Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore شرح رياض الصالحين المائة الثالثة

شرح رياض الصالحين المائة الثالثة

Published by مكتبة(ورتل) الإلكترونيه, 2021-04-19 18:39:06

Description: شرح رياض الصالحين المائة الثالثة

Search

Read the Text Version

‫المقدمة‬ ‫باب الأمر بأداء الأمانة‬ ‫الحديث الحادي بعد المائتين‬ ‫عن ُح َذي َفة وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه‬ ‫وسلم‪َ (( :‬يج َم ُع اللهُ ت َبا َر َك َو َت َعا َلى ال َّنا َس َف َيقُو ُم ال ُمؤ ِم ُنو َن َح َّتى ُت ْز َل َف َل ُه ُم ال َج َّن ُة‪،‬‬ ‫َف َيأ ُتو َن آ َد َم َص َلوا ُت اللهِ َع َلي ِه‪َ ،‬في ُقولُو َن‪َ :‬يا أَ َبا َنا ا ْس َت ْفتِ ْح لَ َنا ال َج َّن َة‪َ ،‬في ُقولُ‪َ :‬و َه ْل‬ ‫أ ْخ َر َج ُك ْم ِم َن ال َج َّن ِة إلا َخطي َئ ُة أبي ُك ْم! َل ْس ُت بِ َصا ِح ِب ذلِ َك‪ ،‬ا ْذ َه ُبوا إِ َلى ا ْب ِني إِ ْبراهي َم‬ ‫َخلِيل الل ِه‪.‬‬ ‫َقالَ‪َ :‬ف َيأ ُتو َن إب َرا ِهي َم َف َي ُقولُ إبراهيم‪ :‬لَ ْس ُت بِ َصا ِح ِب ذلِ َك إِ َّن َما ُك ْن ُت َخلي اًل ِم ْن َو َرا َء‬ ‫َو َرا َء‪ ،‬ا ْع َم ُدوا إِلَى ُمو َسى ا َّل ِذي َك َّل َم ُه الله َتكلي اما‪َ .‬ف َيأ ُتو َن ُمو َسى‪َ ،‬ف َي ُقولُ‪ :‬لس ُت‬ ‫بِ َصا ِح ِب ذلِ َك‪ ،‬ا ْذ َه ُبوا إِلَى ِعيسى كلم ِة الل ِه و ُروحه‪ ،‬فيقول عيسى‪ :‬لس ُت ب َصاح ِب‬ ‫ذلِ َك‪.‬‬ ‫َف َيأ ُتو َن ُم َح َّم ادا صلى الله عليه وسلم َف َي ُقو ُم َف ُيؤ َذ ُن َل ُه‪ ،‬و ُت ْر َسلُ ال َأ َما َن ُة َوال َّر ِح ُم‬ ‫َف َيقُوما ِن َج ْن َب َتي ال ِّص َرا ِط َي ِمي انا َو ِش َما الا َف َي ُم ُّر أ َّولُ ُك ْم َكال َب ْر ِق)) قُ ْل ُت‪ :‬بأبي َوأ ِّمي‪،‬‬ ‫أ ُّي َشي ٍء َك َم ِّر ال َبر ِق؟‬ ‫َاكل َم ّرِّص ارلا ِِّرطي‪ِ ،‬ح َي‪ُ ،‬ق ُثو َّملُ‪َ:‬ك َمَر ِّر ِّبال ََّسط ْلِّي ِْمر‪،‬‬ ‫َع ْين‪ُ ،‬ث َّم‬ ‫َو َي ْر ِج ُع في َط ْر َف ِة‬ ‫ي ُم ُّر‬ ‫َقالَ‪(( :‬أ َل ْم َت َروا َك ْي َف‬ ‫َقا ِئ ٌم َعلَى‬ ‫أ ْع َمالُ ُه ْم‪َ ،‬و َنب ُّي ُك ْم‬ ‫به ْم‬ ‫َوأَ َش ِّد ال ِّر َجال َت ْجري‬ ‫َسلِّ ْم‪َ ،‬ح َّتى َت ْع ِج َز أ ْع َمالُ ال ِع َبا ِد‪َ ،‬ح َّتى َي ِجيء ال َّر ُجلُ لا َي ْس َت ِطي ُع ال َّس ْي َر إلا َز ْح افا‪،‬‬ ‫َوفي َحا َفتي ال ِّصرا ِط َكًلَلِي ُب م َعلَّ َق ٌة َمأ ُمو َر ٌة بِأ ْخ ِذ َم ْن أُ ِم َر ْت ِب ِه‪َ ،‬ف َم ْخ ُدو ٌش َنا ٍج‪،‬‬ ‫َو ُم َك ْر َد ٌس في ال َّنا ِر))‬ ‫َوا َّل ِذي َن ْف ُس أَبي ُه َر ْي َر َة ِب َي ِد ِه‪ ،‬إ َّن َق ْع َر َج َه َّن َم لَ َس ْب ُعو َن َخ ِري افا‬ ‫(رواه مسلم )‬

‫شرح الحديث‬ ‫((يجمع الله ‪-‬تبارك وتعالى‪ -‬الناس)) أي‪ :‬في أرض المحشر‪ ،‬بعد أن يبعثهم من‬ ‫جديد‪(( ،‬فيقوم المؤمنون حتى ُتز َلف لهم الجنة))‬ ‫أي‪ :‬حتى ُتق َّرب لهم الجنة‪ ،‬يقومون ليبحثوا عن المخرج للناس من شدة الكرب‬ ‫الذي أصابهم‪ ،‬حيث تدنو الشمس فتكون بقدر ميل‪ ،‬ويلحق النا َس من المشقة؛‬ ‫لطول ذلك اليوم‪ ،‬ولحره الشي ُء الكثير‪.‬‬ ‫فيقوم المؤمنون ((فيأتون آدم ‪-‬صلوات الله عليه‪ -‬فيقولون‪ :‬يا أبانا استفتح لنا‬ ‫الجنة))‪ ،‬قد تاقت نفوسهم إلى دخولها‪(( ،‬فيقول‪ :‬وهل أخرجكم من الجنة إلا‬ ‫خطيئة أبيكم؟))‬ ‫يقول ذلك حياء من الله وتواضعاا‪ ،‬فيقول‪ :‬لست بصاحب ذلك‪ ،‬لست بأهل لهذا‪،‬‬ ‫يقوله تواضعاا‪(( ،‬اذهبوا إلى ابني إبراهيم‪ ،‬خليل الله‪ ))،‬والخليل هو‪ :‬الذي بلغ‬ ‫درجة عالية من درجات المحبة‪.‬‬ ‫يقول‪(( :‬فيأتون إبراهيم عليه السًلم فيقول‪ :‬لست بصاحب ذلك))‪ ،‬أي لست‬ ‫بصاحب هذا المقام العظيم الشريف‪ ،‬والمنزلة الرفيعة‪.‬‬ ‫وقال لهم‪(( :‬اعمدوا)) أي‪ :‬اقصدوا إلى موسى الذي كلمه الله تكليماا‪ ،‬الذي‬ ‫سمع التكليم الإلهي مباشرة وكلمه ربه‪ ،‬فهذا أقرب إلى الله مني‪ ،‬يقوله‬ ‫تواضعاا‪.‬‬ ‫فيأتون موسى عليه السًلم فيقول‪(( :‬لست بصاحب ذلك‪ ،‬اذهبوا إلى عيسى‬ ‫كلمة الله وروحه))‪ ،‬وعيسى عليه السًلم يقال له‪ :‬كلمة الله؛ لأنه ُوجد بالكلمة‪،‬‬ ‫بكلمة كن‪ ،‬فالكلمة هي السبب في وجوده‪.‬‬ ‫((كلمة الله وروحه)) ‪ ،‬روح الله لأنه روح مخلوقة‪ ،‬روح خلقها الله‬ ‫((فيقول عيسى‪ :‬لست بصاحب ذلك‪ ،‬فيأتون محمداا صلى الله عليه وسلم فيقوم‬ ‫فيؤذن له))‬

‫((و ُتر َسل الأمانة والرحم)) أي‪ :‬القرابة تطلب صلتها؛ لأنها تأخذ بساق العرش‬ ‫كما ثبت عن النبي صلَّى اللهُ عليه وس َّلم تقول‪(( :‬هذا مقام العائذ بك من‬ ‫القطيعة‪ ،‬فيقول‪ :‬أما ترضين أن أصل من وصلك‪ ،‬وأن أقطع من قطعك؟))‬ ‫فتقف الرحم والأمانة في طريق الناس إذا أرادوا أن يجتازوا على الصراط إلى‬ ‫الجنة ففي طريقهم الرحم هل وصلوها أو لا؟‪ ،‬تطالبهم بحقها‪ .‬وكذلك أيضاا‬ ‫الأمانة هل أدى الإنسان أمانته كما ينبغي؟ ‪ ،‬أمانة التكاليف‪ ،‬وما أخذه من‬ ‫الناس من حقوق وأموال كان يجب عليه أن يؤديها‪.‬‬ ‫((و ُتر َسل الأمانة والرحم‪ ،‬فتقومان على جنبتي الصراط))‪ ،‬أي‪ :‬على جانبيه‪،‬‬ ‫يميناا وشمالاا‪.‬‬ ‫((فيمر أولكم كالبرق))‪ ،‬يعني لسرعته المفرطة‪ ،‬كمرور البرق على هذا‬ ‫الصراط المنصوب على متن جهنم‪(( .‬قلت‪ :‬بأبي وأمي ‪-‬أي‪ :‬أفديك بأبي وأمي‪-‬‬ ‫‪ :‬أ ُّي شيء كمر البرق))‪ ،‬أي ‪:‬ما المراد به؟ ((قال‪ :‬ألم تروا كيف يمر ويرجع‬ ‫في طرفة عين))‬ ‫((وأ َش ِّد الرجال)) المقصود‪ :‬الراجلة الذي يجري على رجليه ليس راك ابا‪.‬‬ ‫((وأشد الرجال تجري بهم أعمالهم)) أي‪ :‬ليست بقواهم وقدراتهم في المشي‪،‬‬ ‫فمن طال وقوفه في مقامات العبادة زادت سرعته على الصراط‪ ،‬ومن كثر‬ ‫توقيه في هذه الدار حصلت له الوقاية على الصراط‬ ‫يقول ابن القيم ‪-‬رحمه الله‪\" :‬على قدر سير الإنسان على هذا الصراط في الدنيا‬ ‫الذي رسمه الله لا يعوج يمنة ولا يسرة يكون سيره على الصراط المنصوب‬ ‫على جسر جهنم‪ ،‬فإذا كان يقوم ويقع على هذا الصراط‪ ،‬مرة يطيع ومرة‬ ‫يعصي‪ ،‬فقد يقوم ويقع على ذلك الصراط \"‪.‬‬ ‫قال‪(( :‬تجري بهم أعمالهم‪ ،‬ونبيكم صلى الله عليه وسلم ‪-‬لكمال شفقته‪ ، -‬قائم‬ ‫على الصراط يقول‪ :‬رب سلم سلم)) وقد جاء في بعض الأحاديث أن ذلك دعاء‬ ‫الأنبياء ‪-‬عليهم الصًلة والسًلم‪ ،‬فهو مقام رهيب‪ ،‬ليس الإخفاق فيه كالإخفاق‬ ‫في اختبارات الدنيا‪ ،‬لكن الإخفاق هناك هو الإخفاق الحقيقي‪.‬‬

‫((حتى تعجز أعمال العباد)) أي‪ :‬يبقى أناس أقعدتهم أعمالهم‪ ،‬يعجزون عن‬ ‫المشي‪.‬‬ ‫((حتى يجيء الرجل لا يستطيع السير إلا زحفاا)) ‪ ،‬أي‪ :‬لا تحمله رجًله‪ ،‬يزحف‬ ‫على الصراط وتحته النار‪.‬‬ ‫يقول‪(( :‬وفي حافتي الصراط)) أي‪ :‬في جانبيه ((كًلليب)) معلقة مأمورة بأخذ‬ ‫من أُمرت به‪ ،‬لا تخطف أحداا بالخطأ مأمورة بأخذ من أمرت به‪.‬‬ ‫يقول‪(( :‬فمخدوش نا ٍج)) أي‪ :‬يصيبه شيء منها‪ ،‬لكن لم تسحبه إلى النار‬ ‫(( و ُم َكر َد ٌس في النار)) وفي رواية ((مكدوس)) ‪.‬‬ ‫وال َك ْدس هو‪ :‬وضع الشيء على الشيء‪ ،‬أي‪ :‬مك َّوم فيها‬ ‫يقول‪(( :‬والذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعون خريفاا)) ‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫منتهى النار سبعون سنة‪ ،‬تخيل إذاا حجم هذه النار!‬ ‫فينبغي أن ينظر الإنسان هل هو مشمر في طاعة الله فسيكون مشمراا على‬ ‫الصراط‪ ،‬وإذا كان قاعداا عن طاعة الله فكيف سيأتي على الصراط؟ كيف يجري‬ ‫وليس عنده عمل؟‬

‫الحديث الثاني بعد المائتين‬ ‫عن أَبي ُخبيب عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما‪َ ،‬قالَ‪)) :‬لَ َّما َوق َف ال ُّز َب ْي ُر َي ْو َم‬ ‫ال َج َمل َد َعا ِني َف ُق ْم ُت إِ َلى َج ْنبه‪َ ،‬ف َقالَ‪َ :‬يا ُب َن َّي‪ ،‬إ َّن ُه لا ُي ْق َتلُ ال َيو َم إلا َظالِ ٌم أَ ْو‬ ‫َم ْظلُو ٌم‪َ ،‬وإ ِّني لا أراني إلا َسأُ ْق َتلُ اليوم مظلو اما‪ ،‬وإ َّن ِم ْن أكب َر َه ِّمي َل َد ْي ِني‪،‬‬ ‫أ َف َت َرى َد ْيننا ُيبقي من مالِنا َشي ائا؟ ُث َّم َقالَ‪َ :‬يا ُب َن َّي‪ ،‬ب ْع َما َل َنا َوا ْق ِض َد ْينِي‪،‬‬ ‫َوأ ْو َصى بِال ُّثلُ ِث َو ُثلُ ِث ِه لِ َب ِني ِه‪ ،‬يعني لبني عبد الله بن الزبير ُثلُ ُث ال ُّثلُث‪َ .‬قالَ‪َ :‬فإ ْن‬ ‫َف َضلَ ِم ْن َمالِ َنا َب ْع َد َق َضا ِء ال َّدي ِن َشيء َف ُثلُ ُثه لِ َب ِني َك‪َ .‬قالَ ِه َشام‪َ :‬و َكا َن َب ْع ُض َولَ ِد‬ ‫َع ْب ِد الل ِه َق ْد َوازى َب ْع َض َب ِني ال ُّز َب ْي ِر ُخبي ٍب َو َع َّبا ٍد‪َ ،‬ول ُه َي ْو َمئ ٍذ ِت ْس َع ُة َبني َن َوتِ ْس ُع‬ ‫َب َنات‪َ .‬قالَ َعب ُد الله‪َ :‬ف َجعلَ ُيوصينِي ب َد ْينِ ِه َو َي ُقولُ‪َ :‬يا ُب َن َّي‪ ،‬إ ْن َع َج ْز َت َعن َش ْي ٍء‬ ‫ِم ْن ُه َفا ْس َت ِع ْن َعلَي ِه ِب َم ْولاَ َي‪َ .‬قالَ‪َ :‬ف َواللهِ َما َد َر ْي ُت َما أ َرا َد َح َّتى ُق ْل ُت‪َ :‬يا أ َب ِت َم ْن‬ ‫َم ْولاَ َك؟ َقالَ‪ :‬الله‪َ .‬قالَ‪َ :‬ف َواللهِ َما َو َق ْع ُت في ُك ْرب ٍة ِم ْن َد ْي ِن ِه إلا ُق ْل ُت‪َ :‬يا َم ْولَى‬ ‫ال ُّز َب ْي ُر َولَم َي َد ْع ِدي َنا ارا َولا ِد ْره اما إلا‬ ‫َف ُق ِتلَ‬ ‫َف َي ْق ِض َي ُه‪َ .‬قالَ‪:‬‬ ‫ال ُّأز ََبرْي ِرِضيا ْقَن‪ِ،‬ضِم ْن َعَه ْنا ُهال ََدغ ْيا ََنب ُُهة‬ ‫بال َم ِدي َن ِة‪َ ،‬و َدا َر ْي ِن بال َب ْص َر ِة‪ ،‬و َدا ارا‬ ‫َدا ارا‬ ‫وإ ْح َدى َع ْش َر َة‬ ‫بال ُكو َف ِة‪ ،‬و َدا ارا ب ِم ْص َر‪َ .‬قالَ‪َ :‬وإِ َّن َما َكا َن َد ْي ُن ُه ا َّل ِذي َكا َن َع َلي ِه أ َّن ال َّر ُجلَ َكا َن َيأ ِتي ِه‬ ‫بالمال‪َ ،‬ف َي ْس َتو ِد ُع ُه إ َّيا ُه‪َ ،‬ف َيقُولُ ال ُّز َب ْي ُر‪ :‬لا‪َ ،‬ولَ ِك ْن ُه َو َسلَ ٌف إ ِّني أ ْخ َشى َعلَي ِه‬ ‫ال َّض ْي َع َة‪َ .‬و َما َول َي إ َما َر اة َق ُّط َولا ِج َبا َي اة‪ ،‬ولا خرا اجا‪َ ،‬ولا َشي ائا إلا أ ْن َي ُكو َن في‬ ‫َغ ْز ٍو َم َع رسو ِل الله صلى الله عليه وسلم أَ ْو َم َع أَبي َب ْك ٍر َو ُع َم َر َو ُع ْث َما َن رضي‬ ‫الله عنهم‪َ ،‬قالَ َعب ُد الله‪َ :‬ف َح َس ْب ُت َما َكا َن َعلَي ِه ِمن ال َّد ْي ِن َف َو َج ْد ُت ُه أ ْلف ْي أ ْل ٍف‬ ‫الله ْب َن ال ُّز َب ْي ِر‪َ ،‬ف َقالَ‪َ :‬يا ا ْب َن أ ِخي‪َ ،‬ك ْم‬ ‫َع ْب َد‬ ‫َح ِكي ُم ب ُن ِح َزام‬ ‫! َفلَ ِق َي‬ ‫َوم َئ َتي أ ْلف‬ ‫أ ْلف‪َ .‬ف َقالَ َحكي ٌم‪ :‬والل ِه َما أ َرى أ ْم َوا َل ُك ْم‬ ‫ِما َئ ُة‬ ‫َف َك َت ْم ُت ُه َو ُق ْل ُت‪:‬‬ ‫ال َّد ْي ِن؟‬ ‫َعلَى أخي ِم َن‬ ‫َت َس ُع ه ِذ ِه‪َ .‬ف َقالَ َع ْب ُد الل ِه‪ :‬أ َرأ ْي ُت َك إ ْن َكا َن ْت أ ْل َفي ألف َوما َئ َت ْي أ ْلف؟ َقالَ‪َ :‬ما أ َرا ُك ْم‬ ‫ُتطيقُو َن َه َذا‪َ ،‬فإ ْن َع َج ْز ُت ْم َع ْن َشي ٍء ِم ْن ُه َفا ْس َت ِعي ُنوا بي‪.‬‬ ‫َقالَ‪َ :‬و َكا َن ال ُّز َبي ُر َقد ا ْش َت َرى ال َغا َب َة بِ َس ْب ِعي َن ومائة ألف‪َ ،‬ف َبا َع َها َعب ُد الل ِه بِأ ْل ِف‬ ‫أ ْلف َو ِس ّت ِما َئ ِة أ ْلف‪ُ ،‬ث َّم َقا َم َف َقالَ‪َ :‬م ْن َكا َن َل ُه َعلَى ال ُّز َبي ِر َش ْيء َف ْل ُيوافِ َنا ِبال َغا َب ِة‪،‬‬ ‫َفأ َتا ُه َعب ُد الل ِه ب ُن َجع َفر‪َ ،‬و َكا َن َل ُه َعلَى ال ُّز َبي ِر أ ْر َبعمائ ِة أ ْلف‪َ ،‬ف َقالَ ل َعب ِد الله‪ :‬إ ْن‬ ‫ِش ْئ ُت ْم َت َر ْك ُت َها َلك ْم؟ َقالَ َعب ُد الله‪ :‬لا‪َ ،‬قالَ‪َ :‬فإ ْن ِشئ ُت ْم َج َع ْل ُت ُمو َها ِفي َما ُت َؤ ِّخ ُرو َن إ ْن‬ ‫إ َّخ ْر ُت ْم‪َ ،‬ف َقالَ َعب ُد الله‪ :‬لا‪َ ،‬قالَ‪َ :‬فا ْق َط ُعوا لِي ق ْط َع اة‪َ ،‬قالَ َعب ُد الله‪َ :‬ل َك ِم ْن ها ُه َنا‬

‫إِ َلى َها ُه َنا‪َ .‬ف َبا َع َعب ُد الل ِه ِمن َها َف َق َضى َع ْن ُه َدي َنه َوأ ْو َفاهُ‪َ ،‬و َبقِ َي ِم ْن َها أ ْر َب َع ُة أ ْس ُهم‬ ‫ْب ُن ُع ْث َما َن‪َ ،‬وال ُم ْن ِذ ُر ْب ُن ال ُّز َب ْي ِر‪َ ،‬وا ْب ُن‬ ‫َع َلى ُم َعا ِو َية َوع ْن َدهُ َع ْم ُرو‬ ‫َو ِن ْص ٌف‪َ ،‬ف َق ِد َم‬ ‫َقالَ‪ُ :‬كلُّ َس ْهم بما َئة ألف‪َ ،‬قالَ‪َ :‬ك ْم َب ِق َي‬ ‫ُم َعاو َي ُة‪َ :‬ك ْم ُق ِّو َم ِت ال َغا َب ُة؟‬ ‫َز ْم َع َة‪َ ،‬ف َقالَ َل ُه‬ ‫ِم ْن َها؟ َقالَ‪ :‬أ ْر َب َع ُة أ ْس ُهم َون ْص ٌف‪َ ،‬ف َقالَ ال ُم ْن ِذ ُر ْب ُن ال ُّز َبي ِر‪َ :‬ق ْد أ َخ ْذ ُت ِم ْن َها َسه اما‬ ‫ِبما َئ ِة ألف‪َ ،‬قالَ َع ْم ُرو ْب ُن ُع ْث َما َن‪َ :‬ق ْد أ َخ ْذ ُت ِم ْن َها َس ْه اما بما َئ ِة أ ْلف‪َ .‬وقالَ ا ْب ُن‬ ‫َز ْم َع َة‪َ :‬ق ْد أ َخ ْذ ُت َس ْه اما بِما َئ ِة أ ْلف‪َ ،‬ف َقالَ ُم َعاو َي ُة‪َ :‬ك ْم َبقِ َي ِم ْن َها؟ َقالَ‪َ :‬س ْه ٌم‬ ‫ون ْص ُف َس ْهم‪َ ،‬قالَ‪َ :‬ق ْد أ َخ ْذ ُت ُه ب َخ ْم ِسي َن َوما َئ ِة أ ْلف‪َ .‬قالَ‪َ :‬و َبا َع َعب ُد الله ْب ُن َجع َفر‬ ‫َنصيب ُه ِم ْن َم َعا ِو َي َة بس ِّت ِما َئ ِة أ ْلف‪َ .‬ف َل َّما َف َر َغ ا ْب ُن ال ُّز َبي ِر ِم ْن َق َضا ِء َد ْينِ ِه‪َ ،‬قالَ َب ُنو‬ ‫ال ُّز َبي ِر‪ :‬اقس ْم َبي َن َنا ميرا َثنا‪َ ،‬قالَ‪َ :‬والل ِه لا أ ْق ِس ُم َب ْي َن ُك ْم َح َّتى أ َنا ِدي بال َم ْوسم أ ْر َب َع‬ ‫سني َن‪ :‬ألا َم ْن َكا َن لَ ُه َع َلى ال ُّز َبي ِر َد ْي ٌن َف ْل َيأتِ َنا َف ْل َن ْق ِض ِه‪َ .‬ف َج َعلَ ُكلّ َس َن ٍة ُي َنا ِدي في‬ ‫ال َم ْو ِس ِم‪َ ،‬ف َل َّما َم َضى أ ْر َب ُع سني َن َق َس َم ب ْي َن ُه ْم َو َد َف َع ال ُّثلُ َث‪َ .‬و َكا َن لل ُّز َب ْي ِر أ ْر َب ُع‬ ‫نِ ْس َو ٍة‪َ ،‬فأ َصا َب ُكلَّ ام َرأ ٍة أ ْل ُف ألف َو ِم َئ َتا أ ْلف‪َ ،‬ف َجمي ُع َما ِله َخ ْم ُسو َن ألف أ ْلف‬ ‫َو ِم َئ َتا أ ْلف ))‬ ‫(رواه البخاري)‬ ‫و في الحدي ِث ‪ :‬دليل على ِع َظم الأمانة‪ ،‬وأ َّن َمن أخذ أموال الناس يريد أداءها‬ ‫أ َّدى الله عنه‪ ،‬وأ َّن َمن استعان بالله أعانه‪.‬‬

‫المقدمة‬ ‫باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم‬ ‫الحديث الثالث بعد المائتين‬ ‫عن جابر رضي الله عنه‪ :‬أن َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم َقالَ‪:‬‬ ‫((ا َّتقُوا ال ُّظ ْل َم؛ َفإ َّن ال ُّظ ْل َم ُظلُ َما ٌت َي ْو َم ال ِق َيا َم ِة‪َ .‬وا َّتقُوا ال ُّش َّح؛ َفإِ َّن ال ُّش َّح أ ْهلَ َك َم ْن‬ ‫َكا َن َق ْبلَ ُك ْم‪َ .‬ح َم َل ُه ْم َع َلى أ ْن َس َف ُكوا ِد َماء ُه ْم‪َ ،‬وا ْس َت َحلُّوا َم َحا ِر َم ُه ْم))‬ ‫(رواه مسلم)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫ي ْن َهى ال َّن ِب ُّي ص َّلى اللهُ عليه وس َّلم َع ْن َمسا ِو ِئ الأخًل ِق‪ ،‬ومنها‪ -‬كما في هذا‬ ‫الحدي ِث‪:-‬‬ ‫((ال ُّظل ُم)) ؛ َفيأ ُم ُر المسلمي َن بِالح َذ ِر ِمنه َوالابتعا ِد عنه؛ َفإِ َّنه ظلما ٌت يو َم القيام ِة‬ ‫على صاح ِبه لا َيهت ِدي بِسببِها‬ ‫و منها‪(( :‬ال ُّش َّح)) ‪ ،‬وهو ال ُب ْخلُ ِبأدا ِء الحقو ِق والحر ُص على ما ليس له؛‬ ‫َفيأ ُم ُر ص َّلى اللهُ عليه وسلَّم ِبالحذ ِر منه َوالابتعا ِد عنه؛ فإ َّنه أهل َك َمن كان ق ْبلَكم؛‬ ‫َفدا ُؤه قدي ٌم و َبًل ُؤه عظي ٌم ((ح َم َلهم على أ ْن س َف ُكوا ِدما َءهم واست َحلُّوا‬ ‫محا ِر َمهم))‬ ‫((اتقوا الظلم)) اتقوا‪ :‬يعني احذروا‪ ،‬والظلم يكون في حق الله‪ ،‬ويكون في حق‬ ‫العباد‬ ‫فقوله صلى الله عليه وسلم‪(( :‬اتقوا الظلم )) أي‪ :‬لا تظلموا أحداا‪ ،‬لا أنفسكم ولا‬ ‫غيركم‪.‬‬ ‫(( فإن الظلم ظلمات يوم القيامة)) ويوم القيامة ليس هناك نور إلا من أنار الله‬ ‫تعالى له‪ ،‬وأما من لم يجعل الله له نواراا فما له من نور‪ ،‬والإنسان إن كان‬

‫مسلماا فله نور بقدر إسًلمه‪ ،‬ولكن إن كان ظالماا فقد من هذا النور بمقدار ما‬ ‫حصل من الظلم‪.‬‬ ‫(( وأتقوا الش َّح)) الحرص على المال‬ ‫(( فإنه أهلك من كان قبلكم)) لأن الحرص على المال يوجب للإنسان أن يكسب‬ ‫المال من أي وجه كان‪ ،‬من حًلل أو حرام‪.‬‬ ‫قال النبي عليه الصًلة والسًلم‪ (( :‬حملهم)) إي حمل من كان قبلنا‪.‬‬ ‫(( على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم))‬ ‫يسفك الشحيح الدماء إذا لم يتوصل إلى طمعه إلا بالدماء‪ ،‬وكذلك أيضاا يعتدون‬ ‫على الناس‪ ،‬يقتلونهم ويهتكون حجب بيوتهم‪ ،‬فيأخذون المال بالقوة والغلبة‪.‬‬ ‫و قيل‪\" :‬إ َّنما كان ال ُّش ُّح سب ابا لِذل َك؛ لأ َّن في ب ْذ ِل الما ِل و ُمواسا ِة الإخوا ِن ال َّتحا َّب‬ ‫ِموفنيسا ْلفإ ِكم اسلاِّد ِمكا ِءوالوا ُّشسِحتباال َّتحه ِةا اُجل َرمحواالر َّت ِمقا ِم ُط َ َنع‪،‬ال ُفوذرلوك ِج ُيوؤاِّدلأيعإرلاى ِ اضل َّتوشفايُج ِر‬ ‫وال َّتواصلَ‪،‬‬ ‫وال َّتعا ِدي‬ ‫الأموا ِل وغي ِرها\"‬ ‫فح ّذر النبي صلى الله عليه وسلم من أمرين‪ :‬من الظلم ومن الش ّح‪ .‬فالظلم هو‬ ‫الاعتداء على الغير‪ ،‬والشح هو الطمع فيما عند الغير‪ .‬فكل ذلك محرم‪.‬‬ ‫و في الحدي ِث‪ :‬ال َّنه ُي َع ِن ال ُّظل ِم‪ ،‬والح ُّث على ر ِّد المظالِم‪.‬‬ ‫و فيه‪ :‬ال َّنه ُي َع ِن ال ُّش ِّح والَّذي هو أش ُّد ِم َن البخ ِل‪.‬‬

‫الحديث الرابع بعد المائتين‬ ‫عن أَبي هريرة رضي الله عنه‪ :‬أن َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم َقالَ‪:‬‬ ‫(( َل ُت َؤ ُّد َّن ال ُح ُقو َق إِلَى أ ْهلِ َها َيو َم ال ِق َيا َم ِة‪َ ،‬ح َّتى ُي َقا َد لل َّشا ِة ال َج ْل َحا ِء ِم َن ال َّشا ِة‬ ‫ال َق ْر َنا ِء))‬ ‫(رواه مسلم)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫في هذا الحديث أقسم النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدق أقسم‬ ‫أن الحقوق ستؤدى على أهلها يوم القيامة‪ ،‬ولا يضيع لأحد ح ٌق‪ ،‬الحق الذي لك‬ ‫إن لم تستوفه في الدنيا استوفيته في الآخرة ولابد‪ ،‬حتى إنه يقتص للشاة‬ ‫الجلحاء من الشاة القرناء‪.‬‬ ‫((الجلحاء)) ‪ :‬التي ليس لها قرن‪.‬‬ ‫و ((القرناء)) ‪ :‬التي لها قرن‪.‬‬ ‫والغالب أن التي لها قرن إذا ناطحت الجلحاء التي ليس لها قرن تؤذيها أكثر‪،‬‬ ‫فإذا كان يوم القيامة قضى الله بين هاتين الشاتين‪ ،‬و اقتص للشاة الجلحاء من‬ ‫الشاة القرناء‪.‬‬ ‫هذا وهي بهائم لا تعقل ولا تفهم ؛ لكن الله ع ّز وجلّ حكم عدل‪ ،‬أراد أن ُيري‬ ‫عباده كمال عدله حتى في البهائم العجم‪ ،‬فكيف ببني آدم!!‬ ‫و في الحدي ِث دليلٌ على أن البهائم ُتحشر يوم القيامة ‪ ،‬وتحشر الدوا ّب‪ ،‬وكل ما‬ ‫فيه روح يحشر يوم القيامة‪.‬‬ ‫و كل شيء مكتوب‪ ،‬حتى أعمال البهائم والحشرات مكتوبة في اللوح المحفوظ‪،‬‬ ‫يحشر يوم القيامة كل شيء‪ ،‬و يقضى الله تعالى بينهم بحكمه وعدله‪ ،‬وهو‬ ‫السميع العليم‪.‬‬ ‫ففي يوم القيامة ُيقتص للمظلوم من الظالم‪ ،‬ويؤخذ من حسنات الظالم فإذا‬ ‫نفدت حسناته؛ يؤخذ من سيئات المظلوم فتطرح عليه‪.‬‬

‫قال النبي عليه الصًلة والسًلم‪ \"(( :‬من تعدون المفلس فيكم\" ‪ -‬أي الذي ليس‬ ‫عنده شيء‪ -‬قالوا‪ :‬المفلس من لا درهم عنده ولا متاع‪ .‬قال‪\" :‬المفلس من يأتي‬ ‫يوم القيامة بحسنات مثل الجبال‪ ،‬فيأتي وقد ضرب هذا‪ ،‬وشتم هذا‪ ،‬وأخذ مال‬ ‫هذا‪ ،‬وسفك دم هذا‪ ،‬فيأخذ هذا من حسناته‪ ،‬وهذا من حسناته‪ ،‬فإن بقي من‬ ‫حسناته شيء‪ ،‬وإلا أخذ من سيئاتهم ف ُطرحت عليه‪ ،‬ثم طرح في النار ))‬

‫الحديث الخامس بعد المائتين‬ ‫اعلصللهنىاعبالليلنههععومليرسلهمرو َب ْيضس َلنيمأَا َلْولظأه ُْثه َنِرعَنىنا‪،‬ه َعمََلاويل‪،‬اِهق َنُاث ْدَّمل ِر‪َ :‬ذ َيكُك ََّنراَماا َنل َتَمَحَح ََّّْسدجي ُة ُثَحالا ََعلو َّدَْدناَّج ِاَعحل َّجَح َفَِّةتأ اْىطل َنَوَحََدب ِام َفدِع‪،‬ايللهَِذواْكلَرَِّنرب ِهُس‪ُّ،‬يو َلو َقصااللللَهى‪:‬‬ ‫(( َما َب َع َث اللهُ ِم ْن َنب ٍّي إلا أ ْن َذ َرهُ أُ َّم َت ُه‪ ،‬أ ْن َذ َر ُه ُنو ٌح َوال َّنبِ ُّيو َن ِم ْن َب ْع ِد ِه‪َ ،‬وإِ َّن ُه إ ْن‬ ‫َي ْخ ُر ْج ِفي ُك ْم َفما َخ ِف َي َعل ْي ُك ْم ِم ْن َشأنِه َف َل ْي َس َي ْخ َفى َعل ْي ُكم‪ ،‬إ َّن َر َّب ُك ْم َل ْي َس بأ ْع َو َر‬ ‫وإ َّن ُه أ ْع َو ُر َع ْي ِن ال ُي ْم َنى‪َ ،‬كأ َّن َع ْي َن ُه ِع َن َب ٌة َطافِ َي ٌة‪ .‬ألا إ َّن الله َح َّر َم َعلَ ْي ُك ْم ِد َماء ُك ْم‬ ‫ا َه َْذشا َه‪ْ ،‬دف))يثبًللداثاكم(( َهوذْيالَ‪ُ ،‬ك ْمف‪-‬يأَ ْو َش َْهو ِْير َُكح ْمُك ْم َ‪،‬ه َذاا ْن‪ُ ،‬ظألراوا َه‪:‬لْلاَبلّ َتْغ ْر ُتج؟ُع)و)ا‬ ‫َوأ ْم َوا َل ُك ْم ك ُح ْر َم ِة َي ْو ِم ُك ْم‬ ‫قالُوا‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬قالَ‪(( :‬ال َّل ُه َّم‬ ‫َب ْع ِدي ُك ّفا ارا َي ْض ِر ُب َب ْع ُض ُك ْم ِر َقا َب َب ْع ٍض))‬ ‫( رواه البخاري‪ ،‬وروى مسلم بعضه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫كان ال َّنب ُّي صلَّى الله عليه وس َّلم ُيح ِّذ ُر أُ َّم َته من ال َّدجا ِل‪ ،‬وفي هذا الحدي ِث يقولُ‬ ‫اب ُن ُع َم َر رضي اللهُ َع ْنه‪:‬‬ ‫((ك َّنا نتح َّد ُث ب َح َّج ِة ال َودا ِع)) أي‪َ :‬ن ْذ ُك ُر ا ْس َمها‬ ‫َح(َّجم(ا ُةواكالالنَنوبوداُّاي َِيعف)ص)هَّل‪،‬مىأوالنيل‪:‬هالل ُأمع َّنلرياه َهد َموص َّلنسىَلّاملا َلولبهيدان ِععلأَ‪،‬ي ْظهحُهت ِورنىاس ّلَُت)م)و ِّفأكايين‪:‬ال ََّذنبحَك ٌُّّرييهبايصنفّلَنتاى‪،‬ح َّادل(ثل(هواولعابليَهناهد‪،‬روويلسكَّل َّنمماهم‬ ‫ف َع ِلموا عن َد ذلك أ َّنه َو َد َع ال َّنا َس بالوصايا في تلك ال َح َّج ِة‪.‬‬ ‫و ((حجة الوداع)) هي الحجة التي حجها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة‬ ‫العاشرة من الهجرة‪ ،‬وود ّع الناس فيها وقال‪(( :‬لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ))‬ ‫ولم يح ّج النب ُّي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة إلا هذه المرة فقط‪ ،‬و ُتوفي‬ ‫عليه الصًلة والسًلم بعد رجوعه الي المدينة في ربيع الأول‬ ‫و قد َخ َطب فيهم النب ُّي صلَّى اللهُ عليه وس ّلَم في عرفة وخطبهم في منى فذكر‬ ‫المسيح الدجال وعظم من شأنه وحذر منه تحذيرا بالغاا‪.‬‬

‫في‬ ‫أي‪ :‬أَطالَ‬ ‫عليه‪ُ ،‬ث َّم َذ َك َر المسي َح ال َّدجالَ فأَ ْط َنب في ِذ ْك ِره))‬ ‫وأَ ْثنى‬ ‫((ف َح ِمد الل َه‬ ‫ال ُّربوب َّي َة‪.‬‬ ‫وهو ال َّد َّجالُ الذي َيظه ُر في آ ِخ ِر ال َّزما ِن وي َّدعي‬ ‫عنه‪،‬‬ ‫ُخطبتِه‬ ‫ثم قال‪(( :‬ما َب َعث اللهُ من نب ٍّي إ َّلا أَ ْن َذر أُ َّم َته)) أي‪ :‬ح َّذ َرهم منه و ِمن ِف ْتن ِته‪ ،‬فكل‬ ‫الأنبياء انذروا قومهم من الدجال‬ ‫((أَ ْن َذره ُنو ٌح والنب ُّيون ِمن َب ْعده))‪ ،‬أي‪ :‬أَ ْنذروه أُ َم َمهم‪ ،‬وع َّين ُنو احا خا َّص اة؛ لأ َّن‬ ‫آ َمن َمعه‪ .‬ث َّم أَ ْخ َب َرهم النب ُّي‬ ‫ولم َي ْب َق إ َّلا ُنو ٌح و َمن‬ ‫َم ْن َق ْبل نو ٍح َهلَكوا ك ُّلهم‪،‬‬ ‫الأُ َّم ِة ال ُمح َّمد َّي ِة ِعند قُ ْر ِب‬ ‫ال َّدجالَ َي ْخ ُرج في هذه‬ ‫صلَّى الله عليه وسلَّم أ َّن‬ ‫ال َّساع ِة‪.‬‬ ‫ثم قال ال َّنب ُّي ص َّلى اللهُ عليه وس َّل َم‪(( :‬فما خفِي عليكم ِمن شأنِه فليس َي ْخفى‬ ‫عليكم‪ :‬أ َّن ر َّبكم ليس بأعور ))‬ ‫أي‪ :‬إ ْن َخفِي عليكم بع ُض شأ ِنه‪ ،‬فًل َي ْخفى عليكم أ َّن ر َّبكم ليس بأعو َر؛ لأ َّنها‬ ‫ِصفُ ُة ن ْق ٍص ولا َتلي ُق به سبحانه‬ ‫فالله ع ّز وجلّ كامل الصفات‪ ،‬ليس في صفاته نقص بوجه من الوجوه‪ .‬أما هذا‬ ‫فإنه أعور‪ ،‬عينه اليمنى كأنها عنبة طافية‪ .‬وهذه عًلمة حسية واضحة كل‬ ‫يعرفها‪.‬‬ ‫((وإ َّنه))‪ ،‬أي‪ :‬ال َّدجال ((أعو ُر ال َعي ِن ال ُيم َنى‪ ،‬كأ َّن عي َنه ِع ْنب ٌة طافي ٌة)) أي‪:‬‬ ‫با ِرزةٌ‪ ،‬أو َذ َه َب نو ُرها‬ ‫ثم قال النب ُّي ص َّلى الله عليه وس َّلم‪(( :‬ألا إ َّن الل َه ح َّرم عليكم ِدما َءكم وأموالَكم‪،‬‬ ‫ك ُح ْرم ِة َيو ِمكم هذا‪ ،‬في َبل ِدكم هذا‪ ،‬في َش ْه ِركم هذا ))‬ ‫ال َّن ْح ِر‬ ‫يو ِم‬ ‫بينكم َك ُحرم ِة‬ ‫ُح ْرم َة الاعتدا ِء على الأموا ِل والأعرا ِض‬ ‫أ َّن‬ ‫يعني‪:‬‬ ‫المك َّرم ِة‪.‬‬ ‫و ُح ْر َمة ال َّشه ِر الحرا ِم و ُحر َم ِة َم َّك َة‬ ‫ث َّم أَ ْش َه َدهم النب ُّي ص َّلى الله عليه وس َّلم على أ َّنه قد ب ّلَغ عن ر ِّبه فقال‪(( ،‬أَ َلا َه ْل‬ ‫ب َلّغ ُت؟‪ ،‬قالوا‪َ :‬ن َعم‪ ،‬قال‪\" :‬الله َّم ا ْش َهد\"))‬ ‫ثم قال‪َ (( :‬و ْيلَكم أو َو ْي َحكم!))‬

‫وهما َكلِمتان كانت تستعملهما ال َع َر ُب بمعنى التع ُّجب و التو ُّجع‬ ‫((ان ُظروا‪ ،‬لا َتر ِجعوا َبع ِدي ُك َّفا ارا‪ ،‬يضر ُب بع ُضكم رقا َب َبع ٍض)) ُيح ِّذ ُرهم ص ّلَى‬ ‫الله عليه وس َّلم أ ْن َتح ِملَهم ال َعداوةُ وال َبغضا ُء فيما بينهم وغي ُر ذلك على‬ ‫ا ْستِحًل ِل َبع ِضهم ِدما َء بع ٍض؛ ف َير ِجعوا بع َده ُك َّفا ارا َيض ِر ُب بع ُضهم رقا َب بع ٍض‪.‬‬ ‫أي‪ :‬لا َتفعلوا أفعالَ ال ُك َّفا ِر الذين َيستبيحو َن ِدما َء بع ِضهم‪.‬‬ ‫وقيل‪\" :‬إ َّن ق ْتلَ المؤ ِم ِن واستباح َة َد ِمه بغي ِر وج ِه ح ٍّق أم ٌر ُيف ِضي إلى ال ُكف ِر\"‬ ‫و في الحدي ِث ‪ :‬بيا ُن ِصف ِة ال َّد َّجا ِل و َعظي ِم فِتن ِته؛ حي ُث أَن َذ َره كلُّ النب ُّيو َن عليهم‬ ‫ال َّسًل ُم‪.‬‬ ‫و فيه‪َ :‬تأكي ُد َتحري ِم ِدما ِء ال ُمسلمي َن‪ ،‬وأموالِهم‪ ،‬وأعرا ِضهم‪.‬‬ ‫و فيه أي اضا‪ :‬إثبا ُت َعي َني ِن للهِ تعالى كما َيلي ُق بجًل ِله وكمالِه‪.‬‬

‫الحديث السادس بعد المائتين‬ ‫عن عائشة رضي الله عنها‪ :‬أن َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪َ ،‬قالَ‪َ (( :‬م ْن‬ ‫َظ َل َم قي َد ِش ْب ٍر ِم َن الأ ْر ِض‪ُ ،‬ط ِّو َق ُه ِم ْن س ْب ِع أ َرضي َن))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫أَ ْرض‪،‬‬ ‫ُخصوم ٌة في‬ ‫بن عبد ال َّرحمن وبين أُ َنا ٍس ِمن قو ِمه‬ ‫كان َبين أبي َس َل َمة‬ ‫اج َت ِن ِب‬ ‫يا أبا َس َلمة‪،‬‬ ‫ر ِضي اللهُ عنها فذ َكر لها ذلك‪ ،‬فقالت‪:‬‬ ‫فد َخل على عائش َة‬ ‫الأر َض فًل َت ْغ ِصب ِمنها شي ائا؛ فإ َّن رسولَ الله ص َّلى الله عليه وس َلّم قال‪:‬‬ ‫(( َمن ظ َلم قِي َد ِش ْب ٍر))‪ ،‬أي‪ِ :‬من الأرض‪.‬‬ ‫(( ُط ِّو َقه ِمن َسب ِع أَ َر ِضي َن))‪ ،‬أي‪ :‬يو َم ال ِقيامة‪.‬‬ ‫هذا الحديث يتناول نوعاا من أنواع الظلم وهو الظلم في الأرضي‪ .‬وظلم‬ ‫الأراضى من أكبر الكبائر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ (( :‬لعن الله من‬ ‫غير منار الأرض))‪.‬‬ ‫قال العلماء‪\" :‬منار الأرض حدودها؛ فإذا غير إنسان من هذه الأرض‪ ،‬بأن‬ ‫أدخل شيئاا من هذه الأرض إلى أرض غيره‪ ،‬فإنه ملعون على لسان النبي صلى‬ ‫الله عليه وسلم\"‬ ‫و اللعنة‪ :‬هي الطرد والإبعاد عن رحمة الله‪.‬‬ ‫و ثمة عقوبة أخرى‪ ،‬وهو ما ذكره في هذا الحديث؛ أنه إذا ظلم قيد شبر ُطوقه‬ ‫يوم القيامة من سبع أرضين‪ .‬لأن الأرضين سبع فالإنسان إذا ظلم قيد شبر من‬ ‫الأرض فإنه يطوق من سبع أرضين يوم القيامة‪ ،‬أي يجعل له طوقاا في عنقه‪،‬‬ ‫يحمله أمام الناس ‪ ،‬يخزي به يوم القيامة‪ ،‬ويتعب به‬ ‫فالظالم يتحمل هذا الجزء وما تحته إلى سبع أرضين‪ ،‬يجعل طو اقا في عنقه ذلك‬ ‫الجزء وما تحته إلى آخر الأرض‪ ،‬وهذا نوع من التعذيب الشديد له بظلمه‬ ‫لأخيه‪.‬‬

‫و يستدل به على أن الأرض إذا ملكها إنسان ملك ما تحتها‪ ،‬له أن يحفر ويحفر‬ ‫ويحفر ولو بعد المدى؛ لأنه قد ملك الأرض وما تحتها لهذا الحديث الصحيح‪.‬‬ ‫و قوله‪ (( :‬قيد شبر من الأرض)) ليس هذا على سبيل القيد‪ ،‬بل هو على سبيل‬ ‫المبالغة‪ ،‬يعني ولو كان شيئاا قليًلا قيد شبر فإنه سيطوقه يوم القيامة‪ ،‬فإن ظلم‬ ‫ما دونه ُطوقه أيضاا‬ ‫و في الحدي ِث ‪ :‬دليلٌ على أ َّن الأ َرضي َن َسب ٌع كال َّسموات‪.‬‬ ‫و فيه‪ :‬ال َّنه ُي عن ال ُّظلم و َغ ْص ِب الأرض‪ ،‬و َت ْغلي ُظ عقوب ِته‪.‬‬

‫الحديث السابع بعد المائتين‬ ‫عن أَبي موسى رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪(( :‬إ َّن‬ ‫ا ْلقُ َرى‬ ‫أَ َخ َذ‬ ‫إِ َذا‬ ‫أَ ْخ ُذ َر ِّب َك‬ ‫َق َرأَ‪{ :‬و َك َذ ِل َك‬ ‫أ َخ َذهُ لَ ْم ُي ْفلِ ْت ُه))‪ُ ،‬ث َّم‬ ‫ِلل َّظالِ ِم‪َ ،‬فإِ َذا‬ ‫َل ُي ْملِي‬ ‫الله‬ ‫‪]102‬‬ ‫َش ِدي ٌد} [هود‪:‬‬ ‫َظالِ َم ٌة إِ َّن َأ ْخ َذ ُه أَلِي ٌم‬ ‫َو ِه َي‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫في المعصي ِة‬ ‫ما عليه ِم َن الأم ِن‬ ‫عليه‪ ،‬فق ْد يكو ُن‬ ‫الل ِه‬ ‫أ ْن يغت َّر ب ِحل ِم‬ ‫لا ينبغي لِلعب ِد‬ ‫أخ َذهُ اللهُ بما‬ ‫تعالى له ح َّتى إذا‬ ‫استدرا ٌج ِم َن الل ِه‬ ‫هو‬ ‫ولغي ِره؛ إ َّنما‬ ‫وال ُّظل ِم لِنفس ِه‬ ‫ق َّد َم ِمن َعم ٍل‪ ،‬لم يج ُد له ِمن دونِه َولِ اّيا ولا َنصي ارا‪.‬‬ ‫(( إن الله ليملي للظالم‪ ،‬فإذا أخذه لم يفلته)) يملي له‪ :‬يعني ُيمهل له حتى‬ ‫يتمادى في ظلمه ‪ ،‬فًل يعاجله بالعقوبة‪ ،‬وهذا من البًلء‪.‬‬ ‫((إ َّن اللهَ ل ُيملي لل َّظال ِم)) ‪ ،‬أي‪ُ :‬يمهلُه و ُيطيلُ ُعم َره ح َّتى إذا أخ َذه لم ُيفل ْته‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫لا يتر ُكه ولا يخ ِّل ُصه أب ادا لكثر ِة مظا ِلمه ‪.‬‬ ‫فمن الاستدراج أن يملى للإنسان في ظلمه‪ ،‬فًل يعاجل له العقوبة سريعاا حتى‬ ‫تتكدس عليه المظالم‪ ،‬فإذا أخذه الله لم يفلته‪ ،‬أخذه أخذ عزيز مقتدر‪.‬‬ ‫أَ َخ َذ ا ْلقُ َرى َو ِه َي‬ ‫عليه وسلم‪َ ( :‬و َك َذلِ َك أَ ْخ ُذ َر ِّب َك إِ َذا‬ ‫قرأ النبي صلى الله‬ ‫((ثم‬ ‫الأَ ْخ ِذ أ ْخ ُذ الل ِه الأم َم‬ ‫(هود‪ )) )102 :‬أي‪ :‬و ِمثلُ ذلك‬ ‫إِ َّن َأ ْخ َذ ُه أَلِي ٌم َش ِدي ٌد)‬ ‫َظالِ َم ٌة‬ ‫ال َّسالف َة في حا ِل كو ِنها ظالم اة‪ ،‬وأخ ُذه سبحانه وجي ٌع َصع ٌب على المأخو ِذ‪ ،‬وفيه‬ ‫تحذي ٌر عظي ٌم َع ِن ال ُّظ ْل ِم‪ ،‬وتحذي ٌر لكلِّ أه ِل قري ٍة ظالم ٍة‪.‬‬ ‫فعلى الإنسان الظالم أن لا يغتر بنفسه ولا بإمًلء الله له‪ ،‬فإن ذلك مصيبة فوق‬ ‫مصيبته‪ .‬لأن الإنسان إذا عوقب بالظلم عاجًلا ‪ ،‬فربما يتذكر ويتعظ ويدع الظلم‪،‬‬ ‫لكن إذا أملي له واكتسب آثاماا أو ازداد ظلماا‪ ،‬ازدادت عقوبته فيؤخذ على غرة‪،‬‬ ‫حتى إذا أخذه الله لم يفلته‪.‬‬ ‫و في الحدي ِث ُيح ِّذ ُر الرسول ص َّلى اللهُ عليه وسلَّم ِم َن ال َّتما ِدي في ال ُّظل ِم‪.‬‬

‫الحديث الثامن بعد المائتين‬ ‫عن معاذ رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬ب َع َث ِني َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم َف َقالَ‪(( :‬إ َّن َك‬ ‫َتأتِي َق ْو اما ِم ْن أه ِل ال ِك َتا ِب َفا ْد ُع ُه ْم إِلَى َش َها َد ِة أ ْن لا إ َل َه إلا الله‪َ ،‬وأ ِّني رسولُ الله‪،‬‬ ‫َفإ ْن ُه ْم أَ َطا ُعوا لِذلِ َك‪َ ،‬فأ ْعلِ ْم ُه ْم أ َّن اللهَ َق ِد ا ْف َتر َض َعلَ ْي ِه ْم َخ ْم َس َصلَوا ٍت في ُكلِّ‬ ‫َق ِد ا ْف َت َر َض َعلَ ْي ِه ْم َص َد َق اة ُتؤ َخ ُذ‬ ‫أ َّن اللهَ‬ ‫أ َطا ُعوا لِ َذلِ َك‪َ ،‬فأ ْعلِ ْم ُه ْم‬ ‫َو َليلَ ٍة‪َ ،‬فإِ ْن ُه ْم‬ ‫َي ْو ٍم‬ ‫لِ َذلِ َك‪َ ،‬فإِ َّيا َك َو َك َرا ِئ َم أ ْم َوا ِل ِه ْم‪،‬‬ ‫أ َطا ُعوا‬ ‫َع َلى فُ َق َرا ِئ ِه ْم‪َ ،‬فإ ْن ُه ْم‬ ‫أ ْغ ِن َيا ِئ ِه ْم َف ُت َر ُّد‬ ‫ِم ْن‬ ‫َوا َّت ِق َد ْع َو َة ال َم ْظلُو ِم؛ فإِ َّن ُه َل ْي َس َب ْي َنها َو َب ْي َن اللهِ ِح َجا ٌب))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫وغيسرلَّمالمحيسلنمأيرن َسإللىماعلاإاذاسًرل ِمضتبيدأُاللبه َدععنو ِتههإلم إىلالى َياملإ ِنقركا ِري‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫يع ّلِ ُمنا ال َّنب ُّي ص َلّى‬ ‫دعو َة‬ ‫أ َّن‬ ‫يدع َوهم للإسًل ِم‪،‬‬ ‫بوحدان َّي ِة الله تعالى‪ ،‬ورسال ِة نب ِّيه مح َّم ٍد صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأ َّنه ال َّشر ُط الأ َّول‬ ‫في َقبول الأعمال وص َّح ِة جمي ِع العبادا ِت ال َّشرع َّية‪.‬‬ ‫عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال‪(( :‬بعثني رسول الله صلى الله عليه‬ ‫وسلم)) إلى اليمن ‪ ،‬وكانت بعثته إياه في ربيع من السنة العاشرة من الهجرة‪،‬‬ ‫بعثه صلى الله عليه وسلم إلى اليمن‪ ،‬وكانوا أهل كتاب‪ ،‬وقال له‪ ((:‬إنك تأتي‬ ‫قوماا من أهل الكتاب))‬ ‫أخبره بحالهم لكي يكون مستعداا لهم؛ لأن الذي يجادل أهل الكتاب لابد أن يكون‬ ‫عنده من الحجة أكثر وأقوى مما عنده للمشرك؛ لأن المشرك جاهل‪ ،‬والذي‬ ‫أوتي الكتاب عنده علم‪ ،‬وأيضاا أعلمه بحالهم‪ ،‬لينزلهم منزلتهم‪ ،‬فيجادلهم بالتي‬ ‫هي أحسن‪.‬‬ ‫ثم و ّجهه عليه الصًلة والسًلم إلى أول ما يدعوهم إليه‪ :‬التوحيد و الرسالة‪،‬‬ ‫قال له‪ (( :‬فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله)) أن يشهدوا أن‬

‫لا إله إلا الله أي‪ :‬لا معبود بحق الله سبحانه وتعالى‪ ،‬فهوالمستحق للعبادة‪ ،‬وما‬ ‫عداه فًل يستحق للعبادة‪ ،‬بل عبادته باطلة‬ ‫(( وأني رسول الله)) يعني مرسل ُه الذي أرسله إلى الإنس والجن‪ ،‬وختم به‬ ‫الرسالات‪ ،‬فمن لم يؤمن به فإنه من أهل النار‪.‬‬ ‫ثم قال له‪ (( :‬فإن هم أجابوك لذلك)) يعني شهدوا أن لا إله إلا الله‪ ،‬وأن محمداا‬ ‫رسول الله ((فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كلّ يوم وليلة))‪.‬‬ ‫لا يجب شيء من الصلوات اليومية إلا هذه الخمس‪ ،‬فالسنن الرواتب ليست‬ ‫بواجبة‪ ،‬والوتر ليس بواجب‪ ،‬وصًلة الضحى ليست بواجبة‪.‬‬ ‫ثم قال له‪ (( :‬فان هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ‬ ‫من أغنيائهم فتر ُد في فقرائهم)) وهذه هي الزكاة ‪ ،‬الزكاة صدقة واجبة في‬ ‫المال تؤخذ من الغني وترد في الفقير‪.‬‬ ‫وقوله‪ (( :‬تر ٌد في فقرائهم)) أي تصرف في فقراء البلد؛ لأن فقراء البلد أحق‬ ‫من تصرف إليهم صدقات أهل البلد‬ ‫ثم قال له صلى الله عليه وسلم ((فإن هم أطاعوا لذلك)) يعني انقادوا ووافقوا‪،‬‬ ‫((فإياك وكرائم أموالهم)) و الكرائم جمع كريمة وهي الحسنة المرغوب‪ .‬يعني‬ ‫لا تأخذ من أموالهم الطيب‪ ،‬ولكن خذ المتوسط ولا تظلم ولا ُتظلم‪.‬‬ ‫(( واتق دعوة المظلوم)) يعني انك إذا أخذت من نفائس أموالهم‪ ،‬فإنك ظالم‬ ‫لهم‪ ،‬وربما يدعون عليك‪ ،‬فاتق دعوتهم‬ ‫((فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) تصعد إلى الله تعالى‪ ،‬ويستجيبها‪ ،‬هذا هو‬ ‫الشاهد من هذا الحديث أن الإنسان يجب عليه أن يتقي دعوة المظلوم‬ ‫و ُيستفاد من هذا الحديث فوائد كثيرة‪:‬‬ ‫‪ ‬أن أول ما يدعى إليه الناس‪ :‬شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداا رسول‬ ‫الله‬

‫‪ ‬أن أهم شيء بعد الشهادتين هو الصًلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫قال‪ \" :‬فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس‬ ‫صلوات في اليوم والليلة\"‬ ‫‪ ‬أن الزكاة واجبة‪ ،‬وهي فرض من فروض الإسًلم‪ ،‬وهي الركن الثالث من‬ ‫أركان الإسًلم‪ ،‬والثاني بعد الشهادتين وأنها تصرف في فقراء البلد‪.‬‬ ‫‪ ‬و في الحدي ِث أيضاا دليلٌ على تحريم الظلم‪ ،‬وأنه لا يجوز للساعي على‬ ‫الزكاة أن يأخذ اكثر من الواجب‪ ،‬وأن دعوة المظلوم مستجابة ليس بينها‬ ‫وبين الله حجاب‪.‬‬

‫الحديث التاسع بعد المائتين‬ ‫عن أبي ُح َمي ٍد عبد الرحمن بن سعد ال َّسا ِع ِدي رضي الله عنه َقالَ‪ :‬ا ْس َت ْع َملَ ال َّنب ُّي‬ ‫صلى الله عليه وسلم َر ُج اًل ِم َن الأ ْز ِد ُي َقالُ َل ُه‪ :‬ا ْب ُن اللُّ ْت ِب َّي ِة َع َلى ال َّص َد َق ِة‪َ ،‬ف َل َّما‬ ‫َق ِد َم‪َ ،‬قالَ‪َ :‬ه َذا َل ُك ْم‪َ ،‬و َه َذا أُ ْه ِد َي إِ َل َّي‪َ ،‬ف َقا َم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم َع َلى‬ ‫م ْن ُك ْم َع َلى‬ ‫َع َلي ِه‪ُ ،‬ث َّم َقالَ‪(( :‬أ َّما َبع ُد‪َ ،‬فإِ ِّني أ ْس َت ْع ِملُ ال َّر ُجلَ‬ ‫َف َح ِم َد الله َوأ ْث َنى‬ ‫ال ِم ْن َب ِر‬ ‫أ َفًل َجلَ َس‬ ‫َف َيأتِي َف َي ُقولُ‪َ :‬ه َذا َل ُك ْم َو َهذا َه ِد َّي ٌة أُ ْه ِدي ْت إ َل َّي‪،‬‬ ‫ِم َّما َولانِي اللهُ‪،‬‬ ‫ال َع َم ِل‬ ‫في بيت أبِي ِه أَ ْو أُ ِّم ِه َح َّتى َتأتِ َي ُه َه ِد َّي ُت ُه إ ْن َكا َن َصا ِد اقا‪ ،‬واللهِ لا َيأ ُخ ُذ أ َح ٌد ِم ْن ُك ْم‬ ‫َشي ائا ِب َغي ِر َح ِّق ِه إلا َلقِ َي الله َت َعا َلى‪َ ،‬ي ْح ِملُ ُه َي ْو َم ال ِق َيا َم ِة‪َ ،‬فًل أ ْع ِر َف َّن أ َح ادا ِم ْن ُك ْم َل ِق َي‬ ‫الل َه َي ْح ِملُ َبعي ارا َل ُه ُر َغا ٌء‪َ ،‬أ ْو َب َق َر اة لَ َها ُخ َوا ٌر‪ ،‬أَ ْو َشا اة َت ْي َع ُر))‪ُ .‬ث َّم رفع يدي ِه َح َّتى‬ ‫ُر ِؤ َي ُع ْف َرةُ إ ْب َط ْي ِه‪َ ،‬ف َقالَ‪(( :‬ال ّلَ ُه َّم َهلْ َب َّل ْغ ُت))ثًل اثا‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫‪ o‬ال ُخوار‪ :‬صوت البقرة‪.‬‬ ‫‪ o‬ال ُّرغاء‪ :‬صوت الإبل‪.‬‬ ‫‪ o‬ال ُعفرة‪ :‬بياض مشوب بال ُّس ْمرة‪.‬‬ ‫‪ o‬ت ْي َعر‪ :‬تصيح وتصوت صو اتا شدي ادا‪ ،‬وهو صوت الشاة‪.‬‬ ‫يحكي أبو ُح َم ْي ٍد ال َّسا ِعد ُّي رضي ال َّله َعنه‪ ،‬أ َّن ال َّنب َّي ص َّلى ال َّلهُ عليه وس َلّم‬ ‫اس َتع َملَ اب َن اللُّ ْت ِب َّي ِة على جمع َص َدقا ِت َبني ُسلَ ْي ٍم (زكاة أموالهم) ‪.‬‬ ‫الَرَّل ِهسوصِللَّ اىل َّلاهِل َّلهص َّلعلىيهال َّلهُوسعّلَلمي‪:‬ه‬ ‫على ما َق َب َض َو َص َر َف‪،‬‬ ‫وسلَّم حا َس َب ُه‬ ‫جاء إلى‬ ‫فلَ َّما‬ ‫وهذه َه ِد َّي ٌة أُ ْه ِد َي ْت لي‪.‬‬ ‫هذا ا َّلذي لكم‪،‬‬ ‫لِ َرسو ِل‬ ‫فقال‬ ‫فقال ص َّلى ال َّلهُ عليه وس َّلم َل ُه‪َ :‬ف َه ًَّل َج َل ْس َت في َب ْي ِت أبي َك‪َ ،‬و َب ْي ِت أُ ِّم َك َح َّتى َتأ ِت َي َك‬ ‫َهد َّي ُت َك إ ْن ُكن َت صا ِد اقا في َدعوا َك‬ ‫ث َّم قا َم صلَّى ال َّلهُ عليه وس َّلم َف َخ َط َب ال َّنا َس‪َ ،‬و َح ِم َد ال َّلهَ َوأث َنى عليه‬ ‫ُث َّم قالَ‪ :‬أ َّما َبع ُد‪ ،‬أي‪ :‬بعد ما َذ َك َر ِمن َح ْم ِد ال َّل ِه وال َّثنا ِء عليه‪.‬‬

‫لكم‪،‬‬ ‫افلعيم َبلْي ِِمت َّمأابيَو ِهَّلاأنويأُاِّمل َّل ِههُ‪َ ،‬ح َفَّت َيأىت َتيأ ِت َفَي َي ُهقوَه ِلُد َّي ُ‪:‬ت ُه َهإذ ْان‬ ‫ِمن ُك ْم على‬ ‫(( َفإ ِّني أَ ْس َتع ِملُ الرجل‬ ‫كا َن‬ ‫أفًل َج َل َس‬ ‫َوهذا َه ِد َّي ٌة أُ ْه ِد َي ْت لي‪،‬‬ ‫صا ِد اقا‪َ ،‬وال َّلهِ لا َيأ ُخ ُذ أ َح ُد ُكم ِمنها))‬ ‫أي‪ِ :‬من ال َّص َدق ِة الَّتي َق َب َضها‪َ (( ،‬شي ائا بِ َغي ِر َح ِّق ِه إ َّلا لقي ال َّلهَ َي ْح ِملُ ُه))‬ ‫أي‪ :‬الَّذي أ َخ َذ ُه‪َ (( ،‬يو َم القيام ِة))‬ ‫(( َف ًَل أَ ْع ِر َف َّن أح ادا منكم لَ ِق َي ال َّل َه َي ْح ِملُ َبعي ارا له ُرغا ٌء أو َب َقر اة لها ُخوا ٌر ‪ ،‬أو‬ ‫شا اة َت ْي ِع ُر)) أي َتصي ُح وال ُيعا ُر‪َ :‬ص ْو ُت ال َّشا ِة‬ ‫َهل‬ ‫((اللهم‬ ‫‪:‬‬ ‫َف َقالَ‬ ‫وس َّلم َي َد ْيه ح َّتى َرؤي َبيا ُض إ ْب َط ْي ِه‪،‬‬ ‫عليه‬ ‫ال َّلهُ‬ ‫ص َّلى‬ ‫َر َف َع‬ ‫ث َّم‬ ‫َبلَّ ْغ ُت)) أي‪ :‬بلغت ُح ْك َم ال َّل ِه إليكم‬ ‫و معنى الحديث‪ :‬أن من تولى ولاية وقدمت له هدية من أجل ولايته لم يجز له‬ ‫قبولها‪ ،‬لأنها كالرشوة‪.‬‬ ‫و في الحدي ِث ‪ُ :‬محا َسب ُة ال ُع َّما ِل و َم ْن ُعه ْم ِمن َقبو ِل ال َهدي ِة ِم َّمن لهم عليه ُحك ٌم‪.‬‬ ‫و فيه‪ :‬ال َّتأدي ُب بال َكلِم ِة ال َقو َّي ِة ِعن َد الحاج ِة‪.‬‬

‫الحديث العاشر بعد المائتين‬ ‫عن أَبي هريرة رضي الله عنه عن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪َ ((:‬م ْن َكا َن ْت‬ ‫ِع ْن َد ُه َم ْظل َم ٌة لأَ ِخيه‪ِ ،‬م ْن ِعر ِض ِه أَ ْو ِم ْن َش ْي ٍء‪َ ،‬ف ْل َي َت َحلَّ ْل ُه ِم ْن ُه ال َي ْو َم ق ْبلَ أ ْن لا‬ ‫لَ ْم‬ ‫َوإ ْن‬ ‫ِلَد ُْهر َه َحٌم؛ َس َإنا ْن ٌت َكأُا َِخن َذ َل ُِهم ْن َع َم َسلٌِّي َئا َص ِتا ِل ٌح َصاأُ ِحِخ ِبَذ ِه ِم َفْن ُُهح ِم ِب َلقَ ْد َِرعلَيَم ِه ْظ)ل) َمتِ ِه‪،‬‬ ‫َولا‬ ‫ِدي َنار‬ ‫َي ُكو َن‬ ‫َي ُك ْن‬ ‫( رواه البخاري)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫((فليتحلله منه اليوم)) يعني في الدنيا‪.‬‬ ‫((قبل ألا يكون دينار ولا درهم)) و ذلك يوم القيامة‪.‬‬ ‫فإنه في الدنيا يمكن أن يتحلل الإنسان من المظالم التي عليه بأدائها إلى أهلها‪،‬‬ ‫أو استحًللهم منها‪.‬‬ ‫لكن في الآخرة ليس هناك شيء إلا الأعمال الصالحة‪ ،‬فإذا كان يوم القيامة‬ ‫أقتص من الظالم للمظلوم من حسناته؛ يؤخذ من حسناته التي هي رأس ماله‬ ‫في ذلك اليوم‪ ،‬فإن بقي منه شيء وإلا‬ ‫أخذ من سيئات المظلوم وحملت على الظالم ‪ ،‬فازداد بذلك سيئات إلى سيئاته‪.‬‬ ‫وظاهر هذا الحديث أنه يجب على الإنسان أن يتحلل من ظلم أخيه في المال‬ ‫والنفس والعرض‪ .‬و ذلك لأن المظالم إما أن تكون بالنفس‪ ،‬أو بالمال‪ ،‬أو‬ ‫بالعرض؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم‪ (( :‬إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم‬ ‫حرا ٌم عليكم))‪.‬‬ ‫فإن كانت بالنفس مثل أن يكون قد جني عليه‪ ،‬أو ضربه حتى جرحه‪ ،‬أو‬ ‫قطع عضواا من أعضائه‪ ،‬أو قتل له قتيًلا‪ ،‬فإنه يتحلل منه بأن يمكن صاحب‬ ‫الحق من القصاص‪ ،‬أو من بذل الدية إذا لم يكن القصاص‪.‬‬

‫أما إن كانت في المال فإنه يعطيه ماله‪ ،‬إذا كان عنده مال لأحد‪ ،‬فالواجب أن‬ ‫يعطيه صاحبه‪ ،‬فإن غاب عنه ولم يعرف مكانه وأيس منه فإنه يتصدق به‬ ‫عنه‪ ،‬وإن كان قد مات أي صاحب الحق‪ ،‬فإنه يوصله إلى ورثته‪.‬‬ ‫أما إن كانت في العرض مثل أن يكون قد سب شخصاا في مجلس أو أغتابه‪،‬‬ ‫فًلبد أن يتحلل منه‪.‬‬ ‫قال بعض العلماء في مسألة العرض‪\" :‬إن كان المظلوم لم يعلم فًل حاجة أن‬ ‫يعلمه‪ ،‬ولكن يستغفر له ويدعو له‪ ،‬ويثني عليه بالخير في المجالس التي كان‬ ‫يسبه فيها‪ ،‬وبذلك يتحلل منه\" ‪.‬‬ ‫فحقوق الناس لابد أن تعطى لهم‪ ،‬إما في الدنيا وإما في الآخرة‪.‬‬ ‫و في الحدي ِث ‪ :‬الأمر بالاستحًلل‪ ،‬ورد المظالم في الدنيا‪ ،‬وإلا أخذ المظلوم‬ ‫لحقه واف ايا في الآخرة‪.‬‬

‫الحديث الحادي عشر بعد المائتين‬ ‫عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن ال َّنب ّي صلى الله عليه‬ ‫وسلم َقالَ‪(( :‬ال ُم ْسلِ ُم َم ْن َسلِ َم ال ُم ْس ِل ُمو َن ِم ْن لِ َسانِ ِه َو َي ِد ِه‪َ ،‬وال ُم َها ِج ُر َم ْن َه َج َر َما‬ ‫َن َهى اللهُ َع ْن ُه))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫(من سلم المسلمون من لسانه) سلم المسلمون من لسانه فًل يسبهم‪ ،‬ولا‬ ‫يلعنهم‪ ،‬ولا يغتابهم‪ ،‬ولا ينم بينهم‪ ،‬ولا يسعى بينهم بأي نوع من أنواع الشر‬ ‫والفساد‪ ،‬فهو قد ك ّف لسانه‪ ،‬وكف اللسان من أشد ما يكون على الإنسان‪ ،‬وهو‬ ‫من الأمور التي تصعب على المرء وربما يستسهل إطًلق لسانه‪.‬‬ ‫فاللسان من أشد الجوارح خطراا على الإنسان‪ ،‬ولهذا إذا أصبح الإنسان فإن‬ ‫الجوارح‪ :‬اليدين والرجلين والعينين‪ ،‬كل الجوارح تكفر اللسان‪.‬‬ ‫(من سلم المسلمون من يده) فًل يعتدي عليهم بالضرب‪ ،‬أو الجرح‪ ،‬أو أخذ‬ ‫المال‪ ،‬أو ما أشبه ذلك‪ ،‬قد كف يده لا يأخذ إلا ما يستحقه شرعاا‪ ،‬ولا يعتدي‬ ‫على أحد‪ ،‬فإذا اجتمع للإنسان سًلمة الناس من يده ومن لسانه‪ ،‬فهذا هو‬ ‫المسلم‪.‬‬ ‫(والمهاجر من هجر مانهى الله عنه) الهجرة نوعان‪ :‬ظاهرة وباطنة‬ ‫فالباطنة‪ :‬ترك ما تدعو إليه النفس الأمارة بالسوء والشيطان‪ ،‬والظاهرة‪:‬‬ ‫الفرار بالدين من الفتن‪.‬‬ ‫الهجرة المقصودة في الحديث هي الهجرة الباطنة (هجرة العمل) وهي أن‬ ‫يهجر الإنسان مانهاه الله عنه من المعاصي والفسوق‪.‬‬ ‫وفي الحدي ِث‪ :‬دليل على أن من كف لسانه ويده عن المسلمين أنه كامل‬ ‫الإسًلم‪ ،‬ومن هجر ما نهى الله عنه فهو المهاجر ح اقا‪ ،‬فاشتمل هذا الحديث‬ ‫على جوامع من معاني الكلم والحكم‪.‬‬

‫الحديث الثاني عشر بعد المائتين‬ ‫عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬كا َن َعلَى َث َقل ال َّنب ِّي صلى‬ ‫الله عليه وسلم َر ُجلٌ ُي َقالُ َل ُه ِك ْر ِك َر ُة‪َ ،‬ف َما َت‪َ ،‬ف َقالَ َر ُسول الله صلى الله عليه‬ ‫وسلم‪:‬‬ ‫(( ُه َو في ال َّنا ِر))‬ ‫َف َذ َه ُبوا َي ْن ُظ ُرو َن إِ َل ْيه‪َ ،‬ف َو َج ُدوا َع َباء اة َق ْد َغ َّل َها‬ ‫( رواه البخاري)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫( َث َقل) ال َّث َقل‪ :‬ما يثقل حمله من الأمتعة والعيال‪.‬‬ ‫كرك َرة‪ :‬اسم رجل كان أسود يمسك دابة النبي ‪-‬صلى الله عليه سلم‪ -‬في القتال‪.‬‬ ‫عباءة‪ :‬كساء فيه خطوط سود‪.‬‬ ‫غ َلّها من الغلول‪ ،‬وهو الأخذ من الغنائم قبل قسمتها‪.‬‬ ‫في هذا الحدي ِث بيا ٌن لعقا ِب َمن َي ُغلُّ ِمن ال َغنيم ِة ‪ -‬وهو الأخ ُذ ِمن الغنيم ِة قبل‬ ‫قسم ِتها ‪ -‬فإ َّن رج اًل ُيقالُ له‪ِ :‬ك ْر ِك َر ُة‪ ،‬كان على َث َق ِل ال َّنب ِّي ص َّلى اللهُ عليه وسلَّم‪،‬‬ ‫وال َّث َقلُ‪ :‬المتا ُع المحمولُ في ال َّسف ِر‪ ،‬فمات في أثنا ِء هذا ال َّسف ِر‪.‬‬ ‫فقال ال َّنب ُّي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم‪( :‬هو في ال َّنا ِر)‬ ‫قال الوحهاذفاظ ِمفنيالاَغليفت ِبحا‪َّ :‬لذَو َقي ْولُك ُه َش‪:‬ف(ه ُه َاوللهُِف تيعاالل َّناى ِرل)نبأَِّي ْهي‪ُ :‬يص َّلَع َّذى ُابللهَُع َلعىلي َمه ْعو ِص َسي َلّتِمِه‪َ ،‬أ ِو‬ ‫ا ْل ُم َرا ُد‪ُ :‬ه َو فِي ال َّنا ِر‪ ،‬إِ ْن َل ْم يعف الله َعن ُه‬ ‫فل َّما تع َّجب أصحا ُب ال َّنب ِّي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ِمن قو ِله و ُحك ِمه على ال َّرج ِل أ َّنه‬ ‫في ال َّنار‪ ،‬ذ َهبوا ين ُظرون إليه‪ ،‬فو َجدوه قد أ َخذ عباء اة ِمن الغنيم ِة قبل قسمتِها‪،‬‬ ‫وهذا يدلُّ على أ َّنه لا فر َق بين قلي ِل ال ُغلو ِل وكثي ِره في ال َّتحري ِم‪ ،‬وأ َّنه ك َّله في‬ ‫الإث ِم سوا ٌء‬ ‫وفي الحدي ِث‪ :‬دليل على تحريم قليل الغلول وكثيره‪ ،‬وأن الغلول كبيرة من كبائر‬ ‫الذنوب‪ ،‬وهذا يؤخذ من تعذيب من غلَّ في النار‬ ‫وفيه‪ :‬أن الخيانة في الأموال العامة من الكبائر التي يعاقب مرتكبها في النار‬

‫الحديث الثالث عشر بعد المائتين‬ ‫أَبي ب ْكرة ُن َف ْيع بن الحارث رضي الله عنه عن ال َّنب ّي صلى الله عليه وسلم َقالَ‪:‬‬ ‫((إ َّن ال َّز َما َن َق ِد ا ْس َت َدا َر َك َه ْي َئته َي ْو َم َخ َل َق اللهُ ال َّس َما َوا ِت َوالأَر َض‪ :‬ال َّس َن ُة ا ْث َنا‬ ‫َع َش َر َش ْه ارا‪ِ ،‬م ْن َها أ ْر َب َع ٌة ُح ُر ٌم‪َ :‬ثًل ٌث ُم َتوالِيا ٌت‪ُ :‬ذو ال َق ْع َدة‪ ،‬و ُذو ال ِح َّج ِة‪،‬‬ ‫َوال ُم َح َّر ُم‪َ ،‬و َر َج ُب ُم َض َر ا َّل ِذي َب ْي َن ُج َما َدى َوش ْع َبا َن‪ ،‬أ ُّي َش ْهر َه َذا؟)) قُ ْل َنا‪ :‬اللهُ‬ ‫َو َر ُسولُ ُه أ ْعلَ ُم‪َ ،‬ف َس َك َت َح َّتى َظن َّنا أ َّن ُه َس ُي َس ِّمي ِه ِب َغ ْي ِر ا ْس ِم ِه‪َ ،‬قالَ‪(( :‬ألَ ْي َس َذا‬ ‫ال ِح َّج ِة؟)) ُق ْل َنا‪َ :‬ب َلى‪َ .‬قالَ‪َ (( :‬فأ ُّي َب َلد َه َذا؟)) ُق ْل َنا‪ :‬اللهُ و َر ُسولُ ُه أ ْعلَ ُم‪َ ،‬ف َس َك َت َح َّتى‬ ‫َظ َن َّنا أ َّن ُه َس ُي َس ِّمي ِه ِب َغي ِر ا ْس ِم ِه‪َ .‬قالَ‪(( :‬أ َل ْي َس ال َب ْل َد َة؟)) قُ ْل َنا‪َ :‬بلَى‪َ .‬قالَ‪َ (( :‬فأ ُّي َي ْوم‬ ‫ِدَظ ََمناَّناء ُأك َّنْم ُه َوأ َسْمُي َو َاس َل ِّمُكي ْم ِه َوبأََغ ْيع ِ َرراا َْضس ُِكم ْمِه‪.‬ع َقلايلكَ‪:‬م‬ ‫َف َس َك َت َح َّتى‬ ‫اللهُ و َر ُسولُ ُه أ ْع َل ُم‪،‬‬ ‫ُق ْل َنا‪:‬‬ ‫َه َذا؟))‬ ‫َقالَ‪َ (( :‬فإ َّن‬ ‫ال َّن ْح ِر؟)) قُ ْل َنا‪َ :‬ب َلى‪.‬‬ ‫َي ْو َم‬ ‫((أ َلي َس‬ ‫َح َرا ٌم‪َ ،‬ك ُح ْر َم ِة َي ْو ِم ُك ْم َه َذا في َب َل ِد ُك ْم َه َذا في َش ْه ِر ُك ْم َه َذا‪َ ،‬و َس َت ْل ُقو َن َر َّب ُك ْم َف َي ْسألُ ُك ْم‬ ‫َع ْن أ ْع َمالِ ُك ْم‪ ،‬ألا َفًل َت ْرجعوا بعدي ُك ّفا ارا َي ْض ِر ُب َب ْع ُض ُك ْم ِر َقا َب َب ْعض‪ ،‬ألا لَ ُي َب ِّلغ‬ ‫ال َّشا ِه ُد ال َغا ِئ َب‪َ ،‬فلَ َعلَّ َب ْع َض َم ْن َي ْبلُ ُغ ُه أ ْن َي ُكو َن أ ْو َعى َل ُه ِم ْن َب ْعض َم ْن َس ِم َع ُه))‪،‬‬ ‫ُث َّم َقالَ‪(( :‬ألا َهلْ َبلَّ ْغ ُت‪ ،‬ألا َهلْ َبلَّ ْغ ُت؟)) قُ ْل َنا‪َ :‬ن َع ْم‪َ .‬قالَ‪(( :‬ال َّل ُه َّم ا ْش َه ْد))‪.‬‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫عن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه‪ ،‬أن النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫خطبهم يوم النحر‪ ،‬وذلك في حجة الوداع‪ ،‬فأخبرهم عليه الصًلة والسًلم أن‬ ‫الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض‪.‬‬ ‫يعني أن الزمان وإن كان قد غير وبدل فيه لما كانوا يفعلون في الجاهلية‪ ،‬حين‬ ‫كانوا يفعلون النسيء فيحلون الشهر الحرام‪ ،‬ويحرمون الشهر الحًلل‪ ،‬ولكن‬ ‫صادف في تلك السنة أن النسيء صار موافقاا لما شرعه الله ع ّز وجلّ في‬ ‫الأشهر الحرم‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬إشارة إلى بطًلن النسيء؛ لأن أهل الجاهلية إذا احتاجوا إلى الحرب في‬ ‫المحرم استحلوه‪ ،‬وجعلوا المحرم صفر‪ ،‬وأحلوا رجب وجعلوا المحرم شعبان‪،‬‬ ‫وبنوا عليه حساب حجهم‪.‬‬

‫ثم بين عليه الصًلة والسًلم أن عدة الشهور اثنا عشر شهراا‪ ،‬هي‪( :‬المحرم‪،‬‬ ‫وصفر‪ ،‬وربيع الأول‪ ،‬وربيع الثاني‪ ،‬وجمادي الأولى‪ ،‬وجمادي الثانية‪ ،‬ورجب‪،‬‬ ‫وشعبان‪ ،‬ورمضان‪ ،‬وشوال‪ ،‬وذو القعدة‪ ،‬وذو الحجة) ‪،‬هذه هي الأشهر الاثنا‬ ‫عشر شهراا‪ ،‬التي جعلها الله أشهراا لعباده منذ خلق السموات والأرض‪ ،‬كانو‬ ‫في الجاهلية يحلون المحرم‪ ،‬ويحرمون صفر‪.‬‬ ‫وبين عليه الصًلة والسًلم‪ ،‬أن هذه الاثنا عشر شهراا منها أربعة حرم ثًلثة‬ ‫متوالية وواحد منفرد‪ ،‬الثًلثة المتوالية هي‪ :‬ذو القعدة وذو الحجة والمحرم‪،‬‬ ‫جعلها الله تعالى أشهرا محرمة‪ ،‬يحرم فيها القتال‪ ،‬ولا يعتدي فيها أحد على‬ ‫أحد‪ ،‬لأن هذه الأشهر هي أشهر سير الناس إلى حج بيت الله الحرام‪ ،‬فجعلها‬ ‫الله ع ّز وجلّ محرمة لئًل يفع القتال في هذه الأشهر والناس سائرون إلى بيت‬ ‫الله الحرام‪ ،‬وهذه من حكمة الله ع ّز وجلّ‪.‬‬ ‫يقول النبي عليه الصًلة والسًلم‪ \" :‬ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان\"‬ ‫وهو الشهر الرابع‪ ،‬وكانوا في الجاهلية يؤدون العمرة فيه فيجعلون شهر‬ ‫رجب للعمرة‪ ،‬والأشهر الثًلثة للحج‪ ،‬فصار هذا الشهر محرماا يحرم فيه القتال‪،‬‬ ‫كما يحرم في ذي القعدة وذي الحجة والمحرم‪.‬‬ ‫ثم سألهم النبي عليه الصًلة والسًلم‪ :‬أي شهر هذا؟ وأي بلد لهذا؟ وأي يوم‬ ‫هذا؟‬ ‫سألهم عن ذلك من أجل استحضار هممهم‪ ،‬وانتباههم؛ لأن الأمر أم ٌر عظي ٌم‬ ‫فسألهم‪:‬‬ ‫\" أي شهر هذا؟ \" قالوا‪ :‬الله ورسوله أعلم؛ ذلك أنهم استبعدوا أن يسأل النبي‬ ‫صلى الله عليه وسلم عن الشهر وهو معروف أنه ذو الحجة‪ ،‬ولكن من أدبهم‬ ‫رضي الله عنهم أنهم لم يقولوا‪ :‬هذا شهر ذي الحجة؛ لأن الأمر معلوم‪ ،‬بل من‬ ‫أدبهم أنهم قالوا‪ :‬الله ورسوله أعلم‪.‬‬ ‫ثم سكت لأجل أن الإنسان إذا تكلم ثم سكت انتبه الناس‪ :‬ما الذي أسكته؟ لأن‬ ‫الكًلم إذا كان مسترسًلا فقد يحصل للسامع غفلة‪ ،‬لكم إذا توقف فإنهم‬ ‫سينتبهون لماذا وقف‪.‬‬ ‫وسكت النبي عليه الصًلة والسًلم‪ ،‬يقول أبو بكر‪ :‬حتى ظننا أنه سيسميه بغير‬ ‫اسمه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أليس ذا الحجة؟‪ ،‬قالوا‪ :‬بلى‬

‫ثم قال عليه الصًلة والسًلم‪ \" :‬أي بلد هذا؟ \" قالوا‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ .‬ثم‬ ‫سكت حتى ظنوا أنه سيسميه بغير اسمه‪ ،‬فقال‪ \" :‬اليس البلدة؟ \" والبلدة أسم‬ ‫من أسماء مكة‪ .‬قالوا‪ :‬بلى‬ ‫ثم قال‪\" :‬أي يوم هذا؟ \" قالوا الله ورسوله أعلم‪ ،‬مثل ما قالوا في الأول‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫\" اليس يوم النحر؟\" قالوا‪ :‬بلى يا رسول الله‪ ،‬وهم يعلمون أن مكة حرام‪ ،‬وأن‬ ‫شهر ذي الحجة حرام‪ ،‬وأن يوم النحر حرا ٌم‪ ،‬يعني كلها حرم محترمة‪.‬‬ ‫فقال عليه الصًلة والسًلم‪ \" :‬إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام‪،‬‬ ‫كحرمة يومكم هذا‪ ،‬في بلدكم هذا‪ ،‬في شهركم هذا\"‬ ‫فأكد عليه الصًلة والسًلم تحريم هذه الثًلثة‪ :‬الدماء والأموال والأعراض‪،‬‬ ‫فكلها محرمة‪ ،‬والدماء تشمل النفوس وما دونها‪ ،‬والأموال تشمل القليل‬ ‫والكثير‪ ،‬والأعراض تشمل الزنا والقذف‪ ،‬والغيبة والسب والشتم‪ .‬فهذه الأشياء‬ ‫الثًلثة حرا ٌم على المسلم أن ينتهكها من أخيه المسلم‪.‬‬ ‫ثم قال‪ \" :‬ألا لا ترجعوا بعدي كفاراا يضرب بعضكم رقاب بعض\" لأن المسلمين‬ ‫لو صاروا يضرب بعضهم رقاب بعض صاروا كفاراا؛ لأنه لا يستحل دم المسلم‬ ‫إلا الكافر‪ .‬فالمسلم لا يمكن أن يشهر السًلح على أخيه‪ ،‬ولهذا وصف النبي‬ ‫صلى الله عليه الصًلة والسًلم المسلمين إذا اقتتلوا بأنهم كفاراا فقال‪ \" :‬ألا فًل‬ ‫ترجعوا بعدي كفاراا‪ ،‬يضرب بعضكم رقاب بعض\"‪.‬‬ ‫ثم أمر عليه الصًلة والسًلم أن يبلغ الشاهد الغائب‪ ،‬يعني يبلغ من شهده‬ ‫وسمع خطبته باقي الأمة‪ ،‬وأخبر عليه الصًلة والسًلم أنه ربما يكون مبلغ‬ ‫أوعى للحديث من سامع‪ ،‬وهذه الوصية من الرسول عليه الصًلة والسًلم‪،‬‬ ‫وصية لمن حضر في ذلك اليوم‪ ،‬ووصية لمن سمع حديثه على يوم القيامة‪،‬‬ ‫فعلينا إذا سمعنا حديثاا عن الرسول عليه الصًلة والسًلم أن نبلغه إلى الأمة‪.‬‬ ‫ثم قال عليه الصًلة والسًلم‪ \" :‬ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت؟\" يسأل الصحابة‬ ‫رضي الله عنهم‪ .‬قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬أي بلغت‪ .‬فجعل يرفع إصبعه إلى السماء وينكتها‬ ‫إلى الناس‪ ،‬يقول اللهم أشهد عليهم أنني بلغتهم‪ ،‬وكذلك أشهد ربه على أنه بلغ‬ ‫أمته وأقروا بذلك‪.‬‬ ‫وفي الحدي ِث‪ :‬تأكيد تحريم دماء المسلمين‪ ،‬وأموالهم‪ ،‬وأعراضهم‪.‬وفيه‪ :‬الأمر‬ ‫بتبليغ العلم ونشره‬

‫الحديث الرابع عشر بعد المائتين‬ ‫عن أَبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي رضي الله عنه‪ :‬أ َّن َر ُسول الله صلى الله‬ ‫عليه وسلم َقالَ‪:‬‬ ‫(( َمن ا ْق َت َط َع َح َّق ا ْمرئ ُم ْسلِم ب َيمينه‪َ ،‬فق ْد أ ْو َج َب اللهُ َل ُه ال َّنا َر‪َ ،‬و َح َّر َم َعلَي ِه‬ ‫ال َج َّن َة)) َف َقالَ َر ُجلٌ‪ :‬وإ ْن َكا َن َش ْي ائا َيسي ارا َيا َر ُسول الله؟‬ ‫َف َقالَ‪(( :‬وإ ْن َكا َن َقضي ابا ِم ْن أ َراك))‬ ‫(رواه مسلم)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫كلُّ ال ُمسلِ ِم على ال ُمسل ِم حرا ٌم‪ ،‬وفي هذا الحدي ِث يقولُ النب ُّي ص َّلى اللهُ علي ِه‬ ‫وسلَّم‪َ \" :‬م ِن اقت َط َع ح َّق ا ْمر ٍئ مسلِ ٍم\"‬ ‫أ\"و ِبخ َيحذ َِّمريَمحن َِّهقع\"لأي‪،‬خِهأيا ِهلي‪:‬اجلنأمَةُخ ُس\"ذل ِمأح ُدَّيقو‪َ :‬نأغ ْيد ِورخ ِْهَلجهِهبااللحلحهُ ِلٍّقا‪.‬ل ِفنابَرالل ِهجزاوا اءلقعسل ُمىب ِه‬ ‫أي‪َ :‬من‬ ‫له النا َر‬ ‫اللهُ‬ ‫أ ْوج َب‬ ‫\"فق ْد‬ ‫َك ِذب ِه وحلِ ِفه وأ ْكلِه ح َّق النا ِس بال َيمي ِن‬ ‫وذل َك إذا كا َن ُمست ِح اّاًللكلالِذ ِفبع ِة ِ‪،‬ل‪،‬ووحل َّمر َمي ُتعْلبي ِهو َي ُدر َّدخواللَحالَّقجلَّنأ ِةه‪ِ .‬ل ِه‪ ،‬وإ َّنما ك ُبر ْت هذ ِه‬ ‫الم ْعصي ُة؛ لأ َّن ال َيمي َن ال َغمو َس ِمن الكبائ ِر التي ش َّد َد فيها ال َّشر ُع‪.‬‬ ‫فقالَ رجلٌ للنب ِّي ص َّلى اللهُ علي ِه وس ّلَم‪\" :‬وإ ْن كا َن شي ائا َيسي ارا يا رسولَ الله؟\"‬ ‫أي‪ :‬وإ ْن كا َن الح ُّق المأخو ُذ ُظل اما َقلي اًل أو تا ِف اها؟‬ ‫فقالَ النب ُّي ص َّلى اللهُ علي ِه وسلَّم‪\" :‬وإ ْن كان َق ِضي ابا ِمن أَرا ٍك\" أي‪ :‬وإِ ْن كا َن‬ ‫المأخو ُذ ُعو ادا ِمن َشج ِر ال ِّسوا ِك‬ ‫وفي الحدي ِث‪ :‬نه ٌي َتواحذسيتِ ٌرخداشِمديا ٌلدأَي ِممان ِنأ ْكالِلكا ُِذحبق ِةو فِقيال َّنذالك ِ‪.‬س بالباط ِل وأ ْموالِهم‪،‬‬

‫الحديث الخامس عشر بعد المائتين‬ ‫عن َع ِد ّي بن َعم ْي َر َة رضي الله عنه َقالَ‪ :‬سمعت َر ُسول الله صلى الله عليه‬ ‫وسلم يقول‪:‬‬ ‫(( َم ِن ا ْس َت ْع َم ْل َنا ُه ِم ْن ُك ْم َعلَى َع َمل‪َ ،‬ف َك َت َم َنا ِم ْخ َي اطا َف َما َف ْو َق ُه‪َ ،‬كا َن ُغلُو الا َيأ ِتي به‬ ‫َيو َم ال ِق َيا َم ِة)) َف َقا َم إليه َر ُجلٌ أ ْس َو ُد ِم َن الأ ْن َصا ِر‪َ ،‬كأ ِّني أ ْن ُظ ُر إِ َل ْي ِه‪َ ،‬ف َقالَ‪َ :‬يا‬ ‫َر ُسول الله‪ ،‬ا ْق َبلْ َع ِّني َع َملَ َك‪َ ،‬قالَ‪َ (( :‬و َما لَ َك؟))‬ ‫َقالَ‪َ :‬س ِم ْعت َك َت ُقولُ َك َذا و َك َذا‪َ ،‬قالَ‪َ (( :‬وأَ َنا أ ُقولُه الآ َن‪َ :‬م ِن ا ْس َت ْع َم ْل َناهُ َعلَى َع َم ٍل‬ ‫َف ْل َي ِج ْئ ب َقليله َو َكثيره‪َ ،‬ف َما أُو ِت َي ِم ْن ُه أ َخ َذ‪َ ،‬و َما ُن ِه َي َع ْن ُه ا ْن َت َهى))‬ ‫(رواه مسلم)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫يب ِّين النب ُّي ص َّلى الله عليه وسلَّم أ َّن \" َم ِن ا ْس َت ْع َم ْلناه منكم\"‬ ‫أي‪َ :‬ج َع ْلناه عا ِم اًل على عم ٍل‬ ‫ف َك َت َمنا‪ ،‬أي‪ :‬أَ ْخ َفى علينا‪ ،‬م ِخي اطا‪ ،‬أي‪ :‬إِ ْب َرة‬ ‫ال ِك َب ِر‬ ‫ا ِخل َيا َِّنص َاةغ ِرف أيو‬ ‫َف ْو َق ُه أي‪ :‬فشي ائا يكو ُن َف ْو َقه في‬ ‫فما‬ ‫ال َغ ِني َم ِة‬ ‫أي ذلك ال ِك ْت َما ُن‪ُ \" ،‬غلُو الا\" أي‪:‬‬ ‫كان‪:‬‬ ‫فقام إليهيا َرر ُجسيلٌأوتأَلَ ْيساَلوبل ُدهه‪ِ ،،‬ماأ َْقن َبيالْ‪:‬لأ ِبنع َمِّناصاي َِغر َعلَّ( َ‪،‬م َلخيوكو اف‪َ ،‬ماأالعيلق‪:‬ياىأَمقِن ْلِةف ِن‪ِ ،‬سيَتهفمنِمضهين احاوالكلِّلهًهلف ِكغيوارل َبيوابِره)‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫قال ص َّلى الله عليه ووس ّلَم ‪( :‬وما لك؟) فقال‪َ :‬س ِم ْع ُتك تقول كذا وكذا أي‪ :‬في‬ ‫ال َو ِعي ِد على العم ِل‪ ،‬وهو لا َيخلُو من ال َّزلَ ِل‬ ‫قال ص َّلى الله عليه وسلَّم‪( :‬وأنا َأ ُقولُه الآ َن) ‪ ،‬أي ما َس َبق ِم َن القو ِل‪َ ( :‬م ِن‬ ‫اس َت ْع َم ْلناه منكم) أي‪ :‬جعلناه عام اًل‬ ‫(على عم ٍل‪َ ،‬ف ْل َي ِج ْئ ب َقلِي ِله وكثيره) ‪.‬‬ ‫(فما أُو ِت َي منه) أي‪ :‬أُ ْع ِط َي ِمن ذلك العم ِل (أ َخذ‪ ،‬وما ُن ِه َي عنه انتهى) أي‪:‬‬ ‫وما ُم ِنع ِمن أخ ِذه ا ْم َت َنع عنه‪ ،‬وهذا تأكي ٌد لِ َما َق ْبلَه‬ ‫وفي الحدي ِث‪ :‬النه ُي عن ال ِخيا َن ِة‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬النه ُي عن ال ُغلو ِل‪.‬‬

‫الحديث السادس عشر بعد المائتين‬ ‫عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه َقالَ‪ :‬لَ َّما َكا َن َي ْو ُم َخي َبر أ ْق َبلَ َن َف ٌر ِم ْن‬ ‫أ ْص َحا ِب ال َّنب ِّي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ف َقالُوا‪ُ :‬فًلَ ٌن َش ِهي ٌد‪ ،‬و ُفًل ٌن َش ِهي ٌد‪َ ،‬ح َّتى‬ ‫َم ُّروا َعلَى َر ُج ٍل‪ ،‬فقالوا‪ :‬فًُل ٌن َش ِهي ٌد‪َ .‬ف َقالَ ال َّنب ُّي صلى الله عليه وسلم‪َ (( :‬كًل‪،‬‬ ‫إ ِّني َرأ ْي ُت ُه في ال َّنار في ُب ْر َد ٍة َغلَّ َها‪ -‬أَ ْو َع َباءة‪( ))-‬رواه مسلم)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫هذا الحديث وما بعده في بيان فضيلة الجهاد في سبيل الله والشهادة‪ ،‬فالجهاد‬ ‫في سبيل الله ذروة سنام الإسًلم‪ ،‬كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫والشهادة في سبيل الله تكفر كل شيء إلا الدين‪ .‬وكذلك إذا غلّ الإنسان شيئاا‬ ‫مما غنمه يعني أخفاه وجحده‪ ،‬ففي هذا الحديث أن نفراا من أصحاب النبي صلى‬ ‫الله عليه وسلم يوم خيبر أقبلوا ‪ -‬يعني على النبي صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وهم‬ ‫يقولون‪ :‬فًلن شهيد‪ ،‬فًلن شهيد حتى مروا على رجل فقالوا‪ :‬فًلن شهيد‪ ،‬فقال‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم‪َ ( :‬كًل‪،‬إ ِّني َرأ ْي ُت ُه في ال َّنار في ُب ْر َد ٍة َغ َّل َها‪ -‬أَ ْو َع َباءة‪)-‬‬ ‫والبردة نوع من الثياب والعباءة معروفة‬ ‫غلها‪ :‬يعني كتمها‪ ،‬غنمها من أموال الكفار وقت القتال‪ ،‬فكتمها يريد أن يختص‬ ‫بها لنفسه‪ ،‬ف ُعذب بها في نار جهنم‪ ،‬وانتفت عنه هذه الصفة العظيمة وهي‬ ‫الشهادة‪ .‬لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ \" :‬كًل\"‪ ،‬يعني ليس بشهيد؛ لأنه‬ ‫غلّ هذا الشيء البسيط‪ ،‬فأحبط عمله وجهاده‪ ،‬وصار في النار‪ ،‬قال الله تعالى‪:‬‬ ‫( َو َما َكا َن لِ َن ِب ٍّي أَ ْن َي ُغلَّ َو َم ْن َي ْغلُلْ َيأْ ِت ِب َما َغلَّ َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة) (آل عمران‪،)161 :‬‬ ‫ففي هذا دليلٌ على أنه لا ينبغي لنا أن نحكم على شخص بأنه شهيد‪ ،‬وإن ُقتل‬ ‫في معركة بين المسلمين والكفار‪ ،‬لا نقول‪ :‬فًلن شهيد لاحتمال أن يكون غل‬ ‫شيئاا من الغنائم أو الفيء‪ ،‬ولو غلّ قرشاا واحد اا‪ ،‬أو مسماراا زال عنه اسم‬ ‫الشهادة‪ ،‬وكذلك لاحتمال أن تكون نيته غير صواب‪ ،‬بأن ينوي بذلك الحمية أو‬ ‫أن ُيرى مكانه‪ .‬ولهذا سئل النبي عليه الصًلة والسًلم عن الرجل ُيقاتل‬ ‫شجاعة‪ ،‬ويقاتل حمية‪ ،‬ويقاتل ل ُيرى مكا ُنه‪ .‬أي ذلك في سبيل الله؟ قال‪ \" :‬من‬ ‫قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله \"‪ ،‬والنية أمر باطنى في القلب‬ ‫لا يعلمه إلا الله‪.‬‬

‫الحديث الثامن عشر بعد المائتين‬ ‫عن أبي ُهرير َة رضي الله عنه‪ :‬أ َّن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم َقالَ‪:‬‬ ‫((أتدرو َن َم ِن ال ُم ْفلِ ُس؟)) قالوا‪ :‬الم ْفل ُس ِفي َنا َم ْن لا ِدر َه َم َل ُه ولا َم َتاع‪َ ،‬ف َقالَ‪:‬‬ ‫َق ْد‬ ‫َووصَضي َار ٍم َبو ََهز َذكاا‪ٍ،‬ة‪،‬ف ُي ْوعي َأطتىي‬ ‫القيا َم ِة بصًل ٍة‬ ‫يأتي َيو َم‬ ‫((إ َّن ال ُم ْفل َس ِم ْن أُ َّمتي َم ْن‬ ‫َه َذا‬ ‫و َس َف َك َد َم َه َذا‪،‬‬ ‫مالَ َه َذا‪،‬‬ ‫َش َت َم َه َذا‪ ،‬و َق َذ َف َه َذا‪َ ،‬وأَ َكلَ‬ ‫ِم ْن َح َس َنا ِت ِه‪ ،‬و َه َذا ِم ْن َحسنات ِه‪ ،‬فإ ْن َف ِن َي ْت َح َسنا ُته َق ْبل أ ْن ُيقضى َما َع َلي ِه‪ ،‬أُ ِخ َذ‬ ‫م ْن َخ َطايا ُهم َف ُط ِر َح ْت َعلَي ِه‪ُ ،‬ث َّم ُط ِر َح في ال َّنا ِر))‬ ‫(رواه مسلم‪).‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫عن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬ ‫\"أتدرون ما المفلس؟ \" الاستفهام هنا لًلستعًلم الذي يراد به الإخبار‬ ‫قالوا يا رسول الله‪ ،‬المفلس فينا من لا درهم عنده ولا متاع‪ ،‬يعين ليس عنده‬ ‫نقود ولا عنده متاع‪ ،‬أي أن المفلس يعني الفقير‪ ،‬وهذا هو المعروف من‬ ‫المفلس بين الناس‪ ،‬فإذا قالوا‪ :‬من المفلس؟ يعني الذي ليس عنده نقود‪ ،‬ولا‬ ‫عنده متاع‪ ،‬بل هو فقير‪.‬‬ ‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪ \" :‬المفلس من يأتي يوم القيامة بصًلة وصيام‬ ‫وزكاة\"‬ ‫وفي رواية‪ \" :‬من يأتي بحسان مثل الجبال\" أي يأتي بحسنات عظيمة‪ ،‬فهو‬ ‫عنده ثروة من الحسنات لكنه يأتي وقد شتم هذا‪ ،‬وضرب هذا‪ ،‬وأخذ مال هذا‪،‬‬ ‫وسفك دم هذا‪.‬‬ ‫أي اعتدى على الناس بأنواع الاعتداء‪ ،‬والناس يريدون أخذ حقهم‪ ،‬ما لا‬ ‫يأخذونه في الدنيا يأخذونه في الآخرة‪ ،‬فيقتص لهم منه؛ فيأخذ هذا من‬ ‫حسناته‪ ،‬وهذا من حسناته‪ ،‬وهذا من حسناته بالعدل والقصاص بالحق‪ ،‬فإن‬ ‫فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه‪ ،‬ثم طرح في النار‬ ‫تنقضي حسناته‪ ،‬ثواب الصًلة ينتهي‪ ،‬وثواب الزكاة ينتهي‪ ،‬وثواب الصيام‬ ‫ينتهي‪ ،‬كل ما عنده من حسنات ينتهي‪ ،‬فيؤخذ من سيئاتهم ويطرح عليه‪ ،‬ثم‬ ‫يطرح في النار‪.‬‬

‫وصدق النبي صلى الله عليه وسلم فإن هذا هو المفلس حقاا‪ ،‬أما مفلس الدنيا‬ ‫فإن الدنيا تأتي وتذهب‪ ،‬ربما يكون الإنسان فقيراا فيمسي غنياا‪ ،‬أو بالعكس‪،‬‬ ‫لكن الإفًلس كل الإفًلس أن يفلس الإنسان من حسناته التي تعب عليها‪ ،‬وكانت‬ ‫أمامه يوم القيامة يشاهدها‪ ،‬ثم تؤخذ منه لغيره‪.‬‬ ‫وفي هذا تحذير من العدوان على الخلق‪ ،‬وأنه يجب على الإنسان أن يؤدي ما‬ ‫للناس في حياته قبل مماته‪ ،‬حتى يكون القصاص في الدنيا مما يستطيع‪.‬‬ ‫أما في الآخرة فليس هناك درهم ولا دينا ٌر حتي يفدي نفسه‪ ،‬ليس فيه إلا‬ ‫الحسنات‪ ،‬يقول الرسول صلى الله عليه وسلم‪ \" :‬فيأخذ هذا من حسناته‪ ،‬وهذا‬ ‫من حسناته‪ ،‬فإذا فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم ثم طرح عليه وطرح في‬ ‫النار\"‬ ‫ولكن هذا الحديث لا يعني أنه يخلد في النار‪ ،‬بل يعذب بقدر ما حمل عليه من‬ ‫سيئات الغير التي طرحت عليه‪ ،‬ثم بعد ذلك مآله إلى الجنة؛ لأن المؤمن لا يخلد‬ ‫في النار‪.‬‬

‫الحديث التاسع عشر بعد المائتين‬ ‫عن أم سلمة رضي الله عنها‪ :‬أ َّن َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم َقالَ‪(( :‬إ َّن َما أ َنا‬ ‫َب َش ٌر‪َ ،‬وإ َّن ُك ْم َت ْخ َت ِص ُمو َن إ َل َّي‪َ ،‬ولَ َعلَّ َب ْع َض ُك ْم أ ْن َي ُكو َن أَ ْل َح َن ِب ُح ّجتِ ِه ِم ْن َب ْع ٍض‪،‬‬ ‫فأَ ْق ِض َي َل ُه ِب َن ْح ِو َما أ ْسم ُع‪َ ،‬ف َم ْن َق َضي ُت َل ُه ِب َح ِّق أ ِخي ِه َفإِ َّنما أق َط ُع َل ُه ِقطع اة ِم َن‬ ‫ال َّنا ِر))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫((أ ْل َحن)) أي‪ :‬أعلم‬ ‫ففي هذا الحديث دليلٌ على أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر مثلنا‪ ،‬ليس‬ ‫مًلكاا من المًلئكة‪ ،‬يقول صلى الله عليه وسلم \" إنما أنا بش ٌر مثلكم\" أي منكم‬ ‫أَ َنا َب َش ٌر ِم ْثلُ ُك ْم‬ ‫وإن زدت عليكم بالمنزلة الرفيعة‪.‬‬ ‫ُيعبد‪ ،‬ولا رباا‬ ‫وجلّ أن يعلن للملأ فيقول‪ُ ( :‬قلْ‬ ‫ُيو َحى‬ ‫إِ َّن َما‬ ‫َوا ِح ٌد) (الكهف‪ ،)110 :‬فلست‬ ‫وهكذا أمره الله ع ّز‬ ‫ينفع‬ ‫إلها‬ ‫إِلَ َّي أَ َّن َما إِ َل ُه ُك ْم إِلَ ٌه‬ ‫ويضر‪ ،‬بل عليه الصًلة والسًلم لا يملك لنفسه نفعاا ولا ضراا‪ .‬بشر يعتريه ما‬ ‫يعتري البشر بمقتضى الطبيعة البشرية‪.‬‬ ‫في قوله‪ \" :‬إنما أنا بشر مثلكم\" تمهيد لقوله \" وإنكم تختصمون إلي\" يعني‬ ‫فإذا كنت بشراا مثلكم فإني لا أعلم من المحق منكم ومن المبطل‪.‬‬ ‫\" تختصمون إلي\"‪ :‬يعني تتحاكمون إلى في الحصومة‪ ،‬فيكون بعضكم ألحن من‬ ‫البعض الآخر في الحجة‪ ،‬أي أفصح وأقوى كًلماا‪ ،‬ألحن يعني أبين وأفصح‬ ‫وأظهر‬ ‫ولهذا قال‪ \" :‬وإنما أٌقضي بنحو ما أسمع\"أي أقضي بحسب ما اسمع‬ ‫وفي قوله‪ \" :‬أقضي بنحو ما أسمع\" فسحة كبيرة للقضاة‪ ،‬وأنهم لا يكلفون‬ ‫بشيء غاب عنهم‪ ،‬بل يقضون حسب البيانات التي بين أيديهم‪ ،‬فإن أخطئوا‬ ‫فلهم أجر‪ ،‬وأن أصابوا فلهم أجران‪ ،‬ولا يكلفون ما وراء ذلك‪.‬‬ ‫بل ولا يحل لهم أن يحكموا بخًلف الظاهر؛ لأنهم لو حكموا بخًلف الظاهر‬ ‫لأدى ذلك إلى الفوضى‪ ،‬وأدى ذلك إلى الاشتباه وإلى التهمة‪.‬‬ ‫لهذا كان الواجب على القاضي أن يحكم بالظاهر‪ ،‬والباطن يتولاه الله ع ّز وجلّ‪.‬‬

‫ولكن النبي صلى الله عليه وسلم توعد من قُضي له بغير حق فقال‪ \" :‬فمن‬ ‫قضيت له بحق اخيه فإنما أقطع له قطعة من النار\" يعني أن ُحكم الحاكم لا‬ ‫يبيح الحرام‪ ،‬فلو أن الحاكم حكم للمبطل بمقتضى ظاهر الدعوى‪ ،‬فإن ذلك لا‬ ‫يحل له ما حكم له به‪ ،‬بل إنه يزداد إثماا‪ ،‬لأنه توصل إلى الباطل بطريق باطلة‪،‬‬ ‫فيكون أعظم ممن أخذه بغير هذه الطريق‪.‬‬ ‫وفي الحدي ِث‪ :‬أ َّن ال َب َش َر لا َي ْعلَمون ما ُغ ِّيب عنهم‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬أ َّن بع َض النا ِس أَ ْد َرى ِب َم َوا ِض ِع ال ُح َّج ِة وتص ُّرف القو ِل ِمن بع ٍض‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬أ َّن القا ِض َي إ َّنما َيق ِضي على ال َخ ْص ِم بما َيسمع منه ِمن إقرا ٍر وإنكا ٍر أو‬ ‫ب ِّينات‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬أ َّن التح ِّر َي جائ ٌز في أدا ِء ال َمظالِ ِم‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬أ َّن الحاك َم له الاجتها ُد فيما لم َي ُك ْن فيه َن ٌّص‬

‫الحديث العشرون بعد المائتين‬ ‫عن ابن عمر رضي الله عنهما َقالَ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‪َ (( :‬ل ْن‬ ‫َي َزالَ ال ُم ْؤ ِم ُن في ُف ْس َح ٍة ِم ْن ِدين ِه َما لَ ْم ُي ِص ْب َد اما َح َرا اما))‬ ‫(رواه البخاري)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫\" لا يزال المؤمن في فسحة\"‪ :‬أي في سعة من دينه‪.‬‬ ‫يعني ما لم يقتل مؤمناا أو ذمياا أو معاهداا أو \" \"ما لم يصب دماا حراماا‬ ‫دم المسلم‪ ،‬ودم الذمي‪: ،‬مستأمناا‪ ،‬فهذه هي الدماء المحرمة‪ ،‬هي أربعة أصناف‬ ‫ودم المعاهد‪ ،‬ودم المستأمن‪ ،‬وأشدها وأعظمها دم المؤمن‪ ،‬أما الكافر الحربي‬ ‫فهذا دمه غير حرام‪.‬‬ ‫فإذا أصاب الإنسان دماا حراماا فإنه يضيق عليه دينه‪ ،‬أي أن صدره يضيق به‬ ‫المعنى‪ :‬أي لا يزال في رجاء رحمة من الله ‪.‬حتى يخرج منه ويموت كافراا‬ ‫‪.‬على ما ارتكبه من الذنوب‪ ،‬فإذا أصاب الدم الحرام ضاقت عليه المسالك‬ ‫وهذا هو السر في قوله تعالى‪َ ( :‬و َم ْن َي ْق ُتلْ ُم ْؤ ِمناا ُم َت َع ِّمداا َف َج َزا ُؤهُ َج َه َّن ُم َخا ِلداا‬ ‫ِفي َها َو َغ ِض َب ال َّلهُ َعلَ ْي ِه َولَ َع َن ُه َوأَ َع َّد َل ُه َع َذاباا َع ِظيماا) (النساء‪)93 :‬‬ ‫فهذه خمس عقوبات‪ :‬جهنم‪ ،‬خالداا فيها وغضب الله عليه‪ ،‬ولعنه‪ ،‬وأعد له‬ ‫عذاباا عظيماا‪ ،‬لمن قتل مؤمناا متعمداا؛ لأنه إذا قتل مؤمناا متعمداا فقد أصاب دماا‬ ‫حراماا‪ ،‬فيضيق عليه دينه‪ ،‬ويضيق به صدره‪ ،‬حتى ينسلخ من دينه بالكلية‪،‬‬ ‫‪.‬ويكون من أهل النار المخلدين فيها‬ ‫وفي هذا دليلٌ على أن إصابة الدم الحرام من كبائر الذنوب‪ ،‬ولا شك في هذا‪،‬‬ ‫‪.‬فإن قتل النفس التي حرم الله بغير حق من كبائر الذنوب‬ ‫ولكن إذا تاب الإنسان من هذا القتل فهل تصح توبته؟‬ ‫جمهور العلماء على أن توبته تصح لعموم قوله تعالى‪َ ( :‬وا َّل ِذي َن لا َي ْد ُعو َن‬ ‫َم َع ال َّل ِه إِ َلهاا آ َخ َر َولا َي ْق ُتلُو َن ال َّن ْف َس ا َّل ِتي َح َّر َم ال َّلهُ إِ َّلا بِا ْل َح ِّق َولا َي ْز ُنو َن‬ ‫َو َم ْن َي ْف َعلْ َذلِ َك َي ْل َق أَ َثاماا) ( ُي َضا َع ْف َل ُه ا ْل َع َذا ُب َي ْو َم ا ْلقِ َيا َم ِة َو َي ْخلُ ْد فِي ِه‬ ‫ُم َهاناا) ( َو َم ْن َتا َب َو َع ِملَ َصالِحاا َفإِ َّن ُه َي ُتو ُب إِ َلى ال َّل ِه َم َتاباا) (الفرقان‪)71-68:‬‬

‫فهنا نص على أن من تاب من قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق‪ ،‬وآمن وعمل‬ ‫عمًلا صالحاا‪ ،‬فإن الله يتوب عليه‬ ‫ولكن بماذا تكون التوبة؟‬ ‫قتل المؤمن عمداا يتعلق به ثًلثة حقوق‪:‬‬ ‫الحق الأول‪ :‬حق الله‪.‬‬ ‫الحق الثاني‪ :‬حق المقتول‪.‬‬ ‫‪.‬الحق الثالث‪ :‬حق أولياء المقتول‬ ‫حق الله يسقط‪ -‬بًل شك ‪ -‬بالتوبة‬ ‫وحق المقتول قيل‪ :‬إنه يسقط ويتحمله الله ع ّز وجلّ عمن تاب يوم القيامة‪،‬‬ ‫وقيل‪ :‬لا يسقط‪ ،‬والأقرب‪ :‬أنه يسقط‪ ،‬وأن الله جل وعًل يتحمل عنه‪.‬‬ ‫أما حق أولياء المقتول فًل بد منه‪ ،‬فيسلم نفسه لآبناء المقتول وهم ورثته‪،‬‬ ‫وحينئذ يخيرون بين أمور أربعة‪:‬‬ ‫‪ ‬إما أن يعفوا عنه مجاناا‪.‬‬ ‫‪ ‬وإما أن يقتلوه قصاصاا‪.‬‬ ‫‪ ‬وأما أن يأخذوا الدية منه‪.‬‬ ‫‪ ‬وإما أن يصالحوه مصالحة على أقل من الدية أو على الدية‪ ،‬وهذا‬ ‫جائز بالاتفاق‬ ‫وهذا الحديث يدل على عظم قتل النفس‪ ،‬وأنه من أكبر الكبائر‪ ،‬وأن القاتل عمداا‬ ‫يخشى أن يسلب دينه‪.‬‬

‫المقدمة‬ ‫باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم‬ ‫الحديث الحادي والعشرون بعد المائتين‬ ‫عن خولة بن ِت عامر الأنصارية وهي امرأة حمزة رضي الله عنه وعنها‪َ ،‬قا َل ْت‪:‬‬ ‫سمعت َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪ ( :‬إِ َّن ِر َجا الا َي َت َخ َّو ُضو َن ِفي َما ِل‬ ‫ال َّل ِه ِب َغ ْي ِر َح ٍّق َف َل ُه ُم ال َّنا ُر َي ْو َم القِ َيا َم ِة ) ( رواه البخاري)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫جعلَ اللهُ سبحا َنه المالَ قيا اما للنا ِس تقو ُم به َمصال ُح دينِه ْم و ُدنيا ُه ْم‬ ‫وفي هذا الحديث ح َّذ َر النب ُّي صلى الله عليه وسلم بع َض ال ِّرجا ِل ِمن ال ُع َّما ِل‬ ‫وغي ِره ْم أ ْن يت َخ َّوضوا‪ ،‬أي‪ :‬ي َتص َّرفوا في ما ِل الل ِه؛ وهذا مع انى عا ٌّم في كلِّ ما‬ ‫يخ ُّص المالَ ِمن حي ُث َجم ُعه و َك ْس ُبه من غي ِر ِح ِّله‪ ،‬وإنفا ُقه في غي ِر َموا ِض ِعه‬ ‫ال َّصحيح ِة‬ ‫وإضاف ُة الما ِل إلى الل ِه تعالى َيق ِصد به أموالَ الغنائم وبيو َت أموا ِل المسلمي َن‬ ‫( ِب َغ ْي ِر َح ٍّق) ‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫اللهُ لمصالِح ِه ْم‪ ،‬فيأخ ُذها الع َّمالُ وال ُح َّكا ُم‬ ‫العا َّم ِة التي جع َلها‬ ‫أو ُيعطو َن َمن لا‬ ‫ِمنها أكث َر مما َيست ِح ُّقو َن على أعمالِه ْم‪،‬‬ ‫بالباط ِل فيأْ ُخذو َن‬ ‫يس َت ِح ُّق‪ ،‬أو غي َر ذل َك م َّما لي َس ب َح ٍّق‪ ،‬فهؤلا ِء لهم النا ُر يو َم القيام ِة إ َّلا أ ْن‬ ‫يتوبوا‪ ،‬فير ُّدوا المظالِ َم إلى أهلِها‪ ،‬وقوله‪( :‬ف َل ُه ْم)‪ :‬يدلُّ على ُسرع ِة العذا ِب‬ ‫وقُرب ِه ال َّشدي ِد‪ ،‬ممن يتص َّرفو َن في الأموا ِل بغي ِر ح ٍّق‪.‬‬ ‫وفي الحدي ِث ‪ :‬ال َّتحذي ُر ِمن التحا ُيل لك ْس ِب ‪٤‬الأموا ِل بغي ِر ح ٍّق‪ ،‬أو إنفاقِها في‬ ‫غي ِر مواض ِعها‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬بيا ُن أ َّن الأموالَ العا َّم َة ليس ْت َمرت اعا لِ َمن و َّلاه اللهُ عليها؛ لأ َّنه س ُيحا َس ُب‬ ‫عليها يو َم القيام ِة‬

‫المقدمة‬ ‫باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم‬ ‫الحديث الثاني والعشرون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي موسى رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫((ال ُم ْؤ ِم ُن ل ْل ُم ْؤ ِم ِن َكال ُب ْن َيا ِن َي ُش ُّد َب ْع ُض ُه َب ْع اضا)) وش َّب َك َب ْي َن أ َصا ِب ِع ِه ( ُم َّت َف ٌق َع َلي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫هذا تبيين من النبي صلى الله عليه وسلم يفيد الحث على معاونة المؤمن لأخيه‬ ‫المؤمن ونصرته وأن ذلك أمر لابد منه‬ ‫فهو شيء متأكد‪ ،‬كما أن البناء لا يتم ولا تحصل فائدته ولا يتحقق الغرض منه‬ ‫إلا بأن يكون بعضه يمسك بع اضا‪ ،‬بحيث يشد بعضه بع اضا ويقويه‪ ،‬وإلا تنحل‬ ‫أجزاؤه‪ ،‬وينفرط نظامه ويختل بنيانه وهذا أحد المعاني في قوله ‪-‬تبارك‬ ‫وتعالى‪َ { :‬كأَ َّن ُهم ُبن َيا ٌن َّم ْر ُصو ٌص} [الصف‪]٤:‬‬ ‫قال بعض أهل العلم‪ :‬كأنهم بنيان مرصوص أي‪ُ :‬شد بالرصاص‪ ،‬وبعضهم‬ ‫فسره بالظاهر المتبادر مرصوص أي يرص بعضه بع اضا ويقويه‪.‬‬ ‫فالمؤمن كالبنيان لا يستقل بأمور دينه ولا بأمور دنياه‪ ،‬ولا تقوم مصالحه على‬ ‫الوجه المطلوب إلا بالمعاونة‪ ،‬والمعاضدة بينه وبين إخوانه‪ ،‬فإذا لم يحصل هذا‬ ‫وانشغل كل واحد بنفسه فإن ذلك مؤذن بتفكك الأسرة والمجتمع‬ ‫فهذا الحديث فيه تصوير وتوضيح لهذا المعنى بصورة حية ظاهرة يدركها كل‬ ‫أحد‪ ،‬فهي تقرب المعنى المعقول بالصورة المحسوسة‪ ،‬فينبغي للعبد أن يعرض‬ ‫نفسه على هذا الحديث‪ ،‬هل هو لإخوانه كالبنيان يشد بعضه بع اضا‬ ‫أو لا؟‬

‫الحديث الثالث والعشرون بعد المائتين‬ ‫عن أبي موسى رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫(( َم ْن َم َّر في َش ْي ٍء ِم ْن َم َسا ِج ِدنا‪َ ،‬أ ْو َأ ْس َوا ِق َنا‪َ ،‬و َم َع ُه َن ْبلٌ َف ْل ُي ْم ِس ْك‪ ،‬أَ ْو لِ َي ْقبِ ْض‬ ‫َع َلى نِ َصالِ َها ب َك ّفه؛ أ ْن ُي ِصي َب أ َح ادا ِم َن ال ُم ْسلِ ِمي َن ِم ْن َها بِ َش ْيء))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫لا يجوز للمسلم أن يروع أخاه‪ ،‬ولا يجوز له أيضاا أن يحمل عليه شيئاا جارحاا‬ ‫أو سًلحاا أو حديدة أو نحو ذلك‪ ،‬ولو كان يداعبه ويمازحه‪ ،‬كل ما يمكن أن‬ ‫يؤدي إلى ضرر بالمسلم فإنه لا يجوز‪ ،‬وهذا يدل على شدة عناية الشارع‬ ‫بحرمات المسلمين وحفظه لها‪.‬‬ ‫وقوله‪ (:‬ومعه نبل) النبل‪ :‬السهام التي ُيرمى بها‪ ،‬وأطرافها تكون دائماا دقيقة‬ ‫تنفذ فيما تصيبه من المرمي‪ ،‬فإذا أمسك الإنسان بها وقى الناس شرها‪ .‬وإذا‬ ‫تركها هكذا فربما تؤذي أحداا من الناس‪ ،‬ربما يأتي أح ٌد بسرعة فتخدشه‪ ،‬أو‬ ‫يم ّر الرجل الذي يمسك بها وهي مفتوحة غير ممسكة فتخدشهم أيضاا‬ ‫(فليمسك أو ليقبض على نصالها) فالمقصود بالنصال هي الحديدة التي تكون‬ ‫في آخر السهم‪ ،‬وهي التي تجرح‪ ،‬فيمسكها بيده لئًل يتأذى بها أحد‬ ‫فالمساجد والأسواق أو غير ذلك مما يزدحم فيه الناس‪ ،‬ويكثر جمعهم فإنه‬ ‫ينبغي أن ُيحترز في ذلك فًل يكون مع الإنسان شيء يتأذون به‪ ،‬وهذا كثير في‬ ‫مجامع الناس في الحج والعمرة والطواف والسعي‪ ،‬لا يجوز لأحد أن يحمل معه‬ ‫شي ائا يؤذي به الناس‬ ‫فكل شيء يؤذي المسلمين أو ُيخشى من أذيته فإنه يتجنبه الإنسان؛ لأن أذية‬ ‫المسلمين ليست بالهينة‪ .‬قال الله تعالى‪َ ( :‬والَّ ِذي َن ُي ْؤ ُذو َن ا ْل ُم ْؤ ِم ِني َن َوا ْل ُم ْؤ ِم َنا ِت‬ ‫ِب َغ ْي ِر َما ا ْك َت َس ُبوا َف َق ِد ا ْح َت َملُوا ُب ْه َتاناا َوإِ ْثماا ُم ِبيناا) (الأحزاب‪)58 :‬‬

‫الحديث الرابع والعشرون بعد المائتين‬ ‫عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما َقالَ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه‬ ‫وسلم ‪َ (( :‬م َثلُ ال ُم ْؤ ِمني َن في َت َوا ِّد ِه ْم و َت َرا ُحمه ْم َو َت َعا ُط ِفه ْم‪َ ،‬م َثلُ ال َج َس ِد إِ َذا ا ْش َت َكى‬ ‫ِم ْن ُه ُع ْض ٌو َت َدا َعى َل ُه َسائِ ُر ال َج َس ِد ِبال َّس َه ِر وال ُح َّمى))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫\"في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم\"‬ ‫وهذه الأمور الثًلثة متقاربة في المعنى‪ ،‬والفرق بينها‬ ‫أن المودة هي خالص المحبة‪ ،‬فهي إصغاء القلب وميله إلى المحبوب‪ ،‬فالمحبة‬ ‫على درجات‪ ،‬ومن هذه الدرجات المودة‬ ‫وأما الرحمة فهي معروفة تكون بالقلب وتظهر آثارها‪ ،‬و تعني لوناا من الشفقة‬ ‫على المرحوم والتوجع له‪ ،‬ومحبة الخير له‪ ،‬والتأذي بما يحصل له من الضر‬ ‫وأما التعاطف فإن العطف يدل على شفقة على المعطوف عليه‬ ‫وبعض أهل العلم يفرق بين هذه الأمور الثًلثة يقولون‪:‬‬ ‫إن التواد هو ما يحصل به التقرب إلى الشخص بهدية ونحوها‪ ،‬وأما الرحمة‬ ‫فهي معروفة‪ ،‬يفسرونها بمعناها المعروف‪ ،‬وأما العطف فهو بمعنى العون‬ ‫والتضافر من الانعطاف‪ ،‬هكذا فسرها بعضهم‬ ‫(في توادهم) أي المحبة الموجودة المتمكنة في القلوب فيما بين المسلمين‪،‬‬ ‫فالمسلم يحب أخاه المسلم‪ ،‬فهم في تواصلهم الجالب للمحبة كالتزاور والهادي‪،‬‬ ‫والنبي صلى الله عليه وسلم قد بين هذا المعنى بياناا شافياا فقال‪:‬‬ ‫(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)‬

‫وبين النبي صلى الله عليه وسلم أيضاا أن الإيمان متوقف على المحبة‪ ،‬فقال‪(:‬لا‬ ‫تدخلون الجنة حتى تؤمنوا‪ ،‬ولا تؤمنوا حتى تحابوا‪ ،‬أ َولا أدلكم على شيء إذا‬ ‫فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السًلم بينكم)‬ ‫فمن مقاصد الشريعة وجود المحبة بين المسلمين‪ ،‬أما التباغض وتنافر القلوب‬ ‫فهذا خًلف مقصود الشارع‬ ‫(وتراحمهم) بأن يرحم بعضهم بعضا بأخوة الإسًلم‬ ‫(وتعاطفهم) بأن يعين بعضهم بعضا‬ ‫(مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) انظر‬ ‫كيف مثلهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له‬ ‫سائر الجسد بالسهر‪ ،‬ألا تًلحظ كيف التداعي؟ إذا انجرح في الجسد عضو تبدأ‬ ‫الحرارة ترتفع‪ ،‬ويظهر آثار المرض في الجسد كله‬ ‫(تداعى له سائر الجسد) أي دعا بعضه بعضا إلى المشاركة بالسهر لأن الألم‬ ‫يمنع النوم‪( ،‬والحمى) لأن فقد النوم يثيرها‬ ‫وفي الحدي ِث ‪ :‬ال َّتشبي ُه وضر ُب الأمثال؛ لتقري ِب المعاني للأفها ِم‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬أ َّن المؤمني َن كالجس ِد الواح ِد‪.‬‬ ‫وفيه‪ :‬اهتما ُم المسلمين بع ِضهم ببع ٍض في جمي ِع شؤونِهم‬

‫الحديث الخامس والعشرون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي هريرة رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬ق َّبلَ ال َّنب ُّي صلى الله عليه وسلم ال َح َس َن ْب َن‬ ‫َعل ٍّي رضي الله عنهما‪َ ،‬و ِع ْن َدهُ الأَ ْق َر ُع ْب ُن َحابِس‪َ ،‬ف َقالَ الأ ْق َر ُع‪ :‬إن لِي َعش َر اة ِم َن‬ ‫ال َولَ ِد َما َق َّب ْل ُت ِم ْن ُه ْم أ َح ادا‪َ .‬ف َن َظ َر إِ َل ْي ِه َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم َف َقالَ‪:‬‬ ‫(( َم ْن لا َي ْر َح ْم لا ُي ْر َح ْم ))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫كان النبي صلى الله عليه وسلم من رحمته وشفقته يقبل الصبيان‪ ،‬فقبل مرة‬ ‫الحسن بن علي بن أبي طالب‪ ،‬وكان عنده الأقرع بن حابس‬ ‫والحسن بن على بن أبي طالب هو ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه‬ ‫وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يح ُب الحسن والحسين؛ لأنهما سبطاه‬ ‫وكان عند النبي صلى الله عليه وسلم الأقرع بن حابس من زعماء بني تميم‪،‬‬ ‫والغالب أن أهل البادية الجفاء‪ ،‬فقبل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن‪ ،‬فقال‬ ‫الأقرع‪ :‬إن لي عشرة من الولد ما قبل ُت واحداا منهم‬ ‫فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال‪ \" :‬من لا يرحم لا ُيرحم\" يعني أن‬ ‫الذي لا يرحم عباد الله لا يرحمه الله لأن الجزاء من جنس العمل ‪ ،‬و ُيفهم من‬ ‫هذا أن من رحم عباد الله رحمه الله‪ ،‬رحمه الله فقد قال النبي صلى الله عليه‬ ‫وسلم \" الراحمون يرحمهم الرحمن\"‬ ‫ففي هذا دليلٌ على أنه ينبغي للإنسان أن يرحم الصغار‪ ،‬ويلطف بهم‪ ،‬وأن ذلك‬ ‫سبب لرحمة الله ع ّز وجلّ‬

‫الحديث السادس والعشرون بعد المائتين‬ ‫عن عائشة رضي الله عنها‪َ ،‬قالَ ْت‪َ :‬ق ِد َم َنا ٌس ِم َن الأ ْع َرا ِب َع َلى رسو ِل الله صلى‬ ‫الله عليه وسلم ‪ ،‬فقالوا‪ :‬أ ُت َق ِّبلُو َن ِص ْب َيا َن ُك ْم؟ َف َقالَ‪َ (( :‬ن َع ْم)) قالوا‪ :‬لَ ِك َّنا والله َما‬ ‫ُن َق ِّبلُ! َف َقالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫((أَ َو أَ ْملِك إ ْن َكا َن اللهُ َن َز َع ِم ْن قُلُو ِب ُكم ال َّر ْح َم َة))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫َيرضاها اللهُ‬ ‫الَّتي‬ ‫ِم َن الأعما ِل‬ ‫رحم ُة الول ِد ال َّصغي ِر ومعانق ُته وتقبيلُه وال ِّرف ُق به‬ ‫أبي العا ِص‬ ‫ابن َة‬ ‫َيح ِملُ أُمام َة‬ ‫و ُيجازى عليها‪ ،‬وقد كان صلى الله عليه وسلم‬ ‫على ُعنقِه في ال َّصًل ِة‪ ،‬وفى فِعلِه عليه ال َّسًل ُم ذلك أَعظ ُم الأُسو ِة لنا؛ فينبغي‬ ‫الاقتدا ُء به في رحمتِه ِصغا َر الول ِد وكبا َرهم وال ِّرفق بهم؛ لأ َّن ذلك ِمن أعما ِل‬ ‫ال ِب ِّر الواج ِب الاتبا ُع فيها‬ ‫وفي هذا الحديث عن عائشة‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬قالت‪ :‬جاء قوم من الأعراب‬ ‫إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوا‪ :‬هل تقبلون صبيانكم؟ قال النبي صلى‬ ‫الله عليه وسلم ‪\" :‬نعم\"‪ ،‬بعض أهل العلم يقول‪ :‬هم قوم الأقرع من بني تميم‪،‬‬ ‫وبعضهم يقول‪ :‬هو عيينة بن حصن‪،‬والأعراب جفاة‪ ،‬وعندهم غلظة وشدة‬ ‫قالوا‪ :‬لكنا والله مانقبل أي إننا لا نقبل صبياننا‪ ،‬فقال النبي عليه الصًلة‬ ‫والسًلم‪ \" :‬أو أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة\"؟ أي لا أملك لكم شيئاا‬ ‫إذا نزع الله الرحمة من قلوبكم‪.‬‬ ‫وفي هذا دليلٌ على تقبيل الصبيان شفقة عليهم ورقة لهم ورحمة بهم‪ .‬وفيه‬ ‫دليلٌ على أن الله تعالى قد أنزل في قلب الإنسان الرحمة‪ ،‬وإذا أنزل الله في قلب‬ ‫الإنسان الرحمة فإنه يرحم غيره‪ ،‬وإذا رحم غيره رحمه الله ع ّز وجلّ‬

‫الحديث السابع والعشرون بعد المائتين‬ ‫عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه َقالَ‪َ :‬قالَ َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫‪َ (( :‬م ْن لا َي ْر َحم ال َّنا َس لا َي ْر َح ْم ُه الله))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫\" من لا يرحم الناس لا يرحمه الله \" فالجزاء من جنس العمل‪ ،‬الذي لا يرحم‬ ‫الناس لا يرحمه الله ع ّز وجلّ‪ ،‬ف َمن لا َيتع َّط ُف على غي ِره ولا َيرأ ُف ب ِه و ُيشفِ ُق‬ ‫على ِضعا ِفهم‪ ،‬فًل َيست ِح ُّق أ ْن َير َح َمه اللهُ ع َّز وجلَّ‬ ‫قيلَ‪ :‬هو إ ْخبا ٌر و َت ْح ِذي ٌر ْم َن ال ِعقا ِب بأ ْن لا َير َح َمه اللهُ‬ ‫و َيحت ِملُ أ ْن يكو َن ُدعا اء‪ ،‬وال َمعنى‪ :‬أ َّنه لا يكو ُن م َن الفائزي َن بال َّرحم ِة الكامل ِة‪،‬‬ ‫والسابِقي َن إلى دا ِر الرحم ِة‬ ‫والنبي صلى الله عليه وسلم لما ذرفت عيناه حينما حضر ابن ابنته ونفسه‬ ‫تفيض‪ ،‬فسئل عن هذا قال‪ \" :‬هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده‪ ،‬وإنما‬ ‫يرحم الله من عباده الرحماء\"‬ ‫وخ َّص الناس بالرحمة‪ ،‬اهتما اما بهم وإلا فالرحمة مطلوبة لسائر الحيوانات‪،‬‬ ‫فالرحمة تكون أيضا مع الدواب والبهائم فإنها من عًلمات رحمة الله ع ّز وجلّ‬ ‫للإنسان؛ لأنه إذا رق قلب المرء رحم كل شيء ذي روح‪ ،‬وإذا رحم كل شيء‬ ‫ذي روح رحمه الله‪ .‬قيل‪ :‬يا رسول الله؛ ألنا في البهائم أجر؟ قال‪\" :‬نعم‪ ،‬في كل‬ ‫ذات كبد رطبة أجر\"‬

‫الحديث الثامن والعشرون بعد المائتين‬ ‫عن أَبي هريرة رضي الله عنه‪ :‬أ ّن َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم َقالَ‪(( :‬إِ َذا‬ ‫َص َلّى أ َح ُد ُك ْم لل َّنا ِس َف ْل ُي َخ ِّف ْف‪َ ،‬فإن في ِهم ال َّض ِعي َف َوال َّس ِقي َم َوال َكبي َر‪َ ،‬وإِ َذا َصلَّى‬ ‫أ َح ُد ُك ْم لِ َن ْف ِس ِه َف ْل ُي َط ِّول َما َشا َء))‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه)‬ ‫وفي رواية‪(( :‬و َذا ال َحا َج ِة))‪.‬‬ ‫شرح الحديث‬ ‫ُيو ِصي ال َّنب ُّي صلى الله عليه وسلم الأئم َة بأ ْن ُيراعوا حالَ المص ِّلين في‬ ‫ال َّصًلة‪ ،‬فيقول لهم‪ ( :‬إذا َص َلّى أَ َح ُد ُك ْم ِلل َّنا ِس) أي‪ :‬إما اما بهم‪َ ( ،‬ف ْل ُي َخ ِّف ْف) يعني‪:‬‬ ‫في ال ِقراءة وال ُّركوع وال ُّسجود‬ ‫و ِع َّل ُة الأَم ِر بال َّتخفي ِف أ َّن منهم ال َّضعي َف في بدنه‪ ،‬وال َّسقي َم وهو المريض‪،‬‬ ‫والكبي َر في الس ِّن‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬وهؤلاء لا يتح َّملون التطويل‬ ‫ثم يقول ال َّنب ُّي صلى الله عليه وسلم ‪ (:‬وإذا َص َّلى أ َح ُد ُكم ل َن ْف ِسه) أي منفر ادا‪،‬‬ ‫( َف ْل ُي َط ِّولْ ما شاء) ؛ لأ َّنه َيع ِرف طاق َة ن ْف ِسه‪ ،‬وقاد ٌر على ال َّتخفي ِف إ ْن ع َرض له‬ ‫تع ٌب أو غي ُره‪ ،‬بخًل ِف المأمومين‪ ،‬فإ َّنهم َمحبو ُسون على الإما ِم ح َّتى يف ُر َغ‬ ‫فمن الشفقة والرحمة بالمؤمنين أنه إذا كان الإنسان إماماا لهم‪ ،‬فإنه لا ينبغي‬ ‫له أن يطيل عليهم في الصًلة‪ .‬ولهذا قال النبي عليه الصًلة والسًلم‪( :‬إذا أ ّم‬ ‫أحدكم الناس فليخفف‪ ،‬فإن من ورائه السقيم والضعيف وذا الحاجة والكبير)‬ ‫يعني من ورائه أهل الأعذار الذين يحتاجون إلى التخفيف‬ ‫والمراد بالتخفيف ما وافق سنة النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬هذا هو التخفيف‬ ‫وليس المراد بالتخفيف ما وافق أهواء الناس‪ ،‬حتى صار الإمام يركض في‬ ‫صًلته ولا يطمئن‬

‫قال أنس بن مالك رضي الله عنه‪ :‬ما صليت وراء إمام ق ّط أخف صًلة ولا أتم‬ ‫صًلة من النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ومع ذلك فكأن يقرأ في فجر الجمعة‬ ‫\" آلم تنزيل\" السجدة كاملة في الركعة الأولى‪ .‬و ( َهلْ أَ َتى َعلَى ا ْلأِ ْن َسا ِن)‬ ‫(الانسان‪ )1 :‬كاملة في الركعة الثانية‬ ‫فليس هذا الحديث حجة للذين يريدون من الأئمة أن يخففوا تخفيفاا ينقص الأجر‬ ‫ويخالف السنة‬ ‫وأعلم أنه قد يكون التخفيف عارضاا طارئاا‪ ،‬مثل ما كان النبي صلى الله عليه‬ ‫وسلم يفعل‪ ،‬كان يدخل في الصًلة وهو يريد أن يطيل فيها‪ ،‬فيسمع بكاء‬ ‫الصبي فيوجز مخافة أن تفتتن أمه‪ .‬فإذا حصل طارئ يوجب أن يخفف الإنسان‬ ‫صًلته فليخفف‪ ،‬لكن على وجه لا يخف بالواجب‪.‬‬ ‫فالتخفيف نوعان‪:‬‬ ‫تخفيف دائم‪ :‬وهو ما وافق سنة النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫وتخفيف طارئ يكون أخ ّف‪ ،‬وهو ما دعت إليه الحاجة‪ ،‬وهو أيضاا من السنة‬ ‫والمهم أنه ينبغي للإنسان مراعاة أحوال الناس ورحمتهم‬ ‫وفي الحدي ِث ‪ :‬بيا ُن ُمراعا ِة ال َّشر ِع لأحوا ِل النا ِس وطاقا ِتهم في ال ِعبادا ِت‪ ،‬وأ َّن‬ ‫الإسًل َم ِدي ُن ُيس ٍر‪.‬‬

‫الحديث التاسع والعشرون بعد المائتين‬ ‫عن عائشة رضي الله عنها‪َ ،‬قا َل ْت‪ :‬إ ْن َكا َن َر ُسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫لَ َي َد ُع ال َع َملَ‪َ ،‬و ُه َو ُيح ُّب أ ْن َي ْع َملَ ِب ِه؛ َخ ْش َي َة أ ْن َيع َملَ ِب ِه ال َّنا ُس َف ُي ْف َر َض ع َل ْي ِه ْم‬ ‫( ُم َّت َف ٌق َعلَي ِه)‬ ‫شرح الحديث‬ ‫عن عائشة رضي الله عنها ‪ \" :-‬إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليدع‬ ‫العمل وهو يحب أن يفعله؛ خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم\"‬ ‫قولها‪ \" :‬إن كان كان ليدع\" الجملة هنا ثبوتية وليست سلبية‪ .‬والمعنى أن‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم كان يترك العمل وهو يحب أن يفعله‪ ،‬لئًل يعمل به‬ ‫الناس‪ ،‬فيفرض عليهم‪ ،‬فيشق عليهم‪.‬‬ ‫ومن ذلك ما فعله في رمضان عليه الصًلة والسًلم‪ .‬صلى في رمضان ذات‬ ‫ليلة‪ ،‬فعلم به أُنا ٌس من الصحابة‪ ،‬فاجتمعوا إليه وصلوا معه‪ ،‬وفي الليلة الثانية‬ ‫صلوا أكثر‪ ،‬وفي الثالثة أكثر وأكثر‪ ،‬ثم ترك الصًلة في المسجد‪ ،‬فقال عليه‬ ‫الصًلة والسًلم‪ \" :‬أما بعد‪ ،‬فإنه لم يخف عل ّى مكانكم\" يعني ما جرى منهم من‬ ‫الاجتماع \"ولكني كرهت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها \" فترك هذا القيام‬ ‫جماعة خوفاا من أن يفرض على الأمة وهذا من شفقته صلى الله عليه وسلم‬ ‫وهذا بطبيعة الحال في زمن التشريع‪ ،‬وبعد موته صلى الله عليه وسلم فإن ذلك‬ ‫قد أُمن من أن يفرض على الناس؛ لأن التشريع قد اكتمل‪ ،‬ولهذا جمعهم عمر‬ ‫رضي الله عنه على إمام واحد‪ ،‬وقال‪ :‬نعمت البدعة هذه‪ ،‬وأصل هذا العمل‬ ‫عمله رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وتركه لعذر‪ ،‬ثم بعد ذلك أعاده عمر‬ ‫رضي الله عنه‬

‫وكان يقول عليه الصًلة والسًلم ‪ \" :‬لولا أن أشق على أمتي لأمرته بالسواك‬ ‫عند كل صًلة\"‬ ‫فهو عليه الصًلة والسًلم كان يدع العمل ويدع الأمر بالعمل؛ خوفاا من أن‬ ‫يشق على الأمة‬ ‫والشاهد في هذا الحديث وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لربما أحب شيئاا‬ ‫من الأعمال فتركه شفقة ورحمة وكراهية أن يفرض على الناس‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook