محمد عل ّي والي مصر‪ ،‬وثقة الوالى به‪ ،‬فأوعز‬ ‫إليه بضرورة إرسال البعثات إلى أوروبا‪ ،‬لتحصيل علمها‪ ،‬فكان المو ِّجه الأ ّول لحركة الأخذ‬ ‫بالعلوم الحديثة والابتعاث لأوروبا والاستفادة من ك ّل ما وصل إليه العلم‪ ،‬وأوصى بتعيين‬ ‫تلميذه ِرفاعة ال ّطهطاو ّي إما ًما لأعضاء البعثة العلم ّية الأولى إلى باريس‪ ،‬وأوصى ال ّطهطاو ّي‬ ‫‪20‬‬ ‫الوحدة الأولى‬

‫ وكانت أولى الوظائف ا ّلتي تو ّلها ِرفاعة بعد عودته العمل متر ِجما في مدرسة ال ّط ّب‪،‬‬ ‫فهو أ ّول مصر ّي يشغل هذه الوظيفة‪ ،‬ومكث بها عامين‪ ،‬ترجم خلالهما بعض ال ّرسائل ال ّط ّبية‬ ‫ال ّصغيرة‪ ،‬وراجع ترجمة بعض الكتب‪ ،‬ث ّم نقل سنة ‪١٣٤٩‬هـ الموافق ‪١٨٣٣‬م إلى مدرسة‬ ‫ال ّطوبج ّية (المدفع ّية) لكي يعمل مترج ًما للعلوم الهندس ّية والفنون العسكر ّية‪.‬‬ ‫ نجح ِرفاعة ال ّطهطاو ّي في إقناع محمد عل ّي بإنشاء مدرسة للمترجمين عرفت بمدرسة‬ ‫الألسن‪ ،‬مدة ال ّدراسة بها خمس سنوات‪ ،‬قد تزاد إلى ست‪ .‬وافتتحت المدرسة بالقاهرة سنة‬ ‫‪١٢٥١‬هـ الموافق ‪١٨٣٥‬م‪ ،‬وتو ّلى ِرفاعة ال ّطهطاو ّي نظارتها‪ ،‬وكانت تض ّم في أ ّول أمرها‬ ‫فصولا لتدريس ال ّلغة الفرنس ّية والإنجليز ّية والإيطال ّية وال ّترك ّية والفارس ّية‪ ،‬ث ّم ا ّتسعت المدرسة‬ ‫لتض ّم قس ًما لدراسة الإدارة الملك ّية العموم ّية؛ لإعداد المو ّظفين ال ّلزمين للعمل بالإدارة‬ ‫الحكوم ّية‪ ،‬وقس ًما آخر لدراسة الإدارة ال ّزراع ّية الخصوص ّية بعد ذلك بعامين‪ ،‬وأصبحت بذلك‬ ‫مدرسة الألسن أشبه ما تكون بجامعة تض ُّم ك ّليات الآداب والحقوق وال ّتجارة‪.‬‬ ‫ وكان ِرفاعة ال ّطهطاو ّي يقوم إلى جانب إدارته الفنّ ّية للمدرسة باختيار الكتب ا ّلتي‬ ‫يترجمها تلاميذ المدرسة‪ ،‬ومراجعتها وإصلاح ترجمتها‪ .‬ظ ّلت المدرسة خمسة عشر عا ًما‪،‬‬ ‫كانت خلالها مشع ًل للعلم‪ ،‬ومنارة للمعرفة‪ ،‬ومكا ًنا لالتقاء ال ّثقافتين العرب ّية والغرب ّية‪ ،‬إلى أن‬ ‫عصفت بها يد الحاكم الجديد ع ّباس الأ ّول‪ ،‬فقام بإغلاقها‪ ،‬وأمر بإرسال ِرفاعة إلى ال ّسودان‬ ‫بحجة توليه نظارة أ ّول مدرسة ابتدائ ّية بها‪ ،‬ظ ّل ِرفاعة هناك فترة ترجم خلالها رواية فرنس ّية‬ ‫شهيرة بعنوان \"مغامرات تليماك\"‪.‬‬ ‫ وبعد وفاة ع ّباس الأ ّول سنة ‪١٢٧٠‬هـ الموافق ‪١٨٥٤‬م‪ ،‬عاد ال ّطهطاو ّي إلى القاهرة‪،‬‬ ‫وأسندت إليه في عهد الوالي الجديد \"سعيد باشا\" عدة مناصب تربو ّية‪ ،‬فتو ّلى نظارة المدرسة‬ ‫الحرب ّية ا ّلتي أنشأها سعيد لتخريج ضباط أركان حرب الجيش سنة ‪١٢٧٧‬هـ الموافق ‪١٨٥٦‬م‪،‬‬ ‫وقد عنى بها ال ّطهطاو ّي عناية خا ّصة‪ ،‬وجعل دراسة ال ّلغة العرب ّية بها إجبار ّية على جميع ال ّطلبة‪،‬‬ ‫وأعطى لهم ح ّرية اختيار إحدى ال ّلغتين ال ّشرق ّيتين‪ :‬ال ّترك ّية أو الفارس ّية‪ ،‬وإحدى ال ّلغات‬ ‫‪23‬‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني ‪23‬‬

‫ِرفاعة ال ّطهطاو ّي‬ ‫ ُولِ َد ِرفاعة ال ّطهطاو ّي عام ‪١٨٠١‬م في طهطا بصعيد مصر‪ ،‬حفظ القرآن الكريم في‬ ‫صغره‪ ،‬وجد من أسرة أخواله اهتماما كبيرا بعد وفاة والده‪ ،‬حيث كانت زاخرة بال ّشيوخ‬ ‫والعلماء‪ ،‬فحفظ على أيديهم المتون ا ّلتي كانت متداولة في هذا العصر‪ ،‬وقرأ عليهم شيئا ِمن‬ ‫الفقه والنّحو‪.‬‬ ‫ول ّما بلغ ِرفاعة ال ّسادسة عشرة ِمن عمره ال َت َح َق بالأزهر وذلك في سنة ‪١٢٣٢‬هـ الموافق‬ ‫ ‬ ‫‪١٨١٧‬م‪ ،‬وشملت دراسته في الأزهر‪ :‬الحديث والفقه وال ّتص ّوف وال ّتفسير والنّحو وال ّصرف‪،‬‬ ‫و َت َت ْل َم َذ على يد عدد ِمن علماء الأزهر ِمنهم َمن تو ّلى مشيخة الجامع الأزهر‪ ،‬مثل ال ّشيخ حسن‬ ‫القويسن ّي‪ ،‬وإبراهيم ال َب ْيجور ّي‪ ،‬وحسن الع ّطار‪ ،‬وقد تأ ّثر ال ّطهطاو ّي بال ّشيخ حسن الع ّطار‬ ‫فقويت صلته به‪ ،‬وأطال ملازمته‪.‬‬ ‫ ختم ال ّطهطاو ّي دروسه في الأزهر وهو في الحادية والعشرين ِمن عمره‪ ،‬وان ّضم إلى‬ ‫ُم َد ِّر ِسي ِه‪ ،‬فعمل بال ّتدريس إلى جوار إمامته في ال ّصلاة لِ ِف َرق الجيش العلو ّي الجديد‪ ،‬ح ّتى‬ ‫ا ْختي َر إماما للبعثة العلم ّية في فرنسا‪ ،‬وهناك عكف ال ّطهطاو ّي على تع ُّلم الفرنس ّية وقراءة‬ ‫الأعلام‬ ‫ال ُك ُتب‪ ،‬وترجمة ما ا ْستطاع إلى ترجمته سبي ًل‪ ،‬فحمل‬ ‫معه من باريس‪ ،‬بالإضافة إلى مخطوط رحلته‪ ،‬اثني عشر‬ ‫كتا ًبا نقلها عن الفرنس ّية في موضوعات مختلفة ِمن الأدب‬ ‫وال ّتاريخ والجغراف ّيا وال ّرياض ّيات والبحوث العسكر ّية‪،‬‬ ‫وترجمة لل ّدستور الفرنس ّي‪ ،‬عاد ‪ -‬بعدها ‪ِ -‬رفاعة‬ ‫ال ّطهطاو ّي إلى القاهرة سنة ‪١٨٣١‬م‪ ،‬بعد غياب سنوا ٍت‬ ‫خمس كاملة‪ ،‬ليقضى ما تب ّقى ِمن عمره في مصر باستثناء‬ ‫ِرفاعة ال ّطهطاو ّي‬ ‫سنوات ثلاث قضاها في الخرطوم‪.‬‬ ‫‪22‬‬ ‫الوحدة الأولى‬

‫ تو ّلى ِرفاعة في آخر حياته تحرير مج ّلة ال ّروضة ا ّلتي اعتادت أن تلحق بأعدادها كتبا‬ ‫أ ّلفت لها على أجزاء توزع مع ك ّل عدد ِمن أعدادها بحيث تكون في النّهاية كتابا مستق ّل‪،‬‬ ‫فنشرت كتاب \"آثار الأفكار ومنثور الأزهار\" لعبد الله فكر ّي‪ ،‬و\"حقائق الأخبار في أوصاف‬ ‫البحار\" لعل ّي مبارك‪ ،‬و\"ال ّصحة ال ّتامة والمنحة العا ّمة\" للدكتور محمد بدر‪ ،‬و\"القول ال ّسديد‬ ‫في الاجتهاد وال ّتجديد\" لل ّطهطاو ّي‪.‬‬ ‫ِمن أه ّم كتب ِرفاعة ال ّطهطاو ّي‪ :‬مناهج الألباب المصر ّية في مباهج الآداب العصر ّية‪،‬‬ ‫ ‬ ‫المرشد الأمين في ترب ّية البنات والبنين‪ ،‬أنوار توفيق الجليل في أخبار مصر وتوثيق بني‬ ‫إسماعيل‪ ،‬نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز‪ ،‬وهو آخر كتاب أ ّلفه ال ّطهطاو ّي‪ ،‬وسلك فيه‬ ‫مسلكا جديدا في تأليف ال ّسيرة النّبوية تبعه فيه المحد ّثون‪.‬‬ ‫ وترجم ما يزيد عن خمسة وعشرين كتا ًبا‪ ،‬وذلك غير ما أشرف عليه ِمن ال ّترجمات‬ ‫وما راجعه‪ ،‬وص ّححه‪ ،‬وه ّذبه‪ ،‬و ِمن أعظم ما ق ّدمه ال ّرجل تلاميذه النّوابغ ا ّلذين حملوا مصر‬ ‫في نهضتها الحديثة‪ ،‬وق ّدموا للأ ّمة أكثر ِمن أل َف ْي كتاب خلال أق ّل من أربعين عا ًما‪ ،‬ما بين‬ ‫مؤ ّلف ومترجم‪.‬‬ ‫ وافته المنية في الأ ّول ِمن ربيع الآخر ‪١٢٩٠‬هـ الموافق ‪ِ ٢٧‬من مايو ‪١٨٧٣‬م‪.‬‬ ‫ رثاه أمير الشعراء أحمد شوقي بأبيات منها‪:‬‬ ‫أ ُبو َك َكا َن لأبنَاء البلاد أ ًبا‬ ‫ يا اب َن ا ّل ِذي َأ ْيقظ ْت ِمص َر َم َعار ُف ه *** ‬ ‫ِمن أه ّم كتب ِرفاعة ال ّطهطاوي‬ ‫‪25‬‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني ‪25‬‬

‫الأورب ّية‪ :‬الإنجليز ّية أو الفرنس ّية أو الألمان ّية‪ ،‬ث ّم أنشأ بها فرقة خا ّصة لدراسة المحاسبة‪ ،‬وقل ًما‬ ‫لل ّترجمة‪ ،‬وأصبحت المدرسة الحرب ّية قريبة ال ّشبه بما كانت عليه مدرسة الألسن‪.‬‬ ‫ول ْم يكت ِف ِرفاعة بهذه الأعمال بل سعى إلى إنجاز أ ّول مشروع لإحياء ال ّتراث العرب ّي‬ ‫ ‬ ‫الإسلام ّي‪ ،‬فنجح في إقناع الحكومة بطبع عدة كتب من عيون ال ّتراث العرب ّي على نفقتها‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫تفسير القرآن لفخر ال ّدين ال ّراز ّي المعروف بمفاتيح الغيب‪ ،‬ومعاهد ال ّتنصيص على شواهد‬ ‫ال ّتلخيص في البلاغة‪ ،‬وخزانة الأدب للبغداد ّي‪ ،‬ومقامات الحرير ّي‪ ،‬وغير ذلك ِمن الكتب‬ ‫ا ّلتي كانت نادرة الوجود في ذلك الوقت‪.‬‬ ‫ تو َّقف هذا النّشاط مرة أخرى ح ّتى تو ّلى ال ُخديو ّي إسماعيل الحكم‪ ،‬فعاد ِرفاعة إلى ما‬ ‫كان عليه ِمن عمل ونشاط على ال ّرغم من تق ّدمه في ال ّسن‪ ،‬فأشرف على تدريس ال ّلغة العرب ّية‬ ‫بالمدارس‪ ،‬واختيار مدرسيها وتوجيههم‪ ،‬والكتب الدراس ّية المق ّررة‪ ،‬ورئاسة كثير ِمن لجان‬ ‫امتحانات المدارس الأجنب ّية والمصر ّية‪.‬‬ ‫ و ِمن أبرز الأعمال ا ّلتي قام بها ِرفاعة في عهد ال ُخديو ّي إسماعيل نظارته لقلم ال ّترجمة‬ ‫ا ّلذي أنشئ سنة ‪١٢٨٠‬هـ الموافق ‪١٨٦٣‬م لترجمة القوانين الفرنس ّية‪ ،‬ولم يكن هناك ِمن‬ ‫أساطين المترجمين سوى تلاميذ ال ّطهطاو ّي ِمن خريجي مدرسة الألسن‪ ،‬فاستعان بهم في قلم‬ ‫ال ّترجمة‪ ،‬و ِمن هؤلاء‪ :‬عبد الله ال ّسيد وصالح مجدي ومحمد قدري‪ ،‬فترجموا القانون الفرنس ّي‬ ‫في ع ّدة مج ّلدات وطبع في مطبعة بولاق‪ ،‬ولم تكن هذه المه ّمة‬ ‫يسيرة‪ ،‬إذ كانت تتط ّلب إلماما واسعا بالقوانين الفرنس ّية وبأحكام‬ ‫ال ّشريعة الإسلام ّية‪ ،‬لاختيار المصطلحات الفقه ّية المطابقة‬ ‫لمثيلاتها في القانون الفرنس ّي‪.‬‬ ‫المفردات‬ ‫كتاب خزانة‬ ‫المعنى‬ ‫الكلمة‬ ‫الأدب للبغداد ّي‬ ‫إِ ْتما ِمها ‪ ،‬إِ ْكمالِها‬ ‫إنجاز‬ ‫َم ْع ِر َف ُت ُه ‪َ ،‬و َف ْه ُم ُه‬ ‫إلماما‬ ‫‪24‬‬ ‫الوحدة الأولى‬

‫ عاد محمد عب ُده إلى مصر في سنة ‪١٨٨٩‬م الموافق ‪١٣٠٦‬هـ بعفو ِمن ال ُخ َد ْي ِو ّي توفيق‪،‬‬ ‫ووساطة تلميذه سعد زغلول وإلحاح نازل ّي فاضل على اللورد كرومر‪ ،‬كي يعفو عنه‪ ،‬فاشترط‬ ‫عليه كرومر أ ّل يعمل بال ّسياسة فقبل‪ ،‬اشتغل محمد عبده بال َّتدريس ح ّتى ت َّم اختياره لمنصب‬ ‫المفتي في ال ّثالث ِمن يونيو عام ‪١٨٩٩‬م الموافق ‪ ٢٤‬محرم ‪١٣١٧‬هـ‪ ،‬وتبعا لذلك أصبح‬ ‫عضوا في مجلس الأوقاف الأعلى‪.‬‬ ‫الأعلام‬ ‫ و ُع ّين عض ًوا في مجلس شورى القوانين في‬ ‫الخامس والعشرين ِمن يونيو عام ‪١٨٩٠‬م‪ .‬وأ ّسس‬ ‫جمع ّية إحياء العلوم العرب ّية لنشر المخطوطات سنة‬ ‫‪١٩٠٠‬م‪ ،‬زار العديد ِمن ال ُّدول الأوروب ّية والعرب ّية‪.‬‬ ‫ شغل ال ّشيخ محمد عبده منصب المفتى عقب‬ ‫صدور قرار ِمن ال ُخديو ّي ع ّباس حلمي بفصل الإفتاء عن‬ ‫مشيخة الأزهر‪ ،‬فكان أ ّول مف ٍت لل ّديار المصر ّية‪.‬‬ ‫ُيع ّد الإمام محمد عبده واحدا ِمن أبرز المج ّددين‬ ‫ ‬ ‫سعد زغلول‬ ‫في الفقه الإسلام ّي في العصر الحديث وأحد دعاة‬ ‫الإصلاح وأعلام النّهضة العرب ّية الإسلام ّية الحديثة‪ ،‬فقد‬ ‫أسهم بعلمه ووعيه واجتهاده في تحرير العقل العرب ّي ِمن الجمود ا ّلذي أصابه لع ّدة قرون‪،‬‬ ‫كما شارك في إيقاظ وعي الأ ّمة نحو ال ّتحرر‪ ،‬وبعث الوطن ّية‪ ،‬وإحياء الاجتهاد الفقه ّي لمواكبة‬ ‫ال ّتطورات ال ّسريعة في العلم‪ ،‬ومسايرة حركة المجتمع وتط ّوره في مختلف النّواحى ال ّسياس ّية‬ ‫والاقتصاد ّية وال ّثقاف ّية‪.‬‬ ‫ و ِمن جهوده في الإصلاح دعوته إلى نشر ال ّتعليم ال ّصحيح بين أفراد ال ّشعب واستخدام‬ ‫ال ّصحافة في محاربة الفساد‪ ،‬وتنبيه الوعي القوم ّي‪ ،‬وال ّتدرج في الحكم النياب ّي بال ّتوسع في‬ ‫سلطة مجالس المديريات‪ ،‬ناهض الاحتلال الأجنب ّي بجميع أشكاله في كتاباته‪ ،‬وح ّث على‬ ‫‪27‬‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني ‪27‬‬

‫ال ّشيخ محمد عب ُده‬ ‫ يع ّد ال ّشيخ محمد عب ُده أحد أه ّم رموز ال ّتجديد في الفقه الإسلام ّي‪ ،‬ومن دعاة النّهضة‬ ‫والإصلاح في العالم العرب ّي والإسلام ّي‪ ،‬أسهم بعد التقائه بأستاذه جمال ال ّدين الأفغاني في‬ ‫إنشاء حركة فكر ّية تجديد ّية إسلام ّية في أواخر القرن ال ّتاسع عشر‪ ،‬وبدايات القرن العشرين‬ ‫استهدفت القضاء على الجمود الفكر ّي وإعادة إحياء الأ ّمة الإسلام ّية لتواكب والحضار‬ ‫ُمتط ّلبات العصر‪.‬‬ ‫ ُولِ َد محمد بن عب ُده بن حسن خير الله سنة ‪١٢٦٦‬هـ الموافق ‪١٨٤٩‬م في قرية محلة‬ ‫نصر بِ َم ْركز شبراخيت في محافظة البحيرة لأب ُت ْر ُك َمان ّي وأم مصر ّية تنتمي إلى قبيلة بنى عدى‬ ‫العرب ّية‪ ،‬التحق بالجامع الأزهر في سنة ‪١٨٦٦‬م‪ ،‬و َت َت ْل َم َذ على يد شيوخه‪ ،‬وكان ِمن أعظمهم‬ ‫أثرا فيه ال ّشيخ حسن ال ّطويل‪ ،‬وال ّشيخ درويش ال ّصوف ّي‪ .‬حصل على ال ّشهادة العالم ّية في سنة‬ ‫‪١٨٧٧‬م‪ ،‬ث ّم عمل ُم َد ِّر ًسا لل ّتاريخ في مدرسة دار العلوم سنة ‪١٨٧٩‬م‪ ،‬واشترك في ثورة أحمد‬ ‫عراب ّي ضد الإنجليز سنة ‪١٨٨٢‬م على ال ّرغم ِمن موقفه المتش ّكك منها في البداية‪ ،‬لأ ّنه كان‬ ‫صاحب تو ّجه إصلاح ّي يرفض ال ّتصادم إ ّل أ ّنه شارك‬ ‫الأعلام‬ ‫فيها في نهاية الأمر‪ ،‬وبعد فشل ال ّثورة حكم عليه‬ ‫بال ّسجن‪ ،‬ث ّم بالنّفي إلى بيروت لم ّدة ثلاث سنوات‪،‬‬ ‫ومنها سافر بدعوة ِمن أستاذه جمال ال ّدين الأفغان ّي‬ ‫إلى باريس سنة ‪١٨٨٤‬م‪ ،‬وأسس بها صحيفة \"ال ُعروة‬ ‫ال ُوثقى\"‪ ،‬وفي سنة ‪١٨٨٥‬م غادر باريس إلى بيروت‬ ‫حيث أ ّسس جمع ّية ال ُعروة ال ُوثقى‪ ،‬واشتغل بال ّتدريس‬ ‫في المدرسة ال ّسلطان ّية في بيروت سنة ‪١٨٨٦‬م‪.‬‬ ‫ال ّشيخ محمد عب ُده‬ ‫‪26‬‬ ‫الوحدة الأولى‬

‫ و ِمن تلامذته‪ :‬محمد رشيد رضا‪ ،‬وشاعر النّيل حافظ إبراهيم‪ ،‬وشيخ الأزهر محمد‬ ‫مصطفى المراغ ّي‪ ،‬وشيخ الأزهر مصطفى عبد ال ّرازق‪ ،‬وشيخ العروبة محمد محي ال ّدين عبد‬ ‫الحميد‪ ،‬وسعد زغلول‪ ،‬وقاسم أمين‪.‬‬ ‫توفي ال ّشيخ محمد عب ُده مساء الحادي عشر ِمن يوليو عام ‪١٩٠٥‬م ال ّسابع ِمن جمادى‬ ‫ ‬ ‫الأولى ‪١٣٢٣‬هـ بِالإسكندر ّية بعد معاناة ِمن مرض ال ّسرطان عن سبع وخمسين سنة‪ ،‬ودفن‬ ‫بالقاهرة‪ ،‬ورثاه العديد من ال ّشعراء‪.‬‬ ‫ ومن قصيدة حافظ ابراهيم في رثائه‬ ‫*** و َضاق ْت ُعيو ُن ال َكو ِن با ْل َع َبرا ِت‬ ‫َبكى ال ّش ْر ُق فار َّتج ْت لـه الأر ُض رج ًة‬ ‫*** وفي مص َر َبا ٍك دائم ا ْل َح َســ َرا ِت‬ ‫َف ِفي الهن ِد َم ْح ُزو ٌن َوفِى اليـم ِن جـَاز ٌع‬ ‫*** وفي ُتون َس مـا ِشئ َت من ز َف َرات‬ ‫وفي الشا ِم مفجو ٌع وفي الفر ِس َنا ِد ٌب‬ ‫*** ِسرا ُج الدياجي هــادم ال ُّش ُب َها ِت‬ ‫بـكى عـال ُم الإسـلا ِم عـالـ َم عـصـ ِر ِه‬ ‫المفردات‬ ‫الكلمة‬ ‫المعنى‬ ‫مفجو ٌع‬ ‫ِسرا ُج‬ ‫ُم َصا ٌب بِ َفا ِج َع ٍة ُم ْؤ َلِ ٍة‬ ‫مصباح زاهر‬ ‫‪29‬‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني ‪29‬‬

‫الإصلاح الاجتماع ّي‪ ،‬وتوثيق ال ّروابط بين ال ّشعوب الإسلام ّية‪.‬‬ ‫ حاول إصلاح أساليب ال ُك َّتاب بما كان يق ّدمه ِمن نماذج‪ ،‬وبما كان يلفت إليه‬ ‫نظر ال ّصحف ِمن رداءة أسلوبها‪ ،‬وإلزام أصحابها أن يختاروا ِمن ال ُك َّتاب َمن يرفع مستوى‬ ‫الكتابة‪ ،‬وقد تأ ّثر به العديد ِمن ُر ّواد النّهضة مثل عبد الحميد بن باديس ورشيد رضا وعبد‬ ‫الرحمن الكواكب ّي‪.‬‬ ‫ِمن أه ّم مؤلفاته‪ :‬رسالة ال ّتوحيد‪ ،‬تحقيق وشرح‬ ‫ ‬ ‫\"البصائر القصير ّية للطوسي\"‪ ،‬تحقيق وشرح\"دلائل الإعجاز\"‬ ‫و\"أسرار البلاغة\" لل ُج ْرجان ّي‪ ،‬ال ّرد على هانوتو الفرنس ّي‪،‬‬ ‫الإسلام والنّصران ّية بين العلم والمدنية ر ّد به على إرنست‬ ‫رينان سنة ‪١٩٠٢‬م‪ ،‬تقرير إصلاح المحاكم ال ّشرع ّية سنة‬ ‫كتاب رسالة ال ّتوحيد‬ ‫‪١٨٩٩‬م‪ ،‬شرح نهج البلاغة للإمام عل ّي بن أبي طالب‪ ،‬ال ُعروة‬ ‫ال ُوثقى مع مع ّلمه جمال ال ّدين الأفغان ّي‪.‬‬ ‫المفردات‬ ‫المعنى‬ ‫الكلمة‬ ‫ال َقضا ُء على الفساد‬ ‫محاربة الفساد‬ ‫َحا َر َب ‪َ ،‬قا َو َم ‪َ ،‬وا َج َه‬ ‫ناهض‬ ‫توثيق‬ ‫مصدر و َّث َق‬ ‫حاول‬ ‫أراد إدرا َكه وإنجا َزه‬ ‫نماذج‬ ‫المِثا ُل الذي ُيعمل عليه الشي ُء كالنَّموذج‬ ‫فرع من فروع البحث العلم ّي يراد به ال َّتث ُّب ُت‬ ‫تحقيق (الكتب والمخطوطات والنُّصوص) من سلامة النَّ ّص عن طريق جمع النُّسخ‬ ‫ومقابلة بعضها ببعض وذكر الخلاف‬ ‫ال ّرد ما َي ُر ُّد‬ ‫‪28‬‬ ‫الوحدة الأولى‬

‫الخريطة ال ّذهن ّية‬ ‫الأزهر ال ّشريف‬ ‫من أعلام الأزهر ورواد‬ ‫النهضة الأدبية الحديثة‬ ‫ثالثا‪ :‬ال ّشيخ محمد‬ ‫ثانيا‪ :‬ال ّشيخ رفاعة‬ ‫أ ّولا‪ :‬ال ّشيخ حسن‬ ‫عب ُده‬ ‫ال ّطهطاو ّي‬ ‫الع ّطار‬ ‫مولده‪ ،‬ونشأته العلمية‪ ،‬ودراسته‬ ‫نسبه ومولده‪ ،‬و ُشيوخه‪ ،‬وتكوينه مولده‪ ،‬ونشأته العلمية‪ ،‬ودراسته‬ ‫في الأزهر ووفاته‪.‬‬ ‫في الأزهر ووفاته‪.‬‬ ‫العلم ّي‪ ،‬ورحلاته ووفاته‪.‬‬ ‫دور ال ّشيخ محمد عب ُده في ثورة‬ ‫دور ال ّشيخ حسن الع ّطار في بناء دور ال ّشيخ رفاعة ال ّطهطاو ّي في‬ ‫عرابي ونفيه إلى بيروت‬ ‫بناء نهضة مصر الحديثة‬ ‫نهضة مصر الحديثة‬ ‫أه ّم أعماله ووظائفه‬ ‫تولية ال ّشيخ حسن الع ّطار منصب ما ق ّدمه ال ّشيخ رفاعة ال ّطهطاو ّي‬ ‫وإصلاحاته‬ ‫ِمن كتب‪ ،‬وتلاميذ‬ ‫شيخ الأزهر‬ ‫ِمن أه ّم مؤلفاته‬ ‫ِمن تلاميذه و ِمن مقالته في‬ ‫العلم‬ ‫‪31‬‬ ‫الخريطة الذهنية ‪31‬‬

‫و ِمن مقالات ال ّشيخ محمد عب ُده في العلم‬ ‫ ((إ ّن مطلوبكم المحبوب هو العلم‪ ،‬كان العلم فيكم وكان الح ّق معه‪،‬‬ ‫وكان الح ّق فيكم وكان المجد معه ك ّل مفقود ُيفقد بف ْقد العلم‪ ،‬وك ّل موجود‬ ‫يوجد بوجود العلم‪ ،‬أ ّما العلم ا ّلذي نح ّس بحاجتنا إليه‪ ،‬فيظ ّن قوم أ ّنه علم‬ ‫ال ّصناعة‪ ،‬وما به إصلاح مادة العمل في ال ّزراعة وال ّتجارة مثلا‪ ،‬وهذا ظ ّن باطل‪،‬‬ ‫فإ ّنا لو رجعنا إلى ما يشكوه ك ّل منَّا‪ ،‬نجد أم ًرا وراء الجهل بال ّصناعات وما يتبعها‪.‬‬ ‫ إ ّن ال ّصناعة لو ُوجدت بأيدينا‪ ،‬نجد فينا عجزا عن حفظها‪ ،‬وإ ّن المنفع َة‬ ‫قد تتهيأ لنا ث ّم تنفلت ِمنَّا لشيء في نفوسنا‪ ،‬فنحن نشكو ضعف الهمم‪ ،‬وتخاذل‬ ‫الأيدى وتف ُّرق الأهواء‪ ،‬والغفلة عن المصلحة ال ّثابتة‪ ،‬وعلوم ال ّصناعات لا تفيدنا‬ ‫دفعا لما نشتكيه‪ ،‬فمطلوبنا هو علم وراء هذه العلوم‪ ،‬ألا هو العلم ا ّلذي يم ّس‬ ‫النّفس‪ ،‬وهو علم الحياة البشر ّية‪ ،‬العلم المحيي للنّفوس هو علم أدب النّفس‪،‬‬ ‫وك ّل أدب لها هو في ال ّدين‪ ،‬فما فق ْدناه هو ال ّتب ّحر في آداب ال ّدين‪ ،‬وما َن ُح ّس ِمن‬ ‫أنفسنا طلبه هو ال ّتف ُّقه في ال ِّدين‪ ،‬ولا أريد أن نط ُل َب علما محفوظا‪ ،‬يا ملحوظا‪،‬‬ ‫فإذا استكملت النّفس بآدابها‪ ،‬عرفت مقامها ِمن الوجود‪ ،‬وأدركت منزلة الح ّق‬ ‫في صلاح العالم‪ ،‬فانتصبت لنصره‪ ،‬وأيقنت بحاجتها إلى مشاركيها في الوطن‬ ‫وال ّدولة وال ِم َّلة‪ ،‬وإ َّننَا في تحصيل هذا العلم الحيو ّي لا نحتاج إلى الاستفادة‬ ‫ِمن البعداء عنا‪ ،‬بل يكفينا فيه ال ّرجوع ل ّما تركنا‪ ،‬وتخليص ما خلطنا‪ ،‬فهذه كتبنا‬ ‫ال ِّدين ّية والأدب ّية حاوية لما فوق الكفاية ِم َّما نطلب))‪.‬‬ ‫‪30‬‬ ‫الوحدة الأولى‬

‫ال ّتدريبات‬ ‫ال ّتدريب الأول‬ ‫س ‪َ ١‬ض ْع علامة صواب أمام العبارة ال ّصحيحة )‪ ، (‬وعلامة خطأ أمام العبارة‬ ‫الخاطئة )‪ (‬مع ال ّتصويب‪.‬‬ ‫ ‬ ‫أ ظهرت الفنون النّثر ّية الحديثة المقالة والق ّصة والمسرح ّية‬ ‫ ‬ ‫ ثمرة لازدهار حركة ال ّترجمة في العصر الحديث‪ .‬‬ ‫ب اهت ّم محمد عل ّي بدراسة الآداب والفنون ث ّم جاء بعد ذلك‬ ‫ ‬ ‫ الاهتمام بال ّدراسة العسكر ّية ‪ .‬‬ ‫ج ا ّتسع نطاق ال ّتعليم في عهد الخديوي عباس حلمي الأول‪ .‬‬ ‫ ‬ ‫د اهت ّم ال ّشوام بال ّترجمة العلم ّية على خلاف المصر ّيين ا ّلذين‬ ‫ ‬ ‫ اهتموا بال ّترجمة الأدب ّية‪ .‬‬ ‫ه مطبعة بولاق أول مطبعة مصر ّية تركتها الحملة الفرنس ّية‬ ‫ ‬ ‫ قبل خروجها ِمن مصر‪ .‬‬ ‫‪33‬‬ ‫ال ّتدريبات ‪33‬‬

‫أعلام‬ ‫الأعلام‬ ‫ال ّشيخ حسن بن محمد بن محمود‬ ‫الاسم‬ ‫الع ّطار‬ ‫مولده‬ ‫‪1776‬م بالقاهرة‬ ‫وفاته ‪1835‬م‬ ‫ال ّشيخ حسن الع ّطار‬ ‫الأعلام‬ ‫الاسم ال ّشيخ ِرفاعة ال ّطهطاو ّي‬ ‫مولده ‪1801‬م في طهطا بصعيد مصر‬ ‫وفاته ‪1873‬م‬ ‫الأعلام‬ ‫ال ّشيخ ِرفاعة ال ّطهطاو ّي‬ ‫ال ّشيخ محمد عب ُده بن حسن‬ ‫الاسم‬ ‫خير الله‬ ‫مولده‬ ‫‪1849‬م في محافظة البحيرة‬ ‫وفاته ‪1905‬م‬ ‫ال ّشيخ محمد عب ُده‬ ‫‪32‬‬ ‫الوحدة الأولى‬

‫س ‪َ 3‬أ ْك ِم ْل َما يلى‪:‬‬ ‫مدرسة دار العلوم في عهد الخديو ّي إسماعيل‪.‬‬ ‫أ افتتح‬ ‫ ‬ ‫عرفتمصرال ّصحافةال ّسياس ّيةمتم ّثلةفيجريدة ‪ ،‬وال ّصحافة‬ ‫ ب ‬ ‫العلم ّية متم ّثلة في جريدة ‪.‬‬ ‫ ‬ ‫ ج ‬ ‫على أ ّول جريدة مصر ّية جورنال ال ُخديو ّي‪.‬‬ ‫أشرف‬ ‫‪،‬‬ ‫‪،‬‬ ‫د ارتبطت النّهضة الأدب ّية الحديثة بثلاث مح ّطات هي‬ ‫ ‬ ‫‪.‬‬ ‫ ‬ ‫ِمن أبرز المجددين في الفقه الإسلام ّي في العصر الحديث‪ ،‬وأحد‬ ‫ هـ ‬ ‫ دعاة لإصلاح وأعلام النّهضة العرب ّية الإسلام ّية الحديثة‪.‬‬ ‫و ِمن تلاميذ ال ّشيخ حسن الـع ّطار ا ّلذين أسهموا في النّهضة الأدب ّية الـحديثة‬ ‫ ‬ ‫ ‪.‬‬ ‫‪35‬‬ ‫ال ّتدريبات ‪35‬‬

