Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore تونس والانتقال الاديمقراطي - ابو يعرب المرزوقي

تونس والانتقال الاديمقراطي - ابو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2019-11-06 12:37:54

Description: تونس والانتقال الاديمقراطي - ابو يعرب المرزوقي

Search

Read the Text Version

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫• وما الذي يجعل البعض يتحولون إلى \"قطيع\" بدافع اقتصادي؟‬ ‫لست مقتنعا بأن المتكلمين باسم الظاهرة الأولى يصفون حقيقة في الشعب التونسي ‪-‬شعب‬ ‫جاهل لا يعرف ما يريد‪ -‬بل هي حقيقة أصحاب هذا الرأي حقيقتهم هم كأفراد يتصورون‬ ‫أنفسهم ممثلين لطبقة ثقافية في الحالة الأولى التي يكون صاحبها يعاني من مرض النخبوية‬ ‫الزائفة ثقافيا ولطبقة اقتصادية في الحالة الثانية التي يكون صاحبها يعاني من مرض‬ ‫الروحانية الزائفة ماديا‪.‬‬ ‫وقد غلبت الحالة الأولى على ظاهرة الاعلام والثقافة اللذين أصبحا أداتي المافية منذ‬ ‫عهد ابن علي ‪ .‬وغلبت الحالة الثانية على التواصل الاجتماعي ودعوى التأفف من الماديات‬ ‫بزعم الصمود أمام الظاهرة الأولى‪:‬‬ ‫فالمتكلمون باسم هذه الظاهرة الاولى كلامهم يخلط بين حداثة الثقافة والتبعية الثقافية‬ ‫أعني عين أخلاق القطيع التابع لراع هو المقيم العام الفرنسي الذي يحكم البلاد بالمافيات‪.‬‬ ‫ولست مقتنعا بأن المتكلمين باسم الظاهرة الثانية يصفون حقيقة في الجهات التي يتكلمون‬ ‫عليها ‪-‬شمال غربي طماع‪ -‬بل هي حقيقة أصحاب هذا الرأي حقيقتهم كأفراد يتصورون‬ ‫أنفسهم ممثلين لأخلاق القناعة المادية والخنوع للحرمان من الحقوق المادية فيكون القطيع‬ ‫هو من يرى هذا الرأي وليس أهل الشمال الغربي لانه تابع لراع النظام الذي استعمل‬ ‫ثروة البلاد لتنمية فترينة يسوق بها لنفسه وأهمل باقي الجهات‪.‬‬ ‫لذلك فالذين صوتوا للنهضة لم يتصرفوا مثل القطيع‪ .‬فلا يمكن لمن يسعون إلى التحرر‬ ‫من التبعية الثقافية أن يكونوا من القطعان بل هم يقاومون من صاروا قطيعا لسيد يستعبد‬ ‫بهم وطنهم وإذن فدافعهم التحرر من الظاهرة الأولى‪ :‬من استبعاد ثقافة المستعمر لهم لأن‬ ‫الاستقلال الثقافي شرط الحداثة غير التابعة في كل المجالات بما فيها الاقتصادي والسياسي‪.‬‬ ‫والذين صوتوا لقلب تونس لم يتصرفوا مثل القطيع‪ .‬فلا يمكن لمن يسعون للتحرر من‬ ‫التبعية الاقتصادية التي جعلت أبناءهم عاطلين وبناتهم خدما لمن يكلمونهم عن القناعة‬ ‫وهم يعيشون في الترف والبذخ مثل الدعاة المنافقين ويسرقون رزقهم لكأن الجنوب لم يجد‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪245‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫لنفسه حلولا يمكن أن يتهمهم غيرهم بأنها لا اخلاقية ‪-‬وقد اتهمهم من يدعي الثورية‬ ‫بذلك‪ .‬فمن جاءهم للمساعدة لم يقنعهم بما أعطاهم من \"مقرونة\" بل بما وعدهم به من‬ ‫عناية بهم وتنمية في مناطقهم إذا هم انتخبوه بعد أن رأوا كاذب الوعود طيلة ستة عقود‪.‬‬ ‫فإذا اغفلنا هذه الأبعاد صار من اليسير أن يتكلم بعض المتفلسفين في المقابلة الحمقاء بين‬ ‫الروحي والمادي واعتبار الثورة هي في العناية بالأول والتقليل من أهمية الثاني لكأن كيان‬ ‫الإنسان قابل للقسمة على ما هو عضوي وما هو روحي‪ .‬فلا شيء يثبت أن العضوي ليس‬ ‫إلا ما يظهر من الروحي وأن الروحي ليس إلا ما يخفى من العضوي‪ .‬وكل خلل بأي من‬ ‫الوجهين يؤدي إلى ما تعاني منه الأمة منذ قرون‪.‬‬ ‫لذلك فالحكمة الشعبية هي التي صوتت للنهضة‪ .‬لكنها لم تصوت للحزب ولا لقادته بل‬ ‫لمشروع وعد به المصوتون ويأملون أن يكون أصحاب الوعد عند وعدهم وقادرين على‬ ‫تحقيقه‪ .‬وهم بذلك أدرى بحقيقة الإنسان الحر من كل أدعياء الحداثة‪ :‬فما يعني الناخبين‬ ‫هو شروط القيام الثقافي غير التابع‪ .‬وما يقوله الإعلام المأجور من خدم المافيات من وصف‬ ‫للمصوتين للنهضة هو في الحقيقة اسقاط لصفاتهم باعتبارهم عبيد المافية التي هي بدورها‬ ‫أداة استعباد المقيم العام لهم جميعا ويظهر ذلك في الاحتقار الذي هو خلق الحقير عندما‬ ‫يصبح عين الاجير عند من يملك الإعلام فيصبح أمير‪.‬‬ ‫والحكمة الشعبية هي التي صوتت لقلب تونس‪ .‬لكنها لم تصوت للحزب ولا لقادته بل‬ ‫لمشروع وعد به المصوتون ويأملون أن يكون أصحاب الوعد عند وعدهم وقادرين على‬ ‫تحقيقه‪ .‬وهم بذلك أدرى بحقيقة الإنسان الحر من كل أدعياء الكرامة‪ :‬فما يعني الناخبين‬ ‫هو شروط القيام الاقتصادي غير التابع‪.‬‬ ‫ولا أعجب إذا للحمقى من الصحافيين الذين يعتبرون ناخبي النهضة قطيعا اسقاطا‬ ‫لصفتهم القطيعية برعاية المقيم العام ومافيات أصحاب مؤسسات الأعلام ألا يفهموا هذه‬ ‫المعاني‪ .‬لكني أعجب ممن يفاخرون الشمال بالجنوب على المستوى الخلقي في العلاقة‬ ‫بالمساعدات ولم يروا ما وراءها من وعود لعل صاحبها كان مخادعا‪ .‬لكن خداعه ما كان‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪246‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫لينطلي لو لم يقع إهمالهم إلى حد اليأس من الطبقة السياسية الموجودة وخاصة فشل‬ ‫الثورة في الاستجابة لأدنى شروط التنمية وخداع الباجي الذي يدين لهم بنجاحه سنة‬ ‫‪.2014‬‬ ‫وأختم هذه المحاولة بإشارتين‪:‬‬ ‫• القوى السياسية قبل ابن على كانت مقصورة على قوتين كبريين البورقيبيين‬ ‫والإسلاميين مع مناوشات هامشية لليسار والقوميين الذي كانوا يعارضون بورقيبة ليس‬ ‫بسبب الاستبداد إذ لا يوجد يسار وقوميون ديموقراطيين في العالم ولكن لأنه كما قال محمد‬ ‫الشرفي في كتابه الإسلام والحرية لم يكن علمانيا بأتم معنى الكلمة أي لأن حربه على‬ ‫الاسلام لم تكن تشفي غليلهم‪ .‬ولما أتى ابن على وحقق لهم هذه الرغبة صاروا زبانيته‬ ‫ليس الثقافية فحسب بل والمخابراتية والأمنية‪.‬‬ ‫• مزية هذه الانتخابات أنها أزالت الشق اليساري من الوجود السياسي وأبقت على الشق‬ ‫القومي الذي يدعي الثورية في تونس ويتحالف مع محاربيها في باقي بلاد العرب كما في‬ ‫سوريا ومصر وليبيا ولذلك فالموقف الثاني يكذب الأول وهم إذن لم يتغيروا فبقوا كما‬ ‫كانوا في عهد بورقيبة وابن علي‪ .‬لكن النوعين بقي لهما دور في الاتحاد‪ .‬وقد يتحالفون مع‬ ‫كل الذين يريدون إلحاق تونس ببقية بلاد الربيع‪.‬‬ ‫لذلك أعيد مرة أخرى بأن أمل تونس في الاستقرار يقتضي بناء حلف صريح على مشروع‬ ‫يعيد بناء الدولة التونسية ويصلح الدستور ويجذر الثقافة الديموقراطية مع التركيز على‬ ‫البعد الاجتماعي والتنموي وإصلاح خدمات الدولة وهي عشرة‪ :‬خمسة للحماية (القضاء‬ ‫والامن والدبلوماسية والدفاع والاستعلام والاعلام) وخمسة للرعاية (التربية النظامية‬ ‫والتربية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية والتنمية الثقافية والبحث والاعلام العلميين)‪.‬‬ ‫وهذا يقتضي خطة متوسطة المدى لدورتين انتخابيتين تمكنان من الشروع في التداول‪ .‬لكن‬ ‫قبل ذلك لا بد من العمل الجبهوي لحماية تونس بوصفها قائدة إخراج الأمة من الاستثناء‬ ‫التاريخي الحديث حتى تصبح ذات ثقافة ديموقراطية‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪247‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫وبسقوط المنظومة القديمة التي تضع الثورة في لحظة أشبه بلحظة نهاية ‪ 2011‬مع تجربة‬ ‫السنوات الثمانية التي مضت يمكن أن نستفيد من الحالة الاقليمية المستجدة في الجزائر‬ ‫ومصر والعراق وصمود الثورة في ليبيا وفي سوريا وتهلهل دول الثورة المضادة في الخليج وفي‬ ‫إيران وفي إسرائيل والانطواء الأمريكي بسبب الانتخابات التي قربت لنبني دولة‬ ‫الجمهورية الثانية بناء عقلانيا يتحرر من الدستور الحالي بإصلاحه ومن قانون الانتخابات‬ ‫الذي يحول دون قيادة الحكم الراشد وتنظيف الإعلام‪ .‬وهو سينظف نفسه بنفسه لأن‬ ‫أصحاب مؤسسات الاعلام بدأوا يدركون أنهم فقدوا كل مصداقية ومن ثم فلن يمولوا نفس‬ ‫\"الشلايك\" وسيضطرون لإعلام أقل تفاهة وأقرب لمهام الإعلام ذي المهنية التي تعيد إليه‬ ‫الاحترام‪ .‬حدث للإعلام نفس ما حدث للنظام القديم‪ :‬هدم نفسه بنفسه لأنه بلغ ذروة‬ ‫التمفيز فكانت نهايته ظاهرة القروي أو المافية الجلية وسعيد أو المافية الخفية‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪248‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ترددت كثيرا قبل الاقدام على الكتابة في هذه القضية الحساسة والدقيقة لعلتين‪:‬‬ ‫• الاعتراض الأول المنتظر‪ :‬ما دخل الفلسفة في هذه المسائل إذا كنت تزعم الكلام باسم‬ ‫الفلسفة؟‬ ‫• الاعتراض الثاني المنتظر‪ :‬ما دخلك في السياسة وأنت عديم التجربة أو على الأقل‬ ‫مجرد هاو لا قول لك مع \"الكبارات\" فيها؟‬ ‫وقد أقدمت رغم أني لا أدعي الكلام باسم الفلسفة وأسلم بأني لست من \"الكبارات\" في‬ ‫فن \"الميديسيس\" أو مناورات شيوخ روما التي تمثل نموذج فاعلية السياسي وخصاله وصفاته‬ ‫المقومة‪ .‬وقد سبق أن تكلمت على معايير تكون القوى السياسية بمعيار مضامين دوريها‬ ‫الاقتصادي والاجتماعي‪ .‬وكان ينبغي أن أحدد معايير الاصطفاف في حالة التأليف بين قوى‬ ‫سياسية متقاربة‪ .‬لكن ذلك مستحيل الآن لأن معايير تكون القوى السياسية التي حددتها‬ ‫معطلة حاليا لعدم إيلائها العناية في أجندات الأحزاب وبسبب دوران الأحلاف بين القوى‬ ‫حول موضوعين ظرفيين يسيطران على الاهتمام في غياب العناية بالسياسي في وظيفته‬ ‫العادية‪:‬‬ ‫• الموضوع الاول هو الموقف من الثورة إذ حينها لا يمكن الحلف بين القوميين والإسلاميين‬ ‫لأن الأولين يعتبرون الربيع عبريا بسب تبعيتهم للقوميين في المشرق التابعين لنظام الملالي‪.‬‬ ‫ومثلهم حزب الحيزبونة التي تعتبر الربيع انقلابا على شرعية ابن علي (عبير موسي)‪.‬‬ ‫• الموضوع الثاني هو الموقف من الإسلام وحق الإسلاميين في المشاركة في الحياة السياسية‬ ‫وأحيانا حتى في مجرد الحياة إذ حينها لان يمكن الحلف بينهم وبين الاستئصاليين وهم‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪249‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫موجودون في الاحزاب التي تسمي نفسها طيفا ديموقراطيا وحداثيا رغم أن جلهم من‬ ‫مرتادي المقاهي والحانات ومن خدم المافيات (جلهم في حزب المقرونة)‪.‬‬ ‫لذلك اكتفي اليوم بقضية المعايير التي نعير بها السياسي‪ .‬ولست مؤهلا لتعيين من ينبغي‬ ‫أن تتحالف النهضة معه لأن قياداتها ميالون للحكم بأي ثمن وهو ما أخشاه إذ قد يكون‬ ‫تكرارا لتجربة ‪ 2011‬وهم يطالبونها بتكرار ‪ 2014‬ولكن مع \"أدعياء الثورة\"‪ .‬يعني‬ ‫يحكمون هم بشعبها هي‪.‬‬ ‫وأعلم أن تونس مليئة بمن يدعون أنهم من \"الكبارات\" في الفهم السياسي إذا رضينا‬ ‫بـ\"التفييش والتدايك لدى من ولدوا ليكونوا زعماء ورؤساء\" بالفطرة من المتصايحين في‬ ‫المنابر بدليل عددهم الذي تجاوز عدد ما بقي من شعر رأس المقيم العام في تونس حبيبهم‬ ‫جميعا تقريبا ‪-‬إذ هو يعمدهم بزيارته أو باستفزارته لهم‪ -‬وخاصة من يدعون أنهم ليسوا‬ ‫من \"قطيع\" النهضة لأنهم من قطيعه‪.‬‬ ‫أحاول إذن وأجري على الله لأن رضا الناس من طلب الممتنع‪ .‬وسأكتفي بما يقره العقل‬ ‫السليم أو \"البون سونس\" فأحاول تحديد ما اراه ضروريا لتقييم \"السياسي\" عامة‪ .‬وسأكون‬ ‫حذرا فلا أذكر أفلاطون ولا أرسطو ولا ماكيافال ولا حتى ابن خلدون ناهيك عن ابن‬ ‫تيمية‪ .‬وقد اذكر الغزالي تماشيا مع \"جو\" التصوف والكلام على أهمية الروحانيات عند‬ ‫من يخادع الشعب أكثر من المافيوزي الذي لا يخفي لعبته وعند من يتصورون الثورة روحية‬ ‫لا تعنيها حاجة الأبدان الثانوية في رأيهم عند الإنسان‪.‬‬ ‫وسأقتصر على خمسة معايير اعتبرها كافية لتحديد السياسي الصالح ومعلوم أن نقيضها‬ ‫يحدد الطالح‪ .‬واعتذر فعدد خمسة قد يكون تحكميا لأن ما صار يعتبر طبيعيا هو عدد‬ ‫ثلاثة تبعا لمنطق الجدل وربما للثالوث الربوبي من ورائه‪.‬‬ ‫وسأتكلم على السياسي سواء كان في الحكم أو في المعارضة إذا تكلمنا عليه في النظام‬ ‫الديموقراطي الذي يعتبر الشرعية مستمدة من إرادة الجماعة وليس من إرادته هو‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪250‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫بوصفه وصيا عليها‪ .‬فأول خاصية للديموقراطية هي أن هذين الظرفين يتبادلان الدور في‬ ‫رؤيتهما السياسية شرطا في سلميتها بفضلها آلية للتداول‪ .‬فالحاكم يمكن أن يصبح معارضا‪.‬‬ ‫والمعارض يمكن أن يصبح حاكما‪ .‬ومن هذه الخاصية ينبع المعيار الأول وبيت القصيد في‬ ‫تعيير أهلية السياسي في الحكم والمعارضة‪ .‬ويمكن من ثم تعريف السياسي تعريفا جامعا‬ ‫مانعا بكونه الشخص الذي يعلم العلاقة بين الظرفين ظرف الحكم وظرف المعارضة ولا‬ ‫يتجاهلها بحيث لا يتجاوز فعله الكلامي الذي يكون عادة قريبا من الأحلام أو من النظر‬ ‫المجرد في المعارضة ما لا يمكن فعله في الحكم وخاصة تحقيقه في ممارسته الفعلية الناجعة‬ ‫إذا كان ينوي الوصول يوما ما إلى الحكم والنجاح فيه‪.‬‬ ‫انطلق من هذه القاعدة الذهبية التي هي قاعدة خلقية أولا وحتى دينية إذا كنا صارمين‬ ‫في تطبيقها وتتمثل في الا يقول الإنسان الحر والكريم ما لا يفعل أو ما يعلم أنه لا يستطيع‬ ‫فعله‪ .‬لكنها في السياسة أقل صرامة ويكفي تطبيقها باحترام قواعد العقل السليم التي‬ ‫تجعل شروط الممارسة الديموقراطية سامحة بمسافة بين القول والفعل من جنس طبيعة‬ ‫الانشغال السياسي في الظرفيتين بشرط المحافظة على شروط العلاقة السلمية كما يحدث‬ ‫في البلاد التي تجذرت فيها الثقافة الديموقراطية الناضجة والمتحررة من سلطان‬ ‫الديماغوجيا والشعبوية‪.‬‬ ‫لكن ما نراه اليوم في تونس رهيب لأن المسافة بين التسيب الخرافي في الأقوال والممكن في‬ ‫الأفعال قد تأذن بنهاية التجربة التي يتمناها الكثير في المحل وفي الاقليم وفي العالم‬ ‫المسيطر على المعمورة لئلا يخرج أهل الإقليم من الاستثناء الذي جعل الرأي العام النخبوي‬ ‫في المحل وفي الإقليم فضلا عنه في العالم يعتبر شعوبنا غير أهل للحرية والكرامة التي‬ ‫طالب بها الشباب ذات يوم ولا يزال‪.‬‬ ‫وهذا هو دافعي الحقيقي لكتابة هذا النص‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪251‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫وكمثال اعتمده لتحديد المعيار الثاني سأتكلم على تجربة الترويكا‪ .‬فهذه الظاهرة‬ ‫عايشتها في المجلس التأسيسي وفي الحكومة في آن‪ .‬وما أوردت هذه الحالة لأتكلم على نفسي‬ ‫بل بوصفي شاهد عيان لفهم ما يشبهها في الكلام الدائر على تكوين الحكومة حاليا وموقف‬ ‫أحد \"الكبارات\" في السياسة منها ووضع شروط للمشاركة أو التهديد بالبقاء في المعارضة ‪-‬‬ ‫عبو‪ .-‬لكن هذا المثال لم يكن فريدا لأنه حصل في الحكومة حينها ويناظره مثال حصل في‬ ‫المجلس ويمثله أحد \"الكبارات\" ‪-‬الشابي‪ -‬وحزبه ومن فتاته بعض المنتسبين لحزب الأول ‪-‬‬ ‫التيار‪ -‬الذي كان من الحكومة ‪-‬المؤتمر‪ -‬وليس من المعارضة مثل الثاني ‪-‬الجمهوري‪ .-‬وما‬ ‫قاله هذا حينها في معارضة الحكم يقوله ذاك الآن في معارضته حتى قبل أن يبدأ‪.‬‬ ‫تلك هي الظاهرة التي أريد علاجها بتعريف المعيار الثاني لتقدير الأهلية السياسية في‬ ‫الحكم وفي المعارضة إذا كنا نريد للديموقراطية أن تتطور وأن يبقى الخلاف السياسي في‬ ‫إطار العلاج السلمي فلا ينقلب إلى مشروع حرب أهلية يكون فيها أحد الطرفين داعيا لما‬ ‫يعتبره حلولا جذرية لا يمكن تصورها ممكنة من دون استعمال عنف الدولة إن كانت قادرة‬ ‫عليه وعنف الشارع إما لها أو عليها‪.‬‬ ‫فهذه الظاهرة تحدد القاعدة الثانية أو معيار التقييم الثاني بعد الأول الذي هو معيار‬ ‫المسافة بين الأقوال والأفعال‪ .‬فالمعيار الثاني هو المسافة بين الأهداف والوسائل‪ .‬فإذا‬ ‫سمعت سياسيا يسمي برنامجا سياسا الكلام على الأهداف من دون تعيين وسائل البلوغ إليها‬ ‫وخاصة مناهج استعمالها لتحقيقها فاعلم أنه لا علاقة له بالسياسة بل هو دجال‪.‬‬ ‫لا يوجد في البلاد ذات العراقة الديموقراطية من يسمع لمن يتكلم على برنامج مقصور‬ ‫على الكلام في الأهداف‪ .‬ذلك أن الصحافة قبل الأحزاب المنافسة تسأله مباشرة عن بماذا‬ ‫وكيف‪ .‬وغالبا ما يكون بماذا متعلقا بالكلفة المادية وكيف بطريقة التنفيذ وآجاله‪ .‬وبهذا‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪252‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫المعنى فإني لم أسمع سياسيا تونسيا واحدا عنده وعي بهذه القاعدة الثانية ناهيك عن‬ ‫تلك القاعدة الأولى لأن العرب عامة وليس التونسيين وحدهم لا يميزون بين الاقوال‬ ‫والأفعال‪.‬‬ ‫ثم أصل إلى القاعدة الثالثة والمعيار الذي تعتمد عليه وهو أبعد غورا وسره في طبيعة‬ ‫الظاهرة السياسية وليس خصائص السياسي فحسب ومنها تستنتج الأهلية السياسية‪ .‬وهذه‬ ‫القاعدة حددها الغزالي في كتاب فضائح الباطنية‪ :‬وهي التلازم بين الشوكة والشرعية في‬ ‫الظاهرة السياسية‪ .‬ومعنى ذلك أن الانتخابات يمكن أن تعطيك شرعية الصندوق لكنك‬ ‫لا تملك القوة السياسية الكافية لجعلها تصبح بالفعل فتبقى شرعية رمزية لا تستطيع نقلها‬ ‫إلى شرعية فعلية‪.‬‬ ‫والشوكة أو العصبية هي القوة السياسية التي تحمي الشرعية أو ما بمقتضاه صرت ممثلا‬ ‫للإرادة الجماعية حتى وإن لم تكن بعد القدرة على تنفيذها‪ .‬وهذا ما حصل للترويكا‪.‬‬ ‫كانت حاصلة على الشرعية الانتخابية لكن الشارع كان ضدها فأسقطها في الغاية ومعها‬ ‫اقتصاد البلاد وهيبة الدولة وكان العامل النقابي من المجتمع المدني واليسار وبقايا النظام‬ ‫القديم من المجتمع السياسي (مشروع السبسي) أداة الفعل في غياب شوكة الدولة التي‬ ‫تستطيع تطبيق القانون وسيطرة التسيب العام باسم الفوضى التي ظنت من شروط الثورة‪.‬‬ ‫وظل الأمر على تلك الحال حتى لما سقطت الترويكا وجاء السبسي الذي أصبح ضحية ما‬ ‫استعمله للصعود باعتماد الكوكتال مولوتوف وسماه جبهة الانقاذ‪ .‬فكانت حماقته السياسية‬ ‫‪-‬بخلاف ما يزعمون له من حكمة ودهاء‪ -‬هي التي أنهت مشروعه إلى الأبد‪.‬‬ ‫ولا أخفي أني كنت أنتظر ذلك وتلك علة تشجيعي لوصوله السريع وموقفي من‬ ‫المرزوقي‪ .‬فنجاحه لو حصل لكان نهاية التجربة الديموقراطية كما حصل في مصر وهو ما‬ ‫كان ينبغي تجنبه‪ .‬وجعل السبسي ينتحر بما سعى إليه حتى لا تتحمل الثورة ما يراد أن‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪253‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ينسب إليها من نكبات ستين سنة قبلها‪ .‬ولهذه العلة كذلك كنت ضد تحالف النهضة مع‬ ‫الشاهد لأن السبسي كان في أرذل العمر وكان أضعف من أن يهزم النهضة فينهي الثورة‪:‬‬ ‫لكن الشاهد كان شابا يمكن أن يناور كما فعل ابن علي فينهي وعد الثورة الذي يدعي‬ ‫تبنيه مخاتلا‪ .‬وكنت أعلم أن الكثير كان يتصورني مع السبسي في هذا المسعى ولم يفهم‬ ‫أني ‪-‬رغم أني لست من الكبارات في السياسة كنت أفضل توريطه في ما سيكون النهاية‬ ‫الفعلية للنظام القديم لأنه جمع توليفة ابن علي ولا علاقة له بالبورقيبية إذ إن اليسار‬ ‫والقوميين والاتحاد كانوا ألد خصوم بورقيبة وأقرب المقربين من ابن علي بل كانوا زبانيته‬ ‫ضد الإسلاميين وضد الديموقراطية وأصحاب تجفيف المنابع ‪-‬كنت أعلم أن سر القوة‬ ‫السياسية اللطيفة هو سر الجودو فدعوت لاستعمالها‪ :‬جعل قوة الخصم ضده‪.‬‬ ‫كل المزايدين على النهضة حاليا يحملون الترويكا ما يسمونه نتيجة الأيدي المرتعشة‬ ‫ويزعمون أنهم سيغيرون كل شيء بعصا سحرية يواصلون تجاهل هذه القاعدة‪ :‬شرعية‬ ‫الصندوق التي حصلوا عليها في الانتخابات الأخيرة ليست شرطا كافيا لتحقيق أوهامهم التي‬ ‫دجلوا بها لأقناع الرأي العام الشعبي بأنهم \"سيفتحون مكة\"‪ :‬لما أسمع عنتريات بعضهم أعلم‬ ‫أنهم نكبة على تونس وليسوا من السياسة في شيء‪.‬‬ ‫فكل من يعلم الوضع في تونس وفي الإقليم وفي العالم يعلم أن كلامهم أضغاث أحلام ودليل‬ ‫سذاجة لا حد لها‪ .‬ولا أقول ذلك للتثبيط أو للتخويف ولا لأني أسلم بان الإكراهات‬ ‫السياسية لا علاج لها بل لأني أعتقد أن علاجها الأنجع ليس بمثل العنتريات التي اسمعها‬ ‫من \"زعمائهم\" الحمقى‪ .‬والاحلام مفيدة إذا كانت في المعارضة ولم تتجاوز الحد المعقول‪.‬‬ ‫لأنها تمكن من هو في الحكم من الصمود أمام الضغط الخارجي في مبادراته لتحقيق بعضها‪.‬‬ ‫لكن لو أصبحوا في الحكم وحافظوا على نفس الآراء فإنهم ينذرون بانتهاء التجربة بل‬ ‫وبنكبة لا مثيل لها قد يكون ما كان يهدد الترويكا أمامها لعب أطفال‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪254‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫أصل إلى المعيار الرابع وهو ما يمكن أن يسمى بلغة شعبية تونسية خطة \"الحاذق‬ ‫والسفيه\" مع كامل الاحترام للمعارضة‪ .‬وهذا السر هو علة رفض الاستعمار الديموقراطية‬ ‫في العالم الثالث عامة وعند المسلمين خاصة‪ .‬فعندما يكون الحاكم مستبدا وليس لشعبه رأي‬ ‫معارض يسهل تطويعه لأنه لا يستطيع أن يقول لمحاوريه في المفاوضات الدولية خاصة‪:‬‬ ‫هذا أمر لا أستطيع تمريره لأن الشعب لن يقبله‪.‬‬ ‫ولذلك فالأنظمة الديموقراطية التي تبدو ضعيفة أمام الـأنظمة المستبدة هي في‬ ‫الحقيقة أقوى منها ألف مرة لأن ما يبدو ترددا في مواقفها هو عين القوة إذ هو تردد الحوار‬ ‫الداخلي خلال البحث عما يقرب من الاجماع في رعاية المصلحة العامة للوطن وللمواطن‪.‬‬ ‫تلك هي لعبة \"الحاذق والسفيه\" بلغة شعبية أي إن الحاكم يتحجج بموقف المعارض‬ ‫وبينهما اتفاق ضمني بأن يزايد الثاني على الأول لحماية الصالح العام وهما متفقان على‬ ‫الحد الذي يعتبر معقولا في التفاوض مع الخصوم‪ .‬القاعدة الرابعة هي الاستراتيجيا‬ ‫الوطنية المشتركة بين الحكم والمعارضة إزاء العالم الخارجي‪.‬‬ ‫وأصل إلى القاعدة التي هي أصل كل القواعد‪ :‬وهي أن قوة الجبهة الداخلية أساسها‬ ‫العلم بأن السياسة كانت ولا تزال دائما ذات وجهين مثل جانوس‪:‬‬ ‫فوجهها الأول هو الجبهة الداخلية وفيه ينبغي ألا تتجاوز الخلافات ما يحدده الصالح‬ ‫العام للجماعة‪ .‬لكن إذا استحال ذلك فليس ضروريا أن تشكل النهضة حكومة مثلا بل يمكن‬ ‫أن تتخلى عن ذلك وتترك الامر للمزايدين عليها حتى يتبين أن \"المتفرج فارس\"‪ .‬كل‬ ‫المشكل هو هل قيادات النهضة قادرون على الصبر عن الكرسي ولو لمدة وجيزة؟‬ ‫ووجهها الثاني هو الجبهة الخارجية وفيه ينبغي أن تزول كل الخلافات أمام العدوان‬ ‫الممكن بالقوة ناهيك عن الحاصل بالفعل‪ .‬لكن ذلك شبه منعدم في النخبة العربية عامة‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪255‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫والتونسية خاصة بدليل انقسامهم إلى أنظمة تابعة لإيران وأنظمة تابعة لإسرائيل‪ .‬وما‬ ‫ذلك إلا لعدم وجود مشروع واستراتيجية مجمع عليهما بوصفهما أساس المصلحة العليا للأمة‪.‬‬ ‫فيكون الأصل إذن هو الاستراتيجيا الوطنية المتعالية على الخلافات الحزبية والمصالح‬ ‫الفئوية‪ .‬وهذا لعمري أكبر دليل على الأهلية السياسية التي أكاد أجزم أنها أندر من‬ ‫الكبريت الأحمر عند العرب عامة وفي تونس خاصة‪ .‬ودليلي الكافي وبه أختم هو دلالة كيف‬ ‫الحزبية وكمها في تونس بعد الثورة‪ :‬فلا يمكن أن توجد أكثر من مائتي حزب من دون أن‬ ‫يكون وراء أغلبها مافية وتدخل أجنبي لا يخدم مصلحة تونس والتونسيين بجنسيهم‪.‬‬ ‫وختاما فينبغي ألا ننسى أن المزايدات هي التي أفشلت الترويكا مع شيء من الحمق‬ ‫السياسي المتمثل في توهم الشرعية الانتخابية كافية للحكم في بلد لم يتعود على ثقافة‬ ‫الديموقراطية‪.‬‬ ‫فمن فرض هذا الدستور الدال على الغباء السياسي؟‬ ‫ومن منع تغيير قانون الانتخاب الذي عمل حتى لا يستقر أي حكم ممكن؟‬ ‫ومن جعل المزايدات في الديموقراطية العرجاء تخلق مؤسسة موازية لكل مؤسسة من‬ ‫مؤسسات الدولة؟‬ ‫ومن أخيرا جعل السبسي يصبح قادرا على تكوين الكوكتال مولوتوف ليس ضد النهضة‬ ‫ولا بغاية التوازن السياسي بل لتمكين النظام القديم من الخروج مرة ثانية من سباته؟‬ ‫ومن يستطيع أن يقنعني أن كل ذلك ليس هو الآن بصدد التكرار من قبل أكثر الناس‬ ‫رفعا لشعارات الثورة في الأقوال وهم في الحقيقة أكبر أعدائها بالأفعال؟‬ ‫والعلامة بينة‪ :‬فمن يؤيد ما يجري في الأنظمة العربية المجرمة أو من تموله الأنظمة‬ ‫العربية المضادة للثورة أو من يحالف من يدعون الممانعة أو من يزعم محاربة الفساد‬ ‫وإصلاح الدولة وهو لا يملك من وسائل ذلك غير الكلام هل يمكن اعتبارهم مختلفين عمن‬ ‫حاربوا الثورة باسمها منذ بدايتها إلى الآن؟‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪256‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫والله أعلم‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪257‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ما لا يطيقه أعداء القوى السياسية ذات المرجعية المنتسبة إلى حضارة البلد الإسلامية‬ ‫هو انتقالها مما حاولوا وصمها به‪ ،‬أعني من مواقف رد الفعل في فكرهم أوفي سلوكهم أو‬ ‫فيهما معها وما يترتب عليها أو ما ترتبت عليه من رؤية لخياراتهم السياسية وأسسها في‬ ‫مرجعيتهم إلى المواقف المتحررة من هذه العقد والتعامل مع الفعل السياسي بثقة في النفس‬ ‫خلقيا والقدرة عليه بكفاءة‪.‬‬ ‫والأمر لم يعد مقصورا على كل تضحياتهم التي امتدت لأكثر من قرن حتى يجمعوا بين‬ ‫ثقافتهم الأصيلة وثقافة العصر وخاصة بسبب عدم انحصار صلتهم بالغرب على نوفيذة‬ ‫الثقافة الفرنسية التي تزداد ضيقا وهامشية يوما بعد يوم في العالم كله‪ .‬لذلك فقد صارت‬ ‫هذه القوى السياسية أصعب أرقام الوضعية الجيوسياسية في الإقليم بل وفي العالم‪ .‬وقد‬ ‫تجاوزت في تونس مثلا حدودها لأن دورها في حماية الثورة مما حيك لها من أعدائها في‬ ‫المحل والإقليم والعالم الثورة التي فجرها الشعب التونسي كله دون تمييز بين القوى‬ ‫السياسية‪.‬‬ ‫لكن انتكاس بعض هذه القوى بسبب تبعية قياداتها إما للمافيات المحلية أو لقوى الثورة‬ ‫المضادة ومن يسندها في الإقليم وفي العالم خوفا من عودة الوعي للأمة ودورها في التاريخ‬ ‫الكوني‪.‬‬ ‫تجاوزت الحركات السياسية ذات المرجعية المنتسبة إلى تاريخنا وثقافتنا ما أريد لها أن‬ ‫تستبطنه من أحكام أعدائها المسبقة حولها وحول دورها في التاريخ سواء كان هؤلاء‬ ‫الاعدام من المحل أو الإقليم وحتى من العالم الذي لم يتحرر بعد من خلافات الماضي بين‬ ‫الحضارتين المحيطتين بالأبيض المتوسط‪ .‬لكن شعوبنا تحررت من الموقف الدفاعي‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪258‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫وإذن فما يجري في هذه النزعة العدوانية تثبت عكس ما يقال عن العلاقة الراهنة بين‬ ‫الحضارتين أيتهما التي صارت دفاعية ومقعدة إزاء الثانية‪ .‬وذلك ما يعلل ظاهرتين لم‬ ‫يعد أحد يستطيع نكرانهما‪:‬‬ ‫• الاستقواء بالثورة المضادة التي تعتمد هي بدورها إما على إسرائيل أو على إيران دليل‬ ‫ضعف الأعداء‪.‬‬ ‫• الاحتماء بالمستعمر السابق كلما خسروا المعركة في مجراها السلمي ولجأوا إلى الإرهاب‬ ‫والاغتيال المخابراتيين‪.‬‬ ‫لأن أعداءهم هم الذين يوجدون في وضعية تجعلهم هم الذين صاروا أصحاب الموقف‬ ‫الدفاعي وعقد النقص‪.‬‬ ‫ويمكن تحديد مستويات هذه المعادلة التي تثبت تجاوز الأمة والشعوب التي أثارت موقف‬ ‫الدفاع وأعتقد النقص في المجالات التالية‪:‬‬ ‫‪ .1‬فالأجيال الأخيرة من هذه القوى السياسية جمعوا بين الثقافتين الأصيلة والحديثة‬ ‫باقتدار‪.‬‬ ‫‪ .2‬وموقف الأمة الحضاري المستقل ازداد قوة وقدرة على تحقيق السيادة الثقافية دون‬ ‫عدوانية‪.‬‬ ‫‪ .3‬وشروط التنمية المستقلة باتت في المتناول لأن فك الارتباط بالمستعمر لم يعد أمرا‬ ‫مستحيلا ومن ثم فقد أصبح الانفتاح على العالم كله علاجا سويا لشروط التنمية المتكاملة‬ ‫بين شعوبه عربية كانت أو أمازيغية أو تركية أو كردية‪.‬‬ ‫‪ .4‬والشعوب صارت مدركة لهذه التحولات ومؤمنة بالمصير المشترك والدليل أنها أصبحت‬ ‫تعطي تفويضها لقيادة أمورها لهذه القوى دون أن يقتصر دافعها على العلل الدينية بل‬ ‫صارت العلل متعلقة أساسا بالمسألتين الاقتصادية والثقافية التي يعتبر الدين أحد عناصرها‬ ‫وبالعزة والسادة الوطنية‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪259‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ .5‬وأخيرا فإن ما أصاب الثورة المضادة من وهن بعد أن خسرت كل رهاناتها فلم يعد‬ ‫بالوسع الاستفادة من إيران وإسرائيل ذراعين لروسيا وأمريكا حاميين للثورة المضادة وبعد‬ ‫تمكن الثورة من الصمود حتى حيث تجري حرب أهلية ومن الشروع في الموجة الثانية في‬ ‫مصر والعراق والسودان والجزائر أعني في أهم أقطار الاقليم الذي كان تابعا‪.‬‬ ‫لكن الانتخابات الأخيرة في تونس قد تضعنا أمام مرحلة حاسمة في نضوج قوى الثورة‬ ‫السياسية وخاصة في تثبيت الثقافة الديموقراطية لأن هذا التعافي في مستوى الوعي المعرفي‬ ‫والوعي القيمي رغم كونه التوجه السوي في العلاج السياسي لقضايا الأمة ما يزال هشا‬ ‫ويبقى بحاجة إلى استراتيجية تحول دون نوعي المؤامرات التي يمكن أن تفسد السعي‬ ‫السلمي لإخراج أوطاننا من التهديد بالحرب الأهلية ومما يشبه صراع الحضارات الداخلي‬ ‫بين التأصيل المستقل والملتفت إلى المستقبل والتحديث المتحرر من التبعية الثقافية‬ ‫للاستعمار وأذياله في بلداننا‪.‬‬ ‫• المؤامرات التي يقودها الذراعان إيران وإسرائيل وعملاؤهم من الأنظمة العربية سعيا‬ ‫للاستعادة خارطة ما قبل إسلامية في الإقليم‪.‬‬ ‫• المؤامرات التي يقودها حماة الذراعين والأنظمة العميلة لفرض سايكس بيكو ثانية‬ ‫بعد أن بين التعافي فقدان سايكس بيكو الأولى قدرتها على تغيير وعي الأمة رغم تغييرها‬ ‫للخارطة‪.‬‬ ‫ولحسن الحظ فإن نخب الصف الثاني الذي يستعمله الأعداء ليست كلها فاقده لهذا‬ ‫الوعي بضرورة اعادة بناء الإقليم بناء يضاهي أوروبا المتحدة دون معاداة لها بل وفيهم‬ ‫الكثير ممن يريدون فعلا تحقيق الصلح بين أبناء الوطن الواحد وبين شعوب اقطار الإقليم‬ ‫لتجاوز الصراع الحضاري في الداخل وبيننا وبين الغرب لأن رفض التبعية الثقافية والسعي‬ ‫إلى فك الارتباط مع القوة الاستعمارية ليس عدوانا على أحد بل حق الندية الذي ترفضه‬ ‫أنظمة الثورة المضادة العربية الاستبدادية وحماتهم من ذيلي الاستعمار الروسي‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪260‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫والأمريكي أي إيران وإسرائيل‪ .‬ولا بد من العمل مع هذه النخب الواعية بشروط التحرر‬ ‫والكرامة وهم موجودون في تونس‪.‬‬ ‫وإذا ما استثنينا اليسار المحتضر في العالم كله وليس عندنا وحدنا والقوميين التابعين‬ ‫للأنظمة العربية التابعة للملالي والسلفيين التابعين للأنظمة التابعة للحاخامات ‪-‬وهم‬ ‫الذين يستثنون أنفسهم لأنهم لا يعترفون بحق الشعوب في إدارة شأنها بذاتها وحكم نفسها‬ ‫بنفسها بل يعتبرون أنفسهم أوصياء عليهم ‪ -‬فإن القوى السياسية التونسية يمكن أن تحقق‬ ‫جبهة متينة للخروج من الوضعية الصعبة اقتصاديا وثقافيا لتأسيس شروط الديموقراطية‬ ‫وتطويرها بنسق معقول دون تعجل لتجنب النكوص‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪261‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫\"‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫هذا مثل شعبي تونسي ناطق باسم \"اضحية العيد\" بسبب معركة بين ابناء أسرة على‬ ‫كيفية ذبحها‪ .‬وهو مناسب جدا لمن يتصورون \"شعب النهضة\" قطيعا يمكن أن يستعملوه جيشا‬ ‫عديم القيادة ليكونوا هم قادته لأنهم قيادة بلا جيش‪ :‬كلهم عسكر مكسيكي جنرالته أكثر‬ ‫من جنوده‪.‬‬ ‫ما أراه في الساحة بعد الانتخابات النيابية يمكن وصفه بعبارة شعبية أخرى هو أجماع كل‬ ‫النخبة السياسية أيا كان توجهها على \"نصب منداف= فخ\" يراد به في النهاية إيصال البلاد‬ ‫إلى وضع يسهل عليهم اصطياد النهضة واخراجها من اللعبة بمجرد الإيهام بأنها حازت على‬ ‫أقطاب السلطة الثلاثة في النظام الدستوري الحالي فتغولت وفشلت ومن ثم فهي مسؤولة‬ ‫على نتائج ستين سنة من الاستبداد والفساد التي تمسح فيها‪:‬‬ ‫‪ .1‬سلطة المجلس لأن لها الكتلة الأكبر‪.‬‬ ‫‪ .2‬رئاسة الحكومة تعود إليها دستوريا‪.‬‬ ‫‪ .3‬دعوى إسلامية الرئيس الذي يريدونها تأييده‪.‬‬ ‫‪ .4‬النتيجة النهضة تغولت واستولت على السلطة كلها‪.‬‬ ‫‪ .5‬وهذا هو \"المنداف\" البين لكل ذي عقل وعلة التأفف من المشاركة في الحكم معها‪.‬‬ ‫فمن الذين ينصبونه؟‬ ‫ولماذا يستهدف النهضة؟‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫أبدأ فأقول‪:‬‬ ‫• لست ناطقا باسم النهضة‪ .‬ولست حتى عضوا في الحزب‪.‬‬ ‫الأسماء والبيان ‪262‬‬

‫\"‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫لكني مع ذلك أعتقد أنه من دونها ستصبح تونس كمصر رغم أن النهضة أقرب إلى مفهوم‬ ‫الحزب السياسي الحديث من الاخوان أعني أن هؤلاء ما زالوا بعيدين جدا عما وصلت إليه‬ ‫في عدم الخلط بين اعتماد قيم الإسلام مرجعية وتحويلها إلى برنامج سياسي في حزب ديني‪.‬‬ ‫• وأثني فأقول إني لا اعتبر قيس سعيد إسلاميا بالمعنى النضالي من أجل استعادة الأمة‬ ‫دورها في التاريخ الكوني ولا يعنيني الكلام على إسلامه والتزامه بالعبادات‪ .‬فذلك أمر‬ ‫شخصي ولا علاقة له بالدور السياسي‪.‬‬ ‫• وما أظن أحدا على الأقل في تونس يجهل أني لا أعتبره أهلا لرئاسة تونس لعدم الخبرة‬ ‫ولعدم وضوح البرنامج الذي يقدمه‪.‬‬ ‫• وإذا فهمت بعض الشذرات من برنامجه فهو يشبه \"قذفنة\" تونس و\"سفوتتها\" كما فهمت‬ ‫ما ظهر من البرنامج الذي عبر عنه هو وصاحبه‪.‬‬ ‫• وكل من يفهم أبعاد البرنامج يستنتج أنه لا ينوي العمل بالمؤسسات الشرعية بل بالعمل‬ ‫الشارعي إذ إن شرطه الانتقال من \"الشعب يريد إسقاط النظام\" إلى \"الشعب يريد إسقاط‬ ‫الدولة الديموقراطية الحديثة\" بخرافة الديموقراطية المباشرة‪.‬‬ ‫وأبدأ الآن الجواب عن سؤالي‪:‬‬ ‫من ينصب الفخ أو المنداف؟‬ ‫ولماذا الصيد هو النهضة؟‬ ‫بين أن هذا البرنامج لا يطابق برنامج النهضة كما يتضح مما عرضه مرشحها للرئاسة‬ ‫الأستاذ مورو وحتى مرشحوها للنيابيات‪ .‬فقد تم في الحالتين عرض برنامج مختلف تماما‬ ‫لأنه يريد تحقيق ما يقتضيه الدستور الحالي بمنطق عمل المؤسسات الشرعية والتقدم في‬ ‫بناء الديموقراطية وتحقيق أهداف الثورة تحقيقا سلميا دون اللجوء إلى عنف الشارع‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪263‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫\"‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫صحيح أنها وعدت خلال الحملة النيابية بمساندة سعيد كمرشح لما \"اضاف بعض الماء‬ ‫لطاحونته\" وصحيح أني عبرت عن تأييدي لهذا الوعد‪ .‬فقد كان ضروريا لأن وزن النهضة‬ ‫يحول دونها والحياد والمفاضلة تقتضي اختيار الأقل سوءا خاصة بعد أن غير لهجته إزاء‬ ‫المؤسسات الدستورية‪ .‬لكنه عاد ثانية إلى خرافة \"القذفنة والسفوتة\" وادعاء أنه غني عن‬ ‫سند أي كان لكأنه نزل من السماء رسولا للإنسانية كلها حسب تصريحه الأخير‪.‬‬ ‫التعبير عن التأييد المبدئي لسعيد لأنه أقل السوءين لا يقتضي الالتزام ببرنامجه ولا‬ ‫حتى القيام بديلا منه بحملته للدفاع عنه رغم مناقضة برنامجه تمام المناقضة لبرنامجها‬ ‫كما قدمه الأستاذ مورو ونوابها في حملتهم‪.‬‬ ‫أين المنداف إذن؟‬ ‫اضع الأسئلة التالية وفيها قرائن الفخ البين لكل ذي بصيرة‪:‬‬ ‫‪ .1‬لماذا لا ينزل للقيام بحملة سعيد المزايدون على النهضة في مسألة الحرب على الفساد‬ ‫والذين يضعون شروطا للمشاركة في الحكم معها مفادها نحكم بـ\"شعبكم\" لتحقيق برنامجنا‬ ‫وإلغاء برنامجكم‪ .‬فهل اتهمهم أحد بالحلف مع الفساد حتى لو أسهم ذلك في سقوط سعيد‬ ‫وصعود القروي؟‬ ‫‪ .2‬لما لا ينزل القوميون الذي يزعمون أنهم مستعدون للمشاركة في الحكم مع النهضة مع‬ ‫كونهم حلفاء لكل أعداء الثورة وأعداء الأحزاب الإسلامية في الإقليم ويزعمون مع ذلك‬ ‫الانتساب إلى الثورة في تونس لأنها تمكنهم من الحصول على قاعدة من الشباب المغرر به‬ ‫وعلى اساس شبه قبلي بمنطق الجهات؟‬ ‫‪ .3‬لماذا لا ينزل المزايدون على النهضة في حماية الإسلام والسيادة والثروات الوطنية‬ ‫للقيام بحملة سعيد ويعتبرونه فرضا على النهضة أن تفعل وإلا فهي متحالفة خفية مع‬ ‫القروي ومطبعة مع الفساد حتى وإن كانوا أقل اشتراطا على المشاركة في الحكم مع النهضة؟‬ ‫ألا يسهمون في نفس الامكانية أعني سقوط سعيد وصعود القروي؟‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪264‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫\"‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ .4‬لماذا يسكت الشاهد على نفس الإمكانية بل ويذهب إلى المقابلة بين الأسرتين‬ ‫الديموقراطية والإسلامية ويختار المعارضة من الآن وهو يدين بوجوده ذاته في السياسة‬ ‫للمشاركة في الحكم مع الإسلاميين أولا ويعلم أن موقفه هذا يعني مساندة قمة الفساد‬ ‫للوصول إلى الحكم وإذا لم ينجح توريط النهضة بالإيهام أن سعيد مرشحها وينسى أنها‬ ‫رشحت مورو؟‬ ‫‪ .5‬لماذا تبقى بقية القوى متفرجة رغم أنها تدعي محاربة الفساد مثل \"دونكيشوت\"‬ ‫البسكلات ومع ذلك لا تفعل شيئا لمنع نجاح القروي بل وتفعل علنا ما يساعده على النجاح‬ ‫مع الإيهام بأنهم بذلك يحاربون سعيد بوصفه ممثلا للإسلاميين؟‬ ‫لم يبق إلا عبير موسي لأن بعض الأفراد المستقلين يمكن قسمتهم على هذه المواقف‬ ‫الخمسة‪ .‬وعبير موسي هي الوحيدة الصريحة في الاعلان على ما هو مضمر في مواقفهم‬ ‫جميعا‪ .‬فهي تعتبر الإسلاميين مجرمين ينبغي محاسبتهم على مؤامرة الإطاحة بابن علي‬ ‫وتسعى لاسترجاع نظامه الذي لا أحد من الأربعة ليس صنيعته بصورة أو بأخرى؟‬ ‫وإذن فجميع من ذكرت يشاركون في \"نصب منداف=الفخ\" للإسلاميين البعض بوعي وخطة‬ ‫مدروسة والبعض بمنطق \"فخار يكسر فخار ونحن المستفيدون\" ولا يدرون أن نهاية النهضة‬ ‫هي نهاية التجربة الديموقراطية والعودة الأكيدة للنظام القديم وليس سياسة المقرونة‬ ‫التي هي ليست جديدة وقد كان عنوانها ‪ .26-26‬المنداف هو إذن تبرير العودة إلى اقصاء‬ ‫الإسلاميين بعلة واحدة ذات وجهين‪:‬‬ ‫• الوجه الاول صريح هو الدفاع عن النمط التونسي الذي يزعمون تمثيله ويعتبرون‬ ‫الإسلاميين أعداء له‪.‬‬ ‫• الوجه الثاني التخلص من منافس وازن والحاجة إلى شغل موقعه بتغييبه من خلال‬ ‫توريطه في تهمة التغول‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪265‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫\"‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫لكن برنامج النهضة على ما فهمت من برنامج مرشحها الأستاذ مورو ومرشحيها في النياببات‬ ‫غير ما يراد فرضه عليها من أفكار سعيد أو من برامج الذين يريدون ان يبقوا متفرجين‬ ‫أو أن يفرضوا على النهضة برامجهم‪ .‬ثم هم يريدون قاعدتها أي مجرد قوة يرونها من‬ ‫جنس القطيع أو بلغة المرزوقي \"شعب النهضة\" يستعملونه لتحقيق برامجهم التي ليس لهم‬ ‫عليها أدنى قدرة ثم التضحية بهم في الوقت المناسب دخولا في الربح وخروجا من الخسارة‪.‬‬ ‫أي رجولة في دفع الإسلاميين إلى دور الانتحاريين ليفاخروا هم ببطولة الأقوال في الحالتين‬ ‫لأنهم يخلطون بين التدبير والتنبير؟‬ ‫هدفهم أن يضربوا أكثر من عصفور بحجر واحد‪ :‬لهم بطولة الأقوال وعلى النهضة كلفة‬ ‫الافعال ثم بعد ذلك يزايدون عليها بخرافة الأيدي المرتشعة‪ .‬يا سيدي \"ولو صيودة‬ ‫وكولونا\"‪ .‬لذلك فموقفي الشخصي ‪ -‬ومرة أخرى ليست ناطقا باسم النهضة ‪ -‬هو أنه على‬ ‫النهضة كما أسلفت من ثاني يوم بعد وفاة السبسي أن تختار هي بدروها المعارضة ورفض‬ ‫الحكم مع أي من المرشحين للرئاسة إلا إذا حصل توافق على جبهة وحدة وطنية للخروج من‬ ‫المآزق التي يعاني منها الشعب التونسي‪.‬‬ ‫ثم لا ننسى أن الشعب فضل برنامج سيعد وبرنامج القروي على برنامج مرشحها في‬ ‫الرئاسية ومن ثم فهي في حل من مساندة أي منهما ومن المفروض أن تبقى على الحياد وألا‬ ‫تشارك في حكم يكون عليها تحمل عبء مسؤولية تحقيق برامج أخرى غير برنامجها‪.‬‬ ‫فليجرب من يدعي محاربة الفساد محاربته من دونها ومن يزايد عليها في الرجولة والسيادة‬ ‫الوطنية وقيم الإسلام أن يقوم بذلك بدونها ومن يريد الفصل بين الاسر السياسية أن‬ ‫يحكم بأسرته التي لا نعلم هل هي ما يطابق جنسية التونسية أم الفرنسية‪ .‬كل هؤلاء‬ ‫سيرون أنهم من دون العمود الفقري التونسي هباء منثور بل أشبه بالعدم الذي لا يتجاوز‬ ‫الأقوال إلى الافعال‪.‬‬ ‫لذلك فإذا لم يحصل شرط حكومة الوحدة الوطنية دون مزايدات على الممكن في ظرف‬ ‫تونس الحالي فلتترك من ينجح من المرشحين للرئاسة يختار من يريد من القوى السياسية‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪266‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫\"‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫الاخرى يعتبرها مجانسة لبرنامجه في إدارة دفة البلاد لأن كل مآزقها تنتسب إلى مجاله‬ ‫باعتبار أمن البلاد ممتنع من دون إخراجها منها‪ .‬والمعركة التي علينا خوضها قد تتطلب‬ ‫دروتين انتخابيتين ولا يمكن لشعب يدخل حربا ضد عدم التوازن بين الجهات والبطالة‬ ‫وتعطل مكينة الإنتاج الاقتصادي والعدالة الاجتماعية أن يدخلها بصفوف متصارعة لأنها‬ ‫حرب أخطر من الحرب بالمعنى العسكري للكملة‪ .‬أما إذا أرادوها حربا بصفوف متصارعة‬ ‫فالأولى تجنب النهضة الوقوع فيها‪.‬‬ ‫ولنر حينها ماذا سيفعل دونكيشوات الثورية والأسر الديموقراطية كيف ستسير البلاد‬ ‫وكيف خاصة ستقاوم الفساد الذي صار شعار من اعتبرهم بهذا الاختيار يعبرون على ما في‬ ‫اعماقهم من توق إلى الفساد فذلك بغير وعي منهم سعي للتبرؤ بالأقوال مما يتمنون‬ ‫بالأفعال‪.‬‬ ‫فالنهضة يكفيها ما قدمت وضحت من أجل نخبة سياسية أكبر خصالها الدناءة ونكران‬ ‫الجميل‪ .‬فهم لا يعترفون بما يدينون به لصبرها على ابتزاز الباجي مدة خمس سنوات‬ ‫فاعتبروا صبرها لحماية الثورة خيانة لها ويبرئون من كانوا مستعدين للتضحية بـ‪ 20‬ألف‬ ‫تونسي من أجل ما يسعون هم الآن إلى تحقيقه بدفعها دفعا إلى حكم هو \"منداف\" غايته‬ ‫أنهاء وجودها‪.‬‬ ‫اللهم إني بلغت‪:‬‬ ‫فلا يمكن للحمقى من السياسيين أن يتذاكوا متصورين أن الإسلاميين قطيع كما قالت‬ ‫رمزهم أغبى صحفية على وجه الأرض‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪267‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫لن أطيل هذه المرة‪.‬‬ ‫سمعت البارحة حوار القروي‪ .‬وهي أول مرة أسمعه‪.‬‬ ‫وسمعت قبله حوار سعيد وسبق أن تحاورنا مباشرة بمناسبة لقاءات حول الثورة أو بمناسبة‬ ‫ندوات‪.‬‬ ‫ما يميز أحدهما عن الثاني ليس صفات خلقية لأني لا ادعي علم السرائر بل أكتفي‬ ‫بالظاهر والله يتولى السرائر‪.‬‬ ‫ما يميز احدهما عن الآخر هو تغليب أحد بعدي العجل في القصة القرآنية المعلومة‪.‬‬ ‫فالقروي يعتبر الإنسان تابعا لمعدن العجل وقيس يعتبره تابعا لخواره‪ .‬لكن الإنسان في‬ ‫الحقيقة يتنازعه بعدا العجل ولا يمكن أن يتبع أحدهما دون الثاني‪ .‬والمشكل ليس ذلك‬ ‫بل أي البعدين تابع وأي البعدين متبوع في القانون العام الذي لا يستنثي الشذود المثبت‬ ‫للقاعدة‪ .‬لكن الإنسان يتلاعب به من يوهمونه أن الحكم يمكن أن يكون بصدق متمحضا‬ ‫باسم الله ‪-‬ثيوقراطي‪ -‬أو متمحضا باسم الشعب ‪-‬ديموقراطي‪.‬‬ ‫وما ذلك في الحقيقة إلا سطح الحكم ورداء نفاقه ليعلل ما يعتدي على الأخلاق بمسحة‬ ‫خلقية كاذبة‪.‬‬ ‫أما بنيته العميقة فهي كونه دائما حكما ببعدي العجل‪ :‬بالذهب وبالخوار معا ودائما‪.‬‬ ‫ولما كان أصحاب الخوار في الغالب خدما لأصحاب الدينار لتقدم العاجل على الآجل في سد‬ ‫حاجات الإنسان فإن المعركة كانت ولا تزال دائما لصالح أصحاب الدينار على أصحاب‬ ‫الخوار‪.‬‬ ‫فأصحاب الدينار يجمعون العامة بالحاجة النباتية (المائدة والسرير أو الغذاء والجنس)‬ ‫ويجمعون النخب بما يتجاوز الحاجة المباشرة إلى الجشع الذي يطلب ما فوق الحاجة وهو‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪268‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫نوع من اللامتناهي الزائف بلغة هيجل‪ .‬وعادة ما يكون ذلك متعلقا بالفنون التي تصحب‬ ‫المائدة والسرير أي زينة الغذاء وعبث الجنس‪.‬‬ ‫استغلال الفقراء والأغنياء هو أهم أدوات مافية المال‪ .‬وما مافية الاقوال إلا لاقناع‬ ‫هؤلاء بأن أولئك هم الانفع‪ :‬وتلك هي وظيفة من يسميهم الفارابي بأصحاب الأقوال ومنهم‬ ‫الصحفي و\"المثقف\" والفنان وكل الطبالين في المهرجانات الانتخابية‪.‬‬ ‫لست غرا فأصدق أن من يعارض القروي باسم القيم السماوية (وهو معنى ديني) ليس‬ ‫من جنس الملالي والحاخامات الذين يدعون أن الحكم هو باسم الله‪ .‬وقد يكون في خدمتهم‬ ‫بوعي أو بغير وعي‪ .‬لكن الملالي والحاخامات ليسوا أقل جشعا ممن يدعون مقاومتهم باسم‬ ‫القيم الدنيوية أي الحكم باسم الإنسان (وهو معنى علماني) فيتساوى الصفان في الخوار‬ ‫التابع للدينار في كل الأمصار وجميع الأدهار‪.‬‬ ‫لذلك فإني أكتفي بالفرجة على مسرح الدمى التي تدعي رفض السلوك المافياوي عند‬ ‫من هم من جنس القروي باسم نفس السلوك المافياوي عند من هم من جنس قيس‪ :‬الفرق‬ ‫هو صراحة الصف الأول إلى حد النزعة الكلبية ونفاق الصف الثاني إلى حد النزعة‬ ‫الملالية والحاخامية‪ .‬فالبنية العميقة واحدة‪ :‬هي بنية الحكم باسم العجل أحدهما اختار‬ ‫معدنه والثاني خواره‪ .‬والثاني لا يتجاوز دوره خدمة الاول إما حالا أو استقبالا‪.‬‬ ‫صحيح أن كلامي يبدو يأسا من الإنسان ويعتبر البنية العميقة هي المحددة للحكم من‬ ‫حيث هو حكم والسطح لإخفاء سلطان العجل على الإنسان‪ .‬لكنه اعتراف بأن الإنسان‬ ‫بطبعه منافق وأن المصرح بأولوية معدن العجل أقل نفاقا من مدعي أولوية خواره لأنه في‬ ‫النهاية خادم عند الأول‪.‬‬ ‫ولا يمكن لي أن أدعي أني مستثنى من هذا القانون‪ .‬وحتى لا أصبح ضمنه قلوت مجال‬ ‫سلطانه‪ :‬السياسة‪.‬‬ ‫لذلك فضلت أن أغادرها بعد تجربة سنة وأن أبقى مجرد معلق على أحداثها لفهم ما‬ ‫يسمى سياسة بوصفه مسرحية تخفي بعدي العجل برداء الثيوقراطيا أي باسم الله أو برداء‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪269‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫الديموقراطيا أي باسم الانسان‪ .‬الحكم لا يمكن ألا يكون باسم دين العجل ببعديه الذهب‬ ‫سيدا والخوار مسودا لأنه خادم للأول وقناع يخفي عواره‪ .‬وأفضل ألا أصوت لا لمافية‬ ‫معدنه ولا لمافية خواره‪ .‬وأن أبقى متفرجا فالفرجة تفريج عن النفس المكلومة من حياة‬ ‫الإنسان الذي ترده الحاجة إلى عبد معدن العجل ويقنعه بذلك عبد خواره‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪270‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫بعد أقل من ثلث المناظرة أي بعد ما هو من مهام الرئيس دستوريا فضلت العودة إلى عملي‬ ‫في مكتبي‪ .‬عشت في فرنسا وعشت في ماليزيا وترجمت كتاب الأمريكيين الجوامح ‪Unruly‬‬ ‫‪ Americans‬المتعلق بالدستور الأمريكي والرجالات الذين بنوا أمريكا وما مرت بي مهزلة‬ ‫كالتي رأيتها البارحة لا في معنى المناظرة بين الزعماء ولا في معنى الدراية بطبيعة المهام‬ ‫التي يقال إنها مهام الرئيس خاصة والأمر يتعلق بدستور عجيب وغريب لم أر مثله بعدا‬ ‫عن معنى الدستور الذي يمكن من الحكم الرشيد والحد من المتشابه البليد في العبارة‬ ‫والإشارة‪.‬‬ ‫لن أحكم على الرجلين بل على الحد الأدنى لرئاسة بلد صغير ليس له شروط القيام‬ ‫المستقل وخاصة شروط الصمود لاتمام شروط السيادة حتى في حدها الأدنى الذي يعود إلى‬ ‫الرعاية والحماية يتقدم لرئاستها شخصان كلاهما يتكلم في كل شيء إلا في ما ينتظر منه‬ ‫الشعب بوعي أو بغير وعي وما يحتاج إليه البلد خاصة وهو يخوض معركة الانتقال‬ ‫الديموقراطي مع ما يلازمه من هشاشة كلنا يراها بالعين المجردة‪.‬‬ ‫وسأكتفي بأهم قضيتين تعودان إلى الرئيس بمقتضى ما يسنده إليه الدستور من مهام لأن‬ ‫المسائل الأخرى من زخرف القول ومن عدم حياد واضعي الاسئلة كالسؤال المتعلق باعتبار‬ ‫اتهام النهضة بالجهاز السري حقيقة وليس مجرد تهمة معروضة على القضاء علما وأن أيا‬ ‫منهما حتى المفاخر بمعرفة القانون لم يعترض على جعل التهمة حقيقة فصار الغباء‬ ‫الصحفي بديلا من القضاء‪.‬‬ ‫وإليكم المسألتان الخاصتان بالرئيس حصرا‪:‬‬ ‫‪ .1‬أمن الوطن‬ ‫‪ .2‬الدبلوماسية‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪271‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ولكن قبل ذلك لم أسمع في حياتي أن رئيسا يعمل بمفرده فيقيم وكأنه شمشون الجبار‬ ‫بل هو يعمل بفريق وراءه ينبغي ان يكون شبه خلفية أو أرضية تبرز عليها شخصيته‬ ‫القيادية‪ .‬وهذا الأمر غائب في الحالتين ليس في المناظرة بل في مسار الرجلين خلال الحملة‬ ‫إذا ما استثنينا الظهور الأول الذي سرعان ما اختفى لمرشد الأستاذ سعيد المترمكس‬ ‫والمتفلسف في بناء الدول وهندسة الشعوب‪ .‬وهو ما يعني أن أيا منهما ما أن ينجح حتى‬ ‫يفرض أو يُفرض عليه ‪-‬من ماورائه الخفي‪ -‬بطانة لا نعلم من هي ولا ما هي توجهاتها ‪-‬‬ ‫إذ ليس لأي منهما حزب أو قاعدة معلومة قبل أو حتى خلال الحملة‪ -‬ولا كيف ستدير ديوان‬ ‫الرئيس‪ .‬ولا ننس أننا نعلم كيف كان المرحوم الباجي قائد السبسي الذي هو داهية وصاحب‬ ‫تجربة على الأقل في نظام بورقيبة وفي نظام ابن علي وفي محاولة بناء صف الثورة المضادة‬ ‫في تونس كانت البطانة التي فرضت عليه قاتلة لمشروعه وله ذاتيا إذ موته كان \"حمصة\"‬ ‫بالتونسي‪ .‬ولا شك أن علة فشله الأولى والأساسية كانت الفريق الذي من حوله‪.‬‬ ‫أمر الآن إلى المسألة الأولى‪:‬‬ ‫أليس من السذاجة أن يتكلم كلا الرجلين على أدواته التي لا يجهلها أدنى إنسان مهما‬ ‫كان أميا ‪-‬رجال الشرطة والجيش ثم بعض التلميحات لأدواته الاقتصادية والتقنية لكأن‬ ‫تونس تعيش في جزيرة نائية ليس عندها إلا قضية أمن ظرفية ‪-‬هي الإرهاب‪ -‬والباقي لا‬ ‫يتجاوز جرائم الحق العام أو ما شابه‪ .‬لكن الأمر أعقد ألف مرة مما تداوله الرجلان‪:‬‬ ‫‪ .1‬فالأمن القومي يحمى أولا وقبل كل شيء باللحمة الداخلية للجماعة أو ما يسمى‬ ‫بالجبهة الداخلية‪ .‬وكلاهما في كلامه وفي رؤيته مشروع حرب أهلية في تونس‪.‬‬ ‫فأحدهما محسوب على الإسلاميين‪ .‬والثاني على العلمانيين‪ .‬ولا أحد منهما عالج‬ ‫كيفية استعادة لحمة الشعب التونسي التي يمزقها هذا الصراع فتجاوز ما يجعله‬ ‫أميرحرب أهلية باردة ‪-‬أحدهما يمثل صفا يدافع عن حقه في الوجود في تونس‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪272‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫والثاني يمثل صفا يدافع عن استفراده بها‪ -‬لم تكف السنوات الثمانية لتجاوزها‬ ‫بل عمقتها إذ يبدو وكأننا عدنا إلى ما بين ‪ 11‬و‪ 13‬بدليل عودة الرباعي المشؤوم‪.‬‬ ‫‪ .2‬حتى الدول العظمى لم تعد تتصور الأمن القومي يقتصر على دفاع منحصر في‬ ‫القوة الذاتية بل هي تعتمد سياسة الأحلاف في نظام عالمي لا بقاء فيه للأقزام‬ ‫والدول الوهمية مثل التي خط الاستعمار حدودها لأنها في الحقيقة محميات وليست‬ ‫دولا‪ .‬ولا أحد منهما تكلم على حلف معين يمكن أن يكون جزءا من استراتيجية‬ ‫الأمن الوطني كما كان الأمر مثلا مع المرحوم بورقيبة الذي كان صريحا في أنه‬ ‫ينتسب إلى الحلف الأطلسي ولو بصورة غير رسمية‪.‬‬ ‫‪ .3‬والأمن الوطني يحتاج تبعا لذلك إلى تعيين ولو تلميحا إلى الأخطار المتعلقة‬ ‫باختراقه المحتمل من \"أعداء\" محددين يستشفون عادة من نوع الحلف المشار إليه‬ ‫في ‪ .2‬وطبعا يمكن أن يوجد غيرهم خاصة وأحد المرشحين متهم بالانتساب إلى‬ ‫المافيا والثاني ربما يكون منتسبا إلى مافية أخطر لأنها خفية‪ .‬ولا يكفي أن يقول‬ ‫المرء بالنأي بالنفس‪ .‬فقد رأينا دلالة ذلك في لبنان وسوريا‪.‬‬ ‫‪ .4‬الأمن الوطني يحتاج طبعا إلى تحديد عقيدة دفاعية ولا يُكتفى فيه بالأدوات أو‬ ‫بالإغراءات المادية للرجال والنساء الذين سيسهرون عليه‪ .‬فهذه العناية لا ينبغي‬ ‫في الأمن الوطني حصرها في شروط انجاز مهمته المباشرة بل الأهم منها شروطه‬ ‫غير المباشرة‪ :‬وخاصة البحث العلمي الذي ينتج وسائل الدفاع ويتصور‬ ‫استراتيجياته لأن الاستيراد تبعية تخل بالأمن الوطني والتفكير الاستراتيجي لا‬ ‫يكلف به الحمقى من جنس من كلفهم المرزوقي أو السبسي‪.‬‬ ‫‪ .5‬وأخيرا فالأمن الوطني مسؤوليته ليست مقصورة على قرطاج بل إن لباردو‬ ‫والقصبة دورا أهم من قرطاج لأنهما هما من يحدد الشروط الأربعة السابقة على‬ ‫المسؤولية المباشرة ويقدمون لها حلولا فعلية فتكون مسألة العمل المشترك بينهما‬ ‫وبين قرطاج أول الشروط‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪273‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫كل ذلك لم يرد ذكره واكتفى أحد المرشحين باستعراض عضلات سطحية في اختصاصه‬ ‫الذي لم ينجز منه شيئا لما كان مطالبا بإنجازه إذ لا نعلم له بحثا علميا يعتد به ولا حتى‬ ‫رسالة أكاديمية تخول له ا ستعمار عنوان أستاذ في القانون الدستوري وهو يفاخر بفضله على‬ ‫وضع القوانين‪ .‬واكتفى الثاني بالعامل المادي وذلك حد فكره‪.‬‬ ‫أمر الآن إلى المسألة الثانية‪:‬‬ ‫وهي أخطر فضلا عن كونها لم تنل حضها إلا بما يفيد أمية وغباوة سياسية لا تقدر عند‬ ‫المرشحين‪ .‬فمن يزبد ويرغد وكأنه يهذي في الكلام على أعقد قضية في الأقليم أعني قضية‬ ‫التطبيع والحرب مع إسرائيل والخيانة لكأننا نسمع بوقا من أبواق \"المومانعة\" التي نعلم ما‬ ‫لديها من عنتريات ورأينا مآلها في سوريا والعراق واليمن لا يمكن أن يعتد برأيه في أي‬ ‫أزمة قد تطرأ في الأقليم‪.‬‬ ‫أما الثاني فاكتفى بترديد الموقف البورقيبي الذي تبنته كل الأنظمة العربية المطبعة‬ ‫أعني تبني ما يرضى عنه الفلسطينيون لكأن الأقليم والعالم لم يتغير بعد بورقيبة أولكأن‬ ‫الدبلوماسية ليست استراتيجية التكيف مع تغيره‪.‬‬ ‫‪ .1‬فهل لتونس ما يكفي من السيادة لتختار توجيه دبلوماسيتها؟ سأذكر مثالا أولا‪ .‬لما‬ ‫حاول المرحوم محمد مزالي توجيه ديبلوماسية تونس إلى جنوب جنوب وتعاون مع‬ ‫العالم الثالث والصين ماذا حدث؟ كلنا يعلم أنه أطيح به من قبل ليبيا وفرنسا‬ ‫وعملائهما في تونس ومنهم المرحومة وسيلة والمرحوم الحبيب عاشور‪.‬‬ ‫‪ .2‬وأضيف مثالا ثانيا‪ .‬لما كان بورقيبة في عز قوته هل كان يستطيع أن يصوت في الامم‬ ‫المتحدة بما يخالف فرنسا وأمريكا؟ ألم يؤجل الاعتراف بالصين الشعبية حتى‬ ‫اعترف بها دوجول؟‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪274‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ولا بأس من مثال ثالث‪ .‬فلما أمضى بورقيبة اتفاقية الوحدة مع القذافي من منعه من‬ ‫اتمامها؟ أليس الهادي نويرة بأمر فرنسي ووسيلة وخاصة بومدين الذي قال إنه لا يركب‬ ‫القطار وقد تحرك؟ فأي دبلوماسية يتكلمون عليها وكأن تونس صارت قطبا عالميا؟‬ ‫‪ .3‬هل يمكن الآن لسعيد أو للقروي أن يتخذ خطوة في الدبلوماسية المستقلة عمن‬ ‫يمسكون بخناق تونس دبلوماسية ذات دلالة تعتبرها أمريكا أو فرنسا أو حتى دول‬ ‫الخليج ذات الدور في اقتصاد تونس من دون أن يكون في ذلك كارثة عاجلة وليست‬ ‫آجلة قد توقف دفع أجور كلها تدفع من القروض لآلاف العاطلين فعليا والموظفين‬ ‫رسميا في الدولة لحلب ضرعها حتى جف بطالة مقنعة هي عسكر الإدارة والاتحاد‬ ‫والشركات المفلسة؟‬ ‫‪ .4‬ألم يصبح شرط الدبلوماسية القادرة على الفعل المؤثر والمعتبر أساسه إصلاح‬ ‫النظام الاقتصادي ونظام الحكم لترشيده لئلا تكون كلفة الدولة تتجاوز مدخولها‬ ‫بحيث إن الجماعة صار دورها ليس إنتاج ما يسد حاجتها بل تسمين مافيات‬ ‫المستحوذين على البقرة الحلوب أي الدولة لخدمة من المفروض أن يكونوا في خدمة‬ ‫الشعب لا في استخدامه وأكل عرق جبينه؟‬ ‫فمن دون ذلك يمكن لإيقاف القروض مثلا أن يسقط ما يسمونه دولة في تونس في لمح‬ ‫البصر لأنها لا تستطيع الصمود شهرا أو شهرين‪ .‬وكل الصناديق التي خربها توظيف‬ ‫العاطلين من النقابيين والحزب الحاكم وأبنائهم وهم في الاغلب جيش الإدرايين في الدولة‬ ‫وشركاتها ستنهار فيصبح الشعب في حرب أهلية من أجل خبزهم اليومي‪.‬‬ ‫‪ .5‬وأخيرا إذا كان كلا الرجلين لم يريا العلاقة بين الدبلوماسية والأمن وبينهما وبين‬ ‫شروط السيادة والقدرة على القرار المستقل والحكم الرشيد فهما لا يفهمان في‬ ‫وظائف الرئيس شيئا ويريدان أن يتعلما الحجامة في رؤوس اليتامى خاصة ونحن لا‬ ‫نعلم من سيكون معاونين لهم في مهامهم وقد يعينهم \"المسؤول الكبير\" بمصطلح‬ ‫المرحوم السبسي‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪275‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫اللهم إني بلغت‪.‬‬ ‫وإني فعلا لأكثر انزعاجا من المصفقين لأي منهما أكثر من انزعاجي من قصورهما البين‬ ‫لكل من يحاول أن يحكم بموضوعية فلا تغره الخطابة السمجة ولا التلعثم الخجول‪ .‬فالكثير‬ ‫من التعليقات التي قرأتها بسرعة تفيد أن التقييم كان متعلقا بخطابة الثرثار وهي من أردإ‬ ‫ما سمعت وبتلعثم الربراب وتلك علة تردده لأنه كان يخاف أن يربرب‪.‬‬ ‫إن تونس مثلها مثل غيرها من بلاد الإقليم ما زالت بعيدة عن الديموقراطية بعد السماء‬ ‫عن الارض خاصة والذين يصفقون لقيس هدفهم توريط الإسلاميين بعد أن حسبوه عليهم‬ ‫وهو لا صلة له بهم لأن كونه متعبدا لا يعني أن برنامجه مثل برنامجهم‪.‬‬ ‫لكن الإسلاميين بغباء لا نظير له وقعوا في الفخ فعادوا إلى دروشة \"الغفاصة\" في أبجديات‬ ‫السياسة قصيرة النظر‪:‬‬ ‫لذلك كتبت \"حزوهم راهم يتعاركوا على راسي\"‪.‬‬ ‫برنامج الأستاذ مورو في حملته هو البرنامج الوحيد الذي يفكر في ما يتجاوز أنف‬ ‫القاصرين عن الفكر الاستراتيجي‪.‬‬ ‫لكن الحمقى من النهضة هم من أسقطه‪.‬‬ ‫وقد ينجح قيس فيكونوا براقش التي تجني على نفسها‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪276‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫عندما اكتشفت في بحوثي السابقة في الفلسفة السياسية دلالة دين العجل أو دور معدنه‬ ‫(الذهب) ومنطقه (الخوار) بنية لنوعي الأنظمة السياسية الأقصيين الثيوقراطية (باسم‬ ‫الله) والانثربو قراطية (باسم الإنسان) فهمت لماذا تصل الشعوب إلى ما عليه الوضع‬ ‫الحالي في تونس‪ .‬فالانتخابات الحالية وضعتنا أمام معركة بين أصحاب معدن العجل‬ ‫وأصحاب خواره‪.‬‬ ‫وقد أصدق أن يسيطر أصحاب المعدن‪ .‬أما أن يسيطر أصحاب الخوار بالحد المزعوم حاليا‬ ‫هو المحير‪ .‬ذلك أني مهما آمنت بالمثاليات لا يمكن أن أصدق حزب من يدعون الفضيلة يمكن‬ ‫أن يبلغ في تونس إلى الحد الذي يجعل الغالبية أفلاطونية‪.‬‬ ‫فهذا يخالف قوانين الاجتماع المعهودة وسنن التاريخ المعلومة خاصة وأن ما يلاحظه أي‬ ‫إنسان صادق في الممارسات الفعلية التي تجعل الغالبية في تونس وفي كل بلاد العرب إذا‬ ‫تجاوزنا الاقوال ونظرنا في الأفعال هي اشبه بما عليه القروي منهم بما يبديه سعيد من‬ ‫تظاهر بالطهرية‪.‬‬ ‫ولم يكن بوسعي إلا أن افترض أن ما يبديه هو ومن يزعمون الدفاع عنه بمعيار الطهرية‬ ‫نقيض ما يخفيه ويخفونه‪ .‬لذلك فالمشكل بالنسبة إلي ليس الحيرة الانتخابية‪ :‬من سأختار‪.‬‬ ‫الاختيار الذي هو فرض عين لا يخضع لمنطق الثالث المرفوع‪ .‬خياري هو رفض المترشحين‬ ‫ومخاطبة الشباب بأنه العودة إلى نتائج من جنس ما يقرب من المائة في المائة لا يمكن أن‬ ‫يعبر عن حقيقة خلقية في الجماعة‪ .‬لا أصدق أن الغالبية فاضلة‪.‬‬ ‫فأن تتساوى الفضيلة والرذيلة في المجتمعات البشرية أو تتقارب في النسب ذلك هو ما‬ ‫يعتبر أمرا معقولا رغم أن أصحاب الرذيلة عادة هم الأكثر في جميع المجتمعات البشرية‬ ‫وتلك هي حقيقة البشر‪ .‬وكما قال عبد الرحمن ابن خلدون لو كانت المدن الفاضلة ممكنة‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪277‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫لاستغنينا عن الحاجة إلى الدول التي هي بالأساس الشوكة التي تجعل الشرعية قابلة لأن‬ ‫تكون حكما بين الفضلاء والرذلاء إذا كانت شرعية‪.‬‬ ‫يوجد شيء غير طبيعي في ما يجري‪.‬‬ ‫فإذا فرضنا أن القروي لا يمثل المافية فحسب‪-‬وهذا أمر شبه ثابت‪-‬بل وكذلك يد‬ ‫إسرائيل وغلبه سعيد فلا يمكن أن اعتبر ذلك بسبب حب الشعب لفلسطين أو أنه صار كله‬ ‫من الفضلاء لأن الغالبية على أخلاق القروي بل لأن من تمكن من السيطرة في الهلال له‬ ‫دور في هذه الهزيمة‪.‬‬ ‫لذلك افترضت أن سعيد وراءه \"مكنة\" تمكنت من التخطيط الهادئ بحيث حققت في تونس‬ ‫ما حققته في العراق وفي الشام في اليمن‪ .‬وأعتقد أن الأمن التونسي نائم أو مخترق لأنه‬ ‫لا يمكن حتى بالعين المجردة أن يكون ما يجري أمرا طبيعيا بحيث يجمع اليساري والقومي‬ ‫والنهضوي وحتى بعض من ينتسب إلى النظام السابق‪.‬‬ ‫صحيح أني لا أملك الدليل‪ .‬وصحيح كذلك أني لا يمكن أن أصدق ما يبدو معجزات أو‬ ‫سحرا‪ .‬فالإجماع على شخص ليس له أدنى تاريخ نضالي في تونس أو علمي أو ما يثبت أنه‬ ‫من ذوي الفضل في شيء ذي قيمة من دون ما ورائه أشبه بما كان وراء ترومب الذي نجح‬ ‫بتدخل بات الآن شبه ثابت لخدمات مافية روسيا البينة‪ .‬وهي مستعدة لخدمة من يدفع‬ ‫والثورة المضادة مستعدة للدفع‪.‬‬ ‫وقد سبق أن اكتشفت مصالح المخابرات التونسية عملا له علاقة بذلك في ولاية بنزرت‬ ‫التي أنا منها إذ اكتشفت أن فريقا روسيا كان يبحث في سجلات الحالة المدنية‪ .‬كما أني على‬ ‫علم بأن \"مؤمنون بلا حدود\" كان أول ملف اهتمت به في تونس الحالة الدينية ليس بدافع‬ ‫علمي بل لإحياء الطائفيات والمذهبيات‪ .‬والثورة المضادة عربية وإيرانية وإسرائيلية لأن‬ ‫خطر الديموقراطية يهدد أنظمة الأولين وهيمنة الثالثة‪.‬‬ ‫ولا يخفى على أي ملاحظ النشاط المريب لما يسمى ملحقيات ثقافية لإيران في كل بلاد‬ ‫العالم وخاصة في البلاد العربية واستقطاب الكثير من \"النخب\" التي يمكن شراء ضمائرها‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪278‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫بزواج متعة لليلة أو بإقامة في فندق لأسبوع أو لأدنى ما يرمى في الجيوب الخاوية‪ .‬فصار‬ ‫لها مليشيات قلم أكثر من مليشيات السيف‪.‬‬ ‫ولا أتهم شخصا بعينه بمن في ذلك سعيد نفسه إذ قد يكون دمية لا واعية لأن من يعتبره‬ ‫قائدة الفكري شيوعي مر بمرحلة تكوين ورسكلة في البحرين ولا يمكن أن يكون قد عاد‬ ‫قبل نهاية العقد من دون أن يكون قد حصل على ما يكفي لمهمة تدرب عليها مع‬ ‫\"الديموقراطيين\" فيها‪.‬‬ ‫وأتمنى أن أكون مخطئا‪ .‬لكني شديد الحذر في التعامل مع ما هو من جنس المعجزات‪.‬‬ ‫فحتى رسولنا الخاتم لم يحقق واحد في المائة من المعجزة الجارية في تونس‪ :‬بقي عشر سنوات‬ ‫في مكة ولم يتبعه إلا قلة قليلة لا تتجاوز المائة‪ .‬وهذا في شهر صار أتباعه بالملايين فمن‬ ‫يصدق ذلك فهو يصدق بالمهدي المنتظر وهو عندي كذبة باطنية‪.‬‬ ‫فضلت إذن أن أرفض كلا الصفين خاصة وقد بينت في نظرية العجل وبعديه الذهب‬ ‫والخوار أن هذه القصة القرآنية تحدد بنية عميقة توحد بين النظامين السياسيين الحاكم‬ ‫باسم الله والحاكم باسم الشعب‪ .‬فنحن أمام ذيلين يدنسان الإقليم أحدهما يدعي الحكم‬ ‫باسم الله (إيران) والثاني باسم الشعب (إسرائيل)‪.‬‬ ‫والذيلان يشتركان في تأسيس وجودهما على نفس الخرافة‪ :‬إيران على أسطورة الأسرة‬ ‫المختارة (آل البيت) والثانية على أسطورة الشعب المختار (إسرائيل)‪ .‬وكلتاهما لها ثأر مع‬ ‫الإسلام‪ :‬الأولى لاسترداد دولة فارس المزعومة والثانية لاسترداد الأرض الموعودة‬ ‫المزعومة‪ .‬وبين أن العدو عندهما هو الإسلام عامة والعرب خاصة‪.‬‬ ‫ومن يجهل هذه الحقيقة أو يتجاهلها لا يمكن أن يدعو إلى الحذر وخاصة بعدما رأينا‬ ‫صعود ترومب باستراتيجية هي التي أنسب إليها صعود قيس الذي هو رجل شديد البساطة‬ ‫والمحدودية الذهنية ‪-‬إذ من يقضي حياته الجامعية ولم يكتب حرفا في اختصاصه ‪-‬لا يمكن‬ ‫أن يكون جديا ناهيك عن أن يكون عالما أو خبيرا‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪279‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫وهذا من شروط نجاح هذه الخطط‪ :‬فلا ترومب ذكي ولا السيسي ذكي ولا صاحب المنشار‬ ‫ذكي ولا أي دكتاتور عربي ذكي‪ .‬وكل من تختارهم القوى التي تخترق مجتمعاتنا ونخبنا‬ ‫هي من هذا الجنس‪ .‬لا تنسوا لعبة السيسي مع الاخوان الذين ظنوه منهم لأنه يحسن لعبة‬ ‫\"خوار\" العجل و لا يعبد الله بل \"معدن العجل\"‪.‬‬ ‫قصة العجل هي بنية نظامي الثيوقراطيا والديموقراطيا العميقة‪ .‬وهي إذن‬ ‫\"أبيسيوقراطيا=نظام العجل باليونانية قياسا عليهما\") أي نظام العجل بنية عميقة لنظام‬ ‫الحكم باسم الله لنظام الحكم باسم الشعب‪ .‬فكلاهما لا بد فيه من المال القذر والخوار‬ ‫الغادر‪ .‬وهذا حتى في دول أوروبا وخاصة في أمريكا صاحبة هذين الفنين بلا منازع أي المال‬ ‫والاعلام والملاهي‪.‬‬ ‫ولست بحاجة لبيان دور المال والخوار في إيران وخاصة عند ما يسمى بالمرجعيات التي‬ ‫تعيش على حلب المواطن واستخلال ماله وعرضه وتكذب كما تتنفس حتى صاروا يتكلمون‬ ‫مع المهدي بالهاتف وجعلوا عليا يأمر الله وينهاه وهلم جرا من الخوار الذي ينتهي إلى جعل‬ ‫الشعوب أقرب إلى أدنى أنواع الحيوان‪.‬‬ ‫وطبعا لست بحاجة إلى نفس الأمر في إسرائيل‪ .‬وإذا كان ما يحصل في المال والخوار في‬ ‫اقليميا ففيها عالمي‪ .‬وهو أمر لا ينكره أحد بل هو عين النظام الرأسمالي وخاصة في مرحلته‬ ‫المتوحشة التي تتحكم في الإنسان بالتحكم في شرطي حياته أي غذائه وجنسه وهما ما أمرز‬ ‫إليه بالمائدة والسرير في تحليلاتي‪.‬‬ ‫تلك هي القصة التي تحيرني‪ .‬وتلك هي علة رفضي أن أصوت لأي منهما‪ .‬ولست وصيا‬ ‫على أحد‪ .‬لكني أومن بأن واجبي الا أخفي ما دار بخلدي وما أعتقد أنه التفسير المعقول‬ ‫لما يجري‪ .‬وهما كنت مؤمنا بأن المعجزات ممكنة للرسل فإني اعتقد بعد الخاتم أنها‬ ‫مستحيلة‪ .‬الله غالب لن اتخلى عن عقلي لأرضي الشعب‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪280‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫لو نجح القروي لسهل افتراض التزييف لأن فشله كان متوقعا ليس لأن الشعب التونسي‬ ‫غالبيته فاضلة بل لأن عيوب الرجل بينة للجميع‪ .‬أما وقد نجح سعيد فمن العسير اتهام‬ ‫الانتخابات بانها زيفت لعكس المتوقع في الحالة الأولى‪ .‬لكن النتيجة مع ذلك تمثل لغزا‬ ‫محيرا‪.‬‬ ‫ذلك أنه بعملية حسابية بسيطة يتبين أن مجموع ما حصل عليه سعيد في الانتخابات (ما‬ ‫يفوق الثلاثة ملايين ناخب) يساوي ما يقرب من ضعف ما حصلت عليه كل القوى السياسية‬ ‫مجتمعة في الانتخابات النيابية‪ .‬وهو كذلك ما حصل عليه السبسي والمرزوقي مجتمعين في‬ ‫رئاسيات ‪.2014‬‬ ‫وهذا لغز يعسر فهمه او قبوله أو تبرير بصحوة ضمير ثوري لدى الشباب مهما نسبنا‬ ‫إليهم من مثالية‪ .‬وإذا كان يوجد من يعتبر ذلك طبيعيا ومعقولا فينبغي أن يكون مجنونا‬ ‫أو يؤمن بالسحر والمعجزات‪ .‬والحمد لله أني لم أصل إلى هذا المستوى من جنون العبقرية‬ ‫فأتوهم \"الشباب\" مطلق العلم بالحقيقة وممثلا للحكمة الربانية بخلاف طبائع الأمور في كل‬ ‫الأمصار والعصور‪.‬‬ ‫وقبل بيان ما يجعلني شديد التشاؤم أعتقد أن الله قد ابتلى المسلمين في عصرنا بما يزايد‬ ‫عليهم تارة يسارا وطورا يمينا‪ .‬وقد عشنا في تونس منذ الثورة مع المزايد على يسارهم‬ ‫(المرزوقي) وسنعيش مستقبلا من يزايد على يمينهم (سعيد)‪ :‬أحدهما علماني مثالي‬ ‫والثاني أصلاني مثالي‪ .‬هذا في الظاهر‪ .‬لكن الحقيقة هي أنهما كلاهما خارج الواقع‬ ‫والتاريخ وجاهل بحاجات الجماعة وإمكانات تونس المحدودة في سعيها إلى تحقيق شروط‬ ‫الحرية والكرامة فعليا وليس شعاريا‪ .‬وقد يمكن لمن يفكر مثلهما أن يكون روائيا ساذج‬ ‫الخيال وفقيره ولا علاقة له بالسياسة التي تعنى باستراتيجيات رعاية الشعوب وحمايتها‬ ‫بجعلها راشدة تحكم نفسها بنفسها وتحقق شروط الاكتفاء الذي يحررها من مد اليد فيهما‬ ‫تسولا كالحال الآن‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪281‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وواضح أن المعركة بدأت مساء الأمس ولم تنته بحسم الانتخابات كما قد يظن أصحاب‬ ‫الفكر السطحي من اصحاب العنتريات والمؤمنين بالمعجزات وبعودة ثورة ‪ .14-17‬كما‬ ‫ظاهرة الشباب حتى لو صدقناها لا تكفي لتفسيرها لأنها هي بدورها ليست عادية‪ .‬فليس‬ ‫في فكر الرجل وشعارات حملته ما هو من هموم شباب عصرنا بل هو يخاطبهم بما يشبه‬ ‫تخريف صوت العرب في الستينات قبيل النكبة وبما فيه بعض شعارات \"المقاومة والممانعة\"‬ ‫وقد تسعمون قريبا يا لثارات الحسين‪ .‬السلوك هو سلوك التربية المليشاوية في بلدان‬ ‫الممانعة المزعومة والفاشية بصورة عامة سواء في أوروبا أو في الأنظمة القومية التي يعلمها‬ ‫الجميع‪.‬‬ ‫ورغم أن النتيجة ليست بعد نهائية إذ قد يقدح الطرف الثاني ومساندوه فإن محاولة‬ ‫فهم اللغز واجبة‪ .‬وقد يكون من علامات القدح المتوقع عدم حصول ما هو معتاد في مثل‬ ‫هذه الحالات‪:‬‬ ‫• لم يهنئ المنهزم المنتصر بالنتيجة‪.‬‬ ‫• ولم نسمع تسليما بقبول النتيجة في القوى الدولية‪.‬‬ ‫لكن ما يشير إلى المسار الذي يمكن أن يساعد في الوصول إلى افتراض حل مقبول عقلا‬ ‫لهذا اللغز هو أن المرشح الذي نجح كان سينجح حتى لو لم يصوت له كل من صوت لكل‬ ‫القوى السياسية في النيابيات الأخيرة أعني أنه كان يمكن أن ينجح بأكثر من الخمسين في‬ ‫المائة حتى لو نصحت كل الاحزاب كل منخرطيها ومحبيها بعدم التصويت له‪ .‬فهل معنى‬ ‫ذلك أن كل القوى السياسية على خطأ وليس فها من يمثل إرادة الشعب التونسي إلى حد‬ ‫امكانية الاستغناء عنها في تقرير مصيرها السياسي؟‬ ‫يصعب أن يكون الجميع على خطأ ويعسر أن يكون المصيب والمعبر عن إرادة الشعب شخص‬ ‫ليس له أدنى تاريخ نضالي وأدنى خبرة في السياسة وأدنى انجاز في مجال آخر يثبت أنه‬ ‫عبقرية زمانه ووحيد عصره وفي مرتبة لم يصلها في التاريخ أي رسول أو فلتة حتى بما‬ ‫ينسب إلى بعضهم من معجزات‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪282‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫قد يصدق ذلك من يفهم في معارك الكرامة مستغنيا عن النجاح في ما عداها من‬ ‫الامتحانات حتى في الاستعداد للحياة الفكرية والسياسية‪ .‬لكن حتى لو لم أكن ممن يفهمون‬ ‫في معارك الكرامة وفي السياسة فإني ما زلت لم أصبح \"أبا سعدية\" أو \"أمك سيسي\"‪ .‬ما زلت‬ ‫أومن بالعقل السليم ولا أصدق مثل هذه المهزلة‪.‬‬ ‫وهو ما يوجب ان نفترض أن ما حدث لسعيد قابل للتفسير بالتناسب مع ما حصل للقروي‬ ‫وبالقياس إلى ما حصل للقوة الضديدة للقوة التي تساند‪ .‬فهما قوتان تسعيان إلى الهيمنة‬ ‫على الاقليم كله بأساليب الحرب الحديثة التي تفسر الظاهرة فلا تبقيها لغزا‪ .‬ولا يمكن‬ ‫أن يكون ما تفعله إسرائيل وإيران مما يمكن أن يعتبر استعماله في فهم الاحداث مستندا‬ ‫إلى ما يسخر منه عادة بالقول إنه شماعة نظرية المؤامرة فالأمر بين للجميع وهو‬ ‫استراتيجية صريحة وليس مؤامرة خفية نرى نتائجه في جل بلاد المشرق بدءا بالعراق‬ ‫وسوريا واليمن والبحرين وخاصة في لبنان التي هي بؤرته وقاعدة كل عملياته‪.‬‬ ‫وكلنا يعلم أن إسرائيل لم تخف شيئا في مساندتها للقروي بأدواتها المباشرة وغير المباشرة‬ ‫والقروي لم يبذل جهدا كبير لإخفاء هويته المشبوهة‪ .‬فالقوة التي حاولت تمريرة لم تخف‬ ‫دورها بل شاركت صراحة في محاولة تسويقه‪ .‬ومن ثم فينبغي أن تكون إيران هي الضديد‬ ‫الذي يناظرها في المعركة وهي معروفة بألا تظهر عملها إلا بعد أن يصل إلى عدم الرجع‬ ‫أي النجاح الثابت لمركوبها حتى تبقي المصالح المختصة بحماية أمن الوطن في غيبوبة أو‬ ‫تجعلها متواطئة بأساليب كلنا يعلم طبيعتها‪.‬‬ ‫فإذا لم ننس‪:‬‬ ‫• الفريق الروسي الذي كان يفحص السجلات المدنية في تونس وأمسكت به الاستعلامات‬ ‫في بنزرت بالذات‪.‬‬ ‫• وإذا لم ننس أبواق الملالي وخلاياها في تونس واختراقاتها‪.‬‬ ‫• وإذا لم ننس حملة التسجيلات الأخيرة في قوائم الناخبين التي بلغت مليونا ونصفا‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪283‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫• وإذا لم نغفل عن كون نتائج سعيد يساوي ما تتجاوز به كل القوى السياسية مجتمعة‬ ‫لهذا الرقم تقريبا‬ ‫• وإذا لم ننس ما حصل في انتخابات أمريكا ونجاح ترومب رغم أنف حزبه وعكس كل‬ ‫التوقعات وبتدخل بين من نفس المافيا الروسية فإن اللغز يمكن ألا يبقى لغزا‪.‬‬ ‫وليس في هذه الفرضية تحقير للشعب التونسي أو تشكيك في ذكائه أو اخلاصه للوطن‬ ‫لأن ما حصل في أمريكا وهي أعرق ديموقراطية لا يمكن أن يكون مثيله فيه شيء من‬ ‫الاحتقار للناخب التونسي‪ .‬فهذا من فنيات الحروب الحديثة التي تعمل على اللاوعي في‬ ‫التوجيه الذي يشبه التنويم المغناطيسي الذي يجعل الخاضع له يفعل ما يؤمر عن بعد أو‬ ‫خلال التنويم‪.‬‬ ‫لكن ليس هذا هو المهم‪ :‬المهم هو معرفة من المستهدف ومن المستفيد؟‬ ‫والمستهدف خصمان لهذين القوتين المتصارعتين على احتلال الإقليم‪:‬‬ ‫‪ .1‬مباشر هو آخر حركات الإسلام السياسي في الإقليم وآخر بلد ما زالت الثورة فيه لم‬ ‫تسقط‪ .‬وهو امر يتعلق برهان كبير وكبير جدا إذ هو رمز محاولة شعوب الإقليم الخروج‬ ‫من الاستثناء التاريخي‪ .‬وما حصل في الانتخابات ضربة قاضية لهما معا وليس نجاحا كما‬ ‫يتوهم بعض \"الأذكياء\" الذين يفهمون في معارك الكرامة‪.‬‬ ‫‪ .2‬وغير المباشرة هو تحقيق شروط نجاح الحرب الحديثة أي استهداف النسيج واللحمة‬ ‫في المجتمع والدولة كما حدث في سوريا والعراق واليمن والبحرين وبقية دول المشرق‪.‬‬ ‫والآن من المستفيد؟‬ ‫واضح أن الذيلين ومن وراؤهما كلهم مستفيدون ومجمعون على هذين الهدفين‪-1 :‬‬ ‫القضاء على الإسلام السياسي حتى ما كان منه يحاول التحول إلى حزب مدني يفصل بين‬ ‫الديني والسياسي‪.‬‬ ‫القضاء على الثورة وخاصة في تونس حيث تبدو قد نجحت نسبيا وما تزال تمثل نموذجا‬ ‫في الإقليم‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪284‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ومن ثم فالتعاون بين إيران وإسرائيل رغم التنافس بين تماما كما حدث في المشرق‪.‬‬ ‫والسؤال هو‪ :‬ما الهدف؟‬ ‫وهل هو مشترك بين هذه القوى التي تريد منع الإقليم من الخروج من الاستثناء لئلا‬ ‫يعود إلى دور تاريخي كوني كما كان في الماضي؟‬ ‫وما الذي يثبت هذه الوحدة في الاستهداف؟‬ ‫ينبغي أن يكون ما يخطط له في المغرب من جنس ما حصل في المشرق وأتى اكله فيه‪ .‬لا‬ ‫بد من جعل \"تونس\" قاعدة لهما في المغرب كما فعلا في المشرق أي لا بد لهما \"لبنان\" جديدة‬ ‫لتكون وساحة معركة في التسابق المجانس للتسابق الذي حصل فيها وفيه تكب \"نقطة الزيت\"‬ ‫أو الفتنة التي ستسيح وتتمدد على المغرب الكبير مثلها فعلت في المشرق الكبير‪.‬‬ ‫لو كان في تونس مصالح استعلاماتية تعمل بمعايير عليمة فتبحث في الأمور بمنطق يقبله‬ ‫العقل لكان هذا هو المسار الذي ينبغي اتباعه في فك شيفرة اللغز الذي لا يقبله عقل من‬ ‫دون تفسير بسنن التاريخ وقوانين الاجتماع‪.‬‬ ‫فما يحدث في تونس لا يختلف عما حدث في لبنان فمهد لما حدث في العراق وفي سوريا وفي‬ ‫اليمن وكله بالانطلاق من موطئ قدم هو الفتنة والحرب الاهلية في لبنان حيث مركز نوعي‬ ‫المليشيات الطائفية‪ :‬ففيها نشأت أهم مليشيات إسرائيل وإيران في حرب بالقلم وبالسيف‪.‬‬ ‫تونس في نفس السكة‪ :‬يريدونها قاعدة لنفس العملية‪ .‬الهدف هو حرب أهلية في تونس‬ ‫تنتهي إلى قطعة جبن مخترقة هي \"مزبلة\" الاستعلامات والمؤامرات على المغرب الكبير كله‬ ‫مثلها مثل لبنان في المشرق الكبير‪.‬‬ ‫كان يمكن أن أرقص مع الراقصين فأنال اعجاب من يتصورون أنفسهم مؤمنين بالثورة‬ ‫وهم بصدد الامضاء على شهادة اغتيالها‪ .‬لا شيء سيفسد مسارها نحو تأسيس ديموقراطية‬ ‫أول شروط تحقيق المصالحة بين أبناء تونس للتفرغ إلى العمل واستعادة شروط السيادة‬ ‫أعني الحد الأدنى من الاكتفاء الذاتي في الرعاية وفي الحماية‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪285‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فمن دون هذين الوظيفتين لأي دولة ممثلة لإرادة شعبها لا معنى للسياسة التي هي فن‬ ‫تنظيم العيش السلمي المشترك‪ .‬أما العودة إلى القذافيات والعنتريات فستؤجج الحرب‬ ‫الأهلية الباردة التي تمثلها معركة نمط المجتمع والهوية وقد تنقلها إلى مرحلة من السخونة‬ ‫تنتهي بتونس إلى ما نراه في كل بلاد الربيع‪ .‬ذلك ما يدفعني إلى ما يظنه ذوو الحماسة‬ ‫الهوجاء ابتعادا عن حس الشارع‪ .‬الحكمة ليست ديماغوجية اتباع الشارع بل محاولة‬ ‫ترشيده ما أمكن الترشيد‪ .‬ولا بأس إذا تبين أن مخاوفي ليست في محلها فلن نخسر شيئا‬ ‫بمزيد الحذر لتجنب النكبات‪ .‬ولكني أشك أن تكون قوانين الاجتماع وسنن التاريخ \"بنت‬ ‫حلال\" فتمنع تونس حق الاستثناء من أثرها عليها حتى \"يرقص\" أبناؤها على عزف يشبه‬ ‫عزف \"صوت العرب\"‪.‬‬ ‫والله أعلم‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪286‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫لهذا العنوان علاقة بما فاخر به بعض قيادات مليشيات الملالي في سوريا مدعيا أن إيران‬ ‫تسيطر على أربع عواصم عربية مستردة ما كان جزءا من امبراطوريتها التي أزالها الفتح‬ ‫الإسلامي‪ .‬وتحليلي لما جرى في الانتخابات أوصلني إلى أن هذا المشروع يتمدد الآن إلى‬ ‫المغرب الكبير ويريد أن يجعل تونس لبنان ثانية حتى يكون لهم فيه ما كان لهم منطلقا في‬ ‫المشرق الكبير‪.‬‬ ‫اليوم عيد الجلاء وهو عيد تونس عامة وعيد المدينة التي أنا منها بنزرت خاصة لأنها‬ ‫تعد رمزه‪ .‬فقد كانت أكبر قاعدة للحلف الاطلسي ولفرنسا موجودة فيها (‪ .)1961‬وأكبر‬ ‫عدد من الشهداء التونسيين في حرب التحرير سقطوا في معركة الجلاء‪ .‬وهم ليسوا من‬ ‫مدينة بنزرت وحدها (وكان من اسرتي بعض الشهداء) بل من كل أبناء تونس الذين أتوا‬ ‫لتحقيق هذا الهدف‪.‬‬ ‫وأعتقد جازما أن تونس صارت مستهدفة استهداف العراق وسوريا واليمن والبحرين وكل‬ ‫محميات الخليج وقبلها منطلقا لهذا الاستهداف لبنان وخاصة بعد الحرب الأهلية التي جرت‬ ‫فيها‪ .‬والاستهداف بدأت علاماته تبرز لذوي البصيرة ولعل فقدانها مع محاولة التغطية‬ ‫يفيدان أن البعض على علم بالاستهداف بل لعلهم من أدواته على الأقل بالانتساب إلى من‬ ‫سميتهم بمليشيات القلم مقارنة بمليشيات السيف من جنس حزب الله‪.‬‬ ‫والعلامات عند من يحسن تأويلها حتى لو اقتصر على البصر دون البصيرة بارزة في‬ ‫الأحداث التي تجري في الإقليم وكلها من جنس التطابق الموقفي مع أصحاب لعان أمريكا‬ ‫وإسرائيل بالأقوال والقيام بما تأمران به بالأفعال لأن إيران تتصور أنهما يريدان منها‬ ‫المساعدة في القضاء على القوة الوحيدة التي يحاربانها لأنها هي التي قام عليها كل تاريخ‬ ‫الأمة‪ :‬سنة الاقليم من الماء إلى الماء بل وفي العالم كله‪.‬‬ ‫وقد ظهرت هذه العلامات إما في مواقف دونكيشوت الذي حقق \"المعجزة\" المزعومة في‬ ‫الانتخابات بحجة أن الشباب عاد إلى الفاعلية السياسية بعصا موسى أو في مواقف المصفقين‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪287‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫لهذه المغامرة التي ستنهي الثورة والتجربة الديموقراطية وتعيدنا إلى لجان القذافي‬ ‫الشعبية أو إلى سوفيات روسيا أو إلى الكتبة والمتفلسفين بأفكار هي من سقط متاع الفلسفة‬ ‫الوجودية‪:‬‬ ‫‪ .1‬العلامة الأولى هي المطابقة التامة في الموقف العنتري من فلسطين وتحريرها بأقوال‬ ‫من جنس أقوال فيلق القدس الذي ليس لقائده من عمل إلا احتلال بلاد العرب مثله مثل‬ ‫عميله حسن نصر الله‪ .‬فأول شيء استعمله زعيم الدراويش ‪ -‬قيس سعيد ‪ -‬هو الكلام على‬ ‫فلسطين بنفس لغة أذيال إيران من العرب‪ .‬وقد يعجب الكثير من وصفي إياه بزعيم‬ ‫الدراويش‪ .‬والعجب علته نسيان القراء أن السيسي لما أسقط الثورة في مصر كان سر نجاحه‬ ‫أنه كان زعيم الدراويش لأننا لو حسبنا من كان معه حينها لكان عددهم أكثر من ‪ 75‬في‬ ‫المائة من الشعب المصري‪:‬‬ ‫• أتباع التصوف وهم الاكثرية في مصر‬ ‫• ثم السلفية عامة والمدخلية منها خاصة‬ ‫• ثم المسيحيين‬ ‫• ثم العلمانيين‪.‬‬ ‫ونفس هذا الامر تكرر في تونس‪ .‬فلا أحد ينكر أن حركات التصوف عادت من جديد وأن‬ ‫\"أعراس\" من يسمونهم الأولياء الصالحين وهم عندي طالحون قد عادت من جديد وأن جل‬ ‫زعماء تونس صاروا يتبركون بهم وحتى بالغريبة (كنيس يهودي في جربة)‪.‬‬ ‫وعندي أن كل مزايد على الموقف الذي يحقق مصلحة فلسطين وأجمع عليه أهل الدار‬ ‫قبل الجار أي العرب هو الموقف السليم‪ .‬وكل ما عداه مزايدة هدفها إلهاء العرب بعنتريات‬ ‫لا تقدم القضية بل تؤخرها‪ .‬وهو ما قلته لقياداتها الأعلى في كل مناسبة لقيتهم ‪ -‬في تونس‬ ‫وطهران وقطر وحتى في سوريا قبل الثورة ‪ -‬وخاصة بعد الانتخابات التي أوصلتهم إلى‬ ‫الحكم فنصحتهم بترك السلطة التنفيذية والاكتفاء بالتشريعية‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪288‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫‪ .2‬العلامة الثانية هي المطابقة مع أذيال القومية ممن صاروا يتفاحلون بنواب لا واحد‬ ‫منهم نجح بغير الاسعاف ممن يعتبرون الثورة عبرية وليست عربية ويحالفون الأسد عميل‬ ‫إيران وزعيم الطائفية ودمية اسرائيل التي لولاها لما صمد ساعة أمام ثورة الشعب‬ ‫السوري‪.‬‬ ‫‪ .3‬العلامة الثالثة هي بداية الدعوة من بعض الشباب الذي \"دروشوه\" لتكوين ما يشبه‬ ‫مليشيات إيران في العراق بدعوى مساعدة الدرويش في تحقيق برنامجه الذي هو الاطاحة‬ ‫بمؤسسات الدولة والعمل خارجها بالشارع‪ .‬وهي نفس التقنية التي استعملها الخميني لما‬ ‫أطاح بجيش إيران وعوضه بحرس الثورة‪.‬‬ ‫‪ .4‬العلامة الرابعة هي حماقة القيادة العليا الحالية لحركة النهضة التي لا تختلف عن‬ ‫حماقة حماس لما فرحت بالحكم ونسيت شروطه ‪ -‬وقد حذرت منها قياداتها الأعلى ‪ -‬هي‬ ‫الرغبة في الحكم مهما كانت الظروف ولو أدى ذلك في النهاية إلى القضاء على ما لأجله‬ ‫وجد الإسلام السياسي الذي هدفه تحقيق التحرر والتحرير مرحلة تؤدي إلى شروط القيام‬ ‫المستقل بما يفرضه العصر من حجم جعل الأمم لا تكون حرة إلا بحجم العماليق‪.‬‬ ‫‪ .5‬والعلامة الأخيرة هي \"تفاقه\" بعض الكتبة والمتفلسفة حول الإيمان الحقيقي‬ ‫والروحانيات لكأن دونكيشوت صار من حجم الرسل بأفكار هي من سقط المتاع وهي في‬ ‫الحقيقة عين المعاني التي تتأسس عليها الفاشيات‪ :‬مثل الإيمان الحق والروحانية الحقة‬ ‫والرجولة الحقة إلخ ‪...‬وغالبا ما كانت هذه المعاني من الدلائل على نقيضها عند المتغنين‬ ‫بها‪ .‬فالإيمان الحق من السرائر والروحانية الحقة مثلها والرجولة ايضا لا يعلمها إلا‬ ‫صاحبها إذ إن الجسد ليس إلا ما يظهر من الروح مثلما أن الروح ليست إلا ما لا يظهر من‬ ‫الجسد‪ .‬وكل من يتغنى بها يفيد أنه يجهل هذه الحقائق الذي يبني عليها أحكاما تدل على‬ ‫السذاجة وليس على الفكر‪.‬‬ ‫ولعل أهم العلامات هي هذه العلامة الأخيرة لأنها هي اساس الأربعة المتقدمة عليها‬ ‫ومبنية على فكرتين حمقاوين‪:‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪289‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫أولاهما من تأثير مفهوم الصدق الأصيل التي كانت من ممضوغات الوجودية ذات الميول‬ ‫المسيحية التي يستحي أصحابها من الاعتراف بها فيزعمونها فلسفية وعميقة إذ إن مؤسسها‬ ‫ينتسب إلى الاكوينية المحدثة وإن زعم تنصله منها (هيدجر) والتي هي في الجوهر عين‬ ‫النفاق اللاواعي لأن أصحابها يزعمون أن ذروة الذاتية أو وهم المطابقة مع ما يعيه‬ ‫الإنسان من ذاته هو الحقيقة الفعلية لما هو عليه‪.‬‬ ‫وطبعا فمن يقول هذا الكلام لا يثبت إلا حمقه‪ .‬فلا فرق بين من يعتبر الحواس الخارجية‬ ‫كافية لمعرفة الطبيعة فيظن الادراك الحسي الخارجي علما بالطبيعة وبين من يعتبر‬ ‫الحواس الداخلية كافية لمعرفة ذاته والإنسان فيظن الإدراك الحسي الداخلي علما‬ ‫بالسرائر‪.‬‬ ‫فالحواس الخارجية ليست مجرد حس بل هي مصحوبة بحكم معرفي لابد فيه من تأليف‬ ‫عقلي وهو العقل العامي في مقابل العقل العلمي والفلسفي من بعده‪.‬‬ ‫والحواس الباطنية مثلها ليست مجرد وعي بالذات بل هي مصحوبة بحكم معرفي لا بد فيه‬ ‫من تأليف عقلي وهو العقل المتعامق عند الوجوديين مثل هيدجر وسارتر متوهمين أن ذلك‬ ‫هو \" الأتونتسيتات‪ \" Authenticität‬والصدق الأصيل‪.‬‬ ‫وبمثل هذا الوهم قبل هيدجار أن يصفق لهتلر متبعا الحس العامي بالصدق الأصيل‪.‬‬ ‫والكثير من الحمقى اليوم يصفقون لدرويش ظنوه يمثل الاتونتيسيتيت الروحية والدينية‬ ‫والصدق‪ .‬وقد يكون لتصفيق هيدجر لهتلر مبرر تاريخي هو‪:‬‬ ‫• إذلال ألمانيا في شروط الصلح بعد الحرب الأولى وقدرة هتلر على إعادة بناء قوة ألمانيا‬ ‫التي دمرتها الحرب‪.‬‬ ‫• أزمة ‪ 29‬وما عاناه الشعب الألماني من الجوع والفقر والبطالة حتى صارت الخبرة‬ ‫الواحدة تشترى ببرويطة من عملة ألمانيا التي فقدت قيمتها‪.‬‬ ‫أما الفكرة الثانية فهي إعادة نظام العالم بمنطلقات التخريف حول أهمية ثورة تونس‬ ‫لإعادة النظر في مفهوم الدولة والديموقراطية‪ .‬فاختير لها قيس سعيد الذي لا يمكن‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪290‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫مقارنته بالبناة الكبار في التاريخ بل بدونكيشوت وليس بهتلر نظرا لعدم قابلية تونس‬ ‫للمقارنة مع ألمانيا رغم سخافات فيلسوفه في مشروعه الذي نشره في ‪.2011‬‬ ‫ثم إن ثورة تونس حتى لو بالغنا في تقديرها فينبغي ألا نقع في وهم أن تونس صارت‬ ‫بذلك قائدة للعالم‪ :‬فما من ثورة قاد أصحابها العالم لم يكن لهم قبلها وزن يمكن من ذلك‪.‬‬ ‫ففرنسا مثلا كانت قبل ثورتها معلمة أوروبا كلها من ألمانيا إلى روسيا‪ .‬وروسيا كانت قبل‬ ‫ثورتها على الاقل في الابداع الأدبي والعلمي والفلسفي في مقدمة العالم وحتى إيران فإن‬ ‫الخميني وجد دولة صاعدة بفضل ما تحقق خلال النظام السابق مع تغني الإيرانيين‬ ‫بمجدهم قبل الإسلام‪.‬‬ ‫أما ما يمكن أن يؤدي إليه دونكيشوتنا فهو سيجعل تونس قاعدة إيرانية مثل لبنان ليصبح‬ ‫التونسيون من جنس أصحاب يا لثارات الحسين في العراق وسوريا ولبنان واليمين أي‬ ‫الفوضى الخلاقة التي هي بالجوهر حرب أهلية ليعيدنا إلى الحرب بين من خانوا الحسين‬ ‫ويدعون الدفاع عنه في قتل من يسمونهم أحفاد يزيد‪ :‬جعل تونس في وضعية العراق‬ ‫وسوريا ولبنان واليمن يكون أبناء البلد حمير لاستعادة إيران إمبراطوريتها التي سعت إليها‬ ‫منذ اغتيال الفاروق إلى اليوم‪.‬‬ ‫لكن حتى لو بقيت وحدي فلن أسمح بذلك وسأبذل كل جهدي لفضح المشروع الذي يهدف‬ ‫لجعل تونس لبنان ثانية‪ .‬وإذا واصلت قيادات النهضة العليا في العمل مع دونكيشوت‬ ‫لتحقيق مشروعه وليس المشروع الذي من أجله حاولت العمل معهم دون أن أنضم إلى‬ ‫الحزب فإني سأعلن موقفي صراحة منهم وأدعو لتحرير الحركة منهم فضلا عن كوني على‬ ‫رأي الأستاذ جعيط بأن اسم النهضة أوسع من أن يحصر في حركة أو حزب‪.‬‬ ‫ولهذه العلة كانت كل كلماتي خلال الحملة التي شاركت فيها (انتخابات ‪ )2011‬هي‬ ‫تحقيق المصالحة بين بورقيبة و الثعالبي للشروع في تحقيق ثورة التحرر واستكمال التحرير‬ ‫جمعا بين الأصالة والحداثة المتعقلتين لأن الأصالة تحدثت (كما حدث في كل النخب‬ ‫الإسلامية) والحداثة تأصلت (كما حدث في تركيا أو حتى في الجزائر حاليا وفي ماليزيا‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪291‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫واندونيسيا) ولم يبق مبرر للصراع بين البورقيبية والثعالبية مدافعا عن هذا المعنى لإنهاء‬ ‫الحرب الأهلية الباردة بين الإسلاميين وغيرهم ممن يخافون على نمط المجتمع في تونس‬ ‫وإليه كنت أحاول توجيه فكر شباب النهضة ومن يسمع لي من قياداتهم الكبرى والصغرى‪.‬‬ ‫لكن إذا مالت النهضة إلى غير هذا الموقف التصالحي وركبت موجة دونكيشوت فإني‬ ‫سأقاومها ما استطعت إلى ذلك سبيلا‪ .‬واعتقد أن الكثير من قيادات النهضة الشابة لن تقبل‬ ‫بإضاعة جهاد نصف قرن من اجل كريسي يطمع فيه الطامعون‪ .‬ذلك أني أعتبر أن عهد‬ ‫الكيانات الضعيفة التي فرضها الاستعمار بفرض حدود عندنا وإزالة الحدود عنده لا يمكن‬ ‫أن تكون خيارا استراتيجيا للتنمية الاقتصادية والثقافية ومن ثم فهي علة التبعية‪.‬‬ ‫ولا تحرر من دون الانتساب إلى مجموعة أقدر على الندية‪ .‬والانتساب إلى امبراطورية‬ ‫إيرانية يعني القبول بالعبودية التي نراها في العراق وفي سوريا وفي لبنان إلخ‪..‬‬ ‫تونس لن تكون العاصمة الخامسة التي تسيطر عليها إيران بل ستكون بداية تحرير‬ ‫العواصم الاربعة التي تسيطر عليها بإذن الله وعونه‪.‬‬ ‫المعركة كانت في تونس بين من يريدون تحرير تونس من الهيمنة الفرنسية وبين توابع‬ ‫فرنسا أو الحركيين كما هي حاليا في الجزائر‪ .‬ولا تزال هذه المعركة جارية في تونس‪ .‬لكن‬ ‫المعركة الأكثر إلحاحا كانت جارية في السر وها هي قد صارت علنية بقيادة دونكيشوت‬ ‫والشباب سواء كانوا على وعي أو بلا وعي بسبب حيل الملالي وعملائهم في تونس‪.‬‬ ‫والعلامات التي ذكرتها لا يجهلها متابع لما نتج عن الاختراقات التي كانت موجودة منذ عهد‬ ‫ابن علي لكنها ازدادت مع الثورة عندما فقدت الدولة سيطرتها على ما يجري في البلاد‬ ‫وخاصة ما يجري من تدخلات واختراقات جعلتها قطعة جبن‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪292‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫رد ابن خلدون على فلاسفة المدينة الفاضلة ‪ -‬وبالذات الفارابي وأفلاطون ‪ -‬فقال قولته‬ ‫الشهيرة‪ :‬لو كان ما يتوهمه هؤلاء الفلاسفة ممكنا لاستغنينا عن وجود الدولة والحكم‪.‬‬ ‫وأضيف أنه لو كانت الدولة ظاهرة يمكن أن تكون كيفما اتفق من دون قوانين تحدد كيانها‬ ‫أيا كان شكل النظام الذي يريد أداء دورها عينا من الحلول الممكنة عقلا لتحقيقها في‬ ‫التاريخ الفعلي لأمكن أن نقبل كل الحلول التي ترد إلى قابلية وجود الجماعات من دونها‬ ‫أو بأحد أشكالها البدائية التي تجاوزتها الإنسانية إلى ما هو أفضل وقابل للتجويد في إطار‬ ‫يواصله ولا ينكص دونه لكأن ما حصل من تطور لم يكن ذا ضرورة ذاتية للسياسي من حيث‬ ‫هو سياسي وشروط تحقيقه‪.‬‬ ‫لا أنفي أن كلمات مثل الاناركيا وحرية المواطن والعدالة التامة والديموقراطية المباشرة‬ ‫كلها أفكار لذيذة عند المراهِقين من الشباب أو المر َهقين من الشيوخ عندما ينكصون إلى‬ ‫أحلام شبابهم فيختلط عندهم الأمر متصورين ترديد الشعارات نظرا والغفلة عما يترتب‬ ‫عليها عملا‪ .‬وليس الأمر مقصورا على ما يجري حاليا في تونس من انجرار وراء تخريف‬ ‫الدناكش (جمع دونكيشوت) من الشيوخ والمغرر بهم من الشباب ومحاولة تطبيق كاريكاتور‬ ‫من الأوهام التي جربت فكان مآل مجربيها ليس التقدم بل العودة إلى عصور التخلف كما‬ ‫حدث عند الماركسيين ومن حاكاهم من المستبدين العرب‪.‬‬ ‫فحتى ما تلا الثورة الفرنسية لم يسلم من هذه التصورات الصبيانية التي لا تقرها فلسفة‬ ‫ولا علم عدا توهم السياسي تحكميا وليس ظاهرة ذات قوانين وسنن فلا يكون نظامها خاليا‬ ‫من محددات فيها من الثبات ما يناظر ثبات الظاهرات الطبيعية التي يعبر بها الخلقي‬ ‫الإنساني عن ذاته في مؤسسات لا تتخلف‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪293‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫فماركس بخلاف ما يظن من قرأوا رده الساخر من برودون بمجرد قلب العلاقة بين‬ ‫\"الفلسفة والمسكنة\" أقل فهما للإشكالية منه ودونه عمقا فلسفيا لأن برودون لم يتبن‬ ‫الجدلية التي تقابل بين المادي والروحي بل أدرك حقيقة ما بينهما من علاقة هي سر الوصل‬ ‫بين حرية الفرد وضرورة الدولة‪ .‬فبرودون لم يكن يريد إلغاء الدولة بل كان يهدف إلى‬ ‫الحد من سلطانها لحماية سلطان الفرد والمحافظة على حرياته‪.‬‬ ‫وهو المعنى الموجب الوحيد لمفهوم الاناركيا لأنه يعني أن الفرد هو أصل كل سلطة خلقية‬ ‫ولا توجد فوقه سلطة‪ .‬أما ماركس ‪ -‬وكل المتعلطين من فلاسفة \"زوز سوردي\" فمبشرون‬ ‫بفكره بغباء لا نظير له‪ .‬واصلوا التبشير بوهم الاستغناء عن الدولة بسلطان أخطر على‬ ‫كيان الفرد وحرياته من الدولة أي الدكتاتورية التي تعتمد على سلطان الدهماء ومنطق‬ ‫ديناميك الجماعات التي تعود بالإنسان إلى ما يشبه الظاهرات الطبيعية الهوجاء والعمياء‬ ‫كما يحدث في تحركات الشارع وملاعب الكرة أو سلطة الفاشية على الدهماء بمغازلة الغرائز‬ ‫ولو بتوظيف المعاني السامية‪ .‬وهذه هي العلة الرئيسية التي جعلت أفلاطون رغم قربه من‬ ‫الشيوعية‬ ‫يعتبر الديموقراطية أدنى أنظمة الحكم سلامة لأنها حكم الغرائز واللاعقل العامي‪.‬‬ ‫لم يتوهم برودون قابلية الجماعة أن توجد من دون دولة بخلاف ماركس الذي يعتقد أن‬ ‫ذلك ممكن بل وحتمي في غاية الشيوعية عندما تحقق \"البشرية\" اللاطبقية والمساوة لكأنها‬ ‫تصبح في جنة الخلد‪ .‬لكن كل المتكلمين حاليا في هذه الشعارات من دناكشة الثورة في تونس‬ ‫لم يدركوا أن التجربة بينت أن هذه الأوهام لما يراد تفعيلها سرعان ما تصبح عين جنهم‬ ‫المفروشة بالورود إذ ينعكس الأمر فتصبح السلطة سرطانا في مرحلة الميتاستاز يلتهم المجتمع‬ ‫وبدلا من دوره المدني ‪ -‬وذلك هو مفهوم المجتمع المدني عند هيجل أي مجتمع التكوينات‬ ‫المدنية المنتجة بالمقابل مع السلطة السياسية التي هي ال َحكَم ‪ -‬يتحول إلى صراع من الأدنى‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪294‬‬ ‫الأسماء والبيان‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook