الحديث الثًلثون بعد المائتين َع ْن عائشة رضي الله عنها َقالَ ْتَ :ن َها ُه ُم ال َّنب ُّي صلى الله عليه وسلم ع ِن ال ِو َصال َرح َم اة َل ُه ْمَ ،ف َقالُوا :إ َّن َك ُت َوا ِصلُ؟ َقالَ: ((إ ّني َل ْس ُت َك َه ْي َئ ِت ُك ْم ،إ ِّني أبي ُت ُي ْطع ُمني َر ِّبي َو َيسقِيني)) ( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه) شرح الحديث عن عائشة رضي الله عنها -أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهاهم عن الوصال رحمة لهم ،يعني نهى الصحابة عن الوصال ،والمقصود بالوصال :أن الصائم لا يفطر بعد غروب الشمس ،وإنما يستمر على صومه ،وهو نوعان: الأول :أن يبقى إلى السحر ،يعني :لا يأكل ولا يشرب ،ولا يأتي شيئاا مما ُيمنع بالصوم. الثاني :أن يواصل ليله بنهاره ،لا يأكل ولا يشرب ويمتنع من سائر المفطرات فيواصل يوما أو يومين فأكثر ،وقد نقل عن ابن الزبير -رحمه الله -أنه كان يواصل خمسة عشر يوماا ،ونقل عن بعضهم أنه يواصل عشرة أيام فنهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك رحمة لهم يعني :شفقة عليهم، ولكنهم رضي الله عنهم فهموا أنه نهاهم رحمة بهم لا كراهة للعمل ،وفي إحدى الروايات أنهم واصلوا ثم واصلوا حتى هل شهر شوال ،فقال صلى الله عليه وسلم \" :لو تأخر الهًلل لزدتكم\" يعني لأبقيتكم تواصلون ،قال ذلك تنكيًلا لهم، حتى يعرفوا ألم الجوع والعطش ،ويكفوا عن الوصال من أنفسهم. الحاصل أنه نهاهم عن الوصال رحمة بهم .فقالوا :إنك تواصل ونحن نقتدي بك فقال \" :إني لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقينى\"
يعني أنه عليه الصًلة والسًلم ليس كالأمة ،بل هو يبيت عند ربه يطعمه ويسقيه ،ومعنى ذلك أنه عليه الصًلة والسًلم يتهجد بالليل ،ويخلو بالله ع ّز وجلّ بذكره ،وقراءة كًلمه ،وغير ذلك مما يغنيه عن الأكل والشرب ،لأن الإنسان إذا اشتغل بالشيء نسي الأكل والشرب ،خصوصاا إذا كان الشيء مما يحبه ويرضاه ولهذا قال النبي عليه الصًلة والسًلم \" :إني ابيت يطعمني ربي ويسقيني\" فلست كهيئتكم وما زعمه بعض أهل العلم من أن المراد بالإطعام والإسقاء ،الإطعام من الجنة والإسقاء من الجنة فليس بصحيح؛ لأنه لو طعم طعاماا حسياا وشرب شراباا حسياا ،لم يكن واصًلا ،وإنما المراد بالطعام والسقي ما يشتغل به صلى الله عليه وسلم من ذكر الله بقلبه ولسانه وجوارحه. قال ابن القيم :إن هذا من باب الاكتفاء بالالتذاذ بالعبادة ،فإن الإقبال على الله تعالي بالمناجاة والصًلة والتعبد ورجاء ما عنده ،والسرور بمعرفته وما أشبه ذلك يحصل للإنسان به من الشبع ومن الاكتفاء بما يحصل بذلك العمل من غذاء الأرواح ،فيكفيه عن غذاء الأبدان وفي الحدي ِث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواصل وينهى أمته على الوصال شفقة بهم
المقدمة باب تعظيم حرمات والمسلمين وبيان حقوقهم الحديث الحادي والثًلثون بعد المائتين أَوبسيلم َق:تا(د(َةإ ِّناَفلأَيَتحاَلجأََّروُق َِزوث ُمفبإِ َلنيىِر َباص ِلعًلتيَّصًيلرة َك،ضَراَويأُه ِايرليلةهُدأأْعن ْننأهأُ ُش ََقطاَِّّقولَلَ َ:ع َلَفِقايى َلهَاأَُِّ،مر ِهَف ُسأ)و)ْسلَم اعللهُب َكا َصءل اىل ا َّلصلبه ِّي عن عليه (رواه البخاري) شرح الحديث هذا الحديث من النماذج التي تدل على رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته والشاهد من الحديث ،وهو أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يراعي قلب هذه الأم التي يشتغل قلبها عند بكاء صبيها ،فيوجز في صًلته صلى الله عليه و سلم (فأسمع بكاء الصبي) يدل على أنهم كانوا يأتون بالصبيان معهم إلى المساجد وأما حديث جنبوا مساجدنا صبيانكم ومجانينكم ،فًل أصل له (فأتجوز في صًلتي) يتجوز بمعنى أنه يختصر وقد جاء ما يوضح هذا في رواية عند مسلم عن أنس رضي الله عنه قال :كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يسمع بكاء الصبي مع أمه وهو في الصًلة، فيقرأ بالسورة الخفيفة ،أو بالسورة القصيرة وقوله صلى الله عليه و سلم (:كراهية أن أشق على أمه) يدل على رحمته صلى الله عليه و سلم وشفقته ،وأنه لا يريد أن ينشغل قلب هذه الأم على طفلها ،وكذلك مراعاة أحوال الناس. فالإمام إذا رأى بالناس تعباا وإرهاقاا ينبغي أن يوجز في القراءة بأن يقرأ من قصار السور مثًلا ،إذا علم أن بعض من يصلي خلفه متعب أو نحو ذلك.
وفي الحدي ِث فوائد منها: أولاا :رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته وشفقته عليها. ثانياا :جواز حضور النساء إلى المساجد ليصلين مع الجماعة ،وهذا ما لم تخرج المرأة على وجه لا يجوز ،مثل أن تخرج متعطرة أو متبرجه ،فإن ذلك لا يجوز ثالثاا :جواز إدخال الصبيان المسجد رابعا :يجوز للمصلي أن يغير نيته من تطويل إلى تخفيف أو بالعكس ،إذا ُوجد سبب لذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل في الصًلة يريد أن يطيلها فيخفف. خامسا :ال ِّرف ُق بالمأمو ِم ،ومراعا ُة َمصلح ِتهم ،وأ َّلا ُيد ِخلَ عليهم ما َي ُش ُّق عليهم سادسا :أ َّن صًلة ال َّنب ِّي صلَّى الله عليه وس ّلَم أكملُ صًل ٍة ،ف ْل َيح ِر ِص ال ُمصلِّي على أ ْن يجعلَ صًل َته ِمثلَ صًلتِه؛ ل َيحظى بالاقتداء ،ويفو َز بعظي ِم الأجر
الحديث الثاني والثًلثون بعد المائتين عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه َقالََ :قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم: َفإ َّن ُه ب َشي ٍء، َفًل َي ْطلُ َب َّن ُك ُم الله ِم ْن ِذ َّمته (( َم ْن َم ْنَص َّلَي ْىطلُ ْب َُهصًلم َة ْنالذ َّمُّصتْبه ِحب َف َش ُه َيو ٍءف ُييْد ِرذ ْ َّكم ُهِة،الُثل َّهم َج َه َّن َم)) َي ُك ُّب ُه َعلَى َو ْج ِه ِه في َنا ِر ( رواه مسلم) شرح الحديث \" من صلى صًلة الصبح فهو في ذمة الله \" وهي صًلة الفجر وهي الصًلة الأولى عند بعض العلماء .وعند بعض العلماء أن الصًلة الأولى هي صًلة الظهر ،لكن الأصح أن الصًلة الأولي هي صًلة الفجر ،والثانية :الظهر ،والثالثة :العصر ،وهي الوسطى ،والرابعة :المغرب، والخامسة :العشاء.. وصًلة الفجر تأتي وكثي ٌر من الناس نيام ،ولهذا يتكاسل عنها المنافقون ،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم \" :أثقل الصًلة على المنافقين :صًلة العشاء وصًلة الفجر ،ولو يعلمون ما فيهما لاتوهما ولو حبوا\" وهي وصًلة العصر أفضل الصلوات الخمس؛ لقول النبي صلى الله عليه وسمل \" :من صلى البردين دخل الجنة\". والبردان هما :الفجر والعصر؛ لأن الفجر براد الليل ،والعصر براد النهار \" من صلى صًلة الصبح \" ظاهره من صلى في جماعة أو غير جماعة وفي رواية جاء تقيد ذلك بالجماعة (( :من ص َّلى صًلة الصبح في جماعة)) وهذا يدل على أهمية صًلة الصبح وفضلها ومنزلتها ومن أهل العلم من يقول :خصت صًلة الصبح بذلك؛ لأن الناس يحتاجون بعدها إلى هذا الحفظ ،لأنهم ينتشرون في أعمالهم ويتفرقون في بيعهم وأسواقهم وشرائهم وحوائجهم ،فقد يصل إليهم شيء من الأذى بسبب هذه الخلطة بالناس ،فيحتاجون إلى مثل هذه الكًلءة والحفظ والرعاية من الله تعالى \" فهو في ذمة الله \" أي في أمانه و عهده ،يعني أنه دخل في عهد الله فكأنه معاهد لله ع ّز وجلّ أن لا يصيبه أحد بسوء ،وهذا فضل عظيم يحصل لهؤلاء الذين يحضرون صًلة الفجر
ولهذا قال عليه الصًلة والسًلم \" :فًل يطلبنكم الله في ذمته بشيء\" يعني لا يعتدي أحد على من صلى الفجر؛ لأنه في ذمة الله وفي عهده ،فإياكم أن يطلبكم الله تعالى من ذمته بشيء \" ،فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ،ثم يكبه على وجهه في النار\". فهذا الإنسان في عهد الله وحفظه وكًلءته وأمانه ،فًل يطلبنكم الله من ذمته بشيء ،فإنه من يطلبه من ذمته بشيء (يدركه) يعني :لا يفوته ،يدركه الله ويأخذه. وفي قوله( :ثم يكبه على وجهه في نار جهنم) تحذير للناس من أن يتعرضوا لأحد قد حصل له هذا المعنى ،صلى الصبح في جماعة ،ويدخل في َخ َفارة الذمة الغيبة والنميمة ،ويدخل فيه أخذ ماله، واستغًلله والكذب عليه ،والتدليس والغش في البيع والشراء ،فضًلا عن شتمه وسبه وضربه وأذيته بأي لون من الأذى من قذف في العرض ،أو نحو ذلك. ففي هذا دليلٌ على أنه يجب احترام المسلمين الذين برهنوا على إسًلمهم بصًلة الفجر؛ وإنه لايجوز لأحد أن يعتدي عليهم وفي الحدي ِث :وعيد شديد لمن تعرض للمصلين بسوء
الحديث الثالث والثًلثون بعد المائتين عن ابن عمر رضي الله عنهما أ َّن َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم َقالَ: ((ال ُم ْسلِ ُم أَ ُخو ال ُم ْسلِم ،لا َي ْظلِم ُهَ ،ولا ُي ْسل ُم ُهَ .م ْن َكا َن في َحا َجة أخيهَ ،كا َن اللهُ في َحا َجتهَ ،و َم ْن َف َّر َج َع ْن ُم ْسلِم ُك ْر َب اةَ ،ف َّر َج اللهُ َع ْن ُه بها ُك ْر َب اة ِم ْن ُك َر ِب َيو ِم ال ِق َيا َم ِةَ ،و َم ْن َس َت َر ُم ْس ِل اما َس َت َر ُه اللهُ َيو َم ال ِقيا َم ِة)) ( ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه) شرح الحديث \" المسلم أخو المسلم\" يعني الأخوة في الدين ،كما قال الله تبارك وتعالى: ( َفأَ ْص َب ْح ُت ْم بِنِ ْع َم ِت ِه إِ ْخ َواناا) (آل عمران :م)103 أي مثل أخيه في الولاء والمحبة والنصح وهذه الأخوة هي أوثق الأخوات ،أوثق من أخوة النسب ،فهي أخوة ثابتة راسخة في الدنيا وفي الآخرة ،تنفع الإنسان في حياته وبعد مماته ،لكن هذه الأخوة لا يترتب عليها ما يترتب على أخوة النسب من التوارث ووجوب النفقة وما أشبه ذلك. ثم قال \" :لا يظلمه ولا يسلمه\" لا يظلمه لا في ماله ،ولا في بدنه ،ولا في عرضه ،ولا في أهله ،يعني لا يظلمه بأي نوع من الظلم المادي أو المعنوي \" ولا يسلمه\" يعني لا يسلمه لمن يظلمه ،فهو يدافع عنه ويحميه من شره، فهو جامع بين أمرين: الأمر الأول :أنه لا يظلمه. والأمر الثاني :أنه لا يسلمه لمن يظلمه بل يدافع عنه. ولهذا قال العلماء -رحمهم الله :-يجب على الإنسان أن يدافع عن أخيه في عرضه وبدنه وماله في عرضه :يعني إذا سمع أحداا يسبه ويغتابه ،يجب عليه أن يدافع عنه و في بدنه :إذا أراد أحد أن يعتدي على أخيك المسلم وأنت قادر على دفعه، وجب عليك أن تدافع عنه وكذلك في ماله :لو أراد أحد أن يأخذ ماله ،فإنه يجب عليك أن تدافع عنه.
ثم قال عليه الصًلة والسًلم \" :من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته\" يعني أنك إذا كنت في حاجة أخيك تقضيها وتساعده عليها؛ فإن الله تعالى يساعدك في حاجتك ويعينك عليها جزا اء وفاقاا. و ُيفهم من ذلك أن الإنسان إذا ظلم أخاه؛ فإن أخوته ناقصة ،وإذا أسلمه إلى من يظلمه؛ فإن أخوته ناقصة ،وإذا لم يكن في حاجته ،فإن هذا يفوته الخير العظيم ،وهو كون الله تعالى في حاجته. ثم قال \" :ومن فرج عن مسلم كربة ؛ فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة\" الكرب ما يضيق على الإنسان ويشق عليه ،ويجد له في نفسه هماا وغماا ،فإذا فرجت عن أخيك هذه الكربة من كرب الدنيا ؛ فرج الله عنك كربة من كرب يوم القيامة. وتفريج الكربات يكون في أمور متعددة :إن كانت كربة مالية؛ فبإعطائه المال الذي تزول به الكربة ،وإن كانت كربة معنوية؛ فبالحرص على رد معنويته ورد اعتباره حتى تزول عنه الكربة \" ومن ستر مسلماا ستره الله يوم القيامة \" من ستر يعني :غطى عيبه ولم يبينه ،فإن الله يستره يوم القيامة ،وفي روايه (ستره الله في الدنيا والآخرة) أي إذا سترته سترك الله في الدنيا والآخرة الناس يعيشون في كنف ستر الله تعالى ولو رفع ذلك عنهم افتضحوا ،كل إنسان عنده تقصير وذنوب وأخطاء ،وقد جاء رجل للإمام أحمد -رحمه الله -وسأله عن نسبه وقال :نسمع أنكم من ذوي النسب ،فقال له الإمام أحمد :إنما نعيش في ستر الله ولو كشفه عنا لافتضحنا ،كل إنسان يعيش في ستر الله تعالى ولو كشفه عنه لافتضح. فالمقصود أن طريق ستر العورات يوم القيامة والفضائح هو بالستر على المسلمين ،ولذلك النبي صلى الله عليه و سلم أخبر فقال ( :إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة ،فيقال :هذه غدرة فًلن بن فًلن) يفتضح بغدره ،فمن أراد ألا يفتضح يوم القيامة أمام الخًلئق فعليه أن ينظر إلى هذا المعنى وليستر المسلمين ،وإذا اطلع على عورة من عورات أخيه فعليه أن يستره وألا ينشر خطأه .فالمؤمن لا يفرح بزلة أخيه ولا بخطئه ،ولا
بوقوعه بشيء من الخلل أو الخطأ أو الانحراف ،فإذا رأى شي ائا من ذلك آلمه وستره ونصحه وسدده. والنبي صلى الله عليه و سلم يقول( :من ي َّتبِع عورة أخيه يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته) والجزاء من جنس العمل ،فهذا سعي وعمل قبيح ،تعجل عقوبته في الدنيا قبل الآخرة والستر بالنسبة للأعمال السيئة التي يقوم بها الإنسان ينقسم إلى قسمين: قسم يكون من شخص منهمك في المعاصي مستهتر ،فهذا لا نستر عليه وقسم آخر حصل منه هفوة ،فهذا هو الذي نستر عليه وفي الحدي ِث :ح ّض المسلمين على التعاون ،وشفقة بعضهم على بعض ،وترك ظلمهم ،وقضاء حوائجهم ،وتفريج كرباتهم ،وستر عوراتهم وإدخال السرور عليهم.
الحديث الرابع والثًلثون بعد المائتين عن أَبي هريرة رضي الله عنه َقالََ :قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم: ال ُم ْسلِ ِم َع َلى ال ُم ْسلِم ُكلُّ ((ال ُم ْسلِ ُم أ ُخو ال ُم ْسلِ ُم ،لا َي ُخو ُن ُهَ ،ولا َي ْك ِذ ُب ُهَ ،ولا َي ْخ ُذلُ ُه، ال َّش ِّر أ ْن َي ْحقِ َر أ َخاهُ ِم َن َح َرا ٌم ِع ْر ُض ُه َو َمال ُه َو َد ُم ُه ،ال َّت ْقوى ها ُه َنا ،ب َح ْسب ا ْمر ٍئ ال ُم ْسلِم)) رواه الترمذيَ ،وقالَ(( :حديث حسن)) شرح الحديث \" المسلم أخو المسلم\" أخوة الإيمان ،وأنها أقوى رابطة وأوثق من أخوة النسب \" لا يخونه ولا يكذبه\" لا يخونه أي لا يغدر به في محل الائتمان ،إذا ائتمنه على شيء ،أو على مال ،أو على سر ،أو على غير ذلك فإنه لا يخونه، والخيانة هي الغدر بالشخص في موضع الائتمان ،ولا يجوز لأحد أن يخون أخاه المسلم حتى وإن خانه. \"و لا يكذبه\" أي لا يحدثه بكذب ،فإذا حدثه يصدقه ،هذا من حق المسلم على المسلم أن يكون صادقاا معه ،فًل يحدثه بحديث كذب لأن هذا فيه استخفاف به، وتدليس وتلبيس عليه ،والكذب حرام ،وكلما كانت آثاره أسوأ كان أشد إثماا وليس في الكذب شيء حًللاا ،و يتضاعف إثمه بحس ما يترتب عليه ،فإذا كان يترتب عليه أكل مال المسلم صار اشد إثماا ،وإذا كان لا يترتب عليه أي شيء من الأضرار ،فإنه أخف ولكنه حرام وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم \" إنه رخص في الكذب عند الإصًلح بين الناس وفي الحرب ،وفي حديث الرجل امرأته .وحديثها إياه\" ولكن كثيراا من العلماء قال :إن المراد بالكذب في هذا الحديث ليس الكذب الصريح ،وإنما هو التورية ،والتورية تسمى كذباا ،وهي أن يظهر للمخاطب شيئاا غير الذي يريده هو \"ولا يخذله\" يعني :لا يترك نصرته حيث يحتاج إلى نصرته ،والجزاء من جنس العمل فقد جاء عن النبي \"صلى الله عليه و سلم\"ما يدل على هذا \" :ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله
في موطن يحب فيه نصرته ،وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته\" والخدلان في الحديث يشمل الفرد والجماعة ،كما في حديث \":انصر أخاك ظالماا أو مظلوماا \" ،فالمسلم لا يجوز له بحال من الأحوال أن يخذل أمة من الأمم ،أو طائفة من المسلمين ،أو أن يسلمهم إلي الكفار ،فضًلا عن أن يعين أعداء الله عليهم ،أو يفرح بظهورهم عليهم ،أو يفعل هذا نكاية بهم \"كل المسلم على المسلم حرام عرضه\" \" عرضه\" بأن لا تنتهك عرضه ،وتتكلم فيه بين الناس ،سواء كنت صادقاا فيما تقول أو كاذباا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الغيبة فقال\" : ذكرك أخاك بما يكره\" قالوا :يا رسول الله ،أريت إن كان في أخي ما أقول؟ قال \":إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ،وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته\" \" وماله\" فًل يأخذ من ماله شيئا ،لا غصباا ،ولا سرقة ،ولا خيانة ،ولا دعوى ما ليس له ،ولا غير ذلك بأي طريق ،فًل يحل لك أن تأخذ مال أخيك بغير حق فإنه حرا ٌم عليك. \" ودمه \"فًل يعتدي على المسلم بقتل أو جرح او غير ذلك فالواجب على المسلم أن يحترم أخاه في ماله وعرضه ودمه وقوله\" :التقوى هاهنا\" يعني :أن التقوى في القلب فإذا اتقى القلب أتقت الجوارح والتقوى هي أن يجعل الإنسان بينه وبين عذاب الله وقاية بفعل ما أمر واجتناب ما نهى ،وألا يجدك حيث نهاك ،وألا ُتفقد حيث أمرك والتقوى إنما تنشأ من القلب ،وذلك أن عمل القلب أصل لعمل الجوارح ،وكل أعمال الجوارح إنما هي متفرعة من عمل القلب ،ولذلك قال النبي\"صلى الله عليه و سلم\" :ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ،وإذا فسدت فسد الجسد كله ،ألا وهي القلب فإذا كان في قلب الإنسان تقوى لله ع ّز وجلّ وخو ٌف منه وخشيه له ،استقامت أعماله الظاهرة؛ لأن الأعمال الظاهرة تتبع القلب.فهذا القلب هو ملِك الجوارح وهي رعيته ،وتصلح بصًلحه وتستقيم باستقامته ،فقد تكون الجوارح مشتغلة
بما ظاهره أنه من الأعمال الصالحة ،ولكن الإنسان بمنأى عن ذلك كله إذا كان قلبه خالياا من تقوى الله ،وإرادة ما عنده ،والإخًلص لوجهه هذا معنى التقوى هاهنا ،وليس المراد أن الإنسان يزعم أن قلبه قد اتقى وإن كانت جوارحه تشتغل بالمعصية ،فهذا فهم غير صحيح ،لأنه لو كان متقياا حقيقة لصلحت جوارحه ،وصلحت أعماله ثم قال صلى الله عليه وسلم \" بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم\" يعني :يكفيه من الشر أن يحقر أخاه المسلم ،فلو لم يكن من الشر للمسلم إلا أن يحقر أخاه ويستصغره ويستذله ،لكان كافياا في الإثم ،وفي هذا أعظم زاجر عن احتقار أخيك المسلم ،وأن الواجب عليك أن تحترمه بما فيه من الإسًلم والإيمان
الحديث الخامس والثًلثون بعد المائتين عن أبي هريرة رضي الله عنه َقالََ :قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم(( :لا َت َحا َس ُدواَ ،ولا َت َنا َج ُشواَ ،ولا َت َبا َغ ُضواَ ،ولا َت َدا َب ُرواَ ،ولا َيب ْع َب ْع ُض ُك ْم َعلَى َب ْيع َب ْعضَ ،و ُكو ُنوا ِع َبا َد الله إ ْخ َوا انا ،ال ُم ْسلِ ُم أ ُخو ال ُم ْسلم :لا َي ْظ ِل ُم ُهَ ،ولا َي ْح ِق ُر ُهَ ،ولا َي ْخ ُذلُ ُه ،ال َّت ْق َوى ها ُه َنا -ويشير إِلَى صدره ثًلث مرات --ب َح ْسب ا ْمر ٍئ ِم َن ال َّش ِّر أ ْن َيحقِ َر أ َخا ُه ال ُم ْسلِ َمُ ،كلُّ ال ُم ْسلم َعلَى ال ُم ْسلم َح َرا ٌمَ ،د ُم ُه و َمالُ ُه وع ْر ُض ُه)) (رواه مسلم) شرح الحديث (لا تحاسدوا) :لا يحسد بعضكم بعضا. (ولا تناجشوا) :لا يزد بعضكم في ثمن سلعة لا يريد شراءها .ليخدع بذلك غيره ممن يرغب فيها. (ولا تباغضوا) :لا تتعاطوا أسباب التباغض. (ولا تدابروا) :لا يعط أحد منكم أخاه دبره حين يلقاه مقاطعة له. (ولا يبع بعضكم على بيع بعض) :بأن يقول لمن اشترى سلعة في مدة الخيار: افسخ هذا البيع ،وأنا أبيعك مثله بأرخص منه ثمنا ،أو أبيعك أجود منه بثمنه أو يكون المتبايعان قد تقرر الثمن بينهما وتراضيا ،ولم يبق إلا العقد فيزيد عليه ،أو يعطيه بأنقص ،وهذا بعد استقرار الثمن ،أما قبل الرضا فليس بحرام (وكونوا عباد الله أخوانا) :كالتعليل لما تقدم ،أي تعاملوا معاملة الأخوة في المودة ،والرفق والشفقة والمًلطفة ،والتعاون في الخير ،ونحو ذلك مع صفاء القلوب. قوله\" :لا َت َحا َسدوا\" أي لا يحسد بعضكم بعضاا .وما هو الحسد؟ قال بعض أهل العلم :الحسد تمني زوال نعمة الله ع ّز وجل على الغير ،أي أن يتمنى أن يزيل الله نعمته على الآخر ،سواء كانت النعمة مالاا أو جاهاا أو علماا أو غير ذلك قال شيخ الإسًلم ابن تيمية -رحمه الله -الحسد :كراهة ما أنعم الله به على الغير وإن لم يتمن الزوال
فمجرد ما تكره أن الله أنعم على هذا الرجل بنعمة فأنت حاسد. \" َولا َت َنا َجشوا\" أي لا ينجش بعضكم على بعض ،وهذا في المعامًلت ففي البيع المناجشة :أن يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها ،لكن يريد الإضرار بالمشتري أو نفع البائع ،أو الأمرين معاا . قالَ \" :ولا َت َبا َغضوا\" أي لا يبغض بعضكم بعضاا ، والمعنى :لا تسعوا بأسباب البغضاء .وإذا وقع في قلوبكم بغض لإخوانكم فاحرصوا على إزالته وقلعه من القلوب. \" َولا َت َدا َبروا\" إما في الظهور بأن يولي بعضكم ظهر بعض ،أولا تدابروا في الرأي ،بأن يتجه بعضكم ناحية والبعض الآخر ناحية أخرى. \" َولاَ َيبِع َبع ُض ُكم َعلَى َبي ِع َبع ٍض\" مثال ذلك :رأيت رجًلا باع على آخر سلعة بعشرة،فأتيت إلى المشتري وقلت: أنا أعطيك مثلها بتسعة،أو أعطيك خيراا منها بعشرة،فهذا بيع على بيع أخيه، وهو حرام. \" َوكونوا ِع َبا َد الل ِه إِخوا َناا\" أي كونوا مثل الإخوان،ومعلوم أن الإخوان يحب كل واحد منهم لأخيه ما يحب لنفسه. وقولهِ \" :ع َبا َد الل ِه\" جملة اعتراضية ،المقصود منها الحث على هذه الإخوة . وبقية الحديث تم شرحه في الحديث السابق ،وهذا الحديث أصل في الأخوة الإيمانية وحقوقها وفي الحدي ِث :تحريم الحسد وهو تم ِّني زوال نعمة المحسود .والحس ُد اعتراض على الله تعالى في فعله. وفيه :تحريم النجش؛ لأنه غش وخداع. وفيه :النهي عن التباغض والتدابر ،والنهي عن البيع على البيع ،ومثله الشراء على الشراء ،بغير إذنه في زمن الخيار؛ لأن ذلك من دواعي النفرة والتباغض. وفيه :أ َّن التقوى إنما تحصل بما يقع في القلب من خشية الله ومراقبته
الحديث السادس والثًلثون بعد المائتين عن أنس رضي الله عنه عن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم َقالَ: ((لا ُيؤ ِم ُن أ َح ُد ُك ْم َح َّتى ُي ِح َّب لأ ِخي ِه َما ُي ِح ُّب ل َن ْف ِس ِه)) ( ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه) شرح الحديث \" لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه\" لا يؤمن :يعني لا يكون مؤمناا حقاا تام الإيمان إلا بهذا الشرط؛ أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير ،وما يحب لنفسه ،من ترك الشر وأن يكره لأخيه ما يكره لنفسه ،هذا هو المؤمن حقاا ،وإذا كان الإنسان يعامل إخوانه هذه المعاملة فإنه لا يمكن أن يغشهم أو يخونهم ،أو يكذب عليهم ،أو يعتدي عليهم ،كما إنه لا يحب أن ُيفعل به مثل ذلك. وهذا الحديث يدل على أن من كره لأخيه ما يحبه لنفسه أو أحب لأخيه ما يكره لنفسه فليس بمؤمن ،يعني ليس بمؤمن كامل الإيمان ،ويكون قد نقص من إيمانه الواجب \"لا يؤمن\" :يفسر هذا النفي رواية أحمد بلفظ ( لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير ) صححه الألباني وكثي ارا ما يأتي هذا النفي لانتفاء بعض واجبات الإيمان وإن بقي أصله. \"ما يحب لنفسه\" :من الخير كما في رواية أحمد المتقدمة .والخير كلمة جامعة تعم الطاعات و المباحات الدينية والدنيوية ،وتخرج المنهيات. فمحبة الخير للغير من عًلمات كمال الإيمان ،فمن أحب الخير والنفع عامة لجميع المسلمين فقد كمل إيمانه وفي الحدي ِث :أ َّن الإيمان الكامل لا يحصل حتى يحب للمسلم من الطاعات والمباحات ما يحب لنفسه؛ لأ َّن المؤمنين كالجسد الواحد. وفيه :التحري ُض على التواضع ومحاسن الأخًلق ،ولا يحصل ذلك إلا بالمجاهدة ،لأ َّنه خًلف الهوى
الحديث السابع والثًلثون بعد المائتين عن أنس رضي الله عنه َقالََ :قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم(( :ا ْن ُص ْر أ َخا َك َظال اما أَ ْو َم ْظلُو اما)) َف َقالَ رجلَ :يا َر ُسول الل ِه ،أ ْن ُص ُر ُه إِ َذا َكا َن َم ْظلُو اما ،أ َرأ ْي َت إ ْن َكا َن َظا ِل اما َك ْي َف أ ْن ُص ُرهُ؟ َقالَ(( :ت ْح ُج ُز ُه -أَ ْو ت ْم َن ُع ُهِ -م َن ال ُظ ْل ِم َفإِ َّن ذلِ َك َنص ُر ُه)) (رواه البخاري) شرح الحديث المسل ُم أخو المسل ِم ،وهذه الأخ َّو ُة َتتع َلّ ُق بها حقوق وواجبا ٌت ِم َن الأخ ُتجا َه أخي ِه ،و ِمن هذه الحقو ِق ا ّلَتي تج ُب على المسل ِم ِلأخيه ما ور َد في هذا الحدي ِث في قو ِله ص َّلى اللهُ عليه وس ّلَم: \" ا ْنص ْر أخا َك ظالِ اما أو مظلو اما \" النصر بمعنى الدفاع عن الغير أي دفع ما يضره \" انصر أخاك\" أي ادفع ما يضره ،سواء كان ظالماا أو مظلوماا فقال رجلٌ :يا رسولَ الل ِه أنص ُره إذا كا َن مظلو اما أرأ ْي َت إن كان ظالِ اما كي َف أنص ُره؟ أي :أخبرني إن كان ظالماا فكيف أنصره؟ ولم يقل :فًل أنصره ،بل قال :كيف انصره؟ يعني سأنصره ولكن أخبرني كيف أنصره فن قفصابأرَل ُتْنه يصف َّلمنيىَعاهحللاهُِِملنعكليوُظ ِنهلهِموهم؛سظَّلللأم َّنو اهم\"اإَت ِبذاحرفُجم ِعُنز َعهالهأ ُّظوِمل ِمتنمنعُظ ُنعلهِهم،ه ِمأفََّمنقادا ُنلن ُّظلص َِصمر َ؛ُترههفإف َّعنليذىلحاكه ِلوانكُهوصِنو ُرهعهلظى\"ا ِل اما َشيطانِه ا َّلذي ُيغويه ،وعلى نف ِسه ا َّلتي تأم ُره ِبال ُّسو ِء ،وذلك هو أفضلُ ال َّنص ِر. فالظالم مظلوم في نفسه؛ لأنه َظ َل َم نفسه بعدم ردعها عن الظلم ،فوجب نصره لذلك.. وفي هذا دليلٌ على وجوب نصر المظلوم وعلى وجوب نصر الظالم على هذا الوجه الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم.
الحديث الثامن والثًلثون بعد المائتين عن أَبي هريرة رضي الله عنه :أ َّن َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم َقالََ (( :ح ُّق ال ُم ْسلِم َعلَى ال ُم ْسلِمَوإ َخَج ْام َب ُةٌسا:ل َّدَر ُّْدع َوالةَّ ،سًول َتِمْ،ش َموي ِع ُ َتيااَدل ُةَعاالِط َمرِسي))ضَ ،وا ِّت َبا ُع ال َج َنا ِئ ِز، ( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه) وفي رواية لمسلمَ (( :ح ُّق ال ُم ْسلِم َع َلى ال ُم ْسلِم س ٌّت :إِ َذا َلقي َت ُه َف َس ِّل ْم َع َلي ِهَ ،وإِ َذا َد َعا َك َفأج ْب ُه ،وإِ َذا ا ْس َت ْن َص َح َك َفا ْن َص ْح َل ُه ،وإِ َذا َع َط َس َف َح ِم َد الله َف َش ِّم ْت ُهَ ،وإِ َذا َم ِر َض َف ُع ْدهَُ ،وإِ َذا َما َت َفا َّتبِ ْع ُه)) شرح الحديث ير ِش ُدنا ال َّنب ُّي صلَّى الله عليه وس َلّم إلى بع ِض الحقو ِق الَّتي للمسلِم على أخيه المسلِ ِم ،والح ُّق بمعنى ح ِّق ال ُحرم ِة وال ُّصحبة والحق هو الشيء الثابت والتعبير بـ\"على\" يشعر بالوجوب فبدأ صلَّى الله عليه وسلَّم هذه الحقو َق بأ َّنها خم ٌس ،أي :خم ُس ِخصال ،وحقوق المسلم على أخيه كثيرة ،لكن النبي صلى الله عليه وسلم أحياناا يذكر أشياء معينة من أشياء كثيرة عناية بها واحتفا اء بها وهي: \"ر ُّد ال َّسًلم\" أي :إعاد ُته لِ َمن ابت َدأ به وفي الحديث الثاني\" حق المسلم على المسلم ست :إذا لقيته فسلم عليه فهذان أمران: ابتداء السًلم المأخوذ من قوله \" إذا لقيته فسلم عليه عليه\" ور ّد السًلم المأخوذ من قوله \" رد السًلم\" فابتداء السًلم سنة مؤكدة ،وابتداء السًلم يكون من الصغير على الكبير ،ومن الماشي على القاعد ،ومن الراكب على الماشي فمن الحقوق التي للمسلم على أخيه السًلم رداا وابتدا اء. وحكم السًلم أن ابتداءه سن ٌة ور ّده فر ٌض ،فرض عين على من ُقصد به، وفرض كفاية إذا قُصد به جماعة ،فإنه يجزئ رد أحدهم أما الحق الثاني فهو عيادة المرض :أي زيارتِه والاطمئنا ِن عليه
وعيادة المريض فرض كفاية ،لابد أن يعود المسلمون أخاهم ،وإذا عاده واحد منهم حصلت به الكفاية ،وقد تكون فرض عين إذا كان المريض من الأقارب، وعدت عيادته من الصلة ،فإن صلة الأرحام واجبة فتكون فرض عين. أما الحق الثالث فهو :اتباع الجنائز أي تشييعها والمشي خلفها إلى حين دفنها بعد الصًلة عليها وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال \" :من شهد الجنازة حتى ُيصلى عليها؛ فله قيراط ،ومن شهدها حتى تدفن؛ فله قيراطان\" قيل :وما القيراطان يا رسول الله؟ قال :مثل الجبلين العظيمين\" وفي رواية \" :أصغرهما مثل أُحد \" وهذا فضل عظيم وأجر كبير. ولما بلغ عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما -هذا الحديث قال :لقد فرطنا في قراريط كثيرة ،ثم صار بعد ذلك لا يرى جنازة إلا تبعها رضي الله عنه الحق الرابع :إجابة الدعوة: أي :تلبيتِها ِمن باب الأُلف ِة و ُحس ِن ال ُّصحب ِة ،ما لم ي ُك ْن هناك مان ٌع شرع ٌّي أو ُعرف ٌّي فمن حق المسلم على أخيه إذا دعاه أن يجيبه ،والأجابة إلى الدعوة مشروعة بًل خًلف بين العلماء ،إذا كان الداعي مسلماا ،ولم يكن مجاهراا بالمعصية ،ولم تكن الدعوة مشتملة على معصية لا يستطيع إزالتها وهي مؤكدة جداا ،إلا وليمة العرس فهي واجبة لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال( :ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله صلى الله عليه و سلم) ،وكذلك أمر النبي صلى الله عليه و سلم فقال (:إذا ُدعي أحدكم فليجب، فإن كان صائ اما فل ُيصلِّ ،وإن كان مفط ارا ،فل َيط َعم) ،فليصلِّ يعني :فليد ُع لهم بالبركة. ولكنه يرخص له في ترك إجابة وليمة العرس إن علم أنها تشتمل على منكر، كالمعازف وغيرها والحق الخامس :تشميت العاطس :أي :ال ُّدعا ِء له إذا ح ِمد ،وهو قول :ر ِحمك الله ،إذا ح ِمد الله.
فمن حقوق المسلم على المسلم أن يشمته إذا عطس ،هكذا في الرواية الأولى التى أخرجها البخاري ومسلم ،وفي الرواية الثانية التى أخرجها مسلم \" :إذا عطس فحمد الله فشمته\" فقيد ذلك بما إذا حمد الله. وتشميت العاطس هو أن يقول له إذا حمد الله :يرحمك الله ،ثم يقول العاطس: يهديكم الله ويصلح بالكم. ومن الناس من يقول :يهدينا ويهديكم الله ،وهذا لم يرد ،وهذه الأذكار والأدعية والأوراد التي جاءت عن الشارع ُيلتزم لفظها فًل يزيد فيها الإنسان ولا ينقص وإن عطس ولم يحمد الله فًل تشمته و التشميت بقول :يرحمك الله مقيد بثًلث؛ إذا شمته ثًلث مرات ،ثم عطس الرابعة فقل :عافاك الله ،إنك مزكوم والِمأُثلفلُ ِةهذواهل املوحَّدقة،و ِقو ُتإزذايلُقا ِممنبهاالقالل َّنوا ِب ُسوابلعُّنف ُضوهمس املع َّضبغعائٍ َنض،و َتالزأي ُدحقاِم َدن
الحديث التاسع والثًلثون بعد المائتين عن أَبي ُع َمارة البرا ِء بن عازب رضي الله عنهماَ ،قالَ :أمرنا َر ُسول الله صلى َاوول َإتِلهْف ْش َشِمعالي ِيء ِتهالالو ََّسعًاسلل ِطمم،بِسو،سَنب ََهوعاإ َ،نْباروا َنعر ْهنا(ناالَخقوعاستِمني)ٍم أسأَ ْبووعا َت:ل َُمخأ ُّْتقَم ٍمَِرس َنبماا،ل َّبذعوَهََينا َِبدْص،ة ِر َاولالََمع َِمرْنيْظلُ ُوشضْمرٍ ،،بَ َوواإبِّتا ََبلجاافِ َبِع ِةَّضالاِةلََّ،جد َانَاو َِعزَع ِةي،ن، الم َيا ِث ِر ال ُح ْم ِرَ ،و َعن ال َق ِّس ِّيَ ،و َع ْن لُ ْب ِس ال َحري ِر والإ ْست ْب َر ِق َوال ِّدي َبا ِج ( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه) وفي روايةَ :وإ ْن َشا ِد ال َّضا َّل ِة في ال َّس ْب ِع الأُ َول. شرح الحديث \" أمرنا رسول صلى الله عليه وسلم بسبع \" أي :سبع خصال ،وهي من حقوق المسلمين بعضهم على بعض. فإن هذه الأعمال السبعة التي أمر بها صلى الله عليه وسلم كلها تهدف إلى رعاية حقوق الإنسان ،في حياته وتكريمه بعد وفاته \" أمرنا بعيادة المريض \" وهذا من الحقوق الاجتماعية التي تجب على كل مسلم ويسن له أداؤها لغيره من المسلمين ،أو من الناس مطلقاا حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعيادة المريض أي زيارته أثناء مرضه ،لتسليته والتخفيف عنه ،وهي من أقوى العوامل المؤدية إلى تحسين حالته النفسية والجسمية \" واتباع الجنازة \" أي بتشييعها والصًلة عليها ودفنها \" وتشميت العاطس \" أي الدعاء له بالخير إذا حمد الله ،فيقال له :يرحمك الله \" وإبرار (القسم) أو المقسم \" وهو فعل الشيء الذي أقسم عليه تحقيقاا لرغبته لئًل يحنث في يمينه ،إلا إذا كان في ذلك ضرر عليك \" ونصر المظلوم \" أي إغاثته ،ودفع الظلم عنه ،سواء كان ظلمه في المال أو في العرض أو في النفس ،فيجب علي المسلم أن ينصر أخاه المسلم \"وإجابة الداعي\" أي وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإجابة الدعوة وهي وليمة العرس
وما يتخذ من الطعام عند المناسبات السعيدة من حدوث نعمة أو زوال نقمة ابتهاجاا وفرحاا وشكراا لله تعالى والجمهور على أن وليمة العرس واجبة وما عداها مستحبة ،إلا أن يكون هناك منكر في هذه الدعوة فإنها لا تجاب \" وإفشاء السًلم \" أي إشاعة السًلم في المجتمع على من عرفت ومن لم تعرف وفي رواية من السبع المأمور بهم \" وإنشاد الضالة\" يعني مما أمرهم به إنشاد الضالة ،يعني أن الإنسان إذا وجد ضالة وجب عليه إنشادها وتعريفها ،و طلب من هي له وإنشاد الضالة له نوعان: النوع الأول :ما ذكرنا وهذا واجب على الإنسان. النوع الثاني :منه ٌي عنه وذلك مثل ما يقع في المساجد ،وهو أن يطلب الإنسان الضالة فيه ،فهذا لا يجوز في المسجد ،وهو محرم ،لأن المساجد لم تبن لهذا، قال النبي عليه الصًلة والسًلم \" :إذا سمعتم أحداا ينشد ضالة في المسجد فقولوا له :لا ردها الله عليك؛ فإن المساجد لم ُتبن لهذا\" ثم ذكر المنهيات قال \"ونهانا عن َخوا ِتي ٍم أَو َت َخ ُّت ٍم بالذهب\" فهذا بالنسبة للرجل لا يجوز أن يتحلى بالذهب لا في الخاتم ولا في الساعة ولا في غيرهما ،وأما بالنسبة للنساء فإنه يحل لهن ،كما ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال \" :إن هذين حرام على ذكور أمتي ،حل لإناثهم\" وهما الذهب والحرير \"وعن شرب بالفضة \" أي نهانا عن أن نشرب في آنية الفضة ،سواء كان الشارب رجًلا أم امرأة؛ لأن تحريم الأواني من الذهب والفضة شامل للرجال والنساء ،ولا فرق بين الفضة الخالصة وبين المموه بالفضة ،كل ذلك حرام فًل يجوز للمرأة ولا للرجل أن يأكًل في صحاف الذهب أو الفضة ،ولا أن يشربا في آنيتهما ،لقول النبي صلى الله عليه و سلم \" :لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ،ولا تأكلوا في صحافها\"
وقد ألحق به جمع كثير من أهل العلم المم ّوه بهما ،يعني :المطلي ،وهكذا ما ُيتخذ وإن لم يستعمل فيوضع مث اًل في رف في دولاب للزينة \"وعن المياثر الحمر\" المياثر الحمر :جمع ميثرة ،وهي شيء يتخذ من حرير ويحشى في داخله القطن ويجعل على السرج على الفرس ليجلس عليه الراكب ،فيكون ألين وأنعم وأرق ،وحتى لو كانت ليست بحمراء فإنه لا يجوز للرجل أن يجلس على الحرير ،ولا أن يلبس الحرير \"وعن ال َق ِّس َّي\" وهي ثياب تنسج من حرير وكتان مختلطين ،فلبس الحرير عمو اما أو الجلوس عليه لا يجوز \"وعن لبس الحرير والإستبرق والديباج \" والإستبرق هو الحرير الغليظ \"والديباج\" وهو صنف من الحرير ،وعطفهما عليه من عطف الخاص على العام
المقدمة باب ستر عورات المسلمين والنهي عن إشاعتها لغير ضرورة الحديث الأربعون بعد المائتين عن أَبي هريرة رضي الله عنه عن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم َقالَ: ((لاَ َي ْس ُت ُر َع ْب ٌد َع ْب ادا في ال ُّد ْن َيا إل َّا َس َت َر ُه اللهُ َي ْو َم القِ َيا َم ِة)) (رواه مسلم) شرح الحديث يأ ُم ُر ال َّنب ُّي ص َّلى اللهُ عليه وس ّلَم ب َمحاس ِن الأَخًل ِق ،و ِمنها ال َّست ُر ،فإِذا َرأى الإنسا ُن ِمن أخي ِه َمعصي اة َفًل َيفض ْحه ولا َين ُش ْرها بي َن ال َّنا ِس ،بل َيس ُت ُرها (لا يستر عب ٌد عب ادا) يعني :حتى لو كان هذا العبد الذي ُستر من العصاة ،فما المصلحة من إفشاء ذلك إلا إذا كان المقام يتطلب هذا ،أما الفضح لمجرد الفضح فهذا ليس بمطلوب ولا مقصود والستر يعني الإخفاء ،و الستر ليس محمود اا على كل حال ،وليس مذموماا على كل حال ،فهو نوعان :النوع الأول :ستر الإنسان الستير ،الذي لم تجر منه فاحشة ،ولا ينبغي منه عدوان إلا نادر اا ،فهذا ينبغي أن يستر وينصح ويبين له أنه على خطأ ،وهذا الستر محمود. والنوع الثاني :ستر شص مستهتر متهاون في الأمور معت ٍد على عباد الله شرير ،فهذا لا يستر؛ بل المشروع أن يبين أمره لولاة الأمر حتى يردعوه عما هو عليه ،وحتى يكون نكالاا لغيره. فالستر يتبع المصالح؛ فإذا كانت المصلحة في الستر؛ فهو أولى ،وإن كانت المصلحة في الكشف فهو أولى ،وإن تردد الإنسان بين هذا وهذا؛ فالستر أولى وفي الحدي ِث ُيب ِّي ُن صلَّى اللهُ عليه وس َّلم أ َّنه لا َيس ُت ُر عب ٌد َعب ادا في ال ُّدنيا إ َّلا س َت َره اللهُ ع َّز وجلَّ يو َم القيام ِة؛ فال َجزا ُء ِمن ِجن ِس ال َعم ِل
الحديث الحادي والأربعون بعد المائتين عن أبي هريرة رضي الله عنه َقالَ :سمعت َر ُسولَ الله صلى الله عليه وسلم ال ُم َجا َه َر ِة أَ ْن َي ْع َملَ ال َّر ُجلُ إلا ال ُم َجا ِه ِري َنَ ،وإ َّن ِم َن يقولُ (( :كلُّ أُ َّم ِتي ُم َعا افى َيا فًُل ُنَ ،ع ِمل ُت ال َبا ِر َح َة َك َذا َس َت َرهُ اللهُ َعلَي ِهَ ،في ُقولُ: بال َّلي ِل َع َم اًلُ ،ث َّم ُي ْصب ُح َو َق ْد َو َك َذاَ ،و َق ْد َبا َت َي ْس ُت ُرهُ َر ُّب ُهَ ،و ُيصب ُح َي ْك ِش ُف س ْت َر اللهِ َع ْنه)) ( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه) شرح الحديث (كل أمتي معافى) أي كل الأمة قد عافاهم الله وقال بعض أهل العلم أن المعافاة هنا من ذم الناس وعيبهم له وإساءتهم إليه ووقيعتهم في عرضه فمعافى يعني :أن عرضه مصون ،محفوظ وله حرمته فًل يصل إليه أحد بأذية ،غيبة ،أو نحو ذلك ،فإذا جاهر فإنه تناله ألسنة الناس ولربما حصل له شيء من التعدي من جهتهم بأنواعه المختلفة (إلا المجاهرين ) و المجاهرة :من الجهر الذي يقابل الإسرار والخفاء بالشئ والمجاهرون هم الذين يجاهرون بمعصية الله عز وجل ،وهم ينقسمون إلى قسمين: الأول :أن يعمل المعصية وهو مجاهر بها ،فيعملها أمام الناس ،وهم ينظرون إليه ،هذا لا شك أنه ليس بعافية؛ لأنه جر على نفسه الويل ،وجره على غيره أيضا .أما جره على نفسه :فلأنه ظلم نفسه حيث عصى الله ورسوله ،وكل إنسان يعصي الله ورسوله؛ فإنه ظالم لنفسه وأما جره على غيره :فلأن الناس إذا رأوه قد عمل المعصية؛ هانت في نفوسهم ،وفعلوا مثله ،وصار من الأئمة الذين يدعون إلى النار فهذا نوع من المجاهرة ،ولم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه واضح
الثاني :ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ،فذكر أمراا آخر قد يخفى على بعض الناس فقال :ومن المجاهرة أن يعمل الإنسان العمل السيئ في الليل فيستره الله عليه ،وكذلك في بيته فيستره الله عليه ولا ُيطلع عليه أحداا، ولو تاب فيما بينه وبين ربه؛ لكان خيراا له ،ولكنه إذا قام في الصباح واختلط بالناس قال :عملت البارحة كذا ،وعملت كذا ،وعملت كذا ،فهذا ليس معافى، هذا قد ستر الله عليه فأصبح يفضح نفسه. هذا الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم ما قال ،لماذا خصه النبي صلى الله عليه وسلم سواء عمله س اّرا ثم أخبر الناس ،أو أنه عمله أمامهم؟. لأن هذا مستخف بحق الله تعالى لا يبالي ،فالمؤمن إذا عمل الذنب يستحي من الله ويخشى أن يفضحه الله -تبارك وتعالى -وأن يظهر ذلك للناس ،فهو وجل خائف ،أما هذا فمستخف بالمعصية ،يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( :وقد بات يستره ربه ،ويصبح يكشف ستر الله عنه) هذا الحديث ما عًلقته بباب ستر عورات المسلمين؟. العًلقة بينهما من جهتين: الجهة الأولى :أنه إذا طلب ستر عورات الناس ،فكذلك أيضاا الإنسان يستر نفسه ،إذا كان مطال ابا بستر عورات المسلمين فهو مطالب أن يستر نفسه أي اضا. الجهة الثانية :أنه إن كان يحرم عليه أن يكشف ستر الله عليه ،مع أن هذا أمر يتعلق بذاته ،لا يتعلق بمظلمة للخلق ،ولا بأعراضهم ،فكذلك أيضاا يحرم عليه أن يهتك ستر المسلمين ،ويتكلم في أعراضهم ويفضحهم فينبغي للإنسان أن يراجع قلبه عند فعل الذنب ،وينظر هل يتحرك أو لا يتحرك؟ ،هل يجد حرجاا وحياء؟ ،لأن هذه كلها مؤشرات ودلائل تدل على حياة القلب ،وعلى مرضه أو موته أحياناا. وينبغي للإنسان أن يتستر بستر الله عز وجل ،وأن يحمد الله على العافية ،وأن يتوب فيما بينه وبين ربه من المعاصي التي قام بها ،وإذا تاب إلى الله وأناب إلى الله؛ ستره الله في الدنيا والآخرة
الحديث الثاني والأربعون بعد المائتين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم َقالَ: ال َّثانِ َي َة َولا ُي َث ِّر ْب َعلَ ْي َهاُ ،ث َّم إ ْن َز َن ِت ال َح َّد، ((إِ َذا َز َن ِت الأَ َم ُة َف َتب َّي َن ِز َنا َها َف ْل َي ْج ِل ْد َها َش َعر)) ال َّثالِ َث َة َف ْل َيبِ ْع َها َو َل ْو ِب َح ْبل ِم ْن َز َن ِت َف ْل َي ْجلِ ْد َها ال َح َّدَ ،ولا ُي َث ِّر ْب َع َل ْي َهاُ ،ث َّم إ ْن (متفق عليه) شرح الحديث (إذا زنت الأمة) المقصود بالأمة :هي المملوكة التي تباع وتشترى. (فليجلدها الحد) وهو خمسون جلدة ،لقول الله تبارك وتعالىَ {:فإِ ْن أَ َت ْي َن ِب َفا ِح َش ٍة َف َعلَ ْي ِه َّن ِن ْص ُف َما َعلَى ا ْل ُم ْح َص َنا ِت ِم َن ا ْل َع َذا ِب} [النساء]25: فإنها تجلد نصف الحد الذي تجلده الحرة (ولا يثرب عليها) معنى لا يثرب عليها يعني :لا يوبخها ،لأن الحكم إنما هو الجلد ،هذا هو الحد ،فإذا جلدت حصل مقصود الشارع ،وحصلت العقوبة المرتبة على هذا الفعل القبيح (ثم إن زنت الثانية فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ،ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر) يعني ولا يبقيها؛ لأنه لا خير فيها. والسبب في أمر النبي صلى الله عليه وسلم ببيعها ولو بشيء زهيد وهو بحبل من شعر يمكن أن يقال :إن ذلك لمفارقة أهل المنكر ،والفواحش ،فًل يصحبهم الإنسان ولا يبقيهم عنده في بيته ،وإنما يتخلص منها ،قد تقع منها زلة أول مرة ،ثم يحتمل منها الثانية ،يقام عليها الحد ،فإذا تكرر ثًلث مرات فإن ذلك يدل على ترسخ هذا الوصف الذميم فيها ،وأنه لا يكاد يفارقها ،وأهل الباطل ينبغي مفارقتهم ،فًل يعاشرهم الإنسان
ولأنه إذا تغيرت بها الأحوال بالبيع ؛ فربما تتغير حالها ،وأيضا إذا باعها؛ فسوف يخبر المشتري بأنها أمة تزني .وسوف يكون المشتري شديداا عليها حتى يمنعها من ذلك والعًلقة بين هذا الحديث وبين الباب -ستر عورات المسلمين -أن هذه المرأة التي وقع منها هذا وهي الأمة تجلد يقام عليها الحد دون أن ُتفضح ،ودون أن يذاع ذلك ويتعدى إلى المقال ،فحقها الحد دون أن يكون هناك أمر زائد عليه، فكيف إذا فضحها وأفشى ذلك ونشره ،فإذا كان منه اّيا عن التثريب عليها فإن الشناعة عليها أمام الناس ُتمنع من باب أولى.
الحديث الثالث والأربعون بعد المائتين عن أبي هريرة رضي الله عنه َقالَ :أُ ِت َي ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم برجل َق ْد َش ِر َب َخ ْم اراَ ،قالَ(( :ا ْضر ُبوهُ)) َقالَ أَ ُبو هريرةَ :ف ِم َّنا ال َّضا ِر ُب ِب َي ِد ِه ،وال َّضا ِر ُب ِب َن ْعلِ ِهَ ،وال َّضا ِر ُب بِ َثو ِب ِهَ .فلَ َّما َعلَي ِه ُت ِعي ُنوا لا ه َكذا، َت ُقولُوا ((لاَ أ ْخ َزا َك اللهَ ،قالَ: ال َقو ِم: َبع ُض َقالَ ا ْن َص َر َف، ال َّش ْي َطا َن)) رواه البخاري شرح الحديث ((أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب خمراا)) والخمر :كل ما أسكر ،ومعنى الإسكار أن يغيب العقل من شدة اللذة؛ لأن غيبوبة العقل أحياناا تكون بدواء كالبنج ،فهذا ليس بسكر ،وأحياناا تكون بإغماء ،وأحياناا تكون بسكر ،وهو تغطية العقل بلذة وطرب ولذلك فلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشارب للخمر قال: ((اضربوه)) يعني :اضربوه الحد ،أقيموا عليه الحد فقال أبو هريرة :فمنا الضارب بيده ،ومنا الضارب بسوطه ،ومنا الضارب بنعله وهذا يدل على أن حد الخمر يمكن أن يحصل بهذا ،يعني :يضرب بطرف الثوب ،ويضرب بنعل أو يضرب بعصا لكنها لا تكسر عظماا ولا تجرح ،فليس المقصود بإقامة الحد على الإنسان إزهاق نفسه وقتله وإنما المقصود به هو التأديب ولم يحدد لهم النبي صلى الله عليه وسلم عددا معيناا ،فلما انصرف بعضهم قال له رجل :أخزاك الله والخزي هو شدة الانكسار فقال النبي صلى الله عليه وسلم(( :لا تعينوا عليه الشيطان)) لأن الخزي معناه العار والذل ،فأنت إذا قلت :أخزاك الله؛ فإنك قد دعوت الله عليه بما يذله ويفضحه ،فتعين عليه الشيطان
وفي الحدي ِث دليل على أن عقوبة الخمر ليس لها حد معين ،ولهذا لم يحد لهم النبي صلى الله عليه وسلم حد اا ،ولم يعدها عد اا ،كل يضرب بما تيسر ،من يضرب بيده ،ومن يضرب بطرف ثوبه ،ومن يضرب بعصاه ،ومن يضرب بنعله ،لم يحد فيها حداا ،وبقي الأمر كذلك. وفي عهد أبي بكر صارت تقدر بنحو أربعين ،وفي عهد عمر كثر الناس الذين دخلوا في الإسًلم ،ومنهم من دخل عن غير رغبة ،فكثر شرب الخمر في عهد عمر رضي الله عنه ،فلما رأى الناس قد أكثروا منها استشار الصحابة فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه :أخف الحدود ثمانون وهو حد القذف، فرفع عمر رضي الله عنه عقوبة شارب الخمر إلى ثمانين جلدة. وفيه دليل على أن الإنسان إذا فعل ذنباا وعوقب عليه في الدنيا؛ فإنه لا ينبغي لنا أن ندعو عليه بالخزي والعار؛ بل نسأل الله له الهداية ،ونسأل الله له المغفرة
المقدمة باب قضاء حوائج المسلمين الحديث الرابع والأربعون بعد المائتين عن ابن عمر رضي الله عنهما أ َّن َر ُسولَ الله صلى الله عليه وسلم َقالَ: َحا َجة أ ِخيهَ ،كا َن اللهُ ِفي َاول َم ُم ْن ْسلَِف ِمَّرَ ،جلاَ َعَي ْ ْنظ ِل ُمُم ُهْس،لِ ٍمَولُكا ْر َُيب اةْس،لِ ُمَف َُّهرَ ،ج َوالَملهُْن ََعك ْنا َُهن ((ال ُم ْسلِ ُم َأ ُخو ُك ْر َب اة ِم ْن ك َر ِب َيو ِم ِب َها في َحا َج ِت ِه، ال ِق َيا َم ِةَ ،و َم ْن َس َت َر ُم ْس ِل اما َس َت َر ُه اللهُ َيو َم ال ِق َيا َم ِة)) ( ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه) شرح الحديث أَ َمر النب ُّي صلَّى الله عليه وس َّلم في هذا ال َحدي ِث بما َينبغي أ ْن يكون عليه ال ُمسلِ ُم لا يعني: ولا ُي ْس ِلمه» لا َيظلِ ُمه المسل َيمق،وفُمقابلُظ:ل ِم«هالوملاسلَِي ُمت ُرأك ُخهوإلالىم السلِ ُِّظمل،م أخيه ُتجا َه ُي ِعي َنه دو َن أن «و َمن كان في حاج ِة أخيه كان اللهُ في حاجتِه» يعنيَ :من َس َعى في قضا ِء حاج ِة أخيه أعانه اللهُ تعالى و َس َّهل عليه َقضا َء حاجته ،من كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته :وهذا هو الشاهد من إيراد هذا الحديث في هذا الباب ،من كان في حاجة أخيه أي :يقضي حوائج الناس ،ويقوم على شؤونهم ،ويتعاهد هؤلاء الناس ،فإن عرضت لهم حاجة قام بها ،كان الله في حاجته ،لأن الجزاء من جنس العمل «و َمن ف َّرج عن ُمسلِم ُكر َب اة ف َّرج اللهُ عنه ُكرب اة من ُك ُربا ِت يو ِم القيام ِة» أي: َمن سا َع َد مسلِ اما في ُمصي َب ٍة من مصائ ِب ال ُّدنيا ح َّتى يزولَ َغ ُّمه و ُم ِصيب ُته أزال الله عنه مصيب اة و َه ْو الا من أهوال يو ِم القيام ِة «و َمن س َتر مسل اما س َتره اللهُ يو َم ال ِقيامة» أيَ :من ا َّط َلع ِمن أ ِخيه على َع ْو َر ٍة أو َز َّل ٍة فس َتره ولم َي ْف َض ْحه ،س َتره الله يو َم القيام ِة وفي الحدي ِث :ال َّتعري ُف بح ِّق المسل ِم على أخيه وما َي ِج ُب عليه ُتجا َهه
الحديث الخامس والأربعون بعد المائتين عن أَبي هريرة رضي الله عنه عن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم َقالَ: (( َم ْن َن َّف َس َع ْن ُم ْؤ ِم ٍن ُك ْر َب اة ِم ْن ُك َر ِب ال ُّدن َياَ ،ن َّف َس الله َع ْن ُه ُكر َب اة ِم ْن ُك َر ِب َي ْو ِم القِ َيا َم ِةَ ،و َم ْن َي َّسر َعلَى ُم ْع ِس ٍر َي َّس َر الله َع َلي ِه في ال ُّد ْن َيا َوالآ ِخ َر ِةَ ،و َم ْن َس َت َر ُم ْسلِ اما َس َت َرهُ الله في ال ُّد ْن َيا َوالآ ِخ َر ِة ،والله في َعو ِن ال َع ْب ِد َما َكا َن ال َع ْب ُد في َعو ِن أ ِخي ِهَ ،و َم ْن َس َل َك َطري اقا َي ْل َت ِم ُس فِي ِه ِع ْل اما َس َّهلَ اللهُ َل ُه َطري اقا إِ َلى ال َج َّن ِةَ .و َما ا ْج َت َم َع َق ْو ٌم في َبي ٍت ِم ْن ُب ُيو ِت اللهِ َت َعا َلىَ ،ي ْتلُو َن ِك َتا َب الل ِهَ ،و َي َت َدا َر ُسو َن ُه َب ْي َن ُه ْم إلاَّ َن َزلَ ْت َع َل ْي ِه ُم ال َّس ِكي َن ُةَ ،و َغ ِش َي ْت ُه ُم ال َّر ْح َم ُةَ ،و َح َّف ْت ُه ُم ال َمًلَ ِئ َك ُةَ ،و َذ َك َر ُه ُم الله ِفي َم ْن ِعن َد ُهَ .و َم ْن َب َّطأ ِب ِه َع َملُ ُه َل ْم ُي ْس ِرع بِ ِه َن َس ُب ُه)) ( رواه مسلم) شرح الحديث َح َّث ال َّشر ُع على َقضا ِء َحوائ ِج ال َّنا ِس وال َّتيسي ِر عليهم و َن ْف ِعهم ِب َما َي َت َي َّس ُر من ما ٍل و ِعل ٍم أو ُمعاو َن ٍة أو ُمشاو َر ٍة وفي هذا الحدي ِث ُي َب ِّي ُن ال َّنب ُّي صلَّى اللهُ عليه وس َلّم ال َّثوا َب والأ ْج َر لِ َم ْن َف َعلَ ذلك، ف َيقولُ ص َلّى اللهُ عليه وسلَّمَ ( :م ْن َن َّف َس عن ُمؤم ٍن ُك ْرب اة) ،أيَ :ر َف َع َعن ُمؤم ٍن ُكرب اة ،أيُ :حز انا و َعنا اء و ِش َّد اة ،ولو َحقير اة َفيكو ُن ال َّثوا ُب َوالأَ ْج ُر أن ُي َن ِّف َس اللهُ عنه ُك ْر َب اة ِم ْن ُك َر ِب َيو ِم القيا َم ِة ،و َت ْنفي ُس ال ُك َر ِب إِحسا ٌن َفجزاه اللهُ َجزا اء ِوفا اقا بأ(َفَ َوِبحإَِدم ْعأَن ْمط َياَرِئ ّْيَس ِه َِرن:ماَعإلََّيماىز بو ُإم ْلْنُع َظبِساهٍِررإِ)ه،عإلوسااىل َُّترا ْيلهُ َ،مسْييو َُرسِك ًَرلَِةعلُ،همىاو َتاالل َُّهمر ْاةع َف ِبساِْضلر َلوٌف َْيضع ِعاظلي ُّد ٌمعننياوه َجِإم ْزننا ُؤك ِجهاهأن ِةْن َاغلُيرَيميا ِّاسمِلاَرَ ،ياكلولإهوَُّل ُان عليه في ال ُّدنيا والآ ِخ َر ِة َب َدلَ َت ْيسي ِره َعلى َعب ِده ُم َجازا اة ِب ِج ْن ِسه ( َو َم ْن َس َت َر ُم ْسلِ اما) أيِ :ب َث ْو ٍب ،أو ِب َت ْر ِك ال َّت َع ُّر ِض لِ َك ْش ِف َحا ِله َب ْع َد أ ْن رآه َي ْر َت ِك ُب في َو َي ْس ُت َره ُعيو َبه. أو أيَ :ع ْو َر َته َي ْس ُت َرالهآالِخل َهُر ِةفيع انل ُّدأَن ْهياِل، أن َجزا ُؤه َف َيكو َن َذن ابا ال َم ْوقِ ِف.
أف َّنوي َقا ْ َلقولُم ُهكضااَ :فِءأَ( َةوحاالعل َلهُجي ِتفهِها،يبِوَِجعفْْنيو ِهسِن:هااَتلنَع ِبمْبي َِدنٌه املاعِعلنكااى َينَِةف اا ْللض َإِعي َلْلَب ُِدهِة َّيفِةَع ْيو َس ِنَعو ْااولٌءأَِن ِكخَأاخنعيل ِهب َق)ى ْلأِبأُهميوأِ :رو َمه َبْ،نَد ِنوكإهِا أشناو َربِسةٌاهإعلم ايااى؛ ل َد ْف ِع ال َمضا ِّر أو َج ْل ِب المنافِ ِع ،إ ِذ ال ُكلُّ َع ْو ٌن (و َم ْن َسلَ َك) أيَ :د َخلَ أو َم َشى َطري اقا َي ْل َت ِم ُس فيه ِعل اما ،وهو َي ْش َملُ ال َّطري َق ِأم ْثولَ َمأدنَر يَسأتاة َيأوالإُكنلِّ َّيساةا ُأنو ِم َغني ََبري ِتذله إكل،ى َس َم َّهكالَ ِانللاهُل ِعللهِم،به الأقدا ُم ال ِح ِّس َّي ا َّلذي َت ْق َر ُع ُه َطري اقا إلى ال َج َّن ِة َمس ِج ادا َسوا ٌء كان َمكا َن ال ِعل ِم و َق ْولُ ُهَ ( :و َما ا ْج َت َم َع َقو ٌم في بي ٍت من ُبيو ِت الل ِهَ ،يتلو َن ِكتا َب الل ِه ،و َي َتدارسو َنه َعلى تًِل َو ِة ال ُقرآ ِن في ال َمس ِج ِد و ُمدار َس ِته، الاجتِما ِع َف ْضلُ َبينهم) ،وهذا فيه عليهم ،وهي ما َيح ُصلُ به َصفا ُء القل ِب بنو ِر ال َّسكي َن ِة ُنزو ِل َفيكو ُن ذلك َسب ابا في القُرآ ِن و َذها ِب ُظ ْلم ِته ال َّن ْفسانِ َّية (و َغ ِش َي ْت ُهم ال َّرح َم ُة) ،أيَ :غ َّط ْت ُهم و َس َت َر ْت ُهم ال َّرحم ُة. (و َح َّف ْت ُهم المًل ِئ َك ُة) ،طافوا ِبهم وأَدا ُروا َحو َلهم؛ َتعظي اما ل َصني ِعهم (و َذ َك َره ُم اللهُ فِي َمن عن َده ِمن ال َم َل ِأ الأَ ْع َلى)َ ،ذ َك َرهم اللهُ تعالى ُمباها اة ِبهم َن َس ُبه)، َبأَ َّطأَص بحاه ِب َعا َمللُأَهْعلمام ِل ُي؛ ْس َف َِير ْن َْبعغبيه عليه وسلَّم (أ َّن َمن ُي َب ِّي ُن ال َّنب ُّي ص ّلَى اللهُ ُث َّم أ َّلا َي َّت ِكلَ ُي ْل ِح ْقه َنس ُب ُه ب َم ْر َت َب ِة كان َع َملُه ناق اصا ،لم َمن على َش َر ِف ال َّن َس ِب ،و َفضي َل ِة الآبا ِء ،و ُي َق ِّص َر في ال َع َم ِل . هذا حديث عظيم ،جليل ،جامع لأنواع من العلوم ،والقواعد ،والآداب، والفضائل ،والفوائد ،والأحكام .وفيه :إشارة إلى أ َّن الجزاء من جنس العمل. وفيه :فضل قضاء حوائج المسلمين ،ونفعهم بما تي َّسر من علم ،أو مال أو نصح أو دلالة على خير ،وفضل التيسير على المعسر. وفيه :فضل إعانة المسلم بما يقدر عليه؟ وفيه :فضل العلم الديني ،وأنه سبب لدخول الجنة .وفيه :فضل الاجتماع على مدارسة القرآن خصو اصا في المساجد.
المقدمة باب الشفاعة الحديث السادس والأربعون بعد المائتين عن أَبي موسى الأشعري رضي الله عنه َقالََ :كا َن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم إِ َذا أتاهُ َطا ِل ُب َحا َج ٍة أق َبلَ َعلَى ُجلَ َسائِ ِهَ ،ف َقالَ: ((ا ْش َف ُعوا ُت ْؤ َج ُرواَ ،و َي ْق ِضي الله َع َلى ِل َسا ِن َنبِ ِّي ِه َما أح َّب)) ( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه) وفي روايةَ (( :ما َشا َء)) شرح الحديث والمراد بالشفاعة في كًلم المؤلف :الشفاعة في الدنيا؛ وهي أن يشفع الإنسان لشخص عند آخر؛ يتوسط له بجلب المنفعة له أو دفع المضرة عنه. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه صاحب حاجة يلتفت إلى أصحابه ويقول(( :اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء)) أو ((ما أحب)) فهنا يأمر عليه الصًلة والسًلم أصحابه بأن يشفعوا لصاحب الحاجة فقوله صلى الله عليه وسلم :اشفعوا تؤجروا هذا يدل على أن الشفاعة مندوبة وقوله صلى الله عليه وسلم :تؤجروا موافق لقوله -تبارك وتعالىَ {:م ْن َي ْش َف ْع َش َفا َع اة َح َس َن اة َي ُك ْن َل ُه َن ِصي ٌب ِم ْن َها} [النساء]58: فهو يؤجر سواء كان الأمر المطلوب قد تحقق تحصيله أو لم يتحقق ،فأجره على الله ،ويكون قد بذل الأسباب ،وأعان أخاه المسلم ،وحصل بذلك على الأجر (اشفعوا تؤجروا ،ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب) أي :أن ما قدره الله كائن ،ويمكن أن يستنبط منه ومن الحديث الذي بعده أن قبول الشفاعة ليس بًلزم إذا شفعوا
فليس معنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم يوافقهم على ما قالوا ويعطيهم ما سألوا وما شفعوا فيه؛ لأنه لم يقل صلى الله عليه وسلم :تؤجروا ويحصل ما شفعتم به مثًلا ،وإنما قال :ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء أي :أنه لا يلزم أن يتحقق هذا الأمر الذي طلبتم ،ولكن أنتم تقومون بهذا العمل الطيب وتنفعون إخوانكم وتحصلون على الأجر ،وبذلك يحصل التواصل في المجتمع ،ويتحقق ذلك الوصف المطلوب فيهم (،لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) ،وقول الله تعالى { :إِ َّن َما ا ْل ُم ْؤ ِم ُنو َن إِ ْخ َو ٌة} فهذا من مقتضى الأخوة الإيمانية وفي الحدي ِث :الح ُّض على الخير ،والتس ُّبب إليه بكل وجه ،والشفاعة إلى الكبير ،ومعونة الضعيف؛ إذ ليس كل أحد يقدر على تبيين حاله للرئيس. وفيه :أ َّن الثواب حاصلٌ بالشفاعة ،سواء حصل المشفوع به أم لا ،وأ َّنه لا مانع لما أعطى الله ولا معطي لم منع.
الحديث السابع والأربعون بعد المائتين عن ابن عباس رضي الله عنهما في ِق َّص ِة ب ِري َر َة َو َز ْو ِج َهاَ ،قالََ :قالَ َل َها ال َّنب ُّي صلى الله عليه وسلمَ (( :ل ْو َرا َج ْع ِت ِه؟)) َقا َل ْتَ :يا َر ُسولَ الل ِه َتأ ُم ُرنِي؟ َقالَ(( :إ َّن َما أَ ْش َفع))َ .قالَ ْت :لا َحا َج َة لِي فِي ِه ( رواه البخاري) شرح الحديث وبريرة -رضي الله عنها -كانت مملوكة ،قيل :لبني المغيرة ،وقيل غير ذلك، وزوجها مغيث ،وهو أيضاا مملوك ،فأعتقت بريرة ،وإذا أعتقت المرأة فإنها تخير في البقاء مع زوجها المملوك أو في تركه؛ لأن الكفاءة هنا منتفية فبطبيعة الحال بريرة مخيرة ،فاختارت أن تفارق زوجها ،وكان يحبها ح اّبا شديداا ،كما جاء في بعض الروايات أنه كان يتبعها ويكفكف دموعه يبكي على فراقها فلما رأى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم رق له ،فقال (:لو راجعتِه) وهذا أسلوب فيه تحضيض وعرض ،وفيه مقدر محذوف ،أي :لو راجعته لكان أجراا ،لكان ثواباا ،لكان حسناا ،ولكنه لا يدل على الإلزام ،هي عبارة تحتمل، وتنبئ عن رغبة بحصول هذا الأمر ،لكن ليس بأمر واضح صريح مؤكد ،فقال لها :لو راجع ِته من باب الإشارة عليها فقالت :يا رسول الله ،أتأمرني بمراجعته ،وفي بعض الروايات أنها سألته أآم ٌر أم شافع؟ ،فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم ( :إنما أشفع) إذا كان أمر اا فإنه يجب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيه ،كما قال الله أَ ْن إِ َلى ال َّل ِه َو َر ُسولِ ِه َق ْوَي ُقلَوالُْلوُماْؤ ِمَسِن ِيم ْ َعنَناإِ َذَاوأَ ُدَط ُْعع َنواا} َب ْي َن ُه ْم لِ َي ْح ُك َم [النور]51: َكا َن {:إِ َّن َما تعالى
فهنا قالت :أآم ٌر أم شافع؟ ،فبين لها النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يأمر بل يشفع ،وهذا يستنبط منه أن الشفاعة لا يجب الأخذ بها ولو كان الشافع هو النبي صلى الله عليه وسلم بدليل هذا الحديث والحديث الذي قبله فكًلهما يدل على أن قبول الشفاعة لا يلزم ،ولكنه أمر جيد ،وحسن ،ولكن إذا رأى الإنسان أن مصلحته تقتضي خًلف ذلك ،أو أن هناك ما يمنع من ذلك فيمكن أن يتلطف بالاعتذار قالت :لا حاجة لي فيه كانت صارمة وطابت نفسها منه ،فهي لا تريده ،مع أنه أعتق فيما بعد
المقدمة باب الإصًلح بين الناس الحديث الثامن والأربعون بعد المائتين عن أَبي هريرة رضي الله عنه َقالََ :قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلمُ (( :كلُّ ِفي ِه ال َّش ْم ُسَ :ت ْع ِدلُ َب ْي َن الا ْث َني ِن َدا ََّصب َتِد َقِه ٌة َفَ ،ت ُْكح ِلَّملُ َيُهْو ٍمَعلَ َتْي َْطهلاُُ،ع ُسًلَ َمى ِم َن ال َّنا ِس َع َلي ِه أَ ْو َت ْر َف ُع لَ ُه َعلَ ْي َها َم َتا َع ُه َص َد َق ٌة، َص َد َق ٌةَ ،و ُتعي ُن ال َّر ُجلَ في َوال َكلِ َم ُة ال َّط ِّي َب ُة َص َدق ٌةَ ،و ِب ُكلِّ َخ ْط َو ٍة َتم ِشي َها إِ َلى ال َّصًل ِة َص َد َق ٌةَ ،و ُتمي ُط الأَذى َع ِن ال َّطري ِق َص َد َق ٌة)) ( ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه) شرح الحديث السًلمى هي المفاصل وقيل :العظام ،والمعنى واحد لايختلف لأن كل عظم مفصول عن الآخر بفاصل فإنه يختلف عنه في الشكل ،وفي القوة ،وفي كل الأمور وهذا من تمام قدرة الله ع ّز وجل فليس الذراع كالعضد ،وليست الأصابع كالكف ،فكل ما فصل عن غيره من العظام فله ميزة خاصة ،ولذلك كان على كل سًلمى صدقة .وجاء في صحيح مسلم أن السًلمى ثًلثمائة وستون مفص اًل \" ُكلُّ ُسًل َمى ِم َن ال َّنا ِس َعلَ ْي ِه َص َد َق ٌة\" أي كل مفصل عليه صدقة في مقابلة ما أنعم الله به عليه في تلك السًلميات ،إذ لو شاء لسلبها القدرة وهو في ذلك عادل .فإبقاؤها يوجب دوام الشكر بالتصدق ،إذ لو فقد له عظم واحد ،أو يبس ،أو لم ينبسط أو ينقبض لاختلت حياته ،وعظم بًلؤه ،والصدقة تدفع البًلء. \" ُكلُّ َيو ٍم َت ْطلُ ُع فِ ْي ِه ال َّشم ُس\" يعني كل يوم يصبح على كل عضو من أعضائنا صدقة ،أي ثًلثمائة وستون في اليوم ،لكن من نعمة الله أن هذه الصدقة عامة في كل القربات ،فكل القربات صدقات ،وهذا شيء ليس بصعب على الإنسان، مادام كل قربة صدقة فما أيسر أن يؤدي الإنسان ما يجب عليه.
\"ت ْع ِدلُ َبي َن الاث َن ْي ِن َص َد َقة\" تعدل أي تفصل بينهما إما بصلح وإما بحكم، والأولى العدل بالصلح إذا أمكن ما لم يتبين للرجل أن الحكم لأحدهما ،فإن تبين أن الحكم لأحدهما حرم الصلح ،لأنه بالإصًلح لابد أن يتنازل كل واحد عما ادعاه فيحال بينه وبين حقه .إ اذا العدل بين الاثنين بالصلح أو بالحكم يكون صدقة ،لكن إن علم أن الحق لأحدهما فًل يصلح ،بل يحكم بالحق. \" َوت ِع ْي ُن ال َّر ُجلَ ِفي َدا َّبتِ ِه\" أي بعيره مث اًل \"ت ْح ِملُ ُه َعلَ ْي َها\" إذا كان لايستطيع أن يركب تحمله أنت وتضعه على الرحل هذا صدقة \"أَو ترفع َل ُه َع َل ْي َها َم َتا َع ُه\" متاعه ما يتمتع به في السفر من طعام وشراب وغيرهما ،تحمله على البعير وتربطه ،هذا صدقة. \" َوال َك ِل َم ُة ال َّط ِّي َب ُة َص َد َق ٌة\" أي كلمة طيبة سواء طيبة في حق الله كالتسبيح والتكبير والتهليل ،أو في حق الناس كحسن الخلق صدقة. \" َوبِ ُكلِّ ُخط َو ٍة تمشيها إِ َلى ال َّصًل ِة َص َد َقة\" سواء بعدت المسافة أم قصرت، وإذا كان قد تطهر في بيته وخرج إلى الصًلة لايخرجه إلا الصًلة لم يخط خطوة إلا رفع الله له بها درجة ،وح ّط عنه بها خطيئة .فيكتسب شيئين: رفع الدرجة ،وح ّط الخطيئة. \" َوت ِمي ُط الأ َذى َع ِن ال َّط ِر ْي ِق َص َد َق ٌة\" :أي تزيل الأذى وهو ما يؤذي المارة من حجر أو زجاج أو قاذورات فأي شيء يؤذي المارين إذا أميط عن طريقهم فإنه صدقة. وفي الحدي ِث وجوب شكر نعم الله التي في الإنسان ذاته وفيه أن أفضل الصدقات ماكان متعد ايا نفعه مثل :أن تعدل بين اثنين وأن تحمل متاع أخيك أو تعينه على حمله وإماطة الأذى عن الطريق. وفيه أنه على المسلم ألا يحتقر أي عمل يحتسبه عند الله سبحانه وفيه فضل الإصًلح بين الناس وأنه صدقة للمسلم. وفيه فضل المشي إلى الصًلة ،خاصة إن كان المسجد بعي ادا فكل خطوة صدقة.
الحديث التاسع والأربعون بعد المائتين عن أ ِّم ُك ْل ُثوم بنت ُع ْق َبة بن أَبي ُم َعيط رضي الله عنهاَ ،قالَ ْت :س ِمع ُت رسول الله صلى الله عليه وسلم َيقُولُ: (( َل ْي َس ال َك َّذا ُب ا َلّ ِذي ُي ْصلِ ُح َب ْي َن ال َّنا ِس َف َي ْن ِمي َخي اراَ ،أ ْو يقُولُ َخ ْي ارا)) ( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه) وفي رواية مسلم زيادةَ ،قا َل ْتَ ( :و َل ْم أ ْس َم ْع ُه ُي ْر ِّخ ُص في َش ْي ٍء ِم َّما َي ُقولُ ُه ال َّنا ُس إلا في َثًل ٍث)َ ،ت ْعنِي :ال َح ْر َبَ ،والإِ ْصًلَ َح َب ْي َن ال َّنا ِسَ ،و َح ِدي َث ال َّر ُج ِل ا ْم َرأَ َت ُه، َو َح ِدي َث ال َم ْرأ ِة َز ْو َج َها شرح الحديث تقول رضي الله تعالى عنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: \"ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ف َين ِمي خي ارا ،أو يقول خي ارا \" َين ِمي بمعنى :يوصل ويبلّغ خي ارا ،وهذه إحدى الأحوال التي يجوز فيها الكذب، الإصًلح بين الناس. فالكذب حرام ،ومن صفات المنافق ،كما سبق( :إذا حدث كذب) ولكن يجوز الكذب في هذه الحال ،وهي للإصًلح بين الناس ،يأتي إنسان لاثنين متخاصمين ،ويقول لأحدهما :إن فًلناا يثني عليك ،ويحبك ويذكرك بالخير ،ولم يحصل هذا لكنه ينمي ينقل له مشاعر طيبة ،وكًلماا ما قيل ،لم يقله ذلك الإنسان ،ومن طبع الإنسان أنه إذا سمع مثل هذا الكًلم فإن نفسه ترتاض وقد اختلف العلماء في هذه المسألة ،هل المراد أن يكذب الإنسان كذباا صريحاا، أو أن المراد أن يوري ،بمعنى أن يظهر للمخاطب غير الواقع ،لكنه له وجه صحيح ،كأن يعني بقوله مثًلا :فًلن يثني عليك أي :على جنسك وأمثالك من المسلمين ،فإن كل إنسان يثني على المسلمين من غير تخصيص ،فالإنسان المصلح ينبغي له أن يتحرز من الكذب ،وإذا كان ولابد فليتأول؛ ليكون بذلك
مورياا ،والإنسان إذا كان مورياا فًل إثم عليه فيما بينه وبين الله ،والتورية جائزة عند المصلحة. وفي رواية لمسلم بزيادة قالت :ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس... يعني :في الكذب ،الكذب حرام ،إلا في ثًلث( ،تعني :الحرب) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( :الحرب خدعة) فتأتي للكفار كما فعل نعيم بن مسعود جاء للأحزاب ،وفرقهم بهذه الطريقة، وقال لهم :هؤلاء اليهود سيطلبون منكم رهائن ،يعني :من أبنائكم ،وجاء إلى هؤلاء ،وقال :تعيبكم العرب ،وإن هؤلاء قد غدروا ،حتى فرق شملهم .فالحرب خدعة لا إشكال في هذا ،هذه هي الحالة الثانية. قالت :أو الإصًلح بين الناس ،وهي الحالة المذكورة آنفاا وحديث الرجل امرأته ،وحديث المرأة زوجها .هذه هي الحالة الثالثة ،وذلك فيما يكون من شأنه أن يؤلف بين القلوب ،ويجمع الشمل ،ويجلب المودة، فالكلمة الطيبة صدقة .فهذا مطلوب شرعاا؛ لأنه يجمع القلوب ،ومن شأنه أن يلم به شعث الأسرة ،فحينما يتكلم الإنسان بمشاعر جيدة نحو الآخرين فهذا ليس من الكذب والمقصود الكذب الذي يستجلب المودة ،وتقوى به رابطة عقد الزوجية ،أ ّما أنه يكذب عليها في أمور أخرى ،أو يأخذ مالها ،ويكذب عليها ،هذا لا يجوز فالحاصل أن هذه الحالات الثًلث هي التي يجوز فيها الكذب فقط ،وما عدا ذلك فهو حرام ،لا يجوز ،فمن اضطر إلى شيء من هذا فالمعاريض فيها مندوحة عن الكذب
الحديث الخمسون بعد المائتين عن عائشة رضي الله عنها َقالَ ْتَ :س ِم َع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم َص ْو َت َش ُخي ٍُءص،و ٍمَو ِبُها َلو َبا َيقُِبو َلُعا:ليو اةاللأه ْلصاَوأا ُْتف َعُه َلمُاَ ،،ف َوَخإِ َرذا َجأ َحَع ُدَل ْيُه ِهَماَما َيرْس َتسْوو ِلُض اُعللاهِلآَف َقَخارلََ:و َي((ْسأ َْتي ْ َرنفِاُقل ُه ُم َتفأَلِّيي َع َلى اللهِ لا َي ْف َعلُ ال َم ْع ُرو َف؟)) َف َقالَ :أَ َنا َيا رسولَ الل ِهَ ،فلَ ُه أ ُّي ذ ِل َك أ َح َّب ( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه) وفي رواية لابن حبان(( :إن شئت وضعت ما نقصوا ،وإ ْن شئت من رأس المال)) .فوضع ما نقصوا. وفي أول الحديث دخلت امرأة على النبي صلى الله عليه وسلم فقالت :إني ابتع ُت أنا وابني من فًلن تم ارا فأحصيناه( .والذي أكرمك بالحق ما أحصينا منه إلا ما نأكله في بطوننا ،أو نطعمه مسكي انا ،وجئنا نستوض ُعه ما نقصنا)... الحديث قال الحافظ :وهي غير قصة كعب بن مالك وخصمه عبد الله بن أبي حدرد( القصة الأولى) شرح الحديث معنى ((يستوضعه)) :يسأله أن يضع عنه بعض دينه ((ويسترفقه)) :يسأله الرفق ((والمتألي)) :الحالف هذا الحديث اشتمل على جملة من الفوائد ،والفائدة الأصلية التي من أجلها أورده المصنف -رحمه الله -في هذا الباب هو ما يتعلق بالإصًلح بين الناس، فهؤلاء قد اختصموا ،وقعت بينهم خصومة في هذا المال والمطالبة التي كانت بينهما ،حتى علت الأصوات
فالنبي صلى الله عليه وسلم أصلح بينهما بقوله صلى الله عليه وسلم( :أين المتألي على الله لا يفعل المعروف؟) فالرجل لما سمع هذا الكًلم أدرك خطأه وتقصيره فما كان منه إلا أن رجع ،وأحسن إلى هذا الإنسان الذي عليه المطالبة. فيشرع للإنسان أن يكون واسطة خير وإصًلح بين المسلمين فيما يقع بينهم من الخصومات في القضايا المالية ،وفي غيرها من أمور المطالبات، والمعامًلت ،وسائر القضايا ،وهو أمر يحصل ويتكرر كثيراا وفي رواية عند ابن حبان\" :أن امرأة دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وقد وقعت بينها وبين ابنها خصومة\" يعني :أن الخصومة كانت واقعة بين امرأة وبين ابنها ،في مال ومطالبة ،تم ٌر أخذت منه هذه المرأة ما تطعمه ،وتصدقت بشيء منه ،فكان يطالب بالعوض، فاعتذرت هذه المرأة بأنها ما أخذت إلا شيئاا تأكله ،أو شيئاا تصدقت به\" ،ما أخذته على سبيل الإفساد مثًلا والتضييع فالخصومة قد تقع في المال بين المرأة وابنها ،وبين الرجل وابنه ،وبين الرجل وقريبه ،وجاره ،وما أشبه ذلك ،وقد يوجد من تحضر نفسه عند المطالبة ،ويقع شيء من المشاجرة ،ولكن إذا ُذ ِّكر ينبغي أن يلين ،وأن لا يقف ويتصلب عند حقه ،ولا يترك شيئاا منه. وفيه فائدة أخرى وهي :أن من يصلح بين الناس ينبغي أن يحتمل ما يبدر منهم مما قد يكون على خًلف الًلئق ،فهؤلاء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ينبغي أن يخفضوا أصواتهم وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه يستوضعه بمعنى أنه يطلب منه أن يطرح شيئاا من الحق ،ويسترفقه يعني :أن يطرح الربح فالمقصود أنه هنا يستوضعه أو يسترفقه ،وهو يقول :والله لا أفعل ،يحلف يقول :لا يمكن ،لا أضع عنك من الربح ،ولا من رأس المال ،تأتي به كامًلا
فخرج عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ( :أين المتألي على الله أن لا يفعل المعروف؟) المتألي يعني :الذي يحلف فالمقصود أن هذا الرجل حلف ،فالنبي صلى الله عليه وسلم بين أنه لا يحسن بالإنسان أن يحلف على ترك المعروف ،وترك الخير ،والإحسان والبذل إلى الناس ،أين المتألي على الله أن لا يفعل المعروف؟ فقال :أنا يا رسول الله ،فله أ ُّي ذلك أح َّب. لاحظوا سرعة الفيئة والرجوع ،له أ ُّي ذلك ،يعني :يريد أن نضع له الربح ،أو نضع له من رأس المال مع الربح ،فله أ ُّي ذلك أح َّب فينبغي للإنسان أن يكون أداة خير ،وأن يحرص على الإصًلح بين الناس وإزالة العداوة والضغائن حتى ينال خيراا كثيراا وفي الحدي ِث :الحض على الرفق بالغريم ،والإحسان إليه بالوضع ،والزجر عن الحلف على ترك الخير. وفيه :الصفح عما يجري بين المتخاصمين من اللفظ ورفع الصوت.
الحديث الحادي والخمسون بعد المائتين عن أَبي العباس سهل بن َسعد السا ِع ِد ّي رضي الله عنه أ َّن َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم َب َل َغ ُه أ َّن َبني َعمرو بن َع ْو ٍف َكا َن َب ْي َن ُه ْم َش ٌّرَ ،ف َخ َر َج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ُي ْص ِل ُح َبي َن ُه ْم في أُ َناس َم َع ُهَ ،ف ُحبِ َس َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم َو َحا َن ِت ال َّصًلةَ ،ف َجا َء ِبًللٌ إِلَى أَبي بكر رضي الله عنهماَ ،ف َقالََ :يا أَبا َب ْكر ،إ َّن َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم َق ْد ُح ِب َس َو َحا َن ِت ال َّصًلةُ َف َه ْل َل َك أ ْن َت ُؤ َّم ال َّناس؟ َقالََ :ن َع ْم ،إ ْن ِش ْئ َتَ ،فأ َقا َم ِبًللٌ ال َّصًل َة ،و َت َق َّد َم أَ ُبو َب ْك ٍر َف َك َّب َر َو َك َّب َر ال َّنا ُسَ ،و َجا َء َر ُسولُ الله صلى الله عليه وسلم َيمشي في ال ُّصفُو ِف َح َّتى َقا َم في ال َّص ِّفَ ،فأَ َخ َذ ال َّنا ُس في ال َّت ْصفي ِقَ ،و َكا َن أَ ُبو بك ٍر رضي الله عنه لا َي ْل َت ِف ُت في َّصًلتِهَ ،ف َل َّما أ ْك َث َر ال َّنا ُس في ال َّت ْصفي ِق ا ْل َت َف َت ،فإِ َذا َر ُسول الله صلى الله عليه وسلمَ ،فأَ َشا َر إِ َل ْيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم َف َر َف َع أَ ُبو َب ْكر رضي الله عنه َي َد ُه َف َح ِم َد الل َهَ ،و َر َج َع ال َق ْه َق َرى َو َراءهُ َح َّتى َقا َم في ال َّص ِّفَ ،ف َت َق َّد َم َر ُسولُ الله صلى الله عليه وسلمَ ،ف َص َّلى لل َّنا ِسَ ،ف َل َّما َف َر َغ أ ْق َبلَ َعلَي ال َّنا ِسَ ،ف َقالَ(( :أ ُّي َها ال َّنا ُسَ ،ما َل ُك ْم ِحي َن َنا َب ُك ْم َش ْي ٌء في ال َّصًل ِة أ َخ ْذ ُت ْم في ال َّتصفيق؟! إِ َّن َما ال َّتصفيق لل ِّنساءَ .م ْن َنا َب ُه َش ْي ٌء في َصًل ِت ِه َف ْل َي ُق ْلُ :س ْب َحا َن اللهَ ،فإِ َّن ُه لا َي ْس َم ُع ُه أح ٌد ِحي َن يقُولُُ :س ْب َحا َن الله ،إلا ا ْل َت َف َتَ .يا أَ َبا َب ْكرَ :ما َم َن َع َك أ ْن ُت َصلِّي بال َّنا ِس ِحي َن أ َش ْر ُت إ َل ْي َك؟))َ ،ف َقالَ أَ ُبو َب ْك ٍرَ :ما َكا َن َي ْن َبغي لا ْب ِن أَبي ُق َحا َف َة أ ْن ُي َص ِّلي بال َّنا ِس َب ْي َن َي َد ْي َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم ( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه( شرح الحديث أن رسول الله صلي الله عليه وسلم بلغه أن بني عمرو بن عوف ،..وهم بطن من الأوس ،ومعلوم أن الأنصار كانوا على قبيلين :الأوس ،والخزرج ،فهؤلاء من بطون الأوس العظام ،ويتفرع منهم فروع من قبائل الأوس.
كان بينهم شر ،وجاء في بعض الروايات أنه كان بينهم كًلم ،وخصومة ،وفي بعض الروايات أنه وقع بينهم تراشق بالحجارة أي :اختصموا ،واحتدم الأمر بينهم حتى حصل التراشق بالحجارة فخرج رسول الله صلي الله عليه وسلم يصلح بينهم في أناس معه ،وفي بعض الروايات انه صلي الله عليه وسلم أمر بعض أصحابه أن يقوموا معه من أجل الإصًلح بين هؤلاء،فخرج معه سهيل بن بيضاء ،وأبي بن كعب ف ُحبس رسول الله صلي الله عليه وسلم وحانت الصًلة. وجاء في بعض الروايات أن النبي صلي الله عليه وسلم خرج إليهم بعد أن صلى الظهر ،وكانت منازلهم في قباء ،فلما أتاهم النبي صلي الله عليه وسلم وأصلح بينهم ُحبس عن صًلة العصر ،أي :حضرت صًلة العصر، ومعنى ُحبس أي :أنهم أرادوا النبي صلي الله عليه وسلم أن يجلس معهم ،وأن يستضيفوه ،فالنبي صلي الله عليه وسلم طيب خواطرهم لهذا. وفي هذا من الفوائد حرص النبي صلي الله عليه وسلم على الإصًلح بين الناس ،وهو القدوة والأسوة ،فكان يأمر بذلك ،ويحث عليه ويبين فضله، ويقوم به في نفسه وفيه تواضع النبي صلي الله عليه وسلم مع هذا كله أيضاا يبقى عندهم، وتحضر صًلة العصر وهو صلي الله عليه وسلم جالس بينهم تطييباا لخواطرهم. قال :وحانت صًلة العصر ،فجاء بًلل إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال :يا أبا بكر إن رسول الله صلي الله عليه وسلم قد حبس وحانت الصًلة ،فهل لك أن تؤم الناس؟ ،قال :نعم إن شئت\". وفي رواية عند الإمام أحمد أن النبي صلي الله عليه وسلم هو الذي أمر بًللاا بذلك ،أمره إن حبس أن يأتي أبا بكر ،وأن يأمره أن يصلي بالناس ،ففعل بًلل
رضي الله عنه ذلك وأدى هذا بطريق العرض ،فهل لك أن تصلي بالناس؟ قال: نعم ،إن شئت ،فأقام بًلل الصًلة وتقدم أبو بكر وفي هذا بيان فضيلة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ،فهو المقدم في هذه الأمة بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم حيث استخلفه الرسول صلى الله عليه وسلم ليصلي بالناس ،وكذلك في مرض موته -عليه الصًلة والسًلم ،-قال( :مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس) قال :فأقام بًلل الصًلة ،وتقدم أبو بكر ،فكبر وكبر الناس ،وجاء رسول الله صلي الله عليه وسلم يمشي في الصفوف. وجاء في بعض الروايات :يشق الصفوف حتى قام في الصف ،أي :الأول، فأخذ الناس في التصفيق ،وفي بعض الروايات التصفيح وبعض أهل العلم يقولون :التصفيح والتصفيق بمعنى واحد ،وهذا هو المشهور فهؤلاء كأنهم لم يبلغهم هدي النبي صلي الله عليه وسلم فيما يفعله المصلي إذا نابه أمر ،أو أن يكون ذلك قبل أن يعلمهم رسول الله صلي الله عليه وسلم ،وإلا فسيأتي في هذا الحديث أن التصفيق للنساء ،فهو لا يليق بالرجال ولا يصلح لهم ،لا في الصًلة ،ولا في خارج الصًلة يقول :فلما أكثر الناس التصفيق التفت فإذا رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فأشار إليه رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يبقى وكان أبو بكر رضي الله عنه لا يلتفت في الصًلة ،والالتفات في الصًلة من غير حاجة مكروه ،ولحاجة يجوز ،قال :فلما أكثر الناس التصفيق التفت ،فإذا رسول الله صلي الله عليه وسلم ،أي :قد جاء ،فأشار إليه رسول الله صلي الله عليه وسلم ،يعني رسول الله صلي الله عليه وسلم أشار إليه ،أي :أن يبقى، ولا يرجع ،فرفع أبو بكر رضي الله عنه يده فحمد الله ،ورجع القهقرى وراءه.
وفي بعض الروايات :رفع يديه فحمد الله وأثنى عليه على هذه النعمة والمنة والإفضال ،وهي أن النبي صلي الله عليه وسلم جعله بهذه المنزلة ،فهذه منقبة لأبي بكر رضي الله عنه ورجع القهقرى ،أي :من أجل أن لا يستدبر القبلة ،يرجع إلى الوراء وهو مستقبل القبلة ،رجع القهقرى ،أي :وراءه ،حتى قام في الصف. فتقدم رسول الله صلي الله عليه وسلم فصلى للناس ،وهذا أيضاا من أدب أبي بكر رضي الله عنه فالنبي صلي الله عليه وسلم أقره ،ومع ذلك هو لم ير َض لنفسه بهذ ،فلما فرغ أقبل على الناس ،أي :النبي صلي الله عليه وسلم فقال: (أيها الناس ،مالكم حين نابكم شيء في الصًلة أخذتم في التصفيق؟ إنما التصفيق للنساء) يعني :في الصًلة (من نابه شيء في صًلته فليقل :سبحان الله ،فإنه لا يسمعه أحد حين يقول: سبحان الله إلا التفت ،يا أبا بكر ،ما منعك أن تصلي بالناس حين أشرت إليك؟) فقال أبو بكر :ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يصلي بالناس بين يدي رسول الله صلي الله عليه وسلم وهذا من تواضعه رضي الله عنه وفي الحدي ِث :السعي في الإصًلح بين الناس ،وجواز الصًلة بإمامين ،وجواز الالتفات للحاجة.
الحديث الثاني والخمسون بعد المائتين عن حارثة بن و ْه ٍب رضي الله عنه َقالَ :سمعت َر ُسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ(( :ألا أُ ْخ ِب ُر ُك ْم ِبأ ْه ِل ال َج َّن ِة؟ ُكلُّ َض ِعيف ُم َت َض َّعفَ ،ل ْو أَ ْق َس َم َع َلى الل ِه لأَ َب َّرهُ، أَلا أُ ْخبِ ُر ُك ْم بِأ ْه ِل ال َّنا ِر؟ ُكلُّ ُع ُتلٍّ َج ّوا ٍظ ُم ْس َت ْكبِ ٍر)) ( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه) شرح الحديث ((ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره)) يعني هذه من عًلمات أهل الجنة (كل ضعيف) أي :نفسه ضعيفة لتواضعه ،وضعف حاله في الدنيا ( م َت َض َّعف) يعني :أن الناس يستضعفونه ،يرونه ضعيفاا ،وضبطه بعضهم: ُم َت َض ِّع ٍف ،أي :أنه يظهر الضعف والتواضع للناس اي أن الإنسان يكون ضعيفاا متضعفاا ،أي :لا يهتم بمنصبه أو جاهه ،أو يسعى إلى علو المنازل في الدنيا ،ولكنه ضعيف في نفسه متضعف يرى أن الأهم أن يكون عند الله ذا مكانة كبيرة عالية (لو أقسم على الله لأبره) يعني :لو أنه حلف على شيء من الأشياء يميناا طمعاا في كرم الله بإبراره لأبره الله ،فلو حلف على شيء ليسر الله له أمره ،حتى يحقق له ما حلف عليه ،وهذا كثيراا ما يقع؛ أن يحلف الإنسان على شيء ثقة بالله عز وجل ،ورجاء لثوابه فيبر الله قسمه ،وأما الحالف على الله تعالياا وتحجراا لرحمته ،فإن هذا يخذل وقول الرسول صلى الله عليه وسلم(( :إن من عباد الله)) ((من)) هنا للتبعيض، ((إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره)) وذلك فيمن أقسم على الله ثقة به ،ورجاء لما عند الله عز وجل.
كما قال أنس بن النضر رضي الله عنه لما َكسرت ال ُّر َب ِّي ُع -وهي أخته -س َّن تلك المرأة ،فأرادوا القصاص ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم :كتاب الله القصاص ،فقال أنس بن النضر رضي الله عنه :والله لا ُتكسر ثنية ال ُّر َب ِّيع، فرضي أولئك بأرش الجناية ،بالمال ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( :إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره) و كما قال شيخ الإسًلم ابن تيمية -رحمه الله -في وقعة التتر المعروفة ،كان يقول :والله إنكم منصورون ،فكانوا يقولون :قل :إن شاء الله ،فكان يقول: أقولها تحقيقاا لا تعليقا ،يعني :هو واثق ج اّدا من النصر ويقسم عليه وهذا يدل على أن العبرة ليست بالهيئة ،إنما العبرة بما في القلب من الإيمان، ومحبة الله ،ومراقبته ،ومًلحظة حدوده فالعبرة بهذا ،وليست العبرة بمظاهر الناس ،وأشكالهم وصورهم (لا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متض َّعف ،لو أقسم على الله لأبره) و هذا في الغالب ،وإلا فيوجد من الضعفاء َمن هم من أهل النار؛ ولهذا قيل :إن شرار الناس فقراء اليهود ،لا مال جمعوا ،ولا دين أبقوا (ألا أخبركم بأهل النار؟) يعني :غالباا ،هذه غالب صفتهم ( كل ُعتلٍّ) ،والعتل :هو الغليظ الجافي ،وبعضهم يقول :العتل هو ضخم البدن، كبير البطن ،عظيم الرقبة أو العنق ،والمشهور في معناه :أن العتل هو الغليظ الجافي ( َج َّوا ٍظ) وهو ال َجموع ال َمنوع ،يجمع المال ويمنعه ،فًل ُيخرج حق الله منه، وبعضهم يقول :إن الجواظ هو الأكول الشروب ،عظيم البطن ،وقيل :الضخم المختال في مشيته وقيل هو الجزوع الذي لا يصبر على شيء ،دائماا في أنين وحزن وه ّم وغ ّم، معترضاا على القضاء والقدر ،لا يخضع له ،ولا يرضى بالله رباا.
والمشهور أنه :الجموع المنوع والغلظة ،والقسوة ،والجفاء ليست من صفات عباد الله المتقين ،وإنما هي من صفات أهل النار وأما المستكبر فهو الذي جمع بين وصفين :غمط الناس ،وبطر الحق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((الكبر بطر الحق ،وغمط الناس)) وبطر الحق: يعني رده ،وغمط الناس :يعني احتفارهم ،فهو في نفسه عال على الحق ،وعال على الخلق ،لا يلين للحق ولا يرحم الخلق ،فهذه عًلمات أهل النار وفي الحدي ِث :بيان أن أكثر أهل الجنة الضعفاء ،وأكثر أهل النار المتكبرون
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152
- 153
- 154
- 155
- 156
- 157
- 158
- 159
- 160
- 161
- 162
- 163
- 164
- 165
- 166
- 167
- 168
- 169
- 170
- 171
- 172
- 173
- 174
- 175
- 176
- 177
- 178
- 179
- 180
- 181
- 182
- 183
- 184
- 185
- 186
- 187
- 188
- 189
- 190
- 191
- 192
- 193
- 194
- 195
- 196
- 197
- 198
- 199
- 200
- 201
- 202
- 203
- 204
- 205
- 206
- 207