‫س ‪َ 2‬ت َخ َّي ِر ال ّصواب م ّما بين القوسين‪.‬‬ ‫أ ارتبط اسم ِرفاعة ال ّطهطاوي بـ (ال ّصحافة ‪ -‬ال ّطباعة ‪ -‬ال ّترجمة) كإحدى عوامل‬ ‫ ‬ ‫ النّهضة الأدب ّية الحديثة‪.‬‬ ‫ب أ ّولالبعثاتالمصر ّيةكانتفيعهد(الحملةالفرنس ّية‪-‬محمدعل ّي‪-‬الخديوي‬ ‫ ‬ ‫ إسماعيل)‪ ،‬سافرت إلى (بريطانيا ‪ -‬فرنسا ‪ -‬تركيا)‪.‬‬ ‫ج نجح ِرفاعة ال ّطهطاو ّي في إقناع محمد عل ّي بإنشاء مدرسة للمترجمين عرفت‬ ‫ ‬ ‫ بمدرسة (الألسن ‪ -‬دار العلوم ‪ -‬ال ّترجمة)‪.‬‬ ‫د أصدر على مبارك جريدة ( الوقائع المصر ّية ‪ -‬روضة المدارس‪ -‬اليعسوب)‬ ‫ ‬ ‫ وأشرف عليها ال ّشيخ (حسن الع ّطار ‪ِ -‬رفاعة ال ّطهطاو ّي ‪-‬محمد عب ُده) وكان له‬ ‫ دور في نشر ( ال ّتراث‪ -‬المعارف ال ّطب ّية ‪ -‬العلوم)‪.‬‬ ‫‪34‬‬ ‫الوحدة الأولى‬

‫ال ّتدريب ال ّثاني‬ ‫س ‪ ١‬النّهضة الأدب ّية في العصر الحديث لم تكن من فراغ‪ ،‬بل تشابكت عوامل عدة‬ ‫أسهمت فيها‪.‬‬ ‫ ‬ ‫َب ِّي ْن ذلك بإيجاز‪.‬‬ ‫ ‬ ‫س ‪ 2‬كانت المطبعة عاملا عظي ًما في إيقاظ العقل المصر ّي وتوجيهه إلى مثل جديدة في‬ ‫ ال ّلغة والأدب والفكر‪.‬‬ ‫َب ِّي ْن َأ َث َر ال ّطباعة في الحياة الأدب ّية في مصر‪.‬‬ ‫ ‬ ‫س ‪ 3‬تركت ال ّترجمة أث ًرا عظي ًما في الأدب العربي الحديث‪.‬‬ ‫اِ ْش َر ْح هذه العبارة بإيجاز‪.‬‬ ‫ ‬ ‫س ‪ 4‬ارتبطت عوامل النّهضة الأدب ّية في العصر الحديث بالأزهر ال ّشريف‪.‬‬ ‫اِ ْش َر ْح هذ ه العبارة بإيجاز‪.‬‬ ‫ ‬ ‫س ‪َ 5‬وا ِز ْن بين أثر ك ّل ِمن ال ّترجمة‪ ،‬و ال ّصحافة في النّهضة الأدب ّية في العصر الحديث‪.‬‬ ‫‪36‬‬ ‫الوحدة الأولى ‪36‬‬

‫أنشطة إِثرائ ّية‬ ‫‪ 1‬نشاط‬ ‫ِمن خلال تعاملك مع شبكة المعلومات ال ّدولية (الإنترنت) ُق ْم بإعداد بحث عن ال ّصحافة‬ ‫وأثرها في النّهضة الأدب ّية في العصر الحديث‪.‬‬ ‫‪ 2‬نشاط‬ ‫كان الأزهر وما زال عاملا رئيسا في بعث نهضة مصر والأمة العرب ّية والإسلام ّية‪ ،‬بل العالم‬ ‫بأسره‪َ ،‬ع ِّد ْد الأدلة ا ّلتي تؤ ّكد صدق هذه المقولة ِمن خلال دراستك لتاريخ الأزهر‪.‬‬ ‫‪37‬‬ ‫أنشطة إِثرائ ّية ‪37‬‬

‫بعد الانتهاء ِمن هذه الوحدة ينبغي أن يكون ال ّطالب قاد ًرا على أ ْن‪:‬‬ ‫‪ 1‬يوازن بين مدارس ال ّشعر في العصر الحديث (مدرسة الإحياء والبعث‪ ،‬مدرسة‬ ‫ ال ّديوان‪ ،‬مدرسة المهجر‪ ،‬مدرسة أبوللو)‬ ‫‪ 2‬يذكر أه ّم ُر ّواد مدارس ال ّشعر في العصر الحديث‪.‬‬ ‫‪ 3‬يع ّدد خصائص مدارس ال ّشعر في العصر الحديث‪.‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪39‬‬

‫الوحدة ال ّثانية‬ ‫مدارس ال ّشعر‬ ‫وا ّتجاهاته في‬ ‫العصر الحديث‬ ‫‪38‬‬

‫مدرسة الإحياء والبعث‬ ‫ م ّر ال ّشعر منذ أواخر القرن ال ّتاسع عشر الميلادي ح ّتى منتصف القرن العشرين‬ ‫بمرحلتين الأولى مرحلة الإحياء ا ّلتي اصطلح النّقاد على تسميتها بالمدرسة الكلاسيك ّية أو‬ ‫المحافظة‪ ،‬والمرحلة ال ّثانية مرحلة ال ّتجديد وتشمل مدارس ال ّتجديد ال ّرومانس ّي المتم ّثلة في‬ ‫مدرسة ال ّديوان‪ ،‬ومدرسة ال َم ْه َجر‪ ،‬ومدرسة أبوللو‪.‬‬ ‫ وكان ال ّشعر قبل مدرسة الإحياء يميل إلى ال ّصنعة والإغراق في الحلية ال ّلفظ ّية‬ ‫والمعنو ّية‪ ،‬بينما يظهر فيه ضوء خافت ِمن ال ّتجديد‪ ،‬ح ّتى جاء الفارس ال ّشاعر رائد مدرسة‬ ‫الإحياء والبعث‪ ،‬محمود سامي ال َبا ُرو ِدي (‪١٨٣٨‬م ‪١٩٠٤-‬م) ليعيد إلى ال ّشعر حياته‪ ،‬ويوقظه‬ ‫من طول سباته‪ ،‬متو ّجها إلى تراث ال ّشعراء القدامى قبيل عصور ال ّتخلف والجمود تحت وطأة‬ ‫المماليك والعثمان ّيين ينفض عنه تراب ال ّسنين‪ ،‬ويعيده إلى ال ّذاكرة من جديد‪.‬‬ ‫وارتفع صوت ال َبا ُرو ِدي ‪ -‬منفردا بين ال ّشعراء ‪ -‬في النّصف ال ّثاني ِمن القرن ال ّتاسع‬ ‫ ‬ ‫عشر‪ ،‬رصينا قو ًّيا في عباراته وألفاظه‪ ،‬متينا في أساليبه‪ ،‬صاف ًيا في أخيلته‪ ،‬شريفا في معانيه‪،‬‬ ‫مشرقا في ديباجته‪ ،‬جزلا في تراكيبه‪ ،‬لقد كان صنيع ال َبا ُرو ِدي مع ال ّشعر صنيع من أعاد الحياة‬ ‫لمن سلبها‪ ،‬ور ّد النّبض لمن فقده‪ ،‬ذلك أ ّنه ارتقى بال ّشعر‪ ،‬وصعد به من قاع منحدر إلى أعلاه‪.‬‬ ‫المفردات‬ ‫الكلمة‬ ‫تراث‬ ‫المعنى‬ ‫ك ّل ما خ ّلفه ال َّسلف من آثار علم ّية وفنية‬ ‫وأدب ّية ‪ ،‬سواء ما ِّد َّية كالكتب والآثار‬ ‫وغيرها ‪ ،‬أم معنوية كالآراء والأنماط‬ ‫والعادات الحضار ّية المنتقلة جيل ًا بعد جيل‬ ‫‪41‬‬ ‫ال ّدرس الأ ّول ‪41‬‬

‫ال ّدرس الأ ّول‬ ‫مدارس ال ّشعر في‬ ‫العصر الحديث‬ ‫أهداف ال ّدرس‪:‬‬ ‫بنهاية ال ّدرس يتو ّقع أن يكون ال ّطالب قاد ًرا على أ ْن‪:‬‬ ‫‪ 1‬يح ّدد المدارس ال ّشعر ّية في العصر الحديث‪ ،‬وأشهر ُر ّواد ك ّل مدرسة‪.‬‬ ‫‪ 2‬يذكر الخصائص الفنّ ّية لمدرسة الإحياء والبعث‪.‬‬ ‫‪ 3‬يوازن بين المدارس الأدبية في عصر الحديث‪.‬‬ ‫‪ 4‬يذكر أه ّم خصائص أدب المهجر‪.‬‬ ‫‪ 5‬يختار المدرسة ال ّشعر ّية ا ّلتي يميل إليها‪ ،‬ولماذا؟‬ ‫‪40‬‬

‫خياله‬ ‫إلى جانب ارتفاعه بالكلمة والعبارة‪ ،‬وارتقائه بالموضوع انتقل ال َبا ُرو ِد ّي بالخيال ِمن‬ ‫ ‬ ‫ال ّضيق وال ّسطحية إلى ال ّتحليق في سماوات ال ّشعر‪ ،‬وأجنحة ال ّتصوير‪ ،‬فأدار عدسته ال ّشعرية‬ ‫في الآفاق‪ ،‬مركزا على ال ّصورة الح ّس ّية‪ ،‬فجعل من ال ّتشبيهات والاستعارات والكنايات‬ ‫لوحات متح ّركة مرئ ّية مسموعة وملموسة‪.‬‬ ‫ وانتقل بالعاطفة ِمن البرود والجفاف إلى الحيو ّية والحركة وال ّذات ّية‪ ،‬وحافظت‬ ‫الموسيق ّي عنده على وحدة الوزن والقافية ذات ال ّرنين القو ّي الأخاذ‪.‬‬ ‫وال َبا ُرو ِد ّي ‪ -‬في ذلك ك ّله ‪ -‬يجاري فحول ال ّشعراء في العصور العرب ّية الزاه ّية‪ ،‬منذ‬ ‫ ‬ ‫العصر الجاهل ّي‪ ،‬ومرورا بالعصر الإسلام ّي‪ ،‬والأمو ّي‪ ،‬ث ّم العباس ّي‪ ،‬ولا يحاكي ضعاف‬ ‫ال ّشعراء في العصرين‪ :‬المملوك ّي والعثمان ّي‪ ،‬وهو يجاري القدماء لكنّه لا يق ّلدهم‪ ،‬كأ ّنه يتنافس‬ ‫معهم حول المعاني والأخيلة‪ ،‬و ِمن هنا جارى وحاكى وعارض شعر القدامى ِمن أمثال‪ :‬امرئ‬ ‫القيس‪ ،‬والنّابغة‪ ،‬وعنترة‪ ،‬وأبي ت ّمام‪ ،‬والمتنبي‪ ،‬والبحتري‪ ،‬وال ّشريف ال ّرضي‪ ،‬وابن زيدون‪،‬‬ ‫وابن خفاجة ُم ْع َت ِم ًدا على نقاء ذهنه‪ ،‬وفطرته ال ّسليمة‪ ،‬وقراءته وحفظه جيد الأشعار‪ ،‬وتتل َم َذه‬ ‫على يد ال ّشيخ حسين المرصفي‪ ،‬مث ّبتا أ ّن ال ّضعف ا ّلذي طرأ على شعرنا العرب ّي عبر القرون‬ ‫ال ّسابقة لم يكن لعيب ولا نقص في موهبة ال ّشعراء‪ ،‬أو لضعف أو قصور في ال ّلغة العرب ّية‪.‬‬ ‫ُسميت المدرسة ا ّلتي أ ّسسها ال َبا ُرو ِد ّي باسم مدرسة الإحياء والبعث؛ لأ ّنها أعادت‬ ‫ ‬ ‫ال ّروح لجسد ال ّشعر الم ّيت ا ّلذي استسلم إلى حالة ِمن الجمود‪ ،‬أخذ على إثرها في ال ّضعف‬ ‫والاضمحلال منذ سقوط بغداد سنة ‪١٢٥٨‬م في أيدي ال ّتتار وصولا إلى العصر الحديث‪،‬‬ ‫وقد رأت تلك المدرسة أن التزام ال ّشعراء بنظم ال ّشعر العرب ّي على النّهج ا ّلذي كان عليه في‬ ‫عصور ازدهاره منذ العصر الجاهل ّي ح ّتى العصر العباس ّي في نظمه ومعانيه وألفاظه يمثل بعثا‬ ‫وإحياء لل ّشعر العرب ّي ِمن جديد‪.‬‬ ‫‪43‬‬ ‫ال ّدرس الأ ّول ‪43‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook