- - فالأول يحدد مشروع حرب أهلية إن صح التأويل السالب. والثاني يحدد مشروع استعادة نظام أسوأ من نظام ابن علي إن صح التأويل السالب كذلك. وطرح هذه الأسئلة لا يقرر بدلا من المترشح الخيار بل هو يرجح فرضيا وينتظر من المترشح الجواب الذي يشفي الغليل فيبين طبيعة الخيارات وراء هذا التعديل الذي يمس أهم انجاز للثورة أي التحرر من الرئاسوية التي افسدت الدستور الأول بالتعديلات التحكمية وقد تنهي الدستور الجديد بتعديل قد يتم بالتنسيق مع القوات الحاملة للسلاح كما جاء في أحد عناصر البرنامج وإن كان الامر متعلقا بأمر آخر لكنه يخص دور رئيس الدولة من حيث هو حام للدستور وللأمن الوطني. فالكلام على تنسيق مع القوات الحاملة للسلاح في حماية الامن القومي ومنه محاربة الإرهاب قد يذهب إلى جعل السياسي تابعا للعسكري وإن بصورة متدرجة إذ كثير من الدساتير تتضمن ما يماثل ذلك كما في الدستور التركي السابق الذي كان يتكلم على ضمان الجيش للعلمانية أي للمرجعية القيمية التي يعتمد عليها النظام. ولست واثقا من أن التنسيق المشار إليه يذهب إلى هذا الحد لكن ما يبدأ في حماية أمن البلاد الذي هو مسؤولية سياسية وليس عسكرية إلا من حيث البعد التقني قد يمتد إلى حماية النظام وحماية الدستور وحماية المرجعية وهي كلها من المسؤولية السياسة للجماعة ولمن تنوبهم ديموقراطيا ليكون رعاتها وحماتها وليست القوات الحاملة للسلاح إلا أدوات لتحقيق ذلك ولا دخل لها في تنسيق الأمر مع السلطة السياسية. بقية العناصر ليست مهمة. فمثلا سبق أن اقترحت المصالحة قبل المحاسبة لأن المبدأ هو البراءة قبل الاتهام ثم أترك الاتهام للقضاء وفي ذلك منفعة للثورة لأنها تزيل تخويف الجميع ليكونوا حلفاء للمجرمين ابو يعرب المرزوقي 95 الأسماء والبيان
- - الكبار لعلمي أن المجرمين الصغار كثر ولا معنى لمحاسبتهم أولا وثانيا لاستحالتها وأخيرا فإن القيام بذلك من جنس قطع يد من يسرق خبزة والتسامح مع من يسرق ثروة البلاد كلها. كما أن العفو على ابن علي ليس مهما إذا تحقق شرطان: • الأول أن يعيد هو واسرته ما سرقوه وأن يعوضوا من افتكوا أرزاقهم • وثانيا أن يطبق عليه القانون مثل أي إنسان أجرم في حق الوطن. لكنه يبقى مع ذلك تونسيا وأولى به أن يعود لبلده وأن يتحمل نتائج أفعاله. وإذن فالأمر كله مداره على العنصر الاول والثاني. أما الكلام على المسألة الاجتماعية فلا معنى له :لا يمكن أن تحكم مافية النظام بالحلف مع مافية الاتحاد ثم تدعي حل مشكل العلاقة بين الاقتصادي والاجتماعي حلا يحقق التناغم بين شروط الإنتاج وشروط التوزيع السليمة. فهما قد جعلا الدولة وشركاتها \"تكية\" يتصرفون فيها دون حسيب ولا رقيب وضد كل قوانين الإنتاج والتوزيع الفاعلين والعادلين. أما قضية ارجاع العلاقات مع النظام الفاشي الذي لم يبق منه إلا ما يبرر وجود المحتلين الذين يدعون أنهم في سوريا بدعوة من النظام فليس مهما في تونس وهو لا يعني إلا المترشح الذي يريد أن ينال رضا القوميين في الاتحاد .وهي ليست خيانة لتونس فحسب بل لكل القيم لأن تونس التي مثلت امل اخراج اقليمنا من الاستثناء تصبح مؤيدة لأكبر مجرم عرفه تاريخ الإقليم فحتى هلتر لم يفعل ما فعله بشار وجماعة المماتعة في الشعب السوري. ابو يعرب المرزوقي 96 الأسماء والبيان
- - حاولت فهم خطة الدكتور الزبيدي وعرضت الاحتمالين مع ترجيح الأسوأ بسبب التلميحات البينة لكل ذي بصيرة. وقد تأكدت من ذلك عندما استمعت الى المعايدة التي قدمها وآخر كلمة جاءت فيها في تهنئة نساء تونس مشيرا إلى \"نمط المجتمع\" ناسيا أن من يعتبرهن ممثلات لهذا النمط قلة قليلة لا تمثل 1في المائة من نساء تونس وأن البقية عبيد إما لقانون العمالة في الشركات الأجنبية أو للمزارعين ولبعض المرفهين من اهل المدن الذين يستخدمون بناتهن خادمات مثل الآسيويات في الخليج. وقلت لمن يدعون الدفاع عن قيم الثورة إن تفتتهم هو الذي سيمكن الثورة المضادة من تحقيق ما تحلم به. وقلت للإسلاميين -إذا كانوا يفكرون في المستقبل ويستعدون له-إن معارضة وازنة أفضل ألف مرة من طمع في سترابونتان لأن ذلك سيكون عونا للأعداء في تحقيق كل أهدافهم وأكل المشوي بأصابع الإسلاميين .وأضيف لهم ملحوظة سريعة لعلهم يفهمون قصدي منها: لا أستطيع أن أفهم من يريد أن يخوض انتخابات في هذا الظرف بالفلكلور الشعبوي أو الديني وبمنطق تقديم العاجل على الآجل ضمن استراتيجية لمرحلة انتهت مع السبسي ولن تتكرر مهما بقي للطامعين في السترابونتان من أمل. أما القروي وكل من يستثمرون في الفقر ونفاق المساعدات فقد افل نجمهم لأن المخاطبين بهذه الوسائل لا يقررون لمن يصوتون بل من سيقرر هو من استعاد دوره أعني من كانوا يسيرون القرى والدشر والشعب المستتبع من الاعيان فيهما مع المافيات في المدن ومن ثم فهؤلاء سيتبعون الخطة العامة التي وضعها من ينوي استعادة النظام القديم. القروي وموسي وهلم جرا انتهى دورهم. ابو يعرب المرزوقي 97 الأسماء والبيان
- - بقي على كملاحظ اعتزلت السياسة منذ استقالتي سنة 2013أن أحلل الأوضاع وأسهم بوصفي مواطنا اعتبر ابداء الرأي واجبا وليس حقا فحسب أن أقول كلمة للشاهد الذي أعتبره في مأزق حقيقي ويمكن أن يخرج منه إذا كان بحق صادقا في كلامه على المرحوم حسيب بن عمار فيكون عونا للثورة .ورغم أني لا احب الجهويات والطبقيات والجنسانيات (الجندرية) والدينيات والنقابيات وهي ثلاثتها مستعملة حاليا من أعداء الثورة والإسلام فإني اعتقد أن دور \"تونس العاصمة والبلدية\" قد يساعده في الخروج من المأزق إذا استعمله برؤية المرحوم حسيب بن عمار لأن التزامه سيخرج تونس من المقابلة بلدية أفاقيين وعاصمة ساحل وهو ما يمكن أن يعدل الكفة في حكم تونس لتتجاوز هذه الأمراض التي خربت حياتها السياسية والاجتماعية والحضارية والروحية والتي جعلت بعض الحمقى يتكلمون على فصيلتي دم احمر واسود بين التوانسة أعني مشروع حرب أهلية لا تبقي ولا تذر. ذلك أني أفترض أن الاستراتيجية التي اختارها الزبيدي محليا واقليميا وما للبعد الدولي فيها من دور يتجلى من دور المحليين والإقليميين ومن بصمتهم في خطته ذات الخمسة أبعاد التي شرحناها في محاولتين سابقتين لم تبق له أي إمكانية لوراثة حزب السبسي أعني: .1المسألة الأولى ودلالاتها. .2مسألة الدستور ودلالاتها. .3مسالة المسالحة ودلالاتها. .4مسألة التنسيق مع القوات المسلحة ودلالاتها. .5وأخيرا مسالة العلاقة مع سفاح دمشق ودلالاتها. فإن الشاهد لم يبق له ما يبيع إذا ظل يلعب على الحبلين لعله يرث السبسي وحزبه الذي تفتت لن يجد ما \"يمشمش\" فقد عين السبسي وريثه الذي اختار تقريبا بنفس الاستراتيجية التي قادت جبهة الانقاذ الأولى بقيادته وحسم الأمر .وعليه إن ظل طامعا في بقايا حزب السبسي أن \"يسكر الحانوت\" فضلا عن كون كل محاولة لاستغلال الدولة لم يعد ممكنا لأن ابو يعرب المرزوقي 98 الأسماء والبيان
- - القيمين على اجهزتها سيختارون صفهم بالنظر إلى مستقبله السياسي وليس إلى حاضره الذي هو آفل إن واصل عدم الانحياز الواضح ضد من يناصبونه العداء وهم معلومون وما أظنه يجهلهم :فهم من أجمع على الإطاحة به وأوصلوه إلى الانقلاب الصريح على \"عرفه\". لكني أذكر أنه تكلم على \"خاله\" ويقصد خال أمه المرحوم حسيب بن عمار إذ لا يمكن أن يكونه هو ابن جدته للأم .وأعتقد أن أمه كانت زميلتنا ورئيسة الوفد الذي بعثه حزب بورقيبة إلى ألمانيا سنة 1964في ضيافة الحزب الاشتراكي الألماني. ولما كان شابا فإن مستقبله يمكن أن يكون في المعارضة بقيم خاله وهي قيم قد تؤهله وحزبه إلى الحكم الموالي للفشل الذريع الذي ينتظر حكما يريد أن يكون \"راستوراسيون\" لما قبلها .أما الطمع في الحكم بعد أن قررت الاستبليشومونت استبداله بالزبيدي فلا حظ له فيه. وإذن فالاستراتيجيا الانجع له ولكل من يتكلمون على الانتقال الديموقراطي وقيم الثورة -إن كان حقا يؤمن بهما كما يعلن في بياناته في المجلس -أن يفكر في ما بعد الانتخابات وليس فيها ،أي في المشاركة معهم -وقد أشرت إلى أنهم هم أيضا عليهم أن يفكروا بهذه الطريقة مشيرا إلى أن المعارضة الوازنة هي الهدف الواجب حاليا-حتى يفتكوا السلطة التشريعية التي ستضطر النظام العائد إلى أحد حلين: • إما الانقلاب الصريح على الديموقراطية والبداية بما انتهى إليه ابن علي وهو أمر لا مستقبل له. • أو التخلي عن أحلام النكوص إلى ما قبل الثورة ومواصلة الإصلاحات الديموقراطية ولو باحتشام. كيف ذلك؟ إذا تعزز صف الثورة والانتقال الديموقراطي بحزب يعتمد على فكر المرحوم حسيب ابن عمار بحق -وقد عرفته وكتبت في جريدته الرأي وشاركت مع القلة التي أسست نواة جمعية حقوق الإنسان وفي استقبال وزير العدل الأمريكي وقد كنا سبعة لا أكثر -فقد يكون له ابو يعرب المرزوقي 99 الأسماء والبيان
- - مستقبل مستقل عن جبهة الرز بالفاكية (وهو على كل مستهدف من أهم داعميها أعني الاتحاد) والشروع في خط طريق يمكن أن يجعله مساعدا فعليا على تحقيق الصلح العميق بين كل أبناء تونس فلا يواصل الغموض في الحلف مع الشقين الإسلامي على حرف ومن يدعون أنهم أصحاب الدم الاحمر الذين ينافسونه ويسندهم صف الثورة المضادة في الداخل والخارج. فهؤلاء اختاروا صفهم ومعهم الاتحاد والجبهة الشعبية في جبهة تتبع الثورة المضادة في الإقليم وقد يوصلون تونس إلى ما اوصلت إليه الثورة المضادة كل بلد عربي تدخلت فيه فأحدثت فيه فتنا لا حد لها ومن علامات ذلك علاقات بعض من \"غمزتهم\" خطة النقاط الخمسة وعلاقاتهم بحفتر والسيسي وبشار. والله يستر تونس من كل المتآمرين على مستقبلها وأمنها مستقبل شبابها العاطل خاصة لأن هؤلاء قد يلجئهم هذا السلوك إلى موجة ثورة ثانية لا تبقي ولا تذر كما هو متوقع لكل بلاد العرب التي تدخلت فيها الثورة المضادة لأنه ما سيترتب عليها هو الجوع والفقر كما نرى ما يحدث في مصر واليمن وليبيا فضلا عن سوريا. ابو يعرب المرزوقي 100 الأسماء والبيان
- - لا يوجد متابع لا يندهش من كثرة التعريفات الذاتية للنخب السياسية في الـ 220حزيبا عامة وفي ما تكون منها بعد الثورة خاصة وهو العامل الأول الذي سأنطلق منه لتوصيفها بما يبدو لي أكثر مناسبة لما تثبته الأفعال التي تكذب الأقوال .فليس كل من يعرف نفسه صادق لأن الأحزاب في جميع دول العالم لا تتكون كيفما اتفق بل لا بد لها من اسس تتحدد في مرجعيتها وفي أهدافها. وقد سبق أن بينت في عدة محاولات أن هذه المرجعيات ليست لامتناهية والأهداف السياسية محدودة جدا ولا تتجاوز التواليف والترتيب بين العاملين الاقتصادي والاجتماعي لسد الحاجات المادية والقيمي والخلقي لسد الحاجات الروحية. وما وجدت في أي حزب تونسي أثرا لهذه المقومات بل هي عموميات تثبت التنافس على دعاوى إما حول الهوية أو حول ما يسمونه نمط المجتمع بالمقابلة بين ماضيين :ماضي الجماعة التاريخي وماضي مستعمرها التاريخي لأن ما يحاكونه من ثقافته تجاوزه منذ عقود بعد أن أصبح يؤسس شروط سيادته على الجمع بين وطنيتين قطرية وقارية. • القسمة الاولى: تتعلق بالأحزاب ذات الوجود الفعلي المتقدم على الثورة و\"نخبها\" والاحزاب التي تلتها و\"نخبها\". وحتى نصف هذه فإن أول معيار لتوصيفها هو أنها إما منشقة عن الأولى أو ناتجة عن تفتتها بسبب الثورة أو تعرف نفسها بما يمكن أن يعتبر انشقاقا ليس عليها بوصفها كانت في حزبها ثم خرجت عليه أو عارضته بل هي مشتقة من رؤية أخرى لأساسها وعلى ما يغلب عن برنامجها .والمثال الاوضح من الانشقاق عن الأولى كأحزاب هو مثال كل الاحزاب التي تفرع إليها الحزب الذي كان حاكما والمثال الأوضح عن المشتقات من الرؤية هي الأحزاب ابو يعرب المرزوقي 101 الأسماء والبيان
- - الاسلامية غير النهضة .أما الأحزاب اليسارية والقومية فإنها بقيت كما كانت ولم ينشق عنها أحد لأنها من الأصل مفتتة. • القسمة الثانية: تتعلق بالأحزاب التي نشأت بعد الثورة أو التي صارت ذات وجود فعلي بسبب الثورة مثل حزب المرزوقي وابن جعفر .فهذان الحزبان يمكن اعتبارهما لم يصبحا بحق فعليين إلا بفضل الثورة. لكن الأول تفتت إلى أحزاب والثاني تفتت على الأحزاب. وكلاهما لم يعد له وجود إلا في الأقوال بسبب فقدان القاعدة الشعبية .لكن حزب المرزوقي يشبه الحزب الذي كان حاكما بمعنى أن الذين انتسبوا إليه كونوا أحزابا بعدد \"زعماء\" النخبة التي دخلت السياسة عن طريق حزب المرزوقي لكنهم لا يعترفون بذلك مثلما يعترف فتات الحزب الحاكم بما يدعيه من نسب بورقيبي .فهم جميعا يتبعون علمانية المرزوقي مع درجات مختلفة من الاقصاء إزاء الحزب الإسلامي الذي لولاه لما كان لهم وجود سياسي أصلا لأن المرزوقي نفسه لم يكن له إلى شبه حزب قبل الثورة وبها مع مساعدة الحزب الإسلامي صار هو نفسه ذا \"وزن\" سياسي بوصفه رئيسا لا غير. • القسمة الثالثة: الاحزاب التي نشأت عند من شاركوا في حكومات الثورة بعد الترويكا إما مع الباجي أول أو مع جمعة أو مع الشاهد .وهؤلاء كلهم بنحو ما مشتقات سياسة الباجي في التصدي للإسلاميين .وهم إذن يتقدمون لوراثة هذا المشروع وإذن فهم يقتاتون من فضلات النظام السابق ويعتمدون على الثورة المضادة العربية والسند الدولي. • القسمة الرابعة: الاحزاب التي يمكن اعتبارها مجرد منصات لبعض الافراد الذين يريدون تكوين رصيد يجعلهم مطلوبين من الأحزاب السابقة لتوسيع قواعدها وهؤلاء كلهم مرشحون للانضمام إلى أصحاب القسمة الثالثة .وقليل منهم أعني الأكثر انتهازية قد يطمحون للانتساب إما ابو يعرب المرزوقي 102 الأسماء والبيان
- - إلى الصنف الثاني بدعوى الثورية أو إلى الصنف الاول بالسعي المباشر للغاية من تكون الحزب أي المشاركة في السلطة في أقرب فرصة. • القسمة الاخيرة: ما وراء الاحزاب أعني المافيات الداخلية التي تنوب المافيات الخارجية التي تمول الأحزاب والجمعيات لتحقيق أهدافها باستراتيجية سن تسو أي بأقل كلفة لأن تحقيق النصر حينها يكون بأيدي أبناء البلد .وهذا الماوراء ينقسم إلى :حزب فرنسا وحزب إسرائيل وحزب إيران وحزب الحمقى من أمراء البترول .فهذه الاحزاب موجودة في كل الاحزاب أي في الأصناف الأربعة التي ذكرتها دون استثناء بمعنى أن الإسلاميين أيضا صاروا مخترقين في البداية دون أن يكون ذلك بإرادتهم لكنه صار الآن بإرادتهم لما علموا أنه الشرط الضروري وأحيانا الكافي للمشاركة في الحكم ولو في شكل سترابونتان. هكذا أفهم الساحة السياسية. ولا احتاج للكلام على الساحة الإعلامية لأنها تابعة لهذه القسمة الأخيرة إذ هي الأداة الثانية في عمل المافيات الداخلية الخادمة للمافيات الخارجية .أما الأداة الأولى فهي معدن العجل لأن الثانية هي خواره .وإذن فالقسمة الأخيرة تتعلق بالحكم عن طريق دين العجل :الحكم بالمال وبالخوار. والأول الجميع يفهمه وهو علة تكاثر الأصول التجارية التي تسمى أحزابا وجمعيات وصحافة والثاني هو علة الايديولوجيات التي يمثلها هذا الماوراء لكل الاحزاب السياسية في تونس. هذه القسمة الأخيرة هي أصل ما تقدم عليها لأن تونس ككل بلاد العرب ليست دولة مستقلة بل هي محمية بكل معاني الكلمة وقد صارت كذلك بعد ما يسمى الاستقلال أكثر مما كانت قبله عندما كانت محمية رسميا بمقتضى معاهدة باردو .اتفاقيات الاستقلال المزعوم أسست لتبعية أعمق من السابقة :ذلك أن الحماية الأولى كانت دون القدرة على تغيير ثقافة الشعب في حين أن الثانية كان أهم عناصرها هذا التغيير فضلا عن نهب ثروات ابو يعرب المرزوقي 103 الأسماء والبيان
- - البلاد .ولما كان تغيير الثقافة هدفه استعباد العباد صارت الحماية ليس من أجل الثروات والموقع الجغرافي الاستراتيجي لتونس وحدهما بل أيضا لجعل أبناء تونس يصبحون خدما في استراتيجية أعدائها. وهذه الظاهرة عامة وليست مقصورة على تونس .والجزائريون بدأوا يفهمون ذلك وتلك هي علة ما يجري فيها حاليا وعسر الخروج منه لأن كل من ذكرتهم في هذا العنصر الاخير يعمل فيها أكثر مما يعمل في تونس بسبب ثقل الجزائر وفهم الأعداء ان تحررها باستكمال تحريرها يعنيان تحرر افريقيا كلها وربما كل الإقليم العربي التركي الكردي الأمازيغي لتصبح الضفة الجنوبية الشمالية من الابيض المتوسط ندا للضفة الشمالية التي هي بدورها متعددة الأقوام دون أن يحول ذلك دونها وبناء وحدة هي شرط السيادة في عصر العماليق. ابو يعرب المرزوقي 104 الأسماء والبيان
- - بعد أن صنفت الأحزاب السياسية التي بعضها يمثل قاعدة شعبية ومن ثم فهو قوة سياسية وجلها لا يمثل إلا داء الزعامات الخاوية التي ليس لها قاعدة شعبية ومن ثم فهي لا تعبر عن قوة سياسية يمكن أن تحكم حتى لو صادف أن نجحت بما قد يترتب على تفتت الأصوات بسبب عدم وضوح الرؤية عند الناخبين. ففي البلاد الديموقراطية وخاصة في أمريكا المرشح يقضي سنة كاملة في اقناع قاعدة حزبه بجدارته لتمثيل رؤاه وأهدافه وخاصة مرجعيته السياسية والقيمية ثم بعدها يمر إلى الجدل مع منافس قام بنفس المسار مع قاعدته الحزبية .وكلاهما يحاور كل الشعب الأمريكي لأن سنة اثبات الجدارة ليس مقصورا على حزب المترشح للترشح .أما عندنا فكل من \"ينبح\" بعض الوقت في البلاتوهات تنتفخ أوداجه فيتصور نفسه زعيما يستطيع كما قال السبسي خلال حملته بأن له حزبا يمكن أني سير أربع حكومات ويقصد ربما أربع دول لها مسؤول كبير يقرر عوضا عنه بوصفه رئيس هذا الحزب .وقد يرشح المسؤول الكبير من يختاره مع كونه نكرة ليس له وراءه قوة سياسية بل سلطة خفية لا نعلم طبيعتها ما هي. السؤال الذي أطلب جوابه بسيط وبسيط جدا: على ما ذا يتنافس المرشحون الستة والعشرون؟ وما هي اهداف \"القوة السياسية\" التي يترشحون باسمها؟ وهذا السؤال البسيط جوابه شديد التعقيد إذا لم نكتف بالأقوال ونبحث ما وراءها من الأفعال. أول رهان يعلل الاختلاف بين الأحزاب التي تتنافس حاليا وخاصة الجديد منها هو الموقف من الحزبين الأكبرين اللذين كان أحدهما حاكما والثاني معارضا أعني التجمع والنهضة. ابو يعرب المرزوقي 105 الأسماء والبيان
- - .1وبين أن من يعرفون أنفسهم بالإضافة إلى التجمع نوعان: • من يريد استئناف دوره • ومن يريد مقاومة هذا الاستئناف وهما إذن يتقابلان تقابل الثورة وما قبلها وطبعا كلا الخيارين مفتت بلا حد لأن من يدعون تمثيل الثورة فتات مثلهم مثل من يريدون استعادة النظام السابق رغم أن هؤلاء أقرب إلى التحالف عند اللزوم .ولا يمكن أن اعتبر اليسار والقوميين ممن يمثل الثورة بالتقابل مع التجمع لأنهم كانوا من خدم النظام على الاقل في مرحلة ابن علي وأثبتوا ذلك بدورهم في تكوين جبهة السبسي وحتى في محاربة المرزوقي الذي لا يقل عنهم علمانية ولا قومية. .2وبين كذلك أن من يعرفون أنفسهم بالإضافة إلى النهضة نوعان كلاهما مضاعف :من يعارضها باسم المرجعية إما الإسلامية عامة أو الإسلامية التي كانت تنتسب إليها بتعريفها لنفسها ومن يعارضها باسم نمط المجتمع إما من المنتسبين إلى التجمع أو من المنتسبين إلى اليسار والقوميين .وهؤلاء أشد من أولئك ومن ثم فهم من جنس من يعارضها باسم المرجعية الإسلامي عامة أي إنهم مثل السلفية الجهادية لأنهم مستعدون لحمل السلاح ضدها. .3يعسر أن تجد تنظيما سياسيا يقبل التحديد بأمر آخر غير هذا التحديد الإضافي إلى القوتين اللتين تشتركان في القاعدة الشعبية العريضة ولا تتمايزان إلا بالنخب التي تتكلم باسمهما .ومعنى ذلك أن الرصيد الانتخابي الأهم لا يمكن تعريفه بالموقف من المرجعية الإسلامية بخلاف ما يتوهم الكثير لأن البورقيبيين وحتى التجمعيين من عامة الشعب يعيشون بنفس الثقافة الدينية والخلاف حول المرجعية كان مؤثرا لما كانت النخب متسلطة ولا أعتقد أن ذلك سيبقى له تأثير في مناخ ترضية الناخبين ما سيؤدي ولو بالنفاق السياسي بسقوط هذه المقابلة في القاعدة الشعبية للأحزاب التجمعية .الخلاف حتى بين النخب سيقل كلما صارت الديموقراطية فعلية حيث سيضطر كل المرشحين للعب لعبة التقرب من الشعب ومن ثقافته. ابو يعرب المرزوقي 106 الأسماء والبيان
- - .4من يتحدد بغير هذه النسبة أعني اليساريين والقومين مضطرون إما إلى التغير أو إلى الانضواء في أحد الحزبين أو الانقراض. فلا يمكن في نظام ديموقراطي مهما كان فيه من العيوب واستعمال المال والاعلام الفاسدين أن يواصل مع من يطمح في الوصول لمسؤولية سياسية وهو يعادي جهرا ثقافة الشعب وسيضطر حتى نفاقا لمجاراتها. .5والآن إذا طبقنا هذه العوامل على المرشحين الحاليين فإني أعتقد أن الرهان غير محدد ومن ثم فكل الأحزاب تخادع وتكذب على الشعب. لا أحد يقول حقا ما يريد بل الكل يداهن ذلك أن مطالب الشعب واضحة؟: • المشكل الاقتصادي والاجتماعي لا أحد منهم عند تصور أو رؤية أو حل قابل للعرض المفيد أعني لشرطية :الأدوات والرزمانة أي بماذا ماليا ومتى. • المشكل الثقافي والقيمي لا أحد منهم عنده الشجاعة للكلام الذي قد يغضب المسؤول الكبير ممثلا بحزب فرنسا وبالمافيات. • مشكل السيادة على الثروات لا أحد له الشجاعة لعلاجه. • مشكل اختلال الوضع المناطقي أو علاج ما تعاني منها مناطق الظل والذل. • وأخيرا تحديد السياسة الخارجية في وضع الإقليم عامة والمغرب الكبير خاصة بصورة قابلة لتحديد قابل للتصديق لأن العموميات التي من جنس كلام القذافي على الوحدة ليس عملا سياسيا بل هو تغن بشعارات منها أتي الإقليم طيلة النصف الثاني من ا لقرن الماضي. وليس من العسير فهم ما يريده الشعب حاليا :ويتخلص في أمرين لا ثالث لهما وكلاهما يعني أن وظائف الدولة لم يعد لها وجود حقيقي لأنها إما موظفة من النظام الحاكم أو من النقابات بصنفيها ومن ذوي السلطان من المافيات المسيطرة على الاقتصاد والثقافة والسياسة في البلاد بحيث إن ما كان تحت سيطرة مافية ابن علي تفتت فأصبح تحت سيطرة مافيات متعددة أهما مافيات الاقتصاد الموازي والتهريب والمخدرات وكل ما يؤدي إلى فساد شروط العيش المستقر في الجماعة: ابو يعرب المرزوقي 107 الأسماء والبيان
- - .1أولا نهاية الفوضى التي عمت في كل مستويات الحياة وخاصة في الخدمات الأساسية للحياة التي سيطرت عليها المافيات وسوء الحاكمية وغياب المحاسبة والجزاء بمعنييه الموجب والسالب. .2ثانيا نهاية الاقطاعيات في كل وظائف الدولة ومؤسساتها وشركاتها وخاصة هيمنة الفوضى النقابية التي تكاد تفسد شروط الانتاج ووظائف تكوين الأجيال أعني التربية والتكوين وتنظيم تقسيم العمل بالقوانين الاقتصادية التي تحقق شروط نجاعة مؤسسات الانتاج بقوانين التنافس والانتاجية. وإذا لم تكن هذه القضايا موضوع الحملة الانتخابية والجدل بين المترشحين فلا معنى للانتخابات التي ستكون مواصلة التكاذب وعدم والتخادع وعدم العناية بما يمكن أن يخرج البلاد من مآزقها فيكون المترشحون قد حسموا تحت الطاولة توافقات مغشوشة لتقاسم السلطة وليس لعلاج أدواء البلاد. ابو يعرب المرزوقي 108 الأسماء والبيان
- - قرأت لأحد الأدعياء تغريدة يمن فيها على الدكتور الزبيدي تأييد ترشحه المشروط بالانتقام لعملاء النظام القديم وصبابته. إنه يطلب منه الانتقام ممن اختارهم الشعب بإرادته الحرة لأنه يعتبر ما نسميه ثورة ثمرة مؤامرة اميركية قطرية تركية. إذن فهو يدعوه لمحو كل آثار الثورة لأنها ليست \"يسارية\" .وإذن ففي تغريدته اتهام للثورة بأنها مؤامرة وليست ثورة الشعب التونسي بعد أن كانوا قبل نبذ الشعب لهم يدعون أنهم هم الذين فجروها معتبرين ارهاصاتها هي ما حصل في المناجم وناسبين إياها إلى الاتحاد الذي هم يعيشون في أكنافه توابع لمافياته. • فبماذا يريده أن ينتقم؟ • وممن؟ • ولم؟ أما بماذا ،فبملف يدعي أن السبسي تركه للزبيدي. وأما ممن ،فالقصد واضح لأن الملف حسب رأيه يتعلق بالجهاز السري. وأما لم ،فلأنه يتهمهم باغتيال من يعتبرهم زعيمين. والزعيمان المزعومان هما في الحقيقة مجرد \"أصل تجاري\" ربما لمن اغتالوهم ليحتلوا مواقعهم .فلا أحد منهما كان يمثل وزنا سياسيا يمكن لأحد أن يفكر في اغتياله لفتح الطريق خاصة إذا كان قد اختاره الشعب ليحكم في انتخابات ديموقراطية وبين فشل خصومه. ابو يعرب المرزوقي 109 الأسماء والبيان
- - فمن يحكم ليس من فائدته اغتيال أحد وخاصة إذا كان عديم الوزن السياسي .فأكثرهم دعوى ،أعني شكري بلعيد ،شارك معي في دائرة تونس الأولى ولم ينجح حتى بالفضلات والبقايا. ومن ثم فزعامتهم من جنس ما يزعمونه لأنفسهم من زعامة وليس من جنس ما يعترف به الشعب إذا كان حرا. زعامتهم هي ترشحهم للنظام السابق لعله يستخدمهم لا أكثر ولا أقل. لماذا اعتبر هذا التهديد دليلا على الحمق؟ فأولا فيه استنقاص لشخص الدكتور الزبيدي -وما اعرفه عنه أنه رجل نزيه ولا أظنه يكون دمية لأحد -لأن فيه اعتقادا بأنه مجرد دمية وأداة لتحقيق ما فشل فيه السبسي أو ما لم يجد فيه السبسي أكثر مما استفاد به منه أعني ابتزاز إيهامي لمن يتهمون بما فيه. وأنا شخصيا لا يعنيني وجود الجهاز السري من عدمه حتى وإن كنت أميز بين حاجة أي حزب في ظل الاستبداد لنظام جمع المعلومات حتى يحمي نفسه وليس للسيطرة على الدولة إذ كلنا يعلم أن أي حزب مهما كان قويا ليس له ما يمكنه من ذلك. لكن ما يعنيني هو أن ما يدور حوله الكلام ،ملف يراد من الزبيدي تنفيذ ما فيه كما يتصوره هذا الأحمق الذي لم ير له أحد عملا يمكن أن يباهي به عندما يزعم مباهيا أنه استاذ جامعي فيه اتهام للسبسي بالخيانة العظمى وللزبيدي بكونه دمية جيء به لتنفيذ وصية المتوفى أكثر من اتهام من يظن أنهم أصحابه حتى لو صح أن لهم نظام استعلامات لحماية أنفسهم من أفعال نظام مستبد وظالم الكل يعلم أنه إلى الآن ما يزال ذا سلطان لا يستهان به على خيوط اللعبة في الدولة العميقة. فالسبسي حكم خمس سنوات وهذا الملف في حوزته ووعد في حملته بالحسم فيه لكنه لم يفعل .فيكون الأمر بين فرضيتين: • إما أن الملف كان فارغا لكنه استعمله كـ \"خويفة\" جوفاء. ابو يعرب المرزوقي 110 الأسماء والبيان
- - • أو كان مليئا حقا بما يمكن أن يؤدي بأصحابه إلى داهية لأن فيه أكثر من استعلام للحماية الذاتية. وفي هذه الحالة يكون قد سكت على مؤامرة ضد أمن الدولة .وسكوته عنها كما زعم صاحب التغريدة مشاركة فيها أو حماية لأصحابها لأنه يأتمر بمن فوقه كما جاء في التغريدة :لم يخف أنه يتهم السبسي لعدم الوفاء بالحسم فيه بأنه لم يكن سيد قراره ويحذر الزبيدي من الوقوع في نفس الجرم. وهذا هو دليل الحمق من صاحب التغريدة. فهو يتهم السبسي بما هو \"خيانة عظمى موصوفة\" ويحذر الزبيدي من تكرارها :فبحسب هذا الرأي لم يكن السبسي رئيسا بحق يحمي أمن البلاد بل كان -وهنا يمكن أن نجد تأييدا في تصريح الرئيس نفسه -تابعا لمسؤول كبير يستعمله مجرد واجهة لحكم خفي هو حكم المافية التي عينته وهو يحذر الزبيدي بأن يتبع نفس المسار. صحيح أننا إذا جمعنا ذلك مع كيفية تعيينه بعد القصبة 2تبين أن من كان يحكم تونس وأوصى الزبيدي حسب صاحب التغريدة لم يكن وطنيا بل كان مجرد دمية بيد من عينه بنصيحة من الشابي الدليل السياسي لكلبيه على شاطئ المرسى (راجع شهادة كاتب الدولة للأمن في حكومة السبسي بعد القصبة .)2 صاحب هذه التغريدة لو كان في دولة تحترم نفسها وتطبق القانون ل ُس ِئلَ من القضاء حول اتهام رئيس الدولة السابق بأنه كان خائنا للوطن خيانة عظمى وتحذيره الزبيدي من أن يكون مثله فضلا عن اعتباره مجرد موصى به من خائن حسب وصفه وأنه سيفقد تأييد هذا العلامة إذا لم يحقق ما يعتقد أن الملف الذي تركه له السبسي يتعلق بالجهاز السري وبالطابع التآمري للثورة التي آلت إلى تعيين الإسلاميين في الانتخابات التي أشرف عليها اليسار ووضع قانونها اليسار الذي كان يدعي تفجيرها ولما خسرها صار يعتبرها مؤامرة أمريكية. ابو يعرب المرزوقي 111 الأسماء والبيان
- - والآن إذا لم يكن هذا هو عين الحمق ،فما الحمق إذن؟ وآمل ألا يكون هذا الحمق قد أثر في المرشح الزبيدي إذ أنا لم أستثن أن التأويل الإيجابي بدلا من التأويل السلبي ممكنا عندما تكلمت على النقاط الخمس في برنامجه مع ترجيحي التأويل السلبي لعدة قرائن زادها متانة ما أشيع من تعيين من سيشرف على حملته ممن يكنون للثورة ما نعلم من \"حب\". أما لماذا قلت \"أسيادهم\"؟ لست من الحزب الذي يتهمونه .والكل يعلم موقفي النقدي من كثير من سياستهم .لكنهم مع ذلك ورغم كل ذلك يبقون أفضل ما يوجد في تونس على الأقل قبل أن يضطرهم الحكم إلى الانتقال احيانا من \"الحل الوسط\" مع بقايا النظام إلى \"التبعية\" لخياراتهم ربما بسبب الوضع الإقليمي وذكريات التجارب المرة التي مروا بها لكنهم يبقون أفضل نخبة حازت على الثقافتين الأصلية والحديثة وليسوا بحاجة إلى من يدافع عنهم لكنهم بالمقارنة مع صبابة ابن علي وجواسيسه ممن يدعون تمثيل الحداثة يعتبرون الأمل الوحيد الذي يمكن أن ينقذ تونس من مثل هذه القاذورات التي ليس لها من الحداثة والتقدمية إلى العمالة والنفعية المباشرة لأنهم مخلدون إلى الارض هم في تونس من جنس الحركيين في الجزائر. ابو يعرب المرزوقي 112 الأسماء والبيان
- - لما رأيت قائمة المترشحين لرئاسة الدولة أول ما تبادر إلى ذهني هو أن جل المترشحين من حيث يعملون أو لا يعلمون يدفعون بالشعب إلى المطالبة بالبيان رقم .1 ذلك أن الاثر الوحيد لمثل هذه الظاهرة هو أن العبث بالدولة جعل هذه المسؤولية من جنس سوق الفريب الذي يدعو الشعب إلى فرز فضلات المافية لما بقي من تونس لـ\"لمشمشة\" إذ لا أحد يصدق أن الدافع هو التفاني في خدمة تونس والشعب. وطبعا هذا الحكم لا يصح على الجميع لكن \"نزول الجميع\" إلى سوق الفريب يجعلهم في ذهن الملاحظ متماثلين لأن الغاية في النهاية هي أن المافية التي تحرك الدمى تريد إيصال الشعب إلى هذه القناعة وهو أن الكل سواسية ولا يوجد من يمكن أن يكون حقا مخلصا. وحتى لو وجد المخلص وهو دون شك موجود فلن يصدقه أحد إذ إنه إذا عم الكذب يصبح أكثر الناس قابلية للتكذيب هو الاصدق إذ لا أحد يمكن أن يصدق الصادق في مجتمع صار مصابا بسيدا السياسة أو فقدان المناعة الخلقية التي تمكن من تمييز الأفاضل عن الاراذل إذا كان الفضل الوحيد المعترف به هو ما يفضل صاحبه بالقدرة على الخداع والنفاق والكذب. ففي بلد جل نخبه بزناسة -في كل شيء وخاصة في الجنسيات -كيف يمكن للمواطن أن يصدق أحدا خاصة إذا اراد أن يفضل على غيره بالصدق الذي لم يعد يصدقه حتى بوسعدية. وقد حاولت أن أصنف النخب بما يشبه المقومات التي تحدد \"الطبع\" أو الكاراكتار أو مميز الشخصية .فلم أجد أي واحد من هذه المقومات الخمسة يمكن أن يصدق على نخبة تونس خاصة وعلى نخبة بقية البلاد العربية عامة. ابو يعرب المرزوقي 113 الأسماء والبيان
- - تشعر بأنك أمام قشرة ليس وراءها لب في الأصناف الخمسة التي تنقسم إليها هذه المقومات أعني من يمكن أن تغلب على شخصيته: .1الإرادة (الساسة) .2أو المعرفة (العلماء) .3أو القدرة (المنتجون للمادي أو الروحي من حياة الإنسان) .4أو الذوق (الفنانون) .5أو الرؤية (رجال الدين والفلسفة). كل هؤلاء أو لنقل جل من يبرز منهم في سوق الفريب التي وصفت تجده حاملا للاسم خاليا من المسمى :أعجاز نخل خاوية .ولا شك أن 99في المائة منهم لا تعنيه تونس ولا مستقبلها بل هو لا يترشح للرئاسة بل للحصول على صيت يجعله ذا وجود في حسابات المافية التي تنظم هذه السوق :لعله يفتح حانوت بيع الفريب أو حتى النفة أو الزطلة التي يسر الرئيس الذي تركنا على \"المحجة البيضاء\" تداولها فهذه كلها أسرع طريق ليصبح من الأغنياء الجدد ولو بتغذية التلاميذ بالجيف وتجديد اتفاقيات نهب ثروات البلاد تحت حس مس. وحينها لا تعجب أن تكون ألمانيا ألمانيا وتونس تونس. ففي اللحظة التي بنيت فيه ألمانيا لما كانت دون فرنسا في كل شيء ومتخلفة كان مدير المدرسة الثانوية من مستوى هيجل ووزير الثقافة من مستوى جوته والوزير الاول بعده من مستوى موحد ألمانيا وهازم فرنسا والنمسا. من عندك في تونس؟ اذكر اسم مدير ليسي واحد ممن عينهم البكوش مثلا -أي آخر عمل في تهديم المدرسة وجعلها في خدمة إيديولوجيا وليس في خدمة التربية بعد بداية التهديم مع موجة تجفيف المنابع-اختير لعلمه أو لعمله التربوي وليس بحجة تسريح خدم النظام السابق واستبدالهم ابو يعرب المرزوقي 114 الأسماء والبيان
- - بخدم إيديولوجية البكوش الذي هو فعلا بكوش لأنه استاذ جامعي لم نسمع عنه شيئا يمكن أن يعتبر جامعيا. اذكر وزير تربية واحد عرف عنه شيء في المسألة التربوية أو حتى في ما يمت إليها بصلة شكلا أو مضمونا .فأفضلهم يمكن بالمقارنة مع لص \"القوة الهادئة\" ومؤسس الذباب في جهاز التربية يعتبر عبقرية. اذكر وزير ثقافة واحد يتجاوز موزعي الرشوة على مافيات الثقافة. اذكر وزير أول منذ \"انقاذ\" تونس من قبل نخبة الباجي التي تسير أربع دول ليس عميلا لفرنسا أو لعملائها. ماذا تنتظر في هذه الحالة من الانتخابات؟ أنا لا أنتظر شيئا منها ولم أقل شيئا في من اراهم أهلا لها بعد أن صارت عديمة الأهلية لأنها \"شلكت\" إلى حد يمكن اكتشافه في من أحاط رئيس الدولة نفسه بهم ممن راينا منهم \"مشترة\" بين المترشحين ممثلين للجنسين. إذن ما الفائدة أن يبحث المرء في سوق الفريب على من يتصوره يمكن أن يقدم بضاعة تنافس السراويل الممزقة في عصر هذه الموضة والكتابة بالأحرف اللاتينية فيها؟ ثم ماذا يمكن أن يفعل إذا اختاره بعض البرباشة في هذه الفريب ممن يرد على كلامي بأن موقفي يعني أنه علينا أن نتخلى عن تونس ولا \"نقف\" لها كلمة يقولها من يوقفونها ويقفون لأمهم التي أقسموا لها بالولاء؟ إذا فرضنا أن أحد الافاضل من المترشحين سينجح فإنه لن يستطيع فعل شيء لأنه سيكون دمية بالأمر الواقع وحتى بالدستور الذي هو أفسد دستور يمكن أن يتخيله عاقل لأن من كتبوه لا عقل لهم ما داموا يتصورون تونس قد صارت مثل بريطانيا في مستوى الثقافة الديموقراطية. ولأختم بالتصنيف المناسب ما دام التصنيف النظري الذي اقترحته لا ينساب النخب التونسية خاصة والعربية عامة بعد أن أصاب الإيدز السياسة فيها جميعا وتبين أن ما يسمى ابو يعرب المرزوقي 115 الأسماء والبيان
- - دولا عربية ليست دولا إلا بالاسم وهي في الحقيقة محميات فقدانها للسيادة تجاوز ما كانت عليه حتى في عصر الاستعمار المباشر: .1فعندك اليساري الصباب .2وعند القومي البهبار .3وعند وريث ابن علي المافيوزي .4وعند البورقيبي الذي يحن للقافلة تسير .5وعندك الإسلامي الغر الذي يغفل عن أن أول من سيضحي به هو الإسلامي \"المهف\". ولا حول ولا قوة إلا بالله. ابو يعرب المرزوقي 116 الأسماء والبيان
- - التعليقات على مداخلة الدكتور الزبيدي تكاد تدور كلها حول ضعفه في التواصل أو حول تلكؤه في التعبير عما يريد أن يقوله وليس حول مضمونها ولا خاصة حول طبيعة التشخيص الذي يستند إليه تعليله لوجوب ترشحه لئلا يكون \"ديزارتور\" رغم أن الخطاب على علاته هو ما ينتظره شعب وضع في موقف يجعله بعفوية الحلول السهلة الرضا بهذا التفكير البسيط الذي يعتبر الخروج من التسيب والفوضى لا يكون إلا بما يرجع دكتاتورية العهد السابق حتى لو لم يكن ذلك هو قصد الزبيدي لأن المؤثر ليس ما قصده هو بل ما يفهمه الشعب من مثل هذا الخطاب المباشر والبسيط والذي يوقظ في أذهاب الشعب العادي الآليات البسيطة التي تعيد المسألة الخيار بين النظام والفوضى أو ما وصفه المرشح بالانخرام السياسي ذات مرة. ولا أنوي أن أطيل الكلام سأكتفي يخمس ملاحظات ولن أنسى أيا منها: • قد يكون التلكؤ في التعبير فضيلة وليس رذيلة لأنه قد يعني أن صاحبه \"يدير\" لسانه سبع مرات قبل أن يصبح جاريا وراء فيض الخاطر الذي يغلب على كل \"البهبارين\" من الساسة وما أكثرهم. لذلك فليس عندي ما أقوله في الأمر عدى ما بدا لي من أن الرجل يفكر في قلبه بالفرنسية ثم يترجم أفكاره بقدر ما يستطيعه لضعف زاده اللغوي في العربية وليس لعيب في النطق لأنه ليس \"وكواكا\" وقد يكون \"للتراك\" امام التصوير دور في ما يبدو عجزا عن التعبير. لذلك فهذا الوجه الاول من الرجل لا يعيني كثيرا لأني أكره البلاغة التي ليس وراءها فعل. • كلام الدكتور الزبيدي على موقفه من المحاصصة. ابو يعرب المرزوقي 117 الأسماء والبيان
- - وهذه أيضا قد تعتبر من المحامد لكثرة التلاوم بين الاحزاب حولها رغم أن الجميع لم يكون حزبا إلا لينال حصة من السلطة ومزاياها. لكنهم كلهم ،وهو مثلهم ،يفهمون القضية بتشخيص معكوس يخفي حقيقة الظاهرة بقصد أو بغير قصد .وهو أمر لا أعجب له من غيره لكني أعجب له منه لأنه طبيب يعلم أن العلاج لا يكون بتسكين الأعراض إلا كبداية في انتظار التشخيص لمعرفة علة الداء .وهذا هو الذي يدل على سطحية وجدته يعاني منها مثل البقية ولست أدري هل يفعل ذلك بوعي أو بغير وعي. فهل الأحزاب التي تلام على المحاصصة هي علتها أم هي معلولها؟ أليست الأحزاب هي بدورها المستوى الأداتي من المحاصصة بين المافيات التي تنشئها لتخفي محاصصتها في الاقطاعيات التي تحكم البلاد؟ لما كانت المافيات في تونس لها \"زعيم كبير\" كان في تونس حزب واحد يحدد صحة كل مافية صغيرة تأتمر بأوامره وكان في البلاد مافيتان أكبر هي مافية الحاكم وكبيرة وهي مافية الاتحاد. الآن صارت كل مافية صغيرة صاحبة حزب حتى تحقق نفس ما كانت تحققه ولكن باسم الديموقراطية. وإذن فعندما يتكلم الدكتور الزبيدي على رفض المحاصصة ينبغي أن يجيب عن سؤال أهم يتعلق بما يدعيه من كونه مرشحا مستقلا: هل له وراءه أحد؟ ومن يكون؟ وهل السبسي الذي يبدو أنه قد أوصاه \"بالوقوف\" لتونس لم يكن هو الذي بنى مدة حكمه عليها؟ هل تقليد النظام الفرنسي أي الرئيس الذي تلتحق به الاحزاب ما زالت \"تاكل\" أي تنطلي على أحد؟ ابو يعرب المرزوقي 118 الأسماء والبيان
- - • كلام الدكتور الزبيدي على موقفه من الإرهاب قد يعتبر أيضا من المحامد لكثرة كلام جميع الأحزاب عليه فيكون بذلك حاصلا على الاجماع لكأنه كلام باسم وحدة التوانسة التي صار الجميع يتغنى بها ليخفي ما وراء ذلك من فصام خطير هو فصام الصدام الحضاري الداخلي العاكس للصدام الحضاري العالمي في علاقة بالإسلام :ذلك أن المقصود بالإرهاب هو اتهام الإسلاميين وليس شيئا آخر رغم علم الجميع أنهم أعجز من أن يكون لهم كل هذه القوة التي حار فيها العالم كله. فالجميع لا يتكلم على الإرهاب إلا بالمعنى البدائي الذي يستعمله المستبدون العرب من عملاء الاستعمار الذي يحميهم اقليميا (إيران واسرائيل والثورة العربية المضادة) ودوليا (روسيا وأمريكا وفرنسا خاصة) وينسون أن الإرهاب فضلا عن كونه من أدوات هذه القوى في هذا الصدام الحضاري الداخلي (في مفهوم نمط المجتمع وصراع الهويات) العاكس للخارجي (في مفهوم الحضارة الغربية من يعاديها) وهو أيضا من أدوات تلك المافيات التي تعيش على الاقتصاد الموازي والتهريب وخاصة تجارة الجنس والمخدرات وتبييض الاموال. فهل الدكتور الزبيدي يعني بالإرهاب هذا المعنى الحقيقي؟ أم هو ومثله كل الذين تبنوا التعريف الذي يخفي هذين التوظيفين يعتبرون دفاع الشعوب على حريتها وثقافتها إرهابا فيكونوا من جنس الاستعمار الذي يعتبرنا \"انديجان\" يريد تحضيرنا رغما عن أنوفنا بالحرب على ثقافتنا وباصطناع دواعش يبرر بهم وجوده في أرضنا واستباحة حرياتنا وثقافتنا التي يعتبرها معادية لثقافته؟ • كلام الدكتور الزبيدي على الأمن أيضا من المحامد لو كان بمعناه الذي ينبغي أن يكون عليه. لكنه كما يتبين مما قاله حول جمع أدواته بين يدي الرئيس ينحصر في الوظيفة الأولية التي تتعلق إما بجرائم الحق العام أو بالنقطة السابقة-الإرهاب بالمعنى الاستعماري -بكل ما فيها من اخفاء لحقيقة الإرهاب الذي ينخر كيان البلاد في كل وظائفها وخاصة في شروط عيشها .فهل فكر مثلا في الأمن الغذائي ولا أعني حماية الزراعة بل خاصة حماية الغذاء ابو يعرب المرزوقي 119 الأسماء والبيان
- - من السموم التي يستعملها تجار الغذاء في كل المنتجات التي نأكلها وفي كل الأدوية التي نتعالج بها وفي كل المخدرات التي تباع جهارا نهارا في مدارسنا؟ أم هو يكرر ما تحتج به كل الأحزاب التي تصف نفسها بالحداثية والتقدمية والتنويرية أي الأمن ضد الإرهاب بمفهوم واحد هو الذي وصفت في الباب السابق؟ • وأصل إلى النقطة الخامسة :هل يوجد عاقل يمكن أن يحلم بإمكانية إرجاع \"الجني بعد أن خرج من القارورة\" كما في مصباح صلاح الدين؟ الجني الذي خرج من القارورة مضاعف: .1إفساد الديموقراطية بفوضى خلاقة لجعل الشعب يكفر بها ،وهذه الخطة نجحت إلى حد كبير بسبب غباء الإسلاميين الذين تصوروا أن النصوص الدستورية يمكن أن تحمي ضد العادات التاريخية وبسبب ذكاء المافيات التي تستعمل \"وداوني بالتي هي الداء\" يحبون الديموقراطية إذن فلنعطهم 220حزبا و\"لنسيب الماء على البطيخ\". .2تقديم ما يوهم بأنه الحل الشافي إذ حينها سيدعونا الشعب لإنقاذه منهم ومنها وحتى من كلمة الديموقراطية بحيث لا نحتاج لحكام قادرين حتى على النطق فالحاكم الفعلي أو من سماه المرحوم السبسي بالمسؤول الكبير لا يحتاج للأقوال هو يكتفي بالأفعال وتحريك الدمى. كذلك يقع إنضاج الوضع لما يسمونه البيان رقم .1 ابو يعرب المرزوقي 120 الأسماء والبيان
- - قبل أن يوارى السبسي التراب كتبت مقالا بعنوان \"لست يؤوسا لكن الوضع ميؤوس منه\". فظن الكثير أني محبط أو داع للإحباط. لكن الحقيقة هي الاعتماد على تشخيص عللته لاحقا بعرض تاريخي للوضعية السياسية والاجتماعية والثقافية وخاصة لطبيعة العلاقات الدولية التي ترتبط بها سياسة تونس منذ الاستقلال. فهذا الاستقلال هو في الحقيقة حماية مقنعة أشد وطأة من الحماية التي سبقتها لأن ما جعلته يصبح ممكنا كان مستحيلا .وهو ما صار يعتبر حاليا المسألة الأولى في اهتمام من يريدون مواصلة تلك السياسة. فما أصفه هنا بأدواء تونس المزمنة يمكن بجملة قصيرة حصره في تراكم مراحل تاريخ تونس الحديث منذ نشأة أول حزب سياسي بالمعنى الحديث للكلمة إلى تفتت آخر حزب سياسي توهم صاحبه احياء أول شقوق (حزب بورقيبة) الحزب الأول (حزب الثعالبي). فكان مآله التشقق أكثر منه (حزب السبسي): الحزب الدستوري الجديد بداية: وهو الذي آل إلى الحماية الثانية موضوع بداية الحرب الأهلية بين البورقيبية واليوسفية وفيه برز دور الاتحاد الصريح بعد دور سلفه الأول غير الصريح في معركة بورقيبة والثعالبي تحت اسم الدوكارات. ابو يعرب المرزوقي 121 الأسماء والبيان
- - حزب نداء تونس: الذي يزعم إحياء حزب بورقيبة غاية .وكان ذلك محاولة للنكوص إلى ما قبل معركة التحرر-ثورة الربيع التي فهمت ضرورة استكمال التحرير في تونس وفي الإقليم .فكان إذن منتسبا إلى إرادة الابقاء على الوضع الذي أنتجته الحماية الثانية والاستعمار غير المباشر الذي وصل إلى غاية الاستراتيجية الحربية كما يسميها فيلسوف الاستراتيجيا كارل فون كلاوسفيتز :الحرب على إرادة الصمود الروحية في الجماعة المؤدية إلى الاستسلام للعدو والتوقف عن المقاومة الروحية التي سر كل صمود. مسار حزب ابن علي أو ما يسمى بالإنقاذ الأول: والذي انتهى إلى النظام المافياوي ذي الراسين الحزب الحاكم و\"الحزب\" النقابي مع ما يحيط بهما من توظيف أسري وقبلي ومناطقي كلها مافيوزية. مسار حزب السبسي أو ما يسمى بالإنقاذ الثاني: وهو حصيلة الجمع بين 2و 3والنهاية وانتهى إلى التفتت الحالي وترهل الاتحاد الذي فقد المصداقية ولم يبق فيه إلا عنتريات الباندية .وهما يخوضان معركة مافيات يخفونها بالصراعات الايديولوجية التي نراها على السطح -النمط الاجتماعي -للتغطية على الصراع بين رأسي المافيتين. الوضعية الراهنة: التي وصلنا إليها هي التعفن المطلق الذي لا أرى له علاجا ممكنا إما لعدم وجود القائد القادر عليه أو لعدم وجود القوة السياسية المؤمنة به والتي يعتمد عليها القائد برنامجه فقد بات شبه مستحيل السيطرة على المافيتين .ومن ثم فلا يمكن لأحد أن ينجح في ابو يعرب المرزوقي 122 الأسماء والبيان
- - الانتخابات إلا بالصلح بين المافيتين بالمحاصصة البنيوية وصلحهما يحتاج إلى عدو يكون على حسابه عدو مشترك لا بد أن يكون كل من يريد تحقيق شروط التحرر والتحرير :أي كل من له صلة قريبة أو بعيدة بالثورة. لكنهم يخفونها بمعركة صدام الحضارات والنمط الاجتماعي .وصحيح أن هذا التنكر ليس مقصورا على تونس بل هو يشمل الإقليم كله بقيادة عالمية في مسعى تمتين نتائج سايكس بيكو الأولى وتعميمها في سايكس بيكو ثانية خوفا من ثمرات ما يسمى بالربيع العربي وخاصة في شكله الأخير الذي يمثله صمود سوريا وليبيا وبداية حراك الجزائر. فما سميته بصدام الحضارات الداخلي أو ما يسمونه بالنمط المجتمعي الذي يتهم الإسلاميون بإرادة تغييره والذي تحول إلى المعركة الرئيسية ليس في تونس وحدها بل في كل بلاد العرب هو الذي يحول دون النفاذ إلى القضايا التي تتألف منها أمراض تونس المزمنة والتي تحول دون البناء الديموقراطي ودون تحقيق شروط التنمية بكل معانيها وخاصة التنمية التي تحقق شروط السيادة رعاية وحماية. و في هذا المناخ نحن مقدمون على اختيار رئيس الدولة .والمنتظر أن يكون برنامج الإصلاح متضمنا الأساسيات التي ينبغي ألا يكون حولها خلاف بين من سيختاره الشعب أيا كان إذا كان برنامجه مستجيبا للحاجيات التي تتطلبها الوضعية المعيقة للبناء .وهو يقتضي التغلب على مصاعب الظرفية الحاصلة ليس بعد الثورة وحدها بل خلال الستين سنة الماضية .فـما نعاني منه الآن ليس ناتجا عن الثورة وحدها .ولا يكفي العودة إلى ما قبلها لنقول إن الإصلاح قد تم بدعوى أن الوضع كان أفضل مما حصل منذ الثورة .فهي نفسها كانت من العلامات على فشل ما قبلها أو على مآله إلى مآزق وآفاق مسدودة لم تكن الثورة أصلا فيها بل كانت فرصة ظهورها وبروزها للعيان. ابو يعرب المرزوقي 123 الأسماء والبيان
- - لذلك فإني لا أعتقد أن الاختيار يتعلق بوجود الشخص الكفء أو بعدم وجوده-لأن تونس لا تخلو من النخب الكفؤة -بل هو يتعلق بشروط انتخابه وبطبيعة القوة التي ستسنده ليس في الوصول إلى كرسي الرئاسة بل في علاج أدواء تونس: فهل يمكن تصور الوصول ممكن من دون توافق بين المافيتين أولا؟ وهل يمكن تصور توافقهما يمكن أن يتحقق بشروط العلاج أو بشروط بقاء سلطانهما وهما متنافيان لأن الداء هو بقاؤهما؟ كل أدواء تونس هو هذه المافيات التي تسيطر على مفاصل الدولة والمجتمع المنتج اقتصاديا وثقافيا والتي تتخفى تحت أسماء أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني ومؤسسات إعلامية يعسر السيطرة عليها خاصة وهي تعتمد على قوى أجنبية نافذة. وإذا اعتبرت المشكل ذاتيا بمعنى إذا سألت نفسي لمن ستصوت فهل أستطيع أن افعل من دون أن اجيب عن هذين السؤالين؟ فسؤال لمن سأصوت في الرئاسيات يعني سؤال نفسي حول: تحديد معايير الاختيار من بين ما يقرب من 30مرشحا كلهم يدعون حيازة البلسم لمرض لا أحد منهم يقبل بأن يشخصه تشخيصا علميا وبشجاعة سياسية لا تخفي الحقيقة عن الشعب مكتفية بالكلام المعسول قبل أن يدعي له علاجا ابو يعرب المرزوقي 124 الأسماء والبيان
- - وتحديد شروط العلاج السلمي لتخليص تونس من مافيتيها لأن كل ما يمكن أن يزيد المعركة اشتعالا ليس علاجا بل هو تحقيق قتل المريض حتى لو سمينا ذلك موتا رحيما. سأقدم فرضية تبدو لي الوحيدة ذات المصداقية رغم أنها لا تبقي من بين المترشحين إلا اسمين والبقية دون التشكيك في قيمتهم الذاتية ليس له الشرط الأساسي وهو القوة السياسية الممثلة لقسم مهم من الشعب .فمن دون قوة سياسية ذات التمثيلية المعتبرة لا يمكن أن يكون المترشح ممثلا لإرادة الشعب بمعنى التمثيل الديموقراطي السلمي الذي من علامته الحصول على الأغلبية القادرة على الحكم حصولا سلميا وحرا ونزيها دون لجوء إلى وسائل التزييف والعنف. والشخصان اللذان يمكن وصفهما بهذه الصفات يمكن اعتبارهما ممثلين لقوتين سياسيتين شبه قارتين في كل تاريخ تونس السياسي العميق وهما قوتان تبحثان حاليا أي منذ ما يسمى بالثورة عن التوازن ولم تصلا إليه لأنه صار مشكل الإقليم كله وليس خاصا بتونس وحدها. فالمعركة بين من يدعون التحديث ومن يدعون التأصيل-وهي المعركة التي حالت دون علاج البناء هدف السياسة الحقيقي والذي لو عولج لصارت معركة التأصيل والتحديث من أعراضها كالحال في كل الدول التي بدأت معنا وقبلنا في الغرب -هي معركة الانتقال من وضعيات القرون الوسطى إلى الوضعية الحديثة بوصفه نتيجة للتنمية وليس شرطا فيها. وبهذا المعنى فبين أنه من بين الثلاثين مرشحا يبدو لي أنه لا يوجد إلا شخصان وراؤهما قوة سياسية بهذا المعنى يمكن أن تعتبر كافية في وضع سياسي عادي قد يخرج تونس من أزماتها .وهي أزمات نتجت عن قلب العلاقة بين العلة والمعلول في تحديد شروط البناء الديموقراطي السليم وتحقيق شروط التنمية التي يتفرغ لها الشعب المتصالح مع ذاته وتاريخه. ابو يعرب المرزوقي 125 الأسماء والبيان
- - وهذان الشخصان اللذان تتوفر فيهما هذه الشروط التي تجعل الخيار بينهما قابلا للوصف بأنه سياسي بمعايير سياسية سوية سأذكرهما دون مفاضلة تعين اختياري الشخصي لأن ذلك من أسرار الانتخابات .وكلاهما يسميان بالعبودية لله مضافة إلى أحد أسمائه الحسنى وهو أمر ذو دلالة عندي إذ لعل صدفة الجمع بين الكرم والفتح من بشائر الخير على تونس خاصة إذا جرى التنافس بشروط الفروسية: عبد الكريم الزبيدي: فمن بين الصف الذي ينتسب إلى البورقيبية -كما أعلن في تصريحه الأخير لإذاعة سوسة -يمكن اعتبار الزبيدي أقلهم تعلقا بإشكالية المعركة بين الحداثة الأصالة وكلامه كله يتعلق بالمصالحة وقلب الصفحة والسعي إلى البناء مع كل التونسيين ما يعني أنه في هذا الكلام راجع الاعلان الاول على النقاط الخمس ويكون قد غلب تأويلي الموجب لها بدلا من تأويلي السالب الذي كان يبدو راجحا لدي. عبد الفتاح مورو: ومن بين الصف الذي ينتسب إلى الثعالبية يمكن اعتبار مورو أقلهم تعلقا بإشكالية المعركة بين الاصالة والحداثة لأنه جمع بين الثقافتين الجمع الملم بأهم ما فيهما إذ هو خريج الصادقية والقانون مع المعرفة بأهم فرع من فروع ثقافة الغرب (الألمانية) وخريج الزيتونة والفقه مع المعرفة بأهم فرع من فروع ثقافة الإسلام (التفسير الحديث). وكلا الرجلين له وراءه قوة سياسية معتبرة .ولو التقيا لكان بينهما توافق حقيقي وليس مغشوشا كالذي حصل بين السبسي والغنوشي وفي مناخ من التوجس المتبادل والخوف الذي استبد بالإسلاميين بعد فضائع ما جرى في مصر وما يجري في سوريا وليبيا ولاستطاعا قلب ابو يعرب المرزوقي 126 الأسماء والبيان
- - صفحة الحرب الأهلية الباردة أحيانا والحامية أخرى للشروع الفعلي في إخراج تونس من الحرب الأهلية .فلا يمكن أن يكون أي منهما خاضعا للابتزاز اليساري والقومي والنقابي وخاصة لمافيات التهريب والاقتصاد الموازي. لكن هل يمكن اعتبار من وراء الزبيدي صادقين مثله فلا يكونون متخفين وراءه وهم ممن وصفت من المافيات التي حصلت خلال تاريخ فشل المرحلة البورقيبية وما آلت إليه من دم وما تلاها من انقاذ مزيف هو الذي فرخت في عهده المافيات واصبحت تونس نصف اقتصادها خارج سلطان الدولة وما بين يدي الدولة هو بدوره خارج سلطانها لأنه ما يزال تحت سلطان فرنسا؟ وهل يمكن اعتبار من وراء مورو لهم مهرب من ذلك فيتجنبوا الوقوع في اغراءات نفس المطب وإن بتدريج لعل ما يحول دون تسريعه هو الحرب الحضارية باسم النمط الاجتماعي؟ وإذن فالمشكل كما أسلفت أو مشكل تربيع الدائرة ليس في وجود من يستطيع أن ينظف الجرح حتى يندمل بل هو أعمق من ذلك لعلتين: القوة التي وراء الزبيدي لن تسمح له بأن يحقق ما يعد به أعني الصلح لحسم هذا الصراع واخراج تونس منه .وهذه القوة التي تريد استغلال الزبيدي -حتى وإن قال إنه مطلق الاستقلال وهو كلام ليس سياسيا لأن الرجل ليس له عصا موسى حتى لو فرضنا أن الجيش معه وهو أخطر ما يمكن أن يؤول إليه وضع تونس لأنها حينئذ تكون قد تخلت عن أهم انجاز ندين به لبورقيبة أعني ابقاء الجيش خارج العبث السياسي كالحال في بلاد العرب الاخرى -لأن تونس كما أسلفت هي اليوم بلد المحاصصات بين نوعي المافيات السياسية والنقابية. ابو يعرب المرزوقي 127 الأسماء والبيان
- - القوة التي وراء مورو هي الهدف الأول والأخير لكل القوى التي وراء الزبيدي وحتى للتي تدعي الوسطية والديموقراطية وهي بمقتضى وزن الريشة ستكون من توابع القوى الاولى ما قد يضطر الإسلاميين إلى الرقص مع الراقصين بمقتضى الحاجة للتكيف من أجل البقاء. لكن الاخطر من ذلك كله هو أن هذه اللعبة التي تحول دون الصلح الحضاري بين الأصالة والتحديث أو بين ثقافة الشعب وثقافة النخبة المستلبة صارت هي الغالبة في كل الإقليم: فهي محلية (في كل بلد عربي على حدة) وهي جهوية (التجمعات الجهوية مثل المغرب والخليج وإلخ ).وهي اقليمية (في كل الاقليم الذي يسمى الشرق الأوسط الكبير) وهي عالمية لأن الغرب اليوم وخاصة أمريكا وإسرائيل يعتبران الحرب على التحرر الإقليمي من الاوليات والتحرر الإقليمي هو بالأساسي التحرر الثقافي والاقتصادي والسياسي ومن ثم فهو ما يسمى للتغطية حربا على \"الإرهاب والإسلام السياسي\". قصصت في هذه المحاولة حيرتي الشخصية واعتقد أن الكثير يقاسمني هذه الهواجس. والمفروض أن يكون المرشحان متفقين على الإصلاحات الأساسية حتى وان تمايز كل منهما بأسلوب خاص في التعامل مع المعضلات .واعتقد أن هذه الأساسيات من جنسين: الأول يتعلق بإصلاحات دستورية حول نظام الحكم وتوزيع السلط وخاصة حول نظام القوى السياسية ونظام الاحزاب والانتخابات التي تبعد \"الذباب\" على صحن عسل السلطة الذي آل إلى العبث والمهازل. الثاني بالحد من كلفة الدولة ودورها الذي جعلها \"تكية\" للمافيات وليست حكما تحتكم إليه القوى المنتجة بحق وليس الطفيليات التي تمص دم الدولة ومؤسساتها لكأنها دولة شيوعية أو حتى مشاعية للمافيات السياسية والنقابية التي جعلتها اقطاعيات تتمعش منها وتفقر البلاد والعباد. ابو يعرب المرزوقي 128 الأسماء والبيان
- - لكن هذا البرنامج لا يمكن الفراغ له إذا ظلت المغالطات تحول حول نمط المجتمع والإصلاح الديني وكل التخريف الذي قضت فيه تونس ستين سنة فوجدت نفسها في الأخير لم تحقق إلى فترينة كسرت الثورة بلورها فأظهرت اعوارها وعيوبها وهي الوضعية الحالية التي علينا الخروج منها في أقرب فرصة وإلا فسنزداد غرقا. والله يقدر الخير. ابو يعرب المرزوقي 129 الأسماء والبيان
- - حاولت حصر أصناف القوى السياسية أو الأحزاب بمعيار الغايات لتخليصها من تصنيفها بالمرجعيات مع استعمال معيار شكلي نتج عن صدفة تاريخية هي جلوس النواب في برلمان الثورة الفرنسية .لكني لم أبين القصد البعيد لأن ما ورد في كلامي كان شبه مقصور على رفض التعدد اللامعقول للأحزاب في تونس وخاصة بعد الثورة. أريد اليوم أن استكمل هذه المحاولة لبيان القصد البعيد ويهم خاصة الحركات الإسلامية التي جعلها غرقها في التصنيف بالمرجعية تضيع الغائية التي بقيت ضمنية ومتعددة بتعدد التأويلات المرجعية باختلاف الفرق الكلامية والمذاهب الفقهية. وقصدي البعيد هو تحريرها من هذا الخطأ التاريخي الذي لا يمكن من دون تجاوزه التحول إلى قوة سياسية بالمعنى الحديث للكلمة فضلا عن الوزن الذي يصبح عظيما لأن الاختلافات الفرقية والمذهبية تصبح شبه تيارات في نفس القوة السياسية التي تتحدد بغاياتها وليس بتأويلاتها لنفس المرجعية. سأبدأ أولا بالقول إن التحديد بالمرجعية ليس خاصا بالإسلاميين :فالذين يتكلمون على الوسطية والديموقراطية والحداثية واليسارية والقومية كلهم يتحددون بالمرجعيات العامة ويختلفون بتأويلاتها ومن ثم فهم غارقون في نفس المأزق الذي غرقت فيه الحركات الإسلامية .وتلك هي علة التعدد الزائف والذي هو عبث ناتج عن قصور نظري في فهم دلالة القوة السياسية. وأكثر من ذلك فإنهم قد جعلوا الغايات مرجعيات لعدم التمييز بين المفهومات ما يعني أنها أصبحت لا تعني شيئا .فهي قد أصبحت من جنس من يخلط بين الدولة ونظامها السياسي أو بين الكيان (الدولة) وأدوات تحقيق وظائفه (النظام). ابو يعرب المرزوقي 130 الأسماء والبيان
- - فالديموقراطية أداة ونظام حكم وليست مرجعية .فمرجعيتها هي طبيعة المشاركة في الحكم من منطلق تعريف الحرية السياسية .والوسطية منزلة في مرجعية وليست غاية ولا مرجعية كذلك .وهلم جرا من التصنيفات العبثية في الاحزاب التونسية. هبني الآن حذفت صدفة التموقع في المجلس النيابي للثورة الفرنسية -يسار يمين-وذكرت الأصناف الخمسة التي ذكرتها في تصنيفي السابق الذي كان الهدف منه بيان عبث تجاوز هذا العدد خمسة: .1فعبارة اليمين لا معنى لها في ذاتها لا كمرجعية ولا كغاية للفعل السياسي بل المعنى الضمني لما يمثله موقف الجالسين يمنة في لا مجلس. .2واليسار نفس الملاحظة حول .1 .3ويسار اليمين لكن الجمع بين اللامعنيين صار ذا معنى لأنه يحدد علاقة بين المعنيين الضمنيين في الاولين لأن المعنى الذاتي هنا هو حاجة الطرفين أحدهما إلى الآخر لتحديد موقف مؤلف من الضميرين. .4ويمين اليسار نفس الملاحظة حول .3 .5والوسط هو الذي يتردد بين الأولين أو بين المؤلفين منهما بحسب الانتهاز في اتباع من يصل منهما إلى الحكم. فعندما أزيل الكلمتين يمين ويسار وأعوضهما المعنى الضمني للمواقف أكون عرفتها بالغاية فاعتبرت الأول مهتما بالشروط المشجعة لإنتاج الثروة مثل حرية الملكية وشرعية الربح إلخ...وطبيعية الفروق الطبقية التي تنسب إلى ثمرة العمل .والثاني عرفته بالعكس أي تشجيع التوزيع العادل للثروة مثل الحد من حلق الملكية والحد من الربح إلخ.. وعدم طبيعية الفروق الطبقية التي تنسب إلى استغلال السلطة. ثم اضطر الأول إلى أخذ شيء من الثاني ليس من أجل الحد من الصراع الاجتماعي فحسب بل لأن الانتاج يحتاج إلى الاستهلاك ومن ثم فلا بد من توسيع عدد المستهلكين بتوزيع للثروة يمكن من الموازنة بين العرض والطلب .واضطر الثاني إلى أخذ شيء من ابو يعرب المرزوقي 131 الأسماء والبيان
- - الاول ليس من أجل الاعتراف بحق الملكية وشرعية الربح والقبول بشيء من الفروق الطبقية الناتجة عن ثمرة العمل بل لأن التوزيع العادل يقتضي إيجاد ما سيوزع ومن ثم فلا بد من تشجيع دوافع الانتاج. فتبين أن الغاية لا يمكن أن تكون اقتصادية بحتة ولا اجتماعية بحته بل أكثر من ذلك تبين أن الاقتصادي بحد ذاته يقتضي موازنة دقيقة بين الانتاج والتوزيع ومن ثم بين اللامساواة والمساواة في آن بمعنى أن المساواة عمل خلقي وظيفته تعديل ظاهرة طبيعية أي إن البشر بخلاف وهم صاحب العقد الاجتماعي لا يولدون متساوين ولا أحرارا بل يصبحون متساوين وأحرارا بالتعديل الخلقي والقانوني الذي يتدارك ما ينتج عن الفروق الطبيعية بتعديلها الخلقي .والتعديل الخلقي هو بدوره يؤدي وظيفة طبيعية أسمى من الأولى :فالفروق تؤدي وظيفة طبيعية هي ما يترتب عليها من تنافس في تحقيق شروط البقاء وتعديلها الخلقي هو بدوره يؤدي وظيفة طبيعية أسمى وهي تحقيق شروط العيش المشترك السلمي لأن التفاوت المشط بين الطبقات يؤدي إلى الحرب الاهلية الدائمة بين الطبقات. وبهذا المعنى فالتعديلان أي أخذ الأول من الثاني البعد الاجتماعي وأخذ الثاني من الاول البعد الاقتصادي مسألة سياسية بامتياز بمعنى أنها العلاج الخلقي والطبيعي لشروط العيش المشترك السلمي في الجماعة أيا كانت بما تحققه من توازن بين الطبيعي والخلقي في حياة الإنسان :وهو ما يخرجه من التاريخ الطبيعي ويسمو به إلى التاريخ الروحي. بعد هذا الاستنتاج الذي يثبت أن ما حدث في القوى السياسية في الحضارة الغربية لم يكن من الصدف التي ليس لها اساس في طبيعة الأشياء بل هو تطور حتمي في تنظيم القوى السياسية التي يمكن أن تكون ذات قاعدة شعبية وازنة تستطيع أن تحكم وقاعدة شعبية وازنة تستطيع أن تعارض وكلتاهما تعترف بالأخرى لأنها صارت مثلها ولا تتميز عنها إلا بالدرجة وليس بالطبيعة :فكلتا القوتين تعترف بالحاجة إلى توازن بين الاقتصادي والاجتماعي لكن التمايز بينهما كمي وترتيبي بمعنى مقدار العاملين وأيهما المقدم .وبين ابو يعرب المرزوقي 132 الأسماء والبيان
- - أن الكم والترتيب ليسا ثابتين ومن ثم فالتداول يصبح مفهوما :إذا وقع ضيم للإنتاج يصبح أصحابه أصحاب الأغلبية في الجماعة ويكون أصحاب الاستهلاك هم المعارضة والعكس بالعكس مع عدم تجاهل حاجة كلا الفريقين أحدهما إلى الآخر ومن ثم فلا وجود لعداوة جذرية في التنافس السياسي لأنه ليس كيفيا بإطلاق بل هو في الحقيقة تنافس كمي ومتردد بين الصفين بتردد الازمة في الاستهلاك أو في الانتاج. وحتى تحد الدولة الحديثة في هذا التداول لمنعه من أن يتحول إلى أزمات حادة أوجدت وظائف تدخل الدولة في رعاية المؤسسات الاجتماعية وفي رعاية المؤسسات الانتاجية .ولهذه العلة اعتبرت الدولة الحديثة بخلاف تخريف صاحب الدولة المستحيلة وصديقة نافي الأخلاق عن الحداثة أكثر خلقية وأسمى من دولة الفقهاء التي هي كذبة لم توجد أصلا لأن الفقهاء كانوا دائما كما نراهم اليوم مجرد خدم عند المستبدين ومن شذ منهم عن ذلك كان نادرا ولا يتجاوز شذوذه بعض النكت الشعبية عن شجاعة في الاقوال لا تغير الأفعال. وآتي الآن إلى أمر ورد في مقالتي حول تصنيف الأحزاب ولا يمكن أن يقبل به لا الإسلامي ولا أضداده من الأحزاب التي تنتحل أسماء يزعمونها حداثية أعني اليساري (الجبهة في تونس الليبرالي والقومي .فقد اعتبرت القوة السياسية الإسلامية إذا كانت بحق معبرة عن رؤية الإسلام وحددت نفسها كقوة سياسية بالمعنى الحديث فإن الكلام على المرجعية عديم المعنى ولا يبين حقيقة أهدافها بل لا بد من تحديدها باعتبارها يمين اليسار بالمعنى الذي ذكرت حينها والآن: .1فهي بالمعنى المطلق وخاصة في عهد الرسول والصحابة كانت يسارا خالصا بمعنى أنها كانت مهتمة بتوزيع شروط الحياة وليست مهتمة بإنتاجها خاصة وهي لم تكن منتجة بل المنتج كان إما الطبيعة أو الشعوب التي فتحت أرضها ومن فيها من العبيد والخدم والثروات .ولم يكن التغير متعلقا بمصدر الثروة بل بتوزيعها ما يعني أن الجماعة التي يتعلق بها التوزيع توسعت فصارت الأمة ولم تبق القبيلة كما كان عليه الأمر في الجاهلية .وحتى يتحقق ذلك وضعت ابواب الميزانية أو الانفاق من بيت مال المسلمين بالمعنى المحدد في البقرة .177 ابو يعرب المرزوقي 133 الأسماء والبيان
- - .2لكن بمجرد أن أصبحت دولة مستقرة أصبحت أمام مشكل كبير هو أن هذا التوزيع الاشتراكي إن صح التعبير لثروة لم يقع إنتاجها فعليا بل هي إما انتاج الطبيعة أو ثمرة الفتح لم يعد ممكنا فأصبح في الحقيقة مقصورا على الحكام والحاميات واصبحت وظائف التوزيع الاشتراكي من جنس ما حدث في البلدان الشيوعية مقصورة على النمنكلاتورا وبقية الشعب تعيش على الكفاف. وكان لا بد من التفكير في تشجيع الانتاج بالطرق المتاحة .وهو أمر لم يصبح حاجة حقيقية إلا في العصور الحديثة ولم تكتشف الأمة سره إلا بعد أن غلبت على امرها لأن من تغلب عليها حقق ذلك بإنتاجه \"الصناعي\" الذي جعله أكثر سيطرة على الانتاج الطبيعي وعلى الغزو وتلك هي بداية الاستعمار الغربي وسر نجاحه في استعمار دار الإسلام كلها. ومن ثم فإذا كنا نريد أن نكون قوى سياسية تدعي المرجعية الإسلامية وحددناها بالأهداف وليس بالمرجعية لأن كل المسلمين يمكن أن يزعموا الإسلام هو الحل فلا بد من أن نحدد الهدفين اللذين تتحدد بهما أي قوة سياسية يمكن أن تكون لها قاعدة شعبية كافية للحكم أو للمعارضة الوازنتين دون أن يكون ذلك مصدرا للعداوة مع غيرها ودون أن يعير ذلك بأحكام المرجعية في بعدها الماورائي (كافر ملحد إلخ.)... وهو ما يعني أنها ينبغي أن تكون بالغاية الأصلية الثابتة في نصوص الإسلام أعني عدل التوزيع وبالغاية المعدلة لها وهي تشجيع الإنتاج .فتكون بذلك كما عرفتها يمين اليسار بالمعنى الاصطلاحي الحديث أي إنها تقول بالعدل الاجتماعي وبشرطه أي الانتاج الاقتصادي الذي يحققه .ولما كان الامر متعلقا بمهمتي الإنسان في الدنيا أي التعمير والاستخلاف فلا حاجة حينئذ للمقابلات التي تتأسس على المرجعية بمعناها الذي تترتب عليه الأحكام الفقهية في صلتها بالأخرى .ولذلك فالبقرة 177بدأت بأن نفت أن يكون الدين الحق متعلقا بالعبادات المشعرية مقدمة على الجمع بين الغايات العقدية التي تتأسس عليها العدالة الاجتماعية في الجماعة التي بنيت من أجل تحقيق شروط حياة البشرية التي يعرفها القرآن بالأخوة (النساء )1وبالتعارف والمساواة (الحجرات .)13وهذا كاف ابو يعرب المرزوقي 134 الأسماء والبيان
- - ليتحرر الإسلاميون من الخلافات حول تأويل المرجعية الذي يترك للضمائر الفردية وليس للعمل السياسي ويكتفون بالغايات من السياسي في الرؤية القرآنية التي لا تعتبر الحكم جزءا من العقيدة بل هو كما عرفه ابن خلدون في كلامه على علم الكلام اجتهاد الجماعة لرعاية المصالح العامة. ابو يعرب المرزوقي 135 الأسماء والبيان
- - بينت في محاولة سابقة علل تعريف القوى السياسية بالغايات وليس بالمرجعيات .وكان بياني مبنيا على حصرها في دورها السياسي بمعنى إدارة الأمر السياسي -أي تحقيق إرادة الجماعة في كل ما يحافظ على كيانها-وهو الأمر الذي يعتبر واحدا مشتركا في مرجعيتها كلها. الفرضية الضمنية هي أنها مجمعة على المرجعية من حيث الطبيعة مهما اختلفت حول تأويلاتها .فالمرجعيات ليست تحكمية ولا يحددها جيل من أجيالها بل هي حصيلة تاريخية صارت الأجيال المتوالية تعرفها بالاشتراك بينها في الأحياز الواحدة التي تعرف كيان الجماعة التي تملكها أبا عن جد أعني: .1جغرافيتها. .2وثمرة تفاعلها مع عمل الأجيال لسد حاجاتها المادية (الثروة). .3وتاريخها. .4وثمرة تفاعله مع عمل الجماعة لسد حاجاتها الروحية (التراث). .5واصل ذلك كله هو رؤية الشعب لذاته وعلاقته بالعالم وما بعده-ما يضفي عليه معنى -أو تعريف الشعب لذاته بنسبه الحضاري والروحي. لكن ما قلته في هذا التحليل لم يعد قابلا للانطباق على الأقطار التي سعى الاستعمار لتفتيت وحدتها المرجعية هذه إذا تبنت رؤاه لها واعتبرته نموذجا لمستقبلها بعد أن يكون قد فتت جغرافيتها لاستباحة ثرواتها وشتت تاريخها للقضاء على تراثها إلى حد الوصول إلى الحط من مرجعيتها وجعل نخبها تعوضه في حربه عليها :فهذه هي آخرة مراحل الهزيمة بالنسبة إلى المغزوين كما عرف ذلك كلاوسفيتز في تحديده لمراحل الهزيمة في الحروب سواء كانت عسكرية أو حضارية. ابو يعرب المرزوقي 136 الأسماء والبيان
- - وهذه الوضعية هي التي تفسر أهمية المعركة حول المرجعيات خلال حروب الاستقلال التي لم تنته لأنها عولجت بصورة تنقل أوطاننا من الاستعمار المباشر إلى الاستعمار غير المباشر. ذلك أن الاستعمار لم يكن سياسيا فحسب بل كان حضاريا أي إنه وصل إلى حد الغزو المصحوب بالتبشير الديني والإيديولوجي. وتلك هي الوضعية الحالية التي تضعنا أمام ما يجعل المهمة شبه مستحيلة. ففيم تتمثل المهمة؟ وما علة استحالتها؟ مسألتان إذن: فالمهمة هي حكم يستعيد شرطي السيادة ويحفظهما. والسؤال هو هل يوجد اليوم من يستطيع أن يصل إلى حكم تونس أولا وإذا وصل أن يحكمها فعلا فيكون بحق ممثلا لسيادتها؟ هل يوجد من تتوفر لديه الإرادة أولا والقدرة ثانيا على التصدي لما يخدش شروط السيادة ويحول دون تحقيقها ما يجعلها مهمة شبه مستحيلة؟ وعلة الاستحالة هي منع ما يسعى لذلك من الوصول إلى الحكم وإذا وصل منعه من تحقيقه .وهذه الاستحالة مضاعفة .فهي أصلية وفرعية: فأما الاستحالة الأصلية فهي تخص الولاء بمعناه السياسي وما يعاني منه من ازدواج صار مباحا في وطن مستباح صار بوسع بعض المنتسبين غليه حاصلين على ولاء مزدوج للوطن المستباح والوطن المستبيح له وهو النوع الجديد من الاستعمار غير المباشر .فمن كان يحكمنا بأبنائه صار يحكمنا بمن استبناهم. وأما الاستحالة المتفرعة عنها فهي الولاء المزدوج للنخبتين الاقتصادية والثقافية أو للمشرفين على انتاج شرطي قيام الأمم أعني ما يسد حاجاتها المادية وحاجاتها الروحية. وهو ما يعني أن الاشراف على شرطي السيادة أصبح بيد المافيات المحلية التي تتعامل مع ابو يعرب المرزوقي 137 الأسماء والبيان
- - المافيات الدولية أو على الاقل مافيات المست بتعريف رؤيتين متقابلتين إذا لم نتفق على تنافيهما لا يمكن مواصلة الكلام على ما اصفه بكونه المهمة المستحيلة التي تنتظر من سينجح ليكون ممثلا للإرادة الشعبية في المجال الذي يعود إلى رئيس الدولة أعني حماية الوطن أمنيا بكل معاني الكلمة وتمثيله بوصفه وطنا ذا سيادة في كل المحافل الدولية. • الرؤية الأولى: هل يمكن ليساري أو قومي أو ليبرالي تونسي أو إسلامي تونسي لا يرى مانعا في أن يكون ممثل إرادة الشعب متجنسا بجنسية مستعمر تونس السابق مباشرة والحالي بصورة غير مباشرة؟ • الرؤية الثانية: أم هل ينبغي أن نميز بينهم وبين التونسيين الذين يرون أن المرجعية المشتركة بالمعنى السياسي للكلمة هي الولاء لتونس دون سواها وأن الولاء لها يعني الولاء لمقومي سيادتها أي لكيانها الجغرافي ولكيانها التاريخي اللذين لا يعتبران ملكا لجيل دون جيل بل لكل أجيال تونس من حيث هو وطن ينتسب إلى حضارة بعينها؟ ولأجمع بين الرؤيتين حتى ندرك طبيعة التنافي بينهما :هل يمكن اليوم في تونس أو في أي بلد عربي آخر الكلام على أحزاب ووصفها بكونها سياسية قابلة للتعريف بالأهداف واعتبار المرجعية المشتركة بينها خارج الخلافات الجوهرية من حيث الطبيعة لاقتصارها على التأويلات؟ يعني عندما يكون رئيس الحكومة الذي يمثل البعد التنفيذي من السيادة الوطنية أو عندما يكون النائب الذي يمثل البعيد التشريعي أو عندما يكون رئيسي الدولة الذي يمثل البعد الرمزي والسيادي من تمثيل تونس مدعيا وحدة المرجعية مع بقية الشعب وهو بمقتضى جنسيته الفرنسية تابع لسفير فرنسا في تونس لأنه مواطن فرنسي؟ سيقال إن جل الإسرائيليين لهم جنسيات مزدوجة؟ وهو صحيح. لكن هل الازدواج في إسرائيل مماثل للازدواج في تونس؟ ابو يعرب المرزوقي 138 الأسماء والبيان
- - فالازدواج الاسرائيلي فيه ولاء لإسرائيل وبراء ممن يعاديها وليس تخليا عنه ومعاداة للذات .فغالبا ما يكون الإسرائيلي ذا جنسية أوروبية أو أمريكية أو روسية أو أي جنسية أخرى ويطلب الجنسية الإسرائيلية تعبيرا عن الولاء لما يعتبره وطنه الروحي وليس العكس كالحال بالنسبة إلى التونسي الذي يتجنس فرنسا خاصة. فطلب الإسرائيلي لجنسية إسرائيل دليل على ولائه لإسرائيل وليس تخليا عن ولائه لها وهو بالأخرى يتخلى عن الولاء للجنسية الاصلية التي كان عليها ناهيك عن كونه قد يكون بعد وحتى قبل طلب الجنسية الإسرائيلية ولاؤه لإسرائيل كما تبين من حادثة تهريب الطرادين تحت أنف الجنرال ديجول .وهو ما يعني إذا طبقنا مثال إسرائيل أن التونسي الذي طلب الجنسية الفرنسية -إذا قسناه على الإسرائيلي-يعتبر فرنسا أولى بولائه من تونس لأنه اختار الانتساب إليها بحرية ولم يرثها. أما حجة الكل يتمنى ذلك فقد يكون صحيحا لكن ليس الكل يريد بعد أن يحصل عليها أن يصبح حاكما لتونس مكلفا بمهمة ممن فضل الولاء لهم على الولاء لتونس. فهل رأيتم إسرائيلي تجنس بغير جنسية إسرائيل طالبا ولاء بديلا مختارا ومفضلا عن الولاء للوطن الذي يعتبره ممثلا لكيانه الروحي المزعوم؟ سكوت المترشحين عن هذه المسائل-بمن فيهم الإسلاميين الذين تخلوا عن جوهر هذا الانتساب -علته العجز عن علاجها وتقديم العاجل على الآجل وهم من ثم مثل الجماعة الذين انتخبهم الاستعمار ليوكلهم في مواصلة مهمته التي تسعى للقضاء على كل مقومات الصمود في معركة استرداد شروط السيادة رعاية وحماية. فالكلام فيها يعني الاعتراف بأن معركة الاستقلال لم تحسم بعد وأن ما اعتبر حسما كان خدعة كان فضل الثورة التي صارت عبئا الكل لا يذكرها في خطابه الانتخابي أو يذكرها تجملا لعسر تحمل تبعات الالتزام بما تقتضيه أعني الاعتراف بأنه لا تحرر من دون تحرير ولا تحرير من دون التصدي للأدوات الخمسة التي استعملها الاستعمار ولا يزال لمنع شروط السيادة: ابو يعرب المرزوقي 139 الأسماء والبيان
- - .1العودة إلى سؤال التفتيت الجغرافي الذي كان سياسة ممنهجة وخاصة منذ سايكس بيكون الأولى التي يريدون الآن تعميقها بسايكس بيكو ثانية. .2وأثره على منع التنمية الاقتصادية شرط الرعاية السيدة إذ يصبح الجميع عاجزا دون بناء اقتصاد قادر على التحرر من التبعية المادية بالندية. .3والعودة إلى سؤال التشتيت التاريخي الذي كان سياسية ممنهجة وخاصة منذ حروب الاسترداد التي سعت إلى استرجاع كل ما كان مستعمرات رومانية في الأرض الإسلامية. .4وأثره على منع التنمية الثقافية شرط الرعاية السيدة إذ يصبح الجميع عاجزا دون بناء علوم وتقنيات وفنون قادرة على التحرر من التبعية الروحية بالندية. .5والبحث في أصل كل هذه المسائل :هل بالصدفة يحقق الاستعمار ذلك كله عندنا ويعمل عكسه عنده فيعيد بناء قوة اقليمية من جنس روما سعيا لاستئناف الاستعمار المباشر ولكن هذه المرة بالاعتماد على عملائه الذين صاروا هم من يحكم أوطاننا سياسيا ويسيطر على اقتصادنا وثقافتنا حضاريا. ولأن كل المترشحين همهم الوصول إلى الحكم بالشروط التي حكم بها من سبقهم بل وبشروط اشد وطأة -من ذلك مثلا ما أضيف إليها من ضرورة القبول بكل ثمرات سايكس بيكو الأولى ووعد بلفور وحتى بوعود ترومب -وخاصة من لهم شروط النجاح المحتمل أعني ممثلي إحدى القوتين اللتين تمثلان تاريخ الحركة الوطنية أي البورقيبيين والثعالبيين أو الليبراليين والإسلاميين. ولهذه العلة فإني أرفع الحكم ولا أعبر عن تأييد لأي منهما لعلمي بالعناصر التالية: • كل الذين يتكلمون على ما يشبه ذلك -وخاصة من يكثر منهم من الكلام على الثورة وعلى الديموقراطية ليسوا قادرين على شيء لأنهم فاقدون للوزن السياسي إذ لا يكفي أن يكون الإنسان مؤمنا بشيء في السياسية إذا لم يعمل بما بترتب عليه. فمن يدعي الدفاع عن الثورة ويعمل كما ما مآله خدمة أعدائها مثل كل الحزيبات الذرية التي نشأت كالفطر في تونس لا علاقة لها بهذه المعاني .فمجرد تفتيت جبهة الثورة ابو يعرب المرزوقي 140 الأسماء والبيان
- - والديموقراطية دليل على خيانتهما بالفعل حتى وإن كثر الزعيق لصالحهما بالقول .ولو كانوا حقا سياسيين وكانوا صادقين لحددوا طبيعة المعركة :هل هذا التفتت يخدم الانتقال الديموقراطي والقضاء على الفساد والاستبداد أم هو يقويه خاصة وهم يقدمون معركة \"الحداثة\" المزعومة على معركة الشروط الموضوعية للشروع في أي عمل غير تابع :فهل يمكن للحداثة أن تكون خيارا إذا كانت تهدف إلى المزيد من التبعية بسبب انعدام شروط التحرر منها؟ فالحداثة التابعة هي التحديث الاستعماري للأنديجان وتتعلق باستبدال الحضارة الذاتية بحضارة الغزاة وليست التحديث الذي يجعلك ندا لمن يريدك بلادك سوقا وأبناءك عبيدا ونواد للعجائز عندما يأتون للتسوح فيها. • ما يعنيني إذن هو موقف من لهم قوة سياسية وقاعدة شعبية. فهل يمكن لممثل البورقيبيين -بخلاف ما يتوهم الفرحين به -يستطيع الخروج عن النهج الذي أبقى على تونس مستعمرة فرنسية أولا وملعبا للمافيات الاقتصادية والثقافية ثانيا؟ وهل ممثل الثعالبيين اقل منه عجزا دون هذين الأمرين فضلا عنه دون هيمنة فرنسا على الاقتصاد والثقافة والقرار السياسي الذي تدعي النخبة السياسية تمثيله كذبا وبهتانا- بدليل حضور الاقرع وبقاء الإقامة العامة في ساحة الشهداء إلى يومنا هذا -بل هو سيكون شبه سجين في قرطاج لا يستطيع أن يفعل شيئا لأن الحرب عليه وعلى ما يمثله ليست محلية فحسب وليست اقليمية فحسب بل هي دولية. فلست أستبعد العديد من اعتصامات الرز ليس بالفاكهة فسحب بل بكل الفواكه المهجنة التي عزت تونس وأهما النخب الهجينة التي تسيطر على الاعلام المنحط تقنيا وخلقيا. فكل الذين يتكلمون على الديموقراطية واليسارية والقومية وبقايا التجمع وبقايا البورقيبية وكل المتكلمين على \"الإكراهات السياسية\" ممن كانوا إسلاميين وما سيترتب على اختراقات إسرائيل وإيران وأعراب الثورة المضادة كل هؤلاء سيعلنون الحرب عليه وعلى ما يمثله ومعهم المافيات النقابية بنوعيها أي نقابة العمال ونقابة الاعراف. ابو يعرب المرزوقي 141 الأسماء والبيان
- - فكل هؤلاء مجندون بتنكر يدعي الديموقراطية والحرية والحداثة وحقوق الإنسان للحرب من أجل الابقاء على شروط منع التحرير والتحرر لأن ذلك هو شرط الابقاء على التبعية البنيوية لكل ما يحيط بالأبيض المتوسط من شاطئه الجنوبي والشرقي حتى يبقى شاطئه الشمالي سيدا كما كان في عهد روما وبيزنطة وفي عهد الامبراطوريات الاستعمارية الأوروبية التي بدأت تستعيد الطموح لاستئناف الاستعمار المباشر باستعمال أداتي الاعداد الأولي عن طريق إيران وإسرائيل وأحفاد عملاء سايكس بيكو الأولى الذين يعدون للثانية ويعادون ثورة شعوبهم من اجل التحرر ناهيك عن ثورتهم من أجل التحرير. ابو يعرب المرزوقي 142 الأسماء والبيان
- - حوار الشيخ مورو البارحة في فضائية التاسعة لم يكن مجرد حوار بل كان الدليل الحي على ما تغير في الثقافة التونسية بعد قرن من بداية العمل السياسي المنظم أعني بعد تأسيس أول حزب سياسي بالمعنى الحديث. فما أثبته الشيخ مورو البارحة يتجاوز التنافس على رئاسة تونس إلى الصلح العميق بين الثقافتين الأصيلة والحديثة ومن ثم تجاوز الخلاف بين الثعالبية والبورقيبية والقضاء المبرم على خرافتين ظلتا سائدتين في محاولات التعمية على ما حدث في أعماق ثقافة شعوبنا. رأيت في الرجل مزيج فكر الرجلين :مزيج الثعالبية والبورقيبية ونهاية لما كان سوء تفاهم بين رؤيتين لواقع الثقافة ولثقافة التغيير السياسي السوي .فقد أثبت ثورتين حصلتا في غفلة من أعداء الأمة وهم مندسون في من يدعون تمثيل بورقيبة بتشويه مقاصده ،وغاية هذا التشويه هو الابن علوية ،ومن يدعون تمثيل الثعالبي بتشويه مقاصده وغاية هذا التشويه هو سلفية الاستعلامات العربية والعالمية ،لأن هؤلاء المندسين هم المتصدرون للواجهات والأكثر صياحا ونباحا في الإعلام المتخلف. وبذلك ،فحوار البارحة يعتبر تحولا جوهريا أنهى خرافتين أو أسطورتين: .1خرافة الكفاءة الفكرية عند ادعياء الحداثة: فهو قد أنهى خرافة الكفاءة الفكرية التي يدعي الحداثيون حيازتها. صار الأصيل أكثر تمثيلا للحداثة لأنه حائز منها ما يحرر من التبعية بخلاف الادعياء الذين لم يحوزوا إلا قشورها التي تؤبدها ،فهو حائز على ثقافة العصر باقتدار بوصفه خريج عصارة فريدة من ثقافة الصادقية وثقافة الزيتونة وهو بذلك خريج الفكرين: • الفلسفي الأعمق (الألماني الحديث) • والديني الأصدق (الزيتوني الحديث) ابو يعرب المرزوقي 143 الأسماء والبيان
- - المتجاوزين لعصر الانحطاطين الإسلامي والغربي. فالنخبة التي تدعي الحداثة ليست وريثة الفكر الحديث مثل الشيخ مورو بل هي وريثة ترديه الاستعماري إذ هم مثل المستعمر يعاملون شعوبهم كأنديجان فيزعمون مثله السعي لتحضيرهم وتخليصهم من ذواتهم واستتباعهم حضاريا. والنخبة التي تقابلها وتدعي تمثيل الاصالة ليست ورثية الفكر الإسلامي الأصيل مثل الشيخ مورو بل هي وريثة انحطاطه. والرؤية هي التي واجهه بها الإعلاميون والسياسيون ليلة البارحة أثبتت أميتهم في الحداثة والاصالة :كانوا من جنس دونكيخوت يحاربون النواعير .مغتربون في التبعية الاستعمارية يتصورون الثقافة الإسلامية ما تزال في عصر الانحطاط فتعاملوا مع الرجل وكأنه على صورة ما يزعمه أدعياء الحداثة من ثقافة الإسلام. .2وخرافة الكفاءة السياسية عند أدعياء الحداثة: وهو قد أنهى خرافة الكفاءة السياسية والخبرة في رعاية الشأن العام التي يتصور الحمقى أنها مقصورة على من حكم ويستثنون منها من عارض معارضة علامة صدقها هي ما حصل له جراءها من اضطهاد وحرمان من الحقوق وحتى من شروط العيش العادي. فرعاية الشأن العام ليست بيد من يحكم خاصة إذا كان تابعا يطبق ما يأمره به \"المسؤول الكبير\" بل هي بيد من يعارض هذا النهج ليس مناكفة كما يحصل عند من يعارضون في العلن و\"يصبون\" في الخفاء فيفيدوا المافيات مرتين: • بالمعارضة النهارية التي تزين الحكم المستبد • وبـ\"الصب الليلي\" الذي يسنده في التنكيل بالمعارضين الحقيقيين. لأجل هذين الوجهين من عمله الرصين والهادئ في الحوار اثبت الرجل أنه أهل لأن يمثل مرحلة جديدة بكفاءة واقتدار ملتفتا إلى المستقبل ومحققا الصلح بين ماضي الأمة ومستقبلها دون حقد ولا عقد وأن يكون الرجل المناسب لمرحلة جديدة في سياسة الشأن العام ابو يعرب المرزوقي 144 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152
- 153
- 154
- 155
- 156
- 157
- 158
- 159
- 160
- 161
- 162
- 163
- 164
- 165
- 166
- 167
- 168
- 169
- 170
- 171
- 172
- 173
- 174
- 175
- 176
- 177
- 178
- 179
- 180
- 181
- 182
- 183
- 184
- 185
- 186
- 187
- 188
- 189
- 190
- 191
- 192
- 193
- 194
- 195
- 196
- 197
- 198
- 199
- 200
- 201
- 202
- 203
- 204
- 205
- 206
- 207
- 208
- 209
- 210
- 211
- 212
- 213
- 214
- 215
- 216
- 217
- 218
- 219
- 220
- 221
- 222
- 223
- 224
- 225
- 226
- 227
- 228
- 229
- 230
- 231
- 232
- 233
- 234
- 235
- 236
- 237
- 238
- 239
- 240
- 241
- 242
- 243
- 244
- 245
- 246
- 247
- 248
- 249
- 250
- 251
- 252
- 253
- 254
- 255
- 256
- 257
- 258
- 259
- 260
- 261
- 262
- 263
- 264
- 265
- 266
- 267
- 268
- 269
- 270
- 271
- 272
- 273
- 274
- 275
- 276
- 277
- 278
- 279
- 280
- 281
- 282
- 283
- 284
- 285
- 286
- 287
- 288
- 289
- 290
- 291
- 292
- 293
- 294
- 295
- 296
- 297
- 298
- 299
- 300
- 301
- 302
- 303
- 304
- 305
- 306
- 307
- 308
- 309
- 310
- 311
- 312
- 313
- 314
- 315
- 316
- 317
- 318
- 319
- 320
- 321
- 322
- 323
- 324
- 325
- 326
- 327
- 328
- 329
- 330
- 331
- 332
- 333
- 334
- 335
- 336
- 337
- 338
- 339
- 340
- 341
- 342
- 343
- 344