Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore شرح رياض الصالحين المائة الثالثة

شرح رياض الصالحين المائة الثالثة

Published by مكتبة(ورتل) الإلكترونيه, 2021-04-19 18:39:06

Description: شرح رياض الصالحين المائة الثالثة

Search

Read the Text Version

‫الناس ‪-‬بمحضرهم‪ ،‬فمن الناس من يضحك‪ ،‬وهذا أمر خًلف الأدب‪ ،‬وهو يوقع‬ ‫هذا الإنسان الآخر في إحراج‪ ،‬لو أن الإنسان وضع نفسه موضعه لما ضحك‪،‬‬ ‫ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬ل َم يضحك أحدكم مما يفعل؟‬ ‫فهذا يصدر من كل إنسان‪ ،‬يحصل منه‪ ،‬وقد خلق الله تعالى الناس بهذه الطريقة‬ ‫في حياتهم‪ ،‬فلماذا يضحك الإنسان على أخيه في أمر بدر منه؟!‪.‬‬ ‫ألست أنت تضرط كما يضرط هذا الرجل؟ بلى‪ ،‬إذا كان كذلك فلماذا تضحك؟‬ ‫فالإنسان إنما يضحك ويتعجب من شيء لا يقع منه‪ ،‬أما ما يقع منه؛ فإنه لا‬ ‫ينبغي أن يضحك منه‪ ،‬ولهذا عاتب النبي صلى الله عليه وسلم من يضحكون‬ ‫من الضرطة؛ لأن هذا شيء يخرج منهم‪ ،‬وهو عادة عند كثير من الناس‪.‬‬ ‫و في هذا إشارة إلى أن الإنسان لا ينبغي له أن يعيب غيره فيما يفعله هو‬ ‫بنفسه‪ ،‬إذا كنت لا تعيبه بنفسك فكيف تعيبه بإخوانك؟‬ ‫فهذه آداب نبوية في المعاشرة بين الناس‪ ،‬وفي المعاشرة بين الزوجين‪.‬‬

‫الحديث الخامس والسبعون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي هريرة رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪(( :‬لا‬ ‫َي ْف َر ْك ُم ْؤ ِم ٌن ُم ْؤ ِم َن اة إ ْن َك ِر َه ِم ْن َها ُخلُ اقا َر ِض َي ِم ْن َها آ َخ َر))‬ ‫أَ ْو َقالَ‪َ (( :‬غ ْي َرهُ))‬ ‫(رواه مسلم)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫لا َيخلُو ال ُمؤ ِم ُن والمؤمن ُة ِمن خلُ ٍق ح َس ٍن؛ فالإيما ُن َيح ِملُهما على وجو ِد ِخصا ٍل‬ ‫َمحمود ٍة‪ .‬و في هذا الحدي ِث يقولُ ال ُمص َطفى ص َّلى اللهُ ع َلي ِه وسلَّ َم‪(( :‬لا َيف َر ْك‬ ‫مؤم ٌن مؤمن اة))‬ ‫و((الفِ ْر ُك)) ‪ :‬بمعنى ال ُب ْغض أي‪ :‬لا َيح ُصلُ ال ُبغ ُض التا ُّم لها؛ وذل َك لأ َّنه إ ْن َك ِر َه‬ ‫منها خلُ اقا‪ ،‬أي‪ُ :‬خلُ اقا س ِّي ائا‪ ،‬رض َي منها آ َخ َر أو َغ ْي َره‪ ،‬أي‪َ :‬ر ِض َي بخلُ ٍق حس ٍن‪،‬‬ ‫ف َيح ِملُه ما ر ِض َي من ال َحس ِن‪ ،‬على الص ْب ِر على ما لا َير َضى ِمن الس ِّيئ‬ ‫فًل يعادي المؤمن زوجته ويبغضها إذا رأى منها ما يكرهه من الأخًلق‪ ،‬وذلك‬ ‫لأن الإنسان يجب عليه القيام بالعدل‪ ،‬وأن يراعي المعامل له بما تقتضيه حاله‪،‬‬ ‫والعدل أن يوازن بين السيئات والحسنات‪ ،‬وينظر أيهما أكثر وأيهما أعظم‬ ‫وقعاا‪ ،‬فيغلب ما كان أكثر وما كان أشد تأثيراا؛ هذا هو العدل‬ ‫فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر أن يكون الإنسان حاكماا بالعدل والقسط‪،‬‬ ‫فقال‪(( :‬لا يفرك مؤمن مؤمنة)) يعني لا يبغضها لأخًلقها‪ ،‬إن كره منها خلقاا‬ ‫رضي منه خلقاا آخر‬

‫و هذا من باب النهي‪ ،‬ينهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلم أن يبغض‬ ‫امرأته‪ ،‬ويقصيها‪ .‬فهذا الحديث أصل في نظر الرجل لامرأته‪ ،‬وتستفيد منه‬ ‫المرأة أيضاا في نظرها للرجل‪ ،‬في العًلقة بين الزوجين‪.‬‬ ‫فيقوم الشخص بعملية الموازنة بين صفات الشخص وأخًلقه‪ ،‬و يتغاضى عما‬ ‫يجده منها من شيء غير محمود لأجل ما اتصفت به من الصفات والأخًلق‬ ‫المحمودة‪ ،‬فإن الكمال لا يصل إليه أحد‪.‬‬ ‫فالحاصل أن الإنسان ينبغي له أن يعامل من بينه وبينهم صلة من زوجته أو‬ ‫صداقة أو معاملة‪ ،‬في بيع أو شراء أو غيره‪ ،‬أن يعامله بالعدل إذا كره منه‬ ‫خلقاا أو أساء إليه في معاملة‪ ،‬أن ينظر للجوانب الأخرى الحسنة حتى يقارن‬ ‫بين هذا وهذا‪ ،‬فإن هذا هو العدل الذي أمر الله به ورسوله كما قال الله تعالى‪:‬‬ ‫(إِ َّن ال َّل َه َيأْ ُم ُر ِبا ْل َع ْد ِل َوا ْلإ ْح َسا ِن َوإِي َتا ِء ِذي ا ْل ُق ْر َبى َو َي ْن َهى َع ِن ا ْل َف ْح َشا ِء َوا ْل ُم ْن َك ِر‬ ‫َوا ْل َب ْغيِ َي ِع ُظ ُك ْم لَ َع َلّ ُك ْم َت َذ َّك ُرو َن)‬

‫الحديث السادس والسبعون بعد المائتين‬ ‫عن عمرو بن الأحو ِص ال ُج َشمي رضي الله عنه أ َّن ُه َس ِم َع ال َّنب ّي صلى الله عليه‬ ‫وسلم في َح َّج ِة ال َو َدا ِع َي ُقولُ َب ْع َد أ ْن َح ِم َد الله َت َعالَى‪َ ،‬وأ ْث َنى َع َلي ِه َو َذ َّك َر َو َوع َظ‪،‬‬ ‫ُث َّم َقالَ‪(( :‬ألا َوا ْس َتو ُصوا بال ِّنسا ِء َخ ْي ارا‪َ ،‬فإِ َّن َما ُه َّن َع َوا ٍن ِع ْن َد ُك ْم لَ ْي َس َت ْملِ ُكو َن‬ ‫ِم ْن ُه َّن َش ْي ائا َغ ْي َر ذلِ َك إلا أ ْن َيأتِي َن بِ َفا ِح َش ٍة ُم َب ِّي َن ٍة‪َ ،‬فإ ْن َف َع ْل َن َفا ْه ُج ُرو ُه َّن في‬ ‫َسبي اًل؛‬ ‫َت ْب ُغوا َعلَيه َّن‬ ‫َح َضاّقار‪،‬ابا َولَِغنِ ْي ََسرا ِئ ُم ُكَب ْمِّر ٍَحعلَ‪ْ ،‬ي ُفكإْم ْن َحأ اّق َاط ْ؛ع َن َف ُك َْمح ُّق َفُكً ْمل‬ ‫ُيو ِط ْئ َن‬ ‫َعلَي ِه َّن أ ْن لا‬ ‫َوا ْض ِر ُبو ُه َّن‬ ‫ال َم َضا ِجع‪،‬‬ ‫َع َلى ِن َسا ِئ ُك ْم‬ ‫ألا إ َّن َل ُك ْم‬ ‫ُف ُر َش ُك ْم َم ْن َت ْك َر ُهو َن‪َ ،‬ولا َيأْ َذ َّن في ُب ُيو ِت ُك ْم لِ َم ْن َت ْك َر ُهو َن؛ ألا َو َح ُّق ُه َّن َعلَ ْي ُك ْم أ ْن‬ ‫ُت ْح ِس ُنوا إِلَ ْي ِه َّن في ِك ْس َو ِته َّن َو َط َعا ِمه َّن))‬ ‫رواه الترمذي‪َ ،‬وقالَ‪(( :‬حديث حسن صحيح))‬ ‫شرح الحديث‬ ‫هذه الخطبة قالها النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته‪ ،‬في حجة الوداع‪،‬‬ ‫وقيل لها حجة الوداع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ودع أصحابه‪ ،‬أو كأنه‬ ‫ودعهم فيها‪ ،‬فلم يحج صلى الله عليه وسلم‬ ‫بعدها‪.‬‬ ‫يقول‪ :‬بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه‪ ،‬في أعظم مشهد اجتمع فيه المسلمون‬ ‫في وقت النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬حج معه ما يربو على مائة ألف‪ ،‬ولم‬ ‫يجتمع للنبي صلى الله عليه وسلم قط مثل هذا العدد في مناسبة من المناسبات‪،‬‬ ‫فذكرهم فيها بأمور منها ما يتصل بالنساء‪ ،‬والوصية بالنساء‪ ،‬وهذا يدل على‬ ‫شدة عناية الإسًلم بشأن المرأة‪.‬‬ ‫فقال ‪(( :‬ألا واستوصوا بالنساء خيراا‪ ،‬فإنما هن عوان عندكم)) أي أسيرات‪،‬‬ ‫فالعواني جمع عانية وهي الأسيرة‪ ،‬إنها أسيرة فعًل ؛ لأن الرجل هو الذي له‬ ‫القوامة‪.‬‬

‫و يحتمل أن تكون بمنزلة الأسيرة‪ ،‬والمعنى متقارب‪ ،‬فالرجل إذا عقد على‬ ‫المرأة فإن أمرها بيده‪ ،‬هو الذي يحكم عليها‪ ،‬وهو الذي يأمرها وينهاها‪،‬‬ ‫ويجب عليها أن تطيعه بالمعروف‪ ،‬في غير معصية الله ‪-‬عز وجل‪.‬‬ ‫(( ليس تملكون منهن شيئاا غير ذلك)) يعني‪ :‬غير الاستمتاع‪ ،‬وحفظ الزوج في‬ ‫عرضه‪ ،‬وماله‪ ،‬ليس تملكون منهن شيئاا غير ذلك‬ ‫(( إلا أن يأتين بفاحشة مبينة)) من عقوق للزوج‪ ،‬أو فعل المكروه المعروف‬ ‫الذي يقال له‪ :‬الفاحشة‪ ،‬فعندئذ تعالج‪ ،‬ومن أهل العلم من فسره بعقوق الزوج‪،‬‬ ‫وقالوا‪ :‬إن الفاحشة إذا قيدت بالبيان فهي عقوق الزوج‪.‬‬ ‫ثم قال‪(( :‬فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع)) هذا هو العًلج الأول الهجر‪،‬‬ ‫والمرأة تتأثر كثيراا بالهجر غالباا‪ .‬فالشاهد أنها ُتهجر في الفراش حيث ينفع‬ ‫الهجر‪ ،‬وأما إذا كان الهجر هو مطلوبها أصًلا فإنها لا تهجر في الفراش‪.‬‬ ‫و المقصود هو الهجر في المضجع‪ ،‬فمن الناس من يهجر المرأة أصً ال‪ ،‬ولا‬ ‫يكلمها‪ ،‬وهو معها في البيت وهذا غير صحيح‪ ،‬وإنما يدير ظهره لها في‬ ‫الفراش‪ ،‬هذا معنى الهجر الشرعي‪ ،‬لكنه يكلمها‪.‬‬ ‫يقول‪(( :‬واضربوهن ضر ابا غير مب ِّرح)) بمعنى‪ :‬أنه إن لم ينفع منها الهجر كما‬ ‫قال الله تعالى ‪َ { :‬والًلَّتِي َت َخا ُفو َن ُن ُشو َز ُه َّن َف ِع ُظو ُه َّن َوا ْه ُج ُرو ُه َّن فِي ا ْل َم َضا ِج ِع‬ ‫َوا ْض ِر ُبو ُه َّن َفإِ ْن أَ َط ْع َن ُك ْم َفًلَ َت ْب ُغو ْا َعلَ ْي ِه َّن َسبِيًلا} [النساء‪.]3٤ :‬‬ ‫فالوعظ أولاا‪ ،‬و الوعظ هو الكًلم الذي يكون فيه الترغيب والترهيب والتذكير‬ ‫بالله فهي ُتذ َّكر أولا فإن لم ينفع فالهجر‪ ،‬فإن لم ينفع فالضرب‬ ‫هذه مراتب تأديب المرأة إذا أتت بفاحشة مبينة‪ ،‬وهي عصيان الزوج فيما يجب‬ ‫له‪َ ( :‬فإِ ْن أَ َط ْع َن ُك ْم َفًل َت ْب ُغوا َع َل ْي ِه َّن َس ِبيًلا) يعني لا تضربوهن ولا تقصروا في‬ ‫حقهن؛ لأنهن قمن بالواجب‪.‬‬

‫قال‪(( :‬ضر ابا غير مب ِّرح)) أي لا يضربها بشيء ضر ابا شدي ادا‪ ،‬فًل يجرح‪ ،‬ولا‬ ‫يكسر‪ ،‬و لا يكون في مواضع حساسة‪ ،‬ولا يكون على الوجه مما يخدش‬ ‫كرامتها‪ ،‬إنما يكون ضر ابا للتأديب‪ ،‬وقد ذكر بعض أهل العلم أنه يضربها‬ ‫بالثوب‪ ،‬يعني‪ :‬يلف ثوبه فيضربها به‪ ،‬أو أنه يضربها بيده‪ .‬وهذا أيضا حيث‬ ‫ينفع الضرب‬ ‫فالشاهد إذا كان الضرب لا ينفع بل يزيدها نفو ارا فإنها لا تضرب؛ لأن المقصود‬ ‫هو العًلج‪ ،‬وليس المقصود هو التنفير‪ ،‬وزيادة المشكًلت‪.‬‬ ‫قال‪(( :‬فإن أطعنكم فًل تبغوا عليهن سبيًلا)) يعني‪ :‬لا تطلب أذيتها ومضايقتها‬ ‫بعد ذلك إذا أذعنت وأطاعت‪.‬‬ ‫قال‪(( :‬ألا إن لكم على نسائكم ح اّقا‪ ،‬ولنسائكم عليكم ح اّقا)) ثم ب ّين النبي صلى‬ ‫الله عليه وسلم هذه الحقوق‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫(( فحقكم عليهن ألا يوطئن فرشكم من تكرهون)) وهذا عام‪ ،‬والمقصود‬ ‫بالفرش الكناية عن الدار والمنزل‪ ،‬بحيث إنها لا تأذن لأحد في بيته وهو كاره‬ ‫دخوله في هذا البيت؛ لأن الرجل هو السيد في بيته‪ ،‬وهو الذي يملك أن يمنع‬ ‫أحداا أن يدخل فيه‪ ،‬فًل يدخل فيه داخل إلا بإذنه‪.‬‬ ‫فمن حق الرجل على المرأة ألا تأذن لأحد‪ ،‬لا من النساء‪ ،‬ولا من الرجال‪ ،‬لا من‬ ‫محارمها‪ ،‬ولا من غير محارمها‪ ،‬إلا بإذنه ورضاه لأنه صاحب الدار‪ ،‬وقد منع‬ ‫من هذا‪ .‬هذا من حيث الحكم‪ ،‬أما من حيث طيب المعشر‪ ،‬والإحسان فإن ه‬ ‫ينبغي للإنسان أن لا يمنع المرأة من أن تستضيف قراباتها‪.‬‬ ‫قال‪ (( :‬ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن))‬ ‫ولم يحدد ح اّدا معيناا‪ ،‬وإنما الإحسان يختلف كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫في العشرة بأنها بالمعروف‪ ،‬فهذا يختلف من مكان لآخر‪ ،‬ومن زمان لآخر‪،‬‬

‫ومن رجل لآخر‪ ،‬بحسب الغنى والفقر‪ ،‬قال الله تعالى‪ { :‬لِ ُين ِف ْق ُذو َس َع ٍة ِّمن‬ ‫َس َعتِ ِه َو َمن قُ ِد َر َعلَ ْي ِه ِر ْز ُق ُه َف ْل ُين ِف ْق ِم َّما آ َتا ُه ال َّلهُ} [الطًلق‪.]7:‬‬ ‫و فيه‪ :‬أن الزوج هو الذي ينفق على زوجته حتى لو كانت غنية‪.‬‬ ‫و هذه الأشياء المذكورة في هذا الحديث ليست للحصر يعني في الحقوق‪ ،‬وإنما‬ ‫هي من جملة هذه الحقوق‪ ،‬وإلا فمن حق المرأة ‪-‬مثًلا‪ -‬السكنى‪ ،‬ومن حقها‬ ‫أيضاا أن يعاشرها بالمعروف‪ ،‬بالمؤانسة‪ ،‬وطيب الكًلم‪ ،‬وحسن المخالطة‬ ‫وغيرها من الحقوق‪.‬‬

‫الحديث السابع والسبعون بعد المائتين‬ ‫عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه َقالَ‪ :‬قُ ْل ُت‪َ :‬يا َر ُسول الله‪َ ،‬ما حق َزو َج ِة‬ ‫أَ َح ِد َنا َع َلي ِه؟ َقالَ‪:‬‬ ‫((أ ْن ُت ْط ِع َم َها إِ َذا ط ِع ْم َت‪َ ،‬و َت ْك ُسو َها إِ َذا ا ْك َت َس ْي َت‪َ ،‬ولا َت ْض ِر ِب ال َو ْج َه‪َ ،‬ولا ُت َق ِّب ْح‪،‬‬ ‫َولا َت ْه ُج ْر إلا في ال َب ْي ِت))‬ ‫حدي ٌث حس ٌن رواه أَ ُبو داود‬ ‫شرح الحديث‬ ‫عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه ما حق امرأة‬ ‫أحدنا عليه قال ‪(( :‬أن تطعمها إذا طعمت‪ ،‬وتكسوها إذا اكتسيت))‬ ‫يعني لا تخص نفسك بالكسوة دونها‪ ،‬ولا بالطعام دونها؛ بل هي شريكة لك‬ ‫يجب عليك أن تنفق عليها كما تنفق على نفسك‪ ،‬حتى إن كثيراا من العلماء‬ ‫يقول‪ :‬إذا لم ينفق الرجل على زوجته وطالبت بالفسخ عند القاضي؛ فللقاضي‬ ‫أن يفسخ النكاح؛ لأنه قصر بحقها الواجب لها‬ ‫((ولا تضرب الوجه ولا تقبح)) فًل تضربها إلا لسبب وإذا ضربتها فاجتنب‬ ‫الوجه وليكن ضرباا غير مبرح‬ ‫و قد أوضحنا في الحديث السابق أن الإنسان إذا رأى من امرأته نشوزاا وترفعاا‬ ‫عليه‪ ،‬وأنها لا تقوم بحقه؛ وعظها أول اا‪ ،‬ثم هجرها في المضجع‪ ،‬ثم ضربها‬ ‫ضرباا غير مبرح فإذا حق له أن يضربها لوجود السبب‪ ،‬فإنه لا يضرب الوجه‪.‬‬ ‫قوله‪(( :‬لا تقبح)) يعني لا تقل‪ :‬أنت قبيحة‪ ،‬أو قبح الله وجهك‪ ،‬ويشمل النهي‬ ‫عن التقبيح‪ :‬النهي عن التقبيح الحسي و المعنوي‪ ،‬فًل يقبحها مثل أن يقول‪:‬‬ ‫أنت من من عائلة سيئة‪ ،‬أو ما أشبه ذلك‪ .‬كل هذا من التقبيح الذي نهى الله‬ ‫عنه‬

‫قال‪(( :‬ولا تهجرها إلا في البيت)) يعني إذا وجد سبب الهجر فًل تهجرها علناا‬ ‫وتظهر للناس أنك هجرتها‪ .‬اهجرها في البيت‪ ،‬ولا يطلع على هجرك أحد‪ ،‬حتى‬ ‫إذا اصطلحت معها رجع كل شيء على ما يرام‪ ،‬دون أن يطلع عليه أحد من‬ ‫الناس‪.‬‬ ‫فهذا الحديث تضمن بعض حقوق المرأة التي تكون على زوجها‪ ،‬يطعمها‬ ‫بالمعروف ويكسوها بالمعروف‪ ،‬ولا يضرب الوجه ولا يقبح‬

‫الحديث الثامن والسبعون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي هريرة رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪(( :‬أ ْك َملُ‬ ‫ال ُمؤ ِم ِني َن إي َما انا أ ْح َس ُن ُه ْم ُخلُ اقا‪ ،‬و ِخ َيا ُر ُك ْم خياركم لِ ِن َسائِ ِه ْم))‬ ‫رواه الترمذي‪َ ،‬وقالَ‪َ ( :‬ح ِدي ٌث َح َس ٌن َصحي ٌح)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫((أكمل الناس إيماناا أحسنهم خلقاا)) الإيمان يتفاوت ويتفاضل كما قال الله‬ ‫تعالى‪َ ( :‬و َي ْز َدا َد ا ّلَ ِذي َن آ َم ُنوا إِي َمانا) [المدثر‪ ، ]31 :‬وليس الناس في الإيمان‬ ‫سواء‬ ‫فأكمل المؤمنين إيماناا أحسنهم خلقاا‪ ،‬وفي هذا حث عظيم على حسن الخلق مع‬ ‫الله‪ ،‬وحسن الخلق مع االناس‬ ‫أما حسن الخلق مع الله‪ :‬فأن يرضى الإنسان بشريعته‪ ،‬وينقاد إليها راضياا‪،‬‬ ‫مطمئناا بها‪ ،‬مسروراا بها سواء كانت أمر يؤمر به‪ ،‬أو نهياا ينهى عنه‪ .‬و أن‬ ‫يرضى الإنسان بقدر الله عز وجل‪ ،‬ويكون ما قدر الله عليه مما يسوءه كالذي‬ ‫قدر الله عليه مما يسره‪ ،‬فيرضى بالله قضا اء وقدراا‪ ،‬وأمراا وشرعاا؛ هذا حسن‬ ‫الخلق مع الله‪.‬‬ ‫أما حسن الخلق مع الناس‪ :‬فكف الأذى وبذل الندى‪ ،‬والصبر عليهم وعلى‬ ‫أذاهم‪ ،‬هذا من حسن الخلق مع الناس؛ أن تعاملهم بهذه المعاملة تكف أذاك‬ ‫عنهم‪ ،‬وتبذل نداك‪ .‬الندى يعني العطاء سواء كان مالاا أو جاهاا أو غير ذلك‪،‬‬ ‫وكذلك تصبر على البًلء منهم‪ ،‬فإذا كنت كذلك؛ كنت أكمل الناس إيماناا‬

‫ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم‪(( :‬خيركم خيركم لأهله‪ ،‬وأنا خيركم لأهلي))‬ ‫هذا خير الناس‪ .‬هو خيرهم لأهله؛ فإذا كان فيك خير؛ فاجعله عند أقرب الناس‬ ‫لك وليكن أول المستفيدين من هذا الخير‬ ‫في هذا الحديث‪ :‬دليل على أ ّن حسن الخلق من أفضل الأعمال‪.‬‬ ‫و فيه‪ :‬الحث على معاملة الزوجة بالإحسان إليها‪ ،‬وطًلقة الوجه‪ ،‬وكف الأذى‬ ‫عنها‪ ،‬والصبر على أذاها‪.‬‬

‫الحديث التاسع والسبعون بعد المائتين‬ ‫عن إياس بن عبد الله بن أَبي ذباب رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله‬ ‫عليه وسلم‪(( :‬لا َت ْض ِر ُبوا إ َماء الله))‬ ‫فجاء ُع َم ُر رضي الله عنه إِ َلى رسو ِل الله صلى الله عليه وسلم‪َ ،‬ف َقالَ‪َ :‬ذئِ ْر َن‬ ‫ال ِّن َسا ُء َع َلى أ ْز َوا ِج ِه َّن‪َ ،‬ف َر َّخ َص في َض ْر ِب ِه َّن‪َ ،‬فأ َطا َف بآ ِل َر ُسول الله صلى الله‬ ‫عليه وسلم ِن َسا ٌء َكثي ٌر َي ْش ُكو َن أ ْزوا َج ُه َّن‪َ ،‬ف َقالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫(( َل َق ْد أ َطا َف بِآ ِل َبي ِت ُم َح َّم ٍد ِن َسا ٌء كثي ٌر َي ْش ُكو َن أ ْز َوا َج ُه َّن َل ْي َس أو َلئ َك بخ َيا ِر ُك ْم))‬ ‫(رواه أَ ُبو داود بإسناد صحيح)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫((لا تضربوا إماء الله)) يريد بذلك النساء‪ ،‬فيقال‪ :‬أمة الله كما يقال عبد الله‪،‬‬ ‫ويقال‪ :‬إماء الله كما يقال عباد الله‪ ،‬ومن ذلك الحديث الصحيح‪(( :‬لا تمنعوا إماء‬ ‫الله مساجد الله))‬ ‫فنهاهم عن ضرب النساء‪ ،‬فكفوا عن ذلك؛ فلما نهى النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫عن ضربهن‪ ،‬اجترأن على أزواجهن‪ .‬كما قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه‪:‬‬ ‫((ذئرن النساء على أزواجهن)) يعني اجترأن وتعالين على الرجال‪ ،‬وحصل من‬ ‫بعضهن نشوز وخروج عن طاعة الأزواج‪.‬‬ ‫فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم ما قال عمر رضي الله عنه ؛ أجاز‬ ‫ضربهن‪ ،‬ورخص في ضربهن‪ ،‬فأفرط الرجال في ذلك وجعلوا يضربونهن حتى‬ ‫وإن لم يكن ذلك من حقهم‬ ‫((فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم)) يعني‪ :‬طاف بأزواجه نساء كثير‬ ‫يشكون أزواجهن‪ ،‬حينما رخص النبي صلى الله عليه وسلم بضربهن‪ ،‬فجاء‬ ‫هؤلاء النسوة ((يشكون أزواجهن)) يعني‪ :‬من الضرب‬

‫و جعلن يتجمعن حول بيوت النبي صلى الله عليه وسلم يشكون أزواجهن‪.‬‬ ‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪(( :‬لقد أطاف بآل بيت محمد نساء كثير يشكون‬ ‫أزواجهن ليس أولئك بخياركم)) فقال النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب الناس‬ ‫يخبرهم بأن هؤلاء الذين يضربون أزواجهن ليسوا بخيارهم‪ ،‬أي ليسوا بخيار‬ ‫الرجال‪ ،‬وهذا كقوله‪(( :‬خيركم خيركم لأهله)) فدل هذا على أن الإنسان لا يفرط‬ ‫في ضرب أهله؛ إلا إن وجد سبباا يقتضي الضرب‪.‬‬ ‫و قد بين الله عز وجل مراتب ذلك في كتابه فقال‪َ ( :‬وال ًَّل ِتي َت َخا ُفو َن ُن ُشو َز ُه َّن‬ ‫َف ِع ُظو ُه َّن َوا ْه ُج ُرو ُه َّن ِفي ا ْل َم َضا ِج ِع َوا ْض ِر ُبو ُه َّن) [النساء‪]3٤ :‬‬ ‫المرتبة الثالثة‪ :‬الضرب‪ ،‬وإذا ضربوهن فليضربوهن ضرباا غير مبرح‪.‬‬ ‫فالأكمل في حق الرجل أن تكون معاشرته على أحسن الوجوه‪ ،‬وأن يكون‬ ‫لطيف المعاشرة‪ ،‬وحسن الخلق‪ ،‬أما الرجل الذي يضرب النساء ويتأذى منه من‬ ‫يعاشره فإن ذلك ليس بالكمال‪.‬‬ ‫ولهذا جاء عن أنس رضي الله عنه في صفة النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫وشمائله ‪ :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم ما ضرب بيده لا امرأة ولا خادماا ولا‬ ‫غير ذلك إلا أن يضرب في سبيل الله‪ ،‬يعني‪ :‬يجاهد في سبيل الله‬ ‫فالنبي صلى الله عليه وسلم كان هديه أكمل الهدي‪ ،‬ولكنه يرخص للرجل أن‬ ‫يضرب المرأة إذا تعذر تأديبها بالوعظ ثم بالهجر‪ ،‬فعندئذ يلجأ إلى الضرب‬ ‫بالضوابط التي ذكرناها فيما سبق‪ ،‬ولكن ترك ذلك أكمل وأولى‪ ،‬والرجل الكريم‬ ‫لا يتقوى ويظهر قوة وفتوة ويرفع يده على من لا يستطيع أن يرد يده‪ ،‬ولا‬ ‫يظلم من لا يستطيع أن يرد مظلمته‪ ،‬فإن هذا لا يليق‪ ،‬وليس ذلك من فعل‬ ‫الكرام‪.‬‬

‫الحديث الثمانون بعد المائتين‬ ‫عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أ َّن رسول الله صلى الله عليه‬ ‫وسلم َقالَ‪:‬‬ ‫((ال ُّد ْن َيا َم َتا ٌع‪َ ،‬و َخي ُر َم َتا ِع ال ُّد ْن َيا ال َم ْرأَةُ ال َّصا ِل َح ُة))‬ ‫(رواه مسلم)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫((الدنيا متاع)) والمتاع‪ :‬هو الشيء الذي يحصل التنعم به‪ ،‬والانتفاع به وقتاا‬ ‫محدوداا ثم بعد ذلك يزول‪ ،‬فهي شيء يتمتع به‪ ،‬كما يتمتع المسافر بزاده ثم‬ ‫ينتهي‪.‬‬ ‫و الله تعالى وصف الدنيا بهذه الأوصاف‪ ،‬فقال تعالي ‪َ {:‬يا َق ْو ِم إِ َّن َما َه ِذ ِه ا ْل َح َياةُ‬ ‫ال ُّد ْن َيا َم َتا ٌع} [غافر‪]39:‬‬ ‫ووصفها بأنها زينة ولهو يتفاخر فيها المتفاخرون ثم عما قريب تتًلشى‬ ‫وتذهب‪ ،‬وتبقى أعمال الناس وما كانوا عليه من صًلح أو فساد‪ ،‬وأما متاعها‬ ‫فإنه يذهب‪ ،‬سواء كان الإنسان يعمل الصالحات‪ ،‬يتمتع بالمباحات‪ ،‬أو يعمل‬ ‫الأمور السيئة‪.‬‬ ‫((وخير متاعها المرأة الصالحة)) ؛ إذا وفق الإنسان لامرأة صالحة في دينها‬ ‫وعقلها فهذا خير متاع الدنيا؛ لأنها تحفظه في سره وماله وولده‪.‬‬ ‫كما جاء مفسراا في الحديث الآخر‪ ،‬أن المرأة الصالحة هي‪ :‬التي إذا نظر إليها‬ ‫سرته‪ ،‬وإذا أمرها أطاعته‪ ،‬وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله‬

‫ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ((تنكح المرأة لأربع‪ :‬لمالها‪ ،‬وحسبها‪،‬‬ ‫وجمالها‪ ،‬ودينها‪ ،‬فاظفر بذات الدين تربت يداك)) ‪ ،‬يعني عليك بها‪ ،‬فإنها خير‬ ‫من يتزوجه الإنسان؛ فذات الدين وإن كانت غير جميلة الصورة‪ ،‬لكن يجملها‬ ‫خلقها ودينها‪ ،‬فاظفر بذات الدين تربت يداك‬ ‫فهذه هي أفضل متاع الدنيا‪ ،‬التي تكون بهذه المثابة‪ ،‬فإذا وجدت المرأة بهذه‬ ‫الأوصاف من الأخًلق الفاضلة‪ ،‬والمرأى الحسن‪ ،‬والديانة‪ ،‬والحفظ والصيانة‪،‬‬ ‫وحسن الرعاية في ماله وولده‪ ،‬فهذا هو الكمال‬

‫المقدمة‬ ‫باب حق الزوج على المرأة‬ ‫الحديث الحادي والثمانون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي هريرة رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪(( :‬إِ َذا‬ ‫َد َعا ال َّر ُجلُ ام َرأ َت ُه إِلَى ف َرا ِش ِه َفلَ ْم َتأ ِت ِه‪َ ،‬ف َبا َت َغ ْض َبا َن َعلَ ْي َها‪َ ،‬ل َع َن ْت َها ال َمًل ِئ َك ُة‬ ‫َح َّتى ُت ْصب َح))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه)‬ ‫وفي رواية لهما‪(( :‬إِ َذا َبا َتت ال َمرأ ُة َها ِج َر اة ِف َرا َش َز ْو ِج َها لَ َع َن ْت َها ال َمًلَ ِئ َك ُة‬ ‫َح َّتى ُت ْصب َح))‬ ‫وفي رواية َقالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪(( :‬والَّ ِذي َن ْف ِسي ب َي ِد ِه َما‬ ‫ِم ْن َر ُج ٍل َي ْد ُعو ا ْم َرأ َت ُه إِ َلى فِ َراش ِه َف َتأ َبى َعلَي ِه إلا َكا َن ا َّل ِذي في ال َّس َماء‬ ‫َساخ اطا َعلَ ْي َها َح َّتى َي ْر َضى َعنها))‬ ‫شرح الحديث‬ ‫قال‪(( :‬إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته؛ فبات غضبان عليها لعنتها‬ ‫المًلئكة حتى تصبح))‪ ،‬فقول النبي صلى الله عليه وسلم‪( :‬إذا دعا الرجل‬ ‫امرأته إلى فراشه) يعني‪ :‬المقصود إلى الجماع والمعاشرة‪ ،‬ولكن الشارع‬ ‫يك ِّني‪ ،‬ف ُيك َّنى بالفراش عن الجماع‪.‬‬ ‫قال‪( :‬فبات غضبان عليها)‪ ،‬هذا القيد معتبر‪ ،‬وهو مراد؛ لأنه إن لم يغضب‬ ‫عليها بمعنى أنه عذرها‪ ،‬أو سمحت نفسه وأعرضت عن ذلك فلم يغضب عليها‬ ‫فًل إشكال‪ ،‬بمعنى إذا رضي‪ ،‬إذا اعتذرت إليه فقبل عذرها‪.‬‬ ‫وقوله‪ (:‬لعنتها المًلئكة حتى تصبح) إذا دعاها فلم تأ ِت فبات‪ ،‬بهذين القيدين‪،‬‬ ‫بات غضبان عليها لعنتها المًلئكة حتى تصبح‪.‬‬

‫واللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله‪ ،‬ولعن المًلئكة يعني أنها تدعو على‬ ‫هذه المرأة باللعنة‪ ،‬أي الطرد والإبعاد عن رحمة الله‪.‬‬ ‫(لعنتها المًلئكة حتى تصبح)‪ :‬يعني‪ :‬ما لم تأته‪ ،‬قال‪ :‬وفي رواية لهما ‪-‬يعني‬ ‫للبخاري ومسلم‪( :‬إذا باتت المرأة هاجر اة فراش زوجها لعنتها المًلئكة‪)...‬‬ ‫لاحظوا في اللفظ الأول قال‪ :‬فبات غضبان وهنا قال‪ :‬إذا باتت المرأة والمبيت‬ ‫إنما يكون بالليل‪ ،‬فهل هذا مفهومه معتبر؟‪ ،‬بمعنى أنه لو دعاها بالنهار فلم‬ ‫تأته هل يتحقق هذا وهو أن تعلنها المًلئكة؟‬ ‫الجواب‪ :‬نعم‪ ،‬وإنما ذكر المبيت الذي يكون بالليل لأنه مظنة الجماع وطلب‬ ‫الرجل امرأته‪ ،‬بخًلف النهار‪ ،‬فإن ذلك لا يحصل في غالب أحوال الناس‪ ،‬فهذا‬ ‫يستوي فيه الليل والنهار‪.‬‬ ‫قال‪( :‬إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها المًلئكة حتى تصبح)‬ ‫ما قال‪ :‬فبات غضبان عليها‪ ،‬هاجرة فراش زوجها بمعنى أنها لم تجبه‪ ،‬ولم‬ ‫تمكنه من نفسها‪ ،‬وهجران فراش الزوج معناه أن هذا خارج عن إرادته‬ ‫ورغبته ورضاه لعنتها المًلئكة حتى تصبح‪.‬‬ ‫وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪( :‬والذي نفسي بيده ما من رجل‬ ‫يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه‪ ،‬إلا كان الذي في السماء ساخ اطا عليها‬ ‫حتى يرضى عنها) هنا ما ذكر المبيت مما يدل على المعنى الذي ذكرته وهو‬ ‫أنه يستوي في هذا الليل والنهار‪ ،‬ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى‬ ‫عليه‪ ،‬إلا كان الذي في السماء ساخطاا عليها‪.‬‬ ‫والذي في السماء هو الله ‪-‬تبارك وتعالى‪ ،‬كما قال الله تعالى‪{ :‬أَأَ ِمن ُتم َّمن ِفي‬ ‫ال َّس َماء أَن َي ْخ ِس َف ِب ُك ُم الأَ ْر َض َفإِ َذا ِه َي َت ُمو ُر} [الملك‪]16:‬‬ ‫أي إنها اذا رفضت طلب زوجها فإن الله تعالى يغضب عليها حتى يرضى عنها‬ ‫الزوج‪ ،‬وهذا أشد من الأول‪ ،‬لأن الله سبحانه وتعالى إذا سخط؛ فإن سخطه‬ ‫أعظم من لعنة الإنسان‬

‫وأيضاا قال في الحديث‪(( :‬إلا كان الذي في السماء ساخطاا عليها حتى يرضى‬ ‫عنها)) أي الزوج‪ ،‬وهناك قال‪(( :‬حتى تصبح))‪ ،‬أما هنا فع ّلقه برضى الزوج‪،‬‬ ‫وهذا قد يكون أقل‪ ،‬وقد يكون أكثر يعني‪ :‬ربما يرضى الزوج عنها قبل طلوع‬ ‫الفجر‪ ،‬وربما لا يرضى إلا بعد يوم أو يومين‪ ،‬المهم ما دام الزوج ساخطاا‬ ‫عليها فالله عز وجل ساخط عليها‪.‬‬ ‫وفي هذا دليل على عظم حق الزوج على زوجته‪ ،‬ولكن هذا في حق الزوج‬ ‫القائم بحق الزوجة‪ ،‬أما إذا نشز ولم يقم بحقها؛ فلها الحق أن تقتص منه وألا‬ ‫تعطيه حقه كامً ال؛ لقول الله تعالى‪َ ( :‬ف َم ِن ا ْع َت َدى َعلَ ْي ُك ْم َفا ْع َت ُدوا َعلَ ْي ِه ِب ِم ْث ِل َما‬ ‫ا ْع َت َدى َعلَ ْي ُك ْم) [البقرة‪ ]19٤ :‬ولقوله تعالى‪َ ( :‬وإِ ْن َعا َق ْب ُت ْم َف َعا ِق ُبوا ِب ِم ْث ِل َما‬ ‫ُعوقِ ْب ُت ْم بِ ِه) [النحل‪.]126 :‬‬ ‫لكن إذا كان الزوج مستقيماا قائماا بحقها فنشزت هي ومنعته حقه؛ فهذا جزاؤها‬ ‫إذا دعاها إلى فراشه فأبت أن تأتي‪.‬‬ ‫والحاصل أن هذه الألفاظ التي وردت في هذا الحديث هي مطلقة‪ ،‬لكنها مقيدة‬ ‫بكونه قائماا بحقها‬

‫الحديث الثاني والثمانون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي هريرة رضي الله عنه أي اضا‪ :‬أ َّن رسول الله صلى الله عليه وسلم َقالَ‪:‬‬ ‫((لا َي ِحلُّ لا ْم َرأ ٍة أ ْن َت ُصو َم و َز ْو ُج َها َشاه ٌد إلا بإ ْذ ِن ِه‪َ ،‬ولا َتأ َذ َن في َب ْي ِت ِه إلا ِبإذ ِن ِه))‬ ‫ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه وهذا لفظ البخاري‪.‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫((لا يحل لامرأة أن تصوم وزجها شاهد إلا بإذنه)) هذا من حقوق الزوج على‬ ‫زوجته‪ ،‬أنه لا يحل لها أن تصوم إلا بإذنه ما دام حاضراا في البلد‪ ،‬أما إذا كان‬ ‫غائباا؛ فلها أن تصوم ما شاءت‪.‬‬ ‫وظاهر الحديث أنها لا تصوم فرضاا ولا نفًلا إلا بإذنه‪ ،‬أما النفل فواضح أنها لا‬ ‫تصوم إلا بإذنه؛ لأن حق الزوج عليها واجب والنفل تطوع لا تأثم بتركه وحق‬ ‫الزوج تأثم بتركه‪.‬‬ ‫أما صيام الفرض فإن كان قد بقي من السنة مدة أكثر مما يجب عليها‪ ،‬فًل يحل‬ ‫لها أن تصوم إلا بإذن زوجها إذا كان شاهداا‪.‬‬ ‫يعني مثًلا عليها عشرة أيام من رمضان‪ ،‬وهي الآن في رجب‪ ،‬وقالت‪ :‬أريد أن‬ ‫أصوم القضاء‪ ،‬نقول‪ :‬لا تصومي القضاء إلا بإذن الزوج؛ لأن معك سعة من‬ ‫الوقت‪.‬‬ ‫أما إذا كان بقي في شعبان عشرة أيام فلها أن تصوم إن لم يأذن؛ لأنه لا يحل‬ ‫للإنسان الذي عليه قضاء من رمضان أن يؤخر إلى رمضان الثاني‪ ،‬وحينئذ‬ ‫تكون فاعلة لشيء واجب فرض في الدين‪ ،‬وهذا لا يشترط فيه إذن الزوج‪،‬‬ ‫وطاعة الله مقدمة على طاعة الزوج‪.‬‬ ‫فصوم المرأة فيه تفصيل‪ :‬أما التطوع فًل يجوز إلا بإذن الزوج‪.‬‬

‫وأما الفرض فإن كان الوقت متسعاا‪ ،‬فإنه لا يجوز إلا بإذن الزوج‪ ،‬وإن كان لا‬ ‫يسع إلا مقدار ما عليها من الصوم‪ ،‬فإنه لا يشترط إذن الزوج‪ ،‬هذا إذا كان‬ ‫حاضراا‪ ،‬أما إذا كان غائباا فلها أن تصوم‪.‬‬ ‫وإذا علمت أن زوجها يأذن‪ ،‬وأنه لا يمانع من هذا‪ ،‬فهي لا تحتاج أن تستأذن‬ ‫في كل مرة‪ ،‬وإنما تصوم‪.‬‬ ‫على أنه لا يجوز للزوج أن يحرم زوجته الخير‪ ،‬إلا إذا كان هناك حاجة‪ ،‬وإلا‬ ‫فعليه أن يكون عوناا لها على طاعة الله‪ ،‬وعلى فعل الخير؛ لأنه يكون مأجوراا‬ ‫بذلك كما أنها مأجورة أيضاا على الخير‪.‬‬ ‫((ولا تأذن في بيته إلا بإذنه)) أما إدخال أحد بيته بغير إذنه فظاهر‪ .‬فًل يجوز‬ ‫أن تدخل أحداا بيته إلا بإذنه‪ ،‬لكن الإذن في إدخال البيت نوعان‪:‬‬ ‫‪ ‬الإذن الأول‪ :‬إذن العرف‪ :‬يعني جرى به العرف مثل دخول امرأة الجيران‬ ‫والقريبات والصاحبات والزميًلت وما أشبه ذلك‪ ،‬هذا جرى العرف به‪،‬‬ ‫وأن الزوج يأذن به‪ ،‬فلها أن تدخل هؤلاء إلا إذا منع وقال‪ :‬لا تدخل عليك‬ ‫فًلنة‪ ،‬فهنا يجب المنع‪ ،‬ويجب أن لا تدخل‪.‬‬ ‫‪ ‬والإذن الثاني‪ :‬إذن لفظي‪ ،‬بأن يقول لها‪ :‬أدخلي من شئتي ولا حرج عليك‬ ‫إلا من رأيتي منه مضرة فًل تدخليه‪ ،‬فيتقيد الأمر بإذنه‬ ‫(ولا تأذن في بيته إلا بإذنه)‪ ،‬لأنه سلطان في بيته‪ ،‬ولا يجوز أن يدخل بيته أحد‬ ‫لا يرتضيه‪ ،‬لا امرأة ولا رجل‪ ،‬لا من المحارم ولا من غير المحارم‪ ،‬وهذا من‬ ‫رعايتها لحق زوجها‪ ،‬فالمرأة راعية في بيتها وهي مسئولة عن رعيتها‪.‬‬

‫الحديث الثالث والثمانون بعد المائتين‬ ‫عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪(( :‬كلكم‬ ‫َبيتِ ِه‪،‬‬ ‫َع َلى أ ْه ِل‬ ‫َرا َ ٍوعا‪،‬ل َمَوْر ُكألُُّة ُك َْمرا َمِعيْس ٌةُؤوَع َللٌى َع َب ْْين َِتر َِعز َّيْوتِ ِهج‪:‬هاَواَول َأو ِمَليد ُِهر‪َ ،‬ر َفا ُكٍعلُّ‪ُ،‬ك ْمواَرلا َّر ٍع ُج‪،‬لَُو َُركالُّ ُكٍع ْم‬ ‫َع ْن‬ ‫َم ْس ُؤولٌ‬ ‫َر ِع َّيتِ ِه))‬ ‫‪ُ .‬م َّت َف ٌق َعلَي ِه‬ ‫شرح الحديث‬ ‫الراعي‪ :‬هو الحافظ المؤ َتمن الملتزم ( ُكلَّ ُكم را ٍع و ُكلَّ را ٍع َمسؤولٌ عن َرع َّي ِته)‬ ‫صًلح ما اؤتمن على حفظه‪ ،‬فهو مطلوب بالعدل فيه‪ ،‬والقيام بمصالحه في‬ ‫دينه ودنياه ومتعلقاته‪ ،‬ومسؤول هل قام بما يجب لرعيته أو لا؟ َفإ ْن وفى ما‬ ‫عليه ِمن ال ِّرعاي ِة َح َصلَ لَه ال َح ُّظ الأَو َف ُر وال َجزا ُء الأَك َب ُر‪ ،‬وإ ْن كا َن َغ ْي َر َذلِ َك‬ ‫طا َل َبه ُكلُّ أ َح ٍد ِمن َرع َّي ِته بِ َح ِّق ِه‪.‬‬ ‫والخطاب للأمة جميعاا يبين فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أن كل إنسان راع‬ ‫ومسؤول عن رعيته‪ .‬والراعي هو الذي يقوم على الشيء ويرعى مصالحة‬ ‫فيهيئها له‪ ،‬ويرعى مفاسده فيجنبه إياها‪ ،‬كراعي الغنم ينظر ويبحث عن المكان‬ ‫المربع حتى يذهب بالغنم إليه‪ ،‬وينظر في المكان المجدب فًل يتركها في هذا‬ ‫‪.‬المكان‬ ‫هكذا بنو آدم كل إنسان راع‪ ،‬وكل مسؤول عن رعيته‪ ،‬والرعاة تتنوع رعايتهم‬ ‫ما بين مسئولية كبيرة واسعة ومسئولية صغيرة محدودة‪.‬‬ ‫ولذلك قال ‪(:‬والأمير راع) فالأمير راع ومسؤول عن رعيته‪ .‬فالأمير والحاكم‬ ‫تكون مسئوليته كبيرة وواسعة‪ ،‬تشمل جميع أفراد الأمة وتشمل جميع شئون‬ ‫المجتمع‪ ،‬فعلَيه ِح ْف ُظ َرع َّيتِه فيما َت َع َّي َن عليه ِمن ِح ْف ِظ َشرائِ ِعهم وال َّذ ِّب عنها‬ ‫و َع َد ِم إ ْهما ِل ُحدو ِدهم و َت ْضيي ِع ُحقو ِقهم و َتر ِك ِحما َي ِتهم ِم َّم ْن جا َر عليهم‪،‬‬

‫و ُمجا َهد ُة َع ُد ِّوهم َفًل َيتص َّرف في ِهم إ َّلا بِإ ْذ ِن الل ِه و َرسو ِله ولا َيطلُ ُب أ ْج َره إ َّلا ِمن‬ ‫الل ِه‪ ،‬وهو َمسؤول عن َرع َّي ِته‪.‬‬ ‫(والرجل راع على أهل بيته)‬ ‫َفزوي َجالت َّنه َفقو ِة َغ ْيورُحهاس‪ِ -‬نراال ٍُمععباا ْل َشقيراِة ِم‪،‬‬ ‫أ ْهلِه‪-‬‬ ‫فال َّر ُجلُ في‬ ‫وهو َمسؤول عن َرع َّي ِته‪.‬‬ ‫بال َح ِّق‬ ‫عليهم‬ ‫فيكون الرجل مسئولا عن أهل بيته‪ ،‬تربية وتعليما وتهذيبا وتقويما؛ وتوفير ما‬ ‫يحتاجونه من سكن وطعام وشراب ولباس‪ ،‬كل ذلك في غير تقتير ولا إسراف‪،‬‬ ‫وليكن في بيته عينا راعية‪ ،‬وأذنا واعية‪ ،‬يتفقد الأمور‪ ،‬ويتحرى المصالح‪،‬‬ ‫ويقيم العدل في رعايا مملكته الصغيرة‪.‬‬ ‫(والمرأة راعية على بيت زوجها وولد) فتكون المرأة مسئولة في بيت زوجها‪،‬‬ ‫عن خدمة ورعاية زوجها‪ ،‬وتربية وإصًلح أبنائها‪ ،‬مع كونها حكيمة صبورة‬ ‫‪.‬مد ّبرة‪ ،‬وعلى المال قائمة راعية حافظة له من ّمية‬ ‫فما من إنسان إلا قد ُو ِكل إليه أمر يد ّبره ويرعاه‪ ،‬فكلنا را ٍع‪ ،‬وكلنا مطال ٌب‬ ‫بالإحسان فيما استرعاه‪ ،‬ومسئولٌ عنه أمام من لا تخفى عليه خافية‪ ،‬فإن قام‬ ‫بالواجب عليه لمن تحت يده كان أثر ذلك في الأمة عظيما‪ ،‬وثوابه جزيًل‪،‬‬ ‫وحسابه عند الله يسيرا‪ ،‬وإن ق ّصر في ال ّرعاية‪ ،‬وخان الأمانة‪ ،‬أض ّر بالأمة‪،‬‬ ‫‪.‬وع ّسر على نفسه الحساب‪ ،‬وأوجب لها المقت والعذاب‬ ‫وفي الحدي ِث‪ :‬أ َّن ُكلَّ أ َح ٍد َمسؤولٌ َع َّمن َت ْح َت َي ِده ِمن آ َدم ٍّي و َغي ِره‬ ‫َوفيه‪ُ :‬وجو ُب القيا ِم ِب َح ِّق ال َّرع َّي ِة وإ ْرشا ِد ِهم لِ َمصالِ ِحهم ال ِّدين َّي ِة وال ُّد ْن َيو َّي ِة‪،‬‬ ‫و َر ْد ِع ِهم ع َّما َي ُض ُّرهم في دي ِنهم و ُد ْنيا ُهم‪.‬‬

‫الحديث الرابع والثمانون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي علي َط ْلق بن علي رضي الله عنه أ َّن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫َقالَ‪(( :‬إِ َذا َد َعا ال َّر ُجلُ َز ْو َجت ُه ل َحا َج ِت ِه َف ْل َتأتِ ِه َوإ ْن َكا َن ْت َع َلى ال َّت ُنور))‬ ‫رواه الترمذي والنسائي‪َ ،‬وقالَ الترمذي‪َ ( :‬ح ِدي ٌث َح َس ٌن َصحي ٌح)‬ ‫وصححه الألباني (صحيح الترمذي)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫ح َّد َد الإسًل ُم واجبا ِت ال َّزوجي ِن و ُحقو َق كلِّ واح ٍد منهما‪ ،‬وح َّث كلَّ ط َر ٍف على أ ْن‬ ‫الأُسر ُة‬ ‫وتكو َن‬ ‫ال ُمجتم ِع‪،‬‬ ‫في‬ ‫العفا ُف وال َّصًل ُح‬ ‫ل َينت ِش َر‬ ‫عليه؛‬ ‫وما‬ ‫له‬ ‫ما‬ ‫يعلَ َم‬ ‫ُمتماسك اة ُمتحا َّب اة‪.‬‬ ‫فالواجب على الجميع التعاون على الخير‪ ،‬فالرجل يجب عليه أن ُيؤدي ح َّق‬ ‫زوجته‪ ،‬ويستوصي بها خي ارا‪ ،‬فعليه أن يؤدي ح َّقها‪ ،‬ولها رزقها‪ ،‬وكسوتها‪،‬‬ ‫وإحسان العشرة‪ ،‬وطيب الكًلم‪ ،‬وعدم الإيذاء بغير ح ٍّق‪.‬‬ ‫وعليها هي‪ :‬السمع والطاعة لزوجها‪ ،‬وعدم عصيانه في المعروف‪ ،‬فإ َّن ح َّق‬ ‫الزوج على الزوجة عظيم‪ ،‬فالواجب عليها أن تجتهد في ذلك‪،‬‬ ‫وفي هذا الحدي ِث يقولُ رسولُ الل ِه َصلَّى اللهُ عليه وسلَّ َم‪:‬‬ ‫\"إذا ال َّرجلُ دعا زوج َته لحاجتِه\" ِكناي ٌة عن الجما ِع‪.‬‬ ‫\"ف ْلتأ ِته\"‪ ،‬أي‪ :‬لِ ُت ِج ْب دعو َته‪.‬‬ ‫\"وإ ْن كانت على ال َّت ُّنو ِر\"‪ ،‬أي‪ :‬وإ ْن كان ْت َتخ ِب ُز على ال َّت ُّنو ِر‪ ،‬مع أ َّنه ُشغ ٍل‬ ‫ُيخ َب ُز‬ ‫وال َّت ُّنو ُر‪ :‬ال َموق ُد ا َّلذي‬ ‫ُيوتلفوَّر ُكغانمنتهمإلشىغو َلغياة ِربهشإ َّلاي ٍءبع َمد اننقمشضاائِغهل‪،‬‬ ‫شاغلٌ لا‬ ‫على‬ ‫البيت‪ ،‬فطاعته مقدمة‬ ‫فيه‪ ،‬أي‬ ‫مشاغل البيت‬

‫و َبهعفذاالِ َّرمضجانللٌاملا َّمت ِألحم‪ُّ -‬روا ِ َّلزٌرذأوَّلايال ُمُيهبداوال ِفاغ َلعِةخنْلب ْف ُزِح َْفسوِهظغإايلذاُفُرهرر‪-‬و ِغأ ِج َ‪،‬بس َهفولُيع َدما ِممنارلُأوُتِوقهقو‪،‬و ِعبِعاللف ََّيز ْيقوا ِلضجحيفرايحِماا‪،‬لجِّزَفتنتهاَل؛ ُف‬ ‫منها‪ .‬وهي مأمور ٌة أ َّلا تم َن َع ن ْف َسها عنه بحا ٍل من الأحوا ِل‪ ،‬إ َّلا إذا كان‬ ‫عندها ُعذ ٌر َشرع ٌّي‪.‬‬ ‫وفي الحدي ِث‪َ :‬بيا ُن ِع َظ ِم ح ِّق ال َّزو ِج على َزوجتِه‪ ،‬وتقدي ُم طا َعتِه على َمشا ِغلها‬ ‫‪.‬الأ ْخ َرى‬ ‫وفيه‪ :‬ال َّتأكي ُد على ِح ْف ِظ الفُرو ِج ِم َن الوقو ِع في ال َحرا ِم‪ِ ،‬ب َقضا ِء الوت ِر ِفي‬ ‫‪.‬الحًل ِل‬

‫الحديث الخامس والثمانون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪(( :‬لَ ْو ُك ْن ُت‬ ‫آ ِم ارا أ َح ادا أ ْن َي ْس ُج َد لأ َح ٍد لأ َم ْر ُت ال َمرأ َة أ ْن َت ْس ُج َد ل َزو ِج َها))‬ ‫رواه الترمذي‪َ ،‬وقالَ‪َ ( :‬ح ِدي ٌث َح َس ٌن َصحي ٌح)‬ ‫وصححه الألباني (صحيح سنن ابن ماجه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫وسبب هذا الحديث ما رواه أبو داود عن قيس بن سعد قال‪ :‬أتيت الحيرة‬ ‫فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم فقلت‪ :‬رسول الله أحق أ ْن يسجد له‪ .‬قال‪ :‬فأتيت‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم فقلت‪ :‬إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان‬ ‫لهم (رجل من كبارهم)‪ ،‬فأنت رسول الله أحق أن ُيسجد لك‪ ،‬قال‪(( :‬أرأيت لو‬ ‫مررت بقبري أكنت تسجد لي))‪ ،‬فقال‪ :‬لا‪ .‬قال‪(( :‬فًل تفعلوا‪ ،‬لو كنت آم ارا أح ادا‬ ‫أن يسجد لأح ٍد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها))‬ ‫السجود لا يكون إلا لله رب العالمين فقط‪ ،‬لا يجوز أن يسجد لأحد‪ ،‬لا لحي ولا‬ ‫ميت‪ ،‬فهو عبادة مختصة بالله ‪-‬تبارك وتعالى؛ لأن السجود هو غاية الخضوع‬ ‫والتذلل‪ ،‬أشرف شيء في الإنسان وهو وجهه يضعه في الأرض موضع‬ ‫الأقدام‪ ،‬ويقول‪ :‬سبحان ربي الأعلى‪.‬‬ ‫فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول‪( :‬لو كنت آمراا أحداا أن يسجد لأحد لأمرت‬ ‫المرأة أن تسجد لزوجها) فهذا يدل على عظم حق الزوج وأنه من أعظم‬ ‫الحقوق‪ ،‬لكن في الوقت نفسه لا يجوز للزوج أن يتخذ ذلك سوطاا يضرب به‬ ‫المرأة‪ ،‬ويض ّيع حقوقها‪ ،‬ويتسلط عليها‪ ،‬وإذا حصل منها تقصير ذكر لها هذه‬ ‫الأحاديث‪.‬‬ ‫ينبغي أن يعرف أنها إنسان‪ ،‬وأن لها حقوقاا أيضاا‪ ،‬هل أدى هو حقوقها أو لا؟‬ ‫فكما أن الإنسان يطالب بحقوقه‪ ،‬ويتذكر حقوقه جيد اا‪ ،‬إذا رأى منها تقصيراا‬ ‫ينبغي أن ينظر إلى تقصيره هو‪.‬‬

‫والكريم هو الذي لا يظلم المرأة ولا يسيء إليها‪ ،‬يعاشرها بالمعروف‪ ،‬فإن كره‬ ‫منها خلقاا رضي آخر‪ ،‬فهذا كله ع ّل َمناها الشارع من أجل أن نكون على درجة‬ ‫رفيعة في التعامل والأخًلق‪ ،‬وكريم الخصال‪.‬‬ ‫ولا يدل هذا الحديث على أن المرأة تسجد لزوجها؛ بل ذلك حرام عليها إن‬ ‫فعلته على وجه الاحترام‪ ،‬وكفر إن فعلته بقصد التعظيم كتعظيم الله‪ ،‬وإنما يفيد‬ ‫الحديث وجوب طاعة المرأة لزوجها واحترامها له‪.‬‬ ‫‪ ‬هل هذا الحديث على عمومه أم لا؟‬ ‫الجواب‪ :‬هو على عمومه في كل زوج فعل ما عليه من الحقوق تجاه زوجته‬ ‫من نفقة وسكنى ومعاشرة بالمعروف‪ ،‬أما إن كان الزوج قد فرط في ذلك أو في‬ ‫بعضه فإنه لا يستحق تلك الطاعة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وآله‬ ‫وسلم‪ ،‬بل لها أن تخرج من بيته لبيت أهلها أو المحكمة للمطالبة بحقها‬ ‫والمطالبة بإنصافها‪ ،‬ولكن إذا تنازلت المرأة عن حق النفقة أو السكنى أو‬ ‫المبيت فليس لها أن تمتنع عن طاعته بحجة عدم قيامه بما عليه من واجبات؛‬ ‫إذ من حقها أن تطالبه بحقها‪ ،‬فإذا أسقطت حقها أو سكتت عنه لم يكن لها أن‬ ‫تفرط في حقه عليها‬

‫الحديث السادس والثمانون بعد المائتين‬ ‫عن أم َس َل َمة رضي الله عنها‪َ ،‬قا َل ْت‪َ :‬قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‪(( :‬أ ُّي َما‬ ‫ا ْم َرأ ٍة َما َت ْت‪َ ،‬و َز ْو ُج َها َع ْن َها َرا ٍض َد َخ َل ِت ال َج َّن َة))‬ ‫رواه الترمذي‪َ ،‬وقالَ‪َ ( :‬ح ِدي ٌث َح َس ٌن)‬ ‫قال العًلمة الألباني رحمه الله في \" السلسلة الضعيفة والموضوعة\" حديث‬ ‫رقم ‪ 1٤26‬قال عنه‪( :‬وبالجملة فالحديث منكر لا يصح لجهالة الأم والولد)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫الحديث المذكور قال عنه الترمذي‪ :‬حديث حسن غريب‬ ‫وقال الحاكم في المستدرك على الصحيحين‪ :‬هذا حديث صحيح الإسناد ولم‬ ‫يخرجاه‪ .‬ووافقه الذهبي في التلخيص‬ ‫وقد ضعفه الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة برقم ‪ .1٤26‬وعلى فرض‬ ‫ضعفه فهو في فضائل الأعمال أي في بيان أجر مترتب على عمل دلت عليه‬ ‫نصوص صحيحة فيرجى حصول الثواب الوارد المذكور فيه‪.‬‬ ‫وفي الكتاب والسنة أدلة كثيرة على عظم حق الزوج على زوجته‪ ،‬منها قوله‬ ‫تعالى‪َ { :‬فال َّصا ِل َحا ُت َقانِ َتا ٌت َحافِ َظا ٌت ِّل ْل َغ ْي ِب بِ َما َح ِف َظ ال ّلهُ‪[ }.‬النساء‪]3٤:‬‬ ‫قال القرطبي‪ :‬هذا كله خبر‪ ،‬ومقصوده الأمر بطاعة الزوج والقيام بحقه في‬ ‫ماله وفي نفسها في حال غيبة الزوج‪ .‬اهـ (من الجامع لأحكام القرآن)‬ ‫ومنها قوله صلى الله عليه وسلم‪ \" :‬إذا صلت المرأة خمسها‪ ،‬وحصنت فرجها‪،‬‬ ‫وأطاعت بعلها‪ .‬دخلت من أي أبواب الجنة شاءت‪\".‬‬ ‫رواه ابن حبان في صحيحه‪ .‬وصححه الألباني‬ ‫والله أعلم‪.‬‬

‫الحديث السابع والثمانون بعد المائتين‬ ‫عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪(( :‬لا ُت ْؤ ِذي‬ ‫ا ْم َرأةٌ َز ْو َج َها في ال ُّد ْن َيا إلا َقا َل ْت َز ْو َج ُت ُه ِم َن ال ُحو ِر ال ِعي ِن لا ُتؤ ِذي ِه َقا َتل ِك اللهُ !‬ ‫َفإِ َّن َما ُه َو ِع ْن َد ِك َد ِخيلٌ ُيو ِش ُك أ ْن ُي َفا ِر َق ِك إِ َل ْي َنا))‬ ‫رواه الترمذي‪َ ،‬وقالَ‪َ ( :‬ح ِدي ٌث َح َس ٌن)‪.‬‬ ‫(صححه الألباني)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫كان النب ُّي ص ّلَى الله عليه وس ّلَم دائ اما ما ُيح ِّذ ُر ال ِّنسا َء ِم ْن إغضابِ ِه َّن لأزو ِج ِه َّن‬ ‫بما َل ُه َّن في الآ ِخر ِة ِم ْن عقا ٍب على ُكفرا ِن ِه َّن للعشي ِر‪ ،‬أو َل ْع ِن المًلئك ِة لعاصي ِة‬ ‫َز ْو ِجها‪ ،‬وما لل َّر ُج ِل في ال َج َّن ِة ِم َن ال ُحو ِر ال ِعي ِن‪.‬‬ ‫وفي هذا ال َحدي ِث يقولُ ال َّنب ُّي صلَّى اللهُ ع َليه وس ّلَم‪:‬‬ ‫\"لا ُتؤ ِذي امرأةٌ َزو َجها في ال ُّدنيا\"‬ ‫أي‪ :‬تتس َّب ُب أو ُتصي ُب زو َجها المؤم َن بش ٍّر‪ ،‬بقو ٍل أو فع ٍل َينهى عنه ال َّشر ُع‪.‬‬ ‫اهليُحوو ِار اسلعِع ُةي ِانل َ\"ع ْ‪،‬ي ِنوال َح ْورا ُء‬ ‫الج َّن ِة‪ ،‬وهي \" ِمن‬ ‫أي‪ِ :‬من أه ِل‬ ‫قالت زوج ُته\"‪،‬‬ ‫\"إ َّلا‬ ‫وال ِعي ُن‪ -‬بال َكس ِر‪-‬‬ ‫بيا ِض ال َع ْي ِن‪،‬‬ ‫هي شديد ُة‬ ‫\"لا ُتؤذيه‪ُ ،‬تقا َتس َلت ِكخ َدالُملهُع\"لأىيا‪:‬للِّعساا َد ِان ِكولأاو ُيقرَتا َل ُد ِك َحأقويقل َُةع َنمِكع‪،‬ناوهاه‪.‬ي غال ابا كلم ٌة‬ ‫\"فإ َّنما هو عن َد ِك دخيلٌ\" ( َفإِ َّن َما ُه َو) أَ ْي ال َّز ْو ُج ( ِع ْن َد َك َد ِخيلٌ) أَ ْي ضي ٌف غري ٌب‬ ‫َنزيلٌ عن َد ِك؛ َي ْع ِني‪ُ :‬ه َو َكال َّض ْي ِف َع َل ْي َك‪َ ،‬وأَ ْن ِت َل ْس ِت ِبأَ ْه ٍل َل ُه َحقِي َق اة‪َ ،‬وإِ َّن َما َن ْح ُن‬ ‫أَ ْهلُ ُه‪َ ،‬ف ُي َفا ِرقُ َك َو َي ْل َح ُق ِب َنا‬

‫وعبرت(بالدخيل) لأن مدة المقام بالدنيا وإن طالت فهي يسيرة بالنظر إلى‬ ‫الآخرة التي لا أَ َمد لها‪.‬‬ ‫\" ُيو ِش ُك أن يفا ِر َق ِك إلينا\"‪ ،‬أي‪ :‬قري ابا يتر ُك ِك ويد ُخلُ الج َّن َة فيكو ُن معنا‪َ ،‬وا ِص اًل‬ ‫إِلَ ْي َنا‪.‬‬ ‫وفي الحدي ِث‪ :‬ال َّترهي ُب ال َّشدي ُد ِم ْن إيذا ِء ال َّزوج ِة ل َز ْوجها‪.‬‬ ‫وفيه‪َ :‬دلال ٌة على أ َّن ال َم َلأ الأعلى َي َّطلِعو َن على أعما ِل أَ ْه ِل ال ُّدنيا‪.‬‬ ‫وفيه‪َ :‬غير ُة ال ُحو ِر ال ِعي ِن على أ ْزوا ِج ِه َّن في ال ُّدنيا‪.‬‬

‫الحديث الثامن والثمانون بعد المائتين‬ ‫عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪َ (( :‬ما‬ ‫َت َر ْك ُت َب ْع ِدي فِ ْت َن اة ِه َي أ َض ُّر َعلَى ال ِّر َجا ِل ِم َن ال ِّنساء))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫((ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء)) والمعنى أن النبي‬ ‫صلى الله عليه وسلم يخبر بأنه ما ترك فتنة أضر على الرجال من النساء‪،‬‬ ‫اال ْلن ُام َق ْنس َط َكر ِةما ِمقاَنلالت َّذعاَهل ِبى‪َ :‬وا( ْل ُزِف ِّي َ َّنض ِةلِل ََّنواا ْل َِسخ ْي ُِلح اُّبْل ُمال َس ََّّشو َهَم َوِةا َ ِوتا ْل ِأَم ْن َ َنعااِمل ِّن َو َسا ْلا َِءح ْرَوا ِثْل َب) ِني[آَنل‬ ‫عمران‪]1٤ :‬‬ ‫وذلك أن‬ ‫َوا ْل َق َنا ِطي ِر‬ ‫كل هذه مما زين للناس في دنياهم‪ ،‬وصار سبباا لفتنتهم فيها‪ ،‬لكن أشدها فتنة‬ ‫النساء‪ ،‬ولهذا بدأ الله بها فقال ‪ُ ( :‬ز ِّي َن لِل َّنا ِس ُح ُّب ال َّش َه َوا ِت ِم َن ال ِّن َسا ِء) [آل‬ ‫عمران‪ ]1٤ :‬فجعله َّن من ح ِّب الشهوات ‪ ،‬وب َدأَ به َّن إشارة إلى أ َّنه َّن الأصل‬ ‫في ذلك‪.‬‬ ‫وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بذلك يريد به الحذر من فتنة النساء‪ ،‬وأن‬ ‫يكون الناس منها على حذر؛ لأن الإنسان بشر إذا عرضت عليه الفتن‪ ،‬فإنه‬ ‫يخشى عليه منها‪.‬‬ ‫ويستفاد منه سد كل طريق يوجب الفتنة بالمرأة‪ ،‬فكل طريق يوجب الفتنة‬ ‫بالمرأة؛ فإن الواجب على المسلمين سده‪ ،‬ولذلك وجب على المرأة أن تحتجب‬ ‫عن الرجال الأجانب‪ ،‬ويجب عليها كذلك أن تبتعد عن الاختًلط بالرجال؛ لأن‬ ‫الاختًلط بالرجال فتنة وسبب للشر من الجانبين‪ ،‬من جانب الرجال ومن جانب‬ ‫النساء‪.‬‬

‫ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم‪(( :‬خير صفوف الرجال أولها‬ ‫وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها)) وما ذلك إلا‬ ‫من أجل بعد المرأة عن الرجال‪ ،‬فكلما بعدت فهو خير وأفضل‪.‬‬ ‫وفي الحديث‪ :‬دليل على أن الافتتان بالنساء أشد من سائر الشهوات‪ ،‬لعدم‬ ‫الاستغناء عنهن‪ ،‬وقد يحمل حبهن على تعاطي ما لا يحل للرجل وترك ما ينفعه‬ ‫في أمور دينه ودنياه‪.‬‬

‫المقدمة‬ ‫باب النفقة على العيال‬ ‫الحديث التاسع والثمانون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي هريرة رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫(( ِدي َنا ٌر أ ْن َف ْق َت ُه في َسبي ِل اللهِ‪َ ،‬و ِدينار أَ ْن َف ْق َت ُه ِفي َر َق َب ٍة‪َ ،‬و ِدينا ٌر َت َص َّد ْق َت بِ ِه َعلَى‬ ‫ِم ْس ِكي ٍن‪َ ،‬و ِدي َنا ٌر أ ْن َف ْق َت ُه َع َلى أ ْه ِل َك‪ ،‬أ ْع َظ ُم َها أ ْج ارا ا َّل ِذي أَ ْن َف ْق َت ُه َع َلى أ ْه ِل َك))‬ ‫رواه مسلم‬ ‫شرح الحديث‬ ‫\"دينا ٌر أنفق َته في سبيل الله\" هذه لك‪ ،‬تصدقت به‪.‬‬ ‫\"ودينار أنفقته في رقبة\" أي‪ :‬تعتق رقبة‪ ،‬أو تساعد هذا الإنسان الذي كاتب‬ ‫غيره من أجل أن يعتق‪ ،‬تعطيه بعض الأقساط‪.‬‬ ‫\" ودينار تصدقت به على مسكين\"‪ ،‬هذا الثالث‪.‬‬ ‫\"ودينار أنفقته على أهلك\"‪ ،‬هذا الرابع‪ ،‬قال‪ :‬أعظمها أجراا الذي أنفقته على‬ ‫أهلك‪.‬‬ ‫وهذه نفقة واجبة أصًل ومع ذلك يؤجر الإنسان عليها‪ ،‬ولهذا نحن بحاجة إلى‬ ‫الاحتساب‪ ،‬احتساب الأجر عند الله‪.‬‬ ‫هذا الحديث يدل على فضيلة الإنفاق على الأهل‪ ،‬وأنه أفضل من الإنفاق في‬ ‫سبيل الله‪ ،‬وأفضل من الإنفاق في الرقاب‪ ،‬وأفضل من الإنفاق على المساكين؛‬ ‫وذلك لأن الأهل ممن ألزمك الله بهم‪ ،‬وأوجب عليك نفقتهم‪ ،‬فالإنفاق عليهم‬ ‫فرض عين‪ ،‬والإنفاق على من سواهم فرض كفاية‪ ،‬وفرض العين أفضل من‬ ‫فرض الكفاية‪.‬‬

‫وقد يكون الإنفاق على من سواهم على وجه التطوع‪ ،‬والفرض أفضل من‬ ‫التطوع؛ لقوله تعالى في الحديث القدسي‪(( :‬ما تقرب إل ّي عبدي بشيء أحب‬ ‫إل ّي مما افترضته عليه))‪.‬‬ ‫لكن الشيطان يرغب الإنسان في التطوع ويقلل رغبته في الواجب‪ ،‬فتجده مثًلا‬ ‫يحرص على الصدقة ويدع الواجب‪ ،‬يتصدق على مسكين أو ما أشبه ذلك ويدع‬ ‫الواجب لأهله‪ ،‬يتصدق على مسكين أو نحوه ويدع الواجب لنفسه؛ كقضاء‬ ‫الدين مثًلا‪ ،‬تجده مديناا يطالبه صاحب الدين بدينه وهو لا يوفي‪ ،‬ويذهب‬ ‫يتصدق على المساكين‪ ،‬وهذا خًلف الشرع وخًلف الحكمة‪ ،‬فهو سفه في‬ ‫العقل وضًلل في الشرع‪.‬‬ ‫والواجب على المسلم أن يبدأ بالواجب الذي هو محتم عليه‪ ،‬ثم بعد ذلك ما أراد‬ ‫من التطوع بشرط ألا تكون مسرفاا ولا مقطر اا‪ ،‬فتخرج عن سبيل الاعتدال؛‬ ‫لقول الله تعالى في وصف عباد الرحمن‪َ ( :‬وا ّلَ ِذي َن إِ َذا أَ ْن َف ُقوا َل ْم ُي ْس ِر ُفوا َولَ ْم‬ ‫َي ْق ُت ُروا َو َكا َن َب ْي َن َذلِ َك َق َواماا) [الفرقان‪.]67 :‬‬ ‫وليس معنى هذا أن الإنسان لا ينفق على الفقراء‪ ،‬لا ينفق في سبيل الله‪ ،‬لا‪ ،‬إن‬ ‫كان هناك فضلة وزيادة فأنفق‪ ،‬أع ِط الفقير‪ ،‬وأع ِط ذوي الرحم‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬ ‫هذا الحديث يدل على أنه يجب على الإنسان أن ينفق على من عليه نفقته‪ ،‬وأن‬ ‫إنفاقه على من عليه نفقته أفضل من الإنفاق على الغير‪.‬‬

‫الحديث التسعون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي عبد الله‪ ،‬و ُيقالُ َل ُه‪ :‬أَبو عبد الرحمن َثو َبان بن ُب ْج ُدد َم ْولَى رسول الله‬ ‫صلى الله عليه وسلم َقالَ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪(( :‬أ ْف َضلُ ِدي َنا ٍر‬ ‫ُي ْنف ُق ُه ال َّر ُجلُ‪ِ :‬دي َنا ٌر ُي ْنفِقُ ُه َعلَى ِع َيالِ ِه‪َ ،‬ودي َنا ٌر ُي ْنفقُ ُه َع َلى َدا َّب ِت ِه في َسبي ِل الله‪،‬‬ ‫َو ِدينا ٌر ُي ْنف ُق ُه َع َلى أ ْص َحاب ِه في َسبي ِل الل ِه))‬ ‫رواه مسلم‪.‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫الإنفا ُق في َسبي ِل الل ِه ِمن َأفض ِل ُوجو ِه الب ِّر‪ ،‬ولِهذا الإنفا ِق ُوجو ٌه َكثيرةٌ ُتق َّد ُر‬ ‫ب َق ْد ِرها و ُيفا َضلُ َبي َنها ب َح َس ِب الحا ِل وال ُّظرو ِف‪.‬‬ ‫أَبوا ِب‬ ‫َهفذقاالال‪َ :‬ح\"دأَيف ِثض ُيلبُ ِّيد ُنيناال ٍ َّرنب\"ثُّ‪،‬يوأا اباصيلَّ‪:‬إىذأَافالأَلنهضُفلَُقعهِلدييانلِهامٍرور ُءَسع‪ّ.‬لَلمى الص ُعوماراو ِم‪،‬وأَأبويا اب‪:‬اأَكمثنُر‬ ‫وفي‬ ‫ال َّدناني ِر‬ ‫الإِنفا ِق‬ ‫\"دينا ٌر ُينف ُقه َعلى ِعيالِه\"‪ ،‬أي‪ُ :‬ينف ُقه َعلى َمن َيعولُه و َتل َز ُمه ُمؤن ُته ِمن‬ ‫نح ِو َزوج ٍة َوول ٍد وخاد ٍم‪َ ،‬وهذا إذا َنوى ب ِه َوج َه الل ِه‪.‬‬ ‫و\" ِدينا ٌر ُينفقُه َعلى دا َّبته\"‪ ،‬أي‪ :‬دا َّب ٍة َمربوط ٍة‪.‬‬ ‫\"في َسبي ِل اللهِ\"‪َ ،‬يعني‪ُ :‬ين َف ُق َعلى ال َّدا َّب ِة ا َلّتي أَع َّدها لل َغز ِو عليها‪.‬‬ ‫يعني‪ :‬الجهاد‪ ،‬ومن أهل العلم من قال‪ :‬دينار ينفقه على دابته في سبيل الله‬ ‫يدخل فيه الجهاد وغيره مما يكون طاعة كالسفر للحج والعمرة وسائر‬ ‫الطاعات‪ ،‬ولا شك أن الإنسان يؤجر على هذا‪.‬‬ ‫و\" ِدينا ٌر ُينف ُقه َعلى أَصحابِه\"‪ ،‬أي‪ :‬حالَ َكو ِنهم ُمجاهدي َن ‪\" ،‬في َسبي ِل اللهِ\"‪،‬‬ ‫َيعني‪ُ :‬ينفِ ُق َعلى ِرفق ِته ال َغزا ِة‪.‬‬

‫وحمله بعض أهل العلم ‪-‬أيضاا‪ -‬على ما هو أوسع من ذلك‪ ،‬في سبيل الله‪،‬‬ ‫بعضهم قال‪ :‬في كل سفر طاعة‪ ،‬وبعضهم قال‪ :‬في سبيل الله أي‪ :‬أنه يبتغي‬ ‫بذلك وجه الله‪ ،‬فهو يحتسب هذه النفقة‪ ،‬فهذا احتمال‪.‬‬ ‫فقد بدأَ بالعيا ِل‪ ،‬يقول أَبو ِقًلب َة أحد رواه الحديث‪:‬‬ ‫َي\"أسوتأيطُّييأعَّنروأَجَفن ٍلالأَض َّتلَعك اظُّلس ُمَّن َفبأَق‪،‬جِة افر َتاوكَأ ِموولُنناهَرَاهذجههٍل َايُلي َّننافِفل َّنق ُقفُةقإَُةعلع َفعىال افاِىعيَلاال ُهٍِلعميا ِِلعصغناو ٍارل ُأس َيؤوعال ُّفاِلِدُهاماللَّنااللِّصهُ ِغساب ِِهروإِاولَّغُيذنغيان َانيء ِهلَلامه\"م‬ ‫ع ِن ال ِّذ َّل ِة وال َمهان ِة‬ ‫وفي الحدي ِث‪َ :‬تع ُّدد ُوجو ِه الإنفا ِق في الب ِّر وال َخي ِر وال َّصدق ِة‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬أ َّن ال َّنفق َة َعلى العيا ِل ِمن أَفض ِل ال َّنفقا ِت‪.‬‬ ‫إِعدا ِد‬ ‫ِمثلَ‬ ‫ال َّنفقا ِت‪،‬‬ ‫الل ِه ِمن أَعظ ِم‬ ‫في َسبي ِل‬ ‫َعلى ال ِجها ِد‬ ‫ال َّنفق َة‬ ‫أ َّن‬ ‫وفيه‪:‬‬ ‫لل ِجها ِد بح ٍّق‪.‬‬ ‫وال ِّرجا ِل‬ ‫الأَدوا ِت‬

‫الحديث الحادي والتسعون بعد المائتين‬ ‫عن أ ِّم َسل َمة َرضي الله عنها‪َ ،‬قا َل ْت‪ُ :‬ق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُسول الله‪َ ،‬هلْ لِي أج ٌر ِفي َبنِي‬ ‫أَبي َس َل َمة أ ْن أُ ْنفِ َق َعلَ ْي ِه ْم‪َ ،‬ولَ ْس ُت بِ َتا ِركته ْم ه َك َذا َوه َك َذا إ َّن َما ُه ْم َبنِ ّي؟ َف َقالَ‪:‬‬ ‫(( َن َع ْم‪َ ،‬ل ِك أَ ْج ُر َما أَ ْن َف ْق ِت َعلَ ْي ِه ْم))‬ ‫ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه‬ ‫شرح الحديث‬ ‫أم سلمة رضي الله عنها تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وقد تزوجت‬ ‫قبله أبا سلمة‪ ،‬وكان لها منه عيال‪ ،‬فلما تزوجت النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫تسأل تقول أنا أنفق عليهم‪ ،‬ولست بتاركتهم يذهبون هنا وهناك يبحثون عن‬ ‫شيء يقتاتون به‪ ،‬تقول‪ :‬هؤلاء إنما هم بن ّي‪ ،‬تقول‪ :‬هل لي أجر في هذه النفقة‬ ‫على أولادي من أبي سلمة ؟‬ ‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪« :‬نعم َل ِك َأ ْج ُر َما أَ ْن َف ْق ِت َعلَ ْي ِه ْم»‬ ‫وهم أولادها‪ ،‬وهذا لا شك أنه من أعظم إفضال الله علينا‪ ،‬الإنسان مجبول على‬ ‫رحمة الأولاد‪ ،‬وعلى محبتهم والحنو عليهم‪ ،‬ويجمع من أجلهم‪ ،‬ثم بعد ذلك‬ ‫يؤجر على هذا‬ ‫وفي الحدي ِث ‪ :‬أن النفقة على الأبناء رغم أنها واجبة على الإنسان إلا أنه‬ ‫يؤجر عليها‬

‫الحديث الثاني والتسعون بعد المائتين‬ ‫عن سعد بن أَبي وقاص رضي الله عنه في حديثه الطويل ا َلّ ِذي قدمناه في أول‬ ‫الكتاب في باب ال ِّن َي ِة‪ :‬أ َّن رسول الله صلى الله عليه وسلم َقالَ َل ُه‪(( :‬وإ َّن َك َل ْن‬ ‫ُت ْنفِ َق َن َف َق اة َت ْب َت ِغي ِب َها َو ْج َه الل ِه إلا أُ ِج ْر َت بِ َها َح َّتى َما َت ْج َعلُ في ف ِّي امرأتِك))‬ ‫ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه‪.‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫مما جاء في باب النفقة على العيال حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه‬ ‫في حديثه الطويل الذي قدمه المصنف ‪-‬رحمه الله‪ -‬في أول الكتاب في باب‬ ‫النية‪ ،‬وفيه‪:‬‬ ‫عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له‪\" :‬وإنك لن‬ ‫تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل في ف ِّي امرأتِك\"‬ ‫وذلك أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كما تقدم في أول الكتاب مرض في‬ ‫حجة الوداع مرضاا شديداا‪ ،‬أشرف معه على الهلكة‪ ،‬فظن أنه يموت في ذلك‬ ‫المرض ‪ ،‬وقال للنبي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أُخ َّلف بعد أصحابي؟‪ ،‬كانوا‬ ‫يكرهون أن يموت الرجل في أرضه التي هاجر منها‪ ،‬فالنبي صلى الله عليه‬ ‫وسلم بما أوحاه الله إليه أخبره حينما أراد أن يتصدق بماله ونهاه عن ذلك‪،‬‬ ‫وأنه عسى أن يعيش‪ ،‬وينتفع به أقوام و ُي َضر به آخرون‪ ،‬وهذا الذي حصل‬ ‫فكان قائداا في القادسية ‪.‬‬ ‫الشاهد أنه لما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق بكل ماله‪،‬‬ ‫نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا‪ ،‬وكان مما قال له‪\" :‬وإنك لن تنفق‬ ‫نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها\"‬

‫بمعنى أنه وسع له مفهوم النفقة‪ ،‬وذلك أن ما يبتغي به الإنسان وجه الله تعالى‬ ‫فإنه يؤجر عليه‪ ،‬ولو كان ذلك في أهله وعياله‪ ،‬ولا يشترط أن يكون ذلك في‬ ‫الفقراء‪.‬‬ ‫وقال له صلى الله عليه وسلم ‪ \":‬لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله\"‬ ‫فهنا صرح بالقصد والإرادة والنية‪ ،‬أن تكون نيته طلب مرضاة الله تعالى‬ ‫وقد جاءت بعض الأحاديث مقيدة‪ :‬تبتغي بها وجه الله‪ ،‬وبعض الأحاديث من‬ ‫غير قيد‪ ،‬مثل حديث أم سلمة رضي الله عنها السابق ‪ ،‬ولهذا يقال ‪-‬والله تعالى‬ ‫أعلم‪ :‬إن ما أنفقه الإنسان في هذه الوجوه يؤجر عليه‪ ،‬ولو لم يكن بذلك نية‬ ‫إرادة ما عند الله ؛ لأن ظاهر هذه الأحاديث يدل على هذا المعنى‪ ،‬وإذا قصد به‬ ‫ما عند الله فهذا أكمل وأتم‪ ،‬وإلا فالإنسان يؤجر‬ ‫ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ \":‬وفي بضع أحدكم صدقة\" ‪ ،‬فسألوه‬ ‫قالوا‪ :‬أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر؟‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪\":‬‬ ‫أرأيتم لو وضعها في حرام أما يكون عليه وزر؟\" فلم يذكر إرادة وجه الله‬ ‫وهنا قال صلى الله عليه وسلم ‪\" :‬حتى ما تجعل في ف ِّي امرأ ِتك\" يعني في‬ ‫فمها‪ ،‬تؤجر عليه‬

‫الحديث الثالث والتسعون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي مسعود البدري رضي الله عنه عن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪:‬‬ ‫((إِ َذا أ ْن َف َق ال َّر ُجلُ َع َلى أَ ْهلِ ِه َن َف َق اة َي ْح َت ِس ُب َها َف ِه َي لَ ُه َص َد َق ٌة))‬ ‫ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه‬ ‫شرح الحديث‬ ‫فهذا الحديث كالذي قبله في الح ِّث على النفقة‪ ،‬ولا س َّيما على الأهل؛ لأ َّن‬ ‫نفقتهم واجب ٌة‪ ،‬يعني‪ :‬الزوجة والأولاد القاصرين و َمن يقوم بنفقته وحسابه‪،‬‬ ‫فالواجب أن يبدأ بهم قبل غيرهم‪ ،‬كما في الحديث الصحيح‪ \" :‬ابدأ بمن تعول\"‬ ‫و في هذا الحدي ِث َيروي أبو مسعو ٍد الأنصار ُّي رضي الله عنه أ َّن ال َّنب َّي صلَّى‬ ‫اللهُ عليه وس َّلم قال‪\" :‬إذا أن َفق ال َّر ُجلُ على أهلِه\"‬ ‫أي‪ :‬إذا َص َرف ال َّرجلُل ما َله على أهلِه الَّذين ي ُعولُهم‪ ،‬وتج ُب عليه نفق ُتهم‪ِ ،‬من‬ ‫زوج ٍة وأولا ٍد وغي ِرهم ِمن أقار ِبه‬ ‫\"يحت ِس ُبها\"‪ ،‬أي‪ :‬يري ُد بتلك ال َّنفق ِة وج َه اللهِ وابتغا َء َمرضا ِته‬ ‫\"فهي له صدق ٌة\"‪ ،‬أي‪ :‬فإ َّن ذلك الإنفا َق ُيحت َس ُب له عند اللهِ ع َم اًل صال احا‪،‬‬ ‫وحسن اة ُيثا ُب عليها ثوا َب ال َّصدق ِة‬ ‫فإ َّن الرجل إذا أنفق النفقة على أهله يحتسبها كتبها الله له صدقة يعني‪ :‬مع‬ ‫أجر أداء الواجب يكتب له صدقة‪ ،‬هذه زيادة مع كونه أ َّدى الواجب‪ ،‬ف ُي ْؤ َجر‬ ‫على أداء الواجب‪ ،‬ويؤجر على نيته الطيبة‪ ،‬فإذا أنفق يحتسب ما عند الله من‬ ‫المثوبة‪ ،‬وأن الله جل وعًل أوجب عليه العناية بأهله والإنفاق عليهم‪ ،‬ويحتسب‬ ‫ذلك طاع اة لله‪ ،‬والتما اسا لمرضاته؛ فيكتب الله له بذلك صدق اة مع أجر الواجب‪،‬‬ ‫وهذا فيه فضلٌ عظي ٌم‬

‫فينبغي للمؤمن أن يًلحظ ذلك‪ ،‬وأن يكون عنده احتساب في صدقاته‪ ،‬وفي‬ ‫إنفاقه على أهله‪ ،‬يرجو ما عند الله من المثوبة‪ ،‬فصدقته على أهله يحتسبها‬ ‫ُتحسب له صدقة مع أجر أدائه الواجب‪.‬‬ ‫وفي الحدي ِث ‪ :‬الترغي ُب في ال ِّن َّي ِة ال َّصالح ِة في جمي ِع الأعما ِل‪.‬‬

‫الحديث الرابع والتسعون بعد المائتين‬ ‫عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما‪َ ،‬قالَ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى‬ ‫الله عليه وسلم‪َ (( :‬ك َفى ِبال َم ْر ِء إ ْث اما أ ْن ُي َض ِّي َع َم ْن َي ُقو ُت))‬ ‫حديث صحيح رواه أَ ُبو داود وغيره‪(.‬صححه الألباني)‬ ‫ورواه مسلم في صحيحه بمعناه‪َ ،‬قالَ‪َ (( :‬ك َفى بِال َم ْر ِء إ ْث اما أ ْن ي ْحبِ َس َع َّم ْن َي ْملِ ُك‬ ‫ُقو َت ُه))‬ ‫شرح الحديث‬ ‫الإنفا ُق في َسبي ِل اللهِ ِمن أَفض ِل ُوجو ِه ال ِب ِّر‪ ،‬و ِلهذا الإنفا ِق ُوجوهٌ كثير ٌة ُتق َّد ُر‬ ‫ب َق ْد ِرها و ُيفا َضلُ َبي َنها ب َح َس ِب الحا ِل وال ُّظرو ِف‪ ،‬ومن أف َض ِل ال َّنفقا ِت ال َّنفق ُة على‬ ‫العيا ِل والأق َربين كما أ َّن تضيي َعهم فيه إث ٌم عظي ٌم‪.‬‬ ‫وقوله‪ \":‬كفى بالمرء إثماا\" أي‪ :‬لو لم يكن له من الإثم إلا هذا لكان ذلك كافياا‬ ‫لعظمه‪ ،‬يكفيه هذا الذنب العظيم‪ ،‬كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪\" :‬كفى‬ ‫بالمرء كذباا أن يحدث بكل ما سمع\" أي‪ :‬يكفيه هذا في الكذب أن يحدث بكل ما‬ ‫سمع‪ ،‬مما يدل على شدته وعظمته‪.‬‬ ‫وقوله‪ \" :‬أن يض ّيع من يقوت\" أي من تلزمه نفقته من أهله وعياله وخدمه‬ ‫وفي روايه مسلم ‪ ( :‬أن يحبس عمن يملك قوته) أن يحبس القوت عمن‬ ‫استرعاه الله تعالى إياهم‪ ،‬كالولد والزوجة والخادم‪ ،‬وما إلى ذلك‬ ‫أي أنه يهملهم يتركهم‪ ،‬لا ينفق عليهم‪ ،‬ولا يتعاهدهم بالنفقة والرعاية لأي‬ ‫سبب من الأسباب‪ ،‬إما لغيابه عنهم‪ ،‬أو لقلة اكتراثه بهم‪ ،‬وهو معهم‪ ،‬فهو لا‬ ‫ينفق عليهم لبخله مثًلا‪ ،‬ولعدم مبالاته‪.‬‬

‫وفي هذا التهديد والوعيد على من ضيع عمن يملك قوته‪ ،‬فهو آثم إذا ضيع‬ ‫من يلزمه قوته‪ ،‬وفي هذا دليل على وجوب رعاية من ألزمك الله بالإنفاق عليه‬ ‫وال ُمرا ُد‪ :‬أ َّن الإنسا َن لا يتص َّد ُق بما لا فضلَ فيه عن نفق ِة وقو ِت أه ِله طال ابا‬ ‫للأج ِر‪ ،‬فالأ ْولى والأو َج ُب نفق ُتهم‪ ،‬فإن َف َضلَ ِمن الما ِل كان ِت ال َّصدق ُة على‬ ‫غي ِر ِهم‪ ،‬ويد ُخلُ فيه‪ :‬الذي يت ُر ُك الأسبا َب في ط َل ِب ال ِّرز ِق ُمتكاس اًل عن ال َع َم ِل‪ ،‬أو‬ ‫بأ ْن يكو َن ذا ما ٍل‪ ،‬فيب َخلَ عليهم‪.‬‬

‫الحديث الخامس والتسعون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪َ (( :‬ما ِم ْن َي ْو ٍم‬ ‫ُي ْصبِ ُح ال ِع َبا ُد فِي ِه إلا َم َلكا ِن َي ْنزلاَ ِن‪َ ،‬في ُقولُ أ َح ُد ُه َما‪ :‬اللَّ ُه َّم أ ْع ِط ُم ْنف اقا َخلَ افا‪،‬‬ ‫َو َيقُولُ الآ َخ ُر‪ :‬ال َّل ُه َّم أ ْع ِط ُم ْم ِس اكا تلَ افا))‬ ‫ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه‬ ‫شرح الحديث‬ ‫الﻤال الﺬي أعﻄاه الله بﻨي آدم‪ ،‬أعﻄاهﻢ الله إياه فﺘﻨة؛ لﻴﺒلﻮهﻢ هﻞ يﺤﺴﻨﻮن‬ ‫الﺘﺼﺮف فﻴه أم لا! قال الله تعالى‪ ﴿ :‬إِ َّن َما َأ ْم َوالُ ُك ْم َو َأ ْو َلا ُد ُك ْم فِ ْت َن ٌة َوال َّلهُ ِع ْن َد ُه أَ ْج ٌر‬ ‫َع ِظي ٌم ﴾ [التغابن‪]15 :‬‬ ‫فﻤﻦ الﻨاس مﻦ يﻨفقه في شهﻮاته الﻤﺤﺮمة‪ ،‬وفي لﺬائﺬه الﺘي لا تﺰيﺪه مﻦ الله‬ ‫إلا ُبع ادا‪ ،‬فهﺬا يﻜﻮن ماله وبالاا علﻴه ‪ ،‬ومﻦ الﻨاس مﻦ يﻨفقه ابﺘغاﺀ وجه الله‬ ‫فﻴﻤا ُيق ِّرب إلى الله على حﺴﺐ شﺮيعة الله‪ ،‬فهﺬا يكون ماله خي ارا له‪.‬‬ ‫ومﻦ الﻨاس مﻦ يﺒﺬل ماله في غﻴﺮ فائﺪة‪ ،‬لﻴﺲ في شيﺀ مﺤﺮم ولا في شيﺀ‬ ‫مﺸﺮوع‪ ،‬فهﺬا ماله ضائع علﻴه‬ ‫\" ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان \" هذا في كل أيام السنة‪ ،‬يقول‬ ‫أحدهما‪\" :‬اللهم أع ِط منفقاا خلفاا \" من ينفق على عياله ‪ ،‬وكذلك النفقة على‬ ‫القرابات‪ ،‬على الفقراء‪ ،‬على المحتاجين‪ ،‬وما أشبه هذا‪ ،‬أي‪ :‬دعاء لله أن‬ ‫يعطيه خل افا عﻨه خي ارا منه‬ ‫ويقول الآخر‪ \" :‬اللهم أعط ممسكاا تلفاا \" يعني أتلﻒ ماله‬ ‫والﻤﺮاد بﺬلﻚ من يﻤﺴﻚ عﻤا أوجﺐ الله علﻴه مﻦ بﺬل الﻤال فﻴه‪ ،‬ولﻴﺲ كﻞ‬ ‫مﻤﺴﻚ يﺪعى علﻴه‪ ،‬بﻞ الﺬي يﻤﺴﻚ ماله عﻦ إنفاقه فﻴﻤا أوجﺐ الله‪ ،‬فهﻮ الﺬي‬ ‫تﺪعﻮ علﻴه الﻤًلئﻜة بأن الله يﺘلفه ويﺘلﻒ ماله‪.‬‬

‫والﺘلﻒ نﻮعان‪ :‬تلﻒ حﺴي‪ ،‬وتلﻒ معﻨﻮي‬ ‫الﺘلﻒ الﺤﺴي‪ :‬أن يﺘلﻒ الﻤال نفﺴه‪ ،‬بأن يأتﻴه آفة تﺤﺮقه أو يﺴﺮق أو ما‬ ‫أشﺒه ذلﻚ‪.‬‬ ‫والﺘلﻒ الﻤعﻨﻮي‪ :‬أن تﻨﺰع بﺮكﺘه‪ ،‬بﺤﻴﺚ لا يﺴﺘفﻴﺪ الإنﺴان مﻨه في حﺴﻨاته‪،‬‬ ‫ومﻨه ما ذكﺮه الﻨﺒي صلى الله عليه وسلم حﻴﺚ قال لأصﺤابه‪(( :‬أيﻜﻢ مال وارثه‬ ‫أحﺐ إلﻴه مﻦ ماله؟))‬ ‫قالﻮا‪ :‬يا رسﻮل الله‪ ،‬ما مﻨا أحﺪ إلا وماله أحﺐ إلﻴه‪ ،‬فﻤالﻚ أحﺐ إلﻴﻚ مﻦ مال‬ ‫زيﺪ وعﻤﺮو وخالﺪ‪ ،‬ولﻮ كان مﻦ ورثﺘﻚ‪ ،‬قال‪(( :‬فإن ماله ما قﺪم ومال وارثه ما‬ ‫أخﺮ))‪.‬‬ ‫فأنفﻖ مالﻚ فﻴﻤا يﺮضي الله‪ ،‬وإذا أنفقﺖ فإن الله يﺨلفه ويﻨفﻖ علﻴﻚ‪ ،‬كﻤا قال‬ ‫رسﻮل الله صلى الله عليه وسلم ‪(( :-‬قال الله تعالى‪ :‬انفق يا ابﻦ آدم يﻨفﻖ‬ ‫علﻴﻚ)) متفق عليه‬ ‫فقه الحديث ‪ :‬ينبغي للإنسان أن يضع هذا الحديث نصب عينيه‪ ،‬إذا أراد‬ ‫الزيادة والبركة والخير والنماء في المال فعليه أن ينفق‪ ،‬أن يبذل‪ ،‬أن يعطي‬ ‫ذوي الحاجات‪ ،‬وأصحاب الحقوق حقوقهم‪ ،‬ويتصدق في سبيل الله ولو كان‬ ‫يسيراا‪.‬‬

‫الحديث السادس والتسعون بعد المائتين‬ ‫عن أبي ُهرير َة رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪(( :‬ال َي ُد ال ُع ْل َيا َخ ْي ٌر‬ ‫ِم َن ال َي ِد ال ُّس ْفلَى‪َ ،‬وا ْب َدأ ِب َم ْن َت ُعولُ‪َ ،‬و َخ ْي ُر ال َّص َد َق ِة َما َكا َن َع ْن َظ ْه ِر ِغن اى‪َ ،‬و َم ْن‬ ‫َي ْس َت ْعفِ ْف ُي ِع َّف ُه اللهُ‪َ ،‬و َم ْن َي ْس َت ْغ ِن ُي ْغ ِن ِه اللهُ))‬ ‫رواه البخاري‬ ‫شرح الحديث‬ ‫يقول الرسول صلى الله عليه وسلم \"اليد العليا خير من اليد السفلى \"‬ ‫المقصود به‪ :‬أن يد المعطي أفضل من يد الآخذ (السائل)‬ ‫\"وابدأ بمن تعول \" سئل أبو هريرة رضي الله عنه عن هذا من المقصود بمن‬ ‫تعول‪ ،‬فقال‪ :‬زوجتك‪ ،‬تقول‪ :‬أنفق عل ّي أو فارقني‪ ،‬وخادمك‪ ،‬يقول‪ :‬أطعمني‬ ‫واستعملني‪ ،‬وولدك‪ ،‬يقول‪ :‬إلى من تتركني؟‬ ‫والمقصود كل من تحت يده ممن استرعاه الله إياهم فهؤلاء هم من يعولهم ‪،‬و‬ ‫من يجب عليه نفقتهم‪ ،‬من زوجة ومن ولد وبنت‪ ،‬وكذلك أيضاا الوالد والوالدة‪،‬‬ ‫يعني‪ :‬الآباء‪ ،‬وإن علوا إذا كانوا يحتاجون إليه‪ ،‬لا يجدون‪ ،‬فإنه يجب عليه أن‬ ‫ينفق عليهم‪.‬‬ ‫فالإنسان لا ينفق على الأبعدين أو يتصدق‪ ،‬ومن تحت يده من ولد وزوجة‬ ‫ونحو ذلك هم بحاجة ‪ ،‬فالكثير من الناس يظن أن ما يبذله الإنسان لأهله وولده‬ ‫أن هذا ليس من الصدقة‪ ،‬والواقع أن هذا من الصدقة التي يؤجر عليها‪،‬‬ ‫والنفقة على هؤلاء هي من قبيل الواجب‪ ،‬والنفقة على غيرهم هي من قبيل‬ ‫المستحب‬

‫\" وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى \"بعضهم فهم هذه الجملة (ما كان عن‬ ‫ظهر غنى ) قال‪ :‬إن التنكير هنا يدل على أن المتصدق في حال من الغنى‬ ‫الواسع‪ ،‬أي‪ :‬إنسان غني‬ ‫وبعضهم فهم منها أن المراد (ما كان عن ظهر غنى) أي‪ :‬أنك تعطي‬ ‫المتصدق عليه ما يغنيه‪ ،‬وهذا بعيد‬ ‫والأقرب ‪-‬والله تعالى أعلم‪ -‬أن المراد ( ما كان عن ظهر غنى) بمعنى أنه فيما‬ ‫زاد عن ضرورات الإنسان‪ ،‬ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم ‪ \" :‬أفضل‬ ‫الصدقة جهد المقل \"‬ ‫\" ومن يستعفف يعفه الله \" يعني‪ :‬يطلب العفاف‪ ،‬بمعنى أنه يتعفف لا يسأل‬ ‫الناس‪ ،‬ولا يمد يده لأحد‪ ،‬ولا يحتاج إلى المخلوقين‪ ،‬ويكف نفسه عن السؤال‬ ‫فإن الله يعينه ويغنيه عن خلقه أجمعين‪ ،‬ويمنحه العفة ويجعلها طبيعة له‬ ‫راسخة في نفسه فيأنف السؤال ويكرهه بطبيعته‬ ‫أما الذي يمد يده ويسأل الناس‪ ،‬و ُينزل بهم حاجاته وضروراته وفقره فمثل‬ ‫هذا قد لا ُتسد جوعته‪ ،‬ولا ينتهي فقره‪ ،‬وإنما يبقى في حال من البؤس؛ لأنه‬ ‫أنزل حاجته بمخلوق فقير ضعيف‬ ‫\" ومن يس َتغ ِن يغنه الله \" أي‪ :‬يطلب الغنى عن المخلوقين‪ ،‬يستغن عنهم‪،‬‬ ‫ويعمل ويسعى ويطرق أسباب الكسب الشريف (يغنه الله ) بمعنى‪ :‬أنه لا يحتاج‬ ‫إلى الناس‪ ،‬فيكفيه الله حاجاته ‪ ،‬فيهيء له أسباب الغنى ويغنيه عن الناس‬ ‫وفي رواية أخرى ‪َ \":‬و َم ْن َي َت َص َّب ْر ُي َص ِّب ْر ُه ال َّلهُ‪َ ،‬و َما أُ ْع ِط َي أَ َح ٌد َع َطا اء َخ ْي ارا‬ ‫َوأَ ْو َس َع ِم َن ال َّص ْب ِر»‪( .‬البخاري‪)1٤69 :‬‬ ‫أي ومن يعود نفسه على الصبر مرة بعد أخرى يمنحه الله إياه حتى يصبح‬ ‫طبيعة له‬

‫وما أعطى الله أحداا نعمة ولا خلقاا كريماا أفضل ولا أوسع من الصبر‪ ،‬لأنه يتسع‬ ‫لكل الفضائل‪ ،‬فكلها تصدر عنه‪ ،‬وتعتمد عليه من عفة‪ ،‬وشجاعة‪ ،‬وعزيمة‪،‬‬ ‫وإرادة‪ ،‬وإباء‪ ،‬وغيرها‪.‬‬ ‫قال الحافظ‪ :‬ومحصل ما في الأحاديث أن أعلى الأيدي‪ :‬المنفقة‪ ،‬ثم المتعففة‬ ‫عن الأخذ‪ ،‬ثم الآخذة بغير سؤال‪ ،‬وأسفل الأيدي السائلة والمانعة‪.‬‬ ‫فقه الحديث‪ :‬دل هذا الحديث على ما يأتي‪:‬‬ ‫أولاا‪ :‬الترغيب في التعفف عن السؤال‪ ،‬لما فيه من إراقة ماء الوجه‪ ،‬وإهدار‬ ‫كرامة الإِنسان‪ ،‬فًل يجوز إ ّلا لحاجة ما ّسة على قدر الكفاية عند العجز عن‬ ‫السعي‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ \" :-‬لا تحل الصدقة لغني ولا لذي ِم َّر ٍة‬ ‫َس ِوي\"‬ ‫ثانياا ‪ :‬أن الأخًلق الكريمة يمكن اكتسابها والوصول إليها عن طريق التعود‬ ‫عليها كما قال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ \" :-‬ومن يستعف يعفه الله \"‬ ‫وفي الحديث‪ :‬وجوب البداءة بمن تلزمه مؤنته‪ ،‬وأن خير الصدقة ما كان‬ ‫بالفاضل عن كفايته‪ ،‬ومن يمونه‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬الحث على الاستعفاف والاستغناء‪.‬‬

‫المقدمة‬ ‫باب الإنفاق مما يحب ومن الجيد‬ ‫الحديث السابع والتسعون بعد المائتين‬ ‫عن أنس رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬كا َن أَ ُبو َط ْل َح َة رضي الله عنه أ ْك َث َر الأ ْن َصار‬ ‫بال َم ِدي َن ِة َما الا ِم ْن َن ْخل‪َ ،‬و َكا َن أَ َح ُّب أ ْموالِ ِه إِ َل ْيه َب ْي َر َحاء‪َ ،‬و َكان ْت ُم ْس َت ْقب َل َة ال َم ْس ِج ِد‬ ‫َو َكا َن َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم َي ْد ُخلُ َها َو َي ْش َر ُب ِم ْن َما ٍء فِي َها َط ِّيب‪َ .‬قالَ‬ ‫أ َن ٌس‪َ :‬فلَ َّما َن َزلَ ْت ه ِذ ِه الآي ُة‪{ :‬لَ ْن َت َنالُوا ا ْلبِ َّر َح َّتى ُت ْنفِ ُقوا ِم َّما ُت ِح ُّبو َن} [آل‬ ‫عمران‪ ]92 :‬قام أَ ُبو َط ْل َح َة إِ َلى رسو ِل الله صلى الله عليه وسلم‪َ ،‬ف َقالَ‪َ :‬يا‬ ‫َر ُسول الله‪ ،‬إ َّن الله َت َعالَى أ ْن َزلَ َعلَ ْي َك‪َ { :‬ل ْن َت َنالُوا ا ْلبِ َّر َح َّتى ُت ْن ِفقُوا ِم َّما ُت ِح ُّبو َن}‬ ‫[آل عمران‪َ ،]92 :‬وإ َّن أَ َح َّب َمالِي إِ َل َّي َب ْي َر َحا ُء‪َ ،‬وإ َّن َها َص َد َق ٌة لل ِه َت َعالَى‪ ،‬أ ْر ُجو‬ ‫بِ َّر َها‪َ ،‬و ُذ ْخ َر َها ِع ْن َد الله َت َعا َلى‪َ ،‬ف َض ْع َها َيا َر ُسول الله َح ْي ُث أ َرا َك الله‪َ ،‬ف َقالَ َر ُسول‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم‪َ (( :‬بخ! ذلِ َك َمالٌ َراب ٌح‪ ،‬ذلِ َك َمالٌ َراب ٌح‪ ،‬و َق ْد َس ِم ْع ُت َما‬ ‫ُق ْل َت‪َ ،‬وإ ِّني أ َرى أ ْن َت ْج َع َل َها في الأ ْق َربي َن))‪َ ،‬ف َقالَ أَ ُبو َط ْل َح َة‪ :‬أ ْف َعلُ َيا َر ُسول الله‪،‬‬ ‫َف َق َّس َم َها أَ ُبو َط ْل َح َة في أ َقا ِر ِب ِه‪ ،‬و َبنِي َع ِّم ِه‬ ‫ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه‪.‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫لما ذكر المؤلف وجوب الإنفاق على الزوجة وعلى الأقارب‪ ،‬ذكر أنه ينبغي‬ ‫للإنسان أن يكون ذا همة عالية‪ ،‬وأن ينفق من أطيب ماله ومما يحب من ماله‪،‬‬ ‫وهناك فرق بين الأطيب وبين الذي يحب‬ ‫الغالب أن الإنسان لا يحب إلا أطيب ماله‪ ،‬لكن أحياناا يتعلق قلبه بشيء من‬ ‫ماله وليس أطيب ماله فإذا أنفق من الطيب الذي هو محبوب لعامة الناس ومما‬

‫يحبه هو بنفسه وإن لم يكن الأطيب؛ كان ذلك دليًلا على أنه صادق فيما عامل‬ ‫الله به‬ ‫ولهذا سميت الصدقة صدقة لدلالتها على صدق باذلها‪ ،‬فالإنسان ينبغي له أن‬ ‫ينفق الطيب من ماله‪ ،‬وينبغي له أن ينفق مما يحب‪ ،‬حتى يصدق في تقديم ما‬ ‫يحبه الله عز وجل على ما تهواه نفسه‪.‬‬ ‫و ذكر حديث أبي طلحة زوج أم أنس رضي الله عنه‪ ،‬وأبو طلحة أكثر الأنصار‬ ‫حقًلا يعني أكثرهم مزارع‪ ،‬وكان له بستان فيه ماء طيب مستقبل المسجد ـ أي‬ ‫مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ـ يعني أن المسجد في قبلة هذا البستان‪،‬‬ ‫وكان فيه ماء طيب عذب‪ ،‬يأتيه النبي صلى الله عليه وسلم ويشرب منه‪.‬‬ ‫فلما نزل قوله تعالى‪َ ( :‬ل ْن َت َنالُوا ا ْلبِ َّر َح َّتى ُت ْن ِف ُقوا ِم َّما ُت ِح ُّبو َن)‬ ‫البر يعني الخير الكثير‪ ،‬يعني لن تنال الخير الكثير ولن تنال رتبة الأبرار حتى‬ ‫تنفق مما تحب‪.‬‬ ‫فلما نزلت بادر رضي الله عنه‪ ،‬وسابق وسارع وجاء إلى النبي صلى الله عليه‬ ‫وسلم وقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬إن الله تعالى أنزل قوله‪َ ( :‬ل ْن َت َنالُوا ا ْلبِ َّر َح َّتى ُت ْنفِ ُقوا‬ ‫ِم َّما ُت ِح ُّبو َن) وإن أحب أموالي إلي بيرحاء ـ وهذا اسم ذلك البستان ـ وإني‬ ‫أضعها‪ :‬يعني بين يديك صدقة‪ ،‬إلى الله ورسوله‪ :‬يعني تصرفها إلى الله‬ ‫ورسوله‬ ‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم متعجباا‪ :‬ب ٍخ ب ٍخ ـ كلمة تعجب يعني ما أعظم‬ ‫هذه الهمة‪ ،‬وما أعًلها ـ ذاك مال رابح‪ ،‬ذاك مال رابح‪.‬‬ ‫وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا المال الرابح‪ ،‬فكم من حسنة يربح‬ ‫هذا المال إذا كانت الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف‬ ‫كثيرة؟ صدق النبي صلى الله عليه وسلم‪(( :‬ذاك مال رابح‪ ،‬ذاك مال رابح‪. .‬‬

‫أرى أن تجعلها في الأقربين)) ‪ .‬أرى أن تجعلها في الأقربين‪ :‬أي أقاربك‪ ،‬ففعل‬ ‫رضي الله عنه‪ ،‬وقسمها في أقاربه وبني عمه‪.‬‬ ‫انظروا كيف كانت مبادرة الصحابة رضي الله عنهم‪ ،‬ومسارعتهم إلى الخير‪،‬‬ ‫وكان ابن عمر إذا أعجبه شيء في ماله وتعلقت به نفسه تصدق به؛ لأجل أن‬ ‫يربحه ويلقاه فيما أمامه‪.‬‬ ‫لكن ما تتمسك يه فهو إما زائل عنك وإما أن تزول عنه أنت‪ ،‬ولابد من أحد‬ ‫الأمرين‪ ،‬إما أن يتلف أو تتلف أنت‪ ،‬لكن الذي تقدمه هو الذي يبقى‬ ‫فمالك الحقيقي هو ما تقدمه‪ ،‬وقد ذبح آل النبي صلى الله عليه وسلم شاة‬ ‫وتصدقوا بها إلا كتفها‪ ،‬فقدم النبي صلى الله عليه وسلم وقال‪(( :‬ما بقي‬ ‫منها؟)) قالت عائشة رضي الله عنها‪ :‬ما بقي إلا كتفها‪ .‬يعني أنها تصدقت بها‬ ‫كلها إلا كتفها‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪(( :‬بقي كلها غير كتفها)) ‪،‬‬ ‫والمعنى أن الذي أكلتم هو الذي ذهب‪ ،‬وأما ما تصدقتم به فهو الذي بقي لكم‪.‬‬ ‫فالصحابة وذوي الهمم العالية هم الذين يعرفون قدر الدنيا وقدر المال‪ ،‬وأن ما‬ ‫قدموه هو الباقي‪ ،‬وما أبقوه هو الفاني‬ ‫في هذا الحديث‪ :‬دليل على فضل إنفاق أحب الأموال على أقرب الأقارب‪ ،‬وأن‬ ‫النفقة عليهم أفضل من الأجانب‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬جواز دخول أهل الفضل للحوائط والبساتين‪ ،‬والاستظًلل بظلها‪ ،‬والأكل‬ ‫من ثمرها‪ ،‬والراحة‪ ،‬والتنزه‪ ،‬إذا علم رضا المالك‪.‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook