Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore تونس والانتقال الاديمقراطي - ابو يعرب المرزوقي

تونس والانتقال الاديمقراطي - ابو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2019-11-06 12:37:54

Description: تونس والانتقال الاديمقراطي - ابو يعرب المرزوقي

Search

Read the Text Version

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ما يلاحظه أي متفرج لحملة الشيخ مورو من خارج حركة النهضة وسلوك قياداتها يرى‬ ‫بوضوح أن من يعمل على افشال الشيخ مورو هم قيادات النهضة الذين لهم تكتيكات‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫ما يبنيه بخطابه يشوش عليه خطاب مضاد بيّن المعالم من قيادات عليا ووسطى مجرد‬ ‫تدخلهم في حملته يجعل الناس تتصور أن علاقة الرجل بعد الانتخابات ستكون من جنس‬ ‫علاقة الجبالي بهم ومن جنس ما يتهم به الإسلاميون من وجود سلطة \"مرشد\" فوق سلطة‬ ‫رئيس الوزراء أو رئيس الدولة‪.‬‬ ‫وهذه نكبة حقيقية فإن كانت غير مقصودة فهي من علامات الحمق واللاوعي وإن كانت‬ ‫مقصودة فهي انتحار للحركة وإيذان بفشلها في النيابيات واضمحلال دورها في النظام‬ ‫البرلماني السخيف الذي اختارته توهما أن تونس صارت انجلترا‪.‬‬ ‫ولا يكفي لإزالة هذا الارتسام العام أقوال مورو إنه سيكون مستقلا بعد النجاح لأن‬ ‫مجرد التوكيد من قبل هؤلاء على مشاركتهم في حملته دليل استحالة الاستقلال ومنافسة‬ ‫بينة لكل ذي عقل على تمثيل الحركة‪ :‬هم يركبون عليه الآن لإفشاله وإذا نجح فسيبقون‬ ‫دائما وراءه حتى يفقدوه كل مصداقية تماما كما حصل للجبالي‪.‬‬ ‫ينبغي القطع مع ازدواج السلطة‪ :‬رئيس الوزراء ورئيس الدولة ليس لهما مرشد هما‬ ‫السلطة الأعلى في البلاد ومن وراء رئيس الدولة الشعب ومن وراء رئيس الحكومة ممثلو‬ ‫الشعب أو نوابه لا غير‪ .‬فليتركوا الرجل يدير حملته ولا يتدخلن أحد من القيادات‬ ‫ولينشغل كل واحد بحملته‪ :‬فهم أيضا مرشحون للنيابة فقط‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪195‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫لما أسمع الكلام على ما جرى في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية أعجب من كثرة‬ ‫التركيز على أنها ثورة نتجت عن غضبة شباب الثورة الذي لم ينل شيئا من ثمراتها‪ .‬فقائدا‬ ‫هذه الثورة العلنيان ليسا من الشباب لأن سنهما يراوح بين الخمسة والستة عقود‪ .‬ولا شيء‬ ‫يثبت أن المصوتين من الشباب أو من الشيوخ لهم الدوافع التي تعبر عنها أقوالهما‪.‬‬ ‫فأقوالهما تأويل لاحق لفعل الانتخاب إذا لم يثبتا ان المصوتين عبروا عن تعليل‬ ‫للتصويب بما يطابق هذا التأويل ما يعني أنهما صاحبا حزب أو مكينة ذات إيديولوجية‬ ‫محركة لجماعة منضوية تحت تنظيم ما كالحال في الأحزاب العلنية أو التنظيمات السرية‪:‬‬ ‫وهو ما ذهبت إليه في تفسيري للنتيجة بفعل حركة سرية تقودها دولة الباطنية الجديدة‬ ‫وقد قلت في ذلك ما يكفي ولا حاجة للعودة إليه في هذه المحاولة‪.‬‬ ‫لكنهما ينفيان ذلك ويعتبران ما يحدث عملا عفويا وليس وراءه ماكينة علنية ولا سرية‬ ‫عملا عفويا من شباب غاضب رفض السيستام‪ .‬وطبعا فشتان بين رفض السيستام الذي‬ ‫يمكن أن يكون له مليون تفسير وحصر التفسير في رؤية هذين الزعيمين المنتسبين إلى‬ ‫سلفية علمانية (الفهم المتخلف للماركسية) وسلفية إسلامية (الفهم المتخلف للإسلام)‪ .‬وهما‬ ‫فعلا عينتان مما وصفته بالكاريكاتور التأصيلي (قيس) ومن الكاريكاتور التحديثي‬ ‫(لينين)‪.‬‬ ‫وقد كتبت في الكاريكاتورين الكثير‪ .‬ولا حاجة للعودة إلى مسألة الفكرين الديني‬ ‫والفلسفي اللذين لهما القدرة على فهم مجريات الأحداث في التاريخين الروحي والسياسي‬ ‫للأمم والحضارات‪ :‬فهذه أمور ليست في متناول الكاريكاتورين الماضغين لقشور الأصالة‬ ‫ولقشور الحداثة كالحال فيهما لأن تصديق الظاهر في هذه الحالة لا يليق بمن يريد أن‬ ‫يفهم الأحداث السياسية في لحظة مفصلية من تاريخنا الحديث‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪196‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫والمهم أنه ليس للرجلين علاقة بالأحداث الجارية حاليا إلا بالأقوال الناتجة عن التأويل‬ ‫لتصدرهما المشهد كما لم يكن لهما في الأولى دور يتجاوز الأقوال ‪ -‬وقد شاركت أنا نفسي‬ ‫عديد المرات في الحوار مع تحركات الشباب وخاصة في شارع محمد الخامس قبل أن أقرر‬ ‫المشاركة في العمل السياسي المباشر لأنـي لم أكن ممن يقبل على عمل لم يتقدم عليه لديه‬ ‫التعرف على مسرح أحداثه ومحل جريانه‪ .‬ذلك أن السياسة حرب باردة ومن يجهل أرض‬ ‫المعركة ليس أهلا لدخولها‪:‬‬ ‫• وقد وكان لي كلام كثير ولقاءات مع سعيد وبعض من ساعدت الصدف على الجمع بيننا‬ ‫في لقاءات تحصل دون سابق تخطيط أو قصد‪ .‬فرأيت منذئذ ان الرجل لا يمثل إلا عينة من‬ ‫كاريكاتور التأصيل بمعنى الثقافة الشعبية والتعبدية من فلسفة الإسلام‪ .‬وهو فكر لم ينتج‬ ‫عن تجاوز للثقافة العامية بمعنى أنه ليس على بينة من تطور فكر الإسلام في مدارس‬ ‫التأصيل التي صار سنها أكثر من قرنين فضلا عما حصل في العصور الزاهية من تاريخ‬ ‫تطوره‪.‬‬ ‫• أما الثاني فإنـي لا أعرفه لكنـي أعتقد أنه قد درس عندي لأن الحدث الذي يقال إنه‬ ‫من منظميه في منوبة يطابق مرحلة شروعي في تدريس الفلسفة بالجامعة التونسية حيث‬ ‫كانت المرحلة الأولى من الإجازة تقع في كلية منوبة‪ .‬ولست متأكدا من ذلك وعادة ما لا‬ ‫أنسى من كان من المتفوقين سواء من المستويات التي أدرسها او من غيرها في قسم الفلسفة‪.‬‬ ‫ما يعني أنه لم يكن منهم‪ .‬لكني سمعت تصريحاته الأخيرة فتأكدت أنه من كاريكاتور‬ ‫التحديث إذ هو يزعم التجاوز إلى ما بعد الحداثة وتجاوز أزمة الديموقراطية الغربية أي‬ ‫إنه يريد أن يتجاوز ما يحاول الغرب تجاوزه مما ليس له مثيل بعد عندنا أي تجاوز المعدوم‪:‬‬ ‫تجاوز الديموقراطية التقليدية من دون المرور بها مثل تجاوز الرأسمالية من دون وجودها‬ ‫فكانت نكبات البلاد الزراعية والمتخلفة هي الوحيدة التي ادعت الاشتراكية ورأينا ما حل‬ ‫بها أي إن الماركسيين عاندوا أول مبدأ في الماركسية فلم يصبح أي بلد رأسمالي ماركسيا ولم‬ ‫يدعها إلا من كان متخلفا ولم يصل حتى إلى بداية الرأسمالية‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪197‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫وما يحصل الآن لا يمكن الحكم عليه أو له إلا من حيث هو أقوال ما لم يثبت لنا هذان‬ ‫الزعيمان المزعومان أن ما حصل في الانتخابات ثمرة أفعال محددة يمكن أن تنسب إليهما‬ ‫خلال الحملة أو قبلها في تنظيم مؤثر علني أو سري لا يهم‪.‬‬ ‫وكل التحليلات التي رايتها وخاصة تلك التي يزعم أصحابها الاختصاص في الاجتماع تبني‬ ‫على عدم التمييز بين فاعلية الأقوال وفاعلية الأفعال فضلا عن كونها تتصور أن من‬ ‫يتزعمون القول هم عينهم من يتزعمون الفعل وأن التأويل البعدي للأحداث بالانطلاق‬ ‫من تصدر الأقوال يطابق حتما من يتصدر الأفعال أو أن الأقوال وحدها تغير الأحداث‬ ‫فيصبح لهما فاعلية \"كن\" فيكون‪.‬‬ ‫لذلك فسأحاول بيان الفرق بين الأمرين لأبين ضرورة عدم الاكتفاء بالأقوال‪.‬‬ ‫وقد سبق فقدمت فرضيات ليس هنا محل اثباتها لكن الأحداث ستثبتها‪.‬‬ ‫وقصدي بقيادة الأفعال أصحاب المكينة الخفية ‪-‬لأنها ليست علنية على الأقل إلى حد‬ ‫الآن إذ لا وجود لحزب أو منظمة ما يترأسانها‪ -‬المكينة التي حققت ما بدا للجميع وكأنه من‬ ‫معجزات قادة الأقوال‪ .‬ومن دون بيان ذلك فلا عجب إذا اعتبرنا ما يحصل من المعجزات‬ ‫أو من المفعول السحري لأقوال هي من أغبى ما سمعت في السياسة لأنها دون الكتاب الأخضر‬ ‫للقذافي‪.‬‬ ‫فلا يوجد من يمكن أن يصدق ‪-‬مهما كان أميا ومن المدافعين عن المعجزات في الحالة‪ -‬أن‬ ‫تنظيم الشباب المزعوم حصل بمجرد الأقوال التي ظلت صامتة ما يقرب من عقد ثم تفجرت‬ ‫دفعة واحدة في الانتخابات الرئاسية دون أن يتوسط بينها وبين تفجرها ما وصل القول‬ ‫بالفعل‪.‬‬ ‫عندي إذن خمس قضايا‪:‬‬ ‫• اثنتان للأفعال‪.‬‬ ‫• واثنتان للأقوال‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪198‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫• والأخيرة تجمع بين الأقوال والأفعال أو ما يجعل الأفعال بينة النتاج عن الأفعال أو‬ ‫عدميته ما يعني أن وراء الاكمة ما وراءها‪.‬‬ ‫فلنفحصها بسرعة وقد نعود إليها‪:‬‬ ‫‪ .1‬أقوال سعيد‪:‬‬ ‫كما وصفت صاحبها أقواله كلها من جنس كاريكاتور التأصيل أعني السلفية الدينية‬ ‫الحمقاء‪ .‬وليس فيها من مشروع تطبيقي إلى ما لا يتجاوز تخريف معمر القذافي من دون‬ ‫ما لديه من إمكانيات مادية يمكن أن تسمح له بالتجريب لأن شعبه قليل العدد وثروته‬ ‫الكبيرة تمكنه من اللعب بالمرتاح‪ .‬لكن سعيد لو جرب ‪-‬وهو لن يستطيع لأن أبناء تونس‬ ‫حتى لو تحامقوا لن يستطيعوا أن يعيشوا دون دولة شرطا في العمل الذي يعوض ما ليس‬ ‫لهم من ثروة مثل ليبيا أو الجزائر أو الخليج‪.‬‬ ‫‪ .2‬أقوال فيلسوفه‪:‬‬ ‫كما وصفت أقوال صاحبها بكونها من جنس كاريكاتور التحديث أعني السلفية الماركسية‬ ‫الحمقاء التي ليس فيها ما يتجاوز بعض أوهام ما بعد الحداثة وتجاوز الديموقراطية‬ ‫التقليدية‪ .‬فهو يريد أن يتجاوز ما يعيش أزمة في الغرب من دون أن يكون قد حصل عندنا‬ ‫لا هو ولا ما ترتب عليه من أزمة بدعوى ما بعد الدولة وبفكر يزعم ما بعد حداثي من‬ ‫دون حداثة‪ .‬ولو تدبر ما حدث في أغنى بلد من أمريكا اللاتينية ‪-‬فنزويلا‪-‬وما أدى إليها‬ ‫هذا الحمق من حال لانتحر‪.‬‬ ‫‪ .3‬أفعال سعيد‪:‬‬ ‫الجلوس في المقاهي مع العاطلين دليل عطالة لا دليل تواضع‪ .‬ليته خصص وقته للبحث‬ ‫العلمي الذي يمثل مقابله في أجره أكثر من ثلثيه فكان يحصل عليه دون أن ينتج في البحث‬ ‫العلمي ما يعني أن الرجل لص ولا يدري أو يدري ويقبل فيكون بذلك أفسد من صاحب‬ ‫المقرونة الذي كان يتصدق بأموال غيره من المتصدقين ليس ترحما على أبنه بل تمويلا‬ ‫لحملته‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪199‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ .4‬أفعال فيلسوفه‪:‬‬ ‫لعله تدرب في البحرين على فنيات الباطنية هناك‪ .‬فالبحرين كما هو معلوم هي رأس‬ ‫الحربة الإيرانية التي هي بكل المعاني لبنان ثانية‪ .‬لكني لم أسمع بشيء قدمه للشباب‬ ‫فكريا أو علميا وما يقال عن دوره النقدي لفكر حزب الصبابة لا يستثنيه مما تقدم على‬ ‫هذا النقد بعد الثورة‪ .‬واعتقد أنه من جنس من عرفت من طلبة اليسار زعماء بالأقوال‬ ‫وصبابة بالأفعال‪ .‬والطلبة المتياسرون كانوا صبابة الصبابة‪ .‬فهم لم يكونوا ممن يدرس حقا‬ ‫بل كانوا ممن يستعملهم قادة الإيديولوجيا الماركسية في الجامعة من \"الأساتذة\" الذين‬ ‫يعارضون في وضح النهار حتى يشتهروا بالتقدمية ويعملون صبابين بالليل أو مدرسين عند‬ ‫النظام حتى يكون لهم ما يترتب على القرب من تكليف بـ\"تجفيف المنابع\" وتحمل المسؤوليات‬ ‫في إفساد التعليم باسم الإصلاح‪.‬‬ ‫‪ .5‬أصل ذلك كله علاقة الأقوال بالأفعال‪.‬‬ ‫وأصل إلى الغاية من محاولة الفهم بالاعتماد على ما نعلمه عن السلوك الفعلي وليس‬ ‫على الأقوال‪.‬‬ ‫• فلا أحد يجهل أنه لا يمكن في تونس أن ينتدب مساعد في اختصاص خاصة مثل تدريس‬ ‫القانون لمن عرف عنه المعارضة الصادقة‪ .‬واترك للقارئ الاستنتاج مع معلومة لا بد منها‬ ‫وهي أن كاريكاتور التأصيل هذا لم يعلم عنه أنه عارض شيئا يوما بل هو كان من المفضلين‬ ‫في خدمة النظام ونوابه في مجلس شهود الزور‪.‬‬ ‫• ولا أحد يجهل أن الماركسي في تونس ينتسب إلى أكبر \"حزب\" في تونس وخاصة في عهد‬ ‫ابن علي‪ .‬فهو حزب كل اليساريين وكل القوميين وكل الذين كانوا يعادون بورقيبة الذي‬ ‫كان يرفض أن تكون تونس لائكية ويعتبرها إسلامية تقدمية بمعنى أنه كان عدو كاريكاتور‬ ‫التأصيل وكاريكاتور التحديث لأنه كان متمكنا من الثقافتين مثله مثل الأستاذ مورو‪ .‬هم‬ ‫كانوا ماعون صنعة ابن علي في ضرب الإسلاميين وتجفيف المنابع وإعطائه شرعية من نسب‬ ‫زائف مع اليوسفية والتقدمية‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪200‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫وختاما فإن الشباب من حقه أن يغضب وأن يثور‪ .‬ومن حق الشعب أن يعتبر النهضة قد‬ ‫تخلت على الكثير مما كان يميزها لأن الفساد طال المقربين من قيادتها وما كان استراتيجية‬ ‫لتجاوز الزوبعة في الإقليم ركبه الكثير ليجعله مشاركة في الغنيمة مع النظام الفاسد الذي‬ ‫أعاده هذا اليسار الذي خدم به ابن علي ومعه الاتحاد‪ .‬فصارت النهضة تعاني من عامل‬ ‫التفجير الخلقي الذي يجانس ما عانى منه حزب نداء تونس من التفجير السياسي‪ :‬ما عانى‬ ‫منه السبسي بسبب ابنه يعاني منه الغنوشي بسبب من يماثلون ابن السبسي لديه‪ .‬وعليه‬ ‫أن يحددهم وأن يبعدهم قبل أن تصبح رأسه هو ذاته مطلوبة من قاعدة النهضة‪ .‬وحينها‬ ‫لن يلومني إذا كنت أول المنادين بابعاده عن النهضة لئلا يحصل لها ما حصل للنداء‪.‬‬ ‫ومع ذلك فإني أستطيع أن أقول إن نتيجة الانتخابات تفيد أمرين‪:‬‬ ‫‪ .1‬الأول والثاني كلاهما مقدوح الشرعية‪ .‬الأول لأن انتسابه إلى المافية بين للجميع‪.‬‬ ‫والثاني لأن دليل عدم الانتساب إلى الباطنية ليس بعد متوفرا لأني لا أعتقد أن حجة‬ ‫غضب الشباب كافية لتفسير ما لا يفهم من دون جهاز فاعل يترجم الغضب إلى فعل‪.‬‬ ‫‪ .2‬وإذن فالشرعية الفعلية ليست إلا من حق الأستاذ مورو الذي نعلم من هو ونعلم من‬ ‫رشحه ونعلم من عمل في حملته ونعلم ما الامكانيات المادية والرمزية التي استعملها‪ .‬وإذن‬ ‫فما أسفرت عنه الانتخابات بين أن النهضة على ما فيها وما بها ما تزال \"سفينة\" نوح لإنقاذ‬ ‫تونس من أمراضها مع حاجتها لهذا الإصلاح الضروري والعاجل‪ .‬ومن دون ذلك فقد تخسر‬ ‫الانتخابات النيابية فتصبح اقلية عديمة التأثير في الأحداث‪.‬‬ ‫اللهم إني بلغت‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪201‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫لست غافلا على ما يبدو في مواقفي من عجائب يعسر فهمها على المتعجلين ممن يخلطون‬ ‫بين الفكر الفلسفي وتعاليق الصحافة في عصر عادت فيه الإنسانية إلى الشفوية والصورة‬ ‫بدل الكتابة والمعنى‪ .‬وهو ما أفقد الكثير القدرة على التمحيص والغوص إلى أعماق ما لا‬ ‫يصبح فكرا إلا بالكتابة لأنها شرط الاجترار بمعناه النيتشوي‪ .‬لذلك فغالبا ما ينتهي من‬ ‫يعترض على مواقفي إلى تبنيها إذا كان يبحث بصدق عما يمكن للإنسان أن يدركه‬ ‫بالاجتهاد المخلص للحقيقة حتى لو ادعى أنه صاحبها‪.‬‬ ‫وهذا أمر لا يزعجني‪ .‬فالمهم أن يكون المفعول الذي قصدته قد تحقق فآتى أكله‪ .‬فما‬ ‫الفكر إلا زراعة برماية البذور كما يحصل عند الفلاحين‪ .‬لذلك فإني أتوقع أن التاريخ‬ ‫مرة أخرى سيثبت أن حدوسي هي في الغالب عين الصواب وأقصد هنا حدوسي حول مآلات‬ ‫الثورة وخاصة حول تحديد أعدائها المتخفين في تونس من أدوات الاختراقين من ذراعي‬ ‫الاستعمار (إسرائيل وإيران) ومن سنديهما (أمريكا وروسيا أما اوروبا فدورها ثانوي)‬ ‫وتوابعهما من العرب خاصة ومن بقية اهل الاقليم عامة‪.‬‬ ‫ولعل الكثير يذكر مواقف الحمقى الذين يدعون الحداثة عامة وفي الفلسفة (النظرية‬ ‫والعملية) وتطبيقاتهما أي في العلوم وفي السياسة خاصة لأني‪:‬‬ ‫• أولا بينت أهمية فكر الغزالي النقدي مخالفا بذلك كل الذين كانوا يتصورون ابن‬ ‫رشد فيلسوف تنوير والغزالي ظلاميا مضغا غبيا لما كتبه مفكر شيوعي قاس العلاقة بينهما‬ ‫على العلاقة بين يسار الماركسية ويمينها فسمى الأول يسار الأرسطية والثاني يمينها‪ .‬وهي‬ ‫مقارنة من أسخف المقارنات لأن الفلسفة في عصر الغزالي وابن رشد لم يكن العملي همها‬ ‫الاول ‪-‬بل كانت مشائية وميتافيزيقة بالأساس‪ -‬مثلما صارت في عصر هيجل وماركس حيث‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪202‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫صارت ميتاتاريخية‪ .‬والغزالي هو الذي ساهم في النقلة إلى الميتاريخي وتغليبه على‬ ‫الميتافزيقي‪.‬‬ ‫• ثانيا بينت أهمية فكر أرسطو الرياضي مخالفا بذلك كل الذين كانوا يتصورون ما عرف‬ ‫عن فيزيائه الكيفية وعن محاولات أفلاطون الترييضية في التيماوس دليل جهل برياضيات‬ ‫عصره في حين أنه كان ينفي عنها القدرة على الترييض لكنه كان أعلم بشروطها من‬ ‫أفلاطون‪.‬‬ ‫• وفي تونس قلت مرة خلال ندوة نظمها قسم \"العربية\" اسما والاستلاب مسمى بسبب‬ ‫عقدة النقص من الانتماء إن مستقبل الاقليم وربما العالم سيكون مداره ما يجري في الإقليم‬ ‫مرة أخرى لأن معارك التاريخ الوسيط لم تنته ولن تنتهي حتى يحصل الصلح بين ضفتي‬ ‫المتوسط اللتين كانتا منذ القدم بؤرة التاريخ العالمي حتى في هذه المرحلة التي يسيطر فيها‬ ‫عليه قطبا العالم (كانا حينئذ السوفيات والأمريكان وهم الآن الصين وأمريكا)‪.‬‬ ‫• عيب علي الاهتمام بابن تيمية لأن الأميين من فلاسفة عقاب الزمان كانوا لا يرون فيه‬ ‫إلا فهمه المتخلف عند فقهاء الوهابية وآل سعود‪ .‬والآن لا يوجد قسم في الفلسفة الغربية‬ ‫مختص في الفلسفة الوسيطة ألمانيا وأمريكا خاصة‪-‬لا يعتبره من كبار الفلاسفة في الغرب‬ ‫على الاقل‪ .‬لكن العرب كالعادة لا يفيقون إلا بعد نهاية المعارك‪.‬‬ ‫• وأخيرا وكالعادة النقطة الخامسة‪-‬وهي البديل من مثلث يستعمله المعترضون لكأنها‬ ‫من الحقائق التي لا بديل عنها رغم أنها ذات أصل ديني عند هيجل وخاصة عند بورس‬ ‫صاحب فلسفة السيميوتكس‪-‬فإن ثورة شباب أبناء الاقليم سواء كانوا عربا أو أمازيغ أو‬ ‫تركا أو كردا أو سودا من افريقيا‪-‬ستكون ثورة عالمية تغير الكثير من قواعد العلاقات‬ ‫الدولية باستكمال شروط التحرير والتحرر في العالم‪ .‬ولن يكون ذلك بالنكوص إلى ما قبل‬ ‫الدولة بالمعنى الذي يقترحه علينا من فكرهم نكوص إلى البداوة القذافية وما بعد‬ ‫الحداثية مجتمعتين في سلفيتين متخلفتين تدعيان اكتشاف العجلة ولا تدريان أنها جربت‬ ‫مرات ومرات وكان مآلها فيها جميعا خراب المجتمعات التي جربتها‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪203‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫وإذا كان لي أن أشير إلى ما يستحق الذكر لأنه بين وفاقع فهو ما ورد في المسألة الثالثة‪:‬‬ ‫لا أحد يشكك الآن في أن الاقليم صار بؤرة قضايا العالم ليس لما فيه من طاقة مادية‬ ‫(البترول) بل وكذلك لما فيه من طاقة روحية (المعالم الروحية) لعل رمزها هو القضية‬ ‫الفلسطينية ليس من منظورنا وحدنا بل من منظور قوتي الغرب الحاليتين أعني الولايات‬ ‫المتحدة وإسرائيل التي هي راس حربتها في الاقليم‪ .‬فاليهودية الصهيونية والمسيحية‬ ‫الصهيونية حتى وإن كان موقفهما بتحيل سياسي وليس بعقيدة صادقة تعتبران القضية من‬ ‫مستوى المسألة المادية طاقة وموقعا جيوسياسي بين القطبين الأمريكي والصيني‪ :‬لأنها لا‬ ‫تظهر الطمع المادي بل وهم الوفاء للأصول والقيم الروحية‪.‬‬ ‫أما اضطرار من كانوا من المتفلسفين \"يأنفون\" من الكلام في فكر حضارتنا ويعتبرونه غير‬ ‫جدير بالاهتمام فقد صاروا يعيشون على فتات سطحي مما تلقفوه بسرعة تلامس الثقافة‬ ‫الصحفية حتى يسمع لهم فصارت \"مؤمنون بلا حدود\" توظفهم ليس للعلم بل لخدمة‬ ‫مخابراتها بمقابل زهيد لا يمكن أن يستر حتى ماء وجوههم‪.‬‬ ‫ومع ذلك ففي العودة إلى أصل كل فكر يتناغم فيه كيان صاحبه الثقافي مع علاجه لقضايا‬ ‫الوجود الإنساني من منظور هو عين وجوده استعادة لطاقة الفكر الفعلية التي تصبح بحق‬ ‫حائزة على شرط الفكر أيا كان موضوعه‪ .‬فالفكر مثله مثل الاشجار له ارضية وسماد‬ ‫ثقافيين قدرتهما على مده بنسغ الحياة تقاس بعتاقته شرطا في كل تجاوز وانتشار لأفنانه‪.‬‬ ‫ومعلوم أن اهتمامي بالفكر الإسلامي لم يحل دوني والاهتمام بالفكر القديم (ارسطو‬ ‫وافلاطون وفكر فلاسفتنا) وبالفكر الحديث‪ .‬لكن منطلق منظوري الاول والأخير هو تعين‬ ‫الكونية في أرضية الحضارة التي تضرب بعروقها في القدم فيكون تأثلها ممتدا في المستقبل‬ ‫امتداده في الماضي وهي ارضية يمكن اعتبارها الجسر الحي الواصل بين العالمين الإسلامي‬ ‫والغربي‪ .‬وليس ذلك مقصورا على المرحلة الإسلامية من تاريخ الإنسانية فحسب فهو يمتد‬ ‫إلى ما قبلها‪ .‬وليس لها ما بعدها لأن الإسلام خالد إلى أن يرث الأرض ومن عليها فضلا‬ ‫عن كونه لم يعد مقتصرا على الاقليم بل هو موجود في كل أنحاء المعمورة‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪204‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ملاحظات وجيزة وسريعة هي تكملة لشبه الرد وهي ليست موجهة للأميين بل للمتحامقين‬ ‫من أشباه المثقفين ممن يسقطون أحوالهم النفسية على غيرهم‪:‬‬ ‫‪ .1‬فمن يشكك في بواعث التشكيك العقلية في سعيد لعدم فهم ما وراء \"نجاحه\" لا يمكن‬ ‫أن يكون منتسبا إلى الفكر أصلا‪ .‬فالفكر هو الاندهاش أمام كون الأشياء هي على ما هي‬ ‫عليه سواء كانت على ما يقتضيه المعهود من القوانين أو خاصة إذا خالفتها‪ .‬ومن لم يشك‬ ‫في هذه الحالة فهو حتما لم يشم رائحة الفكر العقلي عامة والعلمي خاصة والفلسفي بصورة‬ ‫أخص إذا وصف من يبحث عن الفهم بأحقر الأوصاف دليل قاطع على حمقه وغبائه أو‪ -‬إن‬ ‫كان فعلا قد تعلم شروط التفكير العقلي‪ -‬فهو يتحامق ويتغابى لغاية في نفس يعقوب إذ‬ ‫لعله ينتظر ما لم يستطع الوصول إليه في الفرص السابقة باسم الثورية‪.‬‬ ‫‪ .2‬ولما كنت لا أصدق أنهم بهذا الحمق والغباء ‪-‬إذ أعرف بعضهم معرفة شبه مؤكدة‬ ‫وبطويل خبرة‪ -‬فهم إذن يتصفون بما يتهمون به من خالفهم الرأي وأراد أن يفهم الظاهرة‬ ‫لمجرد أنه لا يؤمن بالسحر ولا بالمعجزات في أحداث التاريخ الإنساني بل أراد أن يفسر ما‬ ‫لا يكفي لتفسيره التظاهر بالزهد‪ .‬وخاصة إذا كانت هذا التظاهر عند من كان من أكبر‬ ‫خدم نظام ابن علي بشهادة طلبته وكان من يقوده كذلك من حزب الصبابين خاصة ومن‬ ‫اليسار التونسي كما عرفته في الجامعة وتوظيفاته اللاحقة عامة ‪-‬وقليل منهم من كان فعلا‬ ‫يساريا صادقا‪ -‬مثل كل الاحزاب التي تحالفت مع ابن علي لتصفية الإسلاميين وتطبيق‬ ‫سياسة \"تجفيف المنابع\"‪.‬‬ ‫‪ .3‬وما أعجب له ولم أفهمه إلى الآن هو أن المطبلين لهذه المغامرة الحمقاء \"زعمة زعمة\"‬ ‫اساتذة علم اجتماع أو آداب أو فلسفة ويعتقدون أن من يشكك في الرجلين اللذين صارا‬ ‫مقدسين هو بالضرورة من عملاء القروي والمافية لكأن المواقف السياسية تخضع لمبدأ الثالث‬ ‫المرفوع ولكأن سعيد والقروي متناقضان وهما في الحقيقة من نفس الطبيعة والفرق هو‬ ‫العلنية عند الثاني والسرية عند الأول‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪205‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ .4‬أما من تصوروا المشككين من عملاء النهضة فلا معنى للكلام معهم أولا لعدائهم البين‬ ‫للنهضة والإسلام عامة‪ .‬وهم دون شك يعلمون ‪-‬إذ الأمر انشغل به الإعلام وأراد توظيفه‬ ‫خدمة لمن يحاربون النهضة‪ -‬أن ابا يعرب ‪ -‬ومثله كثير كانوا يرون رأيه لكنهم لم يجرؤوا‬ ‫على ما جرأ عليه‪ -‬استقال من العمل معها بعد سنة من المحاولة بتشخيص ورد في استقالته‬ ‫بينت الأزمة الحالية أنه توقعها وحذر منها لكنه لم يجد آذانا صاغية ولا يزال يأمل أن‬ ‫آراءه قد تفيد شباب النهضة بعد اليأس من شيوخها‪.‬‬ ‫‪ .5‬وأخيرا فإذا كان الكثير ممن يعتبرون أنفسهم من النخبة يفكرون بهذا المستوى الذي‬ ‫أقل ما يقال فيه أنه مؤسف لترديه وضحالته فإن المرء يصبح مغاليا إذا تعجب من حصول‬ ‫الظاهرة لدى الشباب الذي يحلم بالتغيير ومستعد للتعلق بأي قشة‪ :‬فالذين صوتوا لمن‬ ‫سيكتشفون قريبا أنهما دجالان معذورون لأن تأويل البرامج المجتزأة التي قدماها فيها ما‬ ‫قد يغري من لا يعلم فساد التشخيص والتعليل ومن ثم العلاج في فكر متخلف سواء كان‬ ‫مصدره الفهم البدائي للدين أو للفلسفة‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪206‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫حاولت أن أجمع قراءات المشهد السياسي والاجتماعي في تونس وأريد ‪ -‬مرة أخرى‬ ‫بصورة قد تعتبر شاذة‪ -‬أن اثبت أن ما يبدو فيها من الأمانة في وصف قتامة الوضع وخطر‬ ‫أعراضه ومن تعليل بغضب الطبقات الدنيا (هستيريا قيس‪ :‬الاستاذ خالد كرونة) أو‬ ‫بحكمة الأقدار ( العقل \"الملتبس\" أو ال ِم ْعوَل \"الرباني\" في ظاهرة قيس سعيّد لعبد الحق‬ ‫الزموري) قد لا يكفيان لبيان ما يجري فعلا وهما عندي شديدا السطحية لأن ما يبنيان‬ ‫عليه التشخيص لا يتجاوز علم النفس وعلم الاجتماع العاميين خاصة إذا استثنينا‬ ‫الاختراقات التي هي أهم ما يترتب على عولمة السياسة مثلها مثل الاقتصاد والثقافة وهي‬ ‫الرؤية التي أميل إليها لفهم ما يحدث في الإقليم دون حصرها فيها‪.‬‬ ‫لكن ما يعنيني ليس بيان سطحية التشخيص والتعليل التي لا مثيل لها بدليل ما توصل‬ ‫إليه من استفاد منها انتخابيا من علاج يقترحه‪ ،‬علاجا اُعتبر البرنامج الذي يفسر هذه‬ ‫الاستفادة الانتخابية‪.‬‬ ‫لذلك فإني لا أنوي مناقشة التشخيص ولا التعليل لأنهما عندي ‪-‬بلغة منطقية‪-‬المقدم‬ ‫الذي لا يمكن بيان صحته أو عدمها النسبيين ما لم نستعمل امتحان التكذيب في نظرية‬ ‫المعرفة المبني على القاعدة المنطقية التي تقول‪ :‬نقيض التالي يفيد نقيض المقدم‪.‬‬ ‫فيكون بيان سطحية العلاج المقترح ناتجا عن تعليل خاطئ سببه تشخيص سطحي يكتفي‬ ‫بالأعراض التي بنيت على تحليل نفسي بدائي وعلى علم اجتماع رعواني يعالج القضايا‬ ‫وكأن تونس تعيش في جزيرة عديمة الصلة بما يجري في الإقليم وفي العالم وقادرة على‬ ‫علاج الأوضاع ذات العلل العالمية ‪-‬مفيزة النظام بمنطق الأبيسيوقراطيا أو دين العجل‪-‬‬ ‫وحدها لكأنها دولة عظمى يمكن أن تفرض إراداتها ليس على ذاتها بل وعلى العالم كله‬ ‫كما تفعل أمريكا بمنطق دين العجل الذهبي أي بربا الأموال (الاقتصاد الأمريكي) وربا‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪207‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫الأقوال (الثقافة الأمريكية)‪ .‬وهو أمر تجاوز البلاهة التي كانت كل القيادات العربية‪-‬‬ ‫ممن ادعوا الثورة على الأنظمة القديمة بإيدلوجيات جنيسة وبعنتريات الثورية ومثالها‬ ‫الأخير القذافي‪ -‬منذ أكثر من قرن إلا ربع يخرفون حولها دون فهم أو روية فضلا عن‬ ‫الحكمة أو على الأقل ما كانوا يعيشون عليه الشعوب بالأكاذيب والعنتريات‪.‬‬ ‫وإذا تبين ذلك صار بالوسع أن أعيد التشخيص والتعليل الذي يمكن من اقتراح العلاج‬ ‫البديل لأن المجتمعات تمرض كما يمرض أي كائن حي والعلاج يبدأ دائما بالداء الذي أنتج‬ ‫الموجة الأولى من الثورة والذي عاد بقوة أكبر ليولد الموجة الثانية التي من أعراضها ما‬ ‫يحدث حاليا أعني تجذير الثورة ضد ما يسمى بالسيستام‪.‬‬ ‫ويمكن وصف هذه النقلة الكيفية بكونها فشلا للنزعة الإصلاحية التي توختها النهضة‬ ‫خلال السنوات الثماني التي تلت الثورة‪ .‬وقد اعتبرت هذه السياسة والنهضة علة عودة‬ ‫القديم‪ .‬لكن الحقيقة هي العكس تماما لأن من أعاد النظام القديم هم من حالوا دون‬ ‫العمل الإصلاحي في البنية التحتية بلغة الماركسيين وأرادوا المعركة في البنية الفوقية باسم‬ ‫الدفاع عن نمط المجتمع التونسي لكأن الإسلام هو الدخيل وليس ما ورثه العملاء من‬ ‫الاستعمار‪ .‬وهي إذن نقلة تقدم بديلا بالانتقال إلى النزعة الاستئصالية لتحقيق أهداف‬ ‫لم تطالب بها المرحلة الاولى من الثورة لأنها لم تكن تعتبر الدولة اصلا للداء بل من‬ ‫يسيطر عليها فحسب‪.‬‬ ‫غالب الكشوف التي ذكرت منها كشفين لأستاذين احترمهما واحترم رأيهما لكني اخالفهما‬ ‫لم تذكر أن الناجحين في الانتخابات يعتبران أصل الداء هو الدولة الحالية وأحدهما يريد‬ ‫دولة المافية صراحة والثاني يريد نفس الشيء وإن بتقية لأن الحل الذي يقترحه ينتهي‬ ‫إلى دولة المافية سواء كانت الدولة ثيوقراطية (إيران) أو علمانية (الماركسية‬ ‫والرأسمالية)‪.‬‬ ‫فإذا كان أصل الداء المغيب في الكشوف التي قرأتها أعني رؤية الدولة أعني الدولة‬ ‫الحالية أو ما بقي منها وتعويضها بتصور جديد اجتمعت فيها حسب رأيي كما سأبين خاصية‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪208‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫الكاريكاتور التأصيلي (سعيد) والكاريكاتور التحديثي (لينين) أي في صورة سلفية للسياسة‬ ‫في الإسلام بوصفها تزهد القائد (صورة الرسول) وللماركسية بوصفها شعبوية العدالة‬ ‫الاجتماعية (صورة لينين)‪ .‬وإذن فعندنا كاريكاتوران‪:‬‬ ‫‪ .1‬الأول من سياسة الدين‪ :‬مؤسس هو الله ومطبق محمد‪ .‬والكاريكاتور في هذه الحالة‬ ‫هو سعيد‪.‬‬ ‫‪ .2‬الثاني من سياسة الفلسفة‪ :‬مؤسس هو ماركس ومطبق هو لينين الروسي‪ .‬والكاريكاتور‬ ‫في هذه الحالة هو لينين التونسي‪.‬‬ ‫والأول كاريكاتور لأنه تصور القانون يفعل من دون القوة السياسية ومن ثم فهو خارج‬ ‫التاريخ السياسي للإسلام الذي يريد أن يمثله برده إلى التزهد الكاذب‪ .‬والثاني‬ ‫كاريكاتور لأنه يتصور الإيديولوجيا تفعل من دون القوة السياسية ومن ثم فهو خارج‬ ‫التاريخ السياسي للماركسية الذي يريد أن يمثله برده إلى شعبوية العدالة الاجتماعية‬ ‫الكاذبة‪.‬‬ ‫كلاهما كاريكاتور لأنه يغفل الكلام ‪-‬بقصد أو بغير قصد‪-‬عن الأمرين الجوهريين في‬ ‫السياسة‪:‬‬ ‫• وضعية المجتمع الذي يتعامل معه ماهي وهل تطابق ما انطلق منه الإسلام وعالجه فيها‬ ‫بالنسبة إلى الاول ووضعية المجتمع الذي يتعالم معه وما هي وهل تطابق ما انطلق منه‬ ‫ماركس وعالجه‪ .‬فلا يمكن أن تتعامل مع مجتمع يختلف تماما عما تعاملت معه رؤية الإسلام‬ ‫بحل إسلامي أو أن تتعامل مع مجتمع يختلف تماما عما تعاملت معه النظرية الماركسية بحل‬ ‫ماركسي‪.‬‬ ‫• وضعية القوى السياسية التي تنوي استعمالها للتحقيق التغيير الذي تنتويه لأن ما‬ ‫يقترحه الأول من حلول قانونية هلامية والثاني من حلول نشاطية بتحريك مكينة الفوضى‬ ‫الخلاقة ‪-‬وقد بدأت في التعامل مع القضاء‪ -‬لا بد لهما من أدوات إما دستورية للأول أو‬ ‫تنظيمية للثاني ومن يتجاهل ذلك لا بد أن يكون إما ساحرا أو مالكا لعصا موسى‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪209‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫عندي إذن خمس مسائل‪:‬‬ ‫‪ .1‬أولا التشخيص‪:‬‬ ‫هل يمكن تشخيص ما مرت به تونس بما يقبل الرد إلى الصراع الطبقي أو بالأخلاق‬ ‫الدينية؟ لن أطيل في نفي الرد إلى الصراع الطبقي في درجته الأخيرة التي تقتضي ثورة‬ ‫بالمعنى الماركسي لأن تونس دون ذلك بكثير‪ .‬فلا وجود لطبقة برجوازية لأن المافية ليست‬ ‫برجوازية وإن كان بعض هذه يمكن أن يكون مصدر ثروته تلك‪ .‬لكن الماركسية كما هو‬ ‫مشهور ترفض اعتبار البرجوازية مافيوزية‪ .‬وبالتالي لا وجود لطبقة عمالية للتضايف بين‬ ‫الطبقتين‪.‬‬ ‫ولا يمكن الكلام على ثورة إسلامية شبيهة بما حل في عصر الراشدين لأن عصر الرسالات‬ ‫السماوية التي تقود العمل السياسي ختم مع ختم الوحي والرسول نفسه عمل بقوانين‬ ‫السياسة فكان له قوة سياسية هي التي نقلت العرب والعالم من الجاهلية إلى الإسلام‪ .‬وذلك‬ ‫هو معنى الجهاد المؤسس على الاجتهاد‪.‬‬ ‫ولا على ثورة بالمعنى الماركسي في مرحلتها المعدة لتجاوز الصراع الطبقي إلا إذا اعتبرنا‬ ‫الثورة التي يخطط لها هذان الدونكيشوتان هي الطبقة البرجوازية التي ما وراء البحر‬ ‫وتستعمل المافية التونسية‪ .‬لا اعتقد أن الحمق يمكن أن يصل إلى توهمهما يسعيان لتغيير‬ ‫النظام العالمي بخرافات أمك سيسي‪.‬‬ ‫‪ .2‬ثانيا التعليل‪:‬‬ ‫هل يمكن تعليل ذلك بالدولة عامة حتى لو لم تكن دولة إلا بالاسم لأنها محمية عديمة‬ ‫السيادة وليست دولة؟‬ ‫عندما يتكلمان على تغيير الدولة للإطاحة بالسيستام هما يتكلمان على الدولة عامة‬ ‫ويغفلان شرط كونها دولة أي السيادة‪ .‬وبهذا المعنى فتونس التي يتكلمان عليها ليست دولة‬ ‫بل هي ما تزال محمية والكل يعلم أن المحميات التي من حجم تونس لا يمكن أن تتحرر في‬ ‫عصر العماليق إلا بالطريقة التي أنشأت العماليق فيه أعني ما فهمته أوروبا التي توحدت‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪210‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫على الاقل اقتصاديا عندما فقدت امبراطورياتها وعادت إلى حجمها الذي يحول دونها‬ ‫والقدرة على الحماية والرعاية الذاتيتين‪.‬‬ ‫والسيستام الذي يريدان الإطاحة به ليس تونسيا إلا في ظاهرة لكنه في حقيقته من‬ ‫أذيال السيستام العالمي‪ .‬ومن ثم فما يتكلمان عليه ليس الإطاحة بالسيستام لأنه فوق طاقة‬ ‫تونس وطاقتهما حتى لو تمكنا من فرض التغيير بالعنف الثوري وصبر عليهم الشعب‬ ‫التونسي الذي عاش تجربة التعاضد وتصدى لها واسقطها بثورة كانت بداية سقوط من‬ ‫أرادوا إدخال الاشتراكية بحمق لا نظير له‪ .‬هدفهما إذن هو الترشح لتعويص من يمثله في‬ ‫تونس تماما كما حصل في بداية الخمسينات عندما وقعت الانقلابات في البلاد العربية‪ .‬هم‬ ‫إذن يترشحون ليكونوا البديل عن النخبة العميلة التي تعمل في السيستام الذي هو سيستام‬ ‫المافية العالمية‪\" :‬تو كور\"‪.‬‬ ‫‪ .3‬ثالثا العلاج‪:‬‬ ‫هل يمكن تغيير الدولة إذا غابت شروط تحقيق السيادة حتى لو وجدت إرادة تحقيقها‬ ‫لأن للسيادة شروطا موضوعية لا يعتقد في توفرها لتونس إلا الأحمق‪ .‬ولما كان‬ ‫الدونكيشوتان كما وصفت سواء كان ذلك بوعي منهم أو بغير وعي فإنهما يوهمان الشباب‬ ‫سواء كان واعيا أو غير واعي ليأمل أن المعجزات ممكنة في التاريخ من دون شروط تحقيقها‬ ‫الفعلية والتي حاولت وصف بعضها بإيجاز لأني خصصت لها بحوثا مطولة‪.‬‬ ‫‪ .4‬رابعا امتناع العلاج‪:‬‬ ‫وجوابي السلبي الذي يثبت استحالة العلاج برؤى الكاريكاتورين بسبب فساد تعليلهما‬ ‫للداء يثبت أن أساس ذلك كله هو فساد التشخيص المبني على كاريكاتور من السياسة عامة‬ ‫ومن السياسة في الرؤية الإسلامية وفي الرؤية الماركسية‪ .‬وإذن فالتشخيص في الحالتين مبني‬ ‫على علم نفس بدائي يفسر الغضب الشبابي وعلم اجتماع متخلف لا يستند إلى‬ ‫الانثروبولوجيا العضوية والانثروبولوجيا الثقافية للسلوك الإنساني‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪211‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫وهما ما عليه أبني تحليل للأزمات التاريخية الكبرى تحليلا يتأسس على الكوني والكلي‬ ‫وليس على الخصوصيات السخيفة لكأن مجتمعاتنا خارجة عن سنن التاريخ ومن ثم فأحوال‬ ‫النفس العفوية ليس هي ما يمكن استعماله لقراءة المشهد لأنها من جنس ما سخر منه أكبر‬ ‫مؤسسي علم الاجتماع الفلسفي أعني ريمون هارون الذي اضاف إلى قولة ماركس حول‬ ‫أفيون الشعوب قولة اخرى أبلغ وأعمق حول أفيون النخب وخاصة المتأثرة باليعقوبية‬ ‫الفرنسية‪.‬‬ ‫‪ .5‬خامسا وأخيرا‪:‬‬ ‫لذلك اكتفيت هنا بالإشارة السريعة إلى حماقة التحليل الديني والتحليل الماركسي‬ ‫الكاريكاتورين وإعادة الكشف والتعليل والعلاج من رأس‪ .‬وذلك ما سبق أن كتبت فيه ما‬ ‫لا يحصى من المحاولات مكتفيا هنا بذكر ثمرتها في فهم ما يعلل مواصلة العلاج الإصلاحي‬ ‫والتخلي عن عنتريات الكاريكاتورين اللذين خرافتهما ستنتهي مباشرة بعد المرور من القول‬ ‫إلى الفعل‪.‬‬ ‫ولولا ذلك لما كتبت في محاولات إصلاح حركة النهضة لتكون العمود الفقري لإعادة بناء‬ ‫الكيان المادي والروحي لتونس بوصفها جزءا من أمة وليس أمة وهو ما أعنيه لما أميز بين‬ ‫النهضة والنهوض حتى بعد أن ابتعدت عنها لما استقلت وأشرت منذ ذلك الحين إلى ما تبين‬ ‫الآن للجميع أنه الداء الذي قد يقضي عليها‪ .‬وما انتظرت ظهور هذين الكاريكاتورين‬ ‫لاقتراح حلول تمكن النهضة من تجنب ما نراه يحصل فيها وحولها وهي تبدو حائرة وشبه‬ ‫يائسة لكأنها لا حول لها ولا قوة في حين أنها هي الوحيدة التي ما تزال قوية الروح‬ ‫والمشروع‪.‬‬ ‫لكن بعض قياداتها ما زالوا في غيهم يعمهون ولا يريدون لشباب الحركة أن يكون البديل‬ ‫منهم وخاصة بعد أن جربوا ففشلوا فشلا ذريعا في تطوير تضحياتهم تطويرا يثبت أنها‬ ‫كانت فعلا لوجه الله وليست لمنافع قد تنتهي إلى تغليب الخلود إلى الأرض‪ .‬وبهذا أنهي‬ ‫كلامي لئلا أكون ملكيا أكثر من الملك‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪212‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪213‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫لا أشك لحظة في أن الكثير يعتبر توصيفي للوضع الحالي كما تجلى في الانتخابات الرئاسية‬ ‫ومفاجآتها توصيفا شاذا يمكن أن يعتبر من جنس الظاهرة التي أريد تفسيرها فأكون كمن‬ ‫ينهى عن خلق ويأتي مثله‪.‬‬ ‫سيقال اعتراضا على ما أدعيه‪:‬‬ ‫‪ .1‬فهل عندك جهاز مخابرات حتى تزعم وجود اختراق يهدد تونس؟ أم تدعي أنك‬ ‫متقدم على أجهزة الدولة في الذود على أمن الوطن؟‬ ‫‪ .2‬أم هل تدعي الكشف الصوفي فتتطلع على ما في الصدور والأفئدة لدى من تتهمهم‬ ‫بالتآمر على أمن تونس تآمرا تفسر به ما حصل؟‬ ‫‪ .3‬أم أنت ممن يحاولون تبرير فشل قوى تونس السياسية حكما ومعارضة بنظرية‬ ‫المؤامرة للتنصل من تحمل المسؤولية كعادة كل العرب؟‬ ‫‪ .4‬وإذا كان الجواب بالسلب عن هذه الأسئلة الثلاثة مفروغا منه فكيف تبرئ نفسك‬ ‫من نتيجة السؤال الثالث الحتمية أي كونك ككل العرب تبحث عما تنيط به العجز فتلجأ‬ ‫إلى نظرية المؤامرة؟‬ ‫لذلك قررت أن أعرض على القارئ الكريم الذي يقبل الصبر على التحليل الدقيق‬ ‫لمعطيات المشكل‪ .‬فالأمر في محاولتي غني عما يطلبه الاعتراض الأول والاعتراض الثاني‬ ‫والاعتراض الثالث وثلاثتها اعتراضات لا أجادل في وجاهتها بل يكفيني بيان حقيقة ما‬ ‫يجري بدفع القائمين به إلى الخروج من جحورهم والشهادة على أنفسهم بما بدأ يظهر من‬ ‫ردود شديدة التشنج‪ .‬وتلك هي بداية الاعتراف بما أوجهه لمن وراءهم فيتجلى لمن يكتفون‬ ‫بظاهر الأحداث عندما لا ينظرون إلا إلى تونس بمعزل عن التاريخ وعن الوضع الإقليمي‬ ‫والعالمي الحاليين‪ .‬وهو أمر استغربه حقا من مثقفين يدعون التفكير وحتى التفلسف ونقد‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪214‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫من يحاول الفهم إلا لإثبات ذواتهم أو للتبرؤ ممن صار موصوفا بتفاهات الخصوم فيعجمون‬ ‫على استعملا ما جهزهم الله به من عقول وما وفرته المرحلة التاريخية من حرية السؤال‬ ‫النقدي الذي لا يستثني شيئا بما في ذلك ذاته‪.‬‬ ‫وذلك هو ما سميته نصف الطريق نحو النصر على أعداء محاولات تونس لتأسيس‬ ‫ديموقراطية قد لا تكون مثالية لكنها أفضل الممكن حاليا النصر في معركة الوعي وليس لي‬ ‫ادعاء تجاوزها لأني أولا لست صاحب قوة سياسية ولا أنتمي إلى أي من القوى السياسية‬ ‫محلية كانت أو إقليمية أو دولية لأني أميز بين حركة النهوض كفعل تاريخي للأمة والنهضة‬ ‫كحزب تونسي‪ .‬والكل يعلم أني أول من بين ‪ -‬في نص استقالتي الذي نشر حينها ‪ -‬ما قد‬ ‫يقضي على النهضة في تونس عندما استقلت من المجلس والحكومة بعد سنة وكان يمكن لو‬ ‫كنت ممن يهوون الوصول إلى شيء عن طريق السياسة أن أداهن وأنافق مثل كل السياسيين‬ ‫\"القافزين\"‪ .‬لكني ولله الحمد لست مصابا بالإخلاد إلى الارض داء هو علة كل ما يفسر‬ ‫تردي الاخلاق السياسية‪.‬‬ ‫والآن فلأبين الطريقة التحليلية التي أوصلتني إلى ما يعتبره البعض شبه قول بنظرية‬ ‫المؤامرة وهي طريقة شديدة الوضوح لأنها تجمع بين الطريقة العلمية في المعرفة التاريخية‬ ‫والطريقة العلمية في المعرفة الطبية‪:‬‬ ‫• فأولا تاريخ الإقليم من حيث ما بين مكوناته وما بينه وبين أجواره من صراعات محدد‬ ‫أول إذ لا شيء ينفي أن المعركة التاريخية في الحضارتين وبينهما ما تزال متواصلة بل‬ ‫وتزداد حدة‪.‬‬ ‫• وثانيا الكشف عن العلل في الطب ينطلق من تحليل الأعراض وتصنيفها لاكتشاف‬ ‫دلالتها التي تعين طبيعة المرض ودائما في شكل ترجيحي وليس حتميا ومن ثم تعيين المرض‬ ‫الأرجح الذي عليه علاجه‪.‬‬ ‫وبذلك يكون التاريخ محددا لطبيعة الأعراض الداخلية والخارجية ومحدداتها‬ ‫الخصوصية التي ننطلق منها ويكون تصنفيها راجعا إلى طبيعة القوى السياسية وطبيعة‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪215‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫علاقاتها في الإقليم وفي العالم‪ .‬والطريقة الأولى جزء من الثانية دائما إذ التشخيص‬ ‫الباحث عن التعليل لا يقتصر على عين المريض بل هو يحتاج إلى تاريخه الصحي وبيئته‬ ‫خاصة وحينها يبدا التشخيص والتعليل والعلاج التي هي مراحل المنهج الطبي ذي المراحل‬ ‫الخمسة مرة أخرى‪:‬‬ ‫‪ .1‬عين المريض‬ ‫‪ .2‬وتاريخه الصحي‬ ‫‪ .3‬وبيئته الصحية (الإرث العضوي) والثقافية (التراث الرمزي)‬ ‫‪ .4‬واستنتاج التعليل بتأويل الأعراض‬ ‫‪ .5‬وختاما استنتاج العلاج‪.‬‬ ‫فنصل إلى العلاج المناسب ترجيحيا وليس يقينيا‪ .‬ذلك أن ما حدث في تونس مؤخرا ليس‬ ‫بدعا لأن جنيسه يقع يوميا في العالم كله وفي الإقليم وخاصة منذ أن أنشئت فيه إسرائيل‬ ‫وهو أمر تضاعف منذ أن حصلت ثورة الخميني وصارت تسعى للانتقام من العرب بوصفهم‬ ‫علة سقوط امبراطوريتها التي تعلن أنها استردت الكثير منها في الاحداث الراهنة المحددة‬ ‫لشروط فهم ما يجري في تونس وفي غيرها من بلاد العرب والمسلمين‪.‬‬ ‫ولكن حتى قبلهما وخاصة منذ أن صارت شعوبنا منفعلة لترديها إلى حد جعلها عاجزة عن‬ ‫الفعل بعد هزيمة التخلف عن ثورات الحداثة الدينية والفلسفية والعلمية والتقنية‬ ‫والسياسية فانقلبت العلاقة بيننا وبين الغرب فغلبنا وحكمنا الاستعمار لقرون مباشرة ثم‬ ‫بعيد الحرب العالمية الثانية صار حكمه لنا غير مباشر بمن انتخبهم منا ليكونوا أوصياء علينا‬ ‫في خدمة مصالحه‪.‬‬ ‫وإذن فسأعرض الكيفية التي توصلت بها إلى فرضيتي في فهم ما حدث فجعل سعيد‬ ‫وقائده الماركسي صاحبي الدور الأول في الأحداث دون سابق انذار للغافلين ممن يعتقدون‬ ‫أن تونس صارت جزيرة لا علاقة لها بما يجري في الإقليم والعالم ولا تعليل لأحداث سياستها‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪216‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫إلا أخلاق سعيد ونظافته وفساد منافسه حصرا للمعركة بين متناقضين بمنطق الثالث‬ ‫المرفوع‪.‬‬ ‫لذلك بدأت بمحاولة توصيف القوى السياسة التي تعرف نفسها بالانتساب إلى ما يسمى‬ ‫بثورة الربيع مدحا وثورة البرويطة هجاء في تونس‪ .‬واعتمدت معيارا فيه الكثير من‬ ‫الغرابة عند من يتصورون السياسية معركة إرادات عفوية تغيب فيها الاستراتيجيات‬ ‫شديدة التعقيد وبعيدة الغور وخاصة في الشعوب التي تجاوزت السذاجة البدوية التي لم‬ ‫يغادرها عرب الإقليم‪ .‬وتلك حال تجاوزتها إسرائيل وإيران وتركيا وروسيا وأمريكا ونكص‬ ‫إليها العرب من الماء إلى الماء‪.‬‬ ‫لكن هذا المعيار الذي اعتمده رغم غرابته عند من نكصوا إلى البداوة هو المعيار المناسب‬ ‫لفهم المعركة الجارية في تونس حاليا أي معيار ارتباطات قواها السياسية بالقوى الخارجية‬ ‫في الإقليم وفي العالم‪.‬‬ ‫فالجنس الأول مضاعف وله نوعان من القوة السياسية‪ :‬كلاهما يتحدد بارتباطات خارجية‬ ‫عالمية‪:‬‬ ‫‪ .1‬اليسارية أي الجبهة وهي متعددة وعديمة الاستراتيجية الذاتية‪.‬‬ ‫‪ .2‬والليبرالية بقايا الحكم السابق وهي متعددة وعديمة الاستراتيجية الذاتية‪.‬‬ ‫والجنس الثاني مضاعفة وله كذلك نوعان من القوة السياسية‪ :‬كلاهما يتحدد بارتباطات‬ ‫خارجية إقليمية‪:‬‬ ‫‪ .3‬القومية وهي متعددة وعديمة الاستراتيجية الذاتية بل هي تابعة‪.‬‬ ‫‪ .4‬والشيعية وهي القوة السياسية الوحيدة التي لها وحدة ولها استراتيجية ذاتية‬ ‫واضحة في الإقليم وفي العالم‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪217‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ .5‬أما النوع الخامس والأخير فهو القوة التي تسمى الإسلام السياسي عامة ‪-‬أو بتسمية‬ ‫تحقيرية الإخوان‪ -‬أعني القوة الإسلامية التي ساهمت في مقاومة الاستبداد وكانت أكثر‬ ‫ضحاياه وشاركت في الثورة مثل غيرها وهي قوة تناصبها هذه الأنواع الأربعة العداء‪.‬‬ ‫وهذه القوة مضطرة لأن تكون دائما في موقع الدفاع إذ هي تحاول حماية موقع ليس‬ ‫بالقياس إليهم وحدهم بل بالقياس إلى القوى العالمية وأذرعها في الإقليم التي تساندهم‬ ‫ضد الاستئناف ما يجعلها مضطرة لترضيتها حتى تحافظ على بقائها‪ :‬وتلك هي وضعية‬ ‫النهضة في تونس‪ .‬ولها ما يناظرها في كل بلاد ما بعد الحرب العالمية الأولى وهي قوة‬ ‫سياسية متجاوزة للحدود الاستعمارية ولها نوع من الوحدة لكنها عديمة الاستراتيجية‬ ‫ومضطرة للاقتصار على التكتيك لأنها في موقع دفاعي‪.‬‬ ‫فإذا اعتمدنا على هذا التصنيف والتوصيف أمكن أن نستنتج علل ما نراه من تحالفات‬ ‫بين القوى السياسية الإقليمية والقوى العالمية في المعارك التي تجري في كل بلد عربي على‬ ‫حدة وفي الإقليم عامة‪ .‬فالنوعان اليساري والقومي يحركهما الضربان التاليان من الدوافع‪:‬‬ ‫• فاليساري دوافع حركته عالمية تعود إلى معركة تنتسب إلى رؤية عالمية ذات صلة بصراع‬ ‫الحضارات المستبطن (تنويري ظلامي‪-‬غربي شرقي) متجاوزا القومي والديني في الظاهر‪.‬‬ ‫• والقومي دوافع حركته إقليمية تعود إلى معركة تنتسب إلى تأويل الخيار الحضاري‬ ‫الذي هو تابع للخيار اليساري المحايث للمعارك الإقليمية التي يقدمها الخيار القومي في‬ ‫المعركة مع الاستعمار‪.‬‬ ‫ومن ثم فإن المعركة في أرض الثورة التي لم يبق لها إلا بعض من حصيلة منها تحولت إلى‬ ‫رمز يتجاوز مجرد الدلالة على معركة الحرية والكرامة إلى الدلالة على بداية استئناف‬ ‫الأمة لدورها بسبب انتشارها في الأقليم على الأقل في مطالب الشعوب‪ .‬فصارت في وضعية‬ ‫تشبه ما حصل للثورة الفرنسية التي تحالفت عليها كل قوى أوروبا لوأدها‪ .‬والتشاجن بين‬ ‫هذين المستويين هو الذي يحول دون فهم الأحداث والأحاديث الدائرة حولها‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪218‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫فكل المستبدين في الإقليم وذراعا الاستعمار اللذين يحميانهم مباشرة (إسرائيل وإيران)‬ ‫ومن وراء الذراعين اللذين يحميان من يحميهم (أمريكا وروسيا) ويحميانهم مباشرة ‪-‬لما‬ ‫لهما من قواعد في الإقليم‪ -‬كل هؤلاء يمثلون حلفا يحاول وأد الثورة ليس بذاتها فسحب‬ ‫بل بوصفها أيضا بداية استئناف الأمة لدورها من خلال الخروج من الاستثناء في العالم‬ ‫الحديث سواء وصفت الثورة بكونها ربيعية مدحا أو برويطية قدحا وأدها بكل اساليب‬ ‫عمله‪.‬‬ ‫وأهم هذه الاساليب ما لاحظناه في تونس أعني الاختراقات التي يرمز إليها التعدد‬ ‫اللامعقول للأحزاب لأن جلها مجرد واجهات للمعركة بين هذه القوى التي تبحث عن كيفية‬ ‫قتل ما لدى الشعوب من صبو إلى التحرر واستكمال التحرير بعد أن تبين أن التحرر مستحيل‬ ‫من دون التحرير لأن غيابه يفقد الأمة السيادة ويحول دون تحقيق التنمية الاقتصادية‬ ‫والثقافية والعلمية ومن ثم السيادة السياسية‪.‬‬ ‫وثنيت بحثي بما ينتج عن هذه الخارطة السياسية متعينة في القوى السياسية المتحكمة‬ ‫فيها والمسيرة لها عن بعد لأفهم طبيعة التحالفات الجارية بينها والتعليل وراء تحالف القوى‬ ‫السياسية الأربع الأولى ضد الإسلام السياسي رغم أن أحدها يعرف نفسه بإسلام سياسي‬ ‫يدعي تمثيل ثورة ذات مرجعية دينية ضد مبدئي هذين القوتين أعني الكونية اليسارية‬ ‫والقومية وهو إسلام غير سني (التشيع)‪.‬‬ ‫وهذا يعني أمرين‪:‬‬ ‫• طبيعة المسته َدف هو الربيع والاستئناف الذي يسهم فيه أي الإسلام الذي يجمع السعي‬ ‫إلى الاستئناف والسعي إلى تجاوز التدين التعبدي إلى التدين المتعين في آثاره الاجتماعية‬ ‫والثقافية والسياسية‪.‬‬ ‫• طبيعة المستهدِف اقليميا إسرائيل وتوابعها وإيران وتوابعها وعالميا أمريكا وروسيا‬ ‫والهدف نقيض الهدف السابق وهو منع الاستئناف أولا ومنع تجاوز التدين التعبدي ‪-‬الذي‬ ‫يشجعونه في شكل صوفي غير جهادي‪-‬إلى أهداف الثورة‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪219‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫والمعركة ليست ضد الدين لأن إيران وإسرائيل كلتاهما ذات تأسيس ديني عنصري ‪-‬‬ ‫الأسرة المختارة والشعب المختار‪-‬وتوابعهما في الإقليم كذلك بل هي ضد الدين الذي يحاول‬ ‫تحرير اهل الإقليم‪.‬‬ ‫وحتى هذا التحديد فإنه غير كاف لأن الأنظمة العربية المعادية للربيع تعادي الإسلام‬ ‫السياسي الذي له دور في الربيع لكنها تستعمل إسلاما سياسيا آخر هو الإسلام السياسي‬ ‫التقليدي الذي تعتمد عليه أنظمة الاستبداد والفساد وخاصة السلفية الجامية التي تخضع‬ ‫لمن تسميه ولي الأمر من دون أن يكون الشعب هو الذي أمره والتصوف الشعبي الذي يهدف‬ ‫إلى التنويم بدل التحرير الروحي والتاريخي‪ .‬وكل ما اعتبر شاذا في قراءة للأحداث‬ ‫يتضح لكل ذي عقل إذا لم يتخل عن عقله فتصور أن أخلاق سعيد المزعومة كافية لفهم ما‬ ‫حدث‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪220‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ما دعاني لكتابة هذا النص علته أن ما يحيرني أكثر ليس سعيد ومن معه ولا حماسة‬ ‫الشباب التي هي معقولة ومقبولة في مجتمع جل شبابه عاطل عن العمل ومضطر للانتحار‬ ‫إما بالارتماء في البحر في ميله لجنة الدنيا أو بالارتماء في توظيف الجهاد المحرف في ميله‬ ‫لجنة الآخرة‪ .‬ما يحيرني حقا هو تردي ردود المدافعين عنه ممن يسمون أنفسهم مفكرين‬ ‫وكنت اظنهم يفكرون‪ .‬فقد تبين أن جلهم لا يختلفون عن الكرونيكورات الذين يعيبون‬ ‫عليهم ثقافة الإعلام كما عهدناه في مدرسة ابن علي‪ :‬اعتبار الدفاع عن المواقف بديلا من‬ ‫بيان الرؤى التي تتأسس عليها‪.‬‬ ‫وطبعا فلست غافلا عن كون الموقف القضوي في المنطق وراءه الموقف العقدي للرؤية‬ ‫المعرفية وهي إذن جزء مما يشوب نظرية المعرفة بالذاتية فيؤثر في مضمون القضية‬ ‫العلمي‪ .‬لكن لو غالينا فرددنا هذا إلى ذاك لاستحال أن نميز بين الالتزام بشروط المعرفة‬ ‫العلمية وبشروط الخيارات الثقافية السياسية للإنسان من حيث هو منتسب إلى حزب معين‪.‬‬ ‫وأعلم أن ما يغلب على المفكرين العرب حاليا هو قراءة تاريخ الفكر من منطلق الموقف‬ ‫القضوي وليس من منطلق المضمون القضوي‪ .‬فهم مثلا يرجعون علم الكلام كله إلى مواقف‬ ‫المتكلمين المذهبية ‪-‬ولها تأثير لا شك في ذلك‪ -‬ولا يرون أن علمهم فيه على الأقل منهجيا‬ ‫محاولة لتجاوز ذلك إلى ما يساعد على الولوج إلى الحقيقة قدر مستطاع العقل الإنساني‪.‬‬ ‫أصل الآن ‪-‬بعد هذا التمهيد القصير‪ -‬لإثبات أن ما يحدث حاليا ليس بدعا بل هو من‬ ‫عادات الفكر في حضارتنا التي ما تزال تسعى إلى التحرر من الخلط بين الامور بسبب‬ ‫الأرضية الرخوة للانتقال من ثقافة القشور إلى ثقافة الالباب‪ .‬أصل إلى موقفي من سعيد‬ ‫وعلل توجسي من برنامجه المعلن وليس الخفي الذي استنتجه منه إلا إذا كان البرنامج‬ ‫مجرد أقوال ليس له استراتيجية تحقيقه بالأفعال‪ .‬وهما من أبسط الامور فهما‪:‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪221‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ .1‬لا أحد يمكن أن يدعي أن سعيد كان معارضا قبل ثورة الربيع‪ .‬وإذن فدوره السياسي‬ ‫الذي يظهره دور جديد‪ .‬هل معنى ذلك أنه كان سياسيا مطلق الحياد \"نوتر\" قبل الثورة‬ ‫أم إن الحياد في هذه الحالة كان على الاقل رؤية تعتبر ما كان يفعله ابن علي يمكن السكوت‬ ‫عليه حتى لو سلمنا أن هذا السكوت لم يكن ثمرة لمقابل ما؟‬ ‫‪ .2‬لا أحد يمكن أن يدعي أن سعيد كان ذا مشروع يمكن أن يعتبر ثمرة لبحث علمي‬ ‫سابق إذ هو لم يكتب رسالة دكتورا ولم ينشر بحوثا علمية في اختصاصه على حد علمي‪ .‬هل‬ ‫معنى ذلك أن الرجل كان ذا مشروع سياسي في \"الراس وليس في الكراس\" أم إن الوحي نزل‬ ‫عليه بعد الثورة؟‬ ‫وقد يناقشني في المسألة الثانية من يجهل أني دارس للقانون عند كبار المختصين في أعرق‬ ‫جامعة في القانون‪ :‬جامعة أساس في باريس‪ .‬يكفي أن يعلم أني درسته عند أحد عمالقة‬ ‫القانون العام أعني جورج فودال‪ .‬لكن ليس هذا محل الخلاف بل محله أن الرجل لم يكمل‬ ‫أدلة الجدارة باسم المختص وهي نوعان‪:‬‬ ‫‪ .1‬الرسالة التي لا تثبت الإبداع بل تثبت الحصول على الانتساب الرسمي لأهل‬ ‫الاختصاص‪.‬‬ ‫‪ .2‬والبحث العلمي بعدها أو قبلها لا يهم وهو على الأقل في نظام البي ايتش دي ما يؤكد‬ ‫العلامة الأولى‪ .‬لكن العلامتين غائبتان‪ .‬فهل هما أيضا موجودان في الراس وليس في‬ ‫الكراس؟‬ ‫لذلك ولأني لا اومن بعلم في الراس لانتقل إلى الكراس أستنتج أولا أن سمعة الرجل‬ ‫العلمية ليس عليها دليل لئلا أقول إنها كذبة صنعت بعد أن اصبح للرجل صيت مصطنع من‬ ‫قوة ما تحتاج إليه غطاء لفعل يتربص بثورة تونس بدليل شهادة في الصيت من أكبر مزوري‬ ‫القانون في تونس ليس حبا في الحقيقة بل لغاية في نفس يعقوب‪.‬‬ ‫وثاني نتيجة استنتجها هي أن من يأتي إلى الثورة بعد أن يشيخ ‪-‬ليس بالمعنى التونسي‪-‬‬ ‫يمكن أن يعتبر قد تاب من حياد سابق لكن ذلك يكون في النظر وليس في العمل‪ .‬أما في‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪222‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫العمل المباشر فأمر قلما يصدقه من يعلم العلاقة بين السن والرؤى التي من هذا الجنس‬ ‫اللهم إلا إذا قلنا إن الرجل نكص إلى أحلام الشباب بمعنى أنه وصل إلى أرذل العمر فصار‬ ‫يحلم بما كان ربما يتمناه لما كان شابا‪ .‬وما أظنه على الاقل عضويا‪.‬‬ ‫والنتيجة الثانية تتعلق بأمر يعسر اثباته لأنه يتجاوز الظاهر إلى السرائر التي لا يعلمها‬ ‫إلا الله‪ .‬لذلك فسأكتفي بالظاهر وما يمكن أن يترتب عليه والله يتولى السرائر‪ .‬والظاهر‬ ‫أن الرجل مستقيم الخلق متدين بل وفاضل إذا قسناه بنظرائه من الجامعيين في تونس وهو‬ ‫أمر لا أجهله خاصة إذا تكلم على المحاصرة التي اشار إليها لكنها لم تحل دوني ومحاولة‬ ‫الخروج من أحابيلها‪ .‬وشهادة الكثير من طلبته في أخلاقه وعدله لا يوجد داع للقدح فيها‬ ‫رغم أنها لم تظهر إلا بعد أن صار فيه \"مطموع\"‪ .‬وهو أمر يدعو إلى التساؤل‪.‬‬ ‫لكن إذا سلمنا بكل ذلك واعتبرنا الرجل فاضلا فهل يمكن أن يكون جاهلا بأن أجره مثلا‬ ‫ثلثه فقط يقابل التدريس والثلثان الآخران يقابلان البحث العلمي والتأطير الأكاديمي‬ ‫للباحثين من الطلبة؟ وبما أنه كان مساعدا فهو لا يحق له التأطير‪ .‬ولما كان لم ينه الرسالة‬ ‫ولم يكتب بحوثا علمية منشورة في مجلات محكمة أو في كتب معتبرة مراجعة فهل يحق له أن‬ ‫يحصل على الثلثين من دون العمل الذي يجعله مستحقا لهما عن جدارة؟‬ ‫صحيح أن هذا المعيار غير معمول به في الجامعة التونسية لان الثلثين صارا شبه عنصر‬ ‫من الأجر العادي لأن الكثير من الأساتذة حتى لو كانوا ممن أتم الرسالة لم يقوموا بالبحث‬ ‫العلمي ومع ذلك يحصلون على المقابل المادي بحجة أن الدولة تحيلت فلم تسم هذين الثلثين‬ ‫زيادة في الاجر بل تشجيعا للبحث لتجنب التنافس بين الموظفين على الزيادات‪ .‬كل ذلك‬ ‫أفهمه‪ .‬لكنه لا ينطبق عمن يقدمونه وكأنه \"متصوف\" يبحث عن التطبيق الصارم \"للقانون\"‬ ‫وطبعا للأخلاق‪ .‬فكيف سمح له ضميره القانوني والخلقي أن يحصل على ثلثي أجره دون‬ ‫القيام بالعمل الواجب ليكون ذلك شرعيا؟‬ ‫أما علل التوجس فهي عامة ليست خاصة به وتتعلق بحصول مفاجأة في ما لا يمكن أن‬ ‫يحصل فجأة من دون سر ما‪ .‬ولها مصدران‪:‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪223‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫• الأول حديث ومثاله نجاح ترومب في أمريكا‪ .‬كلنا يعلم أن الامريكان خصصوا الكثير‬ ‫لحل اللغز وتبين أن التقدم في استعمال فنيات التزييف عند الروس كان حاسما في إسقاط‬ ‫منافسته وإنجاحه‪.‬‬ ‫• والثاني قديم ومثاله استرداد إيران ما تسميه امبراطوريتها في الهلال وفي اليمن‬ ‫والاعلان عن السيطرة على أربع عواصم عربية وكلنا يعلم من يحكم العراق وسوريا ولبنان‬ ‫واليمن وبماذا أعني بالمليشيات بصنفيها أي مليشيا القلم وقد سمعنا بعض أذيالها في تونس‬ ‫باسم المقاومة ومليشيا السيف وهي التي تستعد لكي تفرض تحقيق الرنامج الذي أعلنوا‬ ‫عنه بالقول إنهم سيغزون نظام تونس السياسي‪.‬‬ ‫ولا يوجد عاقل يصدق أن هذا التغيير سيكون بفرمانات قانونية بل لا بد له من قوة‬ ‫فاعلة على الأرض تشبه الحشد الشعبي وأحزاب الله التي يقودها سليماني بأوامر علية‬ ‫من دولة الملالي فاخر بها أحد أذيالهم في تونس‪ -‬سماني أبا معروف وهو صادق لأني فعلا‬ ‫معروف ولست نكره مثله إذ سبقه غيره فسماني أبا يرعب وهو صادق كذلك لأني فعلا‬ ‫أرعب الاذيال ولست مرعوبا مثله‪ -‬واعتبر ذلك دليلا على أن إيران قوة عظمى‪ .‬وما سعى‬ ‫إلى القذافي طيلة أربعين سنة أنهى بها الاخضر واليابس في ليبيا يريد سعيد ومن يستعملونه‬ ‫تحقيقه في تونس لجعلها يبابا بسرعة لأن مستعمليه صارت لهم خبرة تهديم الدول‬ ‫وتعويضها بالمليشيات التي هي أذرع دولة الباطنية‪ .‬فلا تنسوا أن القذافي في الأخير أعلن‬ ‫أنه تابع للدولة الفاطمية التي هي واحدة من دول الباطنية القديمة‪ .‬وجماعتنا في تونس‬ ‫ينتسبون إلى الباطنية الحديثة التي نراها تحتل بلاد العرب الواحدة بعد الاخرى‪.‬‬ ‫وأخيرا فما أكتبه ليس ردا على من هم من جنس منصر الهذيلي الذي هرب من المناظرة‬ ‫التي اقترحها أحد الشاهدين على صحة ما قال في مقاله لهجائي مستعملا الحديث الخاص‬ ‫ومتجاهلا أنه بالأمانات ‪-‬للدفاع عن الملالي بل هو خطاب موجه لذوي العقول ممن لا‬ ‫يشترون بمال قارون وليس بليلة في فندق بلبنان أو بزيارة لطهران‪ .‬فهذه أمور جربت معي‬ ‫ولم تنجح‪ .‬وعندي فرق كبير بين مساندة أي بلد عربي يقاوم الباطنية وهو أمر اعتز به‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪224‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫بل واعتبره واجبا قوميا ودينيا وإنسانيا وبين مساندة المافيات الباطنية التي هي ليست بنت‬ ‫اليوم وخاصة بالنسبة إلينا في تونس‪ :‬فأكبر دولها نشأت عندنا وكانت الحليف والظهير‬ ‫للحملات الصليبية تماما كما كانت الصفوية حليفا للبرتغاليين في حروب الاسترداد لكن‬ ‫أذيال إيران في تونس أجهل من احذيتهم وأعني صاحب الرد وشهود الزور معه ممن يزعم‬ ‫أن الفلاسفة لا يفهمون السياسة لظنه ان التلحيس كياسة‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪225‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫لا أعجب كثيرا من تفاؤل الشباب الذي يعيش التعاسة المادية واليأس الروحي تفاؤله‬ ‫بما يجري حاليا بمناسبة الانتخابات في بلد ُسدت فيه كل الأبواب أمامه بما في ذلك باب‬ ‫الارتماءين في طريق الانتحار الفردي بالدافع الدنيوي أو بالدافع الأخروي‪ .‬لم يبق له‬ ‫إلا الأحلام المثالية التي هي بدورها محكومة بنفس الارتماءين في الانتحار الجماعي بما‬ ‫يقدم من البعض على أنه استئناف للثورة بجذوة ‪.2011‬‬ ‫لكنه في الحقيقة استئناف لمحاولات افشال السعي لتجنب الحرب الأهلية الذي جربته‬ ‫تونس بالاستفادة من خبرة نخب ذات دراية بإمكانات تونس والحذر السياسي الضروري‬ ‫لعدم تحميلها ما لا طاقة لها به‪ .‬فحافظت على ما اعتبر استثناء في الربيع العربي‪ .‬وقد‬ ‫كنت دائما ممن يريدون قلب صفحة الماضي بأسرع ما يمكن فاقترحت تقديم المصالحة على‬ ‫المحاسبة لئلا يخوف المجرمون الكبار المجرمين الصغار فيكثر أعداء الثورة‪.‬‬ ‫وذلك للانطلاق نحو تمتين تصالحي لشروط أهم حصيلة للثورة وهي أن الشعب صار‬ ‫صاحب الأمر والنهي في ما يتعلق بحكمه وبحرياته الأساسية طريقا إلى تحقيق شروطها‬ ‫الموضوعية التي هي شروط الكرامة أعني التنمية والتوزيع العادل للثروة‪.‬‬ ‫لا ننسى أن تونس هي الوحيدة التي لم تسقط في الحرب الأهلية من بين البلاد العربية‬ ‫الأربعة التي شاركتها فيها وأنها واصلت التقدم في مشروع بناء الديموقراطية خطوات لا‬ ‫بأس بها‪ .‬وينبغي العمل بحكمة وصبر وتجنب الهزات في إقليم ذي أرض شديدة الارتجاج‬ ‫السياسي وفي لحظة تاريخية حرجة تتعلق بالموقف المعادي لمحاولات المسلمين الخروج من‬ ‫الاستثناء من ثقافة العصر‪.‬‬ ‫بدأت الحروب الأهلية تعم أقطار الربيع‪ :‬بدأت بسوريا لحقت بها ليبيا فمصر فاليمن‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪226‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫لكن دعاة الحرب الأهلية لم يتخلوا عن المشروع‪ .‬وقد كانوا قاب قوسين أو أدنى من‬ ‫إشعالها فحتى عدد الضحايا الذين كانوا مستعدين للتضحية بهم قدروه (‪ 20‬ألف) ثمنا‬ ‫معقولا حسب شهادة صاحب نسمة لإسقاط حكومة اختارها الشعب (ما يسمى باعتصام الأرز‬ ‫بالفواكه الجافة)‪.‬‬ ‫لكن ما يسمى بالحوار الوطني والتوافق رغم كونهما غير متكافئين وغير متوازنين مكنا‬ ‫من تأجيل الحسم الدموي مدة خمس سنوات أخرى بعد حكم الترويكا‪ .‬ولم يدم الصمود‬ ‫إذ آل إلى تفتيت جبهة الانقاذ السبسية بدءا بخروج من كانوا من القيادات التي تدعو إلى‬ ‫الحرب الاهلية وتؤيد السيسي وحفتر فضلا عن مؤدي ما يجري في سوريا مع ادعاء الانتساب‬ ‫إلى الثورة‪.‬‬ ‫ويمكن القول إن الانتخابات وما يزعم من تحرك الشباب بقيادة سعيد أعاد الوضعية‬ ‫بالتدريج إلى ما يشبه ما كانت عليه خلال السنة الأولى من \"الثورة\" (‪ .)2011‬وهو عودة‬ ‫الطرفين الاقصيين المسيطرين على الشارع خلال الأيام الاولى من الثورة أعني اقصى‬ ‫اليسار وأقصى اليمين‪ .‬وهما يريدان معركة تستهدف الدولة هذه المرة وليس النظام‬ ‫فحسب‪.‬‬ ‫لكن المحللين ‪-‬ممن يزعمون الإعلان عن النوايا كافيا في السياسة‪ -‬يحاولون إخفاء هذه‬ ‫الحقيقة ويريدون التغطية عليها بأسماء جديدة لعل رمزها اجتماع التطرفين بشكل جديد‬ ‫يذكر بحدي طرفي الثورة‪:‬‬ ‫• رمز الثائر النظيف وشبه المقدس‪.‬‬ ‫• والمثار عليه الوسخ وشبه المدنس‪.‬‬ ‫والمعلوم أن التقابل إذا بلغ هذا الحد صار عين التناقض واصلا للحرب حتما حتى بمنطق‬ ‫الصراع الجدلي المثالي بلغة هيجل أو المادي بلغة ماركس‪:‬‬ ‫‪ .1‬أحدهما يمثله سعيد ومن معه‪.‬‬ ‫‪ .2‬والثاني القروي ومن معه‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪227‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫وإذا كان القروي ليس ظاهرة قابلة للتخفي لأنها ذات صلة بينة مع النظام المافياوي الذي‬ ‫أينع في عهد ابن علي وحافظ على وحدته تحت سلطة قائده ابن علي فإن سعيد ظاهرة‬ ‫قابلة للتخفي لأنها تبدو ممثلة للثورة على هذه الظاهرة ومواصلة لما مثلته فزة ‪ 17‬ديسمبر‬ ‫‪.2010‬‬ ‫والأمر الملغز هو هذا التخفي الذي يدل على غفلة المحللين أو على سوء النية ممن‬ ‫يريدونها أن \"تخمج\" ويطلبون \"خلاءها وجلاها\"‪ .‬فما تمثله ليس ظاهرة ‪ 17‬ديسمبر بل‬ ‫هي تعبر عما أظهرته هزيمتان حدثتا للمعارضات التي سبقت هذا التاريخ‪:‬‬ ‫‪ .1‬ردة فعل اليسار على هزيمته في انتخابات ‪ 2011‬ومدارها الحرب على الإسلام‬ ‫السياسي‪.‬‬ ‫‪ .2‬رد فعل جبهة الانقاذ على سياسة التوافق بعد انتخابات ‪ 2014‬وتفتتها ومدارها‬ ‫الإسلام السياسي‪.‬‬ ‫وإذن فالمعركة المقبلة التي قد يكون مآلها السقوط المتأخر في ما سقطت فيه بلاد الربيع‬ ‫العربي الأربعة الاخرى لأن ما اراه يحدث هو بنحو ما هزيمة الصفين اللذين مثلا المعركتين‬ ‫السابقتين الناتجتين على ردي الفعل هذين‪ .‬وقد تعينتا في ظهور صفين آخرين أحدهما‬ ‫يمثل النزعة المافياوية العارية والثانية تدعي تمثيل نقيضها العاري بمن ظنوا أن المعركتين‬ ‫السابقتين قد همشتاهم‪ .‬وهؤلاء المهمشون هم أولئك الذين جمعوا بين ممثلي التيار الذي‬ ‫يسمونه تيار الشباب المثالي المكتفي مثلا بالكلام على طهارة سعيد مقابل ونجاسة القروي‬ ‫وثقافة سعيد مقابل جهل القروي‪.‬‬ ‫لكن وراء هذه المقابلة الانتقال من \"الشعب يريد إسقاط النظام\" إلى \"الشعب يريد‬ ‫إسقاط الدولة\"‪ .‬وهي دعوة يلتقي فيها منطق الكتاب الأخضر ومنطق السوفيات حتى وإن‬ ‫تراجع المتكلمون عليهما باستراتيجية انتخابية واضحة لتجنب التخويف من الأمر‪ .‬لكن ما‬ ‫يعدون به من تغيير غير ممكن من دون ثورة شارعية ضد حصيلة الانتخابات الحالية إذا‬ ‫نجح أي من المترشحين‪:‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪228‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫• إذا نجح سعيد فستكون ثورة شارعية لفرض هذا التغيير بأدوات الدولة من أجل‬ ‫استبدالها باللجان الشعبية والسوفيات‪.‬‬ ‫• وإذا نجح القروي فستكون ثورة شارعية أقوى من التي عانت منها الترويكا لأسقاط‬ ‫الدولة بالعنف الثوري وتحقيق نفس التغيير‪.‬‬ ‫فيكون الجاري حاليا هو استئناف ما بدأ قبل فشل القصبة الثانية وشروع السبسي في‬ ‫محاولة الاستجابة إلى تغيير النظام مع المحافظة على الدولة وواصلته الترويكا ثم التوافق‬ ‫إلى الانقلاب الذي نظمه الشاهد وقيادة النهضة وما تلاه من مناورات كانت كلها محاولة‬ ‫لبناء الشاهد قاعدة بديلة من النداء الذي تفتت‪ .‬وكان ذلك من أكبر أخطاء النهضة التي‬ ‫لها تكتيك قصير النظر لأنها بدأت تفتيت ذاتها وقد تلحق بالنداء إذا لم تتدارك هذا‬ ‫الخطأ‪.‬‬ ‫ذلك أن كل المافيات ستجتمع ضدها وليس ضد سعيد وجماعته بل هي ستجد فيهم فرصة‬ ‫للضربة القاضية‪ .‬فما بقي من الدولة ما يزال بيدهم ويمكنهم باسم المحافظة على الدولة‬ ‫اللجوء للحل الاخير الحاسم أي البيان عدد ‪ .1‬وسيكون ذلك بطلب شعبي كبير لسبب بسيط‬ ‫هو أن ما حدث في مغامرة التعاضد في تونس سيكون لعب اطفال بالمقارنة مع ما سيؤدي إليه‬ ‫الصراع بين الحمقين‪:‬‬ ‫• حمق المافية العارية‬ ‫• وحمق المثالية العارية‪.‬‬ ‫فعندما تفلس الدولة فمن سيفلس ليس المافية ولا من يتبعها بل الشعب ومعه ستموت كل‬ ‫مثالية وما كان ممكنا للثورة الفرنسية والسوفياتية والإيرانية من استعمال العنف الثوري‬ ‫لم يعد ممكنا لعلتين‪:‬‬ ‫‪ .1‬أولا ليس للشعب التونسي شروط الصمود أكثر من شهر أو شهرين من دون الاجور‬ ‫التي تدفعها الدولة‪ .‬ولن يكون لها ما يكفي حتى للسير العادي للإدارة لأن المافيات ستهرب‬ ‫كل ما تملك‪ .‬وسيتوقف كل شيء‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪229‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ .2‬ثانيا لأن الجماعة التي تدعي القدرة على تحقيق ما تعد به من إصلاح ليس لها‬ ‫القدرة على فرضه لا بالسياسة اللطيفة ولا بالسياسة العنيفة‪ .‬فالأولى تحتاج للمال‬ ‫والثانية تحتاج إلى الاجهزة‪ .‬وهم لا يملكون لا هذه ولا ذلك‪.‬‬ ‫آمل أن يكون كلامي مجرد توجس‪ .‬لكني أكاد أجزم بأن ما حدث في التعاضد من إفلاس‬ ‫جعل الفلاح يبيع النعجة بدينار وهكتار الارض بمائة دينار سيتكرر ما هو أسوأ منه‬ ‫وسينتفض الشعب فتصبح المافية بهذه الخدعة ممثلة لشرعية الدولة التي سيكون أول‬ ‫قراراتها البيان عدد ‪ 1‬الذي ينادي به مثقفو المافية وسيلحق بهم مثقفو المثالية الذين‬ ‫يعتبرون من يفضل الوقاية على العلاج متواطئا مع المافية‪.‬‬ ‫ذلك ان من يحلل الوضع في تونس وكأنها جزيرة لا علاقة لها بغيرها ولا بالتاريخ‬ ‫السياسي لا يمكن أن يكونوا بحق مثاليين بالمعنى المعرفي بل هم مثاليون بالمعنى العامي للكلمة‬ ‫أي لا يميزون بين ما يترتب على طبائع الاشياء وأحوالهم النفسية ليظهروا بمظهر الاطهار‬ ‫وهم في الغالب من أكثر الناس وسخا عندما يصبحون في مواجهة الوقائع التي تترتب على‬ ‫استراتيجية \"دعها حتى تقع\"‪ .‬فإذا وقعت تجدهم أول الفارين وتاركين البلاء لراس الهم‬ ‫\"دادة عيشة\"‪.‬‬ ‫فالشعب المسكين هو الذي سيكون الضحية كما نرى ذلك في ليبيا وفي مصر وفي سوريا وفي‬ ‫اليمن‪ .‬فكل المزايدين على سياسة الإصلاح والمطالبين بما لا تقدر عليه تونس سيوصلونها‬ ‫إلى العنف الثوري أي الفوضى الخلاقة التي هي \"الزبالة\" التي يعيش فيها ذباب المليشيات‬ ‫الباطنية وبها احتل العراق وسوريا ولبنان واليمن ويحاولونها في ليبيا وفي تونس‪ .‬وفي ذلك‬ ‫تتحد أنظمة الثورة المضادة العربية ونظام الملالي لأنهم لا يريدون نجاح الديموقراطية‬ ‫التي تسترجع كرامة الإنسان وحريته بتطور سلمي وهادئ يعتمد الإصلاح لا العنف‬ ‫الثوري‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪230‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫لما أسمع البعض يتكلمون على الإطاحة بالسيستام أقول في نفسي هل بقي شيء يستحق‬ ‫أن يعجب له المرء أو أن يندهش منه؟ فهذا الكلام يعني أمرين من يصدقهما ينبغي أن‬ ‫يكون من تلاميذ بوسعدية‪:‬‬ ‫‪ .1‬أن السيستام محلي وليس حتى إقليمي ناهيك عن فهم أنه بالجوهر عالمي ليس منذ‬ ‫الوعي بما يسمى العولمة وهي لم تبدأ مع هيمنة الغرب على العالم بل هي في كل عصر نسبية‬ ‫إلى القوة المهيمنة على العالم الذي تنتسب إليه الجماعة التي وصلها‪.‬‬ ‫‪ .2‬أن السيستام يعمل بذاته فحسب بل كذلك بما يبدو نقيضه الذي يضفي به الصفة‬ ‫الخلقية للتغطية على عمله المشين‪ .‬ومن ذلك ما يسمى بموقف الرأي العام الغربي مثلا من‬ ‫الساسة الغربيين أو ما يسمى بدور \"خطب البابا\" صباح كل أحد‪.‬‬ ‫هل معنى ذلك أن السيستام لا يمكن إسقاطه؟‬ ‫لو قلت ذلك لنسبت إلى أصحابه قوة ما ورائية فألهتهم‪ .‬لكن علل وجوده لا يمكن تغييرها‬ ‫من دون علل تضاهيها من حيث الطبيعة والمنهجية والقوة‪.‬‬ ‫وغالبا ما نعلم من يكون هذا الذي يمكن أن يغير السيستام لأنه سيستام آخر يعمل بنفس‬ ‫المنهج ولكن بقيم مختلفة وهو يضاهيه في الطبيعة والمنهجية والقوة إذا علمنا من يحارب‬ ‫السيستام في مجال سلطانه‪.‬‬ ‫وإذا اعتبرنا أن ربة السيستام العالمي هي الولايات المتحدة وبنحو ما كل الغرب وبعض‬ ‫القوى الشرقية التي بدأت تنافسه ورأينا أنها كلها تشترك في الحرب على السيستام الذي‬ ‫تعتبره خطرا عليها رغم ما بينها من عداوات واختلاف مصالح ‪ -‬اختلافا نسبيا لا يقاس‬ ‫بمصلحتها في التصدي لهذا الخطر ‪ -‬أمكن لنا أن نعتبر هذا السيستام هو ما لم يخف‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪231‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫المتحدون عليه تسميته ووسمه بكل عيوب العالم وأمراضه المتعلقة بما هو مجال الصراع‬ ‫أعني السيستام السياسي بوصفه سيستام السلطات الخمسة‪:‬‬ ‫‪ .1‬سلطة الحكم‬ ‫‪ .2‬سلطة التربية‬ ‫‪ .3‬سلطة حماية السلطة أو القوة العسكرية‬ ‫‪ .4‬سلطة رعاية أصحاب السلطة أو القوة الاقتصادية‪.‬‬ ‫‪ .5‬وأصل كل السلط للهيمنة على العالم الطبيعي أي السلطة العلمية والتقنية في العلاقة‬ ‫بالطبيعة والهيمنة على العالم التاريخي أي السلطة العملية والخلقية في العلم بالإنسان أو‬ ‫معاملة الإنسان بوصفه مادة المخابرات والمخدرات للسيطرة عليه وعلى سلوكه حتى يكون‬ ‫عبدا في الحكم وفي التربية وفي الاقتصاد وفي المعرفة وفي القيم‪.‬‬ ‫إذا كان لنا من يدعي أن تونس التي هي محمية ليس لها سلطان على حكمها ولا على‬ ‫تربيتها ولا على حمايتها ولا على اقتصادها ولا على شروط الهيمنة على الطبيعة والتاريخ‬ ‫فاعلم أنك تستمع إلى بوسعدية‪.‬‬ ‫المعركة في تونس هي بين أذيال السيستام بوجهيه‪ :‬أي بالوجهين اللذين يعمل بهما أو بما‬ ‫سماه الأستاذ عقيل بالمافيا المالية والمافيا الرمزية‪.‬‬ ‫وهذه التسمية لم تكن عديمة المسمى لأن المقابلة في تونس حاليا تقدم على أنها مقابلة‬ ‫بين الشر المطلق من مافية السيستام والخير المطلق من خارجه ويعلل وجوده بإسقاط‬ ‫السيستام بداية وغاية‪ .‬ومعنى ذلك أن سعيد ومن معه يمثلون الطهارة المطلقة والقروي‬ ‫ومن معه يمثلون النجاسة المطلقة‪.‬‬ ‫وطبعا لا يمكن لمن يعيش في تونس ويعرف ما يجري فيها أن يصدق هذا التقابل المطلق‬ ‫بل لا يوجد مثل ذلك في اي مكان في العالم لأن المقابلة أشبه بالمقابلة بين أهل الجنة وأهل‬ ‫النار‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪232‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫التنسيب في الأحكام لا يعني اختيار أحد الصفين ولا حتى اختيار معيار للمفاضلة بينهما‬ ‫بل فهم علة مثل هذه الظاهرة وبيان أنها عين ما يتصف به السيستام‪:‬‬ ‫فعندما نقرأ سياسة الغرب نرى أن السيستام عنده ليس ممثلا بغير هذين الوجهين من‬ ‫سلوك السيستام‪ :‬تغطية المشين بالمزين في كل شيء بل إن ما يسمى بالقانون الدولي‬ ‫وبالشرعية الدولية يؤدي هذه الوظيفة وهو أساس ما يسمى بالأمم المتحدة التي هي بيد‬ ‫أصحاب الفيتو وهو الذي تجمع فيه قواه الخمسة على تأييد السيستام بدليل استثناء‬ ‫إسرائيل من تطبيق أي قرار من قرارات الأمم المتحدة‪ .‬فيكون لدينا مثال بين وبليغ على‬ ‫أسلوب عمل السيستام ذي الوجهين اللذين أشار إليهما عقيل‪.‬‬ ‫وليس الأمر متعلقا بموقفي الشخصي بل بوصف الظاهرة‪.‬‬ ‫أما موقفي الشخصي فلم أخفه وهو أني لا يمكن أن اعتقد أن الإنسان يصبح ثوريا بعد‬ ‫الستين خاصة إذا كان قبلها من المستفيدين من نظام ليس ما يجري حاليا أفسد منه بل هو‬ ‫حصيلته أو على الأقل من الساكتين على ظلمه وفساده واستبداده وتعذيبه لقسم ليس‬ ‫بالقليل من أبناء بلده‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪233‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫زعم أحد الباحثين عن موقع بين النخبة السياسية التي لفظته لفظ النوى بعد أن أفلس‬ ‫تماما ولم يعد أحد \"يصفر\" عليه ‪ -‬رغم ادعائه الاختصاص في القانون والتحليل الدستوري‬ ‫‪ -‬أن الطريقة الوحيدة للتغلب على قيس سعيد رئيسا يتمثل في اسقاط النهضة في‬ ‫التشريعية‪ .‬ولعله يرد على ما هو أسخف من هذه الاستراتيجية في الارتجال التكتيكي‬ ‫المتمثل في دعوة الناخبين للتصويت للنهضة بحجة أن قيس سعيد من دونهم لن يستطيع‬ ‫شيئا‪.‬‬ ‫ففي كلتا الخطتين من الرؤية السلبية لدور القوى السياسية ما يحولها إلى مجرد أدوات‬ ‫حكم للحكم أو معارضة للمعارضة فلا تبقى الأحزاب تعبيرا عن قوى سياسية هي تنظيمات‬ ‫للنظر والعمل من أجل تحقيق برامج إيجابية خاصة بها هي علة وجودها بداية وعلة بقائها‬ ‫غاية إذ من دون هذه البداية والغاية لا معنى للحكم أو للمعارضة‪.‬‬ ‫‪ .1‬فعندما تصبح النهضة تعلل الحاجة إليها بدورها في حماية الرئيس المتوقع ‪ -‬حتى لو‬ ‫اعتبرنا ذلك ظرفيا ‪ -‬فينبغي أن نفترض أنها تؤمن بصلوحية برنامجه وتبنيها له‪ .‬لكننا لا‬ ‫نرى ما المشترك بين برنامجه وبرنامجها‪ .‬فهي تدعي المحافظة على الدستور والمسار‬ ‫الديموقراطي والدولة وهو يطلب عكس ذلك كله‪.‬‬ ‫‪ .2‬وعندما تصبح معارضة الرئيس المتوقع تعلل موقفها منه بمنعه من أداء دوره فينبغي‬ ‫أن نفترض أن صاحب هذه الدعوة يؤمن بخطر برنامجه‪ .‬لكنه لم يبين فيم يتمثل الخطر‬ ‫والبرنامج البديل الذي يحقق لتونس ما يمكن أن يعتبر قارب النجاة الذي يريد حمايته‬ ‫بهذه الخطة‪.‬‬ ‫وهذا الموقف الثاني المعارض قد أفهمه ردا على ذاك الموقف الأول ولا شيء غيره‪ .‬وهما‬ ‫يفيدان نفس الرؤية‪ .‬فمن يقول إن منع سعيد من تحقيق ما ينوي تحقيقه يقتضي منع‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪234‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫النهضة من النجاح في التشريعية يعني أن وصول النهضة إلى رأس السلطة التنفيذية‬ ‫الاساسي ‪-‬القصبة‪ -‬يجعل رأسها الثانوي ‪-‬قرطاج‪ -‬مطلق العجز في تحقيق برنامجه لكأنه‬ ‫يتصور وحدة البرنامجين‪ .‬ومن ثم فهما عنده من نفس السلة‪.‬‬ ‫وهذه الحجة علتها عين علة الحجة الأولى لأن من يقول إن شرط نجاح قرطاج هو حصولنا‬ ‫على القصبة يعني أن سعيد من دونهم عاجز‪ .‬ومن يدعي أن إسقاط النهضة أسقاط لسعيد‬ ‫أو على الأقل تعجيز له دون تحقيق برنامجه يعتقد أن الحرب ليست على سعيد وحده بل‬ ‫تقتضي الحرب على النهضة كذلك‪.‬‬ ‫لكن ذلك دليل على أن الموقفين من أسخف ما سمعت‪ .‬وهو أسخف على لسان النهضة منه‬ ‫على لسان خصمائها لأن قولها هذا يعني أنها في فرضية نجاح القروي في الرئاسة ونجاها في‬ ‫التشريعية ستكون مثل القائل بتعطيل الرئيس‪ :‬فهل ستعطل الرئيس إذا صحت الفرضية؟‬ ‫ولم أسأل خصمائها لأنه من المفروغ منه أنهم سيعملون مع القروي إذا نجح في الرئاسية‬ ‫ونجحوا هم في التشريعية‪.‬‬ ‫وإذن فهم أقل تناقضا من النهضة‪.‬‬ ‫لكن هذه الفرضيات كلها عديمة المعنى ولا محل لها من الإعراب لأن سعيد لا ينوي العمل‬ ‫مع المؤسسات أو بالمؤسسات بل هو سيعمل بالشارع ضد المؤسسات أو بتنظيمات أخرى لم تظهر‬ ‫بعد وقد تكون هي بدورها طامحة لتحصيل أغلبية في البرلمان بائتلاف ما يزال طي الكتمان‪.‬‬ ‫وما يتبين من تصريحاته وتصريحات فيلسوفه الماركسي الذي تدرب في الخليج وبعض‬ ‫المتكلمين باسمه وحتى هو نفسه قبل التعديل التكتيكي في تصريحاته الأخيرة‪ :‬خياره هو‬ ‫العمل بشرعية الشارع وليس بالشرعية البرلمانية‪.‬‬ ‫فخيار الشارع أداة سياسية فعالة جربته القوى السياسية سابقا ضد الترويكا ونجحت فيه‬ ‫نجاحا كبيرا في جعل المؤسسات طاحونه بلا طحين بالعربية بسبب \"الطحين\" بالتونسي الذي‬ ‫سيطر على التعامل مع الوضع لكأن الحكم صار غاية في حد ذاته‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪235‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫فعندما يكون المتوقع هو تكرار ما حصل مع الترويكا ولكن هذه المرة بحجم أوسع وأكثر‬ ‫تأييدا من شارع يائس عاف السياسيين الذين تعلموا الحجامة في رؤوس اليتامى أو العائدين‬ ‫من الانتفاعيين في النظام القديم يمكنه بأهداف واضحة أصبحت الاشكالية فيها متعلقة‬ ‫بالانتقال من \"الشعب يريد إسقاط النظام\" إلى \"الشعب يريد إسقاط الدولة\" وتغيير شكلها‬ ‫الديموقراطي بشكل أقرب وصف له نجده في الكتاب الأخضر أو في السوفيات وكلاهما‬ ‫مستحيل من دون دكتاتورية قذافية وستالينية فإن الكلام على خدمة برنامج سعيد بالقصبة‬ ‫أو إيقافه بها يعني عدم فهم ما يجري أو ادعاء عدم فهمه والسعي لمغالطة الناخبين‪.‬‬ ‫وعلى كل فإني حقا لم أعد أفهم ما عليه حال القوى السياسية في تونس ‪ -‬ولعل ذلك لأني‬ ‫أتذاكى على حد قول بعض الاذكياء ‪ -‬ولا خاصة الطريقة التي يفكر بها من يزعمون الامر‬ ‫متعلقا بالخيار بين مافيوية القروي وملائكية سعيد بمعنى طرح المشكل على المستوى الخلقي‬ ‫بمعزل عن سنن السياسة أو على المستوى السياسي بمعزل عن المعايير الخلقية لكأن الفصل‬ ‫بينهما صار الآن البديل مما كان يسمى الفصل بين الدين والسياسة عند كاريكاتور الحداثة‬ ‫من نخب العرب‪.‬‬ ‫في الحقيقة ما يجري هو أننا أمام سياستين لكل منهما أخلاقها‪ .‬وما يخفى هو أن المقابلة‬ ‫ليست بين الأخلاق واللاأخلاق بل هي مقابلة الخفاء والجلاء في طبيعة العلاقة بين‬ ‫الوجهين‪ :‬المافيوزي الظاهر والمافيوزي الباطن أعني السيستام العالمي الذي يتجاهله‬ ‫الأذكياء أو يتجاهلونه لأن المتكلمين عليه متذاكون وليسوا أذكياء مثلهم‪.‬‬ ‫وقد كتبت في ذلك بحثا عنونته بالأبسيوقراطيا (الحكم باسم دين العجل باليونانية قياسا‬ ‫على الثيوقراطيا والديموقراطيا) أو نظام العجل الذهبي الذي له وجهان معلومان‪:‬‬ ‫‪ .1‬وجه ربا المال ورمزه معدن العجل الذي صنع من ذهب‪.‬‬ ‫‪ .2‬ووجه ربا الأقوال ورمزه خطاب العجل الذي جعل من خوار‪.‬‬ ‫لذلك فعندي أن القروي وسعيد هما عين خصائص هذا النظام وهما كذلك أفضل ما يمثل‬ ‫صفات الشعب التونسي بل كل الشعوب العربية‪ :‬فهم جميعا يبدون‪:‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪236‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ .1‬في خوارهم مثل سعيد ملاك على وجه الأرض‪.‬‬ ‫‪ .2‬لكنهم جميعا في معدنهم مثل القروي‪.‬‬ ‫فكلهم يعلمون أن كلامهم يصدق عليه قوله تعالى في مقت من يقول ما لا يفعل وتلك هي‬ ‫حقيقة من يتظاهر بالطهرية‪ .‬فمن يجهل أن كل العرب في الاقوال أطهر من الملائكة؟‬ ‫وكلهم يصدق عليهم قوله تعالى في الحرب على الربا بالمعنى المعلوم وتلك حقيقة كل‬ ‫مطفف وكل غشاش وكل مرتش وكل راش‪ .‬ومن يجهل أن كل العرب في الأفعال أفسد من‬ ‫ابليس؟‬ ‫ولا حاجة للمزيد عدا الإشارة إلى النبارة الذين يدعون الدفاع عن تجربة ما تجريبه‬ ‫خرب جل من حاولوه قبلنا فاعتبروا الأقوال أفعالا والنوايا أكثر من مجرد تبليط لجهنم‪.‬‬ ‫وآمل أن يكون توجسي من اوهام المتذاكين وأن يصدق الاذكياء الذين يأنفون من التذاكي‬ ‫ولو كان بغباء لا مثيل له‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪237‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫من ينظر إلى مخرجات النيابيات يكتشف أن التفتت إلى أكثر من ‪ 200‬حزب بدأ يلتئم‬ ‫ليعيد الساحة إلى البنية الطبيعية للقوى السياسية‪.‬‬ ‫وقد بينت أن القوى السياسية نظريا تتألف دائما من قطبين اقصيين هما‪:‬‬ ‫• اليمين‪:‬‬ ‫الذي يهتم بالسياسي من حيث هو حفاظ على الثروة (المحافظة على القيم الاقتصادية)‬ ‫والتراث (المحافظة على القيم الثقافية)‪.‬‬ ‫• واليسار‪:‬‬ ‫من حيث هو سعي لتوزيع الثروة ولتوزيع التراث بما يقرب من العدل بين المواطنين‪.‬‬ ‫لكن منطق الديموقراطية (للزيادة في القاعدة الشعبية) وحتى منطق الاقتصاد‪-‬الثقافة‬ ‫(للزيادة في الثروة والتراث) يقتضيان ترضية عموم الناخبين وهو ما يقتضي أخذ الموقف‬ ‫اليميني شيئا من الموقف اليساري فتميل قواه السياسية إلى يسارها حتى توسع قاعدتها لئلا‬ ‫تخسر الحكم أو لتعود إليه فتنجح في الانتخابات‪.‬‬ ‫ونفس المنطق الديموقراطي والاقتصادي‪-‬الثقافي يقتضيان ترضية صفوة الناخبين التي‬ ‫تنتج الثروة والتراث لأنها هي التي توفر ما يمكن توزيعه بالعدل فيصبح الموقف اليساري‬ ‫بحاجة إلى شيء من الموقف اليميني فيتحول إلى يمين اليسار‪.‬‬ ‫وطبعا لا بد أن يبقى بعض القوى الهامشية التي تتذبذب بين هاتين القوتين ممثلة‬ ‫بالوسط الانتهازي الذي يتبع الغالب من هذه القوى السياسية الأربع في كل مجتمع سوي‪.‬‬ ‫وتبرز قوة الوسط السياسية خاصة عندما لا يحصل أي من القوى الاربع على الأغلبية‬ ‫المريحة للحكم فتحتاج إلى رديف يكون عادة من قوة الوسط‪ .‬ورغم التنافس في اليمين وفي‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪238‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫اليسار فغالبا ما تتحد قوتا اليمين في صف واحد‪ .‬وتتحد قوتا اليسار في صف واحد في‬ ‫المراحل الانتخابية الكبرى‪.‬‬ ‫وبذلك ننتقل من الحدين الاقصيين ‪-‬اليمين واليسار‪ -‬إلى حدين أوسطين هما يسار‬ ‫اليمين ويمين اليسار‪ .‬وهما القوتان السياسيتان المتداولتان في كل بلد ديموقراطي‪ .‬وقد‬ ‫يقع أحيانا الانتكاس إلى الطرفين لعلل اجنبية عن النظام إما بسبب أزمة اقتصادية أو‬ ‫بسبب أزمة ثقافية مثل الخوف على الهوية في علاقة أوروبا بالمهاجرين‪.‬‬ ‫وما يفرحني حقا هو أنه يبدو أن ما حدث في تونس بمناسبة النيابيات بدأ يقرب من هذا‬ ‫القانون حتى وإن لم يلتئم شمل القوتين بشكل نهائي‪ .‬لكن التوجه إلى الحد من التفتت‬ ‫والشروع في الالتئام مبشر بالخير‪.‬‬ ‫من ذلك مثلا أني لا اعتقد أن ظاهرة القروي وظاهرة سعيد يمكن أن تبقيا مؤثرتين‬ ‫بعد الأزمة الحالية لأنهما تعبران عن حالة ظرفية لا تخضع لسنن السياسة وطبائع الأمر‬ ‫في القوى السياسية ذات المرجعية السوية‪:‬‬ ‫• فلا معنى لقوة سياسية تدعي الطهرية المتنافية مع محركات الفعل الإنساني المادية‪.‬‬ ‫فالإنسان مستعمر في الأرض وهو أمر ينافي خرافة سعيد‪.‬‬ ‫• ولا معنى لقوة سياسية تدعي التحلل من الاخلاق نهائيا تحللا يتنافى مع محركات الفعل‬ ‫الإنساني الروحية‪.‬‬ ‫فالإنسان مستخلف في الارض وهو أمر ينافي خرافة القروي‪.‬‬ ‫إن الإنسان ليس ملاكا وليس شيطانا بل هو يتنازعه الميل إلى شروط قيامه المادي دون‬ ‫أن يهمل شروط قيامه الروحي والعكس بالعكس‪ .‬لذلك فلا بد من القوتين التي تغلب‬ ‫البعد الذي يحاول الوصل بين الدنيوي والأخروي مع تغليب الثاني على الأول والتي تحاول‬ ‫الوصل بينهما مع تغليب الاول على الثاني‪.‬‬ ‫لكنهما قوتان لا تفصل بينهما مثل ما يدعو إليه سعيد وكأنها حزب ملائكة وهي الكذبة‬ ‫الأكبر‪ ،‬وما يدعو إليه القروي وكأنها حزب شياطين وهي كذبة كبرى‪:‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪239‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫• فالقوة الأولى هي مجموعة القوى التي لها ميل إلى المرجعية الإسلامية التي تجمع بين‬ ‫التأصيل والتحديث مع تقديم الاول على الثاني‪.‬‬ ‫وقد سميتها القوة الثعالبية‪:‬‬ ‫وهي يمين اليسار لأنها تقدم التوزيع العادل دون الاضرار بقوى انتاج الثروة والتراث‪.‬‬ ‫وهي ما تزال غير متحدة لكن تياراتها المختلفة بدأت تقل ويمكن أن تصبح قوة سياسية‬ ‫كبرى ذات تعدد تياري مثل الحزب الاشتراكي الفرنسي‪.‬‬ ‫• والقوة الثانية هي مجموعة القوى التي لها ميل إلى المرجعية العلمانية والتي تجمع‬ ‫بين التحديث والتأصيل مع تقديم الأول على الثاني‪.‬‬ ‫وقد سميتها القوة البورقيبية‪:‬‬ ‫وهي يسار اليمين لأنها تقدم قوى الإنتاج دون الاضرار بالتوزيع العادل ما أمكن‪ .‬ويمكن‬ ‫أن يحصل فيها ما وصفت في القوة الأولى‪.‬‬ ‫وكل الحزيبات والتحالفات الأخرى هي الوسط الانتهازي الذي يمكن أن يميل مع هذا او‬ ‫ذاك فينظم في الحكم أو في المعارضة إلى القوة التي تحكم أو التي يبدو أنها ستحكم في‬ ‫المستقبل لأن الوسط انتهازي بالطبع‪.‬‬ ‫ولما كانت تونس ليست بعد ديموقراطية‪ ،‬فهي بحاجة إلى حكم توافقي‪ ،‬وإذن فالحل‬ ‫المنتظر هو أن تواصل القوتان الأكبر التوافق حتى تستقر ثقافة الديموقراطية فيصبح‬ ‫التداول بينهما ممكنا مع الرديف الوسطي ككل الأنظمة الديموقراطية‪.‬‬ ‫وبذلك يكون المنتظر في تطور القوى السياسية في تونس هو عكس ما حدث بعيد الثورة‬ ‫أعني العودة إلى توحيد القوى السياسية بدل تفتيتها‪ .‬وبخلاف ما يوهم به الكثير من‬ ‫المحللين فإني اعتقد أن تشكيل الحكومة ليس عسيرا بل هو يسير إذا فهمت القوتان‬ ‫الكبريان ما دعوت إليه منذ انتخابات ‪ 2011‬أي التحالف الاستراتيجي بين البورقيبية‬ ‫والثعالبية حتى تصل تونس إلى بر الأمان وتصبح قادرة بفضل ترسيخ الثقافة‬ ‫الديموقراطية على التداول السلمي بينهما كما يحدث في كل البلاد الديموقراطية بين‪:‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪240‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ .1‬يمين اليسار (الحركة الثعالبية إذ ذلك هو جوهر سياسة الإسلام التي تنبني على عدل‬ ‫التوزيع دون الضرر بإنتاج الثروة والتراث)‬ ‫‪ .2‬ويسار اليمين (الحركة البورقيبية إذ ذلك هو جوهر الليبرالية العلمانية التي هي‬ ‫رأسمالية حداثية)‪:‬‬ ‫إذ‪:‬‬ ‫• لا بد أن يلتئم صف الحزب البورقيبي الذي كان حل حزبه خطأ استراتيجيا لم تكن‬ ‫النهضة مسؤولة عنه لأنه تم قبل أن تنظم صفها وتشارك في الحكم‪.‬‬ ‫• ولا بد أن يتجنب صف الحزب الثعالبي ما بدأ يسري إليه من تفتت بتعدد من يتكلم‬ ‫باسم الحزب الثعالبي وهو خطر قائم لأن المتكلمين باسم الاصالة والاستقلال يزايدون على‬ ‫النهضة‪.‬‬ ‫هذا ما تفرضه النظرية‪.‬‬ ‫والممارسة قد تختلف عنها بعض الاختلاف‪.‬‬ ‫لكن النظرية هي التي تغلب في النهاية‪ .‬وقد توقعت أن يحصل ذلك لأن تونس لا يمكن‬ ‫أن تستقر من دون العمل بمقتضى ما تفرضه طبائع الأشياء إذ إن القوتين السياسيتين‬ ‫اللتين شاركتا في التحرير هما اللتان ينبغي أن تشاركا في استكماله وتحقيق شروط التحرر‪.‬‬ ‫ولما كنت أعتقد أنه لا يمكن للممارسة مهما حادت عن النظرية أن تتنافى معها بصورة‬ ‫مطلقة فإني واثق من أنها ستجري بمقتضى سنن التاريخ وطبائع السياسة عندما يصبح‬ ‫للناخبين الدور الرئيس في تعيين من ينوبهم في تسيير أمرها تحت رقابتها الدائمة ومحاسبتها‬ ‫الدورية لنوابها في إدارة شأنها الاقتصادي والثقافي أي نوعي القيم التي من دونها لا يمكن‬ ‫تصور حياة جماعية لشعب حر يحكم نفسه بنفسه وإن بنواب يختارهم لثقة فيهم من حيث‬ ‫الكفاءة والأخلاق وخاصة إذا كان الانتخاب على الأشخاص وليس على القوائم‪:‬‬ ‫• القيم الاقتصادية شرطا في سد حاجات كيانها العضوي‪.‬‬ ‫• القيم الثقافية شرطا في سد حاجات كيانها الروحي‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪241‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪242‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ليس من عادتي التعليق على الأشخاص رغم بلوغ الاستفزاز مبلغا لا يطاق‪ .‬وعادة ما‬ ‫أتجنب التعليق المباشر رغم أني اضطررت هذه المرة فعلقت‪ .‬واعتذر عن ذلك إذ قد يبدو‬ ‫من التنابز بالألقاب عند التشخيص‪ .‬لذلك بسبب ما في أقوالهم من احتقار للشعب لن أعلق‬ ‫عليهم لذواتهم بل لكونهم عينة من مرض ينبغي تشخيصه ومحاولة تعليله طلبا لعلاجه‪.‬‬ ‫فمحتقرو الشعب مهما قلنا فيهم يبقون منه‪ .‬والظاهرة التي أكتب هذا التعليق بمناسبتها‬ ‫تجلت في تعينين‪:‬‬ ‫الأول يشمل احتقار بعض الإعلاميين لمن صوتوا للنهضة فاعتبروهم من أجل ذلك قطيعا‬ ‫شعبيا بسبب عداوة متهميهم لما يتصورونه حصريا علة تصويتهم أي التخلف الثقافي‪.‬‬ ‫الثاني يشمل احتقار بعد المفاخرين بأخلاق الجنوب والمباهين بنبز من صوتوا للقروي‬ ‫فاعتبروهم من اجل ذلك قطيعا جهويا بسبب تعالي متهميهم لما يتصورونه حصريا علة‬ ‫تصويتهم أي الدناءة الخلقية أو الطمع في سد الحاجة المادية‪.‬‬ ‫ويؤسفني أن أقول لهؤلاء إن من يعلق على تقدم حزب قلب تونس في الشمال الغربي لا‬ ‫يقل دناءة عمن يعلق على تقدم حزب النهضة في تونس كلها‪ .‬كلاهما يسقط تصورين‬ ‫زائفين لذاته على غيره ويعبر عن جهل بفهم ما يجري في الظاهرتين ما يعني أنه ليس أهلا‬ ‫لأن يعلق على أعماق السلوك الشعبي ودوافعه النبيلة التي غابت عن فكره الضيق وقليل‬ ‫النفاذ‪.‬‬ ‫ولأبدأ بمن يعتبر المصوتين للنهضة قطيعا بسبب الأمية الثقافية التي يصفهم بها متصورا‬ ‫ذاته ذات ثقافة عالية‪ .‬لكنه في الحقيقة لم يعبر بهذه التهمة إلا على ظاهرة إسقاطه‬ ‫لحقيقته وحقيقة من يمثلهم من نخبة تونس التابعة اسقاطها على من يصفهم بالقطيع‪ .‬فهو‬ ‫يتكلم باسم قطيع راعيه المقيم العام الفرنسي وأسقط صفة القطيع على ناخبي النهضة‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪243‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫متصورا علاقتهم بمشروعها من جنس علاقته بمشروع المقيم العام الذي “يرعاهم” رعاية‬ ‫\"السارح\" في تونس لقطيعه التابع معانقاته من \"دمى\" الاعلام الذين يعتقدون أن تعلمهن‬ ‫الفرنسية علامة ثقافة عالية وهي لم تبق معبرة إلا على تبعية الأميين أمثالهم‪.‬‬ ‫وحقيقة موقفهم القطيعي هي أنهم استبطنوا احتقار المستعمر لهم وللتخفيف من عقدهم‬ ‫أسقطوها على الذين صوتوا للنهضة لجهلهم بالعلل الاخرى التي لا يستطيعون لها فهما‬ ‫لأنهم ربوا على الذل والخضوع لراعيهم الاستعماري‪ .‬وسأحاول بيان هذه العلل بإيجاز‪.‬‬ ‫فمن صوتوا للنهضة ليسوا قطيعا وليسوا أميين إذ أن نخبهم من أفضل نخب تونس وهم‬ ‫على اتصال بكل ثقافات العالم بخلاف من لا يرون منه إلا التبعية الى الفرنكفونية‪ .‬لذلك‬ ‫فالأمية ابعد غورا في متهميهم بها‪ .‬فهؤلاء المباهون بالفرنكفونية ما يزالون قطيعا يرعاه‬ ‫المقيم العام وأمتيهم أكثر انتشارا فيهم منها عند النهضويين في كل المستويات الاجتماعية‬ ‫مع العلم أن الأمية في أجيال تونس السابقة هي أكثر الاشياء مقسومة بالعدل بين طبقاتها‪.‬‬ ‫ولأثني بمن يعتبر المصوتين للقروي قطيع الحاجة المادية بسبب نذالة خلقية يتصف بها‬ ‫أهل الشمال الغربي حسب رأيهم‪ .‬فبهذه الصفة يسقط من يرى هذا الرأي حقيقته ممن‬ ‫يدعون التأفف عن الحاجة المادية وهم عبيدها لكن أهل الجنوب براء من اتهام اخوتهم في‬ ‫الشمال‪ .‬ومن ثم فلا شيء يثبت أن من يرعى هؤلاء الناطقين باسم الجنوب ليسوا ربما‬ ‫أفسد من راعي القطيع الذي يتهمون به الشمال الغربي من حيث استتباعهم بالحاجة‬ ‫المادية‪.‬‬ ‫لذلك فينبغي أن نبحث في الظاهرتين اللتين أفرزتهما الانتخابات‪ .‬وأستطيع القول إنها‬ ‫قد آذنت بنهايتهما لأن الإعلام التابع والأحكام المسبقة باتهام الشعب أو جهات من الوطن‬ ‫بالتخلف الثقافي أو بالدناءة الخلقية هما جوهر التخلف الثقافي والدناءة الخلقية وكلاهما‬ ‫سيسقط بعد أن عبر الشعب عن رأيه بصورة تحدد المشروعين اللذين يريدهما وينتظر‬ ‫تحقيقهما حتى لو كان بعض الواعدين بتحقيقهما غير قادرين على انجاز وعودهم‪:‬‬ ‫• ما الذي يجعل البعض يتحولون إلى \"قطيع\" بدافع ثقافي؟‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪244‬‬ ‫الأسماء والبيان‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook