Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore تونس والانتقال الاديمقراطي - ابو يعرب المرزوقي

تونس والانتقال الاديمقراطي - ابو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2019-11-06 12:37:54

Description: تونس والانتقال الاديمقراطي - ابو يعرب المرزوقي

Search

Read the Text Version

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫فالأول يحدد مشروع حرب أهلية إن صح التأويل السالب‪.‬‬ ‫والثاني يحدد مشروع استعادة نظام أسوأ من نظام ابن علي إن صح التأويل السالب‬ ‫كذلك‪.‬‬ ‫وطرح هذه الأسئلة لا يقرر بدلا من المترشح الخيار بل هو يرجح فرضيا وينتظر من‬ ‫المترشح الجواب الذي يشفي الغليل فيبين طبيعة الخيارات وراء هذا التعديل الذي يمس‬ ‫أهم انجاز للثورة أي التحرر من الرئاسوية التي افسدت الدستور الأول بالتعديلات‬ ‫التحكمية وقد تنهي الدستور الجديد بتعديل قد يتم بالتنسيق مع القوات الحاملة للسلاح‬ ‫كما جاء في أحد عناصر البرنامج وإن كان الامر متعلقا بأمر آخر لكنه يخص دور رئيس‬ ‫الدولة من حيث هو حام للدستور وللأمن الوطني‪.‬‬ ‫فالكلام على تنسيق مع القوات الحاملة للسلاح في حماية الامن القومي ومنه محاربة‬ ‫الإرهاب قد يذهب إلى جعل السياسي تابعا للعسكري وإن بصورة متدرجة إذ كثير من‬ ‫الدساتير تتضمن ما يماثل ذلك كما في الدستور التركي السابق الذي كان يتكلم على ضمان‬ ‫الجيش للعلمانية أي للمرجعية القيمية التي يعتمد عليها النظام‪.‬‬ ‫ولست واثقا من أن التنسيق المشار إليه يذهب إلى هذا الحد لكن ما يبدأ في حماية أمن‬ ‫البلاد الذي هو مسؤولية سياسية وليس عسكرية إلا من حيث البعد التقني قد يمتد إلى‬ ‫حماية النظام وحماية الدستور وحماية المرجعية وهي كلها من المسؤولية السياسة للجماعة‬ ‫ولمن تنوبهم ديموقراطيا ليكون رعاتها وحماتها وليست القوات الحاملة للسلاح إلا أدوات‬ ‫لتحقيق ذلك ولا دخل لها في تنسيق الأمر مع السلطة السياسية‪.‬‬ ‫بقية العناصر ليست مهمة‪.‬‬ ‫فمثلا سبق أن اقترحت المصالحة قبل المحاسبة لأن المبدأ هو البراءة قبل الاتهام ثم أترك‬ ‫الاتهام للقضاء وفي ذلك منفعة للثورة لأنها تزيل تخويف الجميع ليكونوا حلفاء للمجرمين‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪95‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫الكبار لعلمي أن المجرمين الصغار كثر ولا معنى لمحاسبتهم أولا وثانيا لاستحالتها وأخيرا فإن‬ ‫القيام بذلك من جنس قطع يد من يسرق خبزة والتسامح مع من يسرق ثروة البلاد كلها‪.‬‬ ‫كما أن العفو على ابن علي ليس مهما إذا تحقق شرطان‪:‬‬ ‫• الأول أن يعيد هو واسرته ما سرقوه وأن يعوضوا من افتكوا أرزاقهم‬ ‫• وثانيا أن يطبق عليه القانون مثل أي إنسان أجرم في حق الوطن‪.‬‬ ‫لكنه يبقى مع ذلك تونسيا وأولى به أن يعود لبلده وأن يتحمل نتائج أفعاله‪.‬‬ ‫وإذن فالأمر كله مداره على العنصر الاول والثاني‪.‬‬ ‫أما الكلام على المسألة الاجتماعية فلا معنى له‪ :‬لا يمكن أن تحكم مافية النظام بالحلف‬ ‫مع مافية الاتحاد ثم تدعي حل مشكل العلاقة بين الاقتصادي والاجتماعي حلا يحقق‬ ‫التناغم بين شروط الإنتاج وشروط التوزيع السليمة‪.‬‬ ‫فهما قد جعلا الدولة وشركاتها \"تكية\" يتصرفون فيها دون حسيب ولا رقيب وضد كل‬ ‫قوانين الإنتاج والتوزيع الفاعلين والعادلين‪.‬‬ ‫أما قضية ارجاع العلاقات مع النظام الفاشي الذي لم يبق منه إلا ما يبرر وجود المحتلين‬ ‫الذين يدعون أنهم في سوريا بدعوة من النظام فليس مهما في تونس وهو لا يعني إلا المترشح‬ ‫الذي يريد أن ينال رضا القوميين في الاتحاد‪ .‬وهي ليست خيانة لتونس فحسب بل لكل‬ ‫القيم لأن تونس التي مثلت امل اخراج اقليمنا من الاستثناء تصبح مؤيدة لأكبر مجرم‬ ‫عرفه تاريخ الإقليم فحتى هلتر لم يفعل ما فعله بشار وجماعة المماتعة في الشعب السوري‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪96‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫حاولت فهم خطة الدكتور الزبيدي وعرضت الاحتمالين مع ترجيح الأسوأ بسبب‬ ‫التلميحات البينة لكل ذي بصيرة‪.‬‬ ‫وقد تأكدت من ذلك عندما استمعت الى المعايدة التي قدمها وآخر كلمة جاءت فيها في‬ ‫تهنئة نساء تونس مشيرا إلى \"نمط المجتمع\" ناسيا أن من يعتبرهن ممثلات لهذا النمط قلة‬ ‫قليلة لا تمثل ‪ 1‬في المائة من نساء تونس وأن البقية عبيد إما لقانون العمالة في الشركات‬ ‫الأجنبية أو للمزارعين ولبعض المرفهين من اهل المدن الذين يستخدمون بناتهن خادمات‬ ‫مثل الآسيويات في الخليج‪.‬‬ ‫وقلت لمن يدعون الدفاع عن قيم الثورة إن تفتتهم هو الذي سيمكن الثورة المضادة من‬ ‫تحقيق ما تحلم به‪.‬‬ ‫وقلت للإسلاميين ‪-‬إذا كانوا يفكرون في المستقبل ويستعدون له‪-‬إن معارضة وازنة أفضل‬ ‫ألف مرة من طمع في سترابونتان لأن ذلك سيكون عونا للأعداء في تحقيق كل أهدافهم‬ ‫وأكل المشوي بأصابع الإسلاميين‪ .‬وأضيف لهم ملحوظة سريعة لعلهم يفهمون قصدي منها‪:‬‬ ‫لا أستطيع أن أفهم من يريد أن يخوض انتخابات في هذا الظرف بالفلكلور الشعبوي أو‬ ‫الديني وبمنطق تقديم العاجل على الآجل ضمن استراتيجية لمرحلة انتهت مع السبسي ولن‬ ‫تتكرر مهما بقي للطامعين في السترابونتان من أمل‪.‬‬ ‫أما القروي وكل من يستثمرون في الفقر ونفاق المساعدات فقد افل نجمهم لأن المخاطبين‬ ‫بهذه الوسائل لا يقررون لمن يصوتون بل من سيقرر هو من استعاد دوره أعني من كانوا‬ ‫يسيرون القرى والدشر والشعب المستتبع من الاعيان فيهما مع المافيات في المدن ومن ثم‬ ‫فهؤلاء سيتبعون الخطة العامة التي وضعها من ينوي استعادة النظام القديم‪.‬‬ ‫القروي وموسي وهلم جرا انتهى دورهم‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪97‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫بقي على كملاحظ اعتزلت السياسة منذ استقالتي سنة ‪ 2013‬أن أحلل الأوضاع وأسهم‬ ‫بوصفي مواطنا اعتبر ابداء الرأي واجبا وليس حقا فحسب أن أقول كلمة للشاهد الذي‬ ‫أعتبره في مأزق حقيقي ويمكن أن يخرج منه إذا كان بحق صادقا في كلامه على المرحوم‬ ‫حسيب بن عمار فيكون عونا للثورة‪ .‬ورغم أني لا احب الجهويات والطبقيات والجنسانيات‬ ‫(الجندرية) والدينيات والنقابيات وهي ثلاثتها مستعملة حاليا من أعداء الثورة والإسلام‬ ‫فإني اعتقد أن دور \"تونس العاصمة والبلدية\" قد يساعده في الخروج من المأزق إذا استعمله‬ ‫برؤية المرحوم حسيب بن عمار لأن التزامه سيخرج تونس من المقابلة بلدية أفاقيين‬ ‫وعاصمة ساحل وهو ما يمكن أن يعدل الكفة في حكم تونس لتتجاوز هذه الأمراض التي‬ ‫خربت حياتها السياسية والاجتماعية والحضارية والروحية والتي جعلت بعض الحمقى‬ ‫يتكلمون على فصيلتي دم احمر واسود بين التوانسة أعني مشروع حرب أهلية لا تبقي ولا‬ ‫تذر‪.‬‬ ‫ذلك أني أفترض أن الاستراتيجية التي اختارها الزبيدي محليا واقليميا وما للبعد‬ ‫الدولي فيها من دور يتجلى من دور المحليين والإقليميين ومن بصمتهم في خطته ذات الخمسة‬ ‫أبعاد التي شرحناها في محاولتين سابقتين لم تبق له أي إمكانية لوراثة حزب السبسي أعني‪:‬‬ ‫‪ .1‬المسألة الأولى ودلالاتها‪.‬‬ ‫‪ .2‬مسألة الدستور ودلالاتها‪.‬‬ ‫‪ .3‬مسالة المسالحة ودلالاتها‪.‬‬ ‫‪ .4‬مسألة التنسيق مع القوات المسلحة ودلالاتها‪.‬‬ ‫‪ .5‬وأخيرا مسالة العلاقة مع سفاح دمشق ودلالاتها‪.‬‬ ‫فإن الشاهد لم يبق له ما يبيع إذا ظل يلعب على الحبلين لعله يرث السبسي وحزبه الذي‬ ‫تفتت لن يجد ما \"يمشمش\" فقد عين السبسي وريثه الذي اختار تقريبا بنفس الاستراتيجية‬ ‫التي قادت جبهة الانقاذ الأولى بقيادته وحسم الأمر‪ .‬وعليه إن ظل طامعا في بقايا حزب‬ ‫السبسي أن \"يسكر الحانوت\" فضلا عن كون كل محاولة لاستغلال الدولة لم يعد ممكنا لأن‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪98‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫القيمين على اجهزتها سيختارون صفهم بالنظر إلى مستقبله السياسي وليس إلى حاضره‬ ‫الذي هو آفل إن واصل عدم الانحياز الواضح ضد من يناصبونه العداء وهم معلومون وما‬ ‫أظنه يجهلهم‪ :‬فهم من أجمع على الإطاحة به وأوصلوه إلى الانقلاب الصريح على \"عرفه\"‪.‬‬ ‫لكني أذكر أنه تكلم على \"خاله\" ويقصد خال أمه المرحوم حسيب بن عمار إذ لا يمكن أن‬ ‫يكونه هو ابن جدته للأم‪ .‬وأعتقد أن أمه كانت زميلتنا ورئيسة الوفد الذي بعثه حزب‬ ‫بورقيبة إلى ألمانيا سنة ‪ 1964‬في ضيافة الحزب الاشتراكي الألماني‪.‬‬ ‫ولما كان شابا فإن مستقبله يمكن أن يكون في المعارضة بقيم خاله وهي قيم قد تؤهله‬ ‫وحزبه إلى الحكم الموالي للفشل الذريع الذي ينتظر حكما يريد أن يكون \"راستوراسيون\"‬ ‫لما قبلها‪ .‬أما الطمع في الحكم بعد أن قررت الاستبليشومونت استبداله بالزبيدي فلا حظ له‬ ‫فيه‪.‬‬ ‫وإذن فالاستراتيجيا الانجع له ولكل من يتكلمون على الانتقال الديموقراطي وقيم‬ ‫الثورة ‪-‬إن كان حقا يؤمن بهما كما يعلن في بياناته في المجلس ‪-‬أن يفكر في ما بعد الانتخابات‬ ‫وليس فيها‪ ،‬أي في المشاركة معهم ‪-‬وقد أشرت إلى أنهم هم أيضا عليهم أن يفكروا بهذه‬ ‫الطريقة مشيرا إلى أن المعارضة الوازنة هي الهدف الواجب حاليا‪-‬حتى يفتكوا السلطة‬ ‫التشريعية التي ستضطر النظام العائد إلى أحد حلين‪:‬‬ ‫• إما الانقلاب الصريح على الديموقراطية والبداية بما انتهى إليه ابن علي وهو أمر لا‬ ‫مستقبل له‪.‬‬ ‫• أو التخلي عن أحلام النكوص إلى ما قبل الثورة ومواصلة الإصلاحات الديموقراطية‬ ‫ولو باحتشام‪.‬‬ ‫كيف ذلك؟‬ ‫إذا تعزز صف الثورة والانتقال الديموقراطي بحزب يعتمد على فكر المرحوم حسيب ابن‬ ‫عمار بحق ‪-‬وقد عرفته وكتبت في جريدته الرأي وشاركت مع القلة التي أسست نواة جمعية‬ ‫حقوق الإنسان وفي استقبال وزير العدل الأمريكي وقد كنا سبعة لا أكثر‪ -‬فقد يكون له‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪99‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫مستقبل مستقل عن جبهة الرز بالفاكية (وهو على كل مستهدف من أهم داعميها أعني‬ ‫الاتحاد) والشروع في خط طريق يمكن أن يجعله مساعدا فعليا على تحقيق الصلح العميق‬ ‫بين كل أبناء تونس فلا يواصل الغموض في الحلف مع الشقين الإسلامي على حرف ومن‬ ‫يدعون أنهم أصحاب الدم الاحمر الذين ينافسونه ويسندهم صف الثورة المضادة في‬ ‫الداخل والخارج‪.‬‬ ‫فهؤلاء اختاروا صفهم ومعهم الاتحاد والجبهة الشعبية في جبهة تتبع الثورة المضادة في‬ ‫الإقليم وقد يوصلون تونس إلى ما اوصلت إليه الثورة المضادة كل بلد عربي تدخلت فيه‬ ‫فأحدثت فيه فتنا لا حد لها ومن علامات ذلك علاقات بعض من \"غمزتهم\" خطة النقاط‬ ‫الخمسة وعلاقاتهم بحفتر والسيسي وبشار‪.‬‬ ‫والله يستر تونس من كل المتآمرين على مستقبلها وأمنها مستقبل شبابها العاطل خاصة‬ ‫لأن هؤلاء قد يلجئهم هذا السلوك إلى موجة ثورة ثانية لا تبقي ولا تذر كما هو متوقع‬ ‫لكل بلاد العرب التي تدخلت فيها الثورة المضادة لأنه ما سيترتب عليها هو الجوع والفقر‬ ‫كما نرى ما يحدث في مصر واليمن وليبيا فضلا عن سوريا‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪100‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫لا يوجد متابع لا يندهش من كثرة التعريفات الذاتية للنخب السياسية في الـ‪ 220‬حزيبا‬ ‫عامة وفي ما تكون منها بعد الثورة خاصة وهو العامل الأول الذي سأنطلق منه لتوصيفها بما‬ ‫يبدو لي أكثر مناسبة لما تثبته الأفعال التي تكذب الأقوال‪ .‬فليس كل من يعرف نفسه‬ ‫صادق لأن الأحزاب في جميع دول العالم لا تتكون كيفما اتفق بل لا بد لها من اسس تتحدد‬ ‫في مرجعيتها وفي أهدافها‪.‬‬ ‫وقد سبق أن بينت في عدة محاولات أن هذه المرجعيات ليست لامتناهية والأهداف‬ ‫السياسية محدودة جدا ولا تتجاوز التواليف والترتيب بين العاملين الاقتصادي والاجتماعي‬ ‫لسد الحاجات المادية والقيمي والخلقي لسد الحاجات الروحية‪.‬‬ ‫وما وجدت في أي حزب تونسي أثرا لهذه المقومات بل هي عموميات تثبت التنافس على‬ ‫دعاوى إما حول الهوية أو حول ما يسمونه نمط المجتمع بالمقابلة بين ماضيين‪ :‬ماضي‬ ‫الجماعة التاريخي وماضي مستعمرها التاريخي لأن ما يحاكونه من ثقافته تجاوزه منذ عقود‬ ‫بعد أن أصبح يؤسس شروط سيادته على الجمع بين وطنيتين قطرية وقارية‪.‬‬ ‫• القسمة الاولى‪:‬‬ ‫تتعلق بالأحزاب ذات الوجود الفعلي المتقدم على الثورة و\"نخبها\" والاحزاب التي تلتها‬ ‫و\"نخبها\"‪.‬‬ ‫وحتى نصف هذه فإن أول معيار لتوصيفها هو أنها إما منشقة عن الأولى أو ناتجة عن‬ ‫تفتتها بسبب الثورة أو تعرف نفسها بما يمكن أن يعتبر انشقاقا ليس عليها بوصفها كانت في‬ ‫حزبها ثم خرجت عليه أو عارضته بل هي مشتقة من رؤية أخرى لأساسها وعلى ما يغلب عن‬ ‫برنامجها‪ .‬والمثال الاوضح من الانشقاق عن الأولى كأحزاب هو مثال كل الاحزاب التي‬ ‫تفرع إليها الحزب الذي كان حاكما والمثال الأوضح عن المشتقات من الرؤية هي الأحزاب‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪101‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫الاسلامية غير النهضة‪ .‬أما الأحزاب اليسارية والقومية فإنها بقيت كما كانت ولم ينشق‬ ‫عنها أحد لأنها من الأصل مفتتة‪.‬‬ ‫• القسمة الثانية‪:‬‬ ‫تتعلق بالأحزاب التي نشأت بعد الثورة أو التي صارت ذات وجود فعلي بسبب الثورة مثل‬ ‫حزب المرزوقي وابن جعفر‪ .‬فهذان الحزبان يمكن اعتبارهما لم يصبحا بحق فعليين إلا‬ ‫بفضل الثورة‪.‬‬ ‫لكن الأول تفتت إلى أحزاب والثاني تفتت على الأحزاب‪.‬‬ ‫وكلاهما لم يعد له وجود إلا في الأقوال بسبب فقدان القاعدة الشعبية‪ .‬لكن حزب‬ ‫المرزوقي يشبه الحزب الذي كان حاكما بمعنى أن الذين انتسبوا إليه كونوا أحزابا بعدد‬ ‫\"زعماء\" النخبة التي دخلت السياسة عن طريق حزب المرزوقي لكنهم لا يعترفون بذلك‬ ‫مثلما يعترف فتات الحزب الحاكم بما يدعيه من نسب بورقيبي‪ .‬فهم جميعا يتبعون علمانية‬ ‫المرزوقي مع درجات مختلفة من الاقصاء إزاء الحزب الإسلامي الذي لولاه لما كان لهم وجود‬ ‫سياسي أصلا لأن المرزوقي نفسه لم يكن له إلى شبه حزب قبل الثورة وبها مع مساعدة‬ ‫الحزب الإسلامي صار هو نفسه ذا \"وزن\" سياسي بوصفه رئيسا لا غير‪.‬‬ ‫• القسمة الثالثة‪:‬‬ ‫الاحزاب التي نشأت عند من شاركوا في حكومات الثورة بعد الترويكا إما مع الباجي أول‬ ‫أو مع جمعة أو مع الشاهد‪ .‬وهؤلاء كلهم بنحو ما مشتقات سياسة الباجي في التصدي‬ ‫للإسلاميين‪ .‬وهم إذن يتقدمون لوراثة هذا المشروع وإذن فهم يقتاتون من فضلات النظام‬ ‫السابق ويعتمدون على الثورة المضادة العربية والسند الدولي‪.‬‬ ‫• القسمة الرابعة‪:‬‬ ‫الاحزاب التي يمكن اعتبارها مجرد منصات لبعض الافراد الذين يريدون تكوين رصيد‬ ‫يجعلهم مطلوبين من الأحزاب السابقة لتوسيع قواعدها وهؤلاء كلهم مرشحون للانضمام‬ ‫إلى أصحاب القسمة الثالثة‪ .‬وقليل منهم أعني الأكثر انتهازية قد يطمحون للانتساب إما‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪102‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫إلى الصنف الثاني بدعوى الثورية أو إلى الصنف الاول بالسعي المباشر للغاية من تكون‬ ‫الحزب أي المشاركة في السلطة في أقرب فرصة‪.‬‬ ‫• القسمة الاخيرة‪:‬‬ ‫ما وراء الاحزاب أعني المافيات الداخلية التي تنوب المافيات الخارجية التي تمول‬ ‫الأحزاب والجمعيات لتحقيق أهدافها باستراتيجية سن تسو أي بأقل كلفة لأن تحقيق النصر‬ ‫حينها يكون بأيدي أبناء البلد‪ .‬وهذا الماوراء ينقسم إلى‪ :‬حزب فرنسا وحزب إسرائيل‬ ‫وحزب إيران وحزب الحمقى من أمراء البترول‪ .‬فهذه الاحزاب موجودة في كل الاحزاب‬ ‫أي في الأصناف الأربعة التي ذكرتها دون استثناء بمعنى أن الإسلاميين أيضا صاروا مخترقين‬ ‫في البداية دون أن يكون ذلك بإرادتهم لكنه صار الآن بإرادتهم لما علموا أنه الشرط‬ ‫الضروري وأحيانا الكافي للمشاركة في الحكم ولو في شكل سترابونتان‪.‬‬ ‫هكذا أفهم الساحة السياسية‪.‬‬ ‫ولا احتاج للكلام على الساحة الإعلامية لأنها تابعة لهذه القسمة الأخيرة إذ هي الأداة‬ ‫الثانية في عمل المافيات الداخلية الخادمة للمافيات الخارجية‪ .‬أما الأداة الأولى فهي معدن‬ ‫العجل لأن الثانية هي خواره‪ .‬وإذن فالقسمة الأخيرة تتعلق بالحكم عن طريق دين‬ ‫العجل‪ :‬الحكم بالمال وبالخوار‪.‬‬ ‫والأول الجميع يفهمه وهو علة تكاثر الأصول التجارية التي تسمى أحزابا وجمعيات‬ ‫وصحافة والثاني هو علة الايديولوجيات التي يمثلها هذا الماوراء لكل الاحزاب السياسية‬ ‫في تونس‪.‬‬ ‫هذه القسمة الأخيرة هي أصل ما تقدم عليها لأن تونس ككل بلاد العرب ليست دولة‬ ‫مستقلة بل هي محمية بكل معاني الكلمة وقد صارت كذلك بعد ما يسمى الاستقلال أكثر‬ ‫مما كانت قبله عندما كانت محمية رسميا بمقتضى معاهدة باردو‪ .‬اتفاقيات الاستقلال‬ ‫المزعوم أسست لتبعية أعمق من السابقة‪ :‬ذلك أن الحماية الأولى كانت دون القدرة على‬ ‫تغيير ثقافة الشعب في حين أن الثانية كان أهم عناصرها هذا التغيير فضلا عن نهب ثروات‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪103‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫البلاد‪ .‬ولما كان تغيير الثقافة هدفه استعباد العباد صارت الحماية ليس من أجل الثروات‬ ‫والموقع الجغرافي الاستراتيجي لتونس وحدهما بل أيضا لجعل أبناء تونس يصبحون خدما‬ ‫في استراتيجية أعدائها‪.‬‬ ‫وهذه الظاهرة عامة وليست مقصورة على تونس‪ .‬والجزائريون بدأوا يفهمون ذلك‬ ‫وتلك هي علة ما يجري فيها حاليا وعسر الخروج منه لأن كل من ذكرتهم في هذا العنصر‬ ‫الاخير يعمل فيها أكثر مما يعمل في تونس بسبب ثقل الجزائر وفهم الأعداء ان تحررها‬ ‫باستكمال تحريرها يعنيان تحرر افريقيا كلها وربما كل الإقليم العربي التركي الكردي‬ ‫الأمازيغي لتصبح الضفة الجنوبية الشمالية من الابيض المتوسط ندا للضفة الشمالية التي‬ ‫هي بدورها متعددة الأقوام دون أن يحول ذلك دونها وبناء وحدة هي شرط السيادة في‬ ‫عصر العماليق‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪104‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫بعد أن صنفت الأحزاب السياسية التي بعضها يمثل قاعدة شعبية ومن ثم فهو قوة سياسية‬ ‫وجلها لا يمثل إلا داء الزعامات الخاوية التي ليس لها قاعدة شعبية ومن ثم فهي لا تعبر‬ ‫عن قوة سياسية يمكن أن تحكم حتى لو صادف أن نجحت بما قد يترتب على تفتت الأصوات‬ ‫بسبب عدم وضوح الرؤية عند الناخبين‪.‬‬ ‫ففي البلاد الديموقراطية وخاصة في أمريكا المرشح يقضي سنة كاملة في اقناع قاعدة‬ ‫حزبه بجدارته لتمثيل رؤاه وأهدافه وخاصة مرجعيته السياسية والقيمية ثم بعدها يمر‬ ‫إلى الجدل مع منافس قام بنفس المسار مع قاعدته الحزبية‪ .‬وكلاهما يحاور كل الشعب‬ ‫الأمريكي لأن سنة اثبات الجدارة ليس مقصورا على حزب المترشح للترشح‪ .‬أما عندنا فكل‬ ‫من \"ينبح\" بعض الوقت في البلاتوهات تنتفخ أوداجه فيتصور نفسه زعيما يستطيع كما قال‬ ‫السبسي خلال حملته بأن له حزبا يمكن أني سير أربع حكومات ويقصد ربما أربع دول لها‬ ‫مسؤول كبير يقرر عوضا عنه بوصفه رئيس هذا الحزب‪ .‬وقد يرشح المسؤول الكبير من‬ ‫يختاره مع كونه نكرة ليس له وراءه قوة سياسية بل سلطة خفية لا نعلم طبيعتها ما هي‪.‬‬ ‫السؤال الذي أطلب جوابه بسيط وبسيط جدا‪:‬‬ ‫على ما ذا يتنافس المرشحون الستة والعشرون؟‬ ‫وما هي اهداف \"القوة السياسية\" التي يترشحون باسمها؟‬ ‫وهذا السؤال البسيط جوابه شديد التعقيد إذا لم نكتف بالأقوال ونبحث ما وراءها من‬ ‫الأفعال‪.‬‬ ‫أول رهان يعلل الاختلاف بين الأحزاب التي تتنافس حاليا وخاصة الجديد منها هو الموقف‬ ‫من الحزبين الأكبرين اللذين كان أحدهما حاكما والثاني معارضا أعني التجمع والنهضة‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪105‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ .1‬وبين أن من يعرفون أنفسهم بالإضافة إلى التجمع نوعان‪:‬‬ ‫• من يريد استئناف دوره‬ ‫• ومن يريد مقاومة هذا الاستئناف‬ ‫وهما إذن يتقابلان تقابل الثورة وما قبلها وطبعا كلا الخيارين مفتت بلا حد لأن من‬ ‫يدعون تمثيل الثورة فتات مثلهم مثل من يريدون استعادة النظام السابق رغم أن هؤلاء‬ ‫أقرب إلى التحالف عند اللزوم‪ .‬ولا يمكن أن اعتبر اليسار والقوميين ممن يمثل الثورة‬ ‫بالتقابل مع التجمع لأنهم كانوا من خدم النظام على الاقل في مرحلة ابن علي وأثبتوا ذلك‬ ‫بدورهم في تكوين جبهة السبسي وحتى في محاربة المرزوقي الذي لا يقل عنهم علمانية ولا‬ ‫قومية‪.‬‬ ‫‪ .2‬وبين كذلك أن من يعرفون أنفسهم بالإضافة إلى النهضة نوعان كلاهما مضاعف‪ :‬من‬ ‫يعارضها باسم المرجعية إما الإسلامية عامة أو الإسلامية التي كانت تنتسب إليها بتعريفها‬ ‫لنفسها ومن يعارضها باسم نمط المجتمع إما من المنتسبين إلى التجمع أو من المنتسبين إلى‬ ‫اليسار والقوميين‪ .‬وهؤلاء أشد من أولئك ومن ثم فهم من جنس من يعارضها باسم المرجعية‬ ‫الإسلامي عامة أي إنهم مثل السلفية الجهادية لأنهم مستعدون لحمل السلاح ضدها‪.‬‬ ‫‪ .3‬يعسر أن تجد تنظيما سياسيا يقبل التحديد بأمر آخر غير هذا التحديد الإضافي إلى‬ ‫القوتين اللتين تشتركان في القاعدة الشعبية العريضة ولا تتمايزان إلا بالنخب التي تتكلم‬ ‫باسمهما‪ .‬ومعنى ذلك أن الرصيد الانتخابي الأهم لا يمكن تعريفه بالموقف من المرجعية‬ ‫الإسلامية بخلاف ما يتوهم الكثير لأن البورقيبيين وحتى التجمعيين من عامة الشعب‬ ‫يعيشون بنفس الثقافة الدينية والخلاف حول المرجعية كان مؤثرا لما كانت النخب متسلطة‬ ‫ولا أعتقد أن ذلك سيبقى له تأثير في مناخ ترضية الناخبين ما سيؤدي ولو بالنفاق السياسي‬ ‫بسقوط هذه المقابلة في القاعدة الشعبية للأحزاب التجمعية‪ .‬الخلاف حتى بين النخب سيقل‬ ‫كلما صارت الديموقراطية فعلية حيث سيضطر كل المرشحين للعب لعبة التقرب من الشعب‬ ‫ومن ثقافته‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪106‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ .4‬من يتحدد بغير هذه النسبة أعني اليساريين والقومين مضطرون إما إلى التغير أو‬ ‫إلى الانضواء في أحد الحزبين أو الانقراض‪.‬‬ ‫فلا يمكن في نظام ديموقراطي مهما كان فيه من العيوب واستعمال المال والاعلام‬ ‫الفاسدين أن يواصل مع من يطمح في الوصول لمسؤولية سياسية وهو يعادي جهرا ثقافة‬ ‫الشعب وسيضطر حتى نفاقا لمجاراتها‪.‬‬ ‫‪ .5‬والآن إذا طبقنا هذه العوامل على المرشحين الحاليين فإني أعتقد أن الرهان غير‬ ‫محدد ومن ثم فكل الأحزاب تخادع وتكذب على الشعب‪.‬‬ ‫لا أحد يقول حقا ما يريد بل الكل يداهن ذلك أن مطالب الشعب واضحة؟‪:‬‬ ‫• المشكل الاقتصادي والاجتماعي لا أحد منهم عند تصور أو رؤية أو حل قابل للعرض‬ ‫المفيد أعني لشرطية‪ :‬الأدوات والرزمانة أي بماذا ماليا ومتى‪.‬‬ ‫• المشكل الثقافي والقيمي لا أحد منهم عنده الشجاعة للكلام الذي قد يغضب المسؤول‬ ‫الكبير ممثلا بحزب فرنسا وبالمافيات‪.‬‬ ‫• مشكل السيادة على الثروات لا أحد له الشجاعة لعلاجه‪.‬‬ ‫• مشكل اختلال الوضع المناطقي أو علاج ما تعاني منها مناطق الظل والذل‪.‬‬ ‫• وأخيرا تحديد السياسة الخارجية في وضع الإقليم عامة والمغرب الكبير خاصة بصورة‬ ‫قابلة لتحديد قابل للتصديق لأن العموميات التي من جنس كلام القذافي على الوحدة ليس‬ ‫عملا سياسيا بل هو تغن بشعارات منها أتي الإقليم طيلة النصف الثاني من ا لقرن الماضي‪.‬‬ ‫وليس من العسير فهم ما يريده الشعب حاليا‪ :‬ويتخلص في أمرين لا ثالث لهما وكلاهما‬ ‫يعني أن وظائف الدولة لم يعد لها وجود حقيقي لأنها إما موظفة من النظام الحاكم أو من‬ ‫النقابات بصنفيها ومن ذوي السلطان من المافيات المسيطرة على الاقتصاد والثقافة‬ ‫والسياسة في البلاد بحيث إن ما كان تحت سيطرة مافية ابن علي تفتت فأصبح تحت سيطرة‬ ‫مافيات متعددة أهما مافيات الاقتصاد الموازي والتهريب والمخدرات وكل ما يؤدي إلى فساد‬ ‫شروط العيش المستقر في الجماعة‪:‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪107‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ .1‬أولا نهاية الفوضى التي عمت في كل مستويات الحياة وخاصة في الخدمات الأساسية‬ ‫للحياة التي سيطرت عليها المافيات وسوء الحاكمية وغياب المحاسبة والجزاء بمعنييه الموجب‬ ‫والسالب‪.‬‬ ‫‪ .2‬ثانيا نهاية الاقطاعيات في كل وظائف الدولة ومؤسساتها وشركاتها وخاصة هيمنة‬ ‫الفوضى النقابية التي تكاد تفسد شروط الانتاج ووظائف تكوين الأجيال أعني التربية‬ ‫والتكوين وتنظيم تقسيم العمل بالقوانين الاقتصادية التي تحقق شروط نجاعة مؤسسات‬ ‫الانتاج بقوانين التنافس والانتاجية‪.‬‬ ‫وإذا لم تكن هذه القضايا موضوع الحملة الانتخابية والجدل بين المترشحين فلا معنى‬ ‫للانتخابات التي ستكون مواصلة التكاذب وعدم والتخادع وعدم العناية بما يمكن أن يخرج‬ ‫البلاد من مآزقها فيكون المترشحون قد حسموا تحت الطاولة توافقات مغشوشة لتقاسم‬ ‫السلطة وليس لعلاج أدواء البلاد‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪108‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫قرأت لأحد الأدعياء تغريدة يمن فيها على الدكتور الزبيدي تأييد ترشحه المشروط‬ ‫بالانتقام لعملاء النظام القديم وصبابته‪.‬‬ ‫إنه يطلب منه الانتقام ممن اختارهم الشعب بإرادته الحرة لأنه يعتبر ما نسميه ثورة‬ ‫ثمرة مؤامرة اميركية قطرية تركية‪.‬‬ ‫إذن فهو يدعوه لمحو كل آثار الثورة لأنها ليست \"يسارية\"‪ .‬وإذن ففي تغريدته اتهام‬ ‫للثورة بأنها مؤامرة وليست ثورة الشعب التونسي بعد أن كانوا قبل نبذ الشعب لهم يدعون‬ ‫أنهم هم الذين فجروها معتبرين ارهاصاتها هي ما حصل في المناجم وناسبين إياها إلى‬ ‫الاتحاد الذي هم يعيشون في أكنافه توابع لمافياته‪.‬‬ ‫• فبماذا يريده أن ينتقم؟‬ ‫• وممن؟‬ ‫• ولم؟‬ ‫أما بماذا‪ ،‬فبملف يدعي أن السبسي تركه للزبيدي‪.‬‬ ‫وأما ممن‪ ،‬فالقصد واضح لأن الملف حسب رأيه يتعلق بالجهاز السري‪.‬‬ ‫وأما لم‪ ،‬فلأنه يتهمهم باغتيال من يعتبرهم زعيمين‪.‬‬ ‫والزعيمان المزعومان هما في الحقيقة مجرد \"أصل تجاري\" ربما لمن اغتالوهم ليحتلوا‬ ‫مواقعهم‪ .‬فلا أحد منهما كان يمثل وزنا سياسيا يمكن لأحد أن يفكر في اغتياله لفتح الطريق‬ ‫خاصة إذا كان قد اختاره الشعب ليحكم في انتخابات ديموقراطية وبين فشل خصومه‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪109‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫فمن يحكم ليس من فائدته اغتيال أحد وخاصة إذا كان عديم الوزن السياسي‪ .‬فأكثرهم‬ ‫دعوى‪ ،‬أعني شكري بلعيد‪ ،‬شارك معي في دائرة تونس الأولى ولم ينجح حتى بالفضلات‬ ‫والبقايا‪.‬‬ ‫ومن ثم فزعامتهم من جنس ما يزعمونه لأنفسهم من زعامة وليس من جنس ما يعترف به‬ ‫الشعب إذا كان حرا‪.‬‬ ‫زعامتهم هي ترشحهم للنظام السابق لعله يستخدمهم لا أكثر ولا أقل‪.‬‬ ‫لماذا اعتبر هذا التهديد دليلا على الحمق؟‬ ‫فأولا فيه استنقاص لشخص الدكتور الزبيدي ‪ -‬وما اعرفه عنه أنه رجل نزيه ولا أظنه‬ ‫يكون دمية لأحد‪ -‬لأن فيه اعتقادا بأنه مجرد دمية وأداة لتحقيق ما فشل فيه السبسي أو‬ ‫ما لم يجد فيه السبسي أكثر مما استفاد به منه أعني ابتزاز إيهامي لمن يتهمون بما فيه‪.‬‬ ‫وأنا شخصيا لا يعنيني وجود الجهاز السري من عدمه حتى وإن كنت أميز بين حاجة أي‬ ‫حزب في ظل الاستبداد لنظام جمع المعلومات حتى يحمي نفسه وليس للسيطرة على الدولة‬ ‫إذ كلنا يعلم أن أي حزب مهما كان قويا ليس له ما يمكنه من ذلك‪.‬‬ ‫لكن ما يعنيني هو أن ما يدور حوله الكلام‪ ،‬ملف يراد من الزبيدي تنفيذ ما فيه كما‬ ‫يتصوره هذا الأحمق الذي لم ير له أحد عملا يمكن أن يباهي به عندما يزعم مباهيا أنه‬ ‫استاذ جامعي فيه اتهام للسبسي بالخيانة العظمى وللزبيدي بكونه دمية جيء به لتنفيذ‬ ‫وصية المتوفى أكثر من اتهام من يظن أنهم أصحابه حتى لو صح أن لهم نظام استعلامات‬ ‫لحماية أنفسهم من أفعال نظام مستبد وظالم الكل يعلم أنه إلى الآن ما يزال ذا سلطان لا‬ ‫يستهان به على خيوط اللعبة في الدولة العميقة‪.‬‬ ‫فالسبسي حكم خمس سنوات وهذا الملف في حوزته ووعد في حملته بالحسم فيه لكنه لم‬ ‫يفعل‪ .‬فيكون الأمر بين فرضيتين‪:‬‬ ‫• إما أن الملف كان فارغا لكنه استعمله كـ \"خويفة\" جوفاء‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪110‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫• أو كان مليئا حقا بما يمكن أن يؤدي بأصحابه إلى داهية لأن فيه أكثر من استعلام‬ ‫للحماية الذاتية‪.‬‬ ‫وفي هذه الحالة يكون قد سكت على مؤامرة ضد أمن الدولة‪ .‬وسكوته عنها كما زعم‬ ‫صاحب التغريدة مشاركة فيها أو حماية لأصحابها لأنه يأتمر بمن فوقه كما جاء في‬ ‫التغريدة‪ :‬لم يخف أنه يتهم السبسي لعدم الوفاء بالحسم فيه بأنه لم يكن سيد قراره‬ ‫ويحذر الزبيدي من الوقوع في نفس الجرم‪.‬‬ ‫وهذا هو دليل الحمق من صاحب التغريدة‪.‬‬ ‫فهو يتهم السبسي بما هو \"خيانة عظمى موصوفة\" ويحذر الزبيدي من تكرارها‪ :‬فبحسب‬ ‫هذا الرأي لم يكن السبسي رئيسا بحق يحمي أمن البلاد بل كان‪ -‬وهنا يمكن أن نجد تأييدا‬ ‫في تصريح الرئيس نفسه‪ -‬تابعا لمسؤول كبير يستعمله مجرد واجهة لحكم خفي هو حكم‬ ‫المافية التي عينته وهو يحذر الزبيدي بأن يتبع نفس المسار‪.‬‬ ‫صحيح أننا إذا جمعنا ذلك مع كيفية تعيينه بعد القصبة ‪ 2‬تبين أن من كان يحكم تونس‬ ‫وأوصى الزبيدي حسب صاحب التغريدة لم يكن وطنيا بل كان مجرد دمية بيد من عينه‬ ‫بنصيحة من الشابي الدليل السياسي لكلبيه على شاطئ المرسى (راجع شهادة كاتب الدولة‬ ‫للأمن في حكومة السبسي بعد القصبة ‪.)2‬‬ ‫صاحب هذه التغريدة لو كان في دولة تحترم نفسها وتطبق القانون ل ُس ِئلَ من القضاء‬ ‫حول اتهام رئيس الدولة السابق بأنه كان خائنا للوطن خيانة عظمى وتحذيره الزبيدي من‬ ‫أن يكون مثله فضلا عن اعتباره مجرد موصى به من خائن حسب وصفه وأنه سيفقد تأييد‬ ‫هذا العلامة إذا لم يحقق ما يعتقد أن الملف الذي تركه له السبسي يتعلق بالجهاز السري‬ ‫وبالطابع التآمري للثورة التي آلت إلى تعيين الإسلاميين في الانتخابات التي أشرف عليها‬ ‫اليسار ووضع قانونها اليسار الذي كان يدعي تفجيرها ولما خسرها صار يعتبرها مؤامرة‬ ‫أمريكية‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪111‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫والآن إذا لم يكن هذا هو عين الحمق‪ ،‬فما الحمق إذن؟‬ ‫وآمل ألا يكون هذا الحمق قد أثر في المرشح الزبيدي إذ أنا لم أستثن أن التأويل‬ ‫الإيجابي بدلا من التأويل السلبي ممكنا عندما تكلمت على النقاط الخمس في برنامجه مع‬ ‫ترجيحي التأويل السلبي لعدة قرائن زادها متانة ما أشيع من تعيين من سيشرف على حملته‬ ‫ممن يكنون للثورة ما نعلم من \"حب\"‪.‬‬ ‫أما لماذا قلت \"أسيادهم\"؟‬ ‫لست من الحزب الذي يتهمونه‪ .‬والكل يعلم موقفي النقدي من كثير من سياستهم‪ .‬لكنهم‬ ‫مع ذلك ورغم كل ذلك يبقون أفضل ما يوجد في تونس على الأقل قبل أن يضطرهم الحكم‬ ‫إلى الانتقال احيانا من \"الحل الوسط\" مع بقايا النظام إلى \"التبعية\" لخياراتهم ربما بسبب‬ ‫الوضع الإقليمي وذكريات التجارب المرة التي مروا بها لكنهم يبقون أفضل نخبة حازت على‬ ‫الثقافتين الأصلية والحديثة وليسوا بحاجة إلى من يدافع عنهم لكنهم بالمقارنة مع صبابة‬ ‫ابن علي وجواسيسه ممن يدعون تمثيل الحداثة يعتبرون الأمل الوحيد الذي يمكن أن‬ ‫ينقذ تونس من مثل هذه القاذورات التي ليس لها من الحداثة والتقدمية إلى العمالة‬ ‫والنفعية المباشرة لأنهم مخلدون إلى الارض هم في تونس من جنس الحركيين في الجزائر‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪112‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫لما رأيت قائمة المترشحين لرئاسة الدولة أول ما تبادر إلى ذهني هو أن جل المترشحين من‬ ‫حيث يعملون أو لا يعلمون يدفعون بالشعب إلى المطالبة بالبيان رقم ‪.1‬‬ ‫ذلك أن الاثر الوحيد لمثل هذه الظاهرة هو أن العبث بالدولة جعل هذه المسؤولية من‬ ‫جنس سوق الفريب الذي يدعو الشعب إلى فرز فضلات المافية لما بقي من تونس لـ\"لمشمشة\"‬ ‫إذ لا أحد يصدق أن الدافع هو التفاني في خدمة تونس والشعب‪.‬‬ ‫وطبعا هذا الحكم لا يصح على الجميع لكن \"نزول الجميع\" إلى سوق الفريب يجعلهم في‬ ‫ذهن الملاحظ متماثلين لأن الغاية في النهاية هي أن المافية التي تحرك الدمى تريد إيصال‬ ‫الشعب إلى هذه القناعة وهو أن الكل سواسية ولا يوجد من يمكن أن يكون حقا مخلصا‪.‬‬ ‫وحتى لو وجد المخلص وهو دون شك موجود فلن يصدقه أحد إذ إنه إذا عم الكذب يصبح‬ ‫أكثر الناس قابلية للتكذيب هو الاصدق إذ لا أحد يمكن أن يصدق الصادق في مجتمع صار‬ ‫مصابا بسيدا السياسة أو فقدان المناعة الخلقية التي تمكن من تمييز الأفاضل عن الاراذل‬ ‫إذا كان الفضل الوحيد المعترف به هو ما يفضل صاحبه بالقدرة على الخداع والنفاق‬ ‫والكذب‪.‬‬ ‫ففي بلد جل نخبه بزناسة ‪-‬في كل شيء وخاصة في الجنسيات‪ -‬كيف يمكن للمواطن أن‬ ‫يصدق أحدا خاصة إذا اراد أن يفضل على غيره بالصدق الذي لم يعد يصدقه حتى‬ ‫بوسعدية‪.‬‬ ‫وقد حاولت أن أصنف النخب بما يشبه المقومات التي تحدد \"الطبع\" أو الكاراكتار أو مميز‬ ‫الشخصية‪ .‬فلم أجد أي واحد من هذه المقومات الخمسة يمكن أن يصدق على نخبة تونس‬ ‫خاصة وعلى نخبة بقية البلاد العربية عامة‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪113‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫تشعر بأنك أمام قشرة ليس وراءها لب في الأصناف الخمسة التي تنقسم إليها هذه‬ ‫المقومات أعني من يمكن أن تغلب على شخصيته‪:‬‬ ‫‪ .1‬الإرادة (الساسة)‬ ‫‪ .2‬أو المعرفة (العلماء)‬ ‫‪ .3‬أو القدرة (المنتجون للمادي أو الروحي من حياة الإنسان)‬ ‫‪ .4‬أو الذوق (الفنانون)‬ ‫‪ .5‬أو الرؤية (رجال الدين والفلسفة)‪.‬‬ ‫كل هؤلاء أو لنقل جل من يبرز منهم في سوق الفريب التي وصفت تجده حاملا للاسم‬ ‫خاليا من المسمى‪ :‬أعجاز نخل خاوية‪ .‬ولا شك أن ‪ 99‬في المائة منهم لا تعنيه تونس ولا‬ ‫مستقبلها بل هو لا يترشح للرئاسة بل للحصول على صيت يجعله ذا وجود في حسابات المافية‬ ‫التي تنظم هذه السوق‪ :‬لعله يفتح حانوت بيع الفريب أو حتى النفة أو الزطلة التي يسر‬ ‫الرئيس الذي تركنا على \"المحجة البيضاء\" تداولها فهذه كلها أسرع طريق ليصبح من‬ ‫الأغنياء الجدد ولو بتغذية التلاميذ بالجيف وتجديد اتفاقيات نهب ثروات البلاد تحت حس‬ ‫مس‪.‬‬ ‫وحينها لا تعجب أن تكون ألمانيا ألمانيا وتونس تونس‪.‬‬ ‫ففي اللحظة التي بنيت فيه ألمانيا لما كانت دون فرنسا في كل شيء ومتخلفة كان مدير‬ ‫المدرسة الثانوية من مستوى هيجل ووزير الثقافة من مستوى جوته والوزير الاول بعده‬ ‫من مستوى موحد ألمانيا وهازم فرنسا والنمسا‪.‬‬ ‫من عندك في تونس؟‬ ‫اذكر اسم مدير ليسي واحد ممن عينهم البكوش مثلا ‪-‬أي آخر عمل في تهديم المدرسة‬ ‫وجعلها في خدمة إيديولوجيا وليس في خدمة التربية بعد بداية التهديم مع موجة تجفيف‬ ‫المنابع‪-‬اختير لعلمه أو لعمله التربوي وليس بحجة تسريح خدم النظام السابق واستبدالهم‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪114‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫بخدم إيديولوجية البكوش الذي هو فعلا بكوش لأنه استاذ جامعي لم نسمع عنه شيئا يمكن‬ ‫أن يعتبر جامعيا‪.‬‬ ‫اذكر وزير تربية واحد عرف عنه شيء في المسألة التربوية أو حتى في ما يمت إليها بصلة‬ ‫شكلا أو مضمونا‪ .‬فأفضلهم يمكن بالمقارنة مع لص \"القوة الهادئة\" ومؤسس الذباب في جهاز‬ ‫التربية يعتبر عبقرية‪.‬‬ ‫اذكر وزير ثقافة واحد يتجاوز موزعي الرشوة على مافيات الثقافة‪.‬‬ ‫اذكر وزير أول منذ \"انقاذ\" تونس من قبل نخبة الباجي التي تسير أربع دول ليس عميلا‬ ‫لفرنسا أو لعملائها‪.‬‬ ‫ماذا تنتظر في هذه الحالة من الانتخابات؟‬ ‫أنا لا أنتظر شيئا منها ولم أقل شيئا في من اراهم أهلا لها بعد أن صارت عديمة الأهلية‬ ‫لأنها \"شلكت\" إلى حد يمكن اكتشافه في من أحاط رئيس الدولة نفسه بهم ممن راينا منهم‬ ‫\"مشترة\" بين المترشحين ممثلين للجنسين‪.‬‬ ‫إذن ما الفائدة أن يبحث المرء في سوق الفريب على من يتصوره يمكن أن يقدم بضاعة‬ ‫تنافس السراويل الممزقة في عصر هذه الموضة والكتابة بالأحرف اللاتينية فيها؟‬ ‫ثم ماذا يمكن أن يفعل إذا اختاره بعض البرباشة في هذه الفريب ممن يرد على كلامي‬ ‫بأن موقفي يعني أنه علينا أن نتخلى عن تونس ولا \"نقف\" لها كلمة يقولها من يوقفونها‬ ‫ويقفون لأمهم التي أقسموا لها بالولاء؟‬ ‫إذا فرضنا أن أحد الافاضل من المترشحين سينجح فإنه لن يستطيع فعل شيء لأنه سيكون‬ ‫دمية بالأمر الواقع وحتى بالدستور الذي هو أفسد دستور يمكن أن يتخيله عاقل لأن من‬ ‫كتبوه لا عقل لهم ما داموا يتصورون تونس قد صارت مثل بريطانيا في مستوى الثقافة‬ ‫الديموقراطية‪.‬‬ ‫ولأختم بالتصنيف المناسب ما دام التصنيف النظري الذي اقترحته لا ينساب النخب‬ ‫التونسية خاصة والعربية عامة بعد أن أصاب الإيدز السياسة فيها جميعا وتبين أن ما يسمى‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪115‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫دولا عربية ليست دولا إلا بالاسم وهي في الحقيقة محميات فقدانها للسيادة تجاوز ما كانت‬ ‫عليه حتى في عصر الاستعمار المباشر‪:‬‬ ‫‪ .1‬فعندك اليساري الصباب‬ ‫‪ .2‬وعند القومي البهبار‬ ‫‪ .3‬وعند وريث ابن علي المافيوزي‬ ‫‪ .4‬وعند البورقيبي الذي يحن للقافلة تسير‬ ‫‪ .5‬وعندك الإسلامي الغر الذي يغفل عن أن أول من سيضحي به هو الإسلامي \"المهف\"‪.‬‬ ‫ولا حول ولا قوة إلا بالله‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪116‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫التعليقات على مداخلة الدكتور الزبيدي تكاد تدور كلها حول ضعفه في التواصل أو حول‬ ‫تلكؤه في التعبير عما يريد أن يقوله وليس حول مضمونها ولا خاصة حول طبيعة التشخيص‬ ‫الذي يستند إليه تعليله لوجوب ترشحه لئلا يكون \"ديزارتور\" رغم أن الخطاب على علاته‬ ‫هو ما ينتظره شعب وضع في موقف يجعله بعفوية الحلول السهلة الرضا بهذا التفكير البسيط‬ ‫الذي يعتبر الخروج من التسيب والفوضى لا يكون إلا بما يرجع دكتاتورية العهد السابق‬ ‫حتى لو لم يكن ذلك هو قصد الزبيدي لأن المؤثر ليس ما قصده هو بل ما يفهمه الشعب من‬ ‫مثل هذا الخطاب المباشر والبسيط والذي يوقظ في أذهاب الشعب العادي الآليات البسيطة‬ ‫التي تعيد المسألة الخيار بين النظام والفوضى أو ما وصفه المرشح بالانخرام السياسي ذات‬ ‫مرة‪.‬‬ ‫ولا أنوي أن أطيل الكلام سأكتفي يخمس ملاحظات ولن أنسى أيا منها‪:‬‬ ‫• قد يكون التلكؤ في التعبير فضيلة وليس رذيلة لأنه قد يعني أن صاحبه \"يدير\" لسانه‬ ‫سبع مرات قبل أن يصبح جاريا وراء فيض الخاطر الذي يغلب على كل \"البهبارين\" من‬ ‫الساسة وما أكثرهم‪.‬‬ ‫لذلك فليس عندي ما أقوله في الأمر عدى ما بدا لي من أن الرجل يفكر في قلبه‬ ‫بالفرنسية ثم يترجم أفكاره بقدر ما يستطيعه لضعف زاده اللغوي في العربية وليس لعيب‬ ‫في النطق لأنه ليس \"وكواكا\" وقد يكون \"للتراك\" امام التصوير دور في ما يبدو عجزا عن‬ ‫التعبير‪.‬‬ ‫لذلك فهذا الوجه الاول من الرجل لا يعيني كثيرا لأني أكره البلاغة التي ليس وراءها‬ ‫فعل‪.‬‬ ‫• كلام الدكتور الزبيدي على موقفه من المحاصصة‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪117‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫وهذه أيضا قد تعتبر من المحامد لكثرة التلاوم بين الاحزاب حولها رغم أن الجميع لم‬ ‫يكون حزبا إلا لينال حصة من السلطة ومزاياها‪.‬‬ ‫لكنهم كلهم‪ ،‬وهو مثلهم‪ ،‬يفهمون القضية بتشخيص معكوس يخفي حقيقة الظاهرة بقصد‬ ‫أو بغير قصد‪ .‬وهو أمر لا أعجب له من غيره لكني أعجب له منه لأنه طبيب يعلم أن العلاج‬ ‫لا يكون بتسكين الأعراض إلا كبداية في انتظار التشخيص لمعرفة علة الداء‪ .‬وهذا هو‬ ‫الذي يدل على سطحية وجدته يعاني منها مثل البقية ولست أدري هل يفعل ذلك بوعي أو‬ ‫بغير وعي‪.‬‬ ‫فهل الأحزاب التي تلام على المحاصصة هي علتها أم هي معلولها؟‬ ‫أليست الأحزاب هي بدورها المستوى الأداتي من المحاصصة بين المافيات التي تنشئها‬ ‫لتخفي محاصصتها في الاقطاعيات التي تحكم البلاد؟‬ ‫لما كانت المافيات في تونس لها \"زعيم كبير\" كان في تونس حزب واحد يحدد صحة كل مافية‬ ‫صغيرة تأتمر بأوامره وكان في البلاد مافيتان أكبر هي مافية الحاكم وكبيرة وهي مافية‬ ‫الاتحاد‪.‬‬ ‫الآن صارت كل مافية صغيرة صاحبة حزب حتى تحقق نفس ما كانت تحققه ولكن باسم‬ ‫الديموقراطية‪.‬‬ ‫وإذن فعندما يتكلم الدكتور الزبيدي على رفض المحاصصة ينبغي أن يجيب عن سؤال‬ ‫أهم يتعلق بما يدعيه من كونه مرشحا مستقلا‪:‬‬ ‫هل له وراءه أحد؟‬ ‫ومن يكون؟‬ ‫وهل السبسي الذي يبدو أنه قد أوصاه \"بالوقوف\" لتونس لم يكن هو الذي بنى مدة‬ ‫حكمه عليها؟‬ ‫هل تقليد النظام الفرنسي أي الرئيس الذي تلتحق به الاحزاب ما زالت \"تاكل\" أي‬ ‫تنطلي على أحد؟‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪118‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫• كلام الدكتور الزبيدي على موقفه من الإرهاب قد يعتبر أيضا من المحامد لكثرة كلام‬ ‫جميع الأحزاب عليه فيكون بذلك حاصلا على الاجماع لكأنه كلام باسم وحدة التوانسة‬ ‫التي صار الجميع يتغنى بها ليخفي ما وراء ذلك من فصام خطير هو فصام الصدام الحضاري‬ ‫الداخلي العاكس للصدام الحضاري العالمي في علاقة بالإسلام‪ :‬ذلك أن المقصود بالإرهاب‬ ‫هو اتهام الإسلاميين وليس شيئا آخر رغم علم الجميع أنهم أعجز من أن يكون لهم كل هذه‬ ‫القوة التي حار فيها العالم كله‪.‬‬ ‫فالجميع لا يتكلم على الإرهاب إلا بالمعنى البدائي الذي يستعمله المستبدون العرب من‬ ‫عملاء الاستعمار الذي يحميهم اقليميا (إيران واسرائيل والثورة العربية المضادة) ودوليا‬ ‫(روسيا وأمريكا وفرنسا خاصة) وينسون أن الإرهاب فضلا عن كونه من أدوات هذه القوى‬ ‫في هذا الصدام الحضاري الداخلي (في مفهوم نمط المجتمع وصراع الهويات) العاكس‬ ‫للخارجي (في مفهوم الحضارة الغربية من يعاديها) وهو أيضا من أدوات تلك المافيات التي‬ ‫تعيش على الاقتصاد الموازي والتهريب وخاصة تجارة الجنس والمخدرات وتبييض الاموال‪.‬‬ ‫فهل الدكتور الزبيدي يعني بالإرهاب هذا المعنى الحقيقي؟‬ ‫أم هو ومثله كل الذين تبنوا التعريف الذي يخفي هذين التوظيفين يعتبرون دفاع‬ ‫الشعوب على حريتها وثقافتها إرهابا فيكونوا من جنس الاستعمار الذي يعتبرنا \"انديجان\"‬ ‫يريد تحضيرنا رغما عن أنوفنا بالحرب على ثقافتنا وباصطناع دواعش يبرر بهم وجوده‬ ‫في أرضنا واستباحة حرياتنا وثقافتنا التي يعتبرها معادية لثقافته؟‬ ‫• كلام الدكتور الزبيدي على الأمن أيضا من المحامد لو كان بمعناه الذي ينبغي أن يكون‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫لكنه كما يتبين مما قاله حول جمع أدواته بين يدي الرئيس ينحصر في الوظيفة الأولية‬ ‫التي تتعلق إما بجرائم الحق العام أو بالنقطة السابقة‪-‬الإرهاب بالمعنى الاستعماري‪ -‬بكل‬ ‫ما فيها من اخفاء لحقيقة الإرهاب الذي ينخر كيان البلاد في كل وظائفها وخاصة في شروط‬ ‫عيشها‪ .‬فهل فكر مثلا في الأمن الغذائي ولا أعني حماية الزراعة بل خاصة حماية الغذاء‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪119‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫من السموم التي يستعملها تجار الغذاء في كل المنتجات التي نأكلها وفي كل الأدوية التي‬ ‫نتعالج بها وفي كل المخدرات التي تباع جهارا نهارا في مدارسنا؟‬ ‫أم هو يكرر ما تحتج به كل الأحزاب التي تصف نفسها بالحداثية والتقدمية والتنويرية‬ ‫أي الأمن ضد الإرهاب بمفهوم واحد هو الذي وصفت في الباب السابق؟‬ ‫• وأصل إلى النقطة الخامسة‪ :‬هل يوجد عاقل يمكن أن يحلم بإمكانية إرجاع \"الجني بعد‬ ‫أن خرج من القارورة\" كما في مصباح صلاح الدين؟‬ ‫الجني الذي خرج من القارورة مضاعف‪:‬‬ ‫‪ .1‬إفساد الديموقراطية بفوضى خلاقة لجعل الشعب يكفر بها‪ ،‬وهذه الخطة نجحت إلى‬ ‫حد كبير بسبب غباء الإسلاميين الذين تصوروا أن النصوص الدستورية يمكن أن تحمي ضد‬ ‫العادات التاريخية وبسبب ذكاء المافيات التي تستعمل \"وداوني بالتي هي الداء\" يحبون‬ ‫الديموقراطية إذن فلنعطهم ‪ 220‬حزبا و\"لنسيب الماء على البطيخ\"‪.‬‬ ‫‪ .2‬تقديم ما يوهم بأنه الحل الشافي إذ حينها سيدعونا الشعب لإنقاذه منهم ومنها وحتى‬ ‫من كلمة الديموقراطية بحيث لا نحتاج لحكام قادرين حتى على النطق فالحاكم الفعلي أو‬ ‫من سماه المرحوم السبسي بالمسؤول الكبير لا يحتاج للأقوال هو يكتفي بالأفعال وتحريك‬ ‫الدمى‪.‬‬ ‫كذلك يقع إنضاج الوضع لما يسمونه البيان رقم ‪.1‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪120‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫قبل أن يوارى السبسي التراب كتبت مقالا بعنوان \"لست يؤوسا لكن الوضع ميؤوس منه\"‪.‬‬ ‫فظن الكثير أني محبط أو داع للإحباط‪.‬‬ ‫لكن الحقيقة هي الاعتماد على تشخيص عللته لاحقا بعرض تاريخي للوضعية السياسية‬ ‫والاجتماعية والثقافية وخاصة لطبيعة العلاقات الدولية التي ترتبط بها سياسة تونس منذ‬ ‫الاستقلال‪.‬‬ ‫فهذا الاستقلال هو في الحقيقة حماية مقنعة أشد وطأة من الحماية التي سبقتها لأن ما‬ ‫جعلته يصبح ممكنا كان مستحيلا‪ .‬وهو ما صار يعتبر حاليا المسألة الأولى في اهتمام من‬ ‫يريدون مواصلة تلك السياسة‪.‬‬ ‫فما أصفه هنا بأدواء تونس المزمنة يمكن بجملة قصيرة حصره في تراكم مراحل تاريخ‬ ‫تونس الحديث منذ نشأة أول حزب سياسي بالمعنى الحديث للكلمة إلى تفتت آخر حزب‬ ‫سياسي توهم صاحبه احياء أول شقوق (حزب بورقيبة) الحزب الأول (حزب الثعالبي)‪.‬‬ ‫فكان مآله التشقق أكثر منه (حزب السبسي)‪:‬‬ ‫الحزب الدستوري الجديد بداية‪:‬‬ ‫وهو الذي آل إلى الحماية الثانية موضوع بداية الحرب الأهلية بين البورقيبية‬ ‫واليوسفية وفيه برز دور الاتحاد الصريح بعد دور سلفه الأول غير الصريح في معركة‬ ‫بورقيبة والثعالبي تحت اسم الدوكارات‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪121‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫حزب نداء تونس‪:‬‬ ‫الذي يزعم إحياء حزب بورقيبة غاية‪ .‬وكان ذلك محاولة للنكوص إلى ما قبل معركة‬ ‫التحرر‪-‬ثورة الربيع التي فهمت ضرورة استكمال التحرير في تونس وفي الإقليم‪ .‬فكان إذن‬ ‫منتسبا إلى إرادة الابقاء على الوضع الذي أنتجته الحماية الثانية والاستعمار غير المباشر‬ ‫الذي وصل إلى غاية الاستراتيجية الحربية كما يسميها فيلسوف الاستراتيجيا كارل فون‬ ‫كلاوسفيتز‪ :‬الحرب على إرادة الصمود الروحية في الجماعة المؤدية إلى الاستسلام للعدو‬ ‫والتوقف عن المقاومة الروحية التي سر كل صمود‪.‬‬ ‫مسار حزب ابن علي أو ما يسمى بالإنقاذ الأول‪:‬‬ ‫والذي انتهى إلى النظام المافياوي ذي الراسين الحزب الحاكم و\"الحزب\" النقابي مع ما‬ ‫يحيط بهما من توظيف أسري وقبلي ومناطقي كلها مافيوزية‪.‬‬ ‫مسار حزب السبسي أو ما يسمى بالإنقاذ الثاني‪:‬‬ ‫وهو حصيلة الجمع بين ‪ 2‬و‪ 3‬والنهاية وانتهى إلى التفتت الحالي وترهل الاتحاد الذي‬ ‫فقد المصداقية ولم يبق فيه إلا عنتريات الباندية‪ .‬وهما يخوضان معركة مافيات يخفونها‬ ‫بالصراعات الايديولوجية التي نراها على السطح ‪-‬النمط الاجتماعي‪ -‬للتغطية على‬ ‫الصراع بين رأسي المافيتين‪.‬‬ ‫الوضعية الراهنة‪:‬‬ ‫التي وصلنا إليها هي التعفن المطلق الذي لا أرى له علاجا ممكنا إما لعدم وجود القائد‬ ‫القادر عليه أو لعدم وجود القوة السياسية المؤمنة به والتي يعتمد عليها القائد برنامجه‬ ‫فقد بات شبه مستحيل السيطرة على المافيتين‪ .‬ومن ثم فلا يمكن لأحد أن ينجح في‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪122‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫الانتخابات إلا بالصلح بين المافيتين بالمحاصصة البنيوية وصلحهما يحتاج إلى عدو يكون على‬ ‫حسابه عدو مشترك لا بد أن يكون كل من يريد تحقيق شروط التحرر والتحرير‪ :‬أي كل‬ ‫من له صلة قريبة أو بعيدة بالثورة‪.‬‬ ‫لكنهم يخفونها بمعركة صدام الحضارات والنمط الاجتماعي‪ .‬وصحيح أن هذا التنكر‬ ‫ليس مقصورا على تونس بل هو يشمل الإقليم كله بقيادة عالمية في مسعى تمتين نتائج‬ ‫سايكس بيكو الأولى وتعميمها في سايكس بيكو ثانية خوفا من ثمرات ما يسمى بالربيع العربي‬ ‫وخاصة في شكله الأخير الذي يمثله صمود سوريا وليبيا وبداية حراك الجزائر‪.‬‬ ‫فما سميته بصدام الحضارات الداخلي أو ما يسمونه بالنمط المجتمعي الذي يتهم‬ ‫الإسلاميون بإرادة تغييره والذي تحول إلى المعركة الرئيسية ليس في تونس وحدها بل في‬ ‫كل بلاد العرب هو الذي يحول دون النفاذ إلى القضايا التي تتألف منها أمراض تونس‬ ‫المزمنة والتي تحول دون البناء الديموقراطي ودون تحقيق شروط التنمية بكل معانيها‬ ‫وخاصة التنمية التي تحقق شروط السيادة رعاية وحماية‪.‬‬ ‫و في هذا المناخ نحن مقدمون على اختيار رئيس الدولة‪ .‬والمنتظر أن يكون برنامج‬ ‫الإصلاح متضمنا الأساسيات التي ينبغي ألا يكون حولها خلاف بين من سيختاره الشعب أيا‬ ‫كان إذا كان برنامجه مستجيبا للحاجيات التي تتطلبها الوضعية المعيقة للبناء‪ .‬وهو يقتضي‬ ‫التغلب على مصاعب الظرفية الحاصلة ليس بعد الثورة وحدها بل خلال الستين سنة‬ ‫الماضية‪ .‬فـما نعاني منه الآن ليس ناتجا عن الثورة وحدها‪ .‬ولا يكفي العودة إلى ما قبلها‬ ‫لنقول إن الإصلاح قد تم بدعوى أن الوضع كان أفضل مما حصل منذ الثورة‪ .‬فهي نفسها‬ ‫كانت من العلامات على فشل ما قبلها أو على مآله إلى مآزق وآفاق مسدودة لم تكن الثورة‬ ‫أصلا فيها بل كانت فرصة ظهورها وبروزها للعيان‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪123‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫لذلك فإني لا أعتقد أن الاختيار يتعلق بوجود الشخص الكفء أو بعدم وجوده‪-‬لأن‬ ‫تونس لا تخلو من النخب الكفؤة‪ -‬بل هو يتعلق بشروط انتخابه وبطبيعة القوة التي‬ ‫ستسنده ليس في الوصول إلى كرسي الرئاسة بل في علاج أدواء تونس‪:‬‬ ‫فهل يمكن تصور الوصول ممكن من دون توافق بين المافيتين أولا؟‬ ‫وهل يمكن تصور توافقهما يمكن أن يتحقق بشروط العلاج أو بشروط بقاء سلطانهما‬ ‫وهما متنافيان لأن الداء هو بقاؤهما؟‬ ‫كل أدواء تونس هو هذه المافيات التي تسيطر على مفاصل الدولة والمجتمع المنتج‬ ‫اقتصاديا وثقافيا والتي تتخفى تحت أسماء أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني‬ ‫ومؤسسات إعلامية يعسر السيطرة عليها خاصة وهي تعتمد على قوى أجنبية نافذة‪.‬‬ ‫وإذا اعتبرت المشكل ذاتيا بمعنى إذا سألت نفسي لمن ستصوت فهل أستطيع أن افعل من‬ ‫دون أن اجيب عن هذين السؤالين؟‬ ‫فسؤال لمن سأصوت في الرئاسيات يعني سؤال نفسي حول‪:‬‬ ‫تحديد معايير الاختيار من بين ما يقرب من ‪ 30‬مرشحا كلهم يدعون حيازة البلسم لمرض‬ ‫لا أحد منهم يقبل بأن يشخصه تشخيصا علميا وبشجاعة سياسية لا تخفي الحقيقة عن‬ ‫الشعب مكتفية بالكلام المعسول قبل أن يدعي له علاجا‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪124‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫وتحديد شروط العلاج السلمي لتخليص تونس من مافيتيها لأن كل ما يمكن أن يزيد‬ ‫المعركة اشتعالا ليس علاجا بل هو تحقيق قتل المريض حتى لو سمينا ذلك موتا رحيما‪.‬‬ ‫سأقدم فرضية تبدو لي الوحيدة ذات المصداقية رغم أنها لا تبقي من بين المترشحين إلا‬ ‫اسمين والبقية دون التشكيك في قيمتهم الذاتية ليس له الشرط الأساسي وهو القوة‬ ‫السياسية الممثلة لقسم مهم من الشعب‪ .‬فمن دون قوة سياسية ذات التمثيلية المعتبرة لا‬ ‫يمكن أن يكون المترشح ممثلا لإرادة الشعب بمعنى التمثيل الديموقراطي السلمي الذي من‬ ‫علامته الحصول على الأغلبية القادرة على الحكم حصولا سلميا وحرا ونزيها دون لجوء إلى‬ ‫وسائل التزييف والعنف‪.‬‬ ‫والشخصان اللذان يمكن وصفهما بهذه الصفات يمكن اعتبارهما ممثلين لقوتين سياسيتين‬ ‫شبه قارتين في كل تاريخ تونس السياسي العميق وهما قوتان تبحثان حاليا أي منذ ما يسمى‬ ‫بالثورة عن التوازن ولم تصلا إليه لأنه صار مشكل الإقليم كله وليس خاصا بتونس وحدها‪.‬‬ ‫فالمعركة بين من يدعون التحديث ومن يدعون التأصيل‪-‬وهي المعركة التي حالت دون‬ ‫علاج البناء هدف السياسة الحقيقي والذي لو عولج لصارت معركة التأصيل والتحديث من‬ ‫أعراضها كالحال في كل الدول التي بدأت معنا وقبلنا في الغرب ‪ -‬هي معركة الانتقال من‬ ‫وضعيات القرون الوسطى إلى الوضعية الحديثة بوصفه نتيجة للتنمية وليس شرطا فيها‪.‬‬ ‫وبهذا المعنى فبين أنه من بين الثلاثين مرشحا يبدو لي أنه لا يوجد إلا شخصان وراؤهما‬ ‫قوة سياسية بهذا المعنى يمكن أن تعتبر كافية في وضع سياسي عادي قد يخرج تونس من‬ ‫أزماتها‪ .‬وهي أزمات نتجت عن قلب العلاقة بين العلة والمعلول في تحديد شروط البناء‬ ‫الديموقراطي السليم وتحقيق شروط التنمية التي يتفرغ لها الشعب المتصالح مع ذاته‬ ‫وتاريخه‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪125‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫وهذان الشخصان اللذان تتوفر فيهما هذه الشروط التي تجعل الخيار بينهما قابلا للوصف‬ ‫بأنه سياسي بمعايير سياسية سوية سأذكرهما دون مفاضلة تعين اختياري الشخصي لأن ذلك‬ ‫من أسرار الانتخابات‪ .‬وكلاهما يسميان بالعبودية لله مضافة إلى أحد أسمائه الحسنى وهو‬ ‫أمر ذو دلالة عندي إذ لعل صدفة الجمع بين الكرم والفتح من بشائر الخير على تونس‬ ‫خاصة إذا جرى التنافس بشروط الفروسية‪:‬‬ ‫عبد الكريم الزبيدي‪:‬‬ ‫فمن بين الصف الذي ينتسب إلى البورقيبية ‪ -‬كما أعلن في تصريحه الأخير لإذاعة سوسة‬ ‫‪ -‬يمكن اعتبار الزبيدي أقلهم تعلقا بإشكالية المعركة بين الحداثة الأصالة وكلامه كله يتعلق‬ ‫بالمصالحة وقلب الصفحة والسعي إلى البناء مع كل التونسيين ما يعني أنه في هذا الكلام‬ ‫راجع الاعلان الاول على النقاط الخمس ويكون قد غلب تأويلي الموجب لها بدلا من تأويلي‬ ‫السالب الذي كان يبدو راجحا لدي‪.‬‬ ‫عبد الفتاح مورو‪:‬‬ ‫ومن بين الصف الذي ينتسب إلى الثعالبية يمكن اعتبار مورو أقلهم تعلقا بإشكالية المعركة‬ ‫بين الاصالة والحداثة لأنه جمع بين الثقافتين الجمع الملم بأهم ما فيهما إذ هو خريج‬ ‫الصادقية والقانون مع المعرفة بأهم فرع من فروع ثقافة الغرب (الألمانية) وخريج‬ ‫الزيتونة والفقه مع المعرفة بأهم فرع من فروع ثقافة الإسلام (التفسير الحديث)‪.‬‬ ‫وكلا الرجلين له وراءه قوة سياسية معتبرة‪ .‬ولو التقيا لكان بينهما توافق حقيقي وليس‬ ‫مغشوشا كالذي حصل بين السبسي والغنوشي وفي مناخ من التوجس المتبادل والخوف الذي‬ ‫استبد بالإسلاميين بعد فضائع ما جرى في مصر وما يجري في سوريا وليبيا ولاستطاعا قلب‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪126‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫صفحة الحرب الأهلية الباردة أحيانا والحامية أخرى للشروع الفعلي في إخراج تونس من‬ ‫الحرب الأهلية‪ .‬فلا يمكن أن يكون أي منهما خاضعا للابتزاز اليساري والقومي والنقابي‬ ‫وخاصة لمافيات التهريب والاقتصاد الموازي‪.‬‬ ‫لكن هل يمكن اعتبار من وراء الزبيدي صادقين مثله فلا يكونون متخفين وراءه وهم‬ ‫ممن وصفت من المافيات التي حصلت خلال تاريخ فشل المرحلة البورقيبية وما آلت إليه من‬ ‫دم وما تلاها من انقاذ مزيف هو الذي فرخت في عهده المافيات واصبحت تونس نصف‬ ‫اقتصادها خارج سلطان الدولة وما بين يدي الدولة هو بدوره خارج سلطانها لأنه ما يزال‬ ‫تحت سلطان فرنسا؟‬ ‫وهل يمكن اعتبار من وراء مورو لهم مهرب من ذلك فيتجنبوا الوقوع في اغراءات نفس‬ ‫المطب وإن بتدريج لعل ما يحول دون تسريعه هو الحرب الحضارية باسم النمط الاجتماعي؟‬ ‫وإذن فالمشكل كما أسلفت أو مشكل تربيع الدائرة ليس في وجود من يستطيع أن ينظف‬ ‫الجرح حتى يندمل بل هو أعمق من ذلك لعلتين‪:‬‬ ‫القوة التي وراء الزبيدي لن تسمح له بأن يحقق ما يعد به أعني الصلح لحسم هذا‬ ‫الصراع واخراج تونس منه‪ .‬وهذه القوة التي تريد استغلال الزبيدي ‪ -‬حتى وإن قال إنه‬ ‫مطلق الاستقلال وهو كلام ليس سياسيا لأن الرجل ليس له عصا موسى حتى لو فرضنا أن‬ ‫الجيش معه وهو أخطر ما يمكن أن يؤول إليه وضع تونس لأنها حينئذ تكون قد تخلت عن‬ ‫أهم انجاز ندين به لبورقيبة أعني ابقاء الجيش خارج العبث السياسي كالحال في بلاد العرب‬ ‫الاخرى ‪ -‬لأن تونس كما أسلفت هي اليوم بلد المحاصصات بين نوعي المافيات السياسية‬ ‫والنقابية‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪127‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫القوة التي وراء مورو هي الهدف الأول والأخير لكل القوى التي وراء الزبيدي وحتى‬ ‫للتي تدعي الوسطية والديموقراطية وهي بمقتضى وزن الريشة ستكون من توابع القوى‬ ‫الاولى ما قد يضطر الإسلاميين إلى الرقص مع الراقصين بمقتضى الحاجة للتكيف من أجل‬ ‫البقاء‪.‬‬ ‫لكن الاخطر من ذلك كله هو أن هذه اللعبة التي تحول دون الصلح الحضاري بين الأصالة‬ ‫والتحديث أو بين ثقافة الشعب وثقافة النخبة المستلبة صارت هي الغالبة في كل الإقليم‪:‬‬ ‫فهي محلية (في كل بلد عربي على حدة) وهي جهوية (التجمعات الجهوية مثل المغرب‬ ‫والخليج وإلخ‪ ).‬وهي اقليمية (في كل الاقليم الذي يسمى الشرق الأوسط الكبير) وهي‬ ‫عالمية لأن الغرب اليوم وخاصة أمريكا وإسرائيل يعتبران الحرب على التحرر الإقليمي من‬ ‫الاوليات والتحرر الإقليمي هو بالأساسي التحرر الثقافي والاقتصادي والسياسي ومن ثم فهو‬ ‫ما يسمى للتغطية حربا على \"الإرهاب والإسلام السياسي\"‪.‬‬ ‫قصصت في هذه المحاولة حيرتي الشخصية واعتقد أن الكثير يقاسمني هذه الهواجس‪.‬‬ ‫والمفروض أن يكون المرشحان متفقين على الإصلاحات الأساسية حتى وان تمايز كل منهما‬ ‫بأسلوب خاص في التعامل مع المعضلات‪ .‬واعتقد أن هذه الأساسيات من جنسين‪:‬‬ ‫الأول يتعلق بإصلاحات دستورية حول نظام الحكم وتوزيع السلط وخاصة حول نظام‬ ‫القوى السياسية ونظام الاحزاب والانتخابات التي تبعد \"الذباب\" على صحن عسل السلطة‬ ‫الذي آل إلى العبث والمهازل‪.‬‬ ‫الثاني بالحد من كلفة الدولة ودورها الذي جعلها \"تكية\" للمافيات وليست حكما تحتكم‬ ‫إليه القوى المنتجة بحق وليس الطفيليات التي تمص دم الدولة ومؤسساتها لكأنها دولة‬ ‫شيوعية أو حتى مشاعية للمافيات السياسية والنقابية التي جعلتها اقطاعيات تتمعش منها‬ ‫وتفقر البلاد والعباد‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪128‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫لكن هذا البرنامج لا يمكن الفراغ له إذا ظلت المغالطات تحول حول نمط المجتمع‬ ‫والإصلاح الديني وكل التخريف الذي قضت فيه تونس ستين سنة فوجدت نفسها في الأخير‬ ‫لم تحقق إلى فترينة كسرت الثورة بلورها فأظهرت اعوارها وعيوبها وهي الوضعية الحالية‬ ‫التي علينا الخروج منها في أقرب فرصة وإلا فسنزداد غرقا‪.‬‬ ‫والله يقدر الخير‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪129‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫حاولت حصر أصناف القوى السياسية أو الأحزاب بمعيار الغايات لتخليصها من تصنيفها‬ ‫بالمرجعيات مع استعمال معيار شكلي نتج عن صدفة تاريخية هي جلوس النواب في برلمان‬ ‫الثورة الفرنسية‪ .‬لكني لم أبين القصد البعيد لأن ما ورد في كلامي كان شبه مقصور على‬ ‫رفض التعدد اللامعقول للأحزاب في تونس وخاصة بعد الثورة‪.‬‬ ‫أريد اليوم أن استكمل هذه المحاولة لبيان القصد البعيد ويهم خاصة الحركات الإسلامية‬ ‫التي جعلها غرقها في التصنيف بالمرجعية تضيع الغائية التي بقيت ضمنية ومتعددة بتعدد‬ ‫التأويلات المرجعية باختلاف الفرق الكلامية والمذاهب الفقهية‪.‬‬ ‫وقصدي البعيد هو تحريرها من هذا الخطأ التاريخي الذي لا يمكن من دون تجاوزه‬ ‫التحول إلى قوة سياسية بالمعنى الحديث للكلمة فضلا عن الوزن الذي يصبح عظيما لأن‬ ‫الاختلافات الفرقية والمذهبية تصبح شبه تيارات في نفس القوة السياسية التي تتحدد‬ ‫بغاياتها وليس بتأويلاتها لنفس المرجعية‪.‬‬ ‫سأبدأ أولا بالقول إن التحديد بالمرجعية ليس خاصا بالإسلاميين‪ :‬فالذين يتكلمون على‬ ‫الوسطية والديموقراطية والحداثية واليسارية والقومية كلهم يتحددون بالمرجعيات العامة‬ ‫ويختلفون بتأويلاتها ومن ثم فهم غارقون في نفس المأزق الذي غرقت فيه الحركات‬ ‫الإسلامية‪ .‬وتلك هي علة التعدد الزائف والذي هو عبث ناتج عن قصور نظري في فهم‬ ‫دلالة القوة السياسية‪.‬‬ ‫وأكثر من ذلك فإنهم قد جعلوا الغايات مرجعيات لعدم التمييز بين المفهومات ما يعني‬ ‫أنها أصبحت لا تعني شيئا‪ .‬فهي قد أصبحت من جنس من يخلط بين الدولة ونظامها السياسي‬ ‫أو بين الكيان (الدولة) وأدوات تحقيق وظائفه (النظام)‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪130‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫فالديموقراطية أداة ونظام حكم وليست مرجعية‪ .‬فمرجعيتها هي طبيعة المشاركة في‬ ‫الحكم من منطلق تعريف الحرية السياسية‪ .‬والوسطية منزلة في مرجعية وليست غاية ولا‬ ‫مرجعية كذلك‪ .‬وهلم جرا من التصنيفات العبثية في الاحزاب التونسية‪.‬‬ ‫هبني الآن حذفت صدفة التموقع في المجلس النيابي للثورة الفرنسية ‪-‬يسار يمين‪-‬وذكرت‬ ‫الأصناف الخمسة التي ذكرتها في تصنيفي السابق الذي كان الهدف منه بيان عبث تجاوز‬ ‫هذا العدد خمسة‪:‬‬ ‫‪ .1‬فعبارة اليمين لا معنى لها في ذاتها لا كمرجعية ولا كغاية للفعل السياسي بل المعنى‬ ‫الضمني لما يمثله موقف الجالسين يمنة في لا مجلس‪.‬‬ ‫‪ .2‬واليسار نفس الملاحظة حول ‪.1‬‬ ‫‪ .3‬ويسار اليمين لكن الجمع بين اللامعنيين صار ذا معنى لأنه يحدد علاقة بين المعنيين‬ ‫الضمنيين في الاولين لأن المعنى الذاتي هنا هو حاجة الطرفين أحدهما إلى الآخر لتحديد‬ ‫موقف مؤلف من الضميرين‪.‬‬ ‫‪ .4‬ويمين اليسار نفس الملاحظة حول ‪.3‬‬ ‫‪ .5‬والوسط هو الذي يتردد بين الأولين أو بين المؤلفين منهما بحسب الانتهاز في اتباع من‬ ‫يصل منهما إلى الحكم‪.‬‬ ‫فعندما أزيل الكلمتين يمين ويسار وأعوضهما المعنى الضمني للمواقف أكون عرفتها‬ ‫بالغاية فاعتبرت الأول مهتما بالشروط المشجعة لإنتاج الثروة مثل حرية الملكية وشرعية‬ ‫الربح إلخ‪...‬وطبيعية الفروق الطبقية التي تنسب إلى ثمرة العمل‪ .‬والثاني عرفته‬ ‫بالعكس أي تشجيع التوزيع العادل للثروة مثل الحد من حلق الملكية والحد من الربح إلخ‪..‬‬ ‫وعدم طبيعية الفروق الطبقية التي تنسب إلى استغلال السلطة‪.‬‬ ‫ثم اضطر الأول إلى أخذ شيء من الثاني ليس من أجل الحد من الصراع الاجتماعي‬ ‫فحسب بل لأن الانتاج يحتاج إلى الاستهلاك ومن ثم فلا بد من توسيع عدد المستهلكين‬ ‫بتوزيع للثروة يمكن من الموازنة بين العرض والطلب‪ .‬واضطر الثاني إلى أخذ شيء من‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪131‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫الاول ليس من أجل الاعتراف بحق الملكية وشرعية الربح والقبول بشيء من الفروق‬ ‫الطبقية الناتجة عن ثمرة العمل بل لأن التوزيع العادل يقتضي إيجاد ما سيوزع ومن ثم فلا‬ ‫بد من تشجيع دوافع الانتاج‪.‬‬ ‫فتبين أن الغاية لا يمكن أن تكون اقتصادية بحتة ولا اجتماعية بحته بل أكثر من ذلك‬ ‫تبين أن الاقتصادي بحد ذاته يقتضي موازنة دقيقة بين الانتاج والتوزيع ومن ثم بين‬ ‫اللامساواة والمساواة في آن بمعنى أن المساواة عمل خلقي وظيفته تعديل ظاهرة طبيعية‬ ‫أي إن البشر بخلاف وهم صاحب العقد الاجتماعي لا يولدون متساوين ولا أحرارا بل‬ ‫يصبحون متساوين وأحرارا بالتعديل الخلقي والقانوني الذي يتدارك ما ينتج عن الفروق‬ ‫الطبيعية بتعديلها الخلقي‪ .‬والتعديل الخلقي هو بدوره يؤدي وظيفة طبيعية أسمى من‬ ‫الأولى‪ :‬فالفروق تؤدي وظيفة طبيعية هي ما يترتب عليها من تنافس في تحقيق شروط‬ ‫البقاء وتعديلها الخلقي هو بدوره يؤدي وظيفة طبيعية أسمى وهي تحقيق شروط العيش‬ ‫المشترك السلمي لأن التفاوت المشط بين الطبقات يؤدي إلى الحرب الاهلية الدائمة بين‬ ‫الطبقات‪.‬‬ ‫وبهذا المعنى فالتعديلان أي أخذ الأول من الثاني البعد الاجتماعي وأخذ الثاني من‬ ‫الاول البعد الاقتصادي مسألة سياسية بامتياز بمعنى أنها العلاج الخلقي والطبيعي لشروط‬ ‫العيش المشترك السلمي في الجماعة أيا كانت بما تحققه من توازن بين الطبيعي والخلقي‬ ‫في حياة الإنسان‪ :‬وهو ما يخرجه من التاريخ الطبيعي ويسمو به إلى التاريخ الروحي‪.‬‬ ‫بعد هذا الاستنتاج الذي يثبت أن ما حدث في القوى السياسية في الحضارة الغربية لم‬ ‫يكن من الصدف التي ليس لها اساس في طبيعة الأشياء بل هو تطور حتمي في تنظيم القوى‬ ‫السياسية التي يمكن أن تكون ذات قاعدة شعبية وازنة تستطيع أن تحكم وقاعدة شعبية‬ ‫وازنة تستطيع أن تعارض وكلتاهما تعترف بالأخرى لأنها صارت مثلها ولا تتميز عنها إلا‬ ‫بالدرجة وليس بالطبيعة‪ :‬فكلتا القوتين تعترف بالحاجة إلى توازن بين الاقتصادي‬ ‫والاجتماعي لكن التمايز بينهما كمي وترتيبي بمعنى مقدار العاملين وأيهما المقدم‪ .‬وبين‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪132‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫أن الكم والترتيب ليسا ثابتين ومن ثم فالتداول يصبح مفهوما‪ :‬إذا وقع ضيم للإنتاج يصبح‬ ‫أصحابه أصحاب الأغلبية في الجماعة ويكون أصحاب الاستهلاك هم المعارضة والعكس‬ ‫بالعكس مع عدم تجاهل حاجة كلا الفريقين أحدهما إلى الآخر ومن ثم فلا وجود لعداوة‬ ‫جذرية في التنافس السياسي لأنه ليس كيفيا بإطلاق بل هو في الحقيقة تنافس كمي ومتردد‬ ‫بين الصفين بتردد الازمة في الاستهلاك أو في الانتاج‪.‬‬ ‫وحتى تحد الدولة الحديثة في هذا التداول لمنعه من أن يتحول إلى أزمات حادة أوجدت‬ ‫وظائف تدخل الدولة في رعاية المؤسسات الاجتماعية وفي رعاية المؤسسات الانتاجية‪ .‬ولهذه‬ ‫العلة اعتبرت الدولة الحديثة بخلاف تخريف صاحب الدولة المستحيلة وصديقة نافي‬ ‫الأخلاق عن الحداثة أكثر خلقية وأسمى من دولة الفقهاء التي هي كذبة لم توجد أصلا‬ ‫لأن الفقهاء كانوا دائما كما نراهم اليوم مجرد خدم عند المستبدين ومن شذ منهم عن ذلك‬ ‫كان نادرا ولا يتجاوز شذوذه بعض النكت الشعبية عن شجاعة في الاقوال لا تغير الأفعال‪.‬‬ ‫وآتي الآن إلى أمر ورد في مقالتي حول تصنيف الأحزاب ولا يمكن أن يقبل به لا‬ ‫الإسلامي ولا أضداده من الأحزاب التي تنتحل أسماء يزعمونها حداثية أعني اليساري‬ ‫(الجبهة في تونس الليبرالي والقومي‪ .‬فقد اعتبرت القوة السياسية الإسلامية إذا كانت‬ ‫بحق معبرة عن رؤية الإسلام وحددت نفسها كقوة سياسية بالمعنى الحديث فإن الكلام على‬ ‫المرجعية عديم المعنى ولا يبين حقيقة أهدافها بل لا بد من تحديدها باعتبارها يمين اليسار‬ ‫بالمعنى الذي ذكرت حينها والآن‪:‬‬ ‫‪ .1‬فهي بالمعنى المطلق وخاصة في عهد الرسول والصحابة كانت يسارا خالصا بمعنى أنها‬ ‫كانت مهتمة بتوزيع شروط الحياة وليست مهتمة بإنتاجها خاصة وهي لم تكن منتجة بل المنتج‬ ‫كان إما الطبيعة أو الشعوب التي فتحت أرضها ومن فيها من العبيد والخدم والثروات‪ .‬ولم‬ ‫يكن التغير متعلقا بمصدر الثروة بل بتوزيعها ما يعني أن الجماعة التي يتعلق بها التوزيع‬ ‫توسعت فصارت الأمة ولم تبق القبيلة كما كان عليه الأمر في الجاهلية‪ .‬وحتى يتحقق ذلك‬ ‫وضعت ابواب الميزانية أو الانفاق من بيت مال المسلمين بالمعنى المحدد في البقرة ‪.177‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪133‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ .2‬لكن بمجرد أن أصبحت دولة مستقرة أصبحت أمام مشكل كبير هو أن هذا التوزيع‬ ‫الاشتراكي إن صح التعبير لثروة لم يقع إنتاجها فعليا بل هي إما انتاج الطبيعة أو ثمرة‬ ‫الفتح لم يعد ممكنا فأصبح في الحقيقة مقصورا على الحكام والحاميات واصبحت وظائف‬ ‫التوزيع الاشتراكي من جنس ما حدث في البلدان الشيوعية مقصورة على النمنكلاتورا‬ ‫وبقية الشعب تعيش على الكفاف‪.‬‬ ‫وكان لا بد من التفكير في تشجيع الانتاج بالطرق المتاحة‪ .‬وهو أمر لم يصبح حاجة‬ ‫حقيقية إلا في العصور الحديثة ولم تكتشف الأمة سره إلا بعد أن غلبت على امرها لأن من‬ ‫تغلب عليها حقق ذلك بإنتاجه \"الصناعي\" الذي جعله أكثر سيطرة على الانتاج الطبيعي‬ ‫وعلى الغزو وتلك هي بداية الاستعمار الغربي وسر نجاحه في استعمار دار الإسلام كلها‪.‬‬ ‫ومن ثم فإذا كنا نريد أن نكون قوى سياسية تدعي المرجعية الإسلامية وحددناها‬ ‫بالأهداف وليس بالمرجعية لأن كل المسلمين يمكن أن يزعموا الإسلام هو الحل فلا بد من‬ ‫أن نحدد الهدفين اللذين تتحدد بهما أي قوة سياسية يمكن أن تكون لها قاعدة شعبية كافية‬ ‫للحكم أو للمعارضة الوازنتين دون أن يكون ذلك مصدرا للعداوة مع غيرها ودون أن يعير‬ ‫ذلك بأحكام المرجعية في بعدها الماورائي (كافر ملحد إلخ‪.)...‬‬ ‫وهو ما يعني أنها ينبغي أن تكون بالغاية الأصلية الثابتة في نصوص الإسلام أعني عدل‬ ‫التوزيع وبالغاية المعدلة لها وهي تشجيع الإنتاج‪ .‬فتكون بذلك كما عرفتها يمين اليسار‬ ‫بالمعنى الاصطلاحي الحديث أي إنها تقول بالعدل الاجتماعي وبشرطه أي الانتاج‬ ‫الاقتصادي الذي يحققه‪ .‬ولما كان الامر متعلقا بمهمتي الإنسان في الدنيا أي التعمير‬ ‫والاستخلاف فلا حاجة حينئذ للمقابلات التي تتأسس على المرجعية بمعناها الذي تترتب‬ ‫عليه الأحكام الفقهية في صلتها بالأخرى‪ .‬ولذلك فالبقرة ‪ 177‬بدأت بأن نفت أن يكون‬ ‫الدين الحق متعلقا بالعبادات المشعرية مقدمة على الجمع بين الغايات العقدية التي تتأسس‬ ‫عليها العدالة الاجتماعية في الجماعة التي بنيت من أجل تحقيق شروط حياة البشرية التي‬ ‫يعرفها القرآن بالأخوة (النساء ‪ )1‬وبالتعارف والمساواة (الحجرات ‪ .)13‬وهذا كاف‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪134‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ليتحرر الإسلاميون من الخلافات حول تأويل المرجعية الذي يترك للضمائر الفردية وليس‬ ‫للعمل السياسي ويكتفون بالغايات من السياسي في الرؤية القرآنية التي لا تعتبر الحكم‬ ‫جزءا من العقيدة بل هو كما عرفه ابن خلدون في كلامه على علم الكلام اجتهاد الجماعة‬ ‫لرعاية المصالح العامة‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪135‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫بينت في محاولة سابقة علل تعريف القوى السياسية بالغايات وليس بالمرجعيات‪ .‬وكان‬ ‫بياني مبنيا على حصرها في دورها السياسي بمعنى إدارة الأمر السياسي ‪-‬أي تحقيق إرادة‬ ‫الجماعة في كل ما يحافظ على كيانها‪-‬وهو الأمر الذي يعتبر واحدا مشتركا في مرجعيتها‬ ‫كلها‪.‬‬ ‫الفرضية الضمنية هي أنها مجمعة على المرجعية من حيث الطبيعة مهما اختلفت حول‬ ‫تأويلاتها‪ .‬فالمرجعيات ليست تحكمية ولا يحددها جيل من أجيالها بل هي حصيلة تاريخية‬ ‫صارت الأجيال المتوالية تعرفها بالاشتراك بينها في الأحياز الواحدة التي تعرف كيان‬ ‫الجماعة التي تملكها أبا عن جد أعني‪:‬‬ ‫‪ .1‬جغرافيتها‪.‬‬ ‫‪ .2‬وثمرة تفاعلها مع عمل الأجيال لسد حاجاتها المادية (الثروة)‪.‬‬ ‫‪ .3‬وتاريخها‪.‬‬ ‫‪ .4‬وثمرة تفاعله مع عمل الجماعة لسد حاجاتها الروحية (التراث)‪.‬‬ ‫‪ .5‬واصل ذلك كله هو رؤية الشعب لذاته وعلاقته بالعالم وما بعده‪-‬ما يضفي عليه‬ ‫معنى‪ -‬أو تعريف الشعب لذاته بنسبه الحضاري والروحي‪.‬‬ ‫لكن ما قلته في هذا التحليل لم يعد قابلا للانطباق على الأقطار التي سعى الاستعمار‬ ‫لتفتيت وحدتها المرجعية هذه إذا تبنت رؤاه لها واعتبرته نموذجا لمستقبلها بعد أن يكون‬ ‫قد فتت جغرافيتها لاستباحة ثرواتها وشتت تاريخها للقضاء على تراثها إلى حد الوصول‬ ‫إلى الحط من مرجعيتها وجعل نخبها تعوضه في حربه عليها‪ :‬فهذه هي آخرة مراحل الهزيمة‬ ‫بالنسبة إلى المغزوين كما عرف ذلك كلاوسفيتز في تحديده لمراحل الهزيمة في الحروب سواء‬ ‫كانت عسكرية أو حضارية‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪136‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫وهذه الوضعية هي التي تفسر أهمية المعركة حول المرجعيات خلال حروب الاستقلال‬ ‫التي لم تنته لأنها عولجت بصورة تنقل أوطاننا من الاستعمار المباشر إلى الاستعمار غير‬ ‫المباشر‪.‬‬ ‫ذلك أن الاستعمار لم يكن سياسيا فحسب بل كان حضاريا أي إنه وصل إلى حد الغزو‬ ‫المصحوب بالتبشير الديني والإيديولوجي‪.‬‬ ‫وتلك هي الوضعية الحالية التي تضعنا أمام ما يجعل المهمة شبه مستحيلة‪.‬‬ ‫ففيم تتمثل المهمة؟‬ ‫وما علة استحالتها؟‬ ‫مسألتان إذن‪:‬‬ ‫فالمهمة هي حكم يستعيد شرطي السيادة ويحفظهما‪.‬‬ ‫والسؤال هو هل يوجد اليوم من يستطيع أن يصل إلى حكم تونس أولا وإذا وصل أن‬ ‫يحكمها فعلا فيكون بحق ممثلا لسيادتها؟‬ ‫هل يوجد من تتوفر لديه الإرادة أولا والقدرة ثانيا على التصدي لما يخدش شروط‬ ‫السيادة ويحول دون تحقيقها ما يجعلها مهمة شبه مستحيلة؟‬ ‫وعلة الاستحالة هي منع ما يسعى لذلك من الوصول إلى الحكم وإذا وصل منعه من‬ ‫تحقيقه‪ .‬وهذه الاستحالة مضاعفة‪ .‬فهي أصلية وفرعية‪:‬‬ ‫فأما الاستحالة الأصلية فهي تخص الولاء بمعناه السياسي وما يعاني منه من ازدواج صار‬ ‫مباحا في وطن مستباح صار بوسع بعض المنتسبين غليه حاصلين على ولاء مزدوج للوطن‬ ‫المستباح والوطن المستبيح له وهو النوع الجديد من الاستعمار غير المباشر‪ .‬فمن كان يحكمنا‬ ‫بأبنائه صار يحكمنا بمن استبناهم‪.‬‬ ‫وأما الاستحالة المتفرعة عنها فهي الولاء المزدوج للنخبتين الاقتصادية والثقافية أو‬ ‫للمشرفين على انتاج شرطي قيام الأمم أعني ما يسد حاجاتها المادية وحاجاتها الروحية‪.‬‬ ‫وهو ما يعني أن الاشراف على شرطي السيادة أصبح بيد المافيات المحلية التي تتعامل مع‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪137‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫المافيات الدولية أو على الاقل مافيات المست بتعريف رؤيتين متقابلتين إذا لم نتفق على‬ ‫تنافيهما لا يمكن مواصلة الكلام على ما اصفه بكونه المهمة المستحيلة التي تنتظر من سينجح‬ ‫ليكون ممثلا للإرادة الشعبية في المجال الذي يعود إلى رئيس الدولة أعني حماية الوطن‬ ‫أمنيا بكل معاني الكلمة وتمثيله بوصفه وطنا ذا سيادة في كل المحافل الدولية‪.‬‬ ‫• الرؤية الأولى‪:‬‬ ‫هل يمكن ليساري أو قومي أو ليبرالي تونسي أو إسلامي تونسي لا يرى مانعا في أن يكون‬ ‫ممثل إرادة الشعب متجنسا بجنسية مستعمر تونس السابق مباشرة والحالي بصورة غير‬ ‫مباشرة؟‬ ‫• الرؤية الثانية‪:‬‬ ‫أم هل ينبغي أن نميز بينهم وبين التونسيين الذين يرون أن المرجعية المشتركة بالمعنى‬ ‫السياسي للكلمة هي الولاء لتونس دون سواها وأن الولاء لها يعني الولاء لمقومي سيادتها‬ ‫أي لكيانها الجغرافي ولكيانها التاريخي اللذين لا يعتبران ملكا لجيل دون جيل بل لكل‬ ‫أجيال تونس من حيث هو وطن ينتسب إلى حضارة بعينها؟‬ ‫ولأجمع بين الرؤيتين حتى ندرك طبيعة التنافي بينهما‪ :‬هل يمكن اليوم في تونس أو في‬ ‫أي بلد عربي آخر الكلام على أحزاب ووصفها بكونها سياسية قابلة للتعريف بالأهداف‬ ‫واعتبار المرجعية المشتركة بينها خارج الخلافات الجوهرية من حيث الطبيعة لاقتصارها على‬ ‫التأويلات؟‬ ‫يعني عندما يكون رئيس الحكومة الذي يمثل البعد التنفيذي من السيادة الوطنية أو‬ ‫عندما يكون النائب الذي يمثل البعيد التشريعي أو عندما يكون رئيسي الدولة الذي يمثل‬ ‫البعد الرمزي والسيادي من تمثيل تونس مدعيا وحدة المرجعية مع بقية الشعب وهو‬ ‫بمقتضى جنسيته الفرنسية تابع لسفير فرنسا في تونس لأنه مواطن فرنسي؟‬ ‫سيقال إن جل الإسرائيليين لهم جنسيات مزدوجة؟ وهو صحيح‪.‬‬ ‫لكن هل الازدواج في إسرائيل مماثل للازدواج في تونس؟‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪138‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫فالازدواج الاسرائيلي فيه ولاء لإسرائيل وبراء ممن يعاديها وليس تخليا عنه ومعاداة‬ ‫للذات‪ .‬فغالبا ما يكون الإسرائيلي ذا جنسية أوروبية أو أمريكية أو روسية أو أي جنسية‬ ‫أخرى ويطلب الجنسية الإسرائيلية تعبيرا عن الولاء لما يعتبره وطنه الروحي وليس‬ ‫العكس كالحال بالنسبة إلى التونسي الذي يتجنس فرنسا خاصة‪.‬‬ ‫فطلب الإسرائيلي لجنسية إسرائيل دليل على ولائه لإسرائيل وليس تخليا عن ولائه لها‬ ‫وهو بالأخرى يتخلى عن الولاء للجنسية الاصلية التي كان عليها ناهيك عن كونه قد يكون‬ ‫بعد وحتى قبل طلب الجنسية الإسرائيلية ولاؤه لإسرائيل كما تبين من حادثة تهريب‬ ‫الطرادين تحت أنف الجنرال ديجول‪ .‬وهو ما يعني إذا طبقنا مثال إسرائيل أن التونسي‬ ‫الذي طلب الجنسية الفرنسية ‪-‬إذا قسناه على الإسرائيلي‪-‬يعتبر فرنسا أولى بولائه من‬ ‫تونس لأنه اختار الانتساب إليها بحرية ولم يرثها‪.‬‬ ‫أما حجة الكل يتمنى ذلك فقد يكون صحيحا لكن ليس الكل يريد بعد أن يحصل عليها‬ ‫أن يصبح حاكما لتونس مكلفا بمهمة ممن فضل الولاء لهم على الولاء لتونس‪.‬‬ ‫فهل رأيتم إسرائيلي تجنس بغير جنسية إسرائيل طالبا ولاء بديلا مختارا ومفضلا عن‬ ‫الولاء للوطن الذي يعتبره ممثلا لكيانه الروحي المزعوم؟‬ ‫سكوت المترشحين عن هذه المسائل‪-‬بمن فيهم الإسلاميين الذين تخلوا عن جوهر هذا‬ ‫الانتساب‪ -‬علته العجز عن علاجها وتقديم العاجل على الآجل وهم من ثم مثل الجماعة‬ ‫الذين انتخبهم الاستعمار ليوكلهم في مواصلة مهمته التي تسعى للقضاء على كل مقومات‬ ‫الصمود في معركة استرداد شروط السيادة رعاية وحماية‪.‬‬ ‫فالكلام فيها يعني الاعتراف بأن معركة الاستقلال لم تحسم بعد وأن ما اعتبر حسما كان‬ ‫خدعة كان فضل الثورة التي صارت عبئا الكل لا يذكرها في خطابه الانتخابي أو يذكرها‬ ‫تجملا لعسر تحمل تبعات الالتزام بما تقتضيه أعني الاعتراف بأنه لا تحرر من دون تحرير‬ ‫ولا تحرير من دون التصدي للأدوات الخمسة التي استعملها الاستعمار ولا يزال لمنع شروط‬ ‫السيادة‪:‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪139‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ .1‬العودة إلى سؤال التفتيت الجغرافي الذي كان سياسة ممنهجة وخاصة منذ سايكس‬ ‫بيكون الأولى التي يريدون الآن تعميقها بسايكس بيكو ثانية‪.‬‬ ‫‪ .2‬وأثره على منع التنمية الاقتصادية شرط الرعاية السيدة إذ يصبح الجميع عاجزا‬ ‫دون بناء اقتصاد قادر على التحرر من التبعية المادية بالندية‪.‬‬ ‫‪ .3‬والعودة إلى سؤال التشتيت التاريخي الذي كان سياسية ممنهجة وخاصة منذ حروب‬ ‫الاسترداد التي سعت إلى استرجاع كل ما كان مستعمرات رومانية في الأرض الإسلامية‪.‬‬ ‫‪ .4‬وأثره على منع التنمية الثقافية شرط الرعاية السيدة إذ يصبح الجميع عاجزا دون‬ ‫بناء علوم وتقنيات وفنون قادرة على التحرر من التبعية الروحية بالندية‪.‬‬ ‫‪ .5‬والبحث في أصل كل هذه المسائل‪ :‬هل بالصدفة يحقق الاستعمار ذلك كله عندنا ويعمل‬ ‫عكسه عنده فيعيد بناء قوة اقليمية من جنس روما سعيا لاستئناف الاستعمار المباشر ولكن‬ ‫هذه المرة بالاعتماد على عملائه الذين صاروا هم من يحكم أوطاننا سياسيا ويسيطر على‬ ‫اقتصادنا وثقافتنا حضاريا‪.‬‬ ‫ولأن كل المترشحين همهم الوصول إلى الحكم بالشروط التي حكم بها من سبقهم بل‬ ‫وبشروط اشد وطأة ‪ -‬من ذلك مثلا ما أضيف إليها من ضرورة القبول بكل ثمرات سايكس‬ ‫بيكو الأولى ووعد بلفور وحتى بوعود ترومب‪ -‬وخاصة من لهم شروط النجاح المحتمل أعني‬ ‫ممثلي إحدى القوتين اللتين تمثلان تاريخ الحركة الوطنية أي البورقيبيين والثعالبيين أو‬ ‫الليبراليين والإسلاميين‪.‬‬ ‫ولهذه العلة فإني أرفع الحكم ولا أعبر عن تأييد لأي منهما لعلمي بالعناصر التالية‪:‬‬ ‫• كل الذين يتكلمون على ما يشبه ذلك ‪-‬وخاصة من يكثر منهم من الكلام على الثورة‬ ‫وعلى الديموقراطية ليسوا قادرين على شيء لأنهم فاقدون للوزن السياسي إذ لا يكفي أن‬ ‫يكون الإنسان مؤمنا بشيء في السياسية إذا لم يعمل بما بترتب عليه‪.‬‬ ‫فمن يدعي الدفاع عن الثورة ويعمل كما ما مآله خدمة أعدائها مثل كل الحزيبات‬ ‫الذرية التي نشأت كالفطر في تونس لا علاقة لها بهذه المعاني‪ .‬فمجرد تفتيت جبهة الثورة‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪140‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫والديموقراطية دليل على خيانتهما بالفعل حتى وإن كثر الزعيق لصالحهما بالقول‪ .‬ولو‬ ‫كانوا حقا سياسيين وكانوا صادقين لحددوا طبيعة المعركة‪ :‬هل هذا التفتت يخدم الانتقال‬ ‫الديموقراطي والقضاء على الفساد والاستبداد أم هو يقويه خاصة وهم يقدمون معركة‬ ‫\"الحداثة\" المزعومة على معركة الشروط الموضوعية للشروع في أي عمل غير تابع‪ :‬فهل‬ ‫يمكن للحداثة أن تكون خيارا إذا كانت تهدف إلى المزيد من التبعية بسبب انعدام شروط‬ ‫التحرر منها؟‬ ‫فالحداثة التابعة هي التحديث الاستعماري للأنديجان وتتعلق باستبدال الحضارة‬ ‫الذاتية بحضارة الغزاة وليست التحديث الذي يجعلك ندا لمن يريدك بلادك سوقا‬ ‫وأبناءك عبيدا ونواد للعجائز عندما يأتون للتسوح فيها‪.‬‬ ‫• ما يعنيني إذن هو موقف من لهم قوة سياسية وقاعدة شعبية‪.‬‬ ‫فهل يمكن لممثل البورقيبيين‪ -‬بخلاف ما يتوهم الفرحين به ‪ -‬يستطيع الخروج عن النهج‬ ‫الذي أبقى على تونس مستعمرة فرنسية أولا وملعبا للمافيات الاقتصادية والثقافية ثانيا؟‬ ‫وهل ممثل الثعالبيين اقل منه عجزا دون هذين الأمرين فضلا عنه دون هيمنة فرنسا على‬ ‫الاقتصاد والثقافة والقرار السياسي الذي تدعي النخبة السياسية تمثيله كذبا وبهتانا‪-‬‬ ‫بدليل حضور الاقرع وبقاء الإقامة العامة في ساحة الشهداء إلى يومنا هذا‪ -‬بل هو سيكون‬ ‫شبه سجين في قرطاج لا يستطيع أن يفعل شيئا لأن الحرب عليه وعلى ما يمثله ليست محلية‬ ‫فحسب وليست اقليمية فحسب بل هي دولية‪.‬‬ ‫فلست أستبعد العديد من اعتصامات الرز ليس بالفاكهة فسحب بل بكل الفواكه المهجنة‬ ‫التي عزت تونس وأهما النخب الهجينة التي تسيطر على الاعلام المنحط تقنيا وخلقيا‪.‬‬ ‫فكل الذين يتكلمون على الديموقراطية واليسارية والقومية وبقايا التجمع وبقايا‬ ‫البورقيبية وكل المتكلمين على \"الإكراهات السياسية\" ممن كانوا إسلاميين وما سيترتب على‬ ‫اختراقات إسرائيل وإيران وأعراب الثورة المضادة كل هؤلاء سيعلنون الحرب عليه وعلى‬ ‫ما يمثله ومعهم المافيات النقابية بنوعيها أي نقابة العمال ونقابة الاعراف‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪141‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫فكل هؤلاء مجندون بتنكر يدعي الديموقراطية والحرية والحداثة وحقوق الإنسان‬ ‫للحرب من أجل الابقاء على شروط منع التحرير والتحرر لأن ذلك هو شرط الابقاء على‬ ‫التبعية البنيوية لكل ما يحيط بالأبيض المتوسط من شاطئه الجنوبي والشرقي حتى يبقى‬ ‫شاطئه الشمالي سيدا كما كان في عهد روما وبيزنطة وفي عهد الامبراطوريات الاستعمارية‬ ‫الأوروبية التي بدأت تستعيد الطموح لاستئناف الاستعمار المباشر باستعمال أداتي الاعداد‬ ‫الأولي عن طريق إيران وإسرائيل وأحفاد عملاء سايكس بيكو الأولى الذين يعدون‬ ‫للثانية ويعادون ثورة شعوبهم من اجل التحرر ناهيك عن ثورتهم من أجل التحرير‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪142‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫حوار الشيخ مورو البارحة في فضائية التاسعة لم يكن مجرد حوار بل كان الدليل الحي‬ ‫على ما تغير في الثقافة التونسية بعد قرن من بداية العمل السياسي المنظم أعني بعد‬ ‫تأسيس أول حزب سياسي بالمعنى الحديث‪.‬‬ ‫فما أثبته الشيخ مورو البارحة يتجاوز التنافس على رئاسة تونس إلى الصلح العميق بين‬ ‫الثقافتين الأصيلة والحديثة ومن ثم تجاوز الخلاف بين الثعالبية والبورقيبية والقضاء‬ ‫المبرم على خرافتين ظلتا سائدتين في محاولات التعمية على ما حدث في أعماق ثقافة شعوبنا‪.‬‬ ‫رأيت في الرجل مزيج فكر الرجلين‪ :‬مزيج الثعالبية والبورقيبية ونهاية لما كان سوء‬ ‫تفاهم بين رؤيتين لواقع الثقافة ولثقافة التغيير السياسي السوي‪ .‬فقد أثبت ثورتين حصلتا‬ ‫في غفلة من أعداء الأمة وهم مندسون في من يدعون تمثيل بورقيبة بتشويه مقاصده‪ ،‬وغاية‬ ‫هذا التشويه هو الابن علوية‪ ،‬ومن يدعون تمثيل الثعالبي بتشويه مقاصده وغاية هذا‬ ‫التشويه هو سلفية الاستعلامات العربية والعالمية‪ ،‬لأن هؤلاء المندسين هم المتصدرون‬ ‫للواجهات والأكثر صياحا ونباحا في الإعلام المتخلف‪.‬‬ ‫وبذلك‪ ،‬فحوار البارحة يعتبر تحولا جوهريا أنهى خرافتين أو أسطورتين‪:‬‬ ‫‪ .1‬خرافة الكفاءة الفكرية عند ادعياء الحداثة‪:‬‬ ‫فهو قد أنهى خرافة الكفاءة الفكرية التي يدعي الحداثيون حيازتها‪.‬‬ ‫صار الأصيل أكثر تمثيلا للحداثة لأنه حائز منها ما يحرر من التبعية بخلاف الادعياء‬ ‫الذين لم يحوزوا إلا قشورها التي تؤبدها‪ ،‬فهو حائز على ثقافة العصر باقتدار بوصفه‬ ‫خريج عصارة فريدة من ثقافة الصادقية وثقافة الزيتونة وهو بذلك خريج الفكرين‪:‬‬ ‫• الفلسفي الأعمق (الألماني الحديث)‬ ‫• والديني الأصدق (الزيتوني الحديث)‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪143‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫المتجاوزين لعصر الانحطاطين الإسلامي والغربي‪.‬‬ ‫فالنخبة التي تدعي الحداثة ليست وريثة الفكر الحديث مثل الشيخ مورو بل هي وريثة‬ ‫ترديه الاستعماري إذ هم مثل المستعمر يعاملون شعوبهم كأنديجان فيزعمون مثله السعي‬ ‫لتحضيرهم وتخليصهم من ذواتهم واستتباعهم حضاريا‪.‬‬ ‫والنخبة التي تقابلها وتدعي تمثيل الاصالة ليست ورثية الفكر الإسلامي الأصيل مثل‬ ‫الشيخ مورو بل هي وريثة انحطاطه‪.‬‬ ‫والرؤية هي التي واجهه بها الإعلاميون والسياسيون ليلة البارحة أثبتت أميتهم في‬ ‫الحداثة والاصالة‪ :‬كانوا من جنس دونكيخوت يحاربون النواعير‪ .‬مغتربون في التبعية‬ ‫الاستعمارية يتصورون الثقافة الإسلامية ما تزال في عصر الانحطاط فتعاملوا مع الرجل‬ ‫وكأنه على صورة ما يزعمه أدعياء الحداثة من ثقافة الإسلام‪.‬‬ ‫‪ .2‬وخرافة الكفاءة السياسية عند أدعياء الحداثة‪:‬‬ ‫وهو قد أنهى خرافة الكفاءة السياسية والخبرة في رعاية الشأن العام التي يتصور‬ ‫الحمقى أنها مقصورة على من حكم ويستثنون منها من عارض معارضة علامة صدقها هي ما‬ ‫حصل له جراءها من اضطهاد وحرمان من الحقوق وحتى من شروط العيش العادي‪.‬‬ ‫فرعاية الشأن العام ليست بيد من يحكم خاصة إذا كان تابعا يطبق ما يأمره به \"المسؤول‬ ‫الكبير\" بل هي بيد من يعارض هذا النهج ليس مناكفة كما يحصل عند من يعارضون في‬ ‫العلن و\"يصبون\" في الخفاء فيفيدوا المافيات مرتين‪:‬‬ ‫• بالمعارضة النهارية التي تزين الحكم المستبد‬ ‫• وبـ\"الصب الليلي\" الذي يسنده في التنكيل بالمعارضين الحقيقيين‪.‬‬ ‫لأجل هذين الوجهين من عمله الرصين والهادئ في الحوار اثبت الرجل أنه أهل لأن يمثل‬ ‫مرحلة جديدة بكفاءة واقتدار ملتفتا إلى المستقبل ومحققا الصلح بين ماضي الأمة‬ ‫ومستقبلها دون حقد ولا عقد وأن يكون الرجل المناسب لمرحلة جديدة في سياسة الشأن العام‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪144‬‬ ‫الأسماء والبيان‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook