Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore شرح رياض الصالحين المائة الثالثة

شرح رياض الصالحين المائة الثالثة

Published by مكتبة(ورتل) الإلكترونيه, 2021-04-19 18:39:06

Description: شرح رياض الصالحين المائة الثالثة

Search

Read the Text Version

‫الحديث الثًلثون بعد المائتين‬ ‫َع ْن عائشة رضي الله عنها َقالَ ْت‪َ :‬ن َها ُه ُم ال َّنب ُّي صلى الله عليه وسلم ع ِن‬ ‫ال ِو َصال َرح َم اة َل ُه ْم‪َ ،‬ف َقالُوا‪ :‬إ َّن َك ُت َوا ِصلُ؟ َقالَ‪:‬‬ ‫((إ ّني َل ْس ُت َك َه ْي َئ ِت ُك ْم‪ ،‬إ ِّني أبي ُت ُي ْطع ُمني َر ِّبي َو َيسقِيني))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫عن عائشة رضي الله عنها ‪ -‬أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهاهم عن‬ ‫الوصال رحمة لهم‪ ،‬يعني نهى الصحابة عن الوصال‪ ،‬والمقصود بالوصال‪ :‬أن‬ ‫الصائم لا يفطر بعد غروب الشمس‪ ،‬وإنما يستمر على صومه‪ ،‬وهو نوعان‪:‬‬ ‫الأول‪ :‬أن يبقى إلى السحر‪ ،‬يعني‪ :‬لا يأكل ولا يشرب‪ ،‬ولا يأتي شيئاا مما ُيمنع‬ ‫بالصوم‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬أن يواصل ليله بنهاره‪ ،‬لا يأكل ولا يشرب ويمتنع من سائر المفطرات‬ ‫فيواصل يوما أو يومين فأكثر‪ ،‬وقد نقل عن ابن الزبير ‪-‬رحمه الله‪ -‬أنه كان‬ ‫يواصل خمسة عشر يوماا‪ ،‬ونقل عن بعضهم أنه يواصل عشرة أيام‬ ‫فنهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك رحمة لهم يعني ‪ :‬شفقة عليهم‪،‬‬ ‫ولكنهم رضي الله عنهم فهموا أنه نهاهم رحمة بهم لا كراهة للعمل‪ ،‬وفي إحدى‬ ‫الروايات أنهم واصلوا ثم واصلوا حتى هل شهر شوال‪ ،‬فقال صلى الله عليه‬ ‫وسلم ‪ \" :‬لو تأخر الهًلل لزدتكم\" يعني لأبقيتكم تواصلون‪ ،‬قال ذلك تنكيًلا لهم‪،‬‬ ‫حتى يعرفوا ألم الجوع والعطش‪ ،‬ويكفوا عن الوصال من أنفسهم‪.‬‬ ‫الحاصل أنه نهاهم عن الوصال رحمة بهم‪ .‬فقالوا‪ :‬إنك تواصل ونحن نقتدي بك‬ ‫فقال‪ \" :‬إني لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقينى\"‬

‫يعني أنه عليه الصًلة والسًلم ليس كالأمة‪ ،‬بل هو يبيت عند ربه يطعمه‬ ‫ويسقيه‪ ،‬ومعنى ذلك أنه عليه الصًلة والسًلم يتهجد بالليل‪ ،‬ويخلو بالله ع ّز‬ ‫وجلّ بذكره‪ ،‬وقراءة كًلمه‪ ،‬وغير ذلك مما يغنيه عن الأكل والشرب‪ ،‬لأن‬ ‫الإنسان إذا اشتغل بالشيء نسي الأكل والشرب‪ ،‬خصوصاا إذا كان الشيء مما‬ ‫يحبه ويرضاه‬ ‫ولهذا قال النبي عليه الصًلة والسًلم‪ \" :‬إني ابيت يطعمني ربي ويسقيني\"‬ ‫فلست كهيئتكم‬ ‫وما زعمه بعض أهل العلم من أن المراد بالإطعام والإسقاء‪ ،‬الإطعام من الجنة‬ ‫والإسقاء من الجنة فليس بصحيح؛ لأنه لو طعم طعاماا حسياا وشرب شراباا‬ ‫حسياا‪ ،‬لم يكن واصًلا‪ ،‬وإنما المراد بالطعام والسقي ما يشتغل به صلى الله‬ ‫عليه وسلم من ذكر الله بقلبه ولسانه وجوارحه‪.‬‬ ‫قال ابن القيم ‪ :‬إن هذا من باب الاكتفاء بالالتذاذ بالعبادة‪ ،‬فإن الإقبال على الله‬ ‫تعالي بالمناجاة والصًلة والتعبد ورجاء ما عنده‪ ،‬والسرور بمعرفته وما أشبه‬ ‫ذلك يحصل للإنسان به من الشبع ومن الاكتفاء بما يحصل بذلك العمل من غذاء‬ ‫الأرواح‪ ،‬فيكفيه عن غذاء الأبدان‬ ‫وفي الحدي ِث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواصل وينهى أمته على‬ ‫الوصال شفقة بهم‬

‫المقدمة‬ ‫باب تعظيم حرمات والمسلمين وبيان حقوقهم‬ ‫الحديث الحادي والثًلثون بعد المائتين‬ ‫أَوبسيلم َق‪:‬تا(د(َةإ ِّناَفلأَيَتحاَلجأََّروُق َِزوث ُمفبإِ َلنيىِر َباص ِلعًلتيَّصًيلرة َك‪،‬ضَراَويأُه ِايرليلةهُدأأْعن ْننأهأُ ُش ََقطاَِّّقولَل‪َ َ:‬ع َلَفِقايى َلهَاأُ‪َِّ،‬مر ِهَف ُسأ)و)ْسلَم اعللهُب َكا َصءل اىل ا َّلصلبه ِّي‬ ‫عن‬ ‫عليه‬ ‫(رواه البخاري)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫هذا الحديث من النماذج التي تدل على رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته‬ ‫والشاهد من الحديث ‪ ،‬وهو أن النبي صلى الله عليه و سلم‬ ‫كان يراعي قلب هذه الأم التي يشتغل قلبها عند بكاء صبيها‪ ،‬فيوجز في صًلته‬ ‫صلى الله عليه و سلم‬ ‫(فأسمع بكاء الصبي) يدل على أنهم كانوا يأتون بالصبيان معهم إلى المساجد‬ ‫وأما حديث جنبوا مساجدنا صبيانكم ومجانينكم ‪ ،‬فًل أصل له‬ ‫(فأتجوز في صًلتي) يتجوز بمعنى أنه يختصر‬ ‫وقد جاء ما يوضح هذا في رواية عند مسلم عن أنس رضي الله عنه قال‪ :‬كان‬ ‫رسول الله صلى الله عليه و سلم يسمع بكاء الصبي مع أمه وهو في الصًلة‪،‬‬ ‫فيقرأ بالسورة الخفيفة‪ ،‬أو بالسورة القصيرة‬ ‫وقوله صلى الله عليه و سلم ‪ (:‬كراهية أن أشق على أمه)‬ ‫يدل على رحمته صلى الله عليه و سلم وشفقته‪ ،‬وأنه لا يريد أن ينشغل قلب‬ ‫هذه الأم على طفلها‪ ،‬وكذلك مراعاة أحوال الناس‪.‬‬ ‫فالإمام إذا رأى بالناس تعباا وإرهاقاا ينبغي أن يوجز في القراءة بأن يقرأ من‬ ‫قصار السور مثًلا‪ ،‬إذا علم أن بعض من يصلي خلفه متعب أو نحو ذلك‪.‬‬

‫وفي الحدي ِث فوائد منها‪:‬‬ ‫أولاا‪ :‬رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته وشفقته عليها‪.‬‬ ‫ثانياا‪ :‬جواز حضور النساء إلى المساجد ليصلين مع الجماعة‪ ،‬وهذا‬ ‫ما لم تخرج المرأة على وجه لا يجوز‪ ،‬مثل أن تخرج متعطرة أو متبرجه‪ ،‬فإن‬ ‫ذلك لا يجوز‬ ‫ثالثاا‪ :‬جواز إدخال الصبيان المسجد‬ ‫رابعا ‪ :‬يجوز للمصلي أن يغير نيته من تطويل إلى تخفيف أو بالعكس‪ ،‬إذا‬ ‫ُوجد سبب لذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل في الصًلة يريد أن‬ ‫يطيلها فيخفف‪.‬‬ ‫خامسا ‪ :‬ال ِّرف ُق بالمأمو ِم ‪ ،‬ومراعا ُة َمصلح ِتهم‪ ،‬وأ َّلا ُيد ِخلَ عليهم ما َي ُش ُّق‬ ‫عليهم‬ ‫سادسا ‪ :‬أ َّن صًلة ال َّنب ِّي صلَّى الله عليه وس ّلَم أكملُ صًل ٍة‪ ،‬ف ْل َيح ِر ِص ال ُمصلِّي‬ ‫على أ ْن يجعلَ صًل َته ِمثلَ صًلتِه؛ ل َيحظى بالاقتداء‪ ،‬ويفو َز بعظي ِم الأجر‬

‫الحديث الثاني والثًلثون بعد المائتين‬ ‫عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫َفإ َّن ُه‬ ‫ب َشي ٍء‪،‬‬ ‫َفًل َي ْطلُ َب َّن ُك ُم الله ِم ْن ِذ َّمته‬ ‫(( َم ْن َم ْنَص َّلَي ْىطلُ ْب َُهصًلم َة ْنالذ َّمُّصتْبه ِحب َف َش ُه َيو ٍءف ُييْد ِرذ ْ َّكم ُهِة‪،‬الُثل َّهم‬ ‫َج َه َّن َم))‬ ‫َي ُك ُّب ُه َعلَى َو ْج ِه ِه في َنا ِر‬ ‫( رواه مسلم)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫\" من صلى صًلة الصبح فهو في ذمة الله \"‬ ‫وهي صًلة الفجر وهي الصًلة الأولى عند بعض العلماء‪ .‬وعند بعض العلماء‬ ‫أن الصًلة الأولى هي صًلة الظهر‪ ،‬لكن الأصح أن الصًلة الأولي هي صًلة‬ ‫الفجر‪ ،‬والثانية‪ :‬الظهر‪ ،‬والثالثة‪ :‬العصر‪ ،‬وهي الوسطى‪ ،‬والرابعة‪ :‬المغرب‪،‬‬ ‫والخامسة‪ :‬العشاء‪..‬‬ ‫وصًلة الفجر تأتي وكثي ٌر من الناس نيام‪ ،‬ولهذا يتكاسل عنها المنافقون‪ ،‬كما‬ ‫قال النبي صلى الله عليه وسلم‪ \" :‬أثقل الصًلة على المنافقين‪ :‬صًلة العشاء‬ ‫وصًلة الفجر‪ ،‬ولو يعلمون ما فيهما لاتوهما ولو حبوا\"‬ ‫وهي وصًلة العصر أفضل الصلوات الخمس؛ لقول النبي‬ ‫صلى الله عليه وسمل‪ \" :‬من صلى البردين دخل الجنة\"‪.‬‬ ‫والبردان هما‪ :‬الفجر والعصر؛ لأن الفجر براد الليل‪ ،‬والعصر براد النهار‬ ‫\" من صلى صًلة الصبح \" ظاهره من صلى في جماعة أو غير جماعة‬ ‫وفي رواية جاء تقيد ذلك بالجماعة ‪(( :‬من ص َّلى صًلة الصبح في جماعة))‬ ‫وهذا يدل على أهمية صًلة الصبح وفضلها ومنزلتها‬ ‫ومن أهل العلم من يقول‪ :‬خصت صًلة الصبح بذلك؛ لأن الناس يحتاجون بعدها‬ ‫إلى هذا الحفظ‪ ،‬لأنهم ينتشرون في أعمالهم ويتفرقون في بيعهم وأسواقهم‬ ‫وشرائهم وحوائجهم‪ ،‬فقد يصل إليهم شيء من الأذى بسبب هذه الخلطة‬ ‫بالناس‪ ،‬فيحتاجون إلى مثل هذه الكًلءة والحفظ والرعاية من الله تعالى‬ ‫\" فهو في ذمة الله \" أي في أمانه و عهده‪ ،‬يعني أنه دخل في عهد الله فكأنه‬ ‫معاهد لله ع ّز وجلّ أن لا يصيبه أحد بسوء‪ ،‬وهذا فضل عظيم يحصل لهؤلاء‬ ‫الذين يحضرون صًلة الفجر‬

‫ولهذا قال عليه الصًلة والسًلم‪ \" :‬فًل يطلبنكم الله في ذمته بشيء\" يعني لا‬ ‫يعتدي أحد على من صلى الفجر؛ لأنه في ذمة الله وفي عهده‪ ،‬فإياكم أن يطلبكم‬ ‫الله تعالى من ذمته بشيء‪ \" ،‬فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه‪ ،‬ثم يكبه‬ ‫على وجهه في النار\"‪.‬‬ ‫فهذا الإنسان في عهد الله وحفظه وكًلءته وأمانه‪ ،‬فًل يطلبنكم الله من ذمته‬ ‫بشيء‪ ،‬فإنه من يطلبه من ذمته بشيء (يدركه) يعني‪ :‬لا يفوته‪ ،‬يدركه الله‬ ‫ويأخذه‪.‬‬ ‫وفي قوله‪( :‬ثم يكبه على وجهه في نار جهنم)‬ ‫تحذير للناس من أن يتعرضوا لأحد قد حصل له هذا المعنى‪ ،‬صلى الصبح في‬ ‫جماعة‪ ،‬ويدخل في َخ َفارة الذمة الغيبة والنميمة‪ ،‬ويدخل فيه أخذ ماله‪،‬‬ ‫واستغًلله والكذب عليه‪ ،‬والتدليس والغش في البيع والشراء‪ ،‬فضًلا عن شتمه‬ ‫وسبه وضربه وأذيته بأي لون من الأذى من قذف في العرض‪ ،‬أو نحو ذلك‪.‬‬ ‫ففي هذا دليلٌ على أنه يجب احترام المسلمين الذين برهنوا على إسًلمهم‬ ‫بصًلة الفجر؛ وإنه لايجوز لأحد أن يعتدي عليهم‬ ‫وفي الحدي ِث ‪ :‬وعيد شديد لمن تعرض للمصلين بسوء‬

‫الحديث الثالث والثًلثون بعد المائتين‬ ‫عن ابن عمر رضي الله عنهما أ َّن َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم َقالَ‪:‬‬ ‫((ال ُم ْسلِ ُم أَ ُخو ال ُم ْسلِم‪ ،‬لا َي ْظلِم ُه‪َ ،‬ولا ُي ْسل ُم ُه‪َ .‬م ْن َكا َن في َحا َجة أخيه‪َ ،‬كا َن اللهُ‬ ‫في َحا َجته‪َ ،‬و َم ْن َف َّر َج َع ْن ُم ْسلِم ُك ْر َب اة‪َ ،‬ف َّر َج اللهُ َع ْن ُه بها ُك ْر َب اة ِم ْن ُك َر ِب َيو ِم‬ ‫ال ِق َيا َم ِة‪َ ،‬و َم ْن َس َت َر ُم ْس ِل اما َس َت َر ُه اللهُ َيو َم ال ِقيا َم ِة))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫\" المسلم أخو المسلم\" يعني الأخوة في الدين‪ ،‬كما قال الله تبارك وتعالى‪:‬‬ ‫( َفأَ ْص َب ْح ُت ْم بِنِ ْع َم ِت ِه إِ ْخ َواناا) (آل عمران‪ :‬م‪)103‬‬ ‫أي مثل أخيه في الولاء والمحبة والنصح‬ ‫وهذه الأخوة هي أوثق الأخوات‪ ،‬أوثق من أخوة النسب‪ ،‬فهي أخوة ثابتة‬ ‫راسخة في الدنيا وفي الآخرة‪ ،‬تنفع الإنسان في حياته وبعد مماته‪ ،‬لكن هذه‬ ‫الأخوة لا يترتب عليها ما يترتب على أخوة النسب من التوارث ووجوب النفقة‬ ‫وما أشبه ذلك‪.‬‬ ‫ثم قال‪ \" :‬لا يظلمه ولا يسلمه\" لا يظلمه لا في ماله‪ ،‬ولا في بدنه‪ ،‬ولا في‬ ‫عرضه‪ ،‬ولا في أهله‪ ،‬يعني لا يظلمه بأي نوع من الظلم المادي أو المعنوي‬ ‫\" ولا يسلمه\" يعني لا يسلمه لمن يظلمه‪ ،‬فهو يدافع عنه ويحميه من شره‪،‬‬ ‫فهو جامع بين أمرين‪:‬‬ ‫الأمر الأول‪ :‬أنه لا يظلمه‪.‬‬ ‫والأمر الثاني‪ :‬أنه لا يسلمه لمن يظلمه بل يدافع عنه‪.‬‬ ‫ولهذا قال العلماء ‪ -‬رحمهم الله ‪ :-‬يجب على الإنسان أن يدافع عن أخيه في‬ ‫عرضه وبدنه وماله‬ ‫في عرضه‪ :‬يعني إذا سمع أحداا يسبه ويغتابه‪ ،‬يجب عليه أن يدافع عنه‬ ‫و في بدنه‪ :‬إذا أراد أحد أن يعتدي على أخيك المسلم وأنت قادر على دفعه‪،‬‬ ‫وجب عليك أن تدافع عنه‬ ‫وكذلك في ماله‪ :‬لو أراد أحد أن يأخذ ماله‪ ،‬فإنه يجب عليك أن تدافع عنه‪.‬‬

‫ثم قال عليه الصًلة والسًلم‪ \" :‬من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته\"‬ ‫يعني أنك إذا كنت في حاجة أخيك تقضيها وتساعده عليها؛ فإن الله تعالى‬ ‫يساعدك في حاجتك ويعينك عليها جزا اء وفاقاا‪.‬‬ ‫و ُيفهم من ذلك أن الإنسان إذا ظلم أخاه؛ فإن أخوته ناقصة‪ ،‬وإذا أسلمه إلى من‬ ‫يظلمه؛ فإن أخوته ناقصة‪ ،‬وإذا لم يكن في‬ ‫حاجته‪ ،‬فإن هذا يفوته الخير العظيم‪ ،‬وهو كون الله تعالى في حاجته‪.‬‬ ‫ثم قال‪ \" :‬ومن فرج عن مسلم كربة ؛ فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم‬ ‫القيامة\"‬ ‫الكرب ما يضيق على الإنسان ويشق عليه‪ ،‬ويجد له في نفسه هماا وغماا‪ ،‬فإذا‬ ‫فرجت عن أخيك هذه الكربة من كرب الدنيا ؛ فرج الله عنك كربة من كرب يوم‬ ‫القيامة‪.‬‬ ‫وتفريج الكربات يكون في أمور متعددة‪ :‬إن كانت كربة مالية؛ فبإعطائه المال‬ ‫الذي تزول به الكربة‪ ،‬وإن كانت كربة معنوية؛ فبالحرص على رد معنويته ورد‬ ‫اعتباره حتى تزول عنه الكربة‬ ‫\" ومن ستر مسلماا ستره الله يوم القيامة \" من ستر يعني‪ :‬غطى عيبه ولم‬ ‫يبينه‪ ،‬فإن الله يستره يوم القيامة‪ ،‬وفي روايه (ستره الله في الدنيا والآخرة) أي‬ ‫إذا سترته سترك الله في الدنيا والآخرة‬ ‫الناس يعيشون في كنف ستر الله تعالى ولو رفع ذلك عنهم افتضحوا‪ ،‬كل إنسان‬ ‫عنده تقصير وذنوب وأخطاء‪ ،‬وقد جاء رجل للإمام أحمد ‪-‬رحمه الله‪ -‬وسأله‬ ‫عن نسبه وقال‪ :‬نسمع أنكم من ذوي النسب‪ ،‬فقال له الإمام أحمد‪ :‬إنما نعيش‬ ‫في ستر الله ولو كشفه عنا لافتضحنا‪ ،‬كل إنسان يعيش في ستر الله تعالى ولو‬ ‫كشفه عنه لافتضح‪.‬‬ ‫فالمقصود أن طريق ستر العورات يوم القيامة والفضائح هو بالستر على‬ ‫المسلمين‪ ،‬ولذلك النبي صلى الله عليه و سلم أخبر فقال‪ ( :‬إن الغادر ينصب له‬ ‫لواء يوم القيامة‪ ،‬فيقال‪ :‬هذه غدرة فًلن بن فًلن)‬ ‫يفتضح بغدره‪ ،‬فمن أراد ألا يفتضح يوم القيامة أمام الخًلئق فعليه أن ينظر إلى‬ ‫هذا المعنى وليستر المسلمين‪ ،‬وإذا اطلع على عورة من عورات أخيه فعليه أن‬ ‫يستره وألا ينشر خطأه‪ .‬فالمؤمن لا يفرح بزلة أخيه ولا بخطئه‪ ،‬ولا‬

‫بوقوعه بشيء من الخلل أو الخطأ أو الانحراف‪ ،‬فإذا رأى شي ائا من ذلك آلمه‬ ‫وستره ونصحه وسدده‪.‬‬ ‫والنبي صلى الله عليه و سلم يقول‪( :‬من ي َّتبِع عورة أخيه يتبع الله عورته‪،‬‬ ‫ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته)‬ ‫والجزاء من جنس العمل‪ ،‬فهذا سعي وعمل قبيح‪ ،‬تعجل عقوبته في الدنيا قبل‬ ‫الآخرة‬ ‫والستر بالنسبة للأعمال السيئة التي يقوم بها الإنسان ينقسم إلى قسمين‪:‬‬ ‫قسم يكون من شخص منهمك في المعاصي مستهتر‪ ،‬فهذا لا نستر عليه‬ ‫وقسم آخر حصل منه هفوة‪ ،‬فهذا هو الذي نستر عليه‬ ‫وفي الحدي ِث ‪ :‬ح ّض المسلمين على التعاون‪ ،‬وشفقة بعضهم على بعض‪ ،‬وترك‬ ‫ظلمهم‪ ،‬وقضاء حوائجهم‪ ،‬وتفريج كرباتهم‪ ،‬وستر عوراتهم وإدخال السرور‬ ‫عليهم‪.‬‬

‫الحديث الرابع والثًلثون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي هريرة رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫ال ُم ْسلِ ِم َع َلى ال ُم ْسلِم‬ ‫ُكلُّ‬ ‫((ال ُم ْسلِ ُم أ ُخو ال ُم ْسلِ ُم‪ ،‬لا َي ُخو ُن ُه‪َ ،‬ولا َي ْك ِذ ُب ُه‪َ ،‬ولا َي ْخ ُذلُ ُه‪،‬‬ ‫ال َّش ِّر أ ْن َي ْحقِ َر أ َخاهُ‬ ‫ِم َن‬ ‫َح َرا ٌم ِع ْر ُض ُه َو َمال ُه َو َد ُم ُه‪ ،‬ال َّت ْقوى ها ُه َنا‪ ،‬ب َح ْسب ا ْمر ٍئ‬ ‫ال ُم ْسلِم))‬ ‫رواه الترمذي‪َ ،‬وقالَ‪(( :‬حديث حسن))‬ ‫شرح الحديث‬ ‫\" المسلم أخو المسلم\" أخوة الإيمان‪ ،‬وأنها أقوى رابطة وأوثق من أخوة‬ ‫النسب‬ ‫\" لا يخونه ولا يكذبه\" لا يخونه أي لا يغدر به في محل الائتمان‪ ،‬إذا ائتمنه‬ ‫على شيء‪ ،‬أو على مال‪ ،‬أو على سر‪ ،‬أو على غير ذلك فإنه لا يخونه‪،‬‬ ‫والخيانة هي الغدر بالشخص في موضع الائتمان‪ ،‬ولا يجوز لأحد أن يخون‬ ‫أخاه المسلم حتى وإن خانه‪.‬‬ ‫\"و لا يكذبه\" أي لا يحدثه بكذب‪ ،‬فإذا حدثه يصدقه‪ ،‬هذا من حق المسلم على‬ ‫المسلم أن يكون صادقاا معه‪ ،‬فًل يحدثه بحديث كذب لأن هذا فيه استخفاف به‪،‬‬ ‫وتدليس وتلبيس عليه‪ ،‬والكذب حرام‪ ،‬وكلما كانت آثاره أسوأ كان أشد إثماا‬ ‫وليس في الكذب شيء حًللاا‪ ،‬و يتضاعف إثمه بحس ما يترتب عليه‪ ،‬فإذا كان‬ ‫يترتب عليه أكل مال المسلم صار اشد إثماا‪ ،‬وإذا كان لا يترتب عليه أي شيء‬ ‫من الأضرار‪ ،‬فإنه أخف ولكنه حرام‬ ‫وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم \" إنه رخص في الكذب عند الإصًلح‬ ‫بين الناس وفي الحرب‪ ،‬وفي حديث الرجل امرأته‪ .‬وحديثها إياه\"‬ ‫ولكن كثيراا من العلماء قال‪ :‬إن المراد بالكذب في هذا الحديث ليس الكذب‬ ‫الصريح‪ ،‬وإنما هو التورية‪ ،‬والتورية تسمى كذباا‪ ،‬وهي أن يظهر للمخاطب‬ ‫شيئاا غير الذي يريده هو \"ولا يخذله\"‬ ‫يعني‪ :‬لا يترك نصرته حيث يحتاج إلى نصرته‪ ،‬والجزاء من جنس العمل فقد‬ ‫جاء عن النبي \"صلى الله عليه و سلم\"ما يدل على هذا ‪ \" :‬ما من امرئ يخذل‬ ‫امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله‬

‫في موطن يحب فيه نصرته‪ ،‬وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص‬ ‫فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته\"‬ ‫والخدلان في الحديث يشمل الفرد والجماعة‪ ،‬كما في حديث‪ \":‬انصر أخاك‬ ‫ظالماا أو مظلوماا \"‪ ،‬فالمسلم لا يجوز له بحال من الأحوال أن يخذل أمة من‬ ‫الأمم‪ ،‬أو طائفة من المسلمين‪ ،‬أو أن يسلمهم إلي الكفار‪ ،‬فضًلا عن أن يعين‬ ‫أعداء الله عليهم‪ ،‬أو يفرح بظهورهم عليهم‪ ،‬أو يفعل هذا نكاية بهم‬ ‫\"كل المسلم على المسلم حرام عرضه\"‬ ‫\" عرضه\" بأن لا تنتهك عرضه‪ ،‬وتتكلم فيه بين الناس‪ ،‬سواء كنت صادقاا فيما‬ ‫تقول أو كاذباا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الغيبة فقال‪\" :‬‬ ‫ذكرك أخاك بما يكره\" قالوا‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أريت إن كان في أخي ما أقول؟‬ ‫قال‪ \":‬إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته‪ ،‬وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته\"‬ ‫\" وماله\" فًل يأخذ من ماله شيئا ‪ ،‬لا غصباا‪ ،‬ولا سرقة‪ ،‬ولا خيانة‪ ،‬ولا دعوى‬ ‫ما ليس له‪ ،‬ولا غير ذلك بأي طريق‪ ،‬فًل يحل لك أن تأخذ مال أخيك بغير حق‬ ‫فإنه حرا ٌم عليك‪.‬‬ ‫\" ودمه \"فًل يعتدي على المسلم بقتل أو جرح او غير ذلك‬ ‫فالواجب على المسلم أن يحترم أخاه في ماله وعرضه ودمه‬ ‫وقوله‪\" :‬التقوى هاهنا\"‬ ‫يعني‪ :‬أن التقوى في القلب فإذا اتقى القلب أتقت الجوارح‬ ‫والتقوى هي أن يجعل الإنسان بينه وبين عذاب الله وقاية بفعل ما أمر واجتناب‬ ‫ما نهى‪ ،‬وألا يجدك حيث نهاك‪ ،‬وألا ُتفقد حيث أمرك‬ ‫والتقوى إنما تنشأ من القلب‪ ،‬وذلك أن عمل القلب أصل لعمل الجوارح‪ ،‬وكل‬ ‫أعمال الجوارح إنما هي متفرعة من عمل القلب‪ ،‬ولذلك قال النبي\"صلى الله‬ ‫عليه و سلم\"‪ :‬ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله‪ ،‬وإذا‬ ‫فسدت فسد الجسد كله‪ ،‬ألا وهي القلب‬ ‫فإذا كان في قلب الإنسان تقوى لله ع ّز وجلّ وخو ٌف منه وخشيه له‪ ،‬استقامت‬ ‫أعماله الظاهرة؛ لأن الأعمال الظاهرة تتبع القلب‪.‬فهذا القلب هو ملِك الجوارح‬ ‫وهي رعيته‪ ،‬وتصلح بصًلحه وتستقيم باستقامته‪ ،‬فقد تكون الجوارح مشتغلة‬

‫بما ظاهره أنه من الأعمال الصالحة‪ ،‬ولكن الإنسان بمنأى عن ذلك كله إذا كان‬ ‫قلبه خالياا من تقوى الله ‪ ،‬وإرادة ما عنده‪ ،‬والإخًلص لوجهه‬ ‫هذا معنى التقوى هاهنا‪ ،‬وليس المراد أن الإنسان يزعم أن قلبه قد اتقى وإن‬ ‫كانت جوارحه تشتغل بالمعصية‪ ،‬فهذا فهم غير صحيح‪ ،‬لأنه لو كان متقياا‬ ‫حقيقة لصلحت جوارحه‪ ،‬وصلحت أعماله‬ ‫ثم قال صلى الله عليه وسلم \" بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم\"‬ ‫يعني‪ :‬يكفيه من الشر أن يحقر أخاه المسلم‪ ،‬فلو لم يكن من الشر للمسلم إلا أن‬ ‫يحقر أخاه ويستصغره ويستذله‪ ،‬لكان كافياا في الإثم‪ ،‬وفي هذا أعظم زاجر عن‬ ‫احتقار أخيك المسلم‪ ،‬وأن الواجب عليك أن تحترمه بما فيه من الإسًلم‬ ‫والإيمان‬

‫الحديث الخامس والثًلثون بعد المائتين‬ ‫عن أبي هريرة رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪(( :‬لا‬ ‫َت َحا َس ُدوا‪َ ،‬ولا َت َنا َج ُشوا‪َ ،‬ولا َت َبا َغ ُضوا‪َ ،‬ولا َت َدا َب ُروا‪َ ،‬ولا َيب ْع َب ْع ُض ُك ْم َعلَى َب ْيع‬ ‫َب ْعض‪َ ،‬و ُكو ُنوا ِع َبا َد الله إ ْخ َوا انا‪ ،‬ال ُم ْسلِ ُم أ ُخو ال ُم ْسلم‪ :‬لا َي ْظ ِل ُم ُه‪َ ،‬ولا َي ْح ِق ُر ُه‪َ ،‬ولا‬ ‫َي ْخ ُذلُ ُه‪ ،‬ال َّت ْق َوى ها ُه َنا‪ -‬ويشير إِلَى صدره ثًلث مرات‪ --‬ب َح ْسب ا ْمر ٍئ ِم َن ال َّش ِّر‬ ‫أ ْن َيحقِ َر أ َخا ُه ال ُم ْسلِ َم‪ُ ،‬كلُّ ال ُم ْسلم َعلَى ال ُم ْسلم َح َرا ٌم‪َ ،‬د ُم ُه و َمالُ ُه وع ْر ُض ُه))‬ ‫(رواه مسلم)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫(لا تحاسدوا) ‪ :‬لا يحسد بعضكم بعضا‪.‬‬ ‫(ولا تناجشوا) ‪ :‬لا يزد بعضكم في ثمن سلعة لا يريد شراءها‪ .‬ليخدع بذلك‬ ‫غيره ممن يرغب فيها‪.‬‬ ‫(ولا تباغضوا) ‪ :‬لا تتعاطوا أسباب التباغض‪.‬‬ ‫(ولا تدابروا) ‪ :‬لا يعط أحد منكم أخاه دبره حين يلقاه مقاطعة له‪.‬‬ ‫(ولا يبع بعضكم على بيع بعض) ‪ :‬بأن يقول لمن اشترى سلعة في مدة الخيار‪:‬‬ ‫افسخ هذا البيع ‪ ،‬وأنا أبيعك مثله بأرخص منه ثمنا ‪ ،‬أو أبيعك أجود منه بثمنه‬ ‫أو يكون المتبايعان قد تقرر الثمن بينهما وتراضيا ‪ ،‬ولم يبق إلا العقد فيزيد‬ ‫عليه ‪ ،‬أو يعطيه بأنقص ‪ ،‬وهذا بعد استقرار الثمن ‪ ،‬أما قبل الرضا فليس‬ ‫بحرام‬ ‫(وكونوا عباد الله أخوانا) ‪ :‬كالتعليل لما تقدم ‪ ،‬أي تعاملوا معاملة الأخوة في‬ ‫المودة ‪ ،‬والرفق والشفقة والمًلطفة ‪ ،‬والتعاون في الخير ‪ ،‬ونحو ذلك مع‬ ‫صفاء القلوب‪.‬‬ ‫قوله‪\" :‬لا َت َحا َسدوا\" أي لا يحسد بعضكم بعضاا‪ .‬وما هو الحسد؟‬ ‫قال بعض أهل العلم‪ :‬الحسد تمني زوال نعمة الله ع ّز وجل على الغير‪ ،‬أي أن‬ ‫يتمنى أن يزيل الله نعمته على الآخر ‪،‬سواء كانت النعمة مالاا أو جاهاا أو علماا‬ ‫أو غير ذلك‬ ‫قال شيخ الإسًلم ابن تيمية‪ -‬رحمه الله ‪ -‬الحسد‪ :‬كراهة ما أنعم الله به على‬ ‫الغير وإن لم يتمن الزوال‬

‫فمجرد ما تكره أن الله أنعم على هذا الرجل بنعمة فأنت حاسد‪.‬‬ ‫\" َولا َت َنا َجشوا\" أي لا ينجش بعضكم على بعض‪ ،‬وهذا في المعامًلت‬ ‫ففي البيع المناجشة‪ :‬أن يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها‪ ،‬لكن يريد‬ ‫الإضرار بالمشتري أو نفع البائع‪ ،‬أو الأمرين معاا ‪.‬‬ ‫قال‪َ \" :‬ولا َت َبا َغضوا\" أي لا يبغض بعضكم بعضاا ‪،‬‬ ‫والمعنى‪ :‬لا تسعوا بأسباب البغضاء‪ .‬وإذا وقع في قلوبكم بغض لإخوانكم‬ ‫فاحرصوا على إزالته وقلعه من القلوب‪.‬‬ ‫\" َولا َت َدا َبروا\" إما في الظهور بأن يولي بعضكم ظهر بعض‪ ،‬أولا تدابروا في‬ ‫الرأي‪ ،‬بأن يتجه بعضكم ناحية والبعض الآخر ناحية أخرى‪.‬‬ ‫\" َولاَ َيبِع َبع ُض ُكم َعلَى َبي ِع َبع ٍض\"‬ ‫مثال ذلك‪ :‬رأيت رجًلا باع على آخر سلعة بعشرة‪،‬فأتيت إلى المشتري وقلت‪:‬‬ ‫أنا أعطيك مثلها بتسعة‪،‬أو أعطيك خيراا منها بعشرة‪،‬فهذا بيع على بيع أخيه‪،‬‬ ‫وهو حرام‪.‬‬ ‫\" َوكونوا ِع َبا َد الل ِه إِخوا َناا\" أي كونوا مثل الإخوان‪،‬ومعلوم أن الإخوان يحب كل‬ ‫واحد منهم لأخيه ما يحب لنفسه‪.‬‬ ‫وقوله‪ِ \" :‬ع َبا َد الل ِه\" جملة اعتراضية ‪،‬المقصود منها الحث على هذه الإخوة ‪.‬‬ ‫وبقية الحديث تم شرحه في الحديث السابق‪ ،‬وهذا الحديث أصل في الأخوة‬ ‫الإيمانية وحقوقها‬ ‫وفي الحدي ِث ‪ :‬تحريم الحسد وهو تم ِّني زوال نعمة المحسود‪ .‬والحس ُد اعتراض‬ ‫على الله تعالى في فعله‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬تحريم النجش؛ لأنه غش وخداع‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬النهي عن التباغض والتدابر‪ ،‬والنهي عن البيع على البيع‪ ،‬ومثله‬ ‫الشراء على الشراء‪ ،‬بغير إذنه في زمن الخيار؛ لأن ذلك من دواعي النفرة‬ ‫والتباغض‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬أ َّن التقوى إنما تحصل بما يقع في القلب من خشية الله ومراقبته‬

‫الحديث السادس والثًلثون بعد المائتين‬ ‫عن أنس رضي الله عنه عن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪:‬‬ ‫((لا ُيؤ ِم ُن أ َح ُد ُك ْم َح َّتى ُي ِح َّب لأ ِخي ِه َما ُي ِح ُّب ل َن ْف ِس ِه))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫\" لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه\"‬ ‫لا يؤمن‪ :‬يعني لا يكون مؤمناا حقاا تام الإيمان إلا بهذا الشرط؛ أن يحب لأخيه‬ ‫ما يحب لنفسه من الخير‪ ،‬وما يحب لنفسه‪ ،‬من ترك الشر‬ ‫وأن يكره لأخيه ما يكره لنفسه‪ ،‬هذا هو المؤمن حقاا‪ ،‬وإذا كان الإنسان يعامل‬ ‫إخوانه هذه المعاملة فإنه لا يمكن أن يغشهم أو يخونهم‪ ،‬أو يكذب عليهم‪ ،‬أو‬ ‫يعتدي عليهم‪ ،‬كما إنه لا يحب أن ُيفعل به مثل ذلك‪.‬‬ ‫وهذا الحديث يدل على أن من كره لأخيه ما يحبه لنفسه أو أحب لأخيه ما يكره‬ ‫لنفسه فليس بمؤمن‪ ،‬يعني ليس بمؤمن كامل الإيمان‪ ،‬ويكون قد نقص من‬ ‫إيمانه الواجب‬ ‫\"لا يؤمن\" ‪ :‬يفسر هذا النفي رواية أحمد بلفظ‬ ‫( لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير )‬ ‫صححه الألباني‬ ‫وكثي ارا ما يأتي هذا النفي لانتفاء بعض واجبات الإيمان وإن بقي أصله‪.‬‬ ‫\"ما يحب لنفسه\" ‪ :‬من الخير كما في رواية أحمد المتقدمة‪ .‬والخير كلمة‬ ‫جامعة تعم الطاعات و المباحات الدينية والدنيوية‪ ،‬وتخرج المنهيات‪.‬‬ ‫فمحبة الخير للغير من عًلمات كمال الإيمان ‪ ،‬فمن أحب الخير والنفع عامة‬ ‫لجميع المسلمين فقد كمل إيمانه‬ ‫وفي الحدي ِث ‪ :‬أ َّن الإيمان الكامل لا يحصل حتى يحب للمسلم من الطاعات‬ ‫والمباحات ما يحب لنفسه؛ لأ َّن المؤمنين كالجسد الواحد‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬التحري ُض على التواضع ومحاسن الأخًلق‪ ،‬ولا يحصل ذلك إلا‬ ‫بالمجاهدة‪ ،‬لأ َّنه خًلف الهوى‬

‫الحديث السابع والثًلثون بعد المائتين‬ ‫عن أنس رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪(( :‬ا ْن ُص ْر‬ ‫أ َخا َك َظال اما أَ ْو َم ْظلُو اما))‬ ‫َف َقالَ رجل‪َ :‬يا َر ُسول الل ِه‪ ،‬أ ْن ُص ُر ُه إِ َذا َكا َن َم ْظلُو اما‪ ،‬أ َرأ ْي َت إ ْن َكا َن َظا ِل اما َك ْي َف‬ ‫أ ْن ُص ُرهُ؟‬ ‫َقالَ‪(( :‬ت ْح ُج ُز ُه‪ -‬أَ ْو ت ْم َن ُع ُه‪ِ -‬م َن ال ُظ ْل ِم َفإِ َّن ذلِ َك َنص ُر ُه))‬ ‫(رواه البخاري)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫المسل ُم أخو المسل ِم‪ ،‬وهذه الأخ َّو ُة َتتع َلّ ُق بها حقوق وواجبا ٌت ِم َن الأخ ُتجا َه‬ ‫أخي ِه‪ ،‬و ِمن هذه الحقو ِق ا ّلَتي تج ُب على المسل ِم ِلأخيه ما ور َد في هذا الحدي ِث‬ ‫في قو ِله ص َّلى اللهُ عليه وس ّلَم‪:‬‬ ‫\" ا ْنص ْر أخا َك ظالِ اما أو مظلو اما \" النصر بمعنى الدفاع عن الغير أي دفع ما‬ ‫يضره‬ ‫\" انصر أخاك\" أي ادفع ما يضره‪ ،‬سواء كان ظالماا أو مظلوماا‬ ‫فقال رجلٌ‪ :‬يا رسولَ الل ِه أنص ُره إذا كا َن مظلو اما أرأ ْي َت إن كان ظالِ اما كي َف‬ ‫أنص ُره؟ أي‪ :‬أخبرني إن كان ظالماا فكيف أنصره؟‬ ‫ولم يقل‪ :‬فًل أنصره‪ ،‬بل قال‪ :‬كيف انصره؟ يعني سأنصره ولكن أخبرني كيف‬ ‫أنصره‬ ‫فن قفصابأرَل ُتْنه يصف َّلمنيىَعاهحللاهُِِملنعكليوُظ ِنهلهِموهم؛سظَّلللأم َّنو اهم\"اإَت ِبذاحرفُجم ِعُنز َعهالهأ ُّظوِمل ِمتنمنعُظ ُنعلهِهم‪،‬ه ِمأفََّمنقادا ُنلن ُّظلص َِصمر َ؛ُترههفإف َّعنليذىلحاكه ِلوانكُهوصِنو ُرهعهلظى\"ا ِل اما‬ ‫َشيطانِه ا َّلذي ُيغويه‪ ،‬وعلى نف ِسه ا َّلتي تأم ُره ِبال ُّسو ِء‪ ،‬وذلك هو أفضلُ ال َّنص ِر‪.‬‬ ‫فالظالم مظلوم في نفسه؛ لأنه َظ َل َم نفسه بعدم ردعها عن الظلم‪ ،‬فوجب نصره‬ ‫لذلك‪..‬‬ ‫وفي هذا دليلٌ على وجوب نصر المظلوم وعلى وجوب نصر الظالم على هذا‬ ‫الوجه الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫الحديث الثامن والثًلثون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي هريرة رضي الله عنه‪ :‬أ َّن َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم َقالَ‪َ (( :‬ح ُّق‬ ‫ال ُم ْسلِم َعلَى ال ُم ْسلِمَوإ َخَج ْام َب ُةٌسا‪:‬ل َّدَر ُّْدع َوالة‪َّ ،‬سًول َتِم‪ْ،‬ش َموي ِع ُ َتيااَدل ُةَعاالِط َمرِسي))ض‪َ ،‬وا ِّت َبا ُع ال َج َنا ِئ ِز‪،‬‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه)‬ ‫وفي رواية لمسلم‪َ (( :‬ح ُّق ال ُم ْسلِم َع َلى ال ُم ْسلِم س ٌّت‪ :‬إِ َذا َلقي َت ُه َف َس ِّل ْم َع َلي ِه‪َ ،‬وإِ َذا‬ ‫َد َعا َك َفأج ْب ُه‪ ،‬وإِ َذا ا ْس َت ْن َص َح َك َفا ْن َص ْح َل ُه‪ ،‬وإِ َذا َع َط َس َف َح ِم َد الله َف َش ِّم ْت ُه‪َ ،‬وإِ َذا‬ ‫َم ِر َض َف ُع ْدهُ‪َ ،‬وإِ َذا َما َت َفا َّتبِ ْع ُه))‬ ‫شرح الحديث‬ ‫ير ِش ُدنا ال َّنب ُّي صلَّى الله عليه وس َلّم إلى بع ِض الحقو ِق الَّتي للمسلِم على أخيه‬ ‫المسلِ ِم‪ ،‬والح ُّق بمعنى ح ِّق ال ُحرم ِة وال ُّصحبة‬ ‫والحق هو الشيء الثابت والتعبير بـ\"على\" يشعر بالوجوب‬ ‫فبدأ صلَّى الله عليه وسلَّم هذه الحقو َق بأ َّنها خم ٌس‪ ،‬أي‪ :‬خم ُس ِخصال‪ ،‬وحقوق‬ ‫المسلم على أخيه كثيرة‪ ،‬لكن النبي صلى الله عليه وسلم أحياناا يذكر أشياء‬ ‫معينة من أشياء كثيرة عناية بها واحتفا اء بها‬ ‫وهي‪:‬‬ ‫\"ر ُّد ال َّسًلم\" أي‪ :‬إعاد ُته لِ َمن ابت َدأ به‬ ‫وفي الحديث الثاني\" حق المسلم على المسلم ست‪ :‬إذا لقيته فسلم عليه‬ ‫فهذان أمران‪:‬‬ ‫ابتداء السًلم المأخوذ من قوله \" إذا لقيته فسلم عليه عليه\"‬ ‫ور ّد السًلم المأخوذ من قوله \" رد السًلم\"‬ ‫فابتداء السًلم سنة مؤكدة‪ ،‬وابتداء السًلم يكون من الصغير على الكبير‪ ،‬ومن‬ ‫الماشي على القاعد‪ ،‬ومن الراكب على الماشي‬ ‫فمن الحقوق التي للمسلم على أخيه السًلم رداا وابتدا اء‪.‬‬ ‫وحكم السًلم أن ابتداءه سن ٌة ور ّده فر ٌض‪ ،‬فرض عين على من ُقصد به‪،‬‬ ‫وفرض كفاية إذا قُصد به جماعة‪ ،‬فإنه يجزئ رد أحدهم‬ ‫أما الحق الثاني فهو عيادة المرض‪ :‬أي زيارتِه والاطمئنا ِن عليه‬

‫وعيادة المريض فرض كفاية‪ ،‬لابد أن يعود المسلمون أخاهم‪ ،‬وإذا عاده واحد‬ ‫منهم حصلت به الكفاية‪ ،‬وقد تكون فرض عين إذا كان المريض من الأقارب‪،‬‬ ‫وعدت عيادته من الصلة‪ ،‬فإن صلة الأرحام واجبة فتكون فرض عين‪.‬‬ ‫أما الحق الثالث فهو‪ :‬اتباع الجنائز‬ ‫أي تشييعها والمشي خلفها إلى حين دفنها بعد الصًلة عليها‬ ‫وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪ \" :‬من شهد الجنازة حتى‬ ‫ُيصلى عليها؛ فله قيراط‪ ،‬ومن شهدها حتى تدفن؛ فله قيراطان\" قيل‪ :‬وما‬ ‫القيراطان يا رسول الله؟ قال‪ :‬مثل الجبلين العظيمين\" وفي رواية‪ \" :‬أصغرهما‬ ‫مثل أُحد \" وهذا فضل عظيم وأجر كبير‪.‬‬ ‫ولما بلغ عبد الله بن عمر ‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬هذا الحديث قال‪ :‬لقد فرطنا في‬ ‫قراريط كثيرة‪ ،‬ثم صار بعد ذلك لا يرى جنازة إلا تبعها رضي الله عنه‬ ‫الحق الرابع‪ :‬إجابة الدعوة‪:‬‬ ‫أي‪ :‬تلبيتِها ِمن باب الأُلف ِة و ُحس ِن ال ُّصحب ِة‪ ،‬ما لم ي ُك ْن هناك مان ٌع شرع ٌّي أو‬ ‫ُعرف ٌّي‬ ‫فمن حق المسلم على أخيه إذا دعاه أن يجيبه‪ ،‬والأجابة إلى الدعوة مشروعة‬ ‫بًل خًلف بين العلماء‪ ،‬إذا كان الداعي مسلماا‪ ،‬ولم يكن مجاهراا بالمعصية‪ ،‬ولم‬ ‫تكن الدعوة مشتملة على معصية لا يستطيع إزالتها‬ ‫وهي مؤكدة جداا‪ ،‬إلا وليمة العرس فهي واجبة لأنه جاء عن النبي صلى الله‬ ‫عليه و سلم أنه قال‪( :‬ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله صلى الله عليه‬ ‫و سلم) ‪ ،‬وكذلك أمر النبي صلى الله عليه و سلم فقال‪ (:‬إذا ُدعي أحدكم فليجب‪،‬‬ ‫فإن كان صائ اما فل ُيصلِّ‪ ،‬وإن كان مفط ارا‪ ،‬فل َيط َعم) ‪ ،‬فليصلِّ يعني‪ :‬فليد ُع لهم‬ ‫بالبركة‪.‬‬ ‫ولكنه يرخص له في ترك إجابة وليمة العرس إن علم أنها تشتمل على منكر‪،‬‬ ‫كالمعازف وغيرها‬ ‫والحق الخامس‪ :‬تشميت العاطس‪ :‬أي‪ :‬ال ُّدعا ِء له إذا ح ِمد‪ ،‬وهو قول‪ :‬ر ِحمك‬ ‫الله‪ ،‬إذا ح ِمد الله‪.‬‬

‫فمن حقوق المسلم على المسلم أن يشمته إذا عطس‪ ،‬هكذا في الرواية الأولى‬ ‫التى أخرجها البخاري ومسلم‪ ،‬وفي الرواية الثانية التى أخرجها مسلم‪ \" :‬إذا‬ ‫عطس فحمد الله فشمته\" فقيد ذلك بما إذا حمد الله‪.‬‬ ‫وتشميت العاطس هو أن يقول له إذا حمد الله‪ :‬يرحمك الله‪ ،‬ثم يقول العاطس‪:‬‬ ‫يهديكم الله ويصلح بالكم‪.‬‬ ‫ومن الناس من يقول‪ :‬يهدينا ويهديكم الله‪ ،‬وهذا لم يرد‪ ،‬وهذه الأذكار والأدعية‬ ‫والأوراد التي جاءت عن الشارع ُيلتزم لفظها فًل يزيد فيها الإنسان ولا ينقص‬ ‫وإن عطس ولم يحمد الله فًل تشمته‬ ‫و التشميت بقول‪ :‬يرحمك الله مقيد بثًلث؛ إذا شمته ثًلث مرات‪ ،‬ثم عطس‬ ‫الرابعة فقل‪ :‬عافاك الله‪ ،‬إنك مزكوم‬ ‫والِمأُثلفلُ ِةهذواهل املوحَّدقة‪،‬و ِقو ُتإزذايلُقا ِممنبهاالقالل َّنوا ِب ُسوابلعُّنف ُضوهمس املع َّضبغعائٍ َنض‪،‬و َتالزأي ُدحقاِم َدن‬

‫الحديث التاسع والثًلثون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي ُع َمارة البرا ِء بن عازب رضي الله عنهما‪َ ،‬قالَ‪ :‬أمرنا َر ُسول الله صلى‬ ‫َاوول َإتِلهْف ْش َشِمعالي ِيء ِتهالالو ََّسعًاسلل ِطمم‪،‬بِسو‪،‬سَنب ََهوعاإ َ‪،‬نْباروا َنعر ْهنا(ناالَخقوعاستِمني)ٍم أسأَ ْبووعا َت‪:‬ل َُمخأ ُّْتقَم ٍمَِرس َنبماا‪،‬ل َّبذعوَهََينا َِبدْص‪،‬ة ِر َاولالََمع َِمرْنيْظلُ ُوشضْمر‪ٍ ،،‬بَ َوواإبِّتا ََبلجاافِ َبِع ِةَّضالاِةل‪ََّ،‬جد َانَاو َِعزَع ِةي‪،‬ن‪،‬‬ ‫الم َيا ِث ِر ال ُح ْم ِر‪َ ،‬و َعن ال َق ِّس ِّي‪َ ،‬و َع ْن لُ ْب ِس ال َحري ِر والإ ْست ْب َر ِق َوال ِّدي َبا ِج‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه)‬ ‫وفي رواية‪َ :‬وإ ْن َشا ِد ال َّضا َّل ِة في ال َّس ْب ِع الأُ َول‪.‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫\" أمرنا رسول صلى الله عليه وسلم بسبع \" أي‪ :‬سبع خصال‪ ،‬وهي من حقوق‬ ‫المسلمين بعضهم على بعض‪.‬‬ ‫فإن هذه الأعمال السبعة التي أمر بها صلى الله عليه وسلم كلها تهدف إلى‬ ‫رعاية حقوق الإنسان‪ ،‬في حياته وتكريمه بعد وفاته‬ ‫\" أمرنا بعيادة المريض \" وهذا من الحقوق الاجتماعية التي تجب على كل‬ ‫مسلم ويسن له أداؤها لغيره من المسلمين‪ ،‬أو من الناس مطلقاا حيث أمر النبي‬ ‫صلى الله عليه وسلم بعيادة المريض أي زيارته أثناء مرضه‪ ،‬لتسليته‬ ‫والتخفيف عنه‪ ،‬وهي من أقوى العوامل المؤدية إلى تحسين حالته النفسية‬ ‫والجسمية‬ ‫\" واتباع الجنازة \" أي بتشييعها والصًلة عليها ودفنها‬ ‫\" وتشميت العاطس \" أي الدعاء له بالخير إذا حمد الله‪ ،‬فيقال له‪ :‬يرحمك الله‬ ‫\" وإبرار (القسم) أو المقسم \" وهو فعل الشيء الذي أقسم عليه تحقيقاا لرغبته‬ ‫لئًل يحنث في يمينه‪ ،‬إلا إذا كان في ذلك ضرر عليك‬ ‫\" ونصر المظلوم \" أي إغاثته‪ ،‬ودفع الظلم عنه‪ ،‬سواء كان ظلمه في المال أو‬ ‫في العرض أو في النفس‪ ،‬فيجب علي المسلم أن ينصر أخاه المسلم‬ ‫\"وإجابة الداعي\" أي وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإجابة الدعوة وهي‬ ‫وليمة العرس‬

‫وما يتخذ من الطعام عند المناسبات السعيدة من حدوث نعمة أو زوال نقمة‬ ‫ابتهاجاا وفرحاا وشكراا لله تعالى‬ ‫والجمهور على أن وليمة العرس واجبة وما عداها مستحبة‪ ،‬إلا أن يكون هناك‬ ‫منكر في هذه الدعوة فإنها لا تجاب‬ ‫\" وإفشاء السًلم \" أي إشاعة السًلم في المجتمع على من عرفت ومن لم‬ ‫تعرف‬ ‫وفي رواية من السبع المأمور بهم‬ ‫\" وإنشاد الضالة\" يعني مما أمرهم به إنشاد الضالة‪ ،‬يعني أن الإنسان إذا وجد‬ ‫ضالة وجب عليه إنشادها وتعريفها ‪،‬و طلب من هي له‬ ‫وإنشاد الضالة له نوعان‪:‬‬ ‫النوع الأول ‪ :‬ما ذكرنا وهذا واجب على الإنسان‪.‬‬ ‫النوع الثاني‪ :‬منه ٌي عنه وذلك مثل ما يقع في المساجد‪ ،‬وهو أن يطلب الإنسان‬ ‫الضالة فيه‪ ،‬فهذا لا يجوز في المسجد‪ ،‬وهو محرم‪ ،‬لأن المساجد لم تبن لهذا‪،‬‬ ‫قال النبي عليه الصًلة والسًلم‪ \" :‬إذا سمعتم أحداا ينشد ضالة في المسجد‬ ‫فقولوا له‪ :‬لا ردها الله عليك؛ فإن المساجد لم ُتبن لهذا\"‬ ‫ثم ذكر المنهيات قال \"ونهانا عن َخوا ِتي ٍم أَو َت َخ ُّت ٍم بالذهب\"‬ ‫فهذا بالنسبة للرجل لا يجوز أن يتحلى بالذهب لا في الخاتم ولا في الساعة ولا‬ ‫في غيرهما‪ ،‬وأما بالنسبة للنساء فإنه يحل لهن‪ ،‬كما ثبت عن النبي صلى الله‬ ‫عليه و سلم أنه قال‪ \" :‬إن هذين حرام على ذكور أمتي‪ ،‬حل لإناثهم\"‬ ‫وهما الذهب والحرير‬ ‫\"وعن شرب بالفضة \" أي نهانا عن أن نشرب في آنية الفضة‪ ،‬سواء كان‬ ‫الشارب رجًلا أم امرأة؛ لأن تحريم الأواني من الذهب والفضة شامل للرجال‬ ‫والنساء‪ ،‬ولا فرق بين الفضة الخالصة وبين المموه بالفضة‪ ،‬كل ذلك حرام‬ ‫فًل يجوز للمرأة ولا للرجل أن يأكًل في صحاف الذهب أو الفضة‪ ،‬ولا أن يشربا‬ ‫في آنيتهما‪ ،‬لقول النبي صلى الله عليه و سلم ‪ \" :‬لا تشربوا في آنية الذهب‬ ‫والفضة‪ ،‬ولا تأكلوا في صحافها\"‬

‫وقد ألحق به جمع كثير من أهل العلم المم ّوه بهما‪ ،‬يعني‪ :‬المطلي‪ ،‬وهكذا ما‬ ‫ُيتخذ وإن لم يستعمل فيوضع مث اًل في رف في دولاب للزينة‬ ‫\"وعن المياثر الحمر\" المياثر الحمر‪ :‬جمع ميثرة‪ ،‬وهي شيء يتخذ من حرير‬ ‫ويحشى في داخله القطن ويجعل على السرج على الفرس ليجلس عليه الراكب‬ ‫‪ ،‬فيكون ألين وأنعم وأرق‪ ،‬وحتى لو كانت ليست بحمراء فإنه لا يجوز للرجل‬ ‫أن يجلس على الحرير‪ ،‬ولا أن يلبس الحرير‬ ‫\"وعن ال َق ِّس َّي\" وهي ثياب تنسج من حرير وكتان مختلطين ‪ ،‬فلبس الحرير‬ ‫عمو اما أو الجلوس عليه لا يجوز‬ ‫\"وعن لبس الحرير والإستبرق والديباج \" والإستبرق هو الحرير الغليظ‬ ‫\"والديباج\" وهو صنف من الحرير‪ ،‬وعطفهما عليه من عطف الخاص على‬ ‫العام‬

‫المقدمة‬ ‫باب ستر عورات المسلمين والنهي عن إشاعتها لغير ضرورة‬ ‫الحديث الأربعون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي هريرة رضي الله عنه عن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪:‬‬ ‫((لاَ َي ْس ُت ُر َع ْب ٌد َع ْب ادا في ال ُّد ْن َيا إل َّا َس َت َر ُه اللهُ َي ْو َم القِ َيا َم ِة))‬ ‫(رواه مسلم)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫يأ ُم ُر ال َّنب ُّي ص َّلى اللهُ عليه وس ّلَم ب َمحاس ِن الأَخًل ِق‪ ،‬و ِمنها ال َّست ُر‪ ،‬فإِذا َرأى‬ ‫الإنسا ُن ِمن أخي ِه َمعصي اة َفًل َيفض ْحه ولا َين ُش ْرها بي َن ال َّنا ِس‪ ،‬بل َيس ُت ُرها‬ ‫(لا يستر عب ٌد عب ادا) يعني‪ :‬حتى لو كان هذا العبد الذي ُستر من العصاة‪ ،‬فما‬ ‫المصلحة من إفشاء ذلك إلا إذا كان المقام يتطلب هذا‪ ،‬أما الفضح لمجرد‬ ‫الفضح فهذا ليس بمطلوب ولا مقصود‬ ‫والستر يعني الإخفاء‪ ،‬و الستر ليس محمود اا على كل حال‪ ،‬وليس مذموماا على‬ ‫كل حال‪ ،‬فهو نوعان‪ :‬النوع الأول‪ :‬ستر الإنسان الستير‪ ،‬الذي لم تجر منه‬ ‫فاحشة‪ ،‬ولا ينبغي منه عدوان إلا نادر اا‪ ،‬فهذا ينبغي أن يستر وينصح ويبين له‬ ‫أنه على خطأ‪ ،‬وهذا الستر محمود‪.‬‬ ‫والنوع الثاني‪ :‬ستر شص مستهتر متهاون في الأمور معت ٍد على عباد الله‬ ‫شرير‪ ،‬فهذا لا يستر؛ بل المشروع أن يبين أمره لولاة الأمر حتى يردعوه عما‬ ‫هو عليه‪ ،‬وحتى يكون نكالاا لغيره‪.‬‬ ‫فالستر يتبع المصالح؛ فإذا كانت المصلحة في الستر؛ فهو أولى‪ ،‬وإن كانت‬ ‫المصلحة في الكشف فهو أولى‪ ،‬وإن تردد الإنسان بين هذا وهذا؛ فالستر أولى‬ ‫وفي الحدي ِث ُيب ِّي ُن صلَّى اللهُ عليه وس َّلم أ َّنه لا َيس ُت ُر عب ٌد َعب ادا في ال ُّدنيا إ َّلا‬ ‫س َت َره اللهُ ع َّز وجلَّ يو َم القيام ِة؛ فال َجزا ُء ِمن ِجن ِس ال َعم ِل‬

‫الحديث الحادي والأربعون بعد المائتين‬ ‫عن أبي هريرة رضي الله عنه َقالَ‪ :‬سمعت َر ُسولَ الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫ال ُم َجا َه َر ِة أَ ْن َي ْع َملَ ال َّر ُجلُ‬ ‫إلا ال ُم َجا ِه ِري َن‪َ ،‬وإ َّن ِم َن‬ ‫يقول‪ُ (( :‬كلُّ أُ َّم ِتي ُم َعا افى‬ ‫َيا فًُل ُن‪َ ،‬ع ِمل ُت ال َبا ِر َح َة َك َذا‬ ‫َس َت َرهُ اللهُ َعلَي ِه‪َ ،‬في ُقولُ‪:‬‬ ‫بال َّلي ِل َع َم اًل‪ُ ،‬ث َّم ُي ْصب ُح َو َق ْد‬ ‫َو َك َذا‪َ ،‬و َق ْد َبا َت َي ْس ُت ُرهُ َر ُّب ُه‪َ ،‬و ُيصب ُح َي ْك ِش ُف س ْت َر اللهِ َع ْنه))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫(كل أمتي معافى) أي كل الأمة قد عافاهم الله‬ ‫وقال بعض أهل العلم أن المعافاة هنا من ذم الناس وعيبهم له وإساءتهم إليه‬ ‫ووقيعتهم في عرضه‬ ‫فمعافى يعني‪ :‬أن عرضه مصون‪ ،‬محفوظ وله حرمته فًل يصل إليه أحد‬ ‫بأذية‪ ،‬غيبة‪ ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬فإذا جاهر فإنه تناله ألسنة الناس ولربما حصل له‬ ‫شيء من التعدي من جهتهم بأنواعه المختلفة‬ ‫(إلا المجاهرين ) و المجاهرة ‪ :‬من الجهر الذي يقابل الإسرار والخفاء بالشئ‬ ‫والمجاهرون هم الذين يجاهرون بمعصية الله عز وجل‪ ،‬وهم ينقسمون إلى‬ ‫قسمين‪:‬‬ ‫الأول‪ :‬أن يعمل المعصية وهو مجاهر بها‪ ،‬فيعملها أمام الناس‪ ،‬وهم ينظرون‬ ‫إليه‪ ،‬هذا لا شك أنه ليس بعافية؛ لأنه جر على نفسه الويل‪ ،‬وجره على غيره‬ ‫أيضا‪ .‬أما جره على نفسه‪ :‬فلأنه ظلم نفسه حيث عصى الله ورسوله‪ ،‬وكل‬ ‫إنسان يعصي الله ورسوله؛ فإنه ظالم لنفسه‬ ‫وأما جره على غيره‪ :‬فلأن الناس إذا رأوه قد عمل المعصية؛ هانت في‬ ‫نفوسهم‪ ،‬وفعلوا مثله‪ ،‬وصار من الأئمة الذين يدعون إلى النار‬ ‫فهذا نوع من المجاهرة‪ ،‬ولم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه واضح‬

‫الثاني ‪ :‬ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث‪ ،‬فذكر أمراا آخر قد‬ ‫يخفى على بعض الناس فقال‪ :‬ومن المجاهرة أن يعمل الإنسان العمل السيئ في‬ ‫الليل فيستره الله عليه‪ ،‬وكذلك في بيته فيستره الله عليه ولا ُيطلع عليه أحداا‪،‬‬ ‫ولو تاب فيما بينه وبين ربه؛ لكان خيراا له‪ ،‬ولكنه إذا قام في الصباح واختلط‬ ‫بالناس قال‪ :‬عملت البارحة كذا‪ ،‬وعملت كذا‪ ،‬وعملت كذا‪ ،‬فهذا ليس معافى‪،‬‬ ‫هذا قد ستر الله عليه فأصبح يفضح نفسه‪.‬‬ ‫هذا الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم ما قال‪ ،‬لماذا خصه النبي صلى‬ ‫الله عليه وسلم سواء عمله س اّرا ثم أخبر الناس‪ ،‬أو أنه عمله أمامهم؟‪.‬‬ ‫لأن هذا مستخف بحق الله تعالى لا يبالي‪ ،‬فالمؤمن إذا عمل الذنب يستحي من‬ ‫الله ويخشى أن يفضحه الله ‪-‬تبارك وتعالى‪ -‬وأن يظهر ذلك للناس‪ ،‬فهو وجل‬ ‫خائف‪ ،‬أما هذا فمستخف بالمعصية‪ ،‬يقول النبي صلى الله عليه وسلم ‪( :‬وقد‬ ‫بات يستره ربه‪ ،‬ويصبح يكشف ستر الله عنه)‬ ‫هذا الحديث ما عًلقته بباب ستر عورات المسلمين؟‪.‬‬ ‫العًلقة بينهما من جهتين‪:‬‬ ‫الجهة الأولى‪ :‬أنه إذا طلب ستر عورات الناس‪ ،‬فكذلك أيضاا الإنسان يستر‬ ‫نفسه‪ ،‬إذا كان مطال ابا بستر عورات المسلمين فهو مطالب أن يستر نفسه أي اضا‪.‬‬ ‫الجهة الثانية‪ :‬أنه إن كان يحرم عليه أن يكشف ستر الله عليه‪ ،‬مع أن هذا أمر‬ ‫يتعلق بذاته‪ ،‬لا يتعلق بمظلمة للخلق‪ ،‬ولا بأعراضهم‪ ،‬فكذلك أيضاا يحرم عليه‬ ‫أن يهتك ستر المسلمين‪ ،‬ويتكلم في أعراضهم ويفضحهم‬ ‫فينبغي للإنسان أن يراجع قلبه عند فعل الذنب‪ ،‬وينظر هل يتحرك أو لا‬ ‫يتحرك؟‪ ،‬هل يجد حرجاا وحياء؟‪ ،‬لأن هذه كلها مؤشرات ودلائل تدل على حياة‬ ‫القلب‪ ،‬وعلى مرضه أو موته أحياناا‪.‬‬ ‫وينبغي للإنسان أن يتستر بستر الله عز وجل‪ ،‬وأن يحمد الله على العافية‪ ،‬وأن‬ ‫يتوب فيما بينه وبين ربه من المعاصي التي قام بها‪ ،‬وإذا تاب إلى الله وأناب‬ ‫إلى الله؛ ستره الله في الدنيا والآخرة‬

‫الحديث الثاني والأربعون بعد المائتين‬ ‫عن أبي هريرة رضي الله عنه عن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪:‬‬ ‫ال َّثانِ َي َة‬ ‫َولا ُي َث ِّر ْب َعلَ ْي َها‪ُ ،‬ث َّم إ ْن َز َن ِت‬ ‫ال َح َّد‪،‬‬ ‫((إِ َذا َز َن ِت الأَ َم ُة َف َتب َّي َن ِز َنا َها َف ْل َي ْج ِل ْد َها‬ ‫َش َعر))‬ ‫ال َّثالِ َث َة َف ْل َيبِ ْع َها َو َل ْو ِب َح ْبل ِم ْن‬ ‫َز َن ِت‬ ‫َف ْل َي ْجلِ ْد َها ال َح َّد‪َ ،‬ولا ُي َث ِّر ْب َع َل ْي َها‪ُ ،‬ث َّم إ ْن‬ ‫(متفق عليه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫(إذا زنت الأمة) المقصود بالأمة ‪ :‬هي المملوكة التي تباع وتشترى‪.‬‬ ‫(فليجلدها الحد) وهو خمسون جلدة‪ ،‬لقول الله تبارك وتعالى‪َ {:‬فإِ ْن أَ َت ْي َن‬ ‫ِب َفا ِح َش ٍة َف َعلَ ْي ِه َّن ِن ْص ُف َما َعلَى ا ْل ُم ْح َص َنا ِت ِم َن ا ْل َع َذا ِب} [النساء‪]25:‬‬ ‫فإنها تجلد نصف الحد الذي تجلده الحرة‬ ‫(ولا يثرب عليها) معنى لا يثرب عليها يعني‪ :‬لا يوبخها‪ ،‬لأن الحكم إنما هو‬ ‫الجلد‪ ،‬هذا هو الحد‪ ،‬فإذا جلدت حصل مقصود الشارع‪ ،‬وحصلت العقوبة‬ ‫المرتبة على هذا الفعل القبيح‬ ‫(ثم إن زنت الثانية فليجلدها الحد ولا يثرب عليها‪ ،‬ثم إن زنت الثالثة فليبعها‬ ‫ولو بحبل من شعر) يعني ولا يبقيها؛ لأنه لا خير فيها‪.‬‬ ‫والسبب في أمر النبي صلى الله عليه وسلم ببيعها ولو بشيء زهيد وهو بحبل‬ ‫من شعر يمكن أن يقال‪ :‬إن ذلك لمفارقة أهل المنكر‪ ،‬والفواحش‪ ،‬فًل يصحبهم‬ ‫الإنسان ولا يبقيهم عنده في بيته‪ ،‬وإنما يتخلص منها‪ ،‬قد تقع منها زلة أول‬ ‫مرة‪ ،‬ثم يحتمل منها الثانية‪ ،‬يقام عليها الحد‪ ،‬فإذا تكرر ثًلث مرات فإن ذلك‬ ‫يدل على ترسخ هذا الوصف الذميم فيها‪ ،‬وأنه لا يكاد يفارقها‪ ،‬وأهل الباطل‬ ‫ينبغي مفارقتهم‪ ،‬فًل يعاشرهم الإنسان‬

‫ولأنه إذا تغيرت بها الأحوال بالبيع ؛ فربما تتغير حالها‪ ،‬وأيضا إذا باعها؛‬ ‫فسوف يخبر المشتري بأنها أمة تزني‪ .‬وسوف يكون المشتري شديداا عليها‬ ‫حتى يمنعها من ذلك‬ ‫والعًلقة بين هذا الحديث وبين الباب ‪-‬ستر عورات المسلمين‪ -‬أن هذه المرأة‬ ‫التي وقع منها هذا وهي الأمة تجلد يقام عليها الحد دون أن ُتفضح‪ ،‬ودون أن‬ ‫يذاع ذلك ويتعدى إلى المقال‪ ،‬فحقها الحد دون أن يكون هناك أمر زائد عليه‪،‬‬ ‫فكيف إذا فضحها وأفشى ذلك ونشره‪ ،‬فإذا كان منه اّيا عن التثريب عليها فإن‬ ‫الشناعة عليها أمام الناس ُتمنع من باب أولى‪.‬‬

‫الحديث الثالث والأربعون بعد المائتين‬ ‫عن أبي هريرة رضي الله عنه َقالَ‪ :‬أُ ِت َي ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم برجل َق ْد‬ ‫َش ِر َب َخ ْم ارا‪َ ،‬قالَ‪(( :‬ا ْضر ُبوهُ))‬ ‫َقالَ أَ ُبو هريرة‪َ :‬ف ِم َّنا ال َّضا ِر ُب ِب َي ِد ِه‪ ،‬وال َّضا ِر ُب ِب َن ْعلِ ِه‪َ ،‬وال َّضا ِر ُب بِ َثو ِب ِه‪َ .‬فلَ َّما‬ ‫َعلَي ِه‬ ‫ُت ِعي ُنوا‬ ‫لا‬ ‫ه َكذا‪،‬‬ ‫َت ُقولُوا‬ ‫((لاَ‬ ‫أ ْخ َزا َك الله‪َ ،‬قالَ‪:‬‬ ‫ال َقو ِم‪:‬‬ ‫َبع ُض‬ ‫َقالَ‬ ‫ا ْن َص َر َف‪،‬‬ ‫ال َّش ْي َطا َن))‬ ‫رواه البخاري‬ ‫شرح الحديث‬ ‫((أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب خمراا)) والخمر‪ :‬كل ما‬ ‫أسكر‪ ،‬ومعنى الإسكار أن يغيب العقل من شدة اللذة؛ لأن غيبوبة العقل أحياناا‬ ‫تكون بدواء كالبنج‪ ،‬فهذا ليس بسكر‪ ،‬وأحياناا تكون بإغماء‪ ،‬وأحياناا تكون‬ ‫بسكر‪ ،‬وهو تغطية العقل بلذة وطرب‬ ‫ولذلك فلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشارب للخمر قال‪:‬‬ ‫((اضربوه)) يعني‪ :‬اضربوه الحد‪ ،‬أقيموا عليه الحد‬ ‫فقال أبو هريرة‪ :‬فمنا الضارب بيده‪ ،‬ومنا الضارب بسوطه‪ ،‬ومنا الضارب بنعله‬ ‫وهذا يدل على أن حد الخمر يمكن أن يحصل بهذا‪ ،‬يعني‪ :‬يضرب بطرف‬ ‫الثوب‪ ،‬ويضرب بنعل أو يضرب بعصا لكنها لا تكسر عظماا ولا تجرح‪ ،‬فليس‬ ‫المقصود بإقامة الحد على الإنسان إزهاق نفسه وقتله وإنما المقصود به هو‬ ‫التأديب‬ ‫ولم يحدد لهم النبي صلى الله عليه وسلم عددا معيناا‪ ،‬فلما انصرف بعضهم قال‬ ‫له رجل‪ :‬أخزاك الله والخزي هو شدة الانكسار‬ ‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪(( :‬لا تعينوا عليه الشيطان)) لأن الخزي معناه‬ ‫العار والذل‪ ،‬فأنت إذا قلت ‪ :‬أخزاك الله؛ فإنك قد دعوت الله عليه بما يذله‬ ‫ويفضحه‪ ،‬فتعين عليه الشيطان‬

‫وفي الحدي ِث دليل على أن عقوبة الخمر ليس لها حد معين‪ ،‬ولهذا لم يحد لهم‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم حد اا‪ ،‬ولم يعدها عد اا‪ ،‬كل يضرب بما تيسر‪ ،‬من‬ ‫يضرب بيده‪ ،‬ومن يضرب بطرف ثوبه‪ ،‬ومن يضرب بعصاه‪ ،‬ومن يضرب‬ ‫بنعله‪ ،‬لم يحد فيها حداا‪ ،‬وبقي الأمر كذلك‪.‬‬ ‫وفي عهد أبي بكر صارت تقدر بنحو أربعين‪ ،‬وفي عهد عمر كثر الناس الذين‬ ‫دخلوا في الإسًلم‪ ،‬ومنهم من دخل عن غير رغبة‪ ،‬فكثر شرب الخمر في عهد‬ ‫عمر رضي الله عنه‪ ،‬فلما رأى الناس قد أكثروا منها استشار الصحابة فقال‬ ‫عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه‪ :‬أخف الحدود ثمانون وهو حد القذف‪،‬‬ ‫فرفع عمر رضي الله عنه عقوبة شارب الخمر إلى ثمانين جلدة‪.‬‬ ‫وفيه دليل على أن الإنسان إذا فعل ذنباا وعوقب عليه في الدنيا؛ فإنه لا ينبغي‬ ‫لنا أن ندعو عليه بالخزي والعار؛ بل نسأل الله له الهداية‪ ،‬ونسأل الله له‬ ‫المغفرة‬

‫المقدمة‬ ‫باب قضاء حوائج المسلمين‬ ‫الحديث الرابع والأربعون بعد المائتين‬ ‫عن ابن عمر رضي الله عنهما أ َّن َر ُسولَ الله صلى الله عليه وسلم َقالَ‪:‬‬ ‫َحا َجة أ ِخيه‪َ ،‬كا َن اللهُ‬ ‫ِفي‬ ‫َاول َم ُم ْن ْسلَِف ِمَّر‪َ ،‬جلاَ َعَي ْ ْنظ ِل ُمُم ُهْس‪،‬لِ ٍمَولُكا ْر َُيب اةْس‪،‬لِ ُمَف َُّهر‪َ ،‬ج َوالَملهُْن ََعك ْنا َُهن‬ ‫((ال ُم ْسلِ ُم َأ ُخو‬ ‫ُك ْر َب اة ِم ْن ك َر ِب َيو ِم‬ ‫ِب َها‬ ‫في َحا َج ِت ِه‪،‬‬ ‫ال ِق َيا َم ِة‪َ ،‬و َم ْن َس َت َر ُم ْس ِل اما َس َت َر ُه اللهُ َيو َم ال ِق َيا َم ِة))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫أَ َمر النب ُّي صلَّى الله عليه وس َّلم في هذا ال َحدي ِث بما َينبغي أ ْن يكون عليه ال ُمسلِ ُم‬ ‫لا‬ ‫يعني‪:‬‬ ‫ولا ُي ْس ِلمه»‬ ‫لا َيظلِ ُمه‬ ‫المسل َيمق‪،‬وفُمقابلُظ‪:‬ل ِم«هالوملاسلَِي ُمت ُرأك ُخهوإلالىم السلِ ُِّظمل‪،‬م‬ ‫أخيه‬ ‫ُتجا َه‬ ‫ُي ِعي َنه‬ ‫دو َن أن‬ ‫«و َمن كان في حاج ِة أخيه كان اللهُ في حاجتِه» يعني‪َ :‬من َس َعى في قضا ِء‬ ‫حاج ِة أخيه أعانه اللهُ تعالى و َس َّهل عليه َقضا َء حاجته‪ ،‬من كان في حاجة أخيه‪،‬‬ ‫كان الله في حاجته‪ :‬وهذا هو الشاهد من إيراد هذا الحديث في هذا الباب‪ ،‬من‬ ‫كان في حاجة أخيه أي‪ :‬يقضي حوائج الناس‪ ،‬ويقوم على شؤونهم‪ ،‬ويتعاهد‬ ‫هؤلاء الناس‪ ،‬فإن عرضت لهم حاجة قام بها‪ ،‬كان الله في حاجته‪ ،‬لأن الجزاء‬ ‫من جنس العمل‬ ‫«و َمن ف َّرج عن ُمسلِم ُكر َب اة ف َّرج اللهُ عنه ُكرب اة من ُك ُربا ِت يو ِم القيام ِة» أي‪:‬‬ ‫َمن سا َع َد مسلِ اما في ُمصي َب ٍة من مصائ ِب ال ُّدنيا ح َّتى يزولَ َغ ُّمه و ُم ِصيب ُته أزال‬ ‫الله عنه مصيب اة و َه ْو الا من أهوال يو ِم القيام ِة‬ ‫«و َمن س َتر مسل اما س َتره اللهُ يو َم ال ِقيامة» أي‪َ :‬من ا َّط َلع ِمن أ ِخيه على َع ْو َر ٍة‬ ‫أو َز َّل ٍة فس َتره ولم َي ْف َض ْحه‪ ،‬س َتره الله يو َم القيام ِة‬ ‫وفي الحدي ِث ‪ :‬ال َّتعري ُف بح ِّق المسل ِم على أخيه وما َي ِج ُب عليه ُتجا َهه‬

‫الحديث الخامس والأربعون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي هريرة رضي الله عنه عن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪:‬‬ ‫(( َم ْن َن َّف َس َع ْن ُم ْؤ ِم ٍن ُك ْر َب اة ِم ْن ُك َر ِب ال ُّدن َيا‪َ ،‬ن َّف َس الله َع ْن ُه ُكر َب اة ِم ْن ُك َر ِب َي ْو ِم‬ ‫القِ َيا َم ِة‪َ ،‬و َم ْن َي َّسر َعلَى ُم ْع ِس ٍر َي َّس َر الله َع َلي ِه في ال ُّد ْن َيا َوالآ ِخ َر ِة‪َ ،‬و َم ْن َس َت َر‬ ‫ُم ْسلِ اما َس َت َرهُ الله في ال ُّد ْن َيا َوالآ ِخ َر ِة‪ ،‬والله في َعو ِن ال َع ْب ِد َما َكا َن ال َع ْب ُد في َعو ِن‬ ‫أ ِخي ِه‪َ ،‬و َم ْن َس َل َك َطري اقا َي ْل َت ِم ُس فِي ِه ِع ْل اما َس َّهلَ اللهُ َل ُه َطري اقا إِ َلى ال َج َّن ِة‪َ .‬و َما‬ ‫ا ْج َت َم َع َق ْو ٌم في َبي ٍت ِم ْن ُب ُيو ِت اللهِ َت َعا َلى‪َ ،‬ي ْتلُو َن ِك َتا َب الل ِه‪َ ،‬و َي َت َدا َر ُسو َن ُه َب ْي َن ُه ْم إلاَّ‬ ‫َن َزلَ ْت َع َل ْي ِه ُم ال َّس ِكي َن ُة‪َ ،‬و َغ ِش َي ْت ُه ُم ال َّر ْح َم ُة‪َ ،‬و َح َّف ْت ُه ُم ال َمًلَ ِئ َك ُة‪َ ،‬و َذ َك َر ُه ُم الله ِفي َم ْن‬ ‫ِعن َد ُه‪َ .‬و َم ْن َب َّطأ ِب ِه َع َملُ ُه َل ْم ُي ْس ِرع بِ ِه َن َس ُب ُه))‬ ‫( رواه مسلم)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫َح َّث ال َّشر ُع على َقضا ِء َحوائ ِج ال َّنا ِس وال َّتيسي ِر عليهم و َن ْف ِعهم ِب َما َي َت َي َّس ُر من‬ ‫ما ٍل و ِعل ٍم أو ُمعاو َن ٍة أو ُمشاو َر ٍة‬ ‫وفي هذا الحدي ِث ُي َب ِّي ُن ال َّنب ُّي صلَّى اللهُ عليه وس َلّم ال َّثوا َب والأ ْج َر لِ َم ْن َف َعلَ ذلك‪،‬‬ ‫ف َيقولُ ص َلّى اللهُ عليه وسلَّم‪َ ( :‬م ْن َن َّف َس عن ُمؤم ٍن ُك ْرب اة)‪ ،‬أي‪َ :‬ر َف َع َعن ُمؤم ٍن‬ ‫ُكرب اة‪ ،‬أي‪ُ :‬حز انا و َعنا اء و ِش َّد اة‪ ،‬ولو َحقير اة َفيكو ُن ال َّثوا ُب َوالأَ ْج ُر أن ُي َن ِّف َس اللهُ‬ ‫عنه ُك ْر َب اة ِم ْن ُك َر ِب َيو ِم القيا َم ِة‪ ،‬و َت ْنفي ُس ال ُك َر ِب إِحسا ٌن َفجزاه اللهُ َجزا اء ِوفا اقا‬ ‫بأ(َفَ َوِبحإَِدم ْعأَن ْمط َياَرِئ ّْيَس ِه َِرن‪:‬ماَعإلََّيماىز بو ُإم ْلْنُع َظبِساهٍِررإِ)ه‪،‬عإلوسااىل َُّترا ْيلهُ َ‪،‬مسْييو َُرسِك ًَرلَِةعل‪ُ،‬همىاو َتاالل َُّهمر ْاةع َف ِبساِْضلر َلوٌف َْيضع ِعاظلي ُّد ٌمعننياوه َجِإم ْزننا ُؤك ِجهاهأن ِةْن َاغلُيرَيميا ِّاسمِلاَر‪َ ،‬ياكلولإهوَُّل ُان‬ ‫عليه في ال ُّدنيا والآ ِخ َر ِة َب َدلَ َت ْيسي ِره َعلى َعب ِده ُم َجازا اة ِب ِج ْن ِسه‬ ‫( َو َم ْن َس َت َر ُم ْسلِ اما) أي‪ِ :‬ب َث ْو ٍب‪ ،‬أو ِب َت ْر ِك ال َّت َع ُّر ِض لِ َك ْش ِف َحا ِله َب ْع َد أ ْن رآه َي ْر َت ِك ُب‬ ‫في‬ ‫َو َي ْس ُت َره‬ ‫ُعيو َبه‪.‬‬ ‫أو‬ ‫أي‪َ :‬ع ْو َر َته‬ ‫َي ْس ُت َرالهآالِخل َهُر ِةفيع انل ُّدأَن ْهياِل‪،‬‬ ‫أن‬ ‫َجزا ُؤه‬ ‫َف َيكو َن‬ ‫َذن ابا‬ ‫ال َم ْوقِ ِف‪.‬‬

‫أف َّنوي َقا ْ َلقولُم ُهكضاا‪َ :‬فِءأَ( َةوحاالعل َلهُجي ِتفهِها‪،‬يبِوَِجعفْْنيو ِهسِن‪:‬هااَتلنَع ِبمْبي َِدنٌه املاعِعلنكااى َينَِةف اا ْللض َإِعي َلْلَب ُِدهِة َّيفِةَع ْيو َس ِنَعو ْااولٌءأَِن ِكخَأاخنعيل ِهب َق)ى ْلأِبأُهميوأ‪ِ :‬رو َمه َب‪ْ،‬نَد ِنوكإهِا أشناو َربِسةٌاهإعلم ايااى؛‬ ‫ل َد ْف ِع ال َمضا ِّر أو َج ْل ِب المنافِ ِع‪ ،‬إ ِذ ال ُكلُّ َع ْو ٌن‬ ‫(و َم ْن َسلَ َك) أي‪َ :‬د َخلَ أو َم َشى َطري اقا َي ْل َت ِم ُس فيه ِعل اما‪ ،‬وهو َي ْش َملُ ال َّطري َق‬ ‫ِأم ْثولَ َمأدنَر يَسأتاة َيأوالإُكنلِّ َّيساةا ُأنو ِم َغني ََبري ِتذله إكل‪،‬ى َس َم َّهكالَ ِانللاهُل ِعللهِم‪،‬به‬ ‫الأقدا ُم‬ ‫ال ِح ِّس َّي ا َّلذي َت ْق َر ُع ُه‬ ‫َطري اقا إلى ال َج َّن ِة‬ ‫َمس ِج ادا‬ ‫َسوا ٌء كان َمكا َن ال ِعل ِم‬ ‫و َق ْولُ ُه‪َ ( :‬و َما ا ْج َت َم َع َقو ٌم في بي ٍت من ُبيو ِت الل ِه‪َ ،‬يتلو َن ِكتا َب الل ِه‪ ،‬و َي َتدارسو َنه‬ ‫َعلى تًِل َو ِة ال ُقرآ ِن في ال َمس ِج ِد و ُمدار َس ِته‪،‬‬ ‫الاجتِما ِع‬ ‫َف ْضلُ‬ ‫َبينهم)‪ ،‬وهذا فيه‬ ‫عليهم‪ ،‬وهي ما َيح ُصلُ به َصفا ُء القل ِب بنو ِر‬ ‫ال َّسكي َن ِة‬ ‫ُنزو ِل‬ ‫َفيكو ُن ذلك َسب ابا في‬ ‫القُرآ ِن و َذها ِب ُظ ْلم ِته ال َّن ْفسانِ َّية‬ ‫(و َغ ِش َي ْت ُهم ال َّرح َم ُة)‪ ،‬أي‪َ :‬غ َّط ْت ُهم و َس َت َر ْت ُهم ال َّرحم ُة‪.‬‬ ‫(و َح َّف ْت ُهم المًل ِئ َك ُة)‪ ،‬طافوا ِبهم وأَدا ُروا َحو َلهم؛ َتعظي اما ل َصني ِعهم‬ ‫(و َذ َك َره ُم اللهُ فِي َمن عن َده ِمن ال َم َل ِأ الأَ ْع َلى)‪َ ،‬ذ َك َرهم اللهُ تعالى ُمباها اة ِبهم‬ ‫َن َس ُبه)‪،‬‬ ‫َبأَ َّطأَص بحاه ِب َعا َمللُأَهْعلمام ِل ُي؛ ْس َف َِير ْن َْبعغبيه‬ ‫عليه وسلَّم (أ َّن َمن‬ ‫ُي َب ِّي ُن ال َّنب ُّي ص ّلَى اللهُ‬ ‫ُث َّم‬ ‫أ َّلا َي َّت ِكلَ‬ ‫ُي ْل ِح ْقه َنس ُب ُه ب َم ْر َت َب ِة‬ ‫كان َع َملُه ناق اصا‪ ،‬لم‬ ‫َمن‬ ‫على َش َر ِف ال َّن َس ِب‪ ،‬و َفضي َل ِة الآبا ِء‪ ،‬و ُي َق ِّص َر في ال َع َم ِل ‪.‬‬ ‫هذا حديث عظيم‪ ،‬جليل‪ ،‬جامع لأنواع من العلوم‪ ،‬والقواعد‪ ،‬والآداب‪،‬‬ ‫والفضائل‪ ،‬والفوائد‪ ،‬والأحكام‪ .‬وفيه‪ :‬إشارة إلى أ َّن الجزاء من جنس العمل‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬فضل قضاء حوائج المسلمين‪ ،‬ونفعهم بما تي َّسر من علم‪ ،‬أو مال أو‬ ‫نصح أو دلالة على خير‪ ،‬وفضل التيسير على المعسر‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬فضل إعانة المسلم بما يقدر عليه؟ وفيه‪ :‬فضل العلم الديني‪ ،‬وأنه سبب‬ ‫لدخول الجنة‪ .‬وفيه‪ :‬فضل الاجتماع على مدارسة القرآن خصو اصا في‬ ‫المساجد‪.‬‬

‫المقدمة‬ ‫باب الشفاعة‬ ‫الحديث السادس والأربعون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي موسى الأشعري رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬كا َن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم‬ ‫إِ َذا أتاهُ َطا ِل ُب َحا َج ٍة أق َبلَ َعلَى ُجلَ َسائِ ِه‪َ ،‬ف َقالَ‪:‬‬ ‫((ا ْش َف ُعوا ُت ْؤ َج ُروا‪َ ،‬و َي ْق ِضي الله َع َلى ِل َسا ِن َنبِ ِّي ِه َما أح َّب))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه)‬ ‫وفي رواية‪َ (( :‬ما َشا َء))‬ ‫شرح الحديث‬ ‫والمراد بالشفاعة في كًلم المؤلف‪ :‬الشفاعة في الدنيا؛ وهي أن يشفع الإنسان‬ ‫لشخص عند آخر؛ يتوسط له بجلب المنفعة له أو دفع المضرة عنه‪.‬‬ ‫ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه صاحب حاجة يلتفت إلى أصحابه‬ ‫ويقول‪(( :‬اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء)) أو ((ما أحب))‬ ‫فهنا يأمر عليه الصًلة والسًلم أصحابه بأن يشفعوا لصاحب الحاجة‬ ‫فقوله صلى الله عليه وسلم ‪:‬اشفعوا تؤجروا هذا يدل على أن الشفاعة مندوبة‬ ‫وقوله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬تؤجروا موافق لقوله ‪-‬تبارك وتعالى‪َ {:‬م ْن َي ْش َف ْع‬ ‫َش َفا َع اة َح َس َن اة َي ُك ْن َل ُه َن ِصي ٌب ِم ْن َها} [النساء‪]58:‬‬ ‫فهو يؤجر سواء كان الأمر المطلوب قد تحقق تحصيله أو لم يتحقق‪ ،‬فأجره‬ ‫على الله‪ ،‬ويكون قد بذل الأسباب‪ ،‬وأعان أخاه المسلم‪ ،‬وحصل بذلك على الأجر‬ ‫(اشفعوا تؤجروا‪ ،‬ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب) أي‪ :‬أن ما قدره الله‬ ‫كائن‪ ،‬ويمكن أن يستنبط منه ومن الحديث الذي بعده أن قبول الشفاعة ليس‬ ‫بًلزم إذا شفعوا‬

‫فليس معنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم يوافقهم على ما قالوا‬ ‫ويعطيهم ما سألوا وما شفعوا فيه؛ لأنه لم يقل صلى الله عليه وسلم ‪ :‬تؤجروا‬ ‫ويحصل ما شفعتم به مثًلا‪ ،‬وإنما قال‪ :‬ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء‬ ‫أي‪ :‬أنه لا يلزم أن يتحقق هذا الأمر الذي طلبتم‪ ،‬ولكن أنتم تقومون بهذا العمل‬ ‫الطيب وتنفعون إخوانكم وتحصلون على الأجر‪ ،‬وبذلك يحصل التواصل في‬ ‫المجتمع‪ ،‬ويتحقق ذلك الوصف المطلوب فيهم‪ (،‬لا يؤمن أحدكم حتى يحب‬ ‫لأخيه ما يحب لنفسه) ‪ ،‬وقول الله تعالى ‪{ :‬إِ َّن َما ا ْل ُم ْؤ ِم ُنو َن إِ ْخ َو ٌة} فهذا من‬ ‫مقتضى الأخوة الإيمانية‬ ‫وفي الحدي ِث ‪ :‬الح ُّض على الخير‪ ،‬والتس ُّبب إليه بكل وجه‪ ،‬والشفاعة إلى‬ ‫الكبير‪ ،‬ومعونة الضعيف؛ إذ ليس كل أحد يقدر على تبيين حاله للرئيس‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬أ َّن الثواب حاصلٌ بالشفاعة‪ ،‬سواء حصل المشفوع به أم لا‪ ،‬وأ َّنه لا‬ ‫مانع لما أعطى الله ولا معطي لم منع‪.‬‬

‫الحديث السابع والأربعون بعد المائتين‬ ‫عن ابن عباس رضي الله عنهما في ِق َّص ِة ب ِري َر َة َو َز ْو ِج َها‪َ ،‬قالَ‪َ :‬قالَ َل َها ال َّنب ُّي‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪َ (( :‬ل ْو َرا َج ْع ِت ِه؟)) َقا َل ْت‪َ :‬يا َر ُسولَ الل ِه َتأ ُم ُرنِي؟ َقالَ‪(( :‬إ َّن َما‬ ‫أَ ْش َفع))‪َ .‬قالَ ْت‪ :‬لا َحا َج َة لِي فِي ِه‬ ‫( رواه البخاري)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫وبريرة ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬كانت مملوكة‪ ،‬قيل‪ :‬لبني المغيرة‪ ،‬وقيل غير ذلك‪،‬‬ ‫وزوجها مغيث‪ ،‬وهو أيضاا مملوك‪ ،‬فأعتقت بريرة‪ ،‬وإذا أعتقت المرأة فإنها‬ ‫تخير في البقاء مع زوجها المملوك أو في تركه؛ لأن الكفاءة هنا منتفية‬ ‫فبطبيعة الحال بريرة مخيرة‪ ،‬فاختارت أن تفارق زوجها‪ ،‬وكان يحبها ح اّبا‬ ‫شديداا‪ ،‬كما جاء في بعض الروايات أنه كان يتبعها ويكفكف دموعه يبكي على‬ ‫فراقها‬ ‫فلما رأى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم رق له‪ ،‬فقال‪ (:‬لو راجعتِه)‬ ‫وهذا أسلوب فيه تحضيض وعرض‪ ،‬وفيه مقدر محذوف‪ ،‬أي‪ :‬لو راجعته لكان‬ ‫أجراا‪ ،‬لكان ثواباا‪ ،‬لكان حسناا‪ ،‬ولكنه لا يدل على الإلزام‪ ،‬هي عبارة تحتمل‪،‬‬ ‫وتنبئ عن رغبة بحصول هذا الأمر‪ ،‬لكن ليس بأمر واضح صريح مؤكد‪ ،‬فقال‬ ‫لها‪ :‬لو راجع ِته من باب الإشارة عليها‬ ‫فقالت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أتأمرني بمراجعته‪ ،‬وفي بعض الروايات أنها سألته أآم ٌر‬ ‫أم شافع؟‪ ،‬فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم ‪( :‬إنما أشفع)‬ ‫إذا كان أمر اا فإنه يجب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيه‪ ،‬كما قال الله‬ ‫أَ ْن‬ ‫إِ َلى ال َّل ِه َو َر ُسولِ ِه‬ ‫َق ْوَي ُقلَوالُْلوُماْؤ ِمَسِن ِيم ْ َعنَناإِ َذَاوأَ ُدَط ُْعع َنواا}‬ ‫َب ْي َن ُه ْم‬ ‫لِ َي ْح ُك َم‬ ‫[النور‪]51:‬‬ ‫َكا َن‬ ‫‪{:‬إِ َّن َما‬ ‫تعالى‬

‫فهنا قالت‪ :‬أآم ٌر أم شافع؟‪ ،‬فبين لها النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يأمر بل‬ ‫يشفع‪ ،‬وهذا يستنبط منه أن الشفاعة لا يجب الأخذ بها ولو كان الشافع هو‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم بدليل هذا الحديث والحديث الذي قبله‬ ‫فكًلهما يدل على أن قبول الشفاعة لا يلزم‪ ،‬ولكنه أمر جيد‪ ،‬وحسن‪ ،‬ولكن إذا‬ ‫رأى الإنسان أن مصلحته تقتضي خًلف ذلك‪ ،‬أو أن هناك ما يمنع من ذلك‬ ‫فيمكن أن يتلطف بالاعتذار‬ ‫قالت‪ :‬لا حاجة لي فيه‬ ‫كانت صارمة وطابت نفسها منه‪ ،‬فهي لا تريده‪ ،‬مع أنه أعتق فيما بعد‬

‫المقدمة‬ ‫باب الإصًلح بين الناس‬ ‫الحديث الثامن والأربعون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي هريرة رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪ُ (( :‬كلُّ‬ ‫ِفي ِه ال َّش ْم ُس‪َ :‬ت ْع ِدلُ َب ْي َن الا ْث َني ِن‬ ‫َدا ََّصب َتِد َقِه ٌة َف‪َ ،‬ت ُْكح ِلَّملُ َيُهْو ٍمَعلَ َتْي َْطهلاُ‪ُ،‬ع‬ ‫ُسًلَ َمى ِم َن ال َّنا ِس َع َلي ِه‬ ‫أَ ْو َت ْر َف ُع لَ ُه َعلَ ْي َها َم َتا َع ُه َص َد َق ٌة‪،‬‬ ‫َص َد َق ٌة‪َ ،‬و ُتعي ُن ال َّر ُجلَ في‬ ‫َوال َكلِ َم ُة ال َّط ِّي َب ُة َص َدق ٌة‪َ ،‬و ِب ُكلِّ َخ ْط َو ٍة َتم ِشي َها إِ َلى ال َّصًل ِة َص َد َق ٌة‪َ ،‬و ُتمي ُط الأَذى‬ ‫َع ِن ال َّطري ِق َص َد َق ٌة))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫السًلمى هي المفاصل وقيل‪ :‬العظام‪ ،‬والمعنى واحد لايختلف لأن كل عظم‬ ‫مفصول عن الآخر بفاصل فإنه يختلف عنه في الشكل‪ ،‬وفي القوة‪ ،‬وفي كل‬ ‫الأمور وهذا من تمام قدرة الله ع ّز وجل فليس الذراع كالعضد‪ ،‬وليست الأصابع‬ ‫كالكف‪ ،‬فكل ما فصل عن غيره من العظام فله ميزة خاصة‪ ،‬ولذلك كان على كل‬ ‫سًلمى صدقة‪ .‬وجاء في صحيح مسلم أن السًلمى ثًلثمائة وستون مفص اًل‬ ‫\" ُكلُّ ُسًل َمى ِم َن ال َّنا ِس َعلَ ْي ِه َص َد َق ٌة\" أي كل مفصل عليه صدقة في مقابلة ما‬ ‫أنعم الله به عليه في تلك السًلميات ‪ ،‬إذ لو شاء لسلبها القدرة وهو في ذلك‬ ‫عادل‪ .‬فإبقاؤها يوجب دوام الشكر بالتصدق ‪ ،‬إذ لو فقد له عظم واحد ‪ ،‬أو‬ ‫يبس ‪ ،‬أو لم ينبسط أو ينقبض لاختلت حياته ‪ ،‬وعظم بًلؤه ‪،‬والصدقة تدفع‬ ‫البًلء‪.‬‬ ‫\" ُكلُّ َيو ٍم َت ْطلُ ُع فِ ْي ِه ال َّشم ُس\" يعني كل يوم يصبح على كل عضو من أعضائنا‬ ‫صدقة‪ ،‬أي ثًلثمائة وستون في اليوم‪ ،‬لكن من نعمة الله أن هذه الصدقة عامة‬ ‫في كل القربات‪ ،‬فكل القربات صدقات‪ ،‬وهذا شيء ليس بصعب على الإنسان‪،‬‬ ‫مادام كل قربة صدقة فما أيسر أن يؤدي الإنسان ما يجب عليه‪.‬‬

‫\"ت ْع ِدلُ َبي َن الاث َن ْي ِن َص َد َقة\" تعدل أي تفصل بينهما إما بصلح وإما بحكم‪،‬‬ ‫والأولى العدل بالصلح إذا أمكن ما لم يتبين للرجل أن الحكم لأحدهما‪ ،‬فإن تبين‬ ‫أن الحكم لأحدهما حرم الصلح‪ ،‬لأنه بالإصًلح لابد أن يتنازل كل واحد عما‬ ‫ادعاه فيحال بينه وبين حقه‪ .‬إ اذا العدل بين الاثنين بالصلح أو بالحكم يكون‬ ‫صدقة‪ ،‬لكن إن علم أن الحق لأحدهما فًل يصلح‪ ،‬بل يحكم بالحق‪.‬‬ ‫\" َوت ِع ْي ُن ال َّر ُجلَ ِفي َدا َّبتِ ِه\" أي بعيره مث اًل \"ت ْح ِملُ ُه َعلَ ْي َها\" إذا كان لايستطيع أن‬ ‫يركب تحمله أنت وتضعه على الرحل هذا صدقة‬ ‫\"أَو ترفع َل ُه َع َل ْي َها َم َتا َع ُه\" متاعه ما يتمتع به في السفر من طعام وشراب‬ ‫وغيرهما‪ ،‬تحمله على البعير وتربطه‪ ،‬هذا صدقة‪.‬‬ ‫\" َوال َك ِل َم ُة ال َّط ِّي َب ُة َص َد َق ٌة\" أي كلمة طيبة سواء طيبة في حق الله كالتسبيح‬ ‫والتكبير والتهليل‪ ،‬أو في حق الناس كحسن الخلق صدقة‪.‬‬ ‫\" َوبِ ُكلِّ ُخط َو ٍة تمشيها إِ َلى ال َّصًل ِة َص َد َقة\" سواء بعدت المسافة أم قصرت‪،‬‬ ‫وإذا كان قد تطهر في بيته وخرج إلى الصًلة لايخرجه إلا الصًلة لم يخط‬ ‫خطوة إلا رفع الله له بها درجة‪ ،‬وح ّط عنه بها خطيئة‪ .‬فيكتسب شيئين‪:‬‬ ‫رفع الدرجة‪ ،‬وح ّط الخطيئة‪.‬‬ ‫\" َوت ِمي ُط الأ َذى َع ِن ال َّط ِر ْي ِق َص َد َق ٌة\"‪ :‬أي تزيل الأذى وهو ما يؤذي المارة من‬ ‫حجر أو زجاج أو قاذورات فأي شيء يؤذي المارين إذا أميط عن طريقهم فإنه‬ ‫صدقة‪.‬‬ ‫وفي الحدي ِث وجوب شكر نعم الله التي في الإنسان ذاته‬ ‫وفيه أن أفضل الصدقات ماكان متعد ايا نفعه مثل ‪ :‬أن تعدل بين اثنين وأن‬ ‫تحمل متاع أخيك أو تعينه على حمله وإماطة الأذى عن الطريق‪.‬‬ ‫وفيه أنه على المسلم ألا يحتقر أي عمل يحتسبه عند الله سبحانه‬ ‫وفيه فضل الإصًلح بين الناس وأنه صدقة للمسلم‪.‬‬ ‫وفيه فضل المشي إلى الصًلة‪ ،‬خاصة إن كان المسجد بعي ادا فكل خطوة صدقة‪.‬‬

‫الحديث التاسع والأربعون بعد المائتين‬ ‫عن أ ِّم ُك ْل ُثوم بنت ُع ْق َبة بن أَبي ُم َعيط رضي الله عنها‪َ ،‬قالَ ْت‪ :‬س ِمع ُت رسول الله‬ ‫صلى الله عليه وسلم َيقُولُ‪:‬‬ ‫(( َل ْي َس ال َك َّذا ُب ا َلّ ِذي ُي ْصلِ ُح َب ْي َن ال َّنا ِس َف َي ْن ِمي َخي ارا‪َ ،‬أ ْو يقُولُ َخ ْي ارا))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه)‬ ‫وفي رواية مسلم زيادة‪َ ،‬قا َل ْت‪َ ( :‬و َل ْم أ ْس َم ْع ُه ُي ْر ِّخ ُص في َش ْي ٍء ِم َّما َي ُقولُ ُه ال َّنا ُس‬ ‫إلا في َثًل ٍث)‪َ ،‬ت ْعنِي‪ :‬ال َح ْر َب‪َ ،‬والإِ ْصًلَ َح َب ْي َن ال َّنا ِس‪َ ،‬و َح ِدي َث ال َّر ُج ِل ا ْم َرأَ َت ُه‪،‬‬ ‫َو َح ِدي َث ال َم ْرأ ِة َز ْو َج َها‬ ‫شرح الحديث‬ ‫تقول رضي الله تعالى عنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪:‬‬ ‫\"ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ف َين ِمي خي ارا‪ ،‬أو يقول خي ارا \"‬ ‫َين ِمي بمعنى‪ :‬يوصل ويبلّغ خي ارا‪ ،‬وهذه إحدى الأحوال التي يجوز فيها الكذب‪،‬‬ ‫الإصًلح بين الناس‪.‬‬ ‫فالكذب حرام‪ ،‬ومن صفات المنافق‪ ،‬كما سبق‪( :‬إذا حدث كذب) ولكن يجوز‬ ‫الكذب في هذه الحال‪ ،‬وهي للإصًلح بين الناس‪ ،‬يأتي إنسان لاثنين‬ ‫متخاصمين‪ ،‬ويقول لأحدهما‪ :‬إن فًلناا يثني عليك‪ ،‬ويحبك ويذكرك بالخير‪ ،‬ولم‬ ‫يحصل هذا لكنه ينمي ينقل له مشاعر طيبة‪ ،‬وكًلماا ما قيل‪ ،‬لم يقله ذلك‬ ‫الإنسان‪ ،‬ومن طبع الإنسان أنه إذا سمع مثل هذا الكًلم فإن نفسه ترتاض‬ ‫وقد اختلف العلماء في هذه المسألة‪ ،‬هل المراد أن يكذب الإنسان كذباا صريحاا‪،‬‬ ‫أو أن المراد أن يوري‪ ،‬بمعنى أن يظهر للمخاطب غير الواقع‪ ،‬لكنه له وجه‬ ‫صحيح‪ ،‬كأن يعني بقوله مثًلا‪ :‬فًلن يثني عليك أي‪ :‬على جنسك وأمثالك من‬ ‫المسلمين‪ ،‬فإن كل إنسان يثني على المسلمين من غير تخصيص ‪،‬فالإنسان‬ ‫المصلح ينبغي له أن يتحرز من الكذب‪ ،‬وإذا كان ولابد فليتأول؛ ليكون بذلك‬

‫مورياا‪ ،‬والإنسان إذا كان مورياا فًل إثم عليه فيما بينه وبين الله‪ ،‬والتورية‬ ‫جائزة عند المصلحة‪.‬‬ ‫وفي رواية لمسلم بزيادة قالت‪ :‬ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله‬ ‫الناس‪...‬‬ ‫يعني‪ :‬في الكذب‪ ،‬الكذب حرام‪ ،‬إلا في ثًلث‪( ،‬تعني‪ :‬الحرب) كما قال النبي‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪( :‬الحرب خدعة)‬ ‫فتأتي للكفار كما فعل نعيم بن مسعود جاء للأحزاب‪ ،‬وفرقهم بهذه الطريقة‪،‬‬ ‫وقال لهم‪ :‬هؤلاء اليهود سيطلبون منكم رهائن‪ ،‬يعني‪ :‬من أبنائكم‪ ،‬وجاء إلى‬ ‫هؤلاء‪ ،‬وقال‪ :‬تعيبكم العرب‪ ،‬وإن هؤلاء قد غدروا‪ ،‬حتى فرق شملهم‪ .‬فالحرب‬ ‫خدعة لا إشكال في هذا‪ ،‬هذه هي الحالة الثانية‪.‬‬ ‫قالت‪ :‬أو الإصًلح بين الناس‪ ،‬وهي الحالة المذكورة آنفاا‬ ‫وحديث الرجل امرأته‪ ،‬وحديث المرأة زوجها‪ .‬هذه هي الحالة الثالثة‪ ،‬وذلك‬ ‫فيما يكون من شأنه أن يؤلف بين القلوب‪ ،‬ويجمع الشمل‪ ،‬ويجلب المودة‪،‬‬ ‫فالكلمة الطيبة صدقة‪ .‬فهذا مطلوب شرعاا؛ لأنه يجمع القلوب‪ ،‬ومن شأنه أن‬ ‫يلم به شعث الأسرة‪ ،‬فحينما يتكلم الإنسان بمشاعر جيدة نحو الآخرين فهذا‬ ‫ليس من الكذب‬ ‫والمقصود الكذب الذي يستجلب المودة‪ ،‬وتقوى به رابطة عقد الزوجية‪ ،‬أ ّما‬ ‫أنه يكذب عليها في أمور أخرى‪ ،‬أو يأخذ مالها‪ ،‬ويكذب عليها‪ ،‬هذا لا يجوز‬ ‫فالحاصل أن هذه الحالات الثًلث هي التي يجوز فيها الكذب فقط‪ ،‬وما عدا ذلك‬ ‫فهو حرام‪ ،‬لا يجوز‪ ،‬فمن اضطر إلى شيء من هذا فالمعاريض فيها مندوحة‬ ‫عن الكذب‬

‫الحديث الخمسون بعد المائتين‬ ‫عن عائشة رضي الله عنها َقالَ ْت‪َ :‬س ِم َع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم َص ْو َت‬ ‫َش ُخي ٍُءص‪،‬و ٍمَو ِبُها َلو َبا َيقُِبو َلُعا‪:‬ليو اةاللأه ْلصاَوأا ُْتف َعُه َلمُا‪َ ،،‬ف َوَخإِ َرذا َجأ َحَع ُدَل ْيُه ِهَماَما َيرْس َتسْوو ِلُض اُعللاهِلآَف َقَخارلَ‪َ:‬و َي((ْسأ َْتي ْ َرنفِاُقل ُه ُم َتفأَلِّيي‬ ‫َع َلى اللهِ لا َي ْف َعلُ ال َم ْع ُرو َف؟))‬ ‫َف َقالَ‪ :‬أَ َنا َيا رسولَ الل ِه‪َ ،‬فلَ ُه أ ُّي ذ ِل َك أ َح َّب‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه)‬ ‫وفي رواية لابن حبان‪(( :‬إن شئت وضعت ما نقصوا‪ ،‬وإ ْن شئت من رأس‬ ‫المال))‪ .‬فوضع ما نقصوا‪.‬‬ ‫وفي أول الحديث دخلت امرأة على النبي صلى الله عليه وسلم فقالت‪ :‬إني‬ ‫ابتع ُت أنا وابني من فًلن تم ارا فأحصيناه‪( .‬والذي أكرمك بالحق ما أحصينا منه‬ ‫إلا ما نأكله في بطوننا‪ ،‬أو نطعمه مسكي انا‪ ،‬وجئنا نستوض ُعه ما نقصنا‪)...‬‬ ‫الحديث‬ ‫قال الحافظ‪ :‬وهي غير قصة كعب بن مالك وخصمه عبد الله بن أبي حدرد(‬ ‫القصة الأولى)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫معنى ((يستوضعه)) ‪ :‬يسأله أن يضع عنه بعض دينه‬ ‫((ويسترفقه)) ‪ :‬يسأله الرفق‬ ‫((والمتألي)) ‪ :‬الحالف‬ ‫هذا الحديث اشتمل على جملة من الفوائد‪ ،‬والفائدة الأصلية التي من أجلها‬ ‫أورده المصنف ‪-‬رحمه الله‪ -‬في هذا الباب هو ما يتعلق بالإصًلح بين الناس‪،‬‬ ‫فهؤلاء قد اختصموا‪ ،‬وقعت بينهم خصومة في هذا المال والمطالبة التي كانت‬ ‫بينهما‪ ،‬حتى علت الأصوات‬

‫فالنبي صلى الله عليه وسلم أصلح بينهما بقوله صلى الله عليه وسلم‪( :‬أين‬ ‫المتألي على الله لا يفعل المعروف؟) فالرجل لما سمع هذا الكًلم أدرك خطأه‬ ‫وتقصيره فما كان منه إلا أن رجع‪ ،‬وأحسن إلى هذا الإنسان الذي عليه‬ ‫المطالبة‪.‬‬ ‫فيشرع للإنسان أن يكون واسطة خير وإصًلح بين المسلمين فيما يقع بينهم‬ ‫من الخصومات في القضايا المالية‪ ،‬وفي غيرها من أمور المطالبات‪،‬‬ ‫والمعامًلت‪ ،‬وسائر القضايا‪ ،‬وهو أمر يحصل ويتكرر كثيراا‬ ‫وفي رواية عند ابن حبان‪\" :‬أن امرأة دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫وقد وقعت بينها وبين ابنها خصومة\"‬ ‫يعني‪ :‬أن الخصومة كانت واقعة بين امرأة وبين ابنها‪ ،‬في مال ومطالبة‪ ،‬تم ٌر‬ ‫أخذت منه هذه المرأة ما تطعمه‪ ،‬وتصدقت بشيء منه‪ ،‬فكان يطالب بالعوض‪،‬‬ ‫فاعتذرت هذه المرأة بأنها ما أخذت إلا شيئاا تأكله‪ ،‬أو شيئاا تصدقت به\"‪ ،‬ما‬ ‫أخذته على سبيل الإفساد مثًلا والتضييع‬ ‫فالخصومة قد تقع في المال بين المرأة وابنها‪ ،‬وبين الرجل وابنه‪ ،‬وبين‬ ‫الرجل وقريبه‪ ،‬وجاره‪ ،‬وما أشبه ذلك‪ ،‬وقد يوجد من تحضر نفسه عند‬ ‫المطالبة‪ ،‬ويقع شيء من المشاجرة‪ ،‬ولكن إذا ُذ ِّكر ينبغي أن يلين‪ ،‬وأن لا يقف‬ ‫ويتصلب عند حقه‪ ،‬ولا يترك شيئاا منه‪.‬‬ ‫وفيه فائدة أخرى وهي‪ :‬أن من يصلح بين الناس ينبغي أن يحتمل ما يبدر‬ ‫منهم مما قد يكون على خًلف الًلئق‪ ،‬فهؤلاء عند رسول الله صلى الله عليه‬ ‫وسلم وكان ينبغي أن يخفضوا أصواتهم‬ ‫وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه يستوضعه بمعنى أنه يطلب منه أن‬ ‫يطرح شيئاا من الحق‪ ،‬ويسترفقه يعني‪ :‬أن يطرح الربح‬ ‫فالمقصود أنه هنا يستوضعه أو يسترفقه‪ ،‬وهو يقول‪ :‬والله لا أفعل‪ ،‬يحلف‬ ‫يقول‪ :‬لا يمكن‪ ،‬لا أضع عنك من الربح‪ ،‬ولا من رأس المال‪ ،‬تأتي به كامًلا‬

‫فخرج عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ( :‬أين المتألي على الله أن لا‬ ‫يفعل المعروف؟) المتألي يعني‪ :‬الذي يحلف‬ ‫فالمقصود أن هذا الرجل حلف‪ ،‬فالنبي صلى الله عليه وسلم بين أنه لا يحسن‬ ‫بالإنسان أن يحلف على ترك المعروف‪ ،‬وترك الخير‪ ،‬والإحسان والبذل إلى‬ ‫الناس‪ ،‬أين المتألي على الله أن لا يفعل المعروف؟‬ ‫فقال‪ :‬أنا يا رسول الله‪ ،‬فله أ ُّي ذلك أح َّب‪.‬‬ ‫لاحظوا سرعة الفيئة والرجوع‪ ،‬له أ ُّي ذلك‪ ،‬يعني‪ :‬يريد أن نضع له الربح‪ ،‬أو‬ ‫نضع له من رأس المال مع الربح‪ ،‬فله أ ُّي ذلك أح َّب‬ ‫فينبغي للإنسان أن يكون أداة خير‪ ،‬وأن يحرص على الإصًلح بين الناس‬ ‫وإزالة العداوة والضغائن حتى ينال خيراا كثيراا‬ ‫وفي الحدي ِث‪ :‬الحض على الرفق بالغريم‪ ،‬والإحسان إليه بالوضع‪ ،‬والزجر‬ ‫عن الحلف على ترك الخير‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬الصفح عما يجري بين المتخاصمين من اللفظ ورفع الصوت‪.‬‬

‫الحديث الحادي والخمسون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي العباس سهل بن َسعد السا ِع ِد ّي رضي الله عنه أ َّن َر ُسول الله صلى الله‬ ‫عليه وسلم َب َل َغ ُه أ َّن َبني َعمرو بن َع ْو ٍف َكا َن َب ْي َن ُه ْم َش ٌّر‪َ ،‬ف َخ َر َج رسولُ الله صلى‬ ‫الله عليه وسلم ُي ْص ِل ُح َبي َن ُه ْم في أُ َناس َم َع ُه‪َ ،‬ف ُحبِ َس َر ُسول الله صلى الله عليه‬ ‫وسلم َو َحا َن ِت ال َّصًلة‪َ ،‬ف َجا َء ِبًللٌ إِلَى أَبي بكر رضي الله عنهما‪َ ،‬ف َقالَ‪َ :‬يا أَبا‬ ‫َب ْكر‪ ،‬إ َّن َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم َق ْد ُح ِب َس َو َحا َن ِت ال َّصًلةُ َف َه ْل َل َك أ ْن‬ ‫َت ُؤ َّم ال َّناس؟ َقالَ‪َ :‬ن َع ْم‪ ،‬إ ْن ِش ْئ َت‪َ ،‬فأ َقا َم ِبًللٌ ال َّصًل َة‪ ،‬و َت َق َّد َم أَ ُبو َب ْك ٍر َف َك َّب َر َو َك َّب َر‬ ‫ال َّنا ُس‪َ ،‬و َجا َء َر ُسولُ الله صلى الله عليه وسلم َيمشي في ال ُّصفُو ِف َح َّتى َقا َم في‬ ‫ال َّص ِّف‪َ ،‬فأَ َخ َذ ال َّنا ُس في ال َّت ْصفي ِق‪َ ،‬و َكا َن أَ ُبو بك ٍر رضي الله عنه لا َي ْل َت ِف ُت في‬ ‫َّصًلتِه‪َ ،‬ف َل َّما أ ْك َث َر ال َّنا ُس في ال َّت ْصفي ِق ا ْل َت َف َت‪ ،‬فإِ َذا َر ُسول الله صلى الله عليه‬ ‫وسلم‪َ ،‬فأَ َشا َر إِ َل ْيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم َف َر َف َع أَ ُبو َب ْكر رضي الله عنه‬ ‫َي َد ُه َف َح ِم َد الل َه‪َ ،‬و َر َج َع ال َق ْه َق َرى َو َراءهُ َح َّتى َقا َم في ال َّص ِّف‪َ ،‬ف َت َق َّد َم َر ُسولُ الله‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪َ ،‬ف َص َّلى لل َّنا ِس‪َ ،‬ف َل َّما َف َر َغ أ ْق َبلَ َعلَي ال َّنا ِس‪َ ،‬ف َقالَ‪(( :‬أ ُّي َها‬ ‫ال َّنا ُس‪َ ،‬ما َل ُك ْم ِحي َن َنا َب ُك ْم َش ْي ٌء في ال َّصًل ِة أ َخ ْذ ُت ْم في ال َّتصفيق؟! إِ َّن َما ال َّتصفيق‬ ‫لل ِّنساء‪َ .‬م ْن َنا َب ُه َش ْي ٌء في َصًل ِت ِه َف ْل َي ُق ْل‪ُ :‬س ْب َحا َن الله‪َ ،‬فإِ َّن ُه لا َي ْس َم ُع ُه أح ٌد ِحي َن‬ ‫يقُولُ‪ُ :‬س ْب َحا َن الله‪ ،‬إلا ا ْل َت َف َت‪َ .‬يا أَ َبا َب ْكر‪َ :‬ما َم َن َع َك أ ْن ُت َصلِّي بال َّنا ِس ِحي َن أ َش ْر ُت‬ ‫إ َل ْي َك؟))‪َ ،‬ف َقالَ أَ ُبو َب ْك ٍر‪َ :‬ما َكا َن َي ْن َبغي لا ْب ِن أَبي ُق َحا َف َة أ ْن ُي َص ِّلي بال َّنا ِس َب ْي َن‬ ‫َي َد ْي َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه(‬ ‫شرح الحديث‬ ‫أن رسول الله صلي الله عليه وسلم بلغه أن بني عمرو بن عوف‪ ،..‬وهم بطن‬ ‫من الأوس‪ ،‬ومعلوم أن الأنصار كانوا على قبيلين‪ :‬الأوس‪ ،‬والخزرج‪ ،‬فهؤلاء‬ ‫من بطون الأوس العظام‪ ،‬ويتفرع منهم فروع من قبائل الأوس‪.‬‬

‫كان بينهم شر‪ ،‬وجاء في بعض الروايات أنه كان بينهم كًلم‪ ،‬وخصومة‪ ،‬وفي‬ ‫بعض الروايات أنه وقع بينهم تراشق بالحجارة أي‪ :‬اختصموا‪ ،‬واحتدم الأمر‬ ‫بينهم حتى حصل التراشق بالحجارة‬ ‫فخرج رسول الله صلي الله عليه وسلم يصلح بينهم في أناس معه‪ ،‬وفي بعض‬ ‫الروايات انه صلي الله عليه وسلم أمر بعض أصحابه أن يقوموا معه من أجل‬ ‫الإصًلح بين هؤلاء‪،‬فخرج معه سهيل بن بيضاء‪ ،‬وأبي بن كعب ف ُحبس رسول‬ ‫الله صلي الله عليه وسلم وحانت الصًلة‪.‬‬ ‫وجاء في بعض الروايات أن النبي صلي الله عليه وسلم خرج إليهم بعد أن‬ ‫صلى الظهر‪ ،‬وكانت منازلهم في قباء‪ ،‬فلما أتاهم النبي صلي الله عليه وسلم‬ ‫وأصلح بينهم ُحبس عن صًلة العصر‪ ،‬أي‪ :‬حضرت صًلة العصر‪،‬‬ ‫ومعنى ُحبس أي‪ :‬أنهم أرادوا النبي صلي الله عليه وسلم أن يجلس معهم‪ ،‬وأن‬ ‫يستضيفوه‪ ،‬فالنبي صلي الله عليه وسلم طيب خواطرهم لهذا‪.‬‬ ‫وفي هذا من الفوائد حرص النبي صلي الله عليه وسلم على الإصًلح بين‬ ‫الناس‪ ،‬وهو القدوة والأسوة‪ ،‬فكان يأمر بذلك‪ ،‬ويحث عليه ويبين فضله‪،‬‬ ‫ويقوم به في نفسه‬ ‫وفيه تواضع النبي صلي الله عليه وسلم مع هذا كله أيضاا يبقى عندهم‪،‬‬ ‫وتحضر صًلة العصر وهو صلي الله عليه وسلم جالس بينهم تطييباا‬ ‫لخواطرهم‪.‬‬ ‫قال‪ :‬وحانت صًلة العصر‪ ،‬فجاء بًلل إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال‪ :‬يا أبا‬ ‫بكر إن رسول الله صلي الله عليه وسلم قد حبس وحانت الصًلة‪ ،‬فهل لك أن‬ ‫تؤم الناس؟‪ ،‬قال‪ :‬نعم إن شئت‪\".‬‬ ‫وفي رواية عند الإمام أحمد أن النبي صلي الله عليه وسلم هو الذي أمر بًللاا‬ ‫بذلك‪ ،‬أمره إن حبس أن يأتي أبا بكر‪ ،‬وأن يأمره أن يصلي بالناس‪ ،‬ففعل بًلل‬

‫رضي الله عنه ذلك وأدى هذا بطريق العرض‪ ،‬فهل لك أن تصلي بالناس؟ قال‪:‬‬ ‫نعم‪ ،‬إن شئت‪ ،‬فأقام بًلل الصًلة وتقدم أبو بكر‬ ‫وفي هذا بيان فضيلة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ‪ ،‬فهو المقدم في هذه‬ ‫الأمة بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم حيث استخلفه‬ ‫الرسول صلى الله عليه وسلم ليصلي بالناس‪ ،‬وكذلك في مرض موته ‪-‬عليه‬ ‫الصًلة والسًلم‪ ،-‬قال‪( :‬مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس)‬ ‫قال‪ :‬فأقام بًلل الصًلة‪ ،‬وتقدم أبو بكر‪ ،‬فكبر وكبر الناس‪ ،‬وجاء رسول الله‬ ‫صلي الله عليه وسلم يمشي في الصفوف‪.‬‬ ‫وجاء في بعض الروايات‪ :‬يشق الصفوف حتى قام في الصف‪ ،‬أي‪ :‬الأول‪،‬‬ ‫فأخذ الناس في التصفيق‪ ،‬وفي بعض الروايات التصفيح‬ ‫وبعض أهل العلم يقولون‪ :‬التصفيح والتصفيق بمعنى واحد‪ ،‬وهذا هو المشهور‬ ‫فهؤلاء كأنهم لم يبلغهم هدي النبي صلي الله عليه وسلم فيما يفعله المصلي إذا‬ ‫نابه أمر‪ ،‬أو أن يكون ذلك قبل أن يعلمهم رسول الله صلي الله عليه وسلم ‪ ،‬وإلا‬ ‫فسيأتي في هذا الحديث أن التصفيق للنساء‪ ،‬فهو لا يليق بالرجال ولا يصلح‬ ‫لهم‪ ،‬لا في الصًلة‪ ،‬ولا في خارج الصًلة‬ ‫يقول‪ :‬فلما أكثر الناس التصفيق التفت فإذا رسول الله صلي الله عليه وسلم ‪،‬‬ ‫فأشار إليه رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يبقى‬ ‫وكان أبو بكر رضي الله عنه لا يلتفت في الصًلة‪ ،‬والالتفات في الصًلة من‬ ‫غير حاجة مكروه‪ ،‬ولحاجة يجوز‪ ،‬قال‪ :‬فلما أكثر الناس التصفيق التفت‪ ،‬فإذا‬ ‫رسول الله صلي الله عليه وسلم ‪ ،‬أي‪ :‬قد جاء‪ ،‬فأشار إليه رسول الله صلي الله‬ ‫عليه وسلم ‪ ،‬يعني رسول الله صلي الله عليه وسلم أشار إليه‪ ،‬أي‪ :‬أن يبقى‪،‬‬ ‫ولا يرجع‪ ،‬فرفع أبو بكر رضي الله عنه يده فحمد الله‪ ،‬ورجع القهقرى وراءه‪.‬‬

‫وفي بعض الروايات‪ :‬رفع يديه فحمد الله وأثنى عليه على هذه النعمة والمنة‬ ‫والإفضال‪ ،‬وهي أن النبي صلي الله عليه وسلم جعله بهذه المنزلة‪ ،‬فهذه منقبة‬ ‫لأبي بكر رضي الله عنه‬ ‫ورجع القهقرى‪ ،‬أي‪ :‬من أجل أن لا يستدبر القبلة‪ ،‬يرجع إلى الوراء وهو‬ ‫مستقبل القبلة‪ ،‬رجع القهقرى‪ ،‬أي‪ :‬وراءه‪ ،‬حتى قام في الصف‪.‬‬ ‫فتقدم رسول الله صلي الله عليه وسلم فصلى للناس‪ ،‬وهذا أيضاا من أدب أبي‬ ‫بكر رضي الله عنه فالنبي صلي الله عليه وسلم أقره‪ ،‬ومع ذلك هو لم ير َض‬ ‫لنفسه بهذ ‪،‬فلما فرغ أقبل على الناس‪ ،‬أي‪ :‬النبي صلي الله عليه وسلم فقال‪:‬‬ ‫(أيها الناس‪ ،‬مالكم حين نابكم شيء في الصًلة أخذتم في التصفيق؟ إنما‬ ‫التصفيق للنساء) يعني‪ :‬في الصًلة‬ ‫(من نابه شيء في صًلته فليقل‪ :‬سبحان الله‪ ،‬فإنه لا يسمعه أحد حين يقول‪:‬‬ ‫سبحان الله إلا التفت‪ ،‬يا أبا بكر‪ ،‬ما منعك أن تصلي بالناس حين أشرت إليك؟)‬ ‫فقال أبو بكر‪ :‬ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يصلي بالناس بين يدي رسول‬ ‫الله صلي الله عليه وسلم وهذا من تواضعه رضي الله عنه‬ ‫وفي الحدي ِث ‪ :‬السعي في الإصًلح بين الناس‪ ،‬وجواز الصًلة بإمامين‪ ،‬وجواز‬ ‫الالتفات للحاجة‪.‬‬

‫الحديث الثاني والخمسون بعد المائتين‬ ‫عن حارثة بن و ْه ٍب رضي الله عنه َقالَ‪ :‬سمعت َر ُسولَ الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫يقولُ‪(( :‬ألا أُ ْخ ِب ُر ُك ْم ِبأ ْه ِل ال َج َّن ِة؟ ُكلُّ َض ِعيف ُم َت َض َّعف‪َ ،‬ل ْو أَ ْق َس َم َع َلى الل ِه لأَ َب َّرهُ‪،‬‬ ‫أَلا أُ ْخبِ ُر ُك ْم بِأ ْه ِل ال َّنا ِر؟ ُكلُّ ُع ُتلٍّ َج ّوا ٍظ ُم ْس َت ْكبِ ٍر))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫((ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره)) يعني‬ ‫هذه من عًلمات أهل الجنة‬ ‫(كل ضعيف) أي‪ :‬نفسه ضعيفة لتواضعه‪ ،‬وضعف حاله في الدنيا‬ ‫( م َت َض َّعف) يعني‪ :‬أن الناس يستضعفونه‪ ،‬يرونه ضعيفاا‪ ،‬وضبطه بعضهم‪:‬‬ ‫ُم َت َض ِّع ٍف‪ ،‬أي‪ :‬أنه يظهر الضعف والتواضع للناس‬ ‫اي أن الإنسان يكون ضعيفاا متضعفاا‪ ،‬أي‪ :‬لا يهتم بمنصبه أو جاهه‪ ،‬أو يسعى‬ ‫إلى علو المنازل في الدنيا‪ ،‬ولكنه ضعيف في نفسه متضعف يرى أن الأهم أن‬ ‫يكون عند الله ذا مكانة كبيرة عالية‬ ‫(لو أقسم على الله لأبره) يعني‪ :‬لو أنه حلف على شيء من الأشياء يميناا طمعاا‬ ‫في كرم الله بإبراره لأبره الله‪ ،‬فلو حلف على شيء ليسر الله له أمره‪ ،‬حتى‬ ‫يحقق له ما حلف عليه‪ ،‬وهذا كثيراا ما يقع؛ أن يحلف الإنسان على شيء ثقة‬ ‫بالله عز وجل‪ ،‬ورجاء لثوابه فيبر الله قسمه‪ ،‬وأما الحالف على الله تعالياا‬ ‫وتحجراا لرحمته‪ ،‬فإن هذا يخذل‬ ‫وقول الرسول صلى الله عليه وسلم‪(( :‬إن من عباد الله)) ((من)) هنا للتبعيض‪،‬‬ ‫((إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره)) وذلك فيمن أقسم على الله ثقة‬ ‫به‪ ،‬ورجاء لما عند الله عز وجل‪.‬‬

‫كما قال أنس بن النضر رضي الله عنه لما َكسرت ال ُّر َب ِّي ُع ‪-‬وهي أخته‪ -‬س َّن تلك‬ ‫المرأة‪ ،‬فأرادوا القصاص‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬كتاب الله‬ ‫القصاص‪ ،‬فقال أنس بن النضر رضي الله عنه‪ :‬والله لا ُتكسر ثنية ال ُّر َب ِّيع‪،‬‬ ‫فرضي أولئك بأرش الجناية‪ ،‬بالمال‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪( :‬إن من‬ ‫عباد الله من لو أقسم على الله لأبره)‬ ‫و كما قال شيخ الإسًلم ابن تيمية ‪-‬رحمه الله‪ -‬في وقعة التتر المعروفة‪ ،‬كان‬ ‫يقول‪ :‬والله إنكم منصورون‪ ،‬فكانوا يقولون‪ :‬قل‪ :‬إن شاء الله‪ ،‬فكان يقول‪:‬‬ ‫أقولها تحقيقاا لا تعليقا‪ ،‬يعني‪ :‬هو واثق ج اّدا من النصر ويقسم عليه‬ ‫وهذا يدل على أن العبرة ليست بالهيئة‪ ،‬إنما العبرة بما في القلب من الإيمان‪،‬‬ ‫ومحبة الله ‪ ،‬ومراقبته‪ ،‬ومًلحظة حدوده فالعبرة بهذا‪ ،‬وليست العبرة بمظاهر‬ ‫الناس‪ ،‬وأشكالهم وصورهم‬ ‫(لا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متض َّعف‪ ،‬لو أقسم على الله لأبره) و هذا في‬ ‫الغالب‪ ،‬وإلا فيوجد من الضعفاء َمن هم من أهل النار؛ ولهذا قيل‪ :‬إن شرار‬ ‫الناس فقراء اليهود‪ ،‬لا مال جمعوا‪ ،‬ولا دين أبقوا‬ ‫(ألا أخبركم بأهل النار؟) يعني‪ :‬غالباا‪ ،‬هذه غالب صفتهم‬ ‫( كل ُعتلٍّ) ‪ ،‬والعتل‪ :‬هو الغليظ الجافي‪ ،‬وبعضهم يقول‪ :‬العتل هو ضخم البدن‪،‬‬ ‫كبير البطن‪ ،‬عظيم الرقبة أو العنق‪ ،‬والمشهور في معناه‪ :‬أن العتل هو الغليظ‬ ‫الجافي‬ ‫( َج َّوا ٍظ) وهو ال َجموع ال َمنوع‪ ،‬يجمع المال ويمنعه‪ ،‬فًل ُيخرج حق الله منه‪،‬‬ ‫وبعضهم يقول‪ :‬إن الجواظ هو الأكول الشروب‪ ،‬عظيم البطن‪ ،‬وقيل‪ :‬الضخم‬ ‫المختال في مشيته‬ ‫وقيل هو الجزوع الذي لا يصبر على شيء ‪ ،‬دائماا في أنين وحزن وه ّم وغ ّم‪،‬‬ ‫معترضاا على القضاء والقدر‪ ،‬لا يخضع له‪ ،‬ولا يرضى بالله رباا‪.‬‬

‫والمشهور أنه ‪ :‬الجموع المنوع والغلظة‪ ،‬والقسوة‪ ،‬والجفاء ليست من صفات‬ ‫عباد الله المتقين‪ ،‬وإنما هي من صفات أهل النار‬ ‫وأما المستكبر فهو الذي جمع بين وصفين‪ :‬غمط الناس‪ ،‬وبطر الحق؛ لأن‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم قال ((الكبر بطر الحق‪ ،‬وغمط الناس)) وبطر الحق‪:‬‬ ‫يعني رده‪ ،‬وغمط الناس‪ :‬يعني احتفارهم‪ ،‬فهو في نفسه عال على الحق‪ ،‬وعال‬ ‫على الخلق‪ ،‬لا يلين للحق ولا يرحم الخلق ‪،‬فهذه عًلمات أهل النار‬ ‫وفي الحدي ِث ‪ :‬بيان أن أكثر أهل الجنة الضعفاء‪ ،‬وأكثر أهل النار المتكبرون‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook