Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore شرح رياض الصالحين المائة الثالثة

شرح رياض الصالحين المائة الثالثة

Published by مكتبة(ورتل) الإلكترونيه, 2021-04-19 18:39:06

Description: شرح رياض الصالحين المائة الثالثة

Search

Read the Text Version

‫الحديث الثالث والخمسون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي عباس سهل بن سعد السا ِع ِد ِّي رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬م َّر َر ُجلٌ َع َلى ال َّنب ّي‬ ‫صلى الله عليه وسلم َف َقالَ ل َر ُج ٍل ِع ْن َدهُ َجالِ ٌس‪َ (( :‬ما َرأ ُي َك في َه َذا؟))‪َ ،‬ف َقالَ‪َ :‬ر ُجلٌ‬ ‫ِم ْن أ ْش َرا ِف ال َّنا ِس‪َ ،‬ه َذا واللهِ َح ِر ٌّي إ ْن َخ َط َب أ ْن ُي ْن َك َح‪َ ،‬وإ ْن َش َف َع أ ْن ُي َش َّف َع‪.‬‬ ‫َف َس َك َت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ُث َّم َم َّر َر ُجلٌ آ َخ ُر‪َ ،‬ف َقالَ َل ُه رسولُ الله‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪َ (( :‬ما َرأ ُي َك في َه َذا؟)) َف َقالَ‪َ :‬يا َر ُسولَ الله‪َ ،‬ه َذا َر ُجلٌ ِم ْن‬ ‫فُ َقرا ِء ال ُم ْسلِ ِمي َن‪َ ،‬ه َذا َح ِر ٌّي إ ْن َخ َط َب أ ْن لا ُي ْن َك َح‪َ ،‬وإ ْن َش َف َع أ ْن لا ُي َش َّف َع‪َ ،‬وإ ْن‬ ‫َقالَ أ ْن لا ُي ْس َم َع لِ َقولِ ِه‪َ .‬ف َقالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪َ )) :‬ه َذا َخ ْي ٌر ِم ْن‬ ‫ِمل ِء الأ ْر ِض ِم ْثلَ َه َذا((‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه‪ ،‬قال‪ :‬مر رجل عند رسول الله صلى‬ ‫الله عليه وسلم‪ ،‬فقال لرجل عنده جالس‪( :‬ما رأيك في هذا؟) فقال رجل من‬ ‫أشراف الناس‪ ،‬هذا والله حري إن خطب أن ُينكح يعني‪ :‬أن ُيزوج‪ ،‬الناس‬ ‫يتسابقون على تزويجه‪ ،‬والقرب منه‬ ‫(وإن َش َفع أن ُيش َّفع) ُيح َّقق له ما يريد‪ ،‬إذا توسط لإنسان قبلت وساطته‬ ‫فسكت رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم مر رجل آخر‪ ،‬فقال له رسول الله‬ ‫صلي الله عليه وسلم ‪( :‬ما رأيك في هذا؟) فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬هذا رجل من‬ ‫فقراء المسلمين‪ ،‬هذا حري إن خطب أن لا ينكح‪ ،‬وإن شفع أن لا يشفع‪ ،‬وإن‬ ‫قال أن لا يسمع لقوله ‪ .‬فهذان رجًلن أحدهما من أشراف القوم‪ ،‬وممن له كلمة‬ ‫فيهم‪ ،‬وممن يجاب إذا خطب‪ ،‬ويسمع إذا قال‪ ،‬والثاني بالعكس‪ ،‬رجل من‬ ‫ضعفاء الناس ليس له قيمة‪ ،‬إن خطب فًل يجاب‪ ،‬وإن شفع فًل يشفع‪ ،‬وإن قال‬ ‫فًل يسمع‪.‬‬

‫فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم‪( :‬هذا خير من ملء الأرض مثل هذا) هذا‪:‬‬ ‫يعني هذا الفقير الذي إذا خطب ما يزوج‪ ،‬وإذا شفع لا يشفع‪ ،‬وإذا تكلم لم‬ ‫يسمع‪ ،‬خير من ملء الأرض من هذا‬ ‫أي‪ :‬خير عند الله عز وجل من ملء الأرض من مثل هذا الرجل الذي له شرف‬ ‫وجاه في قومه؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى الشرف‪ ،‬والجاه‪ ،‬والنسب‪،‬‬ ‫والمال‪ ،‬والصورة‪ ،‬وإنما ينظر إلى القلب والعمل‪ ،‬فإذا صلح القلب فيما بينه‬ ‫وبين الله عز وجل‪ ،‬وأناب إلى الله‪ ،‬وصار ذاكراا لله تعالى خائفاا منه‪ ،‬مخبتاا‬ ‫إليه‪ ،‬عامًلا بما يرضي الله عز وجل‪ ،‬فهذا هو الكريم عند الله‪ ،‬وهذا هو الوجيه‬ ‫عنده‪ ،‬وهذا هو الذي لوأقسم على الله لأبره‪.‬‬ ‫فالمقياس الحقيقي‪ ،‬الميزان الذي يوزن به الناس‪ ،‬هو التقوى‪ ،‬تقوى الله (إِ َّن‬ ‫أَ ْك َر َم ُك ْم ِعن َد ال َّل ِه أَ ْت َقا ُك ْم) [الحجرات‪ ،]13 :‬التقي هو الأكرم‪ ،‬والأفضل‪،‬‬ ‫والأشرف‪ ،‬وكلما قلت تقوى الله في قلب العبد كلما قلت منزلته‪ ،‬وإنما يتفاوت‬ ‫الناس حقيقة بمثل هذا‬ ‫فيؤخذ من هذا فائدة عظيمة وهي أن الرجل قد يكون ذا منزلة عالية في الدنيا‪،‬‬ ‫ولكنه ليس له قدر عند الله‪ ،‬وقد يكون في الدنيا ذا مرتبة منحطة وليس له‬ ‫قيمة عند الناس وهو عند الله خير من كثير ممن سواه‬

‫الحديث الرابع والخمسون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪:‬‬ ‫((ا ْح َت َّج ِت ال َج َّن ُة وال َّنا ُر‪ ،‬فقال ِت ال َّنا ُر‪ِ :‬ف َّي ال َج َّبا ُرو َن َوال ُم َت َك ِّب ُرو َن‪َ .‬و َقال ِت ال َج َّن ُة‪:‬‬ ‫فِ َّي ُض َع َفا ُء ال َّنا ِس َو َم َسا ِكي ُن ُه ْم‪َ ،‬ف َق َضى اللهُ َب ْي َن ُه َما‪ :‬إ َّن ِك ال َج َّن ُة َر ْح َمتِي أ ْر َح ُم ِب ِك‬ ‫َم ْن أ َشا ُء‪َ ،‬وإ َّن ِك ال َّنا ُر َع َذا ِبي أُ َع ِّذ ُب بِ ِك َم ْن أ َشا ُء‪َ ،‬ولِك َل ْي ُك َما َع َل َّي ِم ْل ُؤ َها))‬ ‫(رواه مسلم)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫((احتجت الجنة والنار)) يعني‪ :‬تحاجا وتخاصما فيما بينهما‪ ،‬كل واحدة تدلي‬ ‫بحجتها‪ ،‬وهذا من الأمور الغيبية التي يجب علينا أن نؤمن بها حتى وإن‬ ‫استبعدتها العقول‪ ،‬وهو على ظاهره‪ ،‬فإن الله قد يخلق في هذه المخلوقات‬ ‫إدراكاا يليق بها ويناسبها كما قال الله للسموات والأرض‪ِ { :‬ا ْئ ِت َيا َط ْو اعا َأ ْو َك ْر اها‬ ‫َقالَ َتا أَ َت ْي َنا َطائِ ِعي َن} [فصلت‪]11:‬‬ ‫(فقالت النار‪ :‬ف ّي الجبارون‪ ،‬والمتكبرون) فالنار احتجت بأن فيها الجبارين‬ ‫والمتكبرين‬ ‫الجبارون‪ :‬أصحاب الغلظة والقسوة أي‪ :‬العظماء الذين ُيجبرون الناس‪ ،‬هذا‬ ‫أصله من الجبار أي‪ :‬الذين ُيجبرون الناس‪ ،‬الذين يقهرون الناس ويغلبونهم‬ ‫على ما أرادوا منهم‬ ‫والمتكبرون‪ ،‬وهم المتعاظمون أصحاب الترفع والعلو‪ ،‬والذين يغمطون الناس‬ ‫ويردون الحق‪ ،‬كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الكبر‪(( :‬إنه بطر الحق‬ ‫وغمط الناس)) والكبر من صفات أصحاب النار‪ ،‬والنبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫أخبر أنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر‬

‫فأهل الجبروت وأهل الكبرياء هم أهل النار ‪ ،‬وربما يكون صاحب النار لين‬ ‫الجانب للناس‪ ،‬حسن الأخًلق‪ ،‬لكنه جبار بالنسبة للحق‪ ،‬مستكبر عن الحق‪ ،‬فًل‬ ‫ينفعه لينه وعطفه على الناس‪ ،‬بل هو موصوف بالجبروت والكبرياء ولو كان‬ ‫لين الجانب للناس؛ لأنه تجبر واستكبر عن الحق‬ ‫أما الجنة فقالت‪ :‬إن فيها ضعفاء الناس وفقراء الناس‪ .‬فهم في الغالب الذين‬ ‫يلينون للحق وينقادون له‪ ،‬وأما أهل الكبرياء والجبروت؛ ففي الغالب أنهم لا‬ ‫ينقادون‬ ‫وهذا باعتبار الأغلب‪ ،‬وإلا فالنار فيها من الضعفاء‪ ،‬كما قال الله ‪-‬تبارك وتعالى‪:‬‬ ‫{ َو َب َر ُزو ْا لِ ّلهِ َج ِمي اعا َف َقالَ ال ُّض َع َفاء لِ َّل ِذي َن ا ْس َت ْك َب ُرو ْا إِ َّنا ُك َّنا َل ُك ْم َت َب اعا َف َهلْ أَن ُتم‬ ‫ُّم ْغ ُنو َن َع َّنا ِم ْن َع َذا ِب ال ّل ِه ِمن َش ْي ٍء} (إبراهيم‪(21:‬‬ ‫فالنار فيها الكبراء‪ ،‬وفيها الفقراء‪ ،‬والضعفاء‪ ،‬والأتباع‪ ،‬وكذلك الجنة فيها‬ ‫أغنياء‪ ،‬وفيها من القادة‪ ،‬والعظماء‬ ‫فقضى الله عز وجل بينهما فقال‪(( :‬إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء)) وقال‬ ‫للنار‪(( :‬إنك النار عذابي أعذب بك من أشاء))‬ ‫إنك الجنة رحمتي‪ :‬يعني أنها الدار التي نشأت من رحمة الله‪ ،‬وليست رحمته‬ ‫التي هي صفته؛ لأن رحمته التي هي صفته وصف قائم به‪ ،‬لكن الرحمة هنا‬ ‫مخلوق‪ ،‬أنت رحمتي يعني خلقتك برحمتي‪ ،‬أرحم بك من أشاء‬ ‫وقال للنار أنت عذابي أعذب بك من أشاء كقوله تعالى‪ُ ( :‬ي َع ِّذ ُب َم ْن َي َشا ُء َو َي ْر َح ُم‬ ‫َم ْن َي َشا ُء) [العنكبوت‪ ]21 :‬فأهل الجنة هم أهل رحمة الله وأهل النار هم أهل‬ ‫عذاب الله‪.‬‬ ‫ثم قال عز وجل‪(( :‬ولكليكما عل َّي ملؤها)) تكفل عز وجل وأوجب على نفسه أن‬ ‫يملأ الجنة ويملأ النار‪ ،‬وفضل الله سبحانه وتعالى ورحمته أوسع من غضبه‬

‫فإنه إذا كان يوم القيامة ألقى من يلقى في النار‪ ،‬وهي تقول هل من مزيد‪ ،‬يعني‬ ‫أعطوني‪ .‬أعطوني‪ .‬زيدوا‪ .‬فيضع الله عليها رجله‪ ،‬وفي لفظ عليها قدمه‪،‬‬ ‫فينزوي بعضها على بعض‪ ،‬ينضم بعضها إلى بعض من أثر وضع الرب عز‬ ‫وجل عليها قدمه‪ ،‬وتقول‪ :‬قط قط‪ ،‬يعني‪ :‬كفاية كفاية‪ ،‬وهذا ملؤها‪.‬‬ ‫أما الجنة فإن الجنة واسعة‪ ،‬عرضها ال َّس َم َوا ِت والأرض يدخلها أهلها ويبقى‬ ‫فيها فضل زائد على أهلها‪ ،‬فينشى الله تعالى لها أقواماا فيدخلهم الجنة بفضله‬ ‫ورحمته؛ لأن الله تكفل لها بملئها‪.‬‬ ‫ففي هذا دليل على أن الفقراء والضعفاء هم أهل الجنة؛ لأنهم في الغالب هم‬ ‫الذين ينقادون للحق‪ ،‬وأن الجبارين المتكبرين هم أهل النار ؛ لأنهم مستكبرون‬ ‫على الحق وجبارون‪ .‬لا تلين قلوبهم لذكر الله‪ ،‬ولا لعباد الله‬ ‫والغرض من إيراد هذا الحديث في هذا الباب‪ :‬أن الإنسان لا يحتقر ضعفاء‬ ‫الناس‪ ،‬فأكثر أهل الجنة الضعفاء‪ ،‬وأكثر أتباع الرسل من الضعفاء‪.‬‬

‫الحديث الخامس والخمسون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي هريرة رضي الله عنه عن َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم َقالَ‪(( :‬إ َّن ُه‬ ‫َل َيأ ِتي ال َّر ُجلُ ال َع ِظي ُم ال َّس ِمي ُن َي ْو َم ال ِق َيا َم ِة لا َي ِز ُن ِع ْن َد اللهِ َجنا َح َب ُعو َض ٍة))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫((إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة))‬ ‫ذكر المؤلف هذا الحديث في باب المستضعفين والفقراء من المسلمين‪ ،‬وذلك‬ ‫لأن الغالب أن السمنة إنما تأتي من البطنة أي‪ :‬من كثرة الأكل‪ ،‬وكثرة الأكل‬ ‫تدل على كثرة المال والغنى‬ ‫والغالب على الأغنياء البطر والأشر وكفر النعمة‪ ،‬حتى إنهم يوم القيامة‬ ‫يكونون بهذه المثابة‪ ،‬يؤتى بالرجل العظيم السمين يعني كثير اللحم‬ ‫والشحم‪.‬عظيم كبير الجسم لا يزن عند الله يوم القيامة جناح بعوضة‪،‬‬ ‫والبعوضة من أشد الحشرات امتهاناا وأضعفها‪ ،‬وجناحها كذلك‬ ‫وفي هذا الحديث إثبات الوزن يوم القيامة‪ ،‬وقد دل على ذلك كتاب الله عز‬ ‫وجل‪ ،‬قال الله تعالى‪َ ( :‬و َن َض ُع ا ْل َم َوا ِزي َن ا ْلقِ ْس َط لِ َي ْو ِم ا ْل ِق َيا َم ِة َفًل ُت ْظ َل ُم َن ْف ٌس َش ْيئاا‬ ‫َوإِ ْن َكا َن ِم ْث َقالَ َح َّب ٍة ِم ْن َخ ْر َد ٍل أَ َت ْي َنا ِب َها َو َك َفى ِب َنا َحا ِسبِي َن) (الانبياء‪)٤7 :‬‬ ‫وقال النبي صلى الله عليه وسلم‪(( :‬اتقوا النار ولو بشق تمرة)) فالوزن يوم‬ ‫القيامة وزن عدل ليس فيه ظلم‪ ،‬يجازى فيه الإنسان على حسب ما عنده من‬ ‫الحسنات والسيئات‬ ‫قال أهل العلم‪ :‬فمن رجحت حسناته على سيئاته فهو من أهل الجنة‪ ،‬ومن‬ ‫رجحت سيئات على حسناته استحق أن يعذب في النار‪ ،‬ومن تساوت حسناته‬

‫وسيئاته كان من أهل االأعراف‪ ،‬الذين يكونون بين الجنة والنار لمدة‪ ،‬على‬ ‫حسب ما يشاء الله عز وجل‪ ،‬وفي النهاية يدخلون الجنة‪.‬‬ ‫ثم إن الوزن حسي بميزان له كفتان‪ ،‬توضع في إحداهما السيئات وفي الأخرى‬ ‫الحسنات‪ ،‬وتثقل الحسنات‪ ،‬وتخف السيئات إذا كانت الحسنات أكثر‪ ،‬والعكس‬ ‫بالعكس‬ ‫ما الذي يوزن؟ ظاهر هذا الحديث أن الذي يوزن الإنسان‪ ،‬وأنه يخف ويثقل‬ ‫بحسب أعماله‪.‬‬ ‫وقال بعض العلماء‪ :‬بل الذي يوزن صحائف الأعمال‪ ،‬توضع صحائف السيئات‬ ‫في كفة‪ ،‬وصحائف الحسنات في كفة‪ ،‬وما رجح فالعمل عليه‪.‬‬ ‫وقيل‪ :‬بل الذي يوزن العمل؛ لأن الله تعالى قال‪َ ( :‬ف َم ْن َي ْع َملْ ِم ْث َقالَ َذ َّر ٍة َخ ْيراا‬ ‫َي َرهُ) [الزلزلة‪ ]7 :‬فجعل الوزن للعمل‬ ‫وقال النبي صلى الله عليه وسلم‪(( :‬كلمتان خفيفتان على اللسان‪ ،‬ثقيلتان في‬ ‫الميزان‪ ،‬حبيبتان إلى الرحمن‪ :‬سبحان الله وبحمده‪ ،‬سبحان الله العظيم))‬ ‫فقوله صلى الله عليه وسلم‪ :‬كلمتان ثقيلتان في الميزان يدل على أن الذي يوزن‬ ‫هو العمل‪ ،‬وهذا هو ظاهر القرآن الكريم وظاهر السنة‪ ،‬وربما يوزن هذا وهذا‪،‬‬ ‫أي توزن الأعمال وتوزن صحائف الأعمال‪.‬‬ ‫وفي الحدي ِث التحذير من كون الإنسان لا يهتم إلا بنفسه أي بتنعيم جسده‪،‬‬ ‫والذي ينبغي للعاقل أن يهتم بتنعيم قلبه‪ ،‬ونعيم قلب الإنسان بالفطرة وهي‬ ‫التزام دين الله عز وجل‪ ،‬وإذا نعم القلب نعم البدن وليس العكس فقد ينعم البدن‬ ‫ويؤتى الإنسان من الدنيا ما يؤتى من زهرتها‪ ،‬ولكن قلبه في جحيم‬

‫الحديث السادس والخمسون بعد المائتين‬ ‫عن أبي ُهرير َة َر ِضي اللهُ َع ْن ُه ‪ :‬أ َّن ا ْم َرأَ اة َس ْو َدا َء َكا َن ْت َتقُ ُّم ال َم ْس ِج َد‪ ،‬أَ ْو َشا اّبا‪،‬‬ ‫َف َف َق َد َها‪َ ،‬أ ْو َف َق َد ُه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‪َ ،‬ف َسأَلَ َع ْن َها‪ ،‬أو عنه‪ ،‬فقالوا‪:‬‬ ‫َما َت‪َ .‬قالَ‪(( :‬أَ َفًل ُك ْن ُت ْم آ َذ ْن ُت ُمونِي ِب ِه)) َف َكأ َّن ُه ْم َص َّغ ُروا أ ْم َر َها‪َ ،‬أ ْو أ ْمر ُه‪َ ،‬ف َقالَ‪:‬‬ ‫(( ُدلُّو ِني َع َلى َق ْب ِر ِه أو َق ْب ِر َها)) َف َدلُّو ُه َف َص َّلى َع َل ْي َها‪ُ ،‬ث َّم َقالَ‪(( :‬إ َّن ه ِذ ِه القُ ُبو َر‬ ‫َم ْملُوءةٌ ُظ ْل َم اة َع َلى أ ْهلِ َها‪َ ،‬وإ َّن الل َه تعالى ُي َن ِّو ُر َها َل ُه ْم ِب َصًلتِي َعلَ ْي ِه ْم))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه(‬ ‫شرح الحديث‬ ‫((تقم)) أي تكنس‬ ‫((والقمامة)) الكناسة‬ ‫((وآذنتموني)) أي أعلمتموني‪.‬‬ ‫(أن امرأة سوداء كان تقم المسجد أو شابااّ) ‪ ،‬وأكثر الروايات على أنها امرأة‬ ‫سوداء‪ ،‬يعني ليست من نساء العرب كانت تقم المسجد‪ :‬يعني تنظفه وتزيل‬ ‫القمامة‪ ،‬فماتت في الليل فصغر الصحابة رضي الله عنهم شأنها‪ ،‬وقالوا‪ :‬لا‬ ‫حاجة إلى أن نخبر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الليل‪ ،‬ثم خرجوا بها‬ ‫فدفنوها‬ ‫ففقدها النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا‪ :‬إنها ماتت فقال‪(( :‬أفًل كنتم‬ ‫آذنتموني)) يعني أعلمتموني حين ماتت‪ ،‬ثم قال‪(( :‬دلوني على قبرها)) فدلوه‪،‬‬ ‫فصلى عليها‪ ،‬ثم قال صلى الله عليه وسلم‪(( :‬إن هذه القبور مملوءة ظلمة على‬ ‫أهلها‪ ،‬وإن الله ينورها لهم بصًلتي عليهم))‬

‫وهذا يدل على أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يتفقد الجميع‪ ،‬حتى الضعفاء‬ ‫الذين لا شأن لهم في نظر الكثيرين‪ ،‬امرأة كانت تقم المسجد‪ ،.‬فالنبي صلي الله‬ ‫عليه وسلم لم يتركها بل سأل عنها وعاتبهم‪ ،‬وقال‪ :‬دلوني على قبرها‪ ،‬كل ذلك‬ ‫اهتماماا بهذه المرأة التي كانت تقم المسجد‬ ‫وهذا يدل على كمال رحمته صلي الله عليه وسلم وشفقته وتواضعه‪ ،‬فإن‬ ‫المتكبر لا يفعل مثل هذا‪ ،‬ولا يسأل عمن لا شأن لهم‪ ،‬ولا مكانة‪ ،‬ولا منزلة‪ ،‬بل‬ ‫يحتقرهم‪ ،‬ولا ينظر إليهم‪ ،‬ولا يسلم عليهم‪.‬‬ ‫قوله صلي الله عليه وسلم‪( :‬دلوني على قبرها) لماذا؟ من أجل الصًلة عليها‪،‬‬ ‫وهذا يدل على أن الإنسان الذي فاتته الصًلة على الميت يمكن أن يصلي على‬ ‫قبره بعد الدفن‪ ،‬ولا إشكال في هذا‪ ،‬مع أن الصًلة في المقبرة ممنوعة‪ ،‬لكن‬ ‫لهذا المعنى‪ ،‬فيكون ذلك لعذر‬ ‫وفي الحدي ِث عدة فوائد‪:‬‬ ‫منها أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما يعظم الناس بحسب أعمالهم‪ ،‬وما قاموا‬ ‫به من طاعة الله وعبادته‪.‬‬ ‫ومن الفوائد جواز تولي المرأة لتنظيف المسجد‪ ،‬وأنه لا يحجر ذلك على‬ ‫الرجال فقط؛ بل كل من احتسب ونظف المسجد فله أجره؛ سواء باشرته‬ ‫المرأة‪ ،‬أو استأجرت من يقم المسجد على حسابها‪.‬‬ ‫ومنها ‪ :‬مشروعية تنظيف المساجد‪ ،‬وإزالة القمامة عنها‪ ،‬وقد قال النبي صلى‬ ‫الله عليه وسلم‪(( :‬عرضت عل ّي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من‬ ‫المسجد)) ‪ ،‬القذاة‪ :‬الشيء الصغير‪ ،‬يخرجه الرجل من المسجد فإنه يؤجر‬ ‫عليه‪.‬‬

‫ومن الفوائد مشروعية الصًلة على القبر لمن لم يصل عليه قبل الدفن؛ لأن‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم خرج فصلى على القبر حيث لم يصلّ عليها قبل‬ ‫الدفن‬ ‫فإذا قال قائل‪ :‬إذا صليت على القبر فأين أقف؟ فالجواب أنك تقف وراءه تجعله‬ ‫بينك وبين القبلة‪ ،‬كما هو الشأن فيما إذا صليت عليه قبل الدفن‪.‬‬ ‫ومن الفوائد ‪ :‬حسن رعاية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته‪ ،‬وأنه كان يتفقدهم‬ ‫ويسأل عنهم‪ ،‬فًل يشتغل بالكبير عن الصغير؛ كل ما يهم المسلمين فإنه يسأل‬ ‫عنه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫وفي هذا الحديث‪ :‬أ ّن القبور لا ينورها إلا الأعمال الصالحة‪ ،‬أو الشفاعة‬ ‫المقبولة‬

‫الحديث السابع والخمسون بعد المائتين‬ ‫عن أبي ُهرير َة َر ِضي اللهُ َع ْن ُه قالَ ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪ُ (( :‬ر َّب‬ ‫أ ْش َع َث أَغب َر َم ْدفُو ٍع بالأ ْبوا ِب َل ْو أ ْق َس َم َعلَى اللهِ لأَ َب َّر ُه))‬ ‫(رواه مسلم)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫((رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره)) الأشعث هو‪ :‬الذي‬ ‫قد تفرق شعره‪ ،‬ولم ير ِّجله‪ ،‬فصار شعره منتفشاا‪ ،‬غير مهذب‪ ،‬ولا مرتب‪ ،‬ولا‬ ‫مر َّجل‪ .‬فال َّش َعث يكون في شعر الرأس‬ ‫( أغبر) يعني أغبر اللون‪ ،‬أغبر الثياب‪ ،‬وذلك لشدة فقره‪ .‬لا يهتم بمظهره‪،‬فهذا‬ ‫الإنسان يظهر عليه الضعف‪ ،‬ويظهر عليه الرثاثة‪ ،‬وليس له هيئة‪ ،‬ولا لباس‬ ‫حسن‪ ،‬ولا مظهر حسن‪ ،‬وإنما يحتقره الناس ويزدرونه؛ لربما لما يظهر عليه‬ ‫من آثار الفقر‪ ،‬والضعف‪ ،‬والمسكنة‪.‬‬ ‫(مدفوع بالأبواب) ‪ :‬يعني ليس له جاه‪ ،‬إذا جاء إلى الناس يستأذن لا يأذنون‬ ‫له‪ ،‬بل يدفعونه بالباب؛ لأنه ليس له قيمة عند الناس لكن له قيمة عند رب‬ ‫العالمين ‪ ،‬وقيل مدفوع عن أبواب الملوك والأمراء لحقارة قدره عندهم‬ ‫فهذه كأنها نتيجة لما ذكر؛ لأن الناس إذا رأوا الإنسان بهذه الهيئة‪ ،‬أشعث‬ ‫أغبر‪ ،‬انقبضوا منه ولم يحفلوا به إطًلقاا‪ ،‬فمدفوع بالأبواب بمعنى‪ :‬أنه لا‬ ‫ُيستقبل‪ ،‬وليس له منزلة‪ ،‬وليس له مكانة وشأن في نفوس الناس‪ ،‬مدفوع‬ ‫بالأبواب‪ ،‬لا قيمة له عندهم‪.‬‬ ‫( لو أقسم على الله لأبره) لو حلف يمي انا بحصول أمر طم اعا في كرم الله لأبره‪،‬‬ ‫إكرا اما له بإجابة سؤاله‪ ،‬وصيانته من الحنث في يمينه ‪ ،‬فلو قال‪ :‬والله لا يكون‬

‫كذا لم يكن‪ ،‬والله ليكونن كذا لكان‪ .‬لو أقسم على الله لأبره‪ ،‬لكرمه عند الله عز‬ ‫وجل ومنزلته‪.‬‬ ‫فبأي شيء يحصل هذا؟ فربما يكون رجل أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم‬ ‫على الله ما أبره‪ ،‬ورب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لوأقسم على الله لأبره‪ .‬فما‬ ‫هو الميزان؟ الميزان تقوى الله عز وجل‪ ،‬كما قال الله تعالى‪( :‬إِ َّن أَ ْك َر َم ُك ْم ِع ْن َد‬ ‫ال َّل ِه أَ ْت َقا ُك ْم) [الحجرات‪ ، ]13 :‬فمن كان أتقى لله فهو أكرم عند الله‪ ،‬ييسر الله له‬ ‫الأمر‪ ،‬يجيب دعاءه‪ ،‬ويكشف ضره‪ ،‬ويبر قسمه‪.‬‬ ‫وهذا الذي أقسم على الله لن يقسم بظلم لأحد‪ ،‬ولن يجترئ على الله في ملكه‪،‬‬ ‫ولكنه يقسم على الله فيما يرضي الله ثقة بالله عز وجل‪ ،‬أو في أمور مباحة ثقة‬ ‫بالله عز وجل‬ ‫أما من أقسم على الله تألياا على الله‪ ،‬واستكباراا على عباد الله‪ ،‬وإعجاباا بنفسه‬ ‫فهذا لا يبر الله قسمه؛ لأنه ظالم‬ ‫ومن ذلك قصة الرجل العابد الذي كان يمر برجل مسرف على نفسه‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫والله لا يغفر الله لفًلن‪ ،‬أقسم أن الله لا يغفر له‪ ،‬لماذا يقسم؟ هل المغفرة بيده؟‬ ‫هل الرحمة بيده؟ فقال الله جل وعًل‪(( :‬من ذا الذي يتألى عل ّي أن لا أغفر‬ ‫لفًلن؟)) استفهام وإنكار ((فإني قد غفرت له وأحبطت عملك)) لم يبر الله‬ ‫بقسمه‪ ،‬بل أحبط عمله‪ ،‬لأنه قال ذلك إعجاباا بعمله‪ ،‬وإعجاباا بنفسه‪ ،‬واستكباراا‬ ‫على عباد الله عز وجل‬ ‫فمنزلة الإنسان بما يحمله من التقوى لله تعالى‪ ،‬وأما المظهر فإنه لا يحفل به‪،‬‬ ‫ولا يدل على شيء في ميزان الله ‪-‬تبارك وتعالى‪ ،‬وإنما الواجب هو إصًلح‬ ‫القلب‪ ،‬وإصًلح العمل‪ ،‬فإذا استقام الإنسان على أمر الله ‪-‬تبارك وتعالى‪ -‬ظاهراا‬ ‫وباطناا فإنه تعلو مرتبته‪ ،‬ويعلو قدره‪ ،‬وعلى قدر استقامته على قدر ما يكون‬ ‫له من المنزلة‪ ،‬وعلو الدرجة عند الله تعالى‬

‫الحديث الثامن والخمسون بعد المائتين‬ ‫عن أسامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪(( :‬قُ ْم ُت َعلَى َبا ِب‬ ‫ال َج َّن ِة‪َ ،‬فإِ َذا َعا َّم ُة َم ْن َد َخ َل َها ال َم َسا ِكي ُن‪َ ،‬وأ ْص َحا ُب ال َج ِّد َم ْح ُبو ُسو َن‪َ ،‬غ ْي َر أ َّن‬ ‫أ ْص َحا َب ال َّنا ِر َق ْد أُ ِم َر بِ ِه ْم إِ َلى ال َّنا ِر‪َ .‬و ُق ْم ُت َع َلى َبا ِب ال َّنا ِر َفإِ َذا َعا َّم ُة َم ْن َد َخ َل َها‬ ‫ال ِّن َسا ُء))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫الجنة لها ثمانية أبواب‪ ،‬والنار لها سبعة أبواب‬ ‫فالجنة لها أبواب ثمانية‪ ،‬لكل باب قو ٌم يدخلون منه‪ ،‬ومن الناس من يدعى من‬ ‫هذه الأبواب جميعاا كما قال النبي صلي الله عليه ووسلم ذلك في حق أبي بكر‬ ‫رضي الله عنه ‪ ،‬وصح أن ما بين المصراعين أربعون سنة‪ ،‬وسيأتي عليه يوم‬ ‫وهو كظيظ من الزحام‬ ‫((قمت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها المساكين)) يعني أكثرهم؛ أكثر ما‬ ‫يدخل الجنة الفقراء؛ لأن الفقر ْاء في الغالب أقرب إلى العبادة والخشية لله من‬ ‫الأغنياء‪ ،‬وإن كان من الأغنياء من يعبد الله أكثر من الفقراء‬ ‫فعامة أهل الجنة من المساكين‪ ،‬من الضعفاء‪ ،‬من الفقراء‪ ،‬وعامة أهل النار‬ ‫من المتكبرين‪ ،‬من الجبارين‪ ،‬كما أخبر النبي صلي الله عليه وسلم ‪.‬‬ ‫(وأصحاب الجد محبوسون) والمقصود بأصحاب الجد أي‪ :‬أصحاب الغنى‬ ‫الأغنياء‪ ،‬يعني أصحاب الحظ والغنى محبوسون لم يدخلوا الجنة بعد؛ الفقراء‬ ‫يدخلون الجنة قبل الأغنياء محبوسون لماذا؟‬ ‫من أهل العلم من قال‪ :‬إنهم حبسوا؛ لأن فقراء المهاجرين يدخلون قبل غيرهم‬ ‫قبل الأغنياء بخمسمائة عام‬

‫ومن أهل العلم من قال‪ :‬إنهم محبوسون؛ لثقل الحساب‪ ،‬فالذي ليس عنده شيء‬ ‫لا يحاسب عليه يأتي وهو خفيف الحمل‪ ،‬خفيف الظهر‬ ‫لكن الذي لديه أموال كثيرة يحاسب عليها هذه من أين؟ فيطول حسابه؛ لكثرة‬ ‫ما عنده من العرض‪ ،‬وهذا هو الأقرب ‪-‬والله تعالى أعلم‪ -‬أن أصحاب ال َجد ‪-‬أي‪:‬‬ ‫الغنى‪ -‬محبوسون أي‪ :‬لطول الحساب‪.‬‬ ‫ولهذا كان النبي صلي الله عليه وسلم قول‪ (:‬ما أحب أن لي مثل أُحد ذهباا يأتي‬ ‫عل ّي ليلة أو ثًلث عندي منه دينار) ويقول‪( :‬الأكثرون هم الأقلون يوم القيامة‪،‬‬ ‫إلا من قال‪ :‬هكذا وهكذا) يعني‪ :‬يعطي‪ ،‬ويفرق‪ ،‬ويتصدق‪ ،‬وهذا قليل في‬ ‫الناس؛ لأن المال محبوب إلى النفوس‪ ،‬والله تعالى يقول‪َ { :‬وإِ َّن ُه لِ ُح ِّب ا ْل َخ ْي ِر‬ ‫َل َش ِدي ٌد} [العاديات‪ ،]8:‬الخير هنا المقصود به المال فالمال يحاسب عليه‬ ‫الإنسان‬ ‫(غير أن أصحاب النار قد أُمر بهم إلى النار‪)...‬أما أهل النار فأُمر بهم إلى النار‬ ‫فقسم الرسول صلى الله عليه وسلم الناس إلى أقسام ثًلثة‪:‬‬ ‫أهل النار دخلوا النار‬ ‫والفقراء دخلوا الجنة‬ ‫والأغنياء من المؤمنين موقوفون محبوسون‪ ،‬إلى أن يشاء الله‪.‬‬ ‫( وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء( والنبي صلي الله عليه‬ ‫وسلم ب ّين هذا لما قال‪ (:‬يا معشر النساء‪ ،‬تصدقن‪ ،‬فإني رأيتكن أكثر أهل النار)‬ ‫‪ ،‬فسألنه عن هذا‪ ،‬فقال‪ (:‬تكفرن) ‪ ،‬فقيل‪ :‬تكفرن بالله؟‪ ،‬قال‪ ( :‬لا‪ ،‬تكفرن‬ ‫العشير‪ ،‬بمعنى‪ :‬أنه لو أحسن إليها الدهر كله‪ ،‬ثم رأت منه شيئاا قالت‪ :‬ما رأيت‬ ‫منك خيراا قط‪ ،‬وتكثرن اللعن)‬

‫فهذان سببان أوردا كثيراا من النساء النار‪ ،‬فعليها ُمسك لسانها‪ ،‬لا تجحد فضل‬ ‫زوجها‪ ،‬ولا تقع في شيء من السب واللعن‪.‬‬ ‫وفي الحدي ِث دليل على أنه يجب على الإنسان أن يحترز من فتنة الغنى‪ ،‬فإن‬ ‫الغنى قد يطغي‪ ،‬وقد يؤدي بصاحبه إلى الأشر‪ ،‬والبطر‪ ،‬ورد الحق‪ ،‬وغمط‬ ‫الناس‪ ،‬فاحذر نعمتين‪ :‬الغنى والصحة‪ .‬والفراغ أيضاا سبب للفتنة‪ ،‬فهذه‬ ‫الثًلث‪ :‬الغنى والصحة‪ .‬والفراغ‪ ،‬مما يغبن فيها كثير من الناس‬ ‫وفيه ‪ :‬فضل الفقراء الصابرين على ال َّض َّراء‪ ،‬والشاكرين على السراء‪ ،‬وأنهم‬ ‫يدخلون الجنة قبل الأغنياء‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬أ َّن الذين يؤ َّدون حقوق المال‪ ،‬ويسلمون من فتنته هم الأقلُّون‪ ،‬وأ َّن‬ ‫الكفار يدخلون النار ولا ُيحبسون عنها‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬أن عامة من يدخل النار النساء لإكثارهن ال َّل ْعن‪ .‬وكفر العشير‪.‬‬

‫المقدمة‬ ‫باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء‬ ‫الحديث التاسع والخمسون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪َ (( :‬ل ْم َي َت َكلَّ ْم‬ ‫َر ُج اًل‬ ‫ِِفعيي َه َسا‪،‬ى َفاأَْبَت ْتُن ُه َمأُ ْ ُّرم َي ُه َم‪َ،‬و َ ُهو َو َص ُيا ِح َص ّلِ ُبي‪ُ،‬ج َرَف ْيَقا ٍَلج‪ْ ،‬ت َ‪:‬و َكَياا َن ُج َُجر ْيَر ْيُج‪ٌ،‬ج‬ ‫في ال َم ْه ِد إلا َثًل َث ٌة‪:‬‬ ‫َعابِ ادا‪،‬‬ ‫َف َقالَ‪:‬‬ ‫َفا َّت َخ َذ َص ْو َم َع اة َف َكا َن‬ ‫َيا َر ِّب‬ ‫أُ ِّمي َو َصًلتِي َفأَ ْق َبلَ َع َلى َصًل ِت ِه َفا ْن َص َر َف ْت‪َ .‬فلَ َّما َكا َن ِم َن ال َغ ِد أ َت ْت ُه َو ُه َو ُي َص ِلّي‪،‬‬ ‫َف َقا َل ْت‪َ :‬يا ُج َر ْي ُج‪َ ،‬ف َقالَ‪ :‬أ ْي َر ِّب أ ِّمي َو َصًل ِتي‪َ ،‬فأ ْق َبلَ َعلَى َصًلتِ ِه‪َ ،‬فلَ َّما َكا َن ِم ْن‬ ‫ال َغ ِد أ َت ْت ُه َو ُه َو ُي َصلِّي‪َ ،‬ف َقا َل ْت‪َ :‬يا ُج َر ْي ُج‪َ ،‬ف َقالَ‪ :‬أ ْي َر ِّب أ ِّمي َو َصًل ِتي‪َ ،‬فأ ْق َبلَ َع َلى‬ ‫َصًلَتِ ِه‪َ ،‬ف َقا َل ْت‪ :‬ال ّلَ ُه َّم لا ُت ِم ْت ُه َح َّتى َي ْن ُظ َر إِ َلى ُو ُجو ِه ال ُمو ِم َسا ِت‪َ .‬ف َت َذا َك َر َب ُنو‬ ‫إ ْسرا ِئيل ُج َر ْي اجا َو ِع َبا َد َت ُه‪َ ،‬و َكا َن ِت ا ْم َرأ ٌة َب ِغ ٌّي ُي َت َم َّثلُ ب ُح ْس ِن َها‪َ ،‬ف َقا َل ْت‪ :‬إ ْن ِش ْئ ُت ْم‬ ‫لأَ ْف ِت َن َّن ُه‪َ ،‬ف َت َع َّر َض ْت َل ُه‪َ ،‬ف َل ْم َي ْل َت ِف ْت إِلَ ْي َها‪َ ،‬فأ َت ْت َرا ِع ايا َكا َن َيأ ِوي إِ َلى َص ْو َم َعتِ ِه‪،‬‬ ‫َفأَ ْم َك َن ْت ُه ِم ْن َن ْف ِس َها َفو َق َع َعلَ ْي َها‪َ ،‬ف َح َملَ ْت‪َ ،‬فلَ َّما َو َل َد ْت‪َ ،‬قالَ ْت‪ُ :‬ه َو ِم ْن ُجريج‪،‬‬ ‫َفأ َت ْو ُه َفا ْس َت ْن َزلُو ُه َو َه َد ُموا َص ْو َم َع َت ُه‪َ ،‬و َج َعلُوا َي ْض ِر ُبو َن ُه‪َ ،‬ف َقالَ‪َ :‬ما َشأ ُن ُك ْم؟ َقالُوا‪:‬‬ ‫َز َن ْي َت به ِذ ِه ال َب ِغ ِّي َف َو َل َد ْت ِم ْن َك‪َ .‬قالَ‪ :‬أ ْي َن ال َّصب ُّي؟ َف َجا ُؤوا ِب ِه َف َقالَ‪َ :‬د ُعوني َح َّتى‬ ‫أ َصلِّي‪َ ،‬ف َص َّلى َف َل َّما ا ْن َصر َف أ َتى ال َّصب َّي َف َطع َن في َب ْطنِ ِه‪َ ،‬وقالَ‪َ :‬يا ُغًل ُم َم ْن‬ ‫أ ُبو َك؟ َقالَ‪ :‬فًُل ٌن ال َّرا ِعي‪َ ،‬فأَ ْق َبلُوا َع َلى ُج َر ْي ٍج ُي َق ِّبلُو َن ُه َو َي َت َم َّس ُحو َن بِ ِه‪َ ،‬و َقالُوا‪:‬‬ ‫َن ْب ِني َل َك َص ْو َم َع َت َك ِم ْن َذ َهب‪.‬‬ ‫َقالَ‪ :‬لا‪ ،‬أ ِعي ُدو َها ِم ْن ِطي ٍن َك َما َكا َن ْت‪َ ،‬ف َفعلُوا‪.‬‬ ‫و َبي َنا َص ِب ٌّي َي ْر َض ُع م ْن أُ ِّم ِه َف َم َّر َر ُجلٌ َرا ِك ٌب َعلَى َدا َّب ٍة َفا ِر َه ٍة َو َشا َر ٍة َح َس َن ٍة‪،‬‬ ‫َف َقا َل ْت أُ ُّم ُه‪ :‬ال َّل ُه َّم ا ْج َعل ا ْب ِني ِم ْثلَ َه َذا‪َ ،‬ف َت َر َك ال َّث ْد َي َوأ ْق َبلَ إِلَ ْي ِه َف َن َظ َر إِلَ ْي ِه‪َ ،‬ف َقالَ‪:‬‬ ‫ال َّل ُه َّم لا َت ْج َع ْلنِي ِم ْث َل ُه‪ُ ،‬ث َّم أ ْق َبلَ َع َلى َث ْديه َف َج َعلَ َير َت ِض ُع))‪َ ،‬ف َكأ ِّني أ ْن ُظ ُر إِ َلى‬ ‫َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم َو ُه َو َي ْح ِكي ا ْرت َضا َع ُه بِأ ْص َب ِع ِه ال َّس َّبا َب ِة في فِيه‪،‬‬

‫َف َج َعلَ َي ُم ُّص َها‪َ ،‬قالَ‪َ (( :‬و َم ُّروا بِ َجا ِر َي ٍة َو ُهم َي ْض ِر ُبو َن َها‪ ،‬و َي ُقولُو َن‪َ :‬ز َن ْي ِت َس َر ْق ِت‪،‬‬ ‫َو ِه َي َت ُقولُ‪َ :‬ح ْس ِب َي اللهُ ونِ ْع َم ال َو ِكيلُ‪َ .‬ف َقا َل ْت أ ُّم ُه‪ :‬ال َلّ ُه َّم لا َت ْج َعل ا ْب ِني ِم ْث َل َها‪،‬‬ ‫َف َتر َك ال َّر َضا َع و َن َظ َر إِ َل ْي َها‪َ ،‬ف َقالَ‪ :‬اللَّ ُه َّم ا ْج َع ْلنِي م ْث َل َها‪َ ،‬ف ُه َنالِ َك َت َرا َج َعا ال َحدي َث‪،‬‬ ‫َف َقا َل ْت‪َ :‬م َّر َر ُجلٌ َح َس ُن ال َه ْي َئ ِة‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪ :‬ال َلّ ُه َّم ا ْج َعلْ ا ْبنِي ِم ْث َل ُه‪َ ،‬فقُ ْل َت‪ :‬ال َّل ُه َّم لا‬ ‫َت ْج َع ْلنِي ِم ْث َل ُه‪َ ،‬و َم ُّروا به ِذ ِه الأ َم ِة َو ُه ْم َي ْض ِر ُبو َن َها َو َي ُقولُو َن‪َ :‬ز َن ْي ِت َس َر ْق ِت‪ ،‬فقل ُت‪:‬‬ ‫ال َّل ُه َّم لا َت ْج َع ِل ا ْب ِني ِم ْث َل َها‪َ ،‬ف ُق ْل َت‪ :‬اللَّ ُه َّم ا ْج َع ْلنِي ِم ْثلَ َها؟! َقالَ‪ :‬إ َّن ذلك ال َّر ُجل َكا َن‬ ‫َج َّبا ارا‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪ :‬اللَّ ُه َّم لا َت ْج َع ْل ِني ِم ْث َل ُه‪َ ،‬وإ َّن ه ِذ ِه َيقُولُو َن‪ :‬لها َز َن ْي ِت‪َ ،‬و َل ْم َت ْز ِن‬ ‫َو َسر ْق ِت‪َ ،‬ولَ ْم َت ْس ِر ْق‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪ :‬ال َّل ُه َّم ا ْج َع ْلنِي ِم ْث َل َها))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫تكلم في المهد ثًلثه‬ ‫أولاا‪ :‬عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وعيسى بن مريم آخر أنبياء بني‬ ‫إسرائيل‪ ،‬بل آخر الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فإنه لم يكن بينه‬ ‫وبين النبي صلى الله عليه وسلم نبي‬ ‫أما الثاني‪ :‬فهو صاحب جريج‪ ،‬وجريج رجل عابد‪ ،‬انعزل عن الناس‪ ،‬وبنى‬ ‫صومعة يعني مكاناا يتعبد فيه لله عز وجل‬ ‫والصومعة المقصود بها‪ :‬بناء مرتفع محدد من الأعلى يتعبد به‪ ،‬يجعله على‬ ‫صخرة‪ ،‬على جبل‪ ،‬أو نحو ذلك ينعزل به عن الناس‪ ،‬ويتخذه متع َب ادا‬ ‫فجاءته أمه ذات يوم وهو يصلي فنادته‪ ،‬فقال في نفسه‪ :‬أي ربي أمي وصًلتي‬ ‫هل أجيب أمي وأقطع الصًلة‪ ،‬أو استمر في صًلتي؟ فمضى في صًلته‪.‬‬ ‫وجاءته مرة ثانية‪ ،‬وقالت له مثل الأولى‪ ،‬فقال مثل ما قال‪ ،‬ثم استمر في‬ ‫صًلته‪ ،‬فجاءته مرة ثالثة فدعته‪ ،‬فقال مثل ما قال ثم استمر في صًلته‪،‬‬

‫فأدركها الغضب‪ ،‬وقالت ((اللهم لا تمته حتى ينظر في وجوه المومسات)) أي‬ ‫الزواني؛ حتى ينظر في وجوه الزواني‬ ‫وفي قصته من الفوائد أن الإنسان إذا تعرف إلى الله تعالى في الرخاء؛ عرفه‬ ‫في الشدة‪ ،‬فإن هذا الرجل كان عابداا يتعبد لله عز وجل‪ ،‬فلما وقع في الشدة‬ ‫العظيمة‪ ،‬أنجاه الله منها‬ ‫لما جاء إليه هؤلاء الذين كادوا له هذا الكيد العظيم‪ ،‬ذهبت هذه المرأة إلى‬ ‫جريج لتفتنه ولكنه لم يلتفت إليها‪ ،‬فإذا راعي غنم يرعاها ثم يأوي إلى صومعة‬ ‫هذا الرجل‪ ،‬فذهبت إلى الراعي فزنى بها فحملت منه‪.‬‬ ‫ثم قالوا‪ :‬إن هذا الولد ولد زنى من جريج‪ ،‬فأقبلوا عليه يضربونه وأخرجوه من‬ ‫صومعته وهدموها‪ ،‬فطلب منهم أن يأتوا بالغًلم الذي من الراعي‪ ،‬فلما أتوا به‪،‬‬ ‫ضرب في بطنه‪ ،‬وقال‪ :‬من أبوك؟ ـ وهو في المهد ـ فقال‪ :‬أبي فًلن‪ ،‬يعني ذلك‬ ‫الراعي‪.‬‬ ‫فأقبلوا إلى جريج يقبلونه ويتمسحون به‪ ،‬وقالوا له‪ :‬هل تريد أن نبني لك‬ ‫صومعتك من ذهب؟ لأنهم هدموها ظلماا‪ ،‬قال‪ :‬لا‪ ،‬ردوها على ما كانت عليه من‬ ‫الطين‪ ،‬فبنوها له‪.‬‬ ‫ففي هذه القصة أن هذا الصبي تكلم وهو في المهد‪ ،‬وقال‪ :‬إن أباه فًلن الراعي‬ ‫وأما الثالث الذي تكلم في المهد‪ ،‬فهو هذا الصبي الذي مع أمه يرضع‪ ،‬فمر‬ ‫رجل على فرس فارهة نفيسة وعليه جمال ظاهر في الهيئة والملبس ‪ ،‬وهو‬ ‫من أكابر القوم وأشرافهم‪ ،‬فقالت أم الصبي‪ :‬اللهم اجعل ابني هذا مثله‪ ،‬فترك‬ ‫الصبي الثدي وأقبل على أمه بعد أن نظر إلى هذا الرجل‪ ،‬فقال‪ :‬اللهم لا تجعلني‬ ‫مثله‪.‬‬ ‫وحكى النبي صلى الله عليه وسلم ارتضاع هذا الطفل من ثدي أمه بأن وضع‬ ‫إصبعه السبابة في فمه يمص‪ ،‬تحقيقاا للأمر صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫ثم أقبلوا بجارية؛ امرأة يضربونها ويقولون لها‪ :‬زنيت‪ ،‬سرقت؛ وهي تقول‪:‬‬ ‫حسبنا الله ونعم الوكيل‪ ،‬فقالت المرأة أم الصبي وهي ترضعه‪ :‬اللهم لا تجعل‬ ‫ابني مثلها‪ ،‬فأطلق الثدي‪ ،‬ونظر إليها‪ ،‬وقال‪ :‬اللهم اجعلني مثلها‪.‬‬ ‫فتراجع الحديث مع أمه؛ أي حدثته وحدثها ‪ ،‬قالت‪ :‬إني مررت أو م ّر بي هذا‬ ‫الرجل ذو الهيئة الحسنة فقلت‪ :‬اللهم اجعل ابني مثله‪ ،‬فقلت أنت‪ :‬اللهم لا‬ ‫تجعلني مثله‪ ،‬فقال‪ :‬نعم؛ هذا رجل كان جباراا عنيداا فسألت الله ألا يجعلني مثله‪.‬‬ ‫أما المرأة فإنهم يقولون‪ :‬زنيت وسرقت‪ ،‬وهي تقول‪ :‬حسبي الله ونعم الوكيل‪،‬‬ ‫فقلت‪ :‬اللهم اجعلني مثلها‪ .‬أي اجعلني طاهراا من الزنى والسرقة مفوضاا أمري‬ ‫إلى الله‪ ،‬في قولها‪ :‬حسبي الله ونعم الوكيل‬ ‫وفي هذا آية من آيات الله‪ ،‬والله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير‪ ،‬فقد يحصل‬ ‫من الأمور المخالفة للعادة ما يكون آية من آياته إما تأييداا لرسوله أو تأييداا‬ ‫لأحد من أوليائه‬ ‫وفي الحدي ِث ‪ :‬إيثار إجابة الأم على صًلة التطوع‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬أ ّن صاحب الصدق مع الله لا تضره الفتن‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬إثبات كرامات الأولياء‪.‬‬

‫المقدمة‬ ‫باب مًلطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة‬ ‫الحديث الستون بعد المائتين‬ ‫عن سعد بن أَبي َو َّقاص رضي الله عنه َقالَ‪ُ :‬ك َّنا َم َع ال َّنب ِّي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ِس َّت َة َن َف ٍر‪َ ،‬ف َقالَ ال ُم ْش ِر ُكو َن لل َّنب ِّي صلى الله عليه وسلم‪ :‬ا ْط ُر ْد هؤلاء لا َي ْج َت ِر ُئو َن‬ ‫َعلَ ْي َنا‪َ ،‬و ُك ْن ُت أ َنا َوا ْب ُن َم ْس ُعو ٍد‪َ .‬و َر ُجلٌ ِم ْن ُه َذ ْي ٍل َوبًِللٌ َو َر ُجًلَ ِن لَ ْس ُت أُ َس ِّمي ِه َما‪،‬‬ ‫َف َو َق َع في نفس َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم َما َشا َء اللهُ أ ْن َي َق َع َف َح َّد َث َنف َس ُه‪،‬‬ ‫َفأ ْن َزلَ اللهُ تعالى‪َ { :‬ولا َت ْط ُر ِد ا َّل ِذي َن َي ْد ُعو َن َر َّب ُه ْم بِا ْل َغ َدا ِة َوا ْل َع ِش ِّي ُي ِري ُدو َن َو ْج َه ُه}‬ ‫[الأنعام‪]5 :‬‬ ‫(رواه مسلم(‬ ‫شرح الحديث‬ ‫((كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر)) وهذا في أول الإسًلم في مكة؛‬ ‫لأن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه من السابقين إلى الإسًلم؛ أسلم وأسلم‬ ‫معه جماعة‪.‬‬ ‫وكان هؤلاء النفر ستة منهم ابن مسعود رضي الله عنه‪ ،‬وبًلل بن أبي رباح ‪،‬‬ ‫وكانوا مع الرسول عليه الصًلة والسًلم؛ يجلسون إليه ويستمعون له‬ ‫وينتفعون بما عنده‬ ‫وكان المشركون العظماء في أنفسهم‪ ،‬يجلسون إلى النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫فقالوا له‪ :‬اطرد عنا هؤلاء‪ ،‬قالوا هذا احتقاراا لهؤلاء الذين يجلسون مع النبي‬ ‫صلى الله عليه وسلم‬

‫اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا يعني اطرد هؤلاء الضعفاء والفقراء والمساكين‪،‬‬ ‫لا يجترئون علينا‪ ،‬يعني لئًل ينكسر الحاجز بين هؤلاء وبين هؤلاء‪ ،‬فيتعاملون‬ ‫معهم كأنهم أنداد‪ ،‬أو أقران ‪ ،‬فهم في مقاييسهم يمثلون طبقة عليا‪ ،‬ولا يرون‬ ‫هؤلاء في مقامهم فًل نجلس معهم‬ ‫يقول‪\" :‬فوقع في نفس رسول الله صلي الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع\"‬ ‫وقع يعني في قلبه ‪ ،‬ما شاء الله أن يقع يعني من طرد هؤلاء‪ ،‬من إبعادهم‪ ،‬أن‬ ‫يكلهم إلى إيمانهم‪ ،‬فحدث نفسه صلي الله عليه وسلم وفكر في الأمر‪ ،‬فأنزل الله‬ ‫تعالى‪َ {:‬و َلا َت ْط ُر ِد ا َّل ِذي َن َي ْد ُعو َن َر َّب ُه ْم ِبا ْل َغ َدا ِة َوا ْل َع ِش ِّي ُي ِري ُدو َن َو ْج َه ُه}‬ ‫[الأنعام‪]52:‬‬ ‫حدث نفسه لماذا؟ لأن هؤلاء كانوا الرؤساء فإذا أسلم هؤلاء الناس أسلم َمن‬ ‫وراءهم‪ ،‬فهم تبع لهم‪ ،‬فطمع النبي صلي الله عليه وسلم بإسًلم الناس إذا‬ ‫جلس إليه هؤلاء واستمعوا له‬ ‫فبين الله تعالى له أن الأمر على خًلف ذلك‪ ،‬وأن هذا الأمر الذي طلبوه لا يجوز‬ ‫إجابتهم فيه بحال من الأحوال‬ ‫ونهاه الله عز وجل أن يطرد هؤلاء وإن كانوا فقراء‪ ،‬وإن لم يكن لهم قيمة في‬ ‫المجتمع‪ ،‬لكن لهم قيمة عند الله؛ لأنهم يدعون الله بالغداة والعشي‪ ،‬يعني‬ ‫صباحاا ومسا اء‪ ،‬يدعونه دعاء مسألة فيسألونه رضوانه والجنة‪ ،‬ويستعيذون به‬ ‫من النار‪ ،‬ويدعونه دعاء عبادة فيعبدون الله‬ ‫وفي قوله‪ُ ( :‬ي ِري ُدو َن َو ْج َه ُه) تنبيه على الإخًلص وأن الإخًلص له أثر كبير في‬ ‫قبول الأعمال ‪ ،‬فالواجب على الإنسان أن يحرص غاية الحرص على إخًلص‬ ‫نيته لله في عبادته‪ ،‬حتى ينال بذلك الرفعة في الدنيا والآخرة‪.‬‬ ‫قال الله تعالى في آخر الآية‪َ ( :‬ما َعلَ ْي َك ِم ْن ِح َسا ِب ِه ْم ِم ْن َش ْي ٍء َو َما ِم ْن ِح َسا ِب َك‬ ‫َع َل ْي ِه ْم ِم ْن َش ْي ٍء َف َت ْط ُر َد ُه ْم) يعني ليس عليك شيء منهم ولا عليهم شيء منك‪،‬‬

‫حساب الجميع على الله‪ ،‬وكل يجازى بعمله ‪َ ( ،‬ف َت ْط ُر َد ُه ْم َف َت ُكو َن ِم َن ال َّظالِ ِمي َن)‬ ‫[الأنعام ‪]52‬يعني فإن طردتهم فإنك من الظالمين‪.‬‬ ‫وأمره الله بأن يصبر نفسه معهم فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآهم‬ ‫يقول‪(( :‬مرح ابا بالذين عاتبني الله فيهم))‪ .‬وإذا جالسهم لم يقم عنهم‪ ،‬حتى‬ ‫يكونوا هم الذين يبدأون بالقيام‬ ‫ويستفاد من هذا الحديث أن الإنسان ينبغي له أن يكون جليسه من أهل الخير‬ ‫الذين يدعون الله صباحاا ومسا اء يريدون وجهه‪ ،‬وألا يهتم بالجلوس مع الأكابر‪،‬‬ ‫والأشراف‬

‫المقدمة‬ ‫باب مًلطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة‬ ‫الحديث الحادي والستون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي ُه َبي َرة عا ِئذ بن عمرو المزنِي َو ُه َو ِم ْن أ ْهل بيعة الرضوان رضي الله‬ ‫عنه أ َّن أبا ُس ْف َيا َن أ َتى َع َلى َس ْل َما َن َو ُص َه ْي ٍب َوبًلَ ٍل في َن َف ٍر‪ ،‬فقالوا‪َ :‬ما أ َخ َذ ْت‬ ‫ُس ُيو ُف اللهِ ِم ْن َع ُد ِّو الله َمأْ َخ َذ َها‪َ ،‬ف َقالَ َأ ُبو َب ْك ٍر رضي الله عنه أ َت ُقولُون َه َذا لِ َش ْي ِخ‬ ‫ُق َر ْي ٍش َو َسي ِد ِه ْم؟ َفأ َتى ال َّنب َّي صلى الله عليه وسلم‪َ ،‬فأ ْخ َبر ُه‪َ ،‬ف َقالَ‪َ (( :‬يا أَ َبا َب ْك ٍر‪،‬‬ ‫لَعلَّ َك أَ ْغ َضب َت ُه ْم؟ َلئِ ْن ُك ْن َت أ ْغ َض ْب َت ُه ْم لَ َق ْد أ ْغ َضب َت َر َّب َك)) َفأَ َتا ُه ْم َف َقالَ‪َ :‬يا إ ْخ َو َتا ُه‪،‬‬ ‫أ ْغ َض ْب ُت ُك ْم؟ قالوا‪ :‬لا‪َ ،‬ي ْغ ِف ُر اللهُ لَ َك َيا أُ َخ َّي‬ ‫رواه مسلم‬ ‫شرح الحديث‬ ‫قولُ ُه‪َ (( :‬مأْ َخ َذ َها)) أ ْي‪ :‬لَ ْم َت ْس َتو ِف حقها ِم ْن ُه‬ ‫أبو سفيان كان كبير قريش ومقدمهم‪ ،‬وكان أكبر بني عبد مناف‪ ،‬وهو الذي قاد‬ ‫حربهم يوم أحد‪ ،‬فلما كانت الهدنة التي وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫وبين المشركين عام الحديبية أمن الناس وصاروا يتنقلون‪ ،‬فجاء أبو سفيان‬ ‫إلى المدينة‪ ،‬وكانت ابنته أم حبيبة تحت النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫فمر بسلمان وصهيب وبًلل رضي الله عنهم ‪ ،‬سلمان الفارسي‪ ،‬وصهيب‬ ‫الرومي‪ ،‬وبًلل الحبشي‪ ،‬وهؤلاء ليسوا من العرب إنما من الموالي ‪ ،‬ليسوا من‬ ‫الأشراف‪ ،‬ليسوا من الكبراء‪ ،‬فلما رأوه قالوا‪ :‬ما أخذت سيوف الله من عدو الله‬ ‫مأخذها يريدون أنهم لم يشفوا أنفسهم مما فعل بهم أسيادهم من قريش‪ ،‬الذين‬ ‫كانوا يعذبونهم ويؤذونهم في دين الله عز وجل يحتمل أنهم قالوا هذا وهو‬ ‫يسمع‪ ،‬ويحتمل أنهم قالوه بينهم حينما مر بهم‬

‫فقال أبو بكر رضي الله عنه ‪ :‬أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟‬ ‫فكأن أبا بكر رضي الله عنه لامهم على ذلك‪ ،‬وقال‪ :‬أتقولون لسيد قريش مثل‬ ‫هذا الكًلم قال بعض أهل العلم إن كانوا قالوه وهو يسمع ‪-‬أي أبا سفيان‪،‬‬ ‫فالجواب أن أبا بكر رضي الله عنه قال ذلك تأليفاا لأبي سفيان‪ ،‬ليستميله إلى‬ ‫الإسًلم‪ ،‬فًل يسمع ما ُينفره وإذا كانوا قالوا ذلك وهو لا يسمعهم فلربما يكون‬ ‫أبوبكر رضي الله عنه قال ذلك؛ لأنه كره أن يقال ذلك في حق رجل ُيعد من‬ ‫كبراء قريش التي هي قبيلة النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وهي قبيلة عريقة لها‬ ‫من الصفات والمنزلة والخًلل ما ليس لغيرها‪ ،‬فًل شك أن أفضل العرب قريش‬ ‫فقال لهم هذا الكًلم‪ ،‬تقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟‬ ‫فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره‪ ،‬فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫(يا أبا بكر‪ ،‬لعلك أغضب َتهم‪ ،‬لئن كن َت أغضبتهم لقد أغضبت ربك)‬ ‫يعني أغضبت هؤلاء النفر ـ مع أنهم من الموالي وليسوا بشيء في عداد الناس‬ ‫وأشرافهم ـ لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك‬ ‫لأن هؤلاء من أولياء الله‪ ،‬والله تعالى يقول‪( :‬من عادى لي ول اّيا فقد آذنته‬ ‫بالحرب) ‪ ،‬فمن أغضب أولياء الله فإنه يغضب الله‪ ،‬وهذا يدل على فضل هؤلاء‪،‬‬ ‫فقد شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا‪ ،‬فيدل على صدق إيمانهم‪ ،‬وكمال‬ ‫يقينهم‪ ،‬ومنزلتهم عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬يغضب الله لهم‪،‬‬ ‫يغضب الله لغضبهم فأتاهم فقال‪ :‬يا إخوتاه‪ ،‬أغضب ُتكم؟‬ ‫هل الكلمة التي قلت سببت لكم حرجاا وغضباا وضيقاا؟‪ ،‬يريد أن يعتذر إن كان‬ ‫حصل ذلك قالوا‪ :‬لا‪ ،‬يغفر الله لك يا أخي وهذا فيه ما يدل على كمال نفوسهم‬ ‫المهذبة التي هذبها الإسًلم فدل هذا على أن الإنسان بجب أن يتواضع لإخوانه‬ ‫المسلمين وإن كانوا من الضعفاء‪ ،‬فهؤلاء قد تكون لهم منزلة عند الله وفيه‬ ‫دليل على ورع أبي بكر رضي الله ععنه‪ ،‬وعلى حرصه على إبراء ذمته‪ ،‬وأن‬

‫الإنسان ينبغي له ـ بل يجب عليه ـ إذا اعتدى على أحد بقول أو فعل أو بأخذه‬ ‫مال أو سب أو شتم أن يستحله في الدنيا؛ قبل أن يأخذ ذلك منه في الآخرة؛ لأن‬ ‫الإنسان إذا لم يأخذ حقه في الدنيا فإنه يأخذه يوم القيامة من حسناته ؛ من‬ ‫الأعمال الصالحة التي هو في حاجة إليها في ذلك اليوم قال النبي عليه الصًلة‬ ‫والسًلم‪(( :‬ماذا تعدون المفلس فيكم؟ قالوا‪ :‬من ليس له درهم ولا دينار‪ ،‬أو‬ ‫قالوا‪ :‬ولا متاع‪ .‬فقال‪(( :‬المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال‪،‬‬ ‫فيأتي وقد ضرب هذا‪ ،‬وشتم هذا‪ ،‬وأخذ مال هذا‪ ،‬فيأخذ هذا من حسناته‪ ،‬وهذا‬ ‫من حسناته‪ ،‬فإن بقي من حسناته شيء وإلا أخذ من سيئاتهم فطرح عليه ثم‬ ‫طرح في النار))‬

‫الحديث الثاني والستون بعد المائتين‬ ‫عن سهل بن سعد رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫((أَ َنا َو َكافلُ ال َي ِتي ِم في ال َج َّن ِة َه َكذا))‬ ‫َوأَشا َر بال َّس َّبا َب ِة َوال ُو ْس َطى‪َ ،‬و َف َّر َج َب ْي َن ُه َما‬ ‫)رواه البخاري (‬ ‫شرح الحديث‬ ‫((انا وكافل اليتيم هكذا)) وأشار بالسبابة والوسطى يعني بالأصبع السبابة‬ ‫والوسطى؛ والأصبع السبابة هي التي بين الوسطى والإبهام‪ ،‬وتسمى السبابة‬ ‫لأن الإنسان يشير بها عند السب‪ ،‬فإذا سب شخصاا قال هذا وأشار بها‪.‬‬ ‫وتسمى السباحة أو ال ُمس ِّبحة لأن الإنسان يشير بها أيضاا عند التسبيح‪ ،‬ولهذا‬ ‫يشير الإنسان بها في صًلته في التشهد‪ ،‬يشير بها إشارة إلى علو الله تعالى‬ ‫وتوحيده‬ ‫وفرج بينهما عليه الصًلة والسًلم يعني‪ :‬قارن بينهما وفرج‪ ،‬يعني أن كافل‬ ‫اليتيم مع النبي عليه الصًلة والسًلم في الجنة قريب منه‬ ‫(وفرج بينهما) ‪ ،‬بمعنى أنه ليس بمنزلة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة‪،‬‬ ‫ولكنه في غاية القرب كقرب هذه من هذه وفي الحدي ِث حث على كفالة اليتم‪،‬‬ ‫وكفالة اليتيم هي القيام بما يصلحه في دينه ودنياه؛ بما يصلحه في دينه من‬ ‫التربية والتوجيه والتعليم وما أشبه ذلك‪ ،‬وما يصلحه في دنياه من الطعام‬ ‫والشراب والمسكن‪.‬‬ ‫فكافل اليتيم هو الذي يقوم على رعايته‪ ،‬سواء كان ذلك بالمال أو كان بتربيته‬ ‫والقيام على شئونه ولو كان هذا اليتيم له مال‪ ،‬بمعنى أنه لو كان وص اّيا على‬ ‫اليتيم‪ ،‬أو له ولاية شرعية على هذا اليتيم‪ ،‬فقام عليه خير قيام ورباه‪ ،‬وأحسن‬

‫تربيته‪ ،‬ولو من ماله ‪-‬من مال اليتيم‪ -‬فإن يكون كافًلا له واليتيم حده البلوغ‪،‬‬ ‫فإذا بلغ الصبي؛ زال عنه اليتم‪ ،‬وإذا كان قبل البلوغ فهو يتيم؛ هذا إن مات‬ ‫أبوه‪ ،‬وأما إذا ماتت أمه دون أبيه فإنه ليس بيتيم ‪ ،‬وذلك أن الأب هو العائل‬ ‫فاليتامى هم صنف من ضعفاء المجتمع‪ ،‬بحاجة إلى رعاية‪ ،‬والشريعة تحفظ‬ ‫للناس حقوقهم وأموالهم‪ ،‬ولا يضيع الضعيف في المجتمع الإسًلمي‪ ،‬بل يبقى‬ ‫حقه محفوظاا‪ ،‬ولهذا جاء الترغيب بحفظ هؤلاء الأيتام‪ ،‬والقيام على شئونهم‬ ‫قال ابن بطال ‪ :‬حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي‬ ‫صلى الله عليه وسلم في الجنة ‪ ،‬ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك‪.‬‬ ‫وقال العراقي في شرح الترمذي ‪ :‬لعل الحكمة في كون كافل اليتيم يشبه في‬ ‫دخول الجنة أو شبهت منزلته في الجنة بالقرب من النبي أو منزلة النبي لكون‬ ‫النبي شأنه أن يبعث إلى قوم لا يعقلون أمر دينهم ‪ ،‬فيكون كافًل لهم ومعلما‬ ‫ومرشدا ‪ ،‬وكذلك كافل اليتيم يقوم بكفالة من لا يعقل أمر دينه بل ولا دنياه ‪،‬‬ ‫ويرشده ويعلمه ويحسن أدبه ‪ ،‬فظهرت مناسبة ذلك (ذكره الحافظ في الفتح)‬

‫الحديث الثالث والستون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي هريرة رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪َ (( :‬كافلُ‬ ‫ال َيت ِيم َل ُه َأ ْو لِ َغ ْي ِر ِه أَ َنا َو ُه َو َك َها َت ْي ِن في ال َج َّنة))‬ ‫َوأَ َشا َر ال َّر ا ِوي َو ُه َو َمالِ ُك ْب ُن أ َنس بال َّس َّبا َب ِة َوال ُو ْس َطى‬ ‫)رواه مسلم(‬ ‫شرح الحديث‬ ‫(كافل اليتيم له أو لغيره‪ ،‬أنا وهو كهاتين في الجنة) ‪ ،‬وأشار الراوي وهو مالك‬ ‫بن أنس بالسبابة والوسطى هذا يفسر الحديث السابق‪ ،‬ففي هذا الحدي ِث يقولُ‬ ‫ال َّنب ُّي ص ّلَى اللهُ عليه وس َلّم‪( :‬أ َّنه وكا ِفلُ ال َيتِي ِم) ‪ ،‬و ُهو ال ُمر ِّبي َله القائِ ُم بأَم ِره‬ ‫(له أو لغيره) له‪ :‬بأ ْن َيكو َن ِمن قرابتِه مثل رجل مات عن أطفاله‪ ،‬فقامت أمهم‬ ‫برعايتهم وتربيتهم‪ ،‬فهي كافلة لهؤلاء الأيتام‪ ،‬وقد يكون العم‪ ،‬وقد يكون الأخ‬ ‫الأكبر يكفل إخوانه‪ ،‬فهذا كافل له‪ ،‬يعني هؤلاء أيتام له‪ ،‬من قرابته‬ ‫(أو لغيره) بأ ْن َيكو َن أجنب اّيا يعني لأجنبي منهم ليس من قرابته‬ ‫(انا وهو كهاتين في الجنة) بأ َّنه في الج َّن ِة ُمصاح ابا لَه ل ِع َظ ِم َأج ِره ِعن َد الل ِه َتعالى‬ ‫وأَشا َر الراوي وهو مال ٌك بن أنس َو ُه َو إِما ُم دا ِر الهج َرة َوصاح ُب المذ َه ِب‬ ‫المشهو ِر‪ ،‬أَشا َر في ِتل َك ال ِّرواي ِة َتفسي ارا لِلحدي ِث (بال َّس َّباب ِة وال ُوس َطى) وال َّس َّبا َب ُة‬ ‫ِهي ا َّلتي َبين ال ُوس َطى والإِبها ِم‪ ،‬و َفعلَ ذل َك ل ُيو ِّض َح َكلما ِت الحدي ِث‬ ‫وفي الحدي ِث ‪ :‬الح ُّث على الإِحسا ِن إِلى ال َيتامى و َك َفالتِهم‬ ‫فليحرص المسلم إذا سمع مثل هذا على أن لا يفوته مثل هذه الأعمال التي تبلغ‬ ‫به المنازل العالية عند الله ‪-‬تبارك وتعالى‪ ،‬وهذا من فضل الله‪ ،‬ومن لطفه بنا أن‬ ‫الإنسان يصل إلى درجات ُعلى بأعمال يسيرة لا تكلفه كثير اا‬

‫الحديث الرابع والستون بعد المائتين‬ ‫عن أبي ُهرير َة َر ِضي اللهُ َع ْن ُه َقالَ‬ ‫َقالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪َ (( :‬ل ْي َس ال ِم ْسكي ُن ا َّل ِذي َت ُر ُّد ُه ال َّت ْم َر ُة‬ ‫َوال َّت ْم َر َتا ِن‪َ ،‬ولا اللُّ ْق َم ُة َواللُّ ْق َم َتا ِن إِ َّن َما ال ِمس ِكي ُن ا ّلَ ِذي َي َت َع َّفف))‬ ‫) ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه(‬ ‫وفي رواية في الصحيحين‪(( :‬لَ ْي َس ال ِمس ِكي ُن ا ّلَ ِذي َي ُطو ُف َع َلى ال َّنا ِس َت ُر ُّد ُه‬ ‫اللُّ ْق َم ُة واللُّ ْق َمتا ِن‪َ ،‬وال َّت ْم َرةُ وال َّت ْم َر َتا ِن‪َ ،‬ولَ ِك َّن ال ِم ْس ِكي َن ا ّلَ ِذي لا َي ِج ُد غن اى ُي ْغ ِنيه‪،‬‬ ‫َولا ُي ْف َط ُن ل ِه َف ُي َت َص َّد َق َع َلي ِه‪َ ،‬ولا َي ُقو ُم َف َي ْسأَلُ ال َّناس))‪ََ .‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫(ليس المسكين ) المسكين بمعنى الفقير‪ ،‬وهو الذي لا يجد كفايته في حاجاته‬ ‫الضرورية (ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان) بمعنى‪ :‬ليس المسكين‬ ‫كامل المسكنة‪ ،‬هو الذي ترده التمرة والتمرتان فالمسكين؛ ليس الفقير الذي‬ ‫يطوف بالناس إذا أعطيته لقمة أو لقمتين أو تمرة أو تمرتين ردته لأن مثل هذا‬ ‫يسأل الناس‪ ،‬ويصرح بمسألته‪ ،‬ويتعرض لهم ولا يجلس في بيته‪ ،‬فيعطونه ما‬ ‫يرفع عنه حد المسكنة‬ ‫قال الخطابي‪ :‬إنما نفى صلى الله عليه وسلم المسكنة عن السائل الطواف‪ ،‬لأنه‬ ‫تأتيه الكفاية‪ ،‬وقد تأتيه الزكاة فتزول خصاصته‪ ،‬وإنما تدوم الحاجة فيمن لا‬ ‫يسأل ولا يعطى لكن المسكين حقيقة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬وإنما‬ ‫المسكين يعني‪ :‬كامل المسكنة‪ ،‬المسكين حقيقة الذي يستحق الوصف الكامل‬ ‫من المسكنة هو (الذي يتعفف) ‪ ،‬ومعنى يتعفف أي يترك السؤال كما قال‬ ‫تعالى‪َ ( :‬ي ْح َس ُب ُه ُم ا ْل َجا ِهلُ َأ ْغ ِن َيا َء ِم َن ال َّت َع ُّف ِف) [البقرة‪ ، ]273 :‬هذا هو المسكين‬ ‫حقيقة؛ لا يسأل ف ُيعطى ولا يتفطن له فيعطى‪ .‬هذا هو المسكين الذي ينبغي‬ ‫للناس تفقده وإصًلح حاله‪ ،‬والحنو عليه‪ ،‬والعطف عليه‪.‬‬

‫ويوضح هذا الرواية الثانية (ولكن المسكين الذي لا يجد ِغ انى يغنيه)‬ ‫يعني‪ :‬ليس عنده شيء يقوم بحاجاته‪ ،‬من تجارة أو كسب أو غير ذلك‪ ،‬وإنما‬ ‫هو منقطع ليس له ما يسد حاجته‪ ،‬لا يجد ِغ انى يغنيه (لا ُيفطن به ف ُيتصدق‬ ‫عليه ولا يقوم فيسأل الناس) فالإنسان ُتكفى حاجته بأحد هذه الأمور الثًلثة‪:‬‬ ‫إما أنه يجد غ انى يغنيه يكون له تجارة‪ ،‬يكون له مهنة وصنعة يكتسب منها‪،‬‬ ‫فيجد غ انى يغنيه‬ ‫أو أن هذا الإنسان يتفطن له الناس يعرفون أنه مسكين‬ ‫أو يقوم هو فيسأل الناس‪ ،‬فيعطيه هذا‪ ،‬ويعطيه هذا‪ ،‬فيجد كفايته‬ ‫فمثل هؤلاء هم أولى بالعطاء‪ ،‬فهذا الحديث يرشد المسلم إلى الأحق والأولى‬ ‫بالرعاية والإحسان والصدقة‪ ،‬وهم هؤلاء الذين يتعففون وفي الحديث إشارة‬ ‫إلى أنه ينبغي للمسكين أن يصبر وأن ينتظر الفرج من الله‪ ،‬وأن لا يتكفف‬ ‫الناس أعطوه أو منعوه؛ لأن الإنسان إذا علق قلبه بالخلق وكل إليهم‪ ،‬وإذا‬ ‫وكلت إلى الخلق نسيت الخالق‪ ،‬بل اجعل أمرك إلى الله عز وجل‪ ،‬وعلق رجاءك‬ ‫وخوفك وتوكلك واعتمادك على الله سبحانه وتعالى فإنه يكفيك‬ ‫فالمسكين يجب عليه الصبر‪ ،‬ويجب عليه أن يمتنع عن سؤال الناس لا يسأل‬ ‫إلا عند الضرورة القصوى‪.‬‬

‫الحديث الخامس والستون بعد المائتين‬ ‫عن أبي ُهرير َة َر ِضي اللهُ َع ْن ُه عن النبي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪(( :‬ال َّسا ِعي‬ ‫َعلَى الأَ ْر َملَ ِة َوال ِم ْس ِكي ِن‪َ ،‬كال ُم َجا ِه ِد في َسبي ِل الله))‬ ‫َوأح َس ُب ُه َقالَ‪َ (( :‬وكال َقا ِئ ِم ا َّل ِذي لاَ َي ْف ُت ُر‪َ ،‬و َكال َّصائِ ِم ا َّل ِذي لاَ ُي ْف ِطر) ُ)‬ ‫) ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه (‬ ‫الأرملة‪ :‬المرأة التي لا وزج لها‪ .‬والأرامل‪ :‬المساكين من رجال ونساء‪،‬‬ ‫والساعي عليهما‪ ،‬وهو المكتسب لهما بما يمونهما به‪.‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫(ال َّسا ِعي على الأَرمل ِة والمسكين) هو ا َلّذي يقو ُم بمصالِحهما و ُمؤنتِهما وما‬ ‫َيلز ُمهما والأرمل ُة ا َّلتي مات عنها زو ُجها‪ ،‬والمسكي ُن الَّذي ليس له ِم َن الما ِل ما‬ ‫َي ُس ُّد حاج َت وق ْد أخبر ص َّلى اللهُ عليه وس َّلم في هذا الحدي ِث أ َّن ال َّساع َي عليهما‬ ‫له ِمثلُ أج ِر المجاه ِد في سبي ِل الل ِه‪ ،‬أو ِمثلُ أج ِر القائ ِم لي َله لايفتر أي لا يستريح‬ ‫ولاينقطع ولايتوقف يصلي الليل ‪ ،‬أ ِو ال َّصائ ِم نها َره الذي لايفطره‪ .‬فينبغي على‬ ‫َمن ع َج َز َع ِن الجها ِد في سبي ِل الل ِه وع ْن قيا ِم اللَّي ِل وصيا ِم ال َّنها ِر أ ْن َيعملَ بهذا‬ ‫الحدي ِث َو ْل َي ْس َع على الأرام ِل والمساكي ِن؛ لَ ُيحش َر يو َم القِيام ِة في جمل ِة‬ ‫المجاه ِدي َن في َسبي ِل الله ُدو َن أن َيخط َو في ذلك ُخطو اة‪ ،‬أو َي ْل َقى َعد اّوا َيرتا ُع‬ ‫ِبلقائِه‪ ،‬أو لِ ُيحش َر في ُزمر ِة ال َّصا ِئمي َن وال َقائِمي َن وينالَ َدرج َتهم وهو طا ِع ٌم‬ ‫نها َره نائ ٌم لي َله أ َّيا َم حيا ِته ف َينبغي لِكلِّ مؤم ٍن أ ْن يحر َص على هذه ال ِّتجار ِة ا ّلَتي‬ ‫لا تبو ُر‪ ،‬و َيسعى على أرمل ٍة أو مسكي ٍن لِوج ِه اللهِ تعالى َفيرب َح في تجار ِته‬ ‫درجا ِت المجاه ِدي َن وال َّصائ ِمي َن والقائ ِمي َن ِمن غي ِر َتع ٍب ولا َن َص ٍب‪ ،‬وذلك فضلُ‬ ‫الل ِه ُيؤتي ِه َم ْن يشاء ُ‪.‬‬

‫الحديث السادس والستون بعد المائتين‬ ‫عن أبي ُهرير َة َر ِضي اللهُ َع ْن ُه َقالَ‪ :‬عن النبي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪َ (( :‬ش ُّر‬ ‫ال َّط َعا ِم َط َعا ُم ال َولِي َم ِة‪ُ ،‬ي ْم َن ُع َها َم ْن َيأ ِتي َها‪َ ،‬و ُي ْد َعى إِ َل ْي َها َم ْن َيأْ َبا َها‪َ ،‬و َم ْن لَ ْم ُي ِج ِب‬ ‫ال َّد ْع َو َة َف َق ْد َع َصى اللهَ َو َر ُسولَه) ُ)‬ ‫)رواه مسلم (‬ ‫وفي رواية في الصحيحين‪ ،‬عن أَبي هريرة من قوله ((ب ْئ َس ال َّط َعا ُم َط َعا ُم‬ ‫ال َولِي َم ِة ُي ْد َعى إِ َل ْي َها الأ ْغنِ َيا ُء و ُي ْت َر ُك ال ُف َقراء)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫(شر الطعام طعام الوليمة) يحتمل أن يكون المراد بالوليمة هنا وليمة العرس‪،‬‬ ‫ويحتمل أن يكون أعم‪ ،‬وأن المراد بالوليمة كل ما دعي إلى الاجتماع إليه من‬ ‫عرس أو غيره‬ ‫ثم فسر هذه الوليمة التي طعامها شر الطعام وهي التي يدعى إليها من يأباها‬ ‫ويمنعها من يأتيها‪ ،‬أي يدعى إليها الأغنياء‪ ،‬والغني لا يحرص على الحضور‬ ‫إذا دعي؛ لأنه مستغن بماله‪ ،‬ويمنع منها الفقراء؛ والفقير؛ هو الذي إذا دعي‬ ‫أجاب‪ ،‬فهذه الوليمة ليست وليمة مقربة إلى الله؛ لأنه لا يدعى إليها من هم‬ ‫أحق بها وهم الفقراء؛ بل يدعى إليها الأغنياء‬ ‫( ُيمنعها َمن يأتيها و ُيدعى إليها َمن يأباها) فالوليمة الموصوفة بهذا‪ ،‬هي التي‬ ‫ُيدعى لها الناس بطريقة انتقائية‪ ،‬توجه فيها الدعوة إلى الأغنياء‪ ،‬ويترك‬ ‫الفقراء ومن لا شأن له‪ ،‬ومن لا ُيكترث به‪ ،‬فهذا أمر غير محمود‪ ،‬فهذه وليمة‬ ‫غير محمودة‪ ،‬وطعام وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه شر الطعام‬

‫ومنه يؤخذ أن الإنسان إذا أولم ‪-‬إذا صنع طعاماا‪ -‬فإنه ينبغي أن يدعو الأغنياء‬ ‫والفقراء‬ ‫والوليمة ولا سيما وليمة العرس سنة مؤكدة‪ ،‬فقد قال النبي صلى الله عليه‬ ‫وسلم لعبد الرحمن بن عوف‪(( :‬أولم ولو بشاة)) فأمره بالوليمة ولو بشيء‬ ‫قليل‪ ،‬والشاة قليلة بالنسبة لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه؛ لأنه من‬ ‫الأغنياء‬ ‫((ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله)) يدل على أن إجابة دعوة الوليمة‬ ‫واجبة؛ لأنه لا شيء يكون معصية بتركه إلا وهو واجب‪ ،‬ولكن لا بد فيها من‬ ‫شروط‪:‬‬ ‫الشرط الأول‪ :‬أن يكون الداعي مسلماا؛ فإن لم يكن مسلما ا لم تجب الإجابة‪،‬‬ ‫ولكن تجوز الإجابة لا سيما إذا كان في هذا مصلحة‪ ،‬يعني لو دعاك كافر إلى‬ ‫وليمة عرس فًل بأس أن تجيب‪ ،‬لا سيما إن كان في ذلك مصلحة كتأليفه إلى‬ ‫الإسًلم‬ ‫الشرط الثاني‪ :‬أن يكون ماله حًللاا؛ فإن كان ماله حراماا كالذي يكتسب المال‬ ‫بالربا؛ فإنه لا تجب إجابته لأن ماله حرام‪ ،‬والذي ماله حرام ينبغي للإنسان أن‬ ‫يتورع عن أكل ماله أما إذا كان في ماله حرام يعني ماله مختلط؛ يتجر تجارة‬ ‫حًللاا ويكتسب كسباا محرماا؛ فًل بأس من إجابته‪ ،‬ولا تتورع عن ماله؛ لأنه لا‬ ‫يسلم كثير من الناس اليوم من أن يكون في ماله حرام‪.‬‬ ‫الشرط الثالث‪ :‬ألا يكون في الدعوة منكر؛ فإن كان في الدعوة منكر فإنه لا‬ ‫تجب الإجابة‪ ،‬إلا إذا كنت قادراا على تغيير هذا المنكر‪ ،‬فإنه يجب عليك الحضور‬ ‫لسببين السبب الأول‪ :‬إزالة المنكر‬ ‫السبب الثاني‪ :‬إجابة الدعوة‬ ‫أما إذا كنت ستحضر ولكن لا تستطيع تغيير المنكر؛ فإن حضورك حرام‪.‬‬

‫الشرط الرابع‪ :‬أن يعين المدعو‪ ،‬ومعنى يعينه أن يقول‪ :‬يا فًلن أدعوك إلى‬ ‫حضورك وليمة العرس‪ .‬فإن لم يعينه بأن دعا دعوة عامة في مجلس فإنه لا‬ ‫يجب عليك أن تحضر؛ لأنه دعا دعوة عامة ولم ينص عليك فًلبد أن يعينه فإن‬ ‫لم يعينه فإنها لا تجب‪ ،‬ثم إنه ينبغي للإنسان أن يجيب كل دعوة؛ لأن من حق‬ ‫المسلم على أخيه أن يجيب دعوته‪ ،‬إلا إذا كان في امتناعه مصلحة راجحة‬ ‫فليتبع المصلحة‬

‫الحديث السابع والستون بعد المائتين‬ ‫عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم َقال‬ ‫((من َعالَ َجا ِر َي َت ْين َح َّتى َت ْبلُ َغا َجا َء َي ْو َم القِ َيا َم ِة أ َنا َو ُه َو َك َها َت ْين))‬ ‫و َض َّم أ َصا ِب َع ُه‬ ‫)رواه مسلم(‬ ‫شرح الحديث‬ ‫((جاريتين)) أي‪ :‬بنتين‬ ‫(من عال جاريتين) معنى عال أي قام عليهما بالنفقة‪ ،‬والرعاية والتربية‪ ،‬وما‬ ‫إلى ذلك‪ ،‬والمراد بالجاريتين يعني البنتين‪ ،‬ومن أهل العلم من وسع معناه؛ فلم‬ ‫يخص ذلك بالبنات (عال جاريتين) يعني له أو لغيره‪ ،‬بمعنى لو كانت هؤلاء‬ ‫الجواري من عماته أو خالاته أو أخواته أو نحو هذا والمعنى أنه يكون رفيقاا‬ ‫لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة إذا عال جارتين؛ أي اثنين من بنات‬ ‫أو أخوات أو غيرهما‪ ،‬أي أنه يكون مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة‪،‬‬ ‫وقرن بين اصبعيه عليه الصًلة والسًلم والعول في الغالب يكون بالقيام بمئونة‬ ‫البدن؛ من الكسوة والطعام والشراب والسكن والفراش ونحو ذلك‪ ،‬وكذلك‬ ‫يكون في غذاء الروح؛ بالتعليم والتهذيب والتوجيه والأمر بالخير والنهي عن‬ ‫الشر وما إلى ذلك‬ ‫((حتى تبلغا)) يعني حتى تصًل إلى سن البلوغ؛ وهو خمس عشرة سنة‪ ،‬أو‬ ‫غير ذلك من عًلمات البلوغ في المرأة كأن تحيض ولو قبل خمس عشرة سنة‬ ‫أو غير ذلك من عًلمات البلوغ‬ ‫ومن أهل العلم من قال‪ :‬ليس المراد هنا بقوله‪ :‬حتى تبلغا أنها تصل إلى سن‬ ‫البلوغ‪ ،‬وذلك أنها لا تكون مستغنية عن الرعاية والتربية والتوجيه والإصًلح‬

‫والنفقة وما إلى ذلك‪ ،‬بل هي بحاجة إلى هذا أكثر من حاجتها حينما كانت طفلة‬ ‫صغيرة‪ ،‬ولهذا قال بعض أهل العلم‪ :‬إن رعاية الجارية والقيام عليها يكون حتى‬ ‫تتزوج‪ ،‬فتكون مستغنية بالزواج‪ ،‬وأما قبله فًل؛ لأنها ليست كالرجل يذهب‬ ‫ويعمل ويكتسب ويستغني ونحو هذا ((جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين))‬ ‫بمعنى أنه يبلغ عند الله تعالى منزل اة بعم ٍل تدعو إليه فطرته ؛ لأن الإنسان قد‬ ‫فطر على محبة الأولاد من الذكور والإناث‪ ،‬والشفقة عليهم وال ُحنو‪ ،‬فهو ينفق‬ ‫ماله‪ ،‬ولا يستكثر شيئاا مما ينفقه عليهم‪ ،‬فهذه جب ّلة‪ ،‬ويكتسب من أجل هؤلاء‬ ‫الذين تحت يده‪ ،‬ومع ذلك جاء يوم القيامة بهذه المنزلة‬ ‫وفي الحدي ِث أنه ينبغي للإنسان أن يهتم بالأمور التي تقربه إلى الله‬

‫الحديث الثامن والستون بعد المائتين‬ ‫عن عائشة رضي الله عنها‪َ ،‬قالَ ْت‪َ :‬د َخ َل ْت َعلَ َّي ا ْم َرأ ٌة َو َم َع َها ابنتان َل َها‪َ ،‬ت ْسأَلُ‬ ‫َف َل ْم َت ِج ْد ِع ْن ِدي َشي ائا َغ ْي َر َت ْم َر ٍة َواح َد ٍة‪َ ،‬فأ ْع َط ْي ُت َها إ َّيا َها َف َق َس َم ْت َها َب ْي َن ا ْب َن َت ْيها و َل ْم‬ ‫َتأ ُكلْ ِم ْن َها‪ُ ،‬ث َّم َقا َم ْت َف َخر َج ْت‪َ ،‬ف َد َخلَ ال َّنب ُّي صلى الله عليه وسلم َعلَي َنا‪َ ،‬فأ ْخ َب ْر ُت ُه‬ ‫َف َقالَ‪َ (( :‬م ِن ا ْب ُتل َي ِم ْن ه ِذ ِه ال َب َنا ِت بِ َشي ٍء َفأَ ْح َس َن إلَ ْي ِه َّن‪ُ ،‬ك َّن َل ُه ِست ارا ِم َن ال َّنار))‬ ‫) ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه (‬ ‫شرح الحديث‬ ‫عن عائشة رضي الله عنها ‪ ،‬قالت (دخلت عل ّي امرأة ومعها ابنتان لها تسأل)‬ ‫يعني تطلب العطاء والصدقة وذلك لأنها فقيرة ( فلم تجد عندي إلا تمرة واحدة)‬ ‫بيت من بيوت النبي عليه الصًلة والسًلم لا يوجد فيه إلا تمرة واحدة‬ ‫(فأعطينها إياها) وفي هذا أن الإنسان لا يحقر من المعروف شيئا ولو تمرة‪،‬‬ ‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ \" :‬اتقوا النار ولو بشق تمرة\"‬ ‫فقسمتها بين ابنتيها‪ ،‬ولم تأكل منها قسمتها نصفين‪ ،‬وأعطت واحدة نصف‬ ‫التمرة‪ ،‬وأعطت الأخرى نصف التمرة الآخر‪ ،‬ولم تأكل منها شيئاا‪ .‬وهذا بداعي‬ ‫الشفقة وما ُجبل عليه الوالد من محبة الأولاد وتقديمهم على نفسه‬ ‫فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة فأخبرته لأنها قصة غريبة ‪ ،‬فقال‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ \" :‬من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن‬ ‫كن له ستراا من النار\"‬ ‫وقوله صلى الله عليه وسلم‪(( :‬من ابتلي)) ‪ :‬ليس المراد به هنا بلوى الشر‪،‬‬ ‫لكن المراد‪ :‬من قدر له‪ ،‬كما قال الله تعالى‪َ ( :‬و َن ْبلُو ُك ْم ِبال َّش ِّر َوا ْل َخ ْي ِر ِف ْت َن اة َوإِلَ ْي َنا‬ ‫ُت ْر َج ُعو َن) [الأنبياء‪[35 :‬‬

‫يعني من قدر له ابنتان فأحسن إليهما كن له ستراا من النار يوم القيامة‪ ،‬يعني‬ ‫أن الله تعالى يحجبه عن النار بإحسانه إلى البنات؛ لأن البنت ضعيفة لا تستطيع‬ ‫التكسب‪ ،‬والذي يكتسب هو الرجل ومما ورد في هذا الحديث من العبر‬ ‫أولاا‪ :‬بيت من بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أشرف بيوته‪ ،‬فيه‬ ‫أحب نسائه إليه‪ ،‬لا يوجد به إلا تمرة واحدة‬ ‫ثانياا‪ :‬وفيه أيضاا ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من الإيثار‪ ،‬فإن عائشة‬ ‫ليس عندها إلا تمرة ومع ذلك آثرت بها هذه المسكينة‪ ،‬ونحن الآن عندنا أموال‬ ‫كثيرة ويأتي السائل ونرده‬ ‫ثالثا‪ :‬وفي هذا الحديث أيضاا دليل على فضل من أحسن إلى البنات بالمال‪،‬‬ ‫والكسوة‪ ،‬وطيب الخاطر‪ ،‬ومراعاة أنفسهن؛ لأنهن عاجزات قاصرات‬ ‫قال القرطبي‪ :‬يفيد هذا الحديث بعمومه أن الستر من النار يحصل بالإحسان إلى‬ ‫واحدة من البنات‪ ،‬فإذا عال زيادة على الواحدة فيحصل له زيادة على الست ِر‬ ‫السبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجنة كما في الحديث السابق‬

‫الحديث التاسع والستون بعد المائتين‬ ‫وعن عائشة رضي الله عنها‪َ ،‬قا َل ْت‪َ :‬جاءتني ِم ْسكين ٌة َت ْح ِملُ ا ْب َن َت ْي ِن لَ َها‪،‬‬ ‫َفأ ْط َع ْم ُتها َثًل َث َتم َرات‪َ ،‬فأ ْع َط ْت ُكلَّ َوا ِح َدة ِم ْن ُه َما َت ْم َر اة َو َر َفع ْت إِلَى ِفيها َت ْم َر اة‬ ‫لِ َتأ ُكلها‪َ ،‬فا ْس َتط َع َمت َها ا ْب َن َتا َها‪َ ،‬ف َش َّق ِت ال َّت ْم َر َة ا َّلتي َكا َن ْت ُتري ُد أ ْن َتأ ُك َل َها َب ْي َن ُهما‪،‬‬ ‫َفأع َج َب ِني َشأ ُن َها‪َ ،‬ف َذ َك ْر ُت ا ّلَ ِذي َص َن َع ْت لرسو ِل الله صلى الله عليه وسلم‪َ ،‬ف َقالَ‪:‬‬ ‫((إ َّن الله َق ْد َأ ْو َج َب َل َها بها ال َج َّن َة‪ ،‬أَ ْو أَع َت َق َها ِب َها ِم َن ال َّنار) ِ)‬ ‫)رواه مسلم (‬ ‫شرح الحديث‬ ‫هذه الأحاديث كلها تدل على مضمون ما سبق من الرفق بالضعفاء واليتامى‬ ‫والبنات ‪ ،‬وفي هذا الحديث لعائشة رضي الله عنها قصة كحديثها السابق‪ ،‬لكن‬ ‫الحديث السابق أن عائشة رضي الله عنها أعطتها تمرة واحد فشقتها بين‬ ‫ابنتيها أما هذا الحديث فأعطتها ثًلث تمرات‪ ،‬فأعطت إحدى البنتين واحدة‪،‬‬ ‫والثانية التمرة الأخرى‪ ،‬ثم رفعت الثالثة إلى فيها لتأكلها‬ ‫فاستطعمتاها ـ يعني أن البنتين نظرتا إلى التمرة التي رفعتها الأم ـ فلم تطعمها‬ ‫الأم بل شقتها بينهما نصفين‪ ،‬فأكلت كل بنت تمرة ونصفاا والأم لم تأكل شيئاا‬ ‫فذكرت ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم وأخبرته بما صنعت المرأة‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫((أن الله أوجب لها بها الجنة‪ ،‬أو أعتقها بها من النار)) يعني‪ :‬لأنها لما‬ ‫رحمتهما هذه الرحمة العظيمة أوجب الله لها بذلك الجنة‬ ‫فدل ذلك على أن مًلطفة الصبيان والرحمة بهم من أسباب دخول الجنة والنجاة‬ ‫من الناروالمقصود من هذا الحديث أن الله تعالى أعتق هذه المرأة أو أوجب لها‬ ‫الجنة بسبب شفقتها على بناتها‪ ،‬وهو عمل يسير‪ ،‬ليس فيه كلفة‪ ،‬وهو من‬ ‫الأمور التي تدعو إليها الجبلة‪ ،‬ومع ذلك بلغت بهذا العمل اليسير ‪-‬شقت تمرة‬

‫بين ابنتيها‪ -‬ذلك المبلغ وهذا يدل على أن الإنسان يمكن أن يدخل الجنة بعمل لا‬ ‫يتوقعه‪ ،‬ويمكن أن ينجيه الله من كربات القيامة بعمل لا يتوقعه؛ لأنه في نظره‬ ‫صغير‪ ،‬ولربما فعله هكذا دون أن يقف عنده‪.‬‬

‫الحديث السبعون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي ُش َري ٍح ُخ َو ْيلِ ِد بن عمرو الخزا ِع ِّي رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬قالَ ال َّنب ّي صلى‬ ‫الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫((ال َّل ُه َّم إ ِّني أُ َح ِّر ُج َح َّق ال َّض ِعي َفي ِن‪ :‬ال َي ِتيم َوال َم ْرأة ))‬ ‫حديث حسن رواه النسائي بإسناد جيد‬ ‫شرح الحديث‬ ‫ومعنى ((أُ َح ِّر ُج))‪ :‬أُ ْل ِح ُق ال َح َر َج َو ُه َو الإ ْث ُم بِ َم ْن َض َّي َع َح َّق ُه َما‪َ ،‬وأُ َح ِّذ ُر ِم ْن ذلِ َك‬ ‫َت ْح ِذي ارا َبلي اغا‬ ‫أو َصى ال َّنب ُّي ص َّلى اللهُ عليه وس ّلَ َم بالإحسا ِن إلى ال ُّضعفاء ِمن ال َّناس و ِحف ِظ‬ ‫ُحقو ِقهم‪ ،‬كما أو َصى بال َيتي ِم وال َمرأ ِة على و ْج ِه ال ُخصو ِص ل ِزياد ِة َضع ِف ِهما‪،‬‬ ‫وهذا ال َحدي ُث ُيو ِّض ُح ذلِ َك حيث يقولُ فيه النب ُّي ص ّلَى اللهُ عليه وس َلّ َم‬ ‫\"ال َّل ُه َّم إِ ِّني أُ َح ِّر ُج َح َّق\"‪ ،‬وفي ِرواية الحا ِكم‪\" :‬أُ َح ِّر ُج عليكم َحق\"‬ ‫أي‪ :‬أُ َض ِّي ُق على ال َّنا ِس في َتضيي ِع َح ِّقهم‪ ،‬وأ َش ِّد ُد عليهم في ذلك‪ ،‬وأ َح ِّذ ُرهم من‬ ‫ال ُوقو ِع في ُظل ِمهم‬ ‫يعني أُلحق الحرج والإثم بمن ضيع حق الضعيفين المرأة واليتيم‪ ،‬فهذا تحذير‬ ‫من النبي صلى الله عليه وسلم خاص يتعلق بالتعدي على هؤلاء؛ لضعفهم‪،‬‬ ‫ولكونهم لا يستطيعون أن يستنبطوا حقهم‪ ،‬ويدافعوا عنه‪ ،‬فاليتيم مكسور‬ ‫الجناح‪ ،‬لا يستطيع أن يدفع عن نفسه ولا أن يحمي حقه‪ ،‬والمرأة ضعيفة أيضاا‬ ‫ال َّضعي َفي ِن‪ :‬وهما ال َّلذان لا َحولَ لهما ولا ُق َّو َة‪ ،‬ولا ي ْن َت ِصرا ِن لأ ْن ُف ِسهما‪ ،‬وقد‬ ‫َو َص َف ُهما بال َّضع ِف ا ْستِ ْعطا افا وزياد اة في ال َّتحذير فإ َّن الإ ْنسا َن ُك َّلما كان أ ْض َعف‬

‫كان ْت ِعناي ُة الل ِه به أَ َت َّم‪ ،‬وانتِقا ُمه من ظالِ ِمه أ َش َّد‪ ،‬وأ َّول ال َّضعي َفي ِن «ال َيتيم» وهو‬ ‫الذي َف َق َد أبا ُه َصغي ارا‪ ،‬و َف َق َد ِحما َي َته و ِرعا َيته‬ ‫\"والمرأة\" و َو ْج ُه َض ْع ِف ال َمرأ ِة أ َّنها ضعيف ٌة ِفي ال َجس ِد ‪ ،‬وقد ج َعلَ ال َّشر ُع‬ ‫لل َّر ُج ِل الولاي َة َعليها ل ِرعايتِها و ِحف ِظ ُحقو ِقها لا َله َض ْم ِها؛ وال ِخطا ُب هنا لأ ْوليا ِء‬ ‫المرأ ِة والأ ْزوا ِج‬ ‫وفي الحديث‪ِ :‬عناي ُة الإسًل ِم بِ ُحقو ِق ال ُّضعفا ِء ُعمو اما‪ ،‬واعتنا ُؤه ب ُحقو ِق ال َيتي ِم‬ ‫وال َمرأ ِة خصو اصا‪.‬‬

‫الحديث الحادي والسبعون بعد المائتين‬ ‫عن مصعب بن سعد بن أَبي و َّقاص رضي الله عنهما‪َ ،‬قالَ‪َ :‬رأى سعد أ َّن َل ُه‬ ‫َف ْض اًل َع َلى َم ْن ُدو َن ُه‪َ ،‬ف َقالَ ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫(( َهلْ ُت ْنص ُرو َن و ُت ْر َز ُقو َن إلا بِ ُض َع َفائِ ُك ْم))‬ ‫( رواه البخاري هكذا ُمرس اًل )‬ ‫شرح الحديث‬ ‫في هذا الحدي ِث َيروي ُمص َع ُب ب ُن سعد أ َّن سع َد ب َن أبي و َّقاص ر ِضي اللهُ عنه‬ ‫رأى أ َّن له فض اًل على َمن دونه ِمن ال ُّضعفا ِء؛ لق َّوتِه وشجاعتِه في الغزوا ِت‪،‬‬ ‫فذ َّكره ال َّنب ُّي ص َلّى اللهُ عليه وسلَّم بفض ِل َمن هو دونه ِمن ال ُّضعفا ِء‪ ،‬وأ َّن اللهَ‬ ‫ير ُز ُقهم وين ُص ُرهم بسب ِب ُدعائِهم‬ ‫فقد جاء في رواية مرسلة ما يوضح هذا‪ ،‬وهو أنه قاله في مقام يتعلق بتوزيع‬ ‫الفيء أو الغنيمة‪ ،‬حيث أنه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يكون‬ ‫حامية القوم ويدفع عن أصحابه يكون كواحد منهم يعني في سهمه في الغنيمة؟‬ ‫فالمعركة يحضرها الشجعان الأبطال الأقوياء‪ ،‬الذين لربما الواحد منهم يعدل‬ ‫ألفاا‪ ،‬ويحضرها ضعفاء الناس‪ ،‬يحضرها كبير السن‪ ،‬ويحضرها الضعيف خلقة‪،‬‬ ‫ويحضرها الجبان ويكون في آخر الصفوف‪ ،‬يحضرها من يكثر السواد‪ ،‬بل‬ ‫لربما حضرها الأعمى طلباا لما عند الله ‪-‬عز وجل‪.‬‬ ‫فهو يقول‪ :‬هل ُيع َطى هذا كهؤلاء؟‪ ،‬و سعد رضي الله عنه كان من شجعان‬ ‫الصحابة‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪(( :‬هل تنصرون و ترزقون إلا‬ ‫بضعفائكم؟)) فالنصر ليس بمجرد شجاعة الشجعان‪.‬‬

‫فإذا كان القو ُّي ين ُص ُر به اللهُ ال ُمس ِلمين بشجاعتِه وق َّو ِته في محارب ِة الأعدا ِء؛‬ ‫فإ َّنه تعالى ين ُص ُر ال ُمسلِمين أي اضا بدعا ِء ضعفا ِئهم وتذلُّلِهم للهِ تعالى‪ ،‬ففي كلٍّ‬ ‫خي ٌر‪.‬‬ ‫فالنصر يتحقق من عند الله تعالى إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع‪ ،‬و من‬ ‫الأسباب التي يتهيأ بها النصر بإذن الله ‪ :‬دعاء هؤلاء الضعفاء‪ ،‬وصًلحهم‪،‬‬ ‫وحسن مقاصدهم‪ ،‬وسًلمة قلوبهم‪ .‬فغالباا مثل هؤلاء يكون أمرهم لله‪ ،‬وتكون‬ ‫مقاصدهم سليمة‪ ،‬ونياتهم صحيحة‪ ،‬ويكون الواحد منهم أقرب إلى التواضع‬ ‫وأبعد عن الكبر‪ ،‬وذلك يحبه الله‪ ،‬وهو أقرب إلى استجابة الدعاء‬ ‫((هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟)) ‪ ،‬بدعائهم وتضرعهم وعبادتهم‪ ،‬فًل‬ ‫يتحقق الرزق والكسب والبركات وما إلى ذلك‪ ،‬و الانتصار على الأعداء بمجرد‬ ‫قوة الأقوياء‪ ،‬سواء كانت تلك قوة عقلية أو فكرية أو علمية أو قوة بدنية‪ ،‬بل‬ ‫إن ذلك يتكون من مجموع هذه الأمور بعد توفيق الله وإرادته‪.‬‬ ‫و قد أراد صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بهذا القو ِل َح َّض سع ٍد رضي الله عنه على‬ ‫ال َّتوا ُض ِع‪ ،‬و َن ْف َي ال ِك ْب ِر وال َّز ْه ِو عن قلو ِب المؤمنين؛ ح َّتى لا َيحت ِق َر أ َح ٌد أح ادا من‬ ‫ال ُمسلِمين‬ ‫فعلى الإنسان ألا يحقر هؤلاء الضعفاء وأن يعرف قدرهم‪ ،‬وأن هؤلاء قد‬ ‫يكونون عند الله بمنزلة‪ ،‬فيتواضع لهم‪ ،‬ويوفي حقوقهم‪ ،‬ويدنيهم ويقربهم‬ ‫ويحبهم‪.‬‬

‫الحديث الثاني والسبعون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي ال َّدردا ِء ُعويمر رضي الله عنه َقالَ‪ :‬سمع ُت َر ُسولَ الله صلى الله عليه‬ ‫وسلم‪ ،‬يقول‪(( :‬ا ْب ُغوني ال ُّض َع َفاء‪َ ،‬فإ َّن َما ُت ْن َص ُرو َن و ُت ْر َز ُقو َن‪ِ ،‬ب ُض َع َفائِ ُك ْم))‬ ‫( رواه أَ ُبو داود بإسناد جيد )‬ ‫شرح الحديث‬ ‫ال َّن َظ ُر إلى ظا ِه ِر حا ِل الإنسا ِن ِم ْن َف ْق ٍر ونح ِو ذلك ِم َن الأشيا ِء الَّتي ُت ْعطي نظر اة‬ ‫قاصر اة في ال ُح ْك ِم على ال َّنا ِس‪.‬‬ ‫و في هذا ال َحدي ِث يقولُ ال َّنب ُّي صلَّى اللهُ عليه وس َلّم‪(( :‬ا ْب ُغوني)) ‪ ،‬أي‪ :‬ا ْطلُبوا‬ ‫لي وائتوا لي بهم‪.‬‬ ‫((ال ُّضعفا َء)) أي‪ :‬الفُقرا َء و َم ْن لا ُيبالي ال َّنا ُس ِبهم لِ َرثاث ِة حا ِلهم وهيئتِهم‪.‬‬ ‫و َطلَ ُبه لهم ص َّلى اللهُ عليه وسلَّم إ َّنما َيكو ُن بال َّتق ُّر ِب إلي ِهم و َتف ُّق ِد حا ِلهم‪ ،‬و ِح ْف ِظ‬ ‫حقوقِهم والإحسا ِن إليهم قو الا وفع اًل‬ ‫((فإنما ُت ْر َزقون)) أي‪َ :‬ي ْر ُزقُكم اللهُ ع َّز وجلَّ‪.‬‬ ‫((و ُت ْن َصرو َن)) أي‪ :‬على عد ِّو ُك ْم في المعا ِر ِك ونح ِوها‪.‬‬ ‫((ب ُضعفائِ ُكم)) أي‪ :‬ب َسب ِب َكو ِنهم بي َن أ ْظ ُه ِركم و ِرعاي ِتكم لهم‪ ،‬و َب َرك ِة ُدعائِ ِهم‪،‬‬ ‫وال ُّنصر ُة بال ُّضعفا ِء تكو ُن مع أ ْخ ِذ الأُ َّم ِة بأسبا ِب ال َّنص ِر الأخرى أي اضا؛ من إقام ِة‬ ‫ِدي ِن اللهِ جلَّ وعًل‪ ،‬والعد ِل‪ ،‬والأم ِر بالمعرو ِف والنهيِ عن المنك ِر‪ ،‬وعد ِم التف ُّر ِق‬ ‫أحزا ابا و ِشي اعا‪ ،‬وغي ِر ذلك من أسبا ِب ال َّنص ِر‪.‬‬ ‫((فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم)) لاحظ الجملة الحديث الأول قال‪(( :‬هل‬ ‫تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟ )) هذا استفهام مضمن معنى النفي‪،‬‬ ‫والإنكار‪ ،‬يعني لا ترزقون ولا تنصرون إلا بضعفائكم‪.‬‬

‫وهنا جاء مصرحاا به بصيغة الحصر‪ ،‬فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم‪،‬‬ ‫فالأمة وحدة متكاملة منتظمة‪ ،‬ليس هناك أحد لا شأن له ولا حظ ولا قيمة له‬ ‫لقلة حيلته‪ ،‬أقل ما يأتي منه ‪-‬وهو عظيم ج اّدا‪ -‬الدعاء والاستغفار‪.‬‬ ‫و في الحدي ِث ‪ :‬بيا ُن َف ْض ِل ُضعفا ِء المسلِمي َن‪.‬‬ ‫و فيه‪ :‬ال َّت ْحذي ُر ِم َن ال َّتك ُّب ِر على الفُقرا ِء وال ُّضعفا ِء‪ ،‬و والح ُّث على َج ْب ِر‬ ‫خوا ِط ِرهم‪ ،‬وعلى ُح ِّبهم‪.‬‬

‫المقدمة‬ ‫باب الوصية بالنساء‬ ‫الحديث الثالث والسبعون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي هريرة رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫((ا ْس َت ْو ُصوا بال ِّنسا ِء َخ ْي ارا؛ َفإِ َّن ال َم ْرأَ َة ُخلِ َق ْت ِم ْن ِضل ٍع‪َ ،‬وإ َّن أ ْع َو َج َما في‬ ‫ال ِّض َل ِع أ ْعًل ُه‪َ ،‬فإ ْن َذ َهب َت ُتقي ُم ُه َك َس ْر َت ُه‪َ ،‬وإ ْن َت َر ْك َت ُه‪ ،‬لَ ْم َي َزلْ أ ْعو َج‪َ ،‬فا ْس َتو ُصوا‬ ‫بال ِّنسا ِء))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه)‬ ‫و في رواية في الصحيحين‪(( :‬ال َمرأةُ كال ِّضلَ ِع إ ْن أ َق ْم َت َها َك َس ْر َت َها‪َ ،‬وإن ا ْس َتم َت ْع َت‬ ‫ِب َها‪ ،‬ا ْس َتم َت ْع َت و ِفي َها ع َو ٌج))‬ ‫و في رواية لمسلم‪(( :‬إ َّن ال َمرأ َة ُخلِ َقت ِم ْن ِضلَع‪َ ،‬ل ْن َت ْس َتقِي َم َل َك َعلَى َطريقة‪،‬‬ ‫فإن ا ْس َت ْم َت ْع َت ِب َها ا ْس َت ْم َت ْع َت بِ َها َوفي َها ع َو ٌج‪ ،‬وإ ْن َذ َه ْب َت ُتقِي ُم َها َك َس ْر َتها‪،‬‬ ‫َو َك ْس ُر َها َطًلَ ُق َها))‬ ‫شرح الحديث‬ ‫كان صلَّى اللهُ عليه وس َلّم كثي ارا ما ُيوصي بال ِّنسا ِء‪ ،‬وقد قال ص َلّى اللهُ عليه‬ ‫وس ّلَم‪َ « :‬خي ُركم َخي ُركم لأَهلِه» ‪ ،‬و َل َّما كان في َخ ْل ِق ال ِّنسا ِء ِعو اجا بأَص ِل ِخل َق ِتهن‬ ‫َن َّبه ص َّلى اللهُ عليه وسلَّم على ذلك‪ .‬فقال في هذا الحديث‪« :‬اس َت ْو ُصوا بال ِّنسا ِء‬ ‫خيرا» استوصوا بالنساء خير اا‪ ،‬السين والتاء للطلب‪ ،‬فيحتمل أن يكون المراد‪:‬‬ ‫اقبلوا وصيتي في النساء‪ ،‬أو أن المراد استوصوا بالنساء أي‪ :‬أن ذلك فيه‬ ‫طلب العناية والرعاية للنساء‪َ ،‬يعني‪َ :‬توا َص ْوا فيما بينكم بالإحسا ِن إلي ِه َّن‪،‬‬ ‫وتكون السين والتاء دخلت في هذا الموضع للتأكيد والمبالغة والعناية بهذا‬ ‫الأمر المذكور‬

‫و معنى ((استوصوا بالنساء خيراا)) ‪ :‬أي أن الإنسان يقوم عليها خير قيام‪،‬‬ ‫فيحسن عشرتها ومخالطتها‪ ،‬وينفق عليها بالمعروف‪ ،‬ويغفر لها الزلة والخطأ‪،‬‬ ‫ويتجاوز ويعفو ويصفح‪ ،‬ولا يقف عند كل صغيرة ولا كبيرة‪ ،‬ولا يستوفي حقه‬ ‫منها‪ ،‬وإنما يترك بعض الشيء ويفوت بعض التقصير‪.‬‬ ‫ثم علل ذلك‪ ،‬قال‪« :‬فإ َّن المرأَ َة ُخلِ َقت ِمن ِضلَ ٍع» ((فإن المرأة)) ‪ ،‬فالفاء‬ ‫للتعليل‪ ،‬لماذا نستوصي بهن خيراا؟ قال‪ :‬فإن المرأة خلقت من ِض َلع‪ ،‬وقد جاء‬ ‫في بعض الآثار عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره‪ :‬أنها خلقت من ض ْلع‬ ‫آدم الأيسر‪ ،‬و ال ِّض َل ُع أح ُد ِعظا ِم ال َّصد ِر‪ ،‬والمعنى‪ :‬أ َّن في َخل ِقهن ِعو اجا من‬ ‫أص ِل ال ِخ ْل َق ِة‪.‬‬ ‫«وإ َّن أعو َج َشي ٍء في ال ِّضلَ ِع أعًله»‪ ،‬أي‪ :‬وصفها بذلك للمبا َل َغ ِة في و ْص ِف‬ ‫الاع ِوجا ِج‪ ،‬ولل َّتأكي ِد على معنى ال َك ْسر؛ لأ َّن َتع ُّذ َر الإقام ِة في ال ِجهة ال ُعليا أ ْم ُره‬ ‫أظه ُر‪ .‬و قيل‪ُ :‬يح َتملُ أن يكو َن ذلك مثلٌ لأعلى المرأ ِة؛ لأ َّن أعًلها رأ ُسها‪ ،‬وفيه‬ ‫لسا ُنها‪ ،‬وهو ا َّلذي ينشأُ منه الاع ِوجا ُج‪ .‬و قيل‪ :‬أَعو ُج هاهنا من با ِب ال ِّصفة‪ ،‬لا‬ ‫من با ِب ال َّتفضي ِل؛ لأ َّن أفعلَ ال َّتفضي ِل لا ُيصا ُغ م َن الألوا ِن وال ُعيو ِب‪.‬‬ ‫((فإن ذهب َت ُتقي ُمه َك َس ْر َته)) ‪َ ،‬يعني‪ :‬إذا أَ َر ْد َت أن ُتقي َم ال ِّضل َع و َتج َع َله ُمستقي اما‬ ‫فإ َّنه َي ْن َك ِس ُر‪ ،‬فالضلع لايمكن أن يتقوم‪ ،‬وكذلك المرأَةُ إن أَر ْد َت منها الاستقا َم َة‬ ‫ال َّتا َّم َة في ال ُخلُ ِق أ َّدى الأم ُر إلى َطًل ِقها‪.‬‬ ‫«وإ ْن َتر ْك َته لم َيزلْ أعو َج‪ ،‬فاس َت ْو ُصوا بال ِّنسا ِء» َيعني‪ :‬أ َّنه لا َسبيلَ إ َّلا بال َّصب ِر‬ ‫على هذا الاع ِوجا ِج‪ ،‬ف َي ِج ُب ال َّصب ُر عليه والإحسا ُن إليه َّن‪ ،‬و ُحس ُن ُمعاشر ِته َّن‬ ‫مع ذلك‬ ‫هذا الحديث قاعدة عظمى فيما يتعلق بالتعامل مع النساء‪ ،‬ومن أنفع ما يكون‬ ‫للرجال‪ ،‬وهو من الأمور الحاملة للرجل على الصبر والتحمل لأخطاء المرأة‪،‬‬ ‫وعيوبها‪ ،‬وضعفها‪.‬‬

‫الحديث الرابع والسبعون بعد المائتين‬ ‫عن عبد الله بن َز ْم َع َة رضي الله عنه أ َّن ُه َس ِم َع ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم‬ ‫َي ْخ ُط ُب‪َ ،‬و َذ َك َر ال َّنا َق َة َوا َّل ِذي َع َق َر َها‪َ ،‬ف َقالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪{(( :‬إِذ‬ ‫ا ْن َب َع َث أ ْش َقا َها} ا ْن َب َع َث َل َها َر ُجلٌ َعزي ٌز‪َ ،‬عا ِر ٌم َمني ٌع في َر ْه ِط ِه))‪ُ ،‬ث َّم َذ َك َر ال ِّن َسا َء‪،‬‬ ‫َفو َع َظ ِفيه َّن‪َ ،‬ف َقالَ‪:‬‬ ‫(( َي ْع ِم ُد أ َح ُد ُك ْم َف َي ْجلِ ُد ا ْم َرأ َت ُه َج ْل َد ال َع ْب ِد َف َل َع َّل ُه ُي َضا ِج ُع َها ِم ْن آ ِخ ِر َيو ِم ِه)) ُث َّم‬ ‫َو َع َظ ُه ْم في َض ِح ِكه ْم ِم َن ال َّض ْر َط ِة‪َ ،‬وقالَ‪(( :‬لِ َم َي ْض َح ُك َأ َح ُد ُك ْم ِم َّما َي ْف َعلُ؟!))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫(( َوال َعا ِر ُم)) ُه َو ال ِّش ِّري ُر المف ِس ُد‪.‬‬ ‫((ا ْن َب َع َث)) أ ْي‪َ :‬قا َم بسرعة‪.‬‬ ‫عن عبد الله بن زمعة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه يخطب‬ ‫وذكر ناقة صالح‪ ،‬وذكر أن الرجل الذي انبعث لقتل الناقة‪ ،‬وترشح لذلك عزي ٌز‬ ‫عا ِرم‪ ،‬يعني أنه في منعة من قومه‪ ،‬قام بسرعة‪ { ،‬إِ ِذ ان َب َع َث أَ ْش َقا َها}‬ ‫[الشمس‪ ،]12:‬أشقى ثمود‪.‬‬ ‫((عزيز عارم )) يعني‪ :‬ذو منعة‪ ،‬هذا العزيز‪ ،‬والعارم هو الرجل الشرير‬ ‫الشرس الذي يجترئ على الناس‪ ،‬ولا يبالي بهم‪ ،‬عارم في الشر شرس الطباع‪.‬‬ ‫يقول النبي صلى الله عليه وسلم ‪ \" :‬انبعث لها رجل عزيز عارم‪ ،‬منيع في‬ ‫رهطه‪ \"....‬يعني‪ :‬أن قومه يمنعونه‪ ،‬له جماعة‪ ،‬وله عشيرة تمنعه من أن‬ ‫يوصل إليه‪.‬‬

‫ثم ذكر النساء‪ ،‬يعني‪ :‬النبي صلى الله عليه وسلم ذكر خبر الناقة في خطبته‪،‬‬ ‫وذكر في خطبته أيضاا النساء‪ ،‬فوعظ فيهن‪ ،‬يعني‪ :‬وعظ الرجال في النساء‪،‬‬ ‫وذ ّكرهم وأوصاهم بالرفق والحن ّو‪ ،‬وحسن الرعاية لهؤلاء النساء‬ ‫فقال‪(( :‬يعمد أحدكم فيجلد امرأة جلد العبد)) يعني‪ :‬أنه يضربها ضرباا مبرحاا‪،‬‬ ‫يعني‪ :‬كما يضرب العبد‪ ،‬أي يضربها ضرباا عنيفاا‪ ،‬كأنه لا عًلقة بينه وبينها‪،‬‬ ‫وكأنها عنده عبد أسير عا ٍن‪ ،‬وهذا لا يليق؛ لأن عًلقة الرجل مع أهله عًلقة‬ ‫خاصة ينبغي أن تكون مبنية على المحبة والألفة والبعد عن الفحشاء‪ :‬القولية‬ ‫أو الفعلية‬ ‫قال‪(( :‬فلعله يضاجعها من آخر يومه)) يعني‪ :‬يجامعها‪ ،‬والمقصود بهذا أن هذا‬ ‫أمر لا يتأتى‪ ،‬ولا يليق بحال من الأحوال أن يجمع الإنسان بين النقيضين‪،‬‬ ‫يضرب المرأة ضرب العبد ‪ ،‬ثم في آخر النهار يعاشرها‪.‬‬ ‫و المعاشرة ‪-‬الجماع‪ -‬هي صورة تتبدى فيها إشراقات النفس‪ ،‬ويظهر فيها من‬ ‫معاني الحنو والمودة والرحمة والألفة والصفاء بين الزوجين ما لا يمكن أن‬ ‫يوصف‪.‬‬ ‫كيف تضاجعها في آخر اليوم وتستمتع بها محبة وشهوة وأنت قد جلدتها جلد‬ ‫العبد؟! فهذا تناقض‪ ،‬ولهذا عتب النبي عليه الصًلة السًلم على هذا العمل‪،‬‬ ‫فإنه لا ينبغي أن يقع هذا الشيء من الإنسان‪ ،‬فإن هذا لا يليق بالعاقل فضًلا‬ ‫عن المؤمن‪.‬‬ ‫ثم تحدث أيضاا عن شيء آخر وهو الضحك من الضرطة‪ ،‬يعني إذا ضرط‬ ‫الإنسان وخرجت الريح من دبره ولها صوت ضحكوا‪ ،‬فقال صلى الله عليه‬ ‫وسلم واعظاا لهم في ذلك‪(( :‬لم يضحك أحدكم مما يفعل؟))‬ ‫بمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم أمراا‪ ،‬وهو أدب من الآداب‬ ‫الرفيعة‪ ،‬وذلك أن الإنسان قد يحصل منه ما يحصل من الحدث في حضرة‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook