Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore التحول إلى جامعة عالمية المستوى

التحول إلى جامعة عالمية المستوى

Published by ubahasan, 2018-04-03 06:08:11

Description: التحول إلى جامعة عالمية المستوى

Search

Read the Text Version

‫التحول إلى جامعة عالمية المستوى‪ :‬تجربة جامعة الملك عبد العزيز‬ ‫‪ -3‬دور الدين‬‫يلعب الدين دورا مهما في كلا البلدين‪ ،‬ولكن بطريقتين متغايرتين‪ .‬ف�سنغافورة بلد متعدد ا ألعراق‬‫والديانات ويتمتع ب�سجل ُيح�سد عليه من الان�سجام الديني على مدى خم�سين عاما منذ الا�ستقلال‪.‬‬‫وتعد القوات الم�سلحة التي ت�ضم قادة من �سبعة �أديان مختلفة على الأقل من ا ألمثلة اللافتة للنظر‬ ‫التي تمثل التعاي�ش بين ا ألديان في �سنغافورة‪.‬‬‫إ�ن المملكة العربية ال�سعودية هي الدولة الم�س�ؤولة عن الحرمين ال�شريفين في مكة والمدينة‪ ،‬وهي‬‫ت�ست�ضيف ملايين الحجاج كل عام وتبدي في هذا المجال كفاءة ومقدرة ت�ستحق ا إلعجاب‪ .‬هذه‬‫المكانة الفريدة للمملكة العربية ال�سعودية في ا إل�سلام‪ ،‬بالإ�ضافة �إلى نفوذها الم�ستمد من كونها‬‫�أكبر منتج للنفط في العالم‪ ،‬يمنحها م�ستوى مماثلا من النفوذ والمكانة لا مثيل لهما في غرب �آ�سيا‬‫وفي العالم العربي والإ�سلامي‪ .‬و ُيعد تثقيف قادة الم�ستقبل في هذا البلد المهم من ا ألدوار المهمة‬‫للجامعات الطليعية في المملكة العربية ال�سعودية‪ ،‬مثل جامعة الملك عبدالعزيز‪ .‬ويتطلب هذا التثقيف‬‫من جامعة الملك عبد العزيز زرع ثقافة وا�سعة في جميع طلابها‪ ،‬ت�شمل نظرة عالمية ودولية‪ .‬و�سيكون‬‫مثل ه�ؤلاء الخريجين‪ ،‬الذين يتمتعون بنظرة كهذه‪ ،‬والذين ا�ستفادوا من تعليم وا�سع النطاق عالمي‬‫التوجه‪ ،‬م ؤ�هلين لتولي القيادة �ضمن �إدارة م�ستنيرة تدعم قيادة الدولة‪ .‬فخريجو جامعة الملك‬‫عبد العزيز بحاجة إ�لى خبرة عملية‪ ،‬و إ�لى ا إل�سهام ب�شكل �إيجابي في مهن تتما�شى مع احتياجات‬‫المجتمع ال�سعودي وبنيته الاقت�صادية‪ .‬ولكي تتحقق هذه المتطلبات تحتاج جامعة الملك عبد العزيز‬‫إ�لى تثقيف �شباب ا ألمة في طائفة وا�سعة من التخ�ص�صات والمهن‪ .‬وعلى الرغم من اعتماد بع�ض‬‫المناهج الخا�صة على المجالات المتوقعة من جهود خريجي الم�ستقبل‪ ،‬ف إ�ن أ�ف�ضل جامعات العالم ترى‬‫�أن من المفيد للخريجين وللبلاد �أي�ضا اكت�ساب قاعدة عري�ضة في العلوم الإن�سانية والعلوم الأ�سا�سية‬ ‫ت�شمل مدى وا�سع ًا من المهن‪.‬‬‫إ�ن تدويل أ�نموذج التعليم في جامعة الملك عبد العزيز يت�ضمن �إتاحة الفر�ص �أمام طلاب الجامعة‬‫لكي يتعرفوا على التنوع العرقي والديني ال�دولي‪ ،‬وا ألدي��ان‪ ،‬والح�وار ال�دولي متعدد المجالات‪.‬‬‫فالا�ستفادة الحكيمة من فر�ص كهذه تم ّكن طلاب جامعة الملك عبد العزيز من التكيف‪ ،‬وتمنحهم‬‫نظرة �سعودية فريدة ت أ�خذ في ح�سابها تعقيدات العولمة‪ .‬ويكت�سب الخريجون في أ�ثناء تقدمهم في‬‫حياتهم المهنية القدرة على الإ�سهام في �صياغة الا�ستجابات الفعالة والمنا�سبة من بلد إ��سلامي‬ ‫‪82‬‬

‫التميز في التعليم‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬جوانينج سو‬ ‫حديث ل�ضغوط العولمة وت أ�ثيرها‪ .‬فالتوفيق الناجح بين القيم الإ�سلامية التقليدية وت�أثير التطور‬ ‫الاقت�صادي ال�سريع للتقنية الحديثة يمكن بدوره أ�ن ي�سهم في تر�سيخ موقع المملكة العربية ال�سعودية‬ ‫الريادي بين دول العالم ا إل�سلامي‪.‬‬ ‫مركز الملك في�صل للم�ؤتمرات في جامعة الملك عبد العزيز (ت�صوير جوانينج �سو)‪.‬‬ ‫‪ -4‬مسائل تواجهها الجامعات السعودية الرئيسة في التدويل‬ ‫المملكة العربية ال�سعودية مجتمع محافظ ب�سبب تاريخه‪ .‬ف أ��سلوب الحياة البدوية الذي كان �سائدا‬ ‫قبل جيلين وح�سب‪ ،‬والمكانة الخا�صة التي تتمتع بها الملكية ال�سعودية والم ؤ��س�سة الدينية ب�صفتها‬ ‫راعية الحرمين ال�شريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة تمنح ال�شعب ال�سعودي مكانة خا�صة‪،‬‬ ‫وتلزمه ب أ�ن يكون م�ضرب المثل في الف�ضائل التي ن�ص عليها القر�آن الكريم‪ .‬هذه ال�صفة المحافظة‬ ‫هي قوة وطنية ألنها تمنح ال�شعب ال�سعودي تراثا ثقافيا متينا وقوة كبيرة للم�ضي نحو الأمام‪ .‬وهذا‬ ‫يم ّكنهم من مقاومة الت�آكل بفعل العنا�صر الدخيلة غير المرغوب فيها وت�أثير الحداثة‪ ،‬كما ت�سمح‬ ‫للمملكة العربية ال�سعودية بتطوير الترابط الاجتماعي‪ .‬لكن هذا قد ي�شكل عبئا ثقيلا على المملكة‬‫‪83‬‬

‫التحول إلى جامعة عالمية المستوى‪ :‬تجربة جامعة الملك عبد العزيز‬‫العربية ال�سعودية �إذا ما ركزت نظرها نحو الداخل‪ ،‬وحجبت كثي ًرا من العالم الخارجي �سعيا لإبعاد‬‫الف�ساد عنها‪� .‬إن لجامعة الملك عبد العزيز دو ًرا مه ًما في التوفيق بين �أوجه الخلاف الظاهرة بين‬ ‫القيم المت�صارعة‪.‬‬‫تمثل الجامعة قمة التعلم‪ .‬وفي عالم اليوم لابد لهذا التعلم من �أن يتم بطريقة فكرية باحثة تتعامل‬‫بجدية مع التعقيدات الكثيرة في عالم خارجي متباين ا أللوان‪ .‬وجامعة الملك عبد العزيز فريدة بين‬‫الجامعات ال�سعودية‪ ،‬من حيث مكانتها التاريخية وموقعها الجغرافي‪ .‬فهي لم تحمل ا�سم م�ؤ�س�س‬‫المملكة العربية ال�سعودية وح�سب‪ ،‬بل تقوم في مدينة جدة – الميناء الرئي�س على البحر الأحمر‪،‬‬‫وفيها �أحد مطارات البلاد الرئي�سة‪ ،‬وتتمتع بعلاقات دولية جيدة‪ ،‬وهي قريبة من أ�هم رموز الثقافة‬‫والقيم الإ�سلامية‪ ،‬ونق�صد مكة المكرمة والمدينة المنورة‪ .‬ويفتح المطار والميناء �أبواب العالم أ�مام‬‫طلاب جامعة الملك عبد العزيز لكي يفهموا ت�أثيرات العالم الخارجي ويتمثلوها ويتكيفوا معها‪ .‬كما‬‫أ�ن القرب من الحرمين ال�شريفين يذ ّكر مجتمع جامعة الملك عبد العزيز بمكانة المملكة العربية‬ ‫ال�سعودية الفريدة وم�س ؤ�ولياتها‪.‬‬‫الغروب في ميناء جدة (ت�صوير جوانينج �سو)‪.‬‬ ‫‪84‬‬

‫التميز في التعليم‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬جوانينج سو‬ ‫ومع �شروع جامعة الملك عبد العزيز في تنفيذ خطتها الا�ستراتيجية الثالثة‪ ،‬تتبدى �أمام الجامعة‬ ‫فر�صة ا�ستثنائية لكي تبرز من بين الجامعات ا ألخرى‪ ،‬لي�س في المملكة العربية ال�سعودية وح�سب‪ ،‬بل‬ ‫في العالم �أجمع‪ ،‬وذلك من خلال �إيجاد أ�نموذج جديد من التعليم �ألا وهو «تعليم جامعة الملك عبد‬ ‫العزيز – أ�ف�ضل العالمين‪ :‬العالم الحديث والعالم الإ�سلامي»‪.‬‬ ‫‪ -5‬أهمية فهم الطلاب السعوديين للتوجهات العالمية الجارفة‬ ‫وتجربتها‬ ‫لا نغالي �إذا قلنا�إن التعليم في جامعة الملك عبد العزيز ج�سر يربط العالم الحديث بالعالم ا إل�سلامي‪،‬‬ ‫فالعالم الحديث �شهد انفجا ًرا معرف ًيا هائل ًا‪ ،‬وتو�س ًعا �سري ًعا في ال�شبكات المو�صلة إ�لى المعرفة‪ .‬لكن‬ ‫هذا الانفجار المعرفي َج َل َب معه �أكاذيب‪ ،‬و أ�ن�صاف حقائق‪ ،‬وادعاءات ما �أنزل الله بها من �سلطان‪،‬‬ ‫ودعايات مرجفة من كل جن�س ولون‪ .‬ولم يبد�أ العالم في فرز الغث من ال�سمين إ�لا م ؤ�خرا‪.‬‬ ‫ومن التوجهات الحديثة الأخرى‪ ،‬انت�شار المكت�شفات على الحدود الفا�صلة بين التخ�ص�صات‪ ،‬أ�ي ما‬ ‫ي�سمى بالبحث العابر للتخ�ص�صات والمنهج ال�شامل لحل الم�شكلات‪ .‬وتعد المملكة العربية ال�سعودية‬ ‫ذاتها مثالا ممتازا‪ .‬فكون المملكة بلدا وافر الطاقة �شحيح المياه يوفر فر�ص الت�آزر بين النفط والعلوم‬ ‫البيئية والزراعية‪ ،‬ب�سبب العلاقة الوثيقة بين توفر المياه و�إنتاج المحا�صيل الغذائية‪ ،‬وعمليات‬ ‫التبادل بين ا�ستخراج المياه وتحلية مياه البحر وا�ستهلاك الطاقة‪ .‬وقد تدفع فر�ص اكت�شاف الحلول‬ ‫وتطويرها على الح�دود الفا�صلة بين هذه التخ�ص�صات المتباينة بالبحوث العلمية والابتكارات‬ ‫وال�صناعة ال�سعودية نحو ا ألم�ام‪ .‬فب�إمكان المملكة العربية ال�سعودية أ�ن تتبو أ� مكانة متقدمة في‬ ‫تطوير كمية من الطاقة المثلى لا�ستغلالها في ا إلنتاج الزراعي والح�صول على المياه النقية‪.‬‬ ‫وعلى �صعيد العلوم الإن�سانية‪ ،‬هناك تحد لتطوير ال�صلة بين القيم ا إل�سلامية التقليدية التي تطبع‬ ‫الحياة البدوية التاريخية في الجزيرة العربية من جهة‪ ،‬وبين البنية التحتية عالية التطور في المملكة‬ ‫العربية ال�سعودية الحديثة من جهة �أخرى‪ ،‬بالإ�ضافة �إلى ال�شعب ال�سعودي الذي بات يجوب بلدان‬ ‫العالم‪ .‬ويثير هذا ت�سا�ؤلات مهمة حول القيم والثقافة ا إل�سلامية في إ�طار حديث‪ .‬ويمكن إ�قحام‬ ‫النتائج التي تتمخ�ض عن البحوث في هذه المجالات في برامج التعليم في المرحلة الجامعية الأولى‬ ‫والبرامج المهنية في جامعة الملك عبد العزيز‪.‬‬‫‪85‬‬

‫التحول إلى جامعة عالمية المستوى‪ :‬تجربة جامعة الملك عبد العزيز‬ ‫ا ألمير في�صل بن �سلمان‪� ،‬أمير المدينة المنورة (في اليمين) ي�ستقبل في مكتبه في فبراير ‪2015‬م فريق جامعة الملك‬‫عبد العزيز‪ ،‬الذي �أجرى درا�سة حول المناطق البركانية في المدينة المنورة بح�ضور وكيل الجامعة للدرا�سات العليا‬ ‫والبحث العلمي (في الخلف)‪.‬‬‫يخبرنا التاريخ عن ا إليقاع المنتظم لظهور القوى والح�ضارات واندثارها‪ .‬وقد مرت �آ�سيا وال�شرق‬‫ا ألو�سط تاريخيا بع�صور مزدهرة وتمتعت فيها بال�سلطة وال�سيطرة‪ ،‬لكن قيادة التقنية الحديثة في‬‫ال�سنوات الثلاثمائة ا ألخيرة آ�لت �إلى أ�وروبا الغربية‪ .‬ولم يبد أ� التقدم في الولايات المتحدة ا ألمريكية‬‫الذي منحها موقعها القيادي الحالي إ�لا قبل مائة عام‪ .‬فمن منظور الزمن الذي يقا�س ب�آلاف‬ ‫ال�سنين نرى �أن �سيطرة الغرب على التقنية يمكن أ�ن تكون ظاهرة عار�ضة‪.‬‬‫أ�ما �آ�سيا‪ ،‬فقد بد أ�ت بالفعل في ا�ستعادة مكانتها ال�سابقة بقيادة ال�صين واليابان وكوريا‪ ،‬و�أثبتت‬‫أ�ن التقدم التقني لي�س حكرا على الغرب‪ .‬و�إذا ما نظرنا إ�لى ازدهار الثقافة الإ�سلامية حين كان‬‫العرب في جنوب �أوروبا وكانت دولة الخلافة لخلفاء الر�سول محمد �صلى الله عليه و�سلم ت�شمل كل‬‫ال�شرق ا ألو�سط وجنوب أ�وروبا‪ ،‬ر�أينا أ�ن الإ�سلام كان التربة الخ�صبة المفيدة لمجتمع التميز الفكري‪.‬‬ ‫وازدهرت الأفكار والمخترعات التي تركت أ�ثرا م�ستداما في العالم تحت راية الإ�سلام آ�نذاك‪.‬‬‫ويمكن لهذا أ�ن يتكرر في العالم ا إل�سلامي والمملكة العربية ال�سعودية‪ .‬كما يمكن لجامعة الملك عبد‬‫العزيز أ�ن تكون عاملا مهما في التغيير‪ ،‬وهي تقود الم�سيرة ب أ�نموذج تعليمي متميز‪ .‬فاجتماع القيم‬ ‫‪86‬‬

‫التميز في التعليم‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬جوانينج سو‬ ‫الإ�سلامية مع التقنية الحديثة وا إلنترنت يوفر التربة الخ�صبة لتهيئة طلاب جامعة الملك عبد‬ ‫العزيز‪ .‬فجامعة الملك عبد العزيز بو�صفها إ�حدى الجامعات ا أل�سا�س التي ت�ضم ‪ 100,000‬طالب‪،‬‬ ‫ت�ستطيع �أن تكون بالدرجة الأولى بوابة جديرة بالثقة تفتح على العالم بالن�سبة إ�لى طلابها‪ ،‬كما‬ ‫ي�ستطيع الطلاب �أنف�سهم أ�ن يكونوا بوابة مهمة للمملكة العربية ال�سعودية‪.‬‬ ‫�صورة للاجتماع ا ألول للهيئة الا�ست�شارية الدولية الذي عقد في جامعة الملك عبد العزيز‪.‬‬ ‫ثمة م�ضامين رئي�سة لكون الجامعة بوابة تدويل بالن�سبة �إلى جامعة الملك عبد العزيز‪ ،‬حيث �ش ّكل‬ ‫هذا الدور �إحدى القوى الدافعة التي حدت بالجامعة �إلى ت أ��سي�س الهيئة الا�ست�شارية الدولية‪ ،‬وكان‬ ‫وراء طرح أ�ول خطتين ا�ستراتيجيتين لجامعة الملك عبد العزيز والتح�ضير للخطة الا�ستراتيجية‬ ‫الثالثة‪ .‬وي�ش ّكل هذا الدور ب�صورة غير مبا�شرة جز ًءا من الدافع الذي اعتمدت عليه قيادة الجامعة‬ ‫في تح�سين �سمعتها الدولية‪ ،‬وبالتالي تح�سين ترتيبها في الت�صنيف العالمي‪.‬‬ ‫إ�ن �إعداد جامعة �ضخمة الحجم لاحتلال مركز ا�ستراتيجي جديد لي�س عملية ي�سيرة‪ .‬فهي تبد�أ‬ ‫ب��إدارة تتقبل ا ألفكار وتقدر على تنفيذ التغيير‪ ،‬كما تحتاج إ�لى هيئة تدري�س م ؤ�هلة ون�شطة في‬ ‫مجال البحوث العلمية‪� ،‬أع�ضا�ؤها لي�سوا حجة دولية وح�سب‪ ،‬بل على دراية أ�ي�ضا بالمملكة العربية‬ ‫ال�سعودية‪ ،‬وقادرون على تطبيق خبراتهم لم�صلحة البلد‪ .‬فبف�ضل هذه الاعتبارات تتقدم كثير من‬ ‫مبادرات الخطط الا�ستراتيجية‪ .‬و�سوف تنفذ هذه الخطط بالتتابع على مدى ال�سنوات القليلة‬ ‫القادمة بتوجيه من قيادة الجامعة ودعم من الهيئة الا�ست�شارية الدولية‪.‬‬‫‪87‬‬

‫التحول إلى جامعة عالمية المستوى‪ :‬تجربة جامعة الملك عبد العزيز‬ ‫عميد �ش�ؤون الطلاب في جامعة الملك عبد العزيز (الرابع من الي�سار) وعميد القبول والت�سجيل (الرابع من‬ ‫اليمين) في �صورة تذكارية مع الخريجين الجدد‪.‬‬ ‫‪ -6‬التعليم في جامعة الملك عبد العزيز‬‫يجب �أن يراعى عند ت�صميم أ�نم�وذج التعليم في جامعة الملك عبد العزيز �أن ينا�سب الظروف‬‫والمتطلبات ا إلقليمية والوطنية للمملكة العربية ال�سعودية‪ .‬إ�لا �أن ثمة خيوطا م�شتركة تمر عبر �أف�ضل‬ ‫نماذج التعليم الجامعي رغم الاختلافات الثقافية‪.‬‬‫في عام ‪2007‬م وا�ستجابة لحاجة �سنغافورة الوطنية للتحول الاقت�صادي ب�صفتها مجتمعا ذا قيمة‬‫�إ�ضافية عالية‪� ،‬ش ّكلت جامعة نانيانغ التقنية «لجنة ال�شريط الأزرق» لمراجعة التعليم في المرحلة‬‫الجامعية ا ألولى من قاعدة الهرم إ�لى قمته‪ .‬وقد تم تنفيذ تو�صيات تلك اللجنة تباعا على مدى‬‫�سنوات‪ ،‬وكانت عن�صرا رئي�سا للمتطلبات التي قادت الخطة الرئي�سة لجامعة نانيانغ التقنية‪ ،‬والتي‬ ‫اكتملت عام ‪2010‬م‪ ،‬والتي يتم تنفيذ مقترحاتها على مراحل [‪.]5‬‬‫ويمكن تطبيق بع�ض ا أل�ساليب والنتائج التي تمخ�ضت عنها مراجعة جامعة نانيانغ التقنية‪ ،‬وكذلك‬‫المراجعات التي أ�جرتها جامعات �أخ�رى‪ ،‬في جامعة الملك عبد العزيز‪ .‬وفيما يلي نقترح بع�ض‬ ‫العنا�صر التي قد تنطبق على تطوير �أنموذج التعليم في جامعة الملك عبد العزيز‪.‬‬ ‫‪88‬‬

‫التميز في التعليم‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬جوانينج سو‬ ‫«قبل كل �شيء عليك بتطوير �سجايا النف�س وف�ضائلها‪ .‬ف� إ�ذا تحقق لك ذلك‪،‬‬ ‫انتقل إ�لى ت أ��سي�س أ��سرة قوية من�سجمة‪ .‬وح�ين تكون كل الأ�سر قوية‪ ،‬ت�صبح‬ ‫البلاد قوية تحت حكم جيد‪ .‬حينئذ فقط يمكننا �أن ننجح في حل م�شكلة العالم»‪.‬‬ ‫كونفو�شيو�س‬ ‫ف� إ�ذا �أخذنا بالاعتبار ن�صيحة حكيم ال�صين كونفو�شيو�س‪ ،‬فما هي �صفات خريج جامعة الملك‬ ‫عبدالعزيز؟‬ ‫�أنا على يقين من أ�ن الكثيرين �سيوافقونني على النقاط الخم�سة التالية‪:‬‬ ‫ •ال�شخ�صية ا ألخلاقية‬ ‫ •الان�ضباط والتعلم مدى الحياة‬ ‫ •الابتكار والإبداع‬ ‫ •القيادة والعمل الجماعي‬ ‫ •الاحترافية والخدمة العامة‬ ‫وربما كانت هناك ت�صنيفات وتركيبات أ�خرى‪ ،‬لكن هذه ال�سمات أ��سا�سية بالن�سبة �إلى المثقف‪� ،‬سواء‬ ‫�أكان في المملكة العربية ال�سعودية أ�م في �سنغافورة‪ .‬وبما �أن ل إل�سلام أ�همية كبيرة ويتغلغل في �شتى‬ ‫جوانب الحياة في المملكة العربية ال�سعودية‪ ،‬كان من الواجب أ�ن تف�سر هذه ال�صفات الخم�سة في‬ ‫�سياق �إ�سلامي‪.‬‬ ‫‪ -7‬أهمية التعليم الداخلي‬ ‫لدي �إيمان را�سخ في فائدة التعليم الداخلي الذي يقوم به معلمون يو�صفون ب أ�نهم أ�مثلة بارزة في‬ ‫غر�س القيم المطلوبة في نفو�س خريجينا‪ .‬فالفئة العمرية بين ‪ 22-18‬عاما التي تتلقى التعليم‬ ‫الجامعي هي في مرحلة الت�شكل المطواع‪ .‬فتوفير الفر�ص لهم للتطور في مجتمع م�صغر مع قدر معين‬ ‫من ا إل�شراف يطور قدراتهم الاجتماعية التي ت�ضعهم في موقع جيد حين يتخرجون ويواجهون العالم‬ ‫الخارجي‪ .‬ويتطلب التعليم الداخلي تنظيم وحدات �سكنية في الجامعة وتدريب م�شرفين �أكاديميين‬ ‫ملائمين‪� .‬أما في المملكة العربية ال�سعودية فيكت�سب الإ�سلام أ�همية كبرى في جميع مرافق الحياة‬ ‫حتى في الحياة الجامعية‪ .‬فللن�ضوج في جامعة إ��سلامية مكر�سة لاكت�ساب المعرفة فائدة إ��ضافية تبين‬‫‪89‬‬

‫التحول إلى جامعة عالمية المستوى‪ :‬تجربة جامعة الملك عبد العزيز‬‫كيف يمكن لل�شباب التوفيق بين المعتقدات والقيم الإ�سلامية من جهة والن�شاطات التي يحتاجها‬ ‫مجتمع ع�صري من جهة أ�خرى‪.‬‬‫هناك بالطبع م�صاعب في تنفيذ التعليم الداخلي في جامعة ت�ضم ‪ 100.000‬طالب‪ ،‬مثل جامعة الملك‬‫عبد العزيز‪ .‬لكن كثيرا من طلاب هذه الجامعة يتبعون نظام الانت�ساب‪ .‬فيمكن أ�ن يعطى المتفوقون‬‫من البقية أ�ف�ضلية الح�صول على م�سكن في المدينة الجامعية‪ ،‬لا �سيما �إذا كانوا منخرطين في‬‫ن�شاطات علمية أ�و تجارية‪ .‬وبهذا يتمكن أ�ف�ضل الخريجين من الا�ستفادة من ميزة التعليم الداخلي‪.‬‬‫وثمة م�س أ�لة أ�خرى تتعلق بفكرة التعليم الجامعي المختلط‪ ،‬حيث يدر�س الطلاب والطالبات معا‪.‬‬‫وهذا �شيء م�ألوف في الجامعات العالمية‪� .‬صحيح �أن با�ستطاعة م�ؤ�س�سة تجريبية مثل جامعة الملك‬‫عبد الله للعلوم والتكنولوجيا الح�صول على ت�صريح خا�ص لمثل هذا ا ألنم�وذج التعليمي‪� ،‬إلا أ�نه‬‫من الم�ستبعد ح�صول جامعة الملك عبد العزيز بو�صفها �إحدى الجامعات الرئي�سة على مثل هذا‬‫الت�صريح في الظروف ال�سائدة حاليا‪ .‬وي�شكل هذا قيدا على التعليم الوا�سع لكنه يعك�س حالة المجتمع‬ ‫ال�سعودي الحالي‪ ،‬ولذلك ف�إنه يلقى القبول ولا حاجة لبحث هذا المو�ضوع‪.‬‬ ‫‪ -8‬منظمات الطلاب‬‫�سواء أ�كان الطالب يقيم في ال�سكن الجامعي �أم خارجه‪ ،‬ف إ�ن نظام منظمات الطلاب الفعال هو مفتاح‬‫تعليم المهارات الحياتية وممار�سة ا إلدارة في الجامعة‪ .‬ففي جامعة نانيانغ التقنية ثلاثة أ�نواع من‬‫التنظيمات الطلابية‪� ،‬أولها و�أقواها هو الذي تنظمه وحدات ال�سكن الجامعي‪ .‬وثانيها هو منظمات‬‫طلابية في كل مدر�سة ح�سب التخ�ص�ص‪� .‬أما ثالثها فهو تطوعي مح�ض‪ ،‬ويت أ�لف من مجموعات‬‫تت�شكل بمبادرة الطلاب أ�نف�سهم على أ��سا�س اهتماماتهم‪ ،‬مثل المو�سيقى والريا�ضة وخدمة المجتمع‬‫والثقافة‪ .‬وتن�ضوي هذه المنظمات كلها تحت منظمة �شاملة تتمثل باتحاد الطلاب الذي ير�أ�سه رئي�س‬‫منتخب‪ .‬ولعل جامعة الملك عبد العزيز ترغب في تطوير �أنموذج خا�ص بها م�ستفيدة من النماذج‬‫المتبعة في جامعات العالم‪ .‬هنا لابد من ذكر �أمرين مهمين في نظري‪ :‬منظمة رئي�سة مثل الوحدات‬‫ال�سكنية التي توفر �إح�سا�سا بالانتماء على م�ستوى إ�ن�ساني في جامعة هائلة الحجم‪ ،‬ومنظمة مركزية‬ ‫موحدة تمثل الطلاب تمثيلا حقيقيا وتعمل مع �إدارة الجامعة بانتظام‪.‬‬‫ولا ينح�صر الهدف من منظمات الطلاب في تمكين الطلاب من الا�ستعداد لمواجهة الحياة في بيئة‬ ‫‪90‬‬

‫التميز في التعليم‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬جوانينج سو‬ ‫الم�ستقبل‪ ،‬بل ت�ساعد أ�ي ً�ضا على التوا�صل بين قيادة الجامعة ومجتمع الطلاب‪ ،‬لا �سيما في وقت‬ ‫الأزمات‪ .‬ونذكر هنا على �سبيل المثال ما حدث في جامعة نانيانغ للتقنية‪ ،‬حيث أ�ثبتت �آلية التوا�صل‬ ‫هذه قيمة لا تقدر بثمن إ�بان أ�زمة مر�ض الالتهاب الرئوي الحاد (ال�سارز ‪ )SARS‬عام ‪2003‬م‪.‬‬ ‫‪ -9‬قاعدة عريضة من العلوم الإنسانية والعلوم الأساسية‬ ‫�إن العقل المتعط�ش للمعرفة هو من دعائم الف�ضول الفكري والدافع للاكت�شاف والتعلم الذي لا‬ ‫ينقطع طوال الحياة‪ .‬ففي �أف�ضل جامعات العالم يتم الجمع بين الآداب والعلوم ا أل�سا�سية في أ��سا�س‬ ‫متين في الأنموذج التعليمي‪ .‬وقد كان هذا هو الاتجاه ال�سائد في جامعتين من جامعات �سنغافورة‪،‬‬ ‫وهما جامعة نانيانغ التقنية وجامعة �سنغافورة الوطنية‪ ،‬وكلتا الجامعتين حققتا تقدما على �سلم‬ ‫الت�صنيف الدولي في ال�سنوات الأخيرة‪.‬‬ ‫فعلى �سبيل المثال‪ ،‬وفي جامعة �ستانفورد المعروفة ب أ�نها م�صدر وادي ال�سيليكون‪ ،‬كانت درا�سة العلوم‬ ‫الإن�سانية من متطلبات الدخول لجميع الم�ستجدين مع قراءات مطلوبة قبل دخول الجامعة‪� .‬أما‬ ‫متطلبات العلوم الأ�سا�سية فتتحقق من خلال مقررات �إجبارية واختيارية‪ .‬وهذا ا أل�سا�س العري�ض‬ ‫�شائع في أ�ف�ضل الجامعات ا ألمريكية‪ ،‬مثل جامعات رابطة أ�يفي )‪ ،((((Ivy League‬وجامعات‬ ‫�ستانفورد )‪ ،(Stanford‬و إ�م �آي تي )‪ ،(MIT‬وكالتك )‪ ،(Caltech‬بالإ�ضافة إ�لى �أف�ضل الجامعات‬ ‫الحكومية مثل جامعة كاليفورنيا بيركلي ومي�شيغان‪.‬‬ ‫و�سيتوجبعلىبرنامجت أ��سي�سيكهذا أ�ني�أخذبعينالاعتبارالظروفالمحليةفيالمملكةالعربيةال�سعودية‪.‬‬ ‫وهناك مخزون غني من التقاليد الأدبية العربية التي يمكن الاعتماد عليها في العلوم الإن�سانية‪ .‬ولعل‬ ‫في الفنون الإ�سلامية وهند�سة الم�ساجد مجالات خ�صبة للفنون‪ ،‬مثلما ي�شكل التراث العربي وا إل�سلامي‬ ‫في مجالات الريا�ضيات والعلوم ا أل�سا�سية م�صادر غنية للمعرفة في ميدان العلوم‪ ،‬كما يمكن النظر في‬ ‫ا�ستنباط مو�ضوعات منا�سبة للدرا�سات ا أل�سا�سية من التاريخ الإ�سلامي والتاريخ ا إلقليمي‪.‬‬ ‫(( ( الجامعات الداخلة في هذه الرابطة هي ثماني جامعات خا�صة في �شمال �شرق الولايات المتحدة‪ ،‬وهي جامعة براون‬ ‫)‪ ،(Brown University‬جامعة كولومبيا )‪ ،(Columbia University‬جامعة كورنل )‪ ،(Cornell University‬معهد‬ ‫دارتماوث )‪ ،(Dartmouth College‬جامعة هارفارد )‪ ،(Harvard University‬جامعة بن�سلفانيا ‪(University of‬‬ ‫)‪ ،Pennsylvania‬جامعة برن�ستون )‪ ،(Princeton University‬جامعة ييل )‪ .(Yale University‬وهذه الجامعات‬ ‫متميزة وانتقائية في قبول الطلاب‪( .‬المترجمان)‪.‬‬‫‪91‬‬

‫التحول إلى جامعة عالمية المستوى‪ :‬تجربة جامعة الملك عبد العزيز‬ ‫وكيل جامعة الملك عبد العزيز للتطوير (�سابقا) ي�ستقبل مراج َعي موقع ‪ABET‬‬ ‫في أ�ثناء زيارتهما لجامعة الملك عبد العزيز‪.‬‬ ‫‪ -10‬التعليم المهني‬‫يكت�سب التعليم المهني في دولة نامية مثل المملكة العربية ال�سعودية أ�همية خا�صة‪ .‬فخريجو الهند�سة‬‫ي�شيدون أ��س�س البنية التحتية ويمل ؤ�ون ال�شواغر في ال�صناعة النامية‪� .‬أما خريجو كليات إ�دارة‬‫ا ألعمال فيدعمون الم�شروعات التجارية في الت�سويق وال�ش ؤ�ون المالية‪ ،‬كما ي�ضمن المحا�سبون �شفافية‬‫ا أل�سواق ومو�ضوعيتها‪ .‬وي�ضاف �إلى ذلك المعماريون‪ ،‬والأطباء‪ ،‬و أ�طباء ا أل�سنان والعديد من �أ�صحاب‬‫المهن ا ألخرى‪ .‬وقد اتخذت جامعة الملك عبد العزيز قرا ًرا حكي ًما بال�سعي نحو الح�صول على كل ما‬‫يمكنها من ك�سب الاعتراف لأن المعايير الدولية ت�ساعد خريجي جامعة الملك عبد العزيز على البروز‬‫بين خريجي الجامعات ا ألخرى‪ .‬و�أنا على ثقة ب أ�ن جامعة الملك عبد العزيز �سوف تواظب على رفع‬‫م�ستوى التعليم المهني القائم على معايير الجودة الدولية و�ضمانها‪ .‬إ�ن توفير أ��سا�س م�شترك من‬‫العلوم الإن�سانية والعلوم الأ�سا�سية للجميع قد ي�شكل تحديا ب�سبب اكتظاظ المناهج‪ .‬لكني على يقين‬ ‫‪92‬‬

‫التميز في التعليم‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬جوانينج سو‬ ‫من قدرة جامعة الملك عبد العزيز على العثور على الحل المنا�سب‪� .‬أما في جامعة نانيانغ التقنية‪ ،‬فقد‬ ‫تم حذف كثير من المقررات التخ�ص�صية التي كانت ترهق كاهل الطلاب من المنهج و�أعيد التركيز‬ ‫على التدريب على العمل الفعلي‪ ،‬مما ي�ؤدي غالبا إ�لى التوظيف مبا�شرة‪.‬‬ ‫‪ -11‬البحوث وبرامج العلوم والتقنية للنخبة في المرحلة الجامعية‬ ‫الأولى‬ ‫من الم�شكلات ال�شائعة التي تواجه الجامعات الكبيرة‪ ،‬مثل جامعة الملك عبدالعزيز‪ ،‬هي الطيف‬ ‫الوا�سع من القدرات الأكاديمية بين �أعداد الطلاب الهائلة‪ .‬ولما كان من ال�ضروري �أن تعد المقررات‬ ‫والبرامج الدرا�سية ب�شكل يلائم �أغلبية الطلاب‪ ،‬ف إ�ن المتفوقين منهم يجدون أ�نف�سهم في و�ضع لا‬ ‫يح�سدون عليه ألن المناهج الاعتيادية قد ت�صيبهم بالملل وت�صرف انتباههم؛ فربما �شكل ه�ؤلاء‬ ‫المتفوقون‪� ،‬إذا ما أ�عدوا �إعدا ًدا منا�س ًبا‪ ،‬الجيل الجديد من القادة ا ألكاديميين ال�سعوديين‪.‬‬ ‫�إن وجود برنامج بحث قوي في المرحلة الجامعية ا ألولى مك ِّون مهم في العلوم والتقنية للنخبة يمكن‬ ‫الا�ستفادة منه في إ�ثارة اهتمام الطلاب في البحوث في تلك المرحلة‪ .‬ف�سجل بحوث جيد في المرحلة‬ ‫الجامعية الأولى وعدد من الأعمال المن�شورة يوفر للطلاب التميز عند التقدم �إلى مدار�س الدرا�سات‬ ‫العليا‪ .‬ولا بد لهذا البرنامج من �أن يكون قائما على أ��س�س متينة حتى يكون فعالا‪ ،‬ومفتوحا ألكبر عدد‬ ‫من المتقدمين‪ ،‬ويوظف �أف�ضل أ�ع�ضاء التدري�س المعروفين بغزارة أ�بحاثهم ليت�سلموا زمام ا إل�شراف‪.‬‬ ‫وهذا متوفر بالفعل إ�ذاما نظرنا إ�لى تزايد البحوث في جامعة الملك عبد العزيز‪.‬‬ ‫وبالإ�ضافة إ�لى ما تقدم‪ ،‬نرى أ�ن التو�سع في البرامج الخا�صة بالمتفوقين من طلاب العلوم والهند�سة‬ ‫في جامعة الملك عبد العزيز يكمل خطة البحوث في المرحلة الجامعية الأولى‪ ،‬مما ي�صب في م�صلحة‬ ‫�إنتاج الجيل التالي من ا ألكاديميين ال�سعوديين‪.‬‬ ‫‪ -12‬التدريب‬ ‫مع ات�ساع ت أ�ثيرات العولمة يتزايد تنوع فر�ص التوظيف المهني المتاحة لخريجي جامعة الملك عبد‬ ‫العزيز‪ .‬ولم يعد تدريب الخريجين على �شتى أ�نواع الوظائف مجديا ولا ممكنا‪ .‬لذا ظهرت الحاجة‬ ‫�إلى رجوع التعليم المهني �إلى ا أل�س�س‪ ،‬و�صار التعلم ا إل�ضافي ُيكت�سب من الممار�سة أ�و من خلال برامج‬‫‪93‬‬

‫التحول إلى جامعة عالمية المستوى‪ :‬تجربة جامعة الملك عبد العزيز‬ ‫تدريب تخ�ص�صية ينظمها �أرباب العمل‪.‬‬‫وي�ستطيع الخريجون اكت�ساب خطوة إ�لى الأم�ام لدى تلقيهم التدريب في �أثناء العمل من خلال‬‫الاتفاق على ق�ضاء فترة تدريب مع �أرباب العمل المعنيين‪� .‬صحيح �أن هذا ي�ستغرق بع�ض الوقت‪ ،‬لكنه‬‫يوفر تدريبا يتعذر الح�صول عليه في ال�صف‪ .‬وغالبا ما يتلقف �أرباب العمل المتفوقين من المتدربين‬ ‫حين يثبتون جدارتهم في أ�ثناء فترة التدريب‪.‬‬‫ولما كانت ال�صناعات الكبيرة في المملكة العربية ال�سعودية لا توفر جميع �أنواع التدريب المرغوبة‪،‬‬‫ف إ�ن الو�سيلة الناجعة للتغلب على هذه الم�س أ�لة هي البحث عن التدريب خارج البلاد‪ .‬ولهذا التدريب‬ ‫الخارجي ميزة �إ�ضافية‪� ،‬ألا وهي منح المتدرب خبرة دولية ثمينة‪.‬‬ ‫‪ -13‬الخبرة الدولية‬‫لعل من المفيد للطلاب في أ�ثناء �إعدادهم لمواجهة بيئة العولمة بعد تخرجهم �أن يق�ضوا ف�صلا في‬‫دولة �أجنبية أ�و �أكثر خلال درا�ستهم في جامعة الملك عبدالعزيز‪ .‬أ�ما الترتيبات ال�شائعة في هذا‬‫الخ�صو�ص فتتم من خلال برنامج التبادل الطلابي‪ .‬وعلى اعتبار أ�ن الإنجليزية باتت الآن لغة‬‫التبادل الدولي‪ ،‬ف إ�ن من ال�ضروري المحافظة على م�ستوى عا ٍل من المعايير والكفاءة اللغوية في جامعة‬‫الملك عبد العزيز‪ .‬كما �إنه من المهم للجامعة تطوير مقررات في ا إلنجليزية لطلاب التبادل القادمين‬ ‫على اعتبار أ�ن عدد الطلاب في برنامج التبادل مع أ�ية م ؤ��س�سة �شريكة يتحدد وفق مبد�أ الم�ساواة‪.‬‬‫‪ -14‬عولمة التعليم تعزز فهم المملكة العربية السعودية لدى‬ ‫العالم الخارجي‬‫يعد طلاب جامعة الملك عبد العزيز الم�شتركون في البرامج الدولية أ�ف�ضل �سفراء لبلادهم‪ ،‬وممثلين‬‫للعالم ا إل�سلامي أ�ي�ضا‪ ،‬ب�سبب المكانة الخا�صة التي تتمتع بها المملكة العربية ال�سعودية‪ .‬فالتجربة‬‫الدولية لطلاب جامعة الملك عبد العزيز �ستح�سن فكرة البلاد الأجنبية حول المملكة العربية‬‫ال�سعودية ومواطنيها تماما مثلما �أ�سهمت زيارة �أع�ضاء الهيئة الا�ست�شارية الدولية إ�لى المملكة‬‫في جلاء نظرتهم عن المملكة وتفاعلهم الأكاديمي مع الطلاب المتفوقين و أ�ع�ضاء هيئة التدري�س‬ ‫المخل�صين في عملهم‪.‬‬ ‫‪94‬‬

‫التميز في التعليم‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬جوانينج سو‬ ‫‪ -15‬التكيف مع أفضل الممارسات في الخارج‬ ‫إ�ن تدويل التعليم في جامعة الملك عبد العزيز يب�سط أ�جنحة الجامعة على الأر��ض ا ألجنبية من‬ ‫خلال مدر�سيها وطلابها وزياراتهم المتكررة‪ .‬وغالبا ما تحتاج هذه العلاقات �إلى دعم من قيادات‬ ‫الجامعات الأجنبية‪ .‬فا�ستثمار الوقت في تطوير ال�شبكة الدولية لجامعة الملك عبد العزيز ودعم‬ ‫أ�نموذجها التعليمي يمنح قيادة الجامعة فر�ص التفاعل مع عمليات الجامعات العالمية المتميزة ذائعة‬ ‫ال�صيت وملاحظتها‪ ،‬لأن مثل هذه التفاعلات تميط اللثام عن ممار�سات النماذج الجيدة‪� .‬أ�ضف‬ ‫إ�لى ذلك ف�إن تطوير مثل هذه ال�شبكات والروابط لا يمكن �إلا أ�ن ينجح في رفع م�ستوى ال�صفات‬ ‫الدولية لجامعة الملك عبد العزيز‪ ،‬ويزود قيادتها بدرا�سات حالات يمكن �إطلاق مبادرات مهمة منها‬ ‫وتكييف أ�فكار م�ستنبطة منها‪.‬‬ ‫�صورة يظهر فيها رئي�س جامعة الملك عبد العزيز �أ�سامة طيب (في الي�سار) ووكيل الجامعة للأعمال والإبداع‬ ‫المعرفي (في الو�سط) ووكيل الجامعة لل�ش ؤ�ون الأكاديمية (في اليمين) في أ�حد اجتماعات الهيئة الا�ست�شارية‬ ‫الدولية التي عقدت في الجامعة‪.‬‬‫‪95‬‬

‫التحول إلى جامعة عالمية المستوى‪ :‬تجربة جامعة الملك عبد العزيز‬ ‫‪ -16‬الابتكار‪ :‬الربط بين الصناعة والمدرسين والطلاب‬‫لم يكن في المملكة العربية ال�سعودية أ�ية �صناعة قبل ظهور النفط بو�صفه الوقود الرئي�س الذي يحرك‬‫الثورة التقنية الحديثة‪ .‬واليوم‪ ،‬ورغم تطوير تقنيات الطاقة النووية‪ ،‬ت�ستمر التقنية الحديثة في‬ ‫الاعتماد ال�شديد على حرق الوقود ا ألحفوري‪ ،‬ومع ذلك نرى �أن العالم يقف على منعطف‪.‬‬‫في عالم اليوم يتزايد الاعتقاد ب أ�ن �سكان ا ألر�ض‪ ،‬وبف�ضل التقنية التي بين �أيديهم‪ ،‬قادرون على‬‫الت أ�ثير في بيئة الكرة الأر�ضية‪ .‬فالوعي بالتحول المناخي الناتج عن ن�شاط الإن�سان وما ي�صحبه‬‫من تطوير المواد المتقدمة وتقنيات توفير الطاقة يعمل الآن على تحويل الر أ�ي العام ل�صالح تقنيات‬‫توليد الطاقة الم�ستدامة‪ .‬فتكاليف الطاقة ال�شم�سية باتت قريبة من تكاليف ت�شغيل الم�صانع التي‬‫تعمل بالوقود الأحفوري الم�ألوف‪ ،‬كما ات�سع ا�ستخدام طاقة الرياح‪ ،‬والمركبات التي تعمل بالطاقة‬‫الكهربائية �أو بالطاقة المزدوجة‪ ،‬و�صارت تقنيات البناء المتطورة تخف�ض من ا�ستهلاك الطاقة‪.‬‬‫ويظهر أ�ن هذا توجه كبير في القرن الحادي والع�شرين‪ ،‬ويحمل في ثناياه مخاطر وب�شائر بالن�سبة‬ ‫�إلى المملكة العربية ال�سعودية‪.‬‬‫�إن الخطر الوا�ضح يكمن في ا�ضمحلال أ�همية النفط ودوره في تلبية احتياجات العالم من الطاقة‪،‬‬‫مما ي�ؤدي في أ��سو أ� ا ألحوال إ�لى انهيار أ��سعار النفط والت�أثير �سلبا على ع�صب الاقت�صاد ال�سعودي‪.‬‬‫وبالرغم من �ضعف احتمال هذا ال�سيناريو‪ ،‬إ�لا أ�نه من الأجدى أ�ن ت�ستعد المملكة العربية ال�سعودية‬‫لليوم الذي تفقد فيه مكانتها بو�صفها المنتج الرئي�س لم�صدر الطاقة المهيمن في العالم‪ .‬وبا إل�ضافة‬‫إ�لى ما تقدم‪ ،‬ينبغي على جامعة الملك عبد العزيز أ�ن ت�ضمن �أن يكون خريجوها م�ستعدين تمام‬‫الا�ستعداد ل إل�سهام في التحول الاقت�صادي الذي �سيحدث خلال فترة حياتهم المهنية‪ .‬ومن الفر�ص‬‫الوا�ضحة والممكنة البحث في ا�ستغلال �أ�شعة ال�شم�س المتوفرة بكثرة في المناطق الداخلية ال�صحراوية‬ ‫ال�شا�سعة من �شبه الجزيرة العربية من أ�جل تطوير الطاقة ال�شم�سية‪.‬‬‫لقد بد�أ الا�ستعداد بالفعل لمرحلة ما بعد النفط في المملكة العربية ال�سعودية‪ .‬ويجب على جامعة‬‫الملك عبد العزيز تقديم مقررات درا�سية لطلابها في مو�ضوعات مثل‪ :‬الطاقة الم�ستدامة‪ ،‬والبيئة في‬‫�شبه الجزيرة العربية‪ ،‬والعلاقة بين الماء والطاقة وال�صناعة‪ ،‬والمواد المتقدمة‪ ،‬واقت�صاد الا�ستدامة‪.‬‬‫في الوقت ذاته‪ ،‬على جامعة الملك عبد العزيز أ�ن تكون في طليعة �أ�صحاب المبتكرات التي تهدف إ�لى‬ ‫‪96‬‬

‫التميز في التعليم‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬جوانينج سو‬ ‫تنويع الاقت�صاد ال�سعودي‪ .‬وثمة حاجة بجامعة الملك عبد العزيز وهي تطوير جهودها البحثية إ�لى‬ ‫منهج محدد الهدف يكمل الخطط الاقت�صادية الوطنية‪ ،‬كما ينبغي عليها �إتاحة الفر�صة لتعلم ريادة‬ ‫الأعمال لمن يرغب من الطلاب من أ�جل زيادة احتمالات التطبيقات العملية لنتائج البحوث‪ .‬وفي هذا‬ ‫ال�سياق نرى �أن من ال�ضروري إ��شراك ال�صناعات القائمة‪ ،‬ولو �أن هذا غير كاف في حد ذاته‪ .‬ولزيادة‬ ‫فعالية هذه الجهود لابد من إ��شراك ال�صناعات التي تتمتع فيها المملكة العربية ال�سعودية بميزة‬ ‫ن�سبية حتى ولو كانت أ�جنبية‪ ،‬ألن كثيرا من ال�صناعات التي تحتاجها المملكة العربية ال�سعودية غير‬ ‫موجودة في البلاد حتى ا آلن‪ .‬وبتوفر القوة المالية في المملكة العربية ال�سعودية والتميز في البحوث‬ ‫الجامعية‪ ،‬م�ضافا �إليها توجه الطلاب نحو ا إلبداع والمبادرة‪ ،‬ف إ�ن با�ستطاعة العمل الجاري اليوم في‬ ‫جامعة الملك عبد العزيز �أن ي�ؤ�س�س ل�صناعات الغد في المملكة العربية ال�سعودية‪.‬‬ ‫في هذا ال�سياق يمكن النظر في برنامجين‪ ،‬الأول ر أ�ينا فائدته في �سنغافورة‪ ،‬وهو تطوير تخ�ص�ص‬ ‫فرعي في ريادة الأعمال ومتاح للطلاب كافة‪ .‬ومن المفيد �إيجاد بيئة من المبادرات المتعلقة با ألعمال‬ ‫التجارية في الجامعة‪ .‬ولي�س المهم �أن ي�صبح الطلاب رجال أ�عمال في الجامعة‪ ،‬أ�و عند تخرجهم‪ ،‬أ�و‬ ‫بعد اكت�سابهم خبرة عملية‪ .‬فالنتيجة الرئي�سة هي تزويد خريجي جامعة الملك عبد العزيز ب�أ�س�س‬ ‫ريادة ا ألعمال‪ ،‬لكن ت�صميم برنامج كهذا يجب أ�ن يتلاءم واحتياجات الجامعة والبلد‪.‬‬ ‫أ�ما البرنامج ا آلخر فهو بناء الحا�ضنات في الجامعة ليتيح للباحثين والمبتكرين بمن فيهم طلاب‬ ‫المرحلة الجامعية ا ألولى تجريب أ�فكارهم وتطبيق �أبحاثهم في الحياة العملية‪ ،‬من خلال بناء نماذج‬ ‫�أولية ونماذج للعر�ض التي تثير اهتمام الزبائن وال�صناعة والم�ستثمرين‪ .‬إ�ن بناء مثل هذا التفكير‬ ‫وهذه العادات بين الطلاب والمدر�سين يحتاج إ�لى وقت طويل‪ ،‬لذلك ف إ�ن من المهم البدء مبك ًرا في‬ ‫تر�سيخ هذه العادة في الجامعة‪ ،‬و�إ�شراك ال�صناعة والم�ستثمرين ور�أ�س المال‪ .‬إ�ن �شركة وادي جدة‬ ‫التي أ�ن�ش أ�تها جامعة الملك عبد العزيز بهدف ا�ستغلال ابتكاراتها تجاريا لت�شجيع الابتكار وا ألعمال‬ ‫التجارية‪ ،‬تربط جامعة الملك عبد العزيز بال�صناعة وهو هدف �سام ي�ستحق كل جهد‪.‬‬‫‪97‬‬

‫التحول إلى جامعة عالمية المستوى‪ :‬تجربة جامعة الملك عبد العزيز‬ ‫وكيل جامعة الملك عبد العزيز للدرا�سات العليا والبحث العلمي (اليمين) ورئي�س الجامعة المكلف (الثاني إ�لى‬‫اليمين) ورجل ا ألعمال ال�سعودي ال�شيخ �صالح كامل (الثاني من الي�سار) ووكيل الجامعة ل ألعمال والإبداع المعرفي‬ ‫في الاجتماع العا�شر لمجل�س �شركة وادي جدة‪.‬‬ ‫‪ -17‬بناء ال ُلحمة الوطنية‬‫من �أهم أ�دوار الجامعات الحكومية‪ ،‬ومنها جامعة الملك عبد العزيز‪ ،‬بناء لحُ مة وطنية تكون �صفة‬ ‫مميزة لتعليم متميز‪.‬‬‫تتطلب اللحمة الوطنية قبل كل �شيء �صورة توحي بالثقة بالنف�س‪ .‬فب�صرف النظر عن التباين في‬‫وجهات نظر العالم حول المملكة العربية ال�سعودية‪ ،‬ف إ�ن من المهم بالن�سبة للمواطنين ال�سعوديين‬‫امتلاك �صورة ذاتية ثابتة تدح�ض ال�سلبية لدى بقية دول العالم‪ .‬و�أف�ضل ميدان يمكن لهذا الت�أثير‬‫�أن يتطور من خلاله هو المقررات الأ�سا�س في ا آلداب والعلوم التي يدر�سها جميع طلاب جامعة‬‫الملك عبدالعزيز‪ .‬فمثلا عند درا�سة الدين ا إل�سلامي‪ ،‬وب�صرف النظر عن درا�سة ا ألحكام الفقهية‬‫والعبادات ودرا�سة القر آ�ن الكريم‪ ،‬ينبغي على خريج جامعة الملك عبد العزيز أ�ن ي�شارك في‬‫المناق�شات الفكرية حول ا ألديان ا ألخرى‪ ،‬و أ�ن ي�شرح لأ�صحاب الديانات الأخرى �إذا لزم الأمر كيف‬ ‫‪98‬‬

‫التميز في التعليم‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬جوانينج سو‬ ‫يكون ل إل�سلام دور المر�شد في الحياة وي�سهم في ال�صالح العام‪ .‬ومن الأمثلة الأخرى‪ ،‬ينبغي على‬ ‫الطلاب أ�ن يتعلموا كيف تعمل المملكة العربية ال�سعودية ب�صفتها نظاما ملكيا‪ ،‬و أ�ن يفهموا الجوانب‬ ‫ا إليجابية وال�سلبية لاحتياطيات النفط الهائلة‪ ،‬و�ضرورة بناء مملكة عربية �سعودية ت ؤ�دي دورها في‬ ‫الم�ستقبل في حماية موارد ا ألر�ض‪ .‬ولا حاجة للدوغماتية في بناء اللحمة الوطنية بهذه الطريقة‪ ،‬إ�ذ‬ ‫إ�ن من الواجب بناءها‪ ،‬لا بو�صفها دعاية‪ ،‬بل ك أ��سلوب تعلم مو�ضوعي مفيد للمواطنين ال�سعوديين‬ ‫ي�ضمن التلاحم مع المواطنين ا آلخرين والت�ضامن في الوطن‪.‬‬ ‫‪ -18‬الخاتمة‬ ‫ب ّينا في هذا الف�صل كيف يمكن بناء التميز التعليمي في جامعة الملك عبدالعزيز‪ .‬وبما �أن درجة‬ ‫الدكتوراه وثيقة ال�صلة بم�شروعات البحث‪ ،‬فقد تركناها للف�صول المخ�ص�صة للبحوث‪ .‬لذلك ف�إن‬ ‫هذا الف�صل يركز على التعليم المهني والتعليم في المرحلة الجامعية ا ألولى‪ .‬ومن المو�ضوعات التي لم‬ ‫نعر�ض �إليها التعليم في الطب الذي هو من اخت�صا�ص قطاعات الطب والم�شافي الجامعية‪.‬‬ ‫وكانت هناك مناق�شة للمتطلبات الوطنية للمملكة العربية ال�سعودية تبعتها مقترحات لبناء التميز‬ ‫في التعليم من الأ�سا�س �صعودا نحو ا ألعلى‪ .‬فقد بد أ�نا بال�صفات المرغوبة في خريجي جامعة الملك‬ ‫عبد العزيز وارت�أينا إ�ر�ساء أ��سا�س قوي من المقررات ا ألدبية والعلمية لجميع الطلاب‪ ،‬وعززنا ذلك‬ ‫ببحوث يجريها طلاب مختارون في المرحلة الجامعية ا ألولى‪ ،‬ثم ناق�شنا التعليم الداخلي‪ ،‬والخبرة‬ ‫الدولية‪ .‬أ�ما مهارات الحياة‪ ،‬فقد نوق�شت من خلال المنظمات الطلابية‪ .‬و أ�خيرا عرجنا على كيفية‬ ‫تحقيق الا�ستفادة الق�صوى من ا إل�سهامات المجتمعية لجامعة الملك عبدالعزيز وخريجيها من خلال‬ ‫الابتكار و إ�دارة الأعمال‪ ،‬مما ي�ؤدي إ�لى تطوير الجيل التالي من ال�صناعات‪ ،‬وا ألهم من هذا وذاك‬ ‫دعم اللحمة الوطنية في المملكة العربية ال�سعودية‪.‬‬ ‫المراجع‬ ‫‪1. Duderstadt, J. A., University for the 21st Century. University of Michigan Press‬‬ ‫‪(2000).‬‬ ‫‪2. Encyclopedia Britannica (2015), Saudi Arabia. Retrieved from http://global.‬‬‫‪99‬‬

‫ تجربة جامعة الملك عبد العزيز‬:‫التحول إلى جامعة عالمية المستوى‬ britannica.com/EBchecked/topic/525348/Saudi-Arabia/259142/ Other-resources3. Knipfer, C. (2013), Arriving at the Kingdom: ‘A Journey to Saudi Arabia Pt.2’. Retrieved from www.reallygoodblog.com4. McConnell, B. (2013), Solar Energy: This is what a disruptive technol- ogy looks like. Retrieved from www.medium.com5. Shah, H. et al., The Blue Ribbon Commission Report on Undergraduate Education. Nanyang Technological University (2007). 100

‫التميز في البحث‬ ‫الفصل الخامس‬‫الأستاذ الدكتور مايكل آرثر‬

‫التحول إلى جامعة عالمية المستوى‪ :‬تجربة جامعة الملك عبد العزيز‬ ‫‪102‬‬

‫التميز في البحث‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬مايكل آرثر‬ ‫‪ -1‬مقدمة‬ ‫تعرف الجامعات العالمية من خلال التعليم الجامعي القائم على جودة ن�شاطاتها البحثية وغزارتها‪،‬‬ ‫�سواء في مرحلة البكالوريو�س أ�و الدرا�سات العليا‪ ،‬حيث تجري هذه الجامعات بحوثا متميزة على‬ ‫الم�ستوى الدولي‪ ،‬وت�سهم في تطوير العلوم والتقنية وا آلداب والعلوم الإن�سانية والاجتماعية في المجتمع‬ ‫الإن�ساني العالمي‪.‬‬ ‫وبالرغم من المكانة البارزة التي تتمتع بها بحوث الجامعات العالمية الرائدة‪ ،‬نرى �أن معظمها‬ ‫يفتخر بجودة خريجيه وقدرتهم على ا إل�سهام في المجتمع الدولي‪ .‬ولكي يت�سنى لجامعة ما الالتحاق‬ ‫بم�صاف جامعات العالم البارزة وحيازة الاعتراف بمكانتها العالمية‪ ،‬لابد لها من �أن تحقق التميز‬ ‫في التعليم والبحوث‪ .‬وثمة دليل يثبت �أن لكليهما أ�ث ًرا مهما في المجتمع الدولي من خلال الترجمة‬ ‫والإبداع ور�سم ال�سيا�سات‪.‬‬ ‫إ�ن ال�سعي الد�ؤوب نحو تح�صيل المعرفة �سمة من �سمات الجهد ا إلن�ساني العالمي الحيوي بالن�سبة �إلى‬ ‫م�ستقبل كوكبنا‪� .‬صحيح أ�ن التميز البحثي ربما يتحقق في الجامعات‪ ،‬والم ؤ��س�سات الوطنية‪ ،‬والهيئات‬ ‫الحكومية أ�و القطاع ال�صناعي‪ ،‬لكن من الأهمية بمكان أ�ن يت�سع نطاق هذا التميز لي�شمل الثقافات‬ ‫العالمية ب�أ�سرها‪ .‬ويعد هذا التنوع في الثقافات من أ�هم عنا�صر البيئة البحثية المبدعة وعاملا �أ�سا�ًسا‬ ‫في حل أ��شد م�شكلات العالم تعقيدا‪.‬‬ ‫‪ -2‬تعريف البحث‬ ‫للبحث تعريفات عدة‪ ،‬فمنظمة التعاون الاقت�صادي والتنمية ‪(Organisation for Economic Co-‬‬ ‫))‪ operation and Development (OECD‬تعرف البحث ب أ�نه «عمل �إبداعي يما َر�س على أ��سا�س‬ ‫ممنهج بهدف زيادة الح�صيلة المعرفية‪ ،‬بما فيها معرفة ا إلن�سان والثقافة والمجتمع والا�ستفادة‬ ‫من هذه الح�صيلة المعرفية في �إدخال تطبيقات جديدة»[‪ .]1‬وينطبق هذا التعريف ب�شكل خا�ص‬ ‫على مجموعة العلوم‪ ،‬لا �سيما �إذا أ�خذت عبارة «تطبيقات جديدة» بمفهومها الوا�سع‪ ،‬بحيث ت�شمل‬ ‫الإ�سهامات المعرفية في الفنون والعلوم ا إلن�سانية وفي ال�سيا�سات العامة والاجتماعية‪.‬‬‫‪103‬‬

‫التحول إلى جامعة عالمية المستوى‪ :‬تجربة جامعة الملك عبد العزيز‬ ‫‪ -3‬ما هي مواصفات التميز البحثي؟‬‫مما لا �شك فيه �أن لكل علم من العلوم تميزه البحثي الخا�ص‪ ،‬لكن ال�سمة الم�شتركة بين الباحثين‬‫العالميين هي �أنهم جميعا معنيون بتغيير الفر�ضيات الأ�سا�س‪ ،‬وب�إيجاد أ�نماط جديدة من الفهم‬‫الإن�ساني‪ ،‬ويهتمون ب�شكل فاعل في توجيه النقد البناء إ�لى الحكمة المتلقاة في مجال بعينه‪� .‬أما‬‫آ�را�ؤهم فتقوم عادة على ملحوظات جديدة بما فيها الملحوظات النوعية أ�و البرهان العلمي الكمي‪،‬‬‫أ�و تعتمد على تف�سيرات جديدة تدعم في نهاية المطاف نتائج منطقية‪ .‬وكثي ًرا ما ي�ؤدي تطبيق تقنيات‬ ‫جديدة والتقدم في المنهجيات �إلى تحفيز مثل هذه الملحوظات‪.‬‬‫وت�ضم كبرى جامعات العالم كتلة حرجة من الباحثين القادرين على العمل في هذا الم�ستوى‪� ،‬سواء‬‫�أكانوا فرادى �أم �ضمن فرق بحثية‪ ،‬با إل�ضافة إ�لى تميز بحثي هائل ي�سمح بتطبيق مناهج مبتكرة‬‫للتعامل مع �أ�شد م�شكلات العالم العلمية تعقيدا و�صعوبة [‪ .]2‬وي�شكل هذا التركيز في التميز‬‫البحثي المفاهي َم الأ�سا�س التي ينبغي على ر ؤ��ساء الم�ؤ�س�سات البحثية كافة تعزيزها ودعمها‪ .‬وفي‬‫أ�على م�ستويات الأداء العالمي تبدي الجامعات هذا الم�ستوى من التميز‪ ،‬لي�س على م�ستوى �أ�شخا�ص‬ ‫بعينهم‪ ،‬بل �ضمن مجالات علمية متعددة ومتقاطعة فيما بينها أ�ي�ضا‪.‬‬‫وتح�اول الجامعات البحثية العالمية – ع�ادة ‪ -‬إ�يجاد حل للم�شكلات بالغة التعقيد التي تواجه‬‫مجتمعاتها أ�و المجتمع ال�دولي‪ ،‬وذلك بطريقة من�سقة وممنهجة عبر أ�ق�سام متعددة و�شراكات‬‫موثوقة مع م�ؤ�س�سات عالمية أ�خرى‪ ،‬و�صناعات محلية أ�و دولية‪ ،‬ومع حكومات ووزارات ونظم الرعاية‬‫ال�صحية‪ ،‬والتعليم‪ ،‬والرعاية الاجتماعية‪ ،‬وال�سيا�سة العامة التابعة لها‪ .‬وتعد ال�شراكة الفعالة‬ ‫والجدية الآن من المتطلبات الأ�سا�س للالتحاق بم�صاف الجامعات العالمية‪.‬‬‫ولما كان من ال�صعب على �أية جامعة عالمية �أن تحقق التميز في كل �شيء‪ ،‬وجب على كل م�ؤ�س�سة‬‫أ�ن تحدد مجال تركيز جهودها ومواردها‪ .‬وينبغي �أن تكون لدى قادة الم�ؤ�س�سات العلمية ال�شجاعة‬‫الكافية لتركيز مواردهم‪ ،‬بحيث تترك أ�كبر الأثر في ا ألداء البحثي و�صفاته‪ .‬ويعد تحديد المجال‬‫الذي يمكن للجامعة �أن تتميز فيه بالفعل‪ ،‬وتحقق �أكبر الأثر في ن�شاطها البحثي على ال�صعيد الدولي‬ ‫عن�ص ًرا بالغ الأهمية للالتحاق بم�صاف الجامعات العالمية‪.‬‬ ‫‪104‬‬

‫التميز في البحث‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬مايكل آرثر‬ ‫‪ -4‬تكامل البحث والتدريس في الجامعات العالمية الرائدة‬ ‫في العالم اليوم ‪ 17.000‬م�ؤ�س�سة من م�ؤ�س�سات التعليم العالي‪ ،‬منها ‪ 1000‬على أ�قل تقدير مهتمة‬ ‫بالبحوث على نطاق وا�سع‪ .‬وينبغي �أن نعترف ب أ�ن ثمة بحوثا �أخرى تقابلها وت�ساويها في الحجم تقوم‬ ‫بها م ؤ��س�سات عامة �أو �صناعية لا علاقة لها بالجامعات‪ ،‬ت�شكل قوة هائلة تدفع المجتمع الإن�ساني نحو‬ ‫ا ألمام‪ .‬ومن الوا�ضح أ�ن البحوث المتميزة منت�شرة في �سائر أ�رجاء العالم‪.‬‬ ‫وينبغي على الجامعات البحثية �أن تركز على �ضمان الفائدة لطلابها من تعليم تم �إدراجه بعناية‬ ‫وب�شكل متكامل �ضمن اهتماماتها و�شراكاتها البحثية‪ .‬كما ينبغي على جميع الطلاب في ر أ�يي‪� ،‬سواء‬ ‫أ�كانوا في المرحلة الجامعية الأولى �أم في الدرا�سات العليا‪ ،‬الا�ستفادة من الم�شاركة في «البحث»‬ ‫ب�صرف النظر عن مجال درا�ستهم‪ ،‬حيث �إن للانخراط في البحث أ�همية حيوية في تطوير المهارات‬ ‫الحياتية لدى الطلاب و�إعدا ِدهم لمواجهة الم�ستقبل‪ .‬ومن خلال الانخراط في العملية البحثية يتعلم‬ ‫الطلاب ممار�سة التفكير الناقد الم�ستقل وكيفية حل الم�سائل التي تعتر�ضهم‪ .‬كما يتعلمون كيف‬ ‫تتولد المعرفة‪ ،‬وكيف تتغير بمرور الزمن‪ ،‬ويتدربون على مواجهة الحالات الملتب�سة الواقعة على‬ ‫«حافة المعرفة» ويكت�سبون خبرات في هذا المجال‪ .‬وفي الوقت ذاته يكت�سب ه ؤ�لاء الطلاب مزي ًدا من‬ ‫الخبرة في العمل كفريق‪ ،‬ومزي ًدا من الاهتمام في تطوير قدراتهم على التوا�صل الفعال‪ .‬فالخريجون‬ ‫الذين يتمتعون بخبرة كهذه يتميزون بقدر كبير من الإبداع‪ ،‬ولهم �ش أ�ن رفيع لدى المنظمات التي‬ ‫يلتحقون بها للعمل فيما بعد‪ .‬وكثير من ه�ؤلاء الخريجين ي�صبحون «قادة الم�ستقبل» بف�ضل قدرتهم‬ ‫على البحث عن المعلومات الأ�سا�سية وتحليل الم�شكلات من المبادئ الأولية‪ ،‬وبالتالي تتكون لديهم‬ ‫الثقة في تبني منهجيات وطرق مبتكرة لحل الم�شكلات‪.‬‬ ‫‪ -5‬دور التدريب في إجراء أبحاث متميزة لنيل درجة الدكتوراه‬ ‫هناك تنوع وا�سع في المنهج المتبع في الدرا�سات الخا�صة بدرجة الدكتوراه في العالم؛ فمعظم ا ألنظمة‬ ‫تختار أ�ح�سن الطلاب أ�دا ًء في الدرا�سة الجامعية الأولى وفي درجة الماج�ستير‪ ،‬ثم ت�ساعد ه�ؤلاء‬ ‫الطلاب على تطوير مهاراتهم البحثية من خلال الجمع بين تدري�سهم مقررات مف�صلة حول مناهج‬ ‫البحث وتقنياته وم�شروعاتهم البحثية الذاتية‪ .‬ومن نافلة القول‪ ،‬إ�ن الإ�شراف الجيد على البحث‬ ‫والتفاني في ذلك عامل أ��سا�س‪ ،‬كما أ�ن الإ�شراف المزدوج (الذي يقوم به م�شرف �أول وم�شرف ثا ٍن‪،‬‬‫‪105‬‬

‫التحول إلى جامعة عالمية المستوى‪ :‬تجربة جامعة الملك عبد العزيز‬‫الذي عادة ما يكون ذا خبرة مختلفة) �صار من ا ألعراف الم أ�لوفة‪ .‬وفي المملكة المتحدة بد�أ ممولو‬‫البحوث والجامعات في ت�شكيل مراكز تدريب متميزة خا�صة بدرجة الدكتوراه‪ ،‬توفر تدريبا عالمي‬‫الم�ستوى و�إ�شرافا متميزا لنيل هذه ال�شهادة‪ .‬وينبغي على طلاب الدكتوراه تلقي تدري ًبا في أ�خلاقيات‬‫المهنة‪ ،‬والنزاهة في البحث‪ ،‬و أ�همية إ��شراك العامة في نتائج بحوثهم‪ ،‬والتقيد في التركيز المكثف في‬‫م�شروعاتهم البحثية الم�ستقلة‪ .‬ومن ال�ضروري وجود كتلة حرجة من الطلاب توفر الح�س بالعمل‬‫الجماعي والأكاديمي في الجامعة البحثية‪ .‬ولا يتعلق هذا بالعدد المطلق لطلاب الدكتوراه في الجامعة‬‫وح�سب‪ ،‬بل يتعلق أ�ي�ضا بطريقة تنظيمهم‪ .‬وي�شكل مفهوم الخبرة المتميزة لدى طلاب الدكتوراه‬‫�سمة جوهرية عند كثير من مدار�س الدرا�سات العليا ومراكز تدريب طلاب الدكتوراه‪ .‬وفي الكلية‬‫الجامعية بلندن ‪ UCL‬لدينا ما يقرب من ‪ 4.900‬من طلاب الدكتوراه في مدر�سة الدرا�سات العليا‬‫ومراكز تدريب طلاب الدكتوراه‪ ،‬وذلك من �إجمالي عدد الطلاب الذي يزيد قليل ًا عن ‪30.000‬‬ ‫طالب‪.‬‬‫وتتراوح المدة المطلوبة لتدريب طلاب الدكتوراه و�إنهاء بحوثهم في دول العالم بين ‪ 3‬و ‪� 7‬سنوات‬‫تبعا لكل مجال من المجالات‪ ،‬أ�ما في المملكة المتحدة فالمدة المطلوبة عادة هي �أربع �سنوات‪ .‬وت�شكل‬‫كتابة ر�سالة الدكتوراه الق�سم الأ�سا�س من تدريب طلاب الدكتوراه‪ ،‬حيث تخ�ضع في النهاية لفح�ص‬‫خارجي دقيق من قبل فاح�صين من ذوي الخبرة العالمية‪ .‬ويحتل ا إل�سهام الجديد في المعرفة والقدرة‬‫على تقديم مجموعة منطقية ومتكاملة من البراهين والنتائج البحثية جوهر كل ر�سالة ناجحة من‬ ‫ر�سائل الدكتوراه‪.‬‬ ‫‪ -6‬ما بعد الدكتوراه وتميز الباحث المنفرد والباحث الرئيس‬‫إ�ن الح�صول على درجة الدكتوراه لي�س �سوى بداية الم�ستقبل المهني للباحث في معظم المجالات‪.‬‬‫فق�ضاء فترة تتراوح بين ‪ 3‬و ‪� 9‬سنوات في بحوث ما بعد الدكتوراه أ��صبح عرفا م�ألوفا في معظم‬‫الجامعات العريقة في العالم قبل �أن يت�سلم الباحثون �أولى �أعمالهم ا ألكاديمية‪ .‬وت�شمل هذه الفترة‬‫الانتقال إ�لى م ؤ��س�سة مختلفة‪ ،‬أ�و بلد آ�خر‪ ،‬مما يعر�ض طلاب ما بعد الدكتوراه إ�لى ثقافة بحثية‬‫مختلفة و إ�لى �أفكار وتقنيات جديدة قبل كل �شيء‪ .‬وفي اعتقادي �أن هذه الفترة هي الأهم من حيث‬ ‫ت�شكيل م�ستقبل العمل في المجال البحثي‪.‬‬ ‫‪106‬‬

‫التميز في البحث‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬مايكل آرثر‬ ‫وت�ضطلع الجامعات العالمية العريقة بم�س�ؤولية توفير بيئة تدريب م�ساندة وممتازة للباحثين الم�شتغلين‬ ‫ب�أبحاث ما بعد الدكتوراه‪ ،‬ومنحهم الإ�شراف الم�ستمر من قبل الخبراء‪ ،‬والدعم والم�شورة والتحدي‬ ‫الب ّناء‪ .‬وفي هذه الفترة يبد�أ باحثو ما بعد الدكتوراه عادة في تطوير أ�فكارهم الم�ستقلة ومتابعتها‪،‬‬ ‫وفي اكت�ساب خبرة متزايدة في مجال تخ�ص�صهم‪ .‬وينبغي ت�شجيع الموهوبين منهم على الح�صول‬ ‫على منح لتمويل �أبحاثهم‪ ،‬بحيث يتمكنون من الانطلاق ب�صورة منهجية و�سهلة نحو بناء م�ستقبل‬ ‫مهني في البحث العلمي‪ .‬كما ينبغي على باحثي ما بعد الدكتوراه الراغبين في متابعة م�ستقبل مهني‬ ‫أ�كاديمي ال�شروع في تعلم �أ�ساليب التعليم الجامعي‪ ،‬واكت�ساب الخبرة والم ؤ�هلات المهنية الخا�صة‬ ‫بالتدري�س في �إحدى م�ؤ�س�سات التعليم العالي خلال تلك الفترة‪.‬‬ ‫ومن الم�ؤكد �أن مدة التطوير هذه خلال المراحل ا ألولى من الم�ستقبل المهني الأكاديمي تختلف اختلافا‬ ‫كبي ًرا من بلد �إلى آ�خر‪ .‬ففي بع�ض البلدان يمكن التقدم في مرحلة مبكرة نحو المراحل التمهيدية‬ ‫من الم�ستقبل المهني الأكاديمي‪ .‬وهناك �أي ً�ضا اختلافات بين مجال و آ�خر‪ .‬لكن الرغبة في بناء بيئة‬ ‫بحثية وفي تحقيق �سمعة عالمية للجامعة تجعل الاهتمام بهذه الفترة أ�م ًرا جوهر ًيا‪ ،‬مع توفير المتابعة‬ ‫الم�ستمرة والدعم والتوجيه‪ .‬وتعد هذه الفترة في العالم الغربي فترة تطوير لا ينجح في اجتيازها‬ ‫�سوى النخبة الممتازة من الذين يتابعون م�ستقبلهم الوظيفي المهني بو�صفهم باحثين من الطراز‬ ‫الأول‪ ،‬حيث ت�سهم هذه الانتقائية في بناء أ�داء بحثي عالمي في الم ؤ��س�سات ا ألكاديمية‪.‬‬ ‫‪ -7‬أهمية البحوث متقاطعة التخصصات ‬ ‫مع أ�ن ق�سطا كبي ًرا من ا ألبحاث العالمية يقت�صر على تخ�ص�صات بعينها‪ ،‬يتزايد الاعتراف ب�أن كثيرا‬ ‫من أ�عقد م�شكلات العالم يجب �أن يت�صدى لها باحثون من تخ�ص�صات مختلفة‪� .‬أما نحن في الكلية‬ ‫الجامعية بلندن فنف�ضل لكل فرد يعمل في فريق مكون من تخ�ص�صات متقاطعة �أن ي أ�تي بتميزه في‬ ‫التخ�ص�صات المتعددة للت�صدي لم�شكلة كبيرة؛ لذلك نحبذ ا�ستعمال عبارة «متقاطع التخ�ص�صات‬ ‫‪ »cross-disciplinary‬بدلا من «متداخل التخ�ص�صات ‪� »inter-disciplinary‬أو «عابر للتخ�ص�صات‬ ‫‪� .»trans-disciplinary‬صحيح أ�ن هذه الم�صطلحات ت�ستعمل دون تمييز‪ ،‬لكن الم�صطل َحين ا ألخيرين‬ ‫أ�بلغ تعبي ًرا عن �أنا�س تخ�ص�صوا في مجال بعينه ثم بد�ؤوا العمل في مجال آ�خر‪ .‬ومع �أن هذا القفز‬ ‫من مجال �إلى �آخر قد يكون منتجا‪ ،‬لكنه لا ي�صيب النجاح دوما‪ .‬وفي اعتقادنا �أن من الأهمية بمكان‬‫‪107‬‬

‫التحول إلى جامعة عالمية المستوى‪ :‬تجربة جامعة الملك عبد العزيز‬‫�أن نطرح مو�ضوع التميز العلمي على الطاولة عند ت�شكيل فرق البحث؛ فحين ي�ضع الباحثون‪ ،‬كل‬‫على حدة‪ ،‬طرقهم الخا�صة على الطاولة‪ ،‬ويطلعون الفريق على أ�فكارهم ومفاهيمهم لدى مواجهة‬ ‫م�شكلات معقدة نجد أ�ن �أ�سلوب التخ�ص�صات المتقاطعة أ��شد �إبداعا من ا أل�ساليب ا ألخرى‪.‬‬‫هناك عوائق عدة تقف في وجه ت�شكيل فرق البحث في التخ�ص�صات المتقاطعة ينبغي على قادة‬‫الم�ؤ�س�سات البحثية اكت�شافها والتعامل معها‪� .‬أما �أكثر الم�شكلات �شيو ًعا فهي التي تتعلق بالبنية المالية‬‫الخا�صة بكل علم من العلوم �ضمن م�ؤ�س�ساتنا وغيرها‪ .‬زد على ذلك �أن معظم المنظمات الخارجية‪،‬‬‫كما هي حال كثير من ممولي البحوث‪ ،‬والدوريات‪ ،‬والجمعيات الثقافية‪ ،‬منظمة بح�سب مجالاتها‪،‬‬‫مما يوحي ب أ�نه من الأ�سهل لنا الح�صول على التمويل للن�شر‪ ،‬وعلى الاعتراف ال�شخ�صي‪ ،‬والترقية‪،‬‬ ‫من خلال البقاء على بر ا ألمان �ضمن حدود مجال بعينه‪.‬‬‫ومن الأهمية بمكان بالن�سبة إ�لى قادة الم�ؤ�س�سات البحثية و�ضع �سمة وا�ضحة ب�ش�أن أ�همية البحوث‬‫المتقاطعة وتهيئة الفر�ص �أمام هذه الن�شاطات للنمو والازدهار‪� .‬أما الفوائد التي نح�صل عليها من‬‫القيام بهذا العمل على الوجه ال�صحيح فهي كثيرة بح�سب الخ�صائ�ص البحثية العالمية الخا�صة‬‫بالم ؤ��س�سة‪� .‬أما عن الطريقة المثلى إلنجاز هذا العمل فتختلف من م�ؤ�س�سة �إلى أ�خرى‪ .‬فنحن في الكلية‬‫الجامعية بلندن طورنا مفهوم «التحدي الكبير» وعملنا على ترويجه من خلال �سل�سلة اجتماعات‬‫ا�ست�ضافت عددا من الخبراء‪ ،‬وعقدت مناظرات ومناق�شات مفتوحة‪ .‬وقد �أطلقت هذه الاجتماعات‬ ‫مناق�شات حول تخ�ص�صات متقاطعة و�أدت إ�لى ظهور بحوث جديدة ون�شاطات تعليمية‪.‬‬‫ويعمل فريق تنفيذي رئي�س على دفع كل تحد كبير نحو ا ألم�ام‪ .‬كما تتوفر من ٌح �صغيرة ت�ساعد‬‫عجلة الم�شروعات الجديدة على الدوران وال�شروع بالعمل‪ .‬لكن مع تطور الن�شاطات الجديدة تظهر‬‫الحاجة إ�لى منح خارجية‪ .‬أ�ما تحدياتنا الحالية الكبيرة فهي ال�صحة العالمية‪ ،‬والرعاية الإن�سانية‪،‬‬‫والتفاعل بين الثقافات‪ ،‬والمدن الم�ستدامة [‪ .]3‬ولقد ت أ��صلت هذه المنهجية في ثقافة البحث عندنا‬‫إ�لى الحد الذي جعلها ت�شكل ا�ستراتيجية الم�شاركة العالمية (التدويل) ومنهجيتنا الخا�صة بالمقررات‬‫المفتوحة والمكثفة على ا إلنترنت ()‪ )Massive Open On-line Courses (MOOCs‬وبالتعلم عن‬ ‫ُبعد بوا�سطة الإنترنت‪.‬‬‫ومن الممكن أ�ي�ضا أ�خذ �أ�سلوب تعاملنا في ترويج الن�شاط متقاطع التخ�ص�صات في البحوث والتعليم‪.‬‬‫ففي البيئة التعليمية‪ ،‬حيث الأعمال الخيرية م�ألوفة و�سخية‪ ،‬ف�إنه من الم�ألوف �أن نجد تبرعات هائلة‬ ‫‪108‬‬

‫التميز في البحث‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬مايكل آرثر‬ ‫ُتدفع خ�صي�صا لت�شجيع مثل هذه «المراكز» الجديدة‪.‬‬ ‫وثمة أ�نموذج آ�خر‪ ،‬وهو الذي َع ِلم ُت به من زملائي في جامعة ولاية بن�سلفانيا في الولايات المتحدة‬ ‫ثم طبقته في جامعة ليدز‪ ،‬حين كنت نائبا للرئي�س فيها‪ .‬ويمكن أ�ن يو�صف ب�أنه أ�نموذج الرعاية‬ ‫الم�شتركة‪ ،‬والذي يمكنني القول بنا ًء على تجربتي ب�أنه حقق نجاحا باهرا‪ .‬ويعتمد هذا الأنموذج‬ ‫على تجميع ا ألموال �سنويا في �صندوق ا�ستراتيجي مركزي (بتطبيق ر�سوم إ��ضافية قدرها ‪ ٪1‬على‬ ‫�سبيل المثال) بحيث يكون هناك �صندوق مركزي للأموال المتكررة يدعم ن�شاطات متقاطعة من �أعلى‬ ‫الم�ستويات‪ .‬ويتم اختيار الم�شروعات المتميزة بطريقة التناف�س من خلال ت�صفية يجريها �أع�ضاء‬ ‫هيئة التدري�س‪ .‬بعدئذ يمنح المركز التمويل بطريقة الم�شاركة منا�صفة مع ا ألق�سام المعنية والمدار�س‬ ‫أ�و الكليات ذات العلاقة‪ .‬وعند ال�شروع بالتمويل الم�شترك تو�ضع معالم محددة ت�شمل عائدات كبيرة‬ ‫على الا�ستثمار‪ ،‬فيما يخ�ص زيادة التمويل الخارجي والتفاعل ال�صناعي‪� ... ،‬إلخ‪ .‬وتتم مراجعة كل‬ ‫ن�شاط متقاطع يمول بهذه الطريقة مرة كل خم�س �سنوات‪ ،‬ف�إذا ما �أثبت نجاحه‪ ،‬ا�ستمر التمويل‬ ‫خم�س �سنوات أ�خرى‪ .‬ومن ا ألمثلة المهمة على النجاح الكبير الذي حققه التمويل الم�شترك ت�شكيل‬ ‫مجموعة متقاطعة التخ�ص�صات في ليدز من المهتمين بالماء والتحكم به في �أثناء الفي�ضانات‬ ‫والجفاف �أطلق عليها ا�سم ‪ .]4[ Water@Leeds‬وتتمتع هذه المجموعة اليوم بنجاح كبير و�سمعة‬ ‫دولية حيث حققت عائدات على الا�ستثمار ( أ�موال ا ألبحاث العائدة مقارن ًا بالمال الم�ستث َمر) بلغت‬ ‫أ�كثر من ‪.1: 10‬‬ ‫‪ -8‬أهمية تمويل البحوث التنافسية‬ ‫قد تختلفت الطرق الرئي�سة في تمويل البحوث الجامعية من بلد إ�لى آ�خر‪ .‬فقد تكون هناك رعاية‬ ‫حكومية لهيئة التدري�س في الجامعة‪ ،‬والباحثين‪ ،‬والم�شروعات والبرامج‪� ،‬أو ربما كانت هناك نظم‬ ‫تمويل للمنح الحكومية التناف�سية‪ ،‬أ�و تبرعات من الم ؤ��س�سات الخيرية‪� ،‬أو من الأوق�اف أ�و من‬ ‫ال�صناعة مبا�شرة‪ .‬وربما كانت الحكومة في أ�ماكن معينة هي التي تدفع كامل رواتب أ�ع�ضاء هيئة‬ ‫التدري�س مبا�شرة‪ ،‬لكن في أ�ماكن أ�خرى‪ ،‬لا �سيما في الولايات المتحدة‪ ،‬نرى �أن كثيرا من �أع�ضاء‬ ‫هيئة التدري�س يح�صلون على ق�سم من رواتبهم �أو على كامل رواتبهم من �صناديق البحوث‪ .‬أ�ما‬ ‫موارد التمويل المخ�ص�صة لل�صناديق التعاونية الدولية فقليلة ن�سب ًيا‪ ،‬و�أهمها تمويل نطاق الاتحاد‬‫‪109‬‬

‫التحول إلى جامعة عالمية المستوى‪ :‬تجربة جامعة الملك عبد العزيز‬‫ا ألوروبي (‪( )European Union framework funding‬وي�سمى البرنامج الحالي �أفق ‪2020‬م)‪.‬‬‫وفي الفترة الأخيرة �صار مجل�س البحوث ا ألوروبي م�صد ًرا مه ًما ج ًدا من م�صادر التمويل الدولية‬ ‫التي تعتمد على تقييم جودة الطلبات الواردة‪.‬‬‫أ�ما في المملكة المتحدة‪ ،‬فثمة نظام مزدوج لدعم البحوث‪ ،‬حيث تت�سلم كل جامعة من الجامعات‬‫منحة حكومية يعتمد حجمها على تقييم دوري ألداء البحوث التي أ�نجزت في ال�سنوات ال�ست أ�و‬‫ال�سبع ال�سابقة‪ .‬وقد أ�طلق على هذا ا إلجراء ا�سم ممار�سة تقييم البحوث ‪(Research Assessment‬‬‫))‪ Exercise (RAE‬أ�و كما يعرف في �شكله ا ألحدث �إطار التميز البحثي ‪(Research Excellence‬‬‫))‪ .Framework (REF‬ويمكن الاطلاع على تف�صيل �إجراءات هذا العمل من خلال الموقع الخا�ص‬ ‫به [‪.]5‬‬‫وباخت�صار‪ ،‬ف إ�ن هذه العملية تخ�ص كل ع�ضو من أ�ع�ضاء هيئة التدري�س الذين قدموا �أف�ضل أ�ربعة‬‫مخرجات بحثية خلال الفترة ال�سابقة‪ ،‬مع و�صف لبيئة البحث‪ ،‬وا�ستراتيجيته‪ ،‬وخطته‪ ،‬والدليل‬‫على ت�أثيره في �شكل «درا�سات لحالة الت�أثير»‪ .‬أ�ما بالن�سبة إ�لى الكلية الجامعية بلندن ف إ�ن هذا‬ ‫النظام يحدد منح ما يقرب من ‪ 115‬مليون جنيه �سنويا بو�صفه �أحد طرفي الدعم المزدوج‪.‬‬‫�أما العن�صر ا آلخر من الدعم المزدوج فيتمثل في تمويل الحكومة لمجال�س البحوث في المملكة المتحدة‪،‬‬‫وهو نظام نمطي يقدم المنح بنا ًء على التحكيم‪ ،‬ويعتمد تنظيمه إ�لى حد كبير على مجموعات متماثلة‬‫من المجالات العلمية‪ .‬ويقوم هذا النظام بتمويل م�شروعات البحث والبرامج المنفردة من خلال‬‫منح مح ّكمة تقدم إ�لى فرق البحث �أو الباحثين الفرادى بوا�سطة م ؤ��س�ساتهم‪ .‬وقد بلغ دخل الكلية‬‫الجامعية بلندن في العام الما�ضي من هذه الم�صادر الحكومية وغيرها (الم�ؤ�س�سات الخيرية‪ ،‬والاتحاد‬‫الأوروب��ي‪ ،‬وال�صناعة‪ ،‬وا ألق�سام الحكومية ا ألخ�رى‪ ،‬ومعاهد المملكة المتحدة الوطنية للبحوث‬ ‫ال�صحية) ‪ 375‬مليون جنيه إ��سترليني‪.‬‬‫وتعد المناف�سة على التمويل القائم على المنح المح ّكمة من الأعراف الم أ�لوفة في كثير من بلدان العالم‪،‬‬‫على اعتبار أ�نها �أف�ضل ال�سبل لتوزيع مخ�ص�صات البحث العلمي‪ ،‬على قلتها‪ ،‬على أ�جود البحوث‬‫(وهي في كثير من الحالات من المال العام)‪ .‬و�أعتقد من خلال تجربتي أ�ن هذا الأ�سلوب في التمويل‬‫عن�صر حيوي في دفع التميز البحثي ال�شخ�صي نحو ا ألمام‪ .‬فطلب منحة تناف�سية من �أعلى م�ستوى‬‫عملية �شاقة وم�ضنية‪ ،‬لكن في هذه الحالة لابد من �أن تكون جودة الفكرة‪ ،‬والإع�داد‪ ،‬والمنهجية‪،‬‬ ‫‪110‬‬

‫التميز في البحث‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬مايكل آرثر‬ ‫والمعطيات الأولية في و�ضعها ال�صحيح‪ ،‬بالإ�ضافة �إلى العناية ال�شديدة في �صياغة خطة البحث قبل‬ ‫الح�صول على المنحة في �آخر الأمر‪.‬‬ ‫وفي كثير من المجالات‪ ،‬يوفر هذا دافعا للباحثين الفرادى لاكت�ساب منهجيات بحوث متقدمة‬ ‫وتطويرها‪ ،‬بحيث تمكنهم فيما بعد من الت�صدي للم�شكلات المهمة والمعقدة‪ .‬ويتجلى هذا في عدد‬ ‫من المجالات لا �سيما في الطب الحيوي‪ ،‬والهند�سة الحيوية الطبية‪ ،‬ب�سبب الانفجار الذي �شهدته‬ ‫تقنيات التحكم بالجينات الوراثية في ال�سنوات الأخيرة على �سبيل المثال‪.‬‬ ‫�إن الطبيعة التناف�سية لتمويل البحوث ترفع م�ستوى الجودة وتطال الجهود البحثية ب أ�كملها‪� .‬صحيح‬ ‫�أنها لي�ست بمتطلب �سابق لجودة البحوث‪ ،‬لكنها ت�ساعد دون �شك على دفعها عاليا على �أ�س�س ت�شمل‬ ‫النظام بالكامل‪ .‬فالطبيعة التناف�سية العالية لطرفي نظام التمويل المزدوج هي في اعتقادي عامل‬ ‫�أ�سا�س وراء ا ألداء الجيد للبحوث في المملكة المتحدة وقدرتها التناف�سية على ال�صعيد الدولي‪.‬‬ ‫‪ -9‬كيفية الكتابة للحصول على منح بحثية‬ ‫من أ�هم المراحل الانتقالية التي يمر بها الباحث الناجح هي التحول من باحث جيد يعمل على‬ ‫طاولات المختبر‪ ،‬أ�و في المكتبة‪ ،‬إ�لى باحث رئي�س م�ستقل‪ .‬وهذا انتقال �صعب‪ ،‬لكنه غالبا ما يكون هو‬ ‫الوقت الذي تولد فيه �أفكار جديدة وتتطور فروع معرفية مثيرة‪ .‬ومن العنا�صر المهمة في و�صولك‬ ‫�إلى رتبة باحث رئي�س هو قدرتك على اجتذاب تمويل تناف�سي لمقترح م�شروعك المح َّكم الذي يمكنك‬ ‫من ا�ستك�شاف �أفكارك‪.‬‬ ‫للبحوث الحائزة على التمويل عنا�صر رئي�سة متعددة‪:‬‬ ‫ •�أولا وقبل كل �شيء‪ ،‬يجب أ�ن تعالج البحوث م�شكلة جديرة بالاهتمام وتجذب انتباه وكالات‬ ‫التمويل وهيئاتها والمح َّكمين �إلى درجة تمكنهم من ت�صور النتائج التي �ستتمخ�ض عنها و أ�ثرها‬ ‫في المجال العلمي‪.‬‬ ‫ •كثير من طلبات المنح تقدم مبررات قوية و‪ /‬أ�و معطيات أ�ولية تدعم طلب التمويل‪ .‬وفي اعتقادي‬ ‫أ�ن الوقت الذي ُينفق في اكت�ساب معطيات �إ�ضافية داعمة ثمين ج ًدا‪.‬‬ ‫ •يجب أ�ن تحتوي البحوث على فر�ضية وا�ضحة قابلة للاختبار‪ ،‬وعلى تقنيات متطورة ت�ساعد على‬‫‪111‬‬

‫التحول إلى جامعة عالمية المستوى‪ :‬تجربة جامعة الملك عبد العزيز‬‫معالجة �أ�شد الم�سائل تعقي ًدا‪ .‬فعلى �سبيل المثال‪ ،‬نرى في مجال العلوم أ�ن البحث الذي يحدد آ�ليات‬ ‫جديدة �أهم بكثير من البحث الو�صفي ال�صرف‪.‬‬‫ •يجب أ�ن تكون البحوث مكتوبة ب�صورة جلية ت�سمح للمح َّكمين با�ستيعاب النقاط الرئي�سة ب�سرعة‪،‬‬ ‫في�سهل عليهم اتخاذ القرار بتمويل البحث‪.‬‬‫في ال�سنوات العديدة التي أ�م�ضيتها في البحث الن�شط‪ ،‬كان اهتمامي من�صبا على مهاراتي في �صياغة‬‫طلب الح�صول على المنح‪ ،‬ومن ح�سن الطالع �أنني أ��صبت ق�سطا كبيرا من النجاح‪ .‬ما كنت أ�بدا‬‫لأر�ضى عن نف�سي ب�سهولة‪ ،‬بل كنت أ�طلب من زملائي المقربين وا أل�ساتذة (كان اثنان منهم على‬‫الأقل من أ��ساطين العلماء الم�ستقلين) قراءة طلباتي وانتقادها قبل تقديمها بوقت كا ٍف‪� ،‬أما إ�ذا‬‫�أدى ذلك �إلى فوات وقت التقديم وا�ضطراري إ�لى تقديم الطلب في وقت لاحق‪ ،‬فقد كنت دائما‬‫على ا�ستعداد لقبول ذلك‪ ،‬إ�ذ لا يوجد �أهم من �ضمان �أن تكون المنح من �أرفع الدرجات عند تقديم‬ ‫الطلب‪.‬‬ ‫‪ - 10‬قيادة البحوث‬‫تمثل الجامعات العالمية العريقة موئلا لعدد كبير من أ�ب�رز رواد البحث العلمي‪ .‬أ�ما الجامعات‬‫ا ألخرى‪ ،‬فت�ساعد على الا�ضطلاع بدور قيادي أ�ي�ضا‪ .‬ولرواد البحث البارزين العديد من ال�سمات‬‫المهمة‪ .‬ف� أ�ولا وقبل كل �شيء‪ ،‬نرى أ�ن ه� ؤ�لاء �أنا�س مبدعون – كل في مجال تخ�ص�صه ‪ -‬حققوا‬‫مكانتهم العلمية من خلال تميز بحثي حافظوا عليه فترة طويلة من الزمن‪ .‬وبالإ�ضافة إ�لى ذلك‬‫يقوم ه� ؤ�لاء بن�شر أ�بحاثهم على �أعلى الم�ستويات الدولية‪ ،‬و ُيدعون لإلقاء كلمات في الجل�سات‬‫الافتتاحية للم ؤ�تمرات‪ ،‬وربما كانوا من الفائزين بجوائز مهمة‪ ،‬مثل‪ :‬جائزة نوبل‪ ،‬وجائزة كافلي‪،‬‬ ‫وجائزة لا�سكر أ�و ميدالية فيلدز‪.‬‬‫وعادة ما يكون لدى ه ؤ�لاء الرواد وعي كبير بتاريخ تخ�ص�صهم وقراءة لم�ستقبله‪ ،‬ولهم ت�أثير فعال‬‫يتخذه الآخرون قدوة لهم‪ .‬ه ؤ�لاء الرواد قادرون على ر�سم م�ستقبل مجالهم العلمي‪ ،‬با إل�ضافة �إلى‬‫قدرتهم على تطوير ا�ستراتيجية بحوثهم با�ستمرار‪ ،‬و إ��صرارهم بعزيمة لا تلين على التو�صل إ�لى‬ ‫�إجابات عن �أ�سئلة البحوث المعقدة‪ ،‬ناهيك عن الا�ستعداد لقبول المخاطرة في منهجيتهم‪.‬‬‫ومن ناحية �أخرى ُيق ِبل قادة البحوث على دعم الباحثين ال�شباب والإ�شراف عليهم‪ .‬وغالبا لا ي�ضن‬ ‫‪112‬‬

‫التميز في البحث‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬مايكل آرثر‬ ‫البارزون منهم بوقتهم على الآخرين فين�شئون بيئة بحثية يمار�س فيها ا آلخرون ن�شاطهم وي�سيرون‬ ‫في ركبهم‪ .‬وكثيرا ما يتمتع قادة البحوث بمواهب غير اعتيادية‪ ،‬فهم مبدعون من الطراز الأول‪،‬‬ ‫وت أ�ثيرهم كبير في جمع م�ستويات عالية من المنح البحثية‪ ،‬كما ي�شكلون قوة جاذبة ت�ستقطب �أف�ضل‬ ‫أ�ع�ضاء الجيل القادم للعمل معهم (مثل‪ :‬طلاب الدكتوراه‪ ،‬وباحثي ما بعد الدكتوراه‪ ،‬و أ�ع�ضاء هيئة‬ ‫التدري�س الجدد)‪ ،‬فهم يولدون ا إلثارة‪ ،‬ويعطون البحوث قوة دافعة في الم�ؤ�س�سات التي يعملون فيها‪،‬‬ ‫وي�ضربون ل ألجيال القادمة من الباحثين أ�مثلة تحتذى‪.‬‬ ‫ومن الممكن تحديد الكثير من المهارات المطلوبة وتدري�سها من خلال برامج خا�صة بقيادة البحوث‬ ‫تهدف �إلى الارتقاء بمهارات الجيل الجديد من الباحثين حتى ي�صبح الباحث رائ ًدا متمي ًزا‪ .‬ومن‬ ‫المقررات في الكلية الجامعية بلندن مقرر يدعى «القيادة الفاعلة (‪.]6[ »)Leadership in Action‬‬ ‫ويت أ�لف هذا المقرر من برنامج مكثف مدته ثلاثة �أيام يع ّد الباحثين لتولي القيادة في حقل بحثي من‬ ‫اختيارهم أ�و �ضمن مجتمع الجامعة ال�شامل‪ .‬ويهدف هذا المقرر إ�لى م�ساعدة الباحثين الجدد في‬ ‫باكورة حياتهم المهنية على اكت�شاف مفهوم القيادة وتطوير الثقة في �أ�سلوب قيادتهم‪ .‬والهدف من‬ ‫هذا المقرر تعريف الم�شاركين بمختلف الاختيارات المتعلقة بكيفية القيادة‪ ،‬وتزويدهم بفهم الأثر‬ ‫الذي يمكن أ�ن يتركوه لدى مر ؤ�و�سيهم‪ ،‬حتى يتعلم الم�شاركون في المقرر كيفية الت�أثير في النا�س ب�شكل‬ ‫فعال فيما يخ�ص هدفا م�شتركا‪ ،‬وكيفية الا�ستفادة من كل هذه المهارات في �أدوارهم البحثية الحالية‬ ‫وما بعدها‪ .‬ويعتمد المقرر على ا�ستبدال المحا�ضرات بالتجربة العملية و�سيلة للتعلم‪ ،‬ويعطي فر�صا‬ ‫لجميع الم�شاركين لقيادة م�شروع جماعي‪ .‬ويتولى مدربون من ذوي الخبرة الطويلة تقديم الدعم‬ ‫والتغذية الراجعة طوال فترة المقرر ب�ش�أن �أ�سلوب القيادة‪ .‬ون�أمل أ�ن يتمكن هذا المقرر من توليد‬ ‫كادر م ؤ�هل من باحثي الم�ستقبل يتمتعون بالمهارات ال�ضرورية لقيادة بحوث الم�ستقبل‪.‬‬ ‫‪ -11‬النزاهة والتعامل مع معطيات البحث وسوء إدارة البحث‬ ‫من واجب كل جامعة من الجامعات العالمية المرموقة الالتزام ب�أعلى معايير النزاهة في البحوث‬ ‫والارتقاء بها‪ .‬وهذا يعني إ�يجاد الظروف التي ت�ضمن �أن يكون إ�جراء كافة البحوث على خلفية‬ ‫الوعي بالم�سائل ا أل�سا�س‪ ،‬أ�لا وهي‪ :‬ال�شفافية‪ ،‬والأمانة‪ ،‬والتعاون الأكاديمي بين الزملاء‪ ،‬والا�ستقامة‪،‬‬ ‫والم�س ؤ�ولية ال�شخ�صية‪ .‬ولا بد من تدريب الباحثين الفرادى (�سواء أ�كانوا من الطلاب أ�و من هيئة‬‫‪113‬‬

‫التحول إلى جامعة عالمية المستوى‪ :‬تجربة جامعة الملك عبد العزيز‬‫التدري�س) على ال�سيا�سات والممار�سات البحثية الخا�صة بالم�ؤ�س�سات ووك�الات تمويل البحوث‬‫والنا�شرين‪ ،‬كما ينبغي على ه ؤ�لاء أ�ن يكونوا على دراية بهذه ال�سيا�سات والممار�سات والالتزام بها‬‫خلال ن�شاطاتهم اليومية وفق �أق�صى معايير ال�سلوك البحثي المن�ضبط‪ .‬ولا بد لهذا من أ�ن ي�شمل‬‫التميز في ت�صميم م�شروعات البحث و�أطرها‪ ،‬وت�شغيلها لاحقا‪ ،‬والالتزام بالمبد أ� الذي ين�ص على أ�ن‬‫تكون �سلامة المعطيات وقابليتها للتوليد من جديد م�س ؤ�ولية �شخ�صية تقع على عاتق كل من له علاقة‬ ‫بالبحث‪ .‬لذا يجب على الباحثين �إظهار ا ألمانة الفكرية في �سائر الأوقات‪.‬‬‫وبالإ�ضافة �إلى ما ذكر �سابقا‪ ،‬ت�شمل معايير النزاهة البحثية في أ��سمى �صورها عنا�صر عدة لابد من‬ ‫الالتزام بها‪ ،‬وهي كما يلي‪:‬‬‫ •�أخلاقيات البحث‪ .‬يجب أ�ن تجرى البحوث في إ�طار قانون أ�خلاقي عام‪ ،‬ولهذا العن�صر أ�همية‬ ‫كبيرة لا �سيما إ�ذا كان للبحث علاقة بالب�شر أ�و الحيوان‪.‬‬‫ •الحاجة إ�لى الت�صريح عن �أي ت�ضارب في الم�صالح‪� ،‬سواء �أكان واقعا فعلا أ�و ممكنا �أو متوق ًعا؛‬ ‫مال ًيا �أو غير مالي‪.‬‬ ‫ •م�س ؤ�ولية طرح ا أل�سئلة‪ ،‬والدراية‪ ،‬والإخبار عن �أي ارتياب ب�سوء ال�سلوك البحثي أ�و الأخلاقي‪.‬‬‫ •م�س ؤ�ولية ت�سجيل المعطيات ا أل�صلية الخا�صة بالبحث وتخزينها في �شكل يثبت التقارير الخا�صة‬‫بنتائج البحث ون�شرها ويتيح للآخرين �سهولة الو�صول إ�ليها عند اللزوم‪ .‬وبما �أن لكثير من‬‫وكالات التمويل والنا�شرين متطلبات محددة تخ�ص فترة تخزين المعطيات ا أل�صلية‪ ،‬لذا ف�إن من‬‫الأهمية بمكان الالتزام بهذه المتطلبات ب�شكل تام‪ .‬ولابد من تخزين المعطيات الخا�صة بالبحث‬ ‫بطرق آ�منة بحيث تبقى موثوقة وكاملة‪.‬‬‫ •النزاهة وروح الزمالة والتعاون عند التعامل مع الزملاء والمتعاونين بما في ذلك الحاجة �إلى‬ ‫النزاهة في التحكيم‪.‬‬ ‫ •تجنب الت�ضليل في الإ�سهام ال�شخ�صي في م�شروع بحثي معين أ�و عمل من�شور‪.‬‬‫ومن المهم أ�ي�ضا �أن يكون للم ؤ��س�سات نظم تحدد �سوء ال�سلوك البحثي‪ ،‬وتحقق فيه‪ ،‬وتتعامل معه‬‫في حال وقوعه‪ .‬ول�سوء ال�سلوك هذا أ��شكال عدة ذكرتها هيئة مجال�س البحوث في المملكة المتحدة‬ ‫(‪ )Research Councils UK‬كما يلي [‪:]7‬‬ ‫‪114‬‬

‫التميز في البحث‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬مايكل آرثر‬ ‫ •اختلاق‪� ،‬أو تلفيق معطيات كاذبة أ�و وثائق بحثية مثل الموافقة على الم�شاركة‪.‬‬ ‫ •التزوير؛ وي�شمل انتقاء المعطيات‪ ،‬أ�و ا أل�شكال و‪�/‬أو التلاعب بها‪.‬‬ ‫ •ال�سرقة؛ وت�شمل الا�ستيلاء أ�و ا�ستعمال أ�فكار ا آلخرين‪ ،‬والملكية الفكرية‪ ،‬أ�و العمل (مكتوبا أ�و‬ ‫غيره) دون معرفة �صاحبها أ�و �إذنه‪.‬‬ ‫ •ا إلخلال بواجب الحر�ص‪� ،‬سواء أ�كان متعمدا‪� ،‬أو ب�سبب التهور �أو ا إلهمال والتق�صير‪ .‬وي�شمل هذا‬ ‫البند التهاون في ال�سرية‪� ،‬أو تعري�ض الم�شتركين في البحث ل ألذى‪� ،‬أو مخالفة المتطلبات القانونية‬ ‫أ�و الأخلاقية أ�و الد�ستورية و�سوء الت�صرف فيما يخ�ص التحكيم بما في ذلك عدم الت�صريح عن‬ ‫ت�ضارب الم�صالح‪.‬‬ ‫ •التعامل غير اللائق مع ادع�اءات �سوء ال�سلوك‪ ،‬بما في ذلك محاولات الت�ستر أ�و الانتقام من‬ ‫المخبرين‪ ،‬وعدم التعامل بال�شكل المنا�سب مع الادعاءات الكيدية‪.‬‬ ‫في المواقع [‪ ]10-8‬خلفية مف�صلة حول هذا المو�ضوع للراغبين في المزيد من المعلومات‪ ،‬والإر�شادات‬ ‫حول كيفية الالتزام بقواعد البحوث المتميزة‪ ،‬وكيفية التعامل مع حالات ا إل�ساءة في البحث العلمي‪.‬‬ ‫‪ -12‬من البحث إلى الابتكار والمشروعات‬ ‫تقود الجامعات العالمية المرموقة الابتكار‪ ،‬والأعمال‪ ،‬والم�شروعات من خلال توليد الملكية الفكرية‬ ‫وا ألفكار الجديدة‪ ،‬إ�ذ ت�سهم في دعم ريادة ا ألعمال المحلية والوطنية والدولية‪ ،‬وت�ساعد على توليد‬ ‫النمو الاقت�صادي‪ .‬ولا يقت�صر هذا بالطبع على الا�ستغلال التجاري لن�شاطاتها البحثية وح�سب‪،‬‬ ‫بل يتعلق أ�ي�ضا بعدد الخريجين بو�صفهم �أنا�سا موهوبين ي�سهمون في التطور الاقت�صادي الحالي‪.‬‬ ‫وهناك طرق عدة ت�سهم الجامعات من خلالها بالنمو الاقت�صادي بف�ضل ن�شاطاتها التجارية‪ ،‬ت�شمل‬ ‫ما يلي‪:‬‬ ‫ •تحديد الملكية الفكرية وحمايتها والا�ستفادة منها‪ .‬من واجب الجامعة تدريب أ�ع�ضاء هيئة‬ ‫التدري�س كافة على الاع�رتاف بالملكية الفكرية وتعلم حمايتها والا�ستفادة منها عند اللزوم‪.‬‬ ‫وينبغي ت�شكيل فريق محترف لتقديم الدعم لتحديد المفاهيم الجديدة التي لا تقت�صر على تطوير‬ ‫ا�ستراتيجيات لتحويلها إ�لى مفاهيم تجارية وح�سب‪ ،‬بل توفر �أي�ضا الم�ستثمرين القادرين على‬‫‪115‬‬

‫التحول إلى جامعة عالمية المستوى‪ :‬تجربة جامعة الملك عبد العزيز‬‫دعمها مال ًيا‪ .‬والغاية هي أ�ن مثل هذا الجهد ا ألكاديمي والاحترافي لا يو ِّلد ملكية فكرية وح�سب‪،‬‬‫بل يحولها �أي�ضا إ�لى منتجات ذات قيمة تجارية يمكن ترخي�صها‪ ،‬و�أحيانا ت�سهيلها‪ ،‬لت�ؤ�س�س‬‫�شركات فرعية تو ِّلد بدورها منتجات و�أعمالا جديدة ذات قيمة تجارية طويلة الأجل‪� .‬صحيح‬‫أ�ن التعقيدات والمخاطر التي ينطوي عليها توليد هذا الم�ستوى من النجاح لا يمكن تجاهلها‪،‬‬‫لكن المكاف�أة التي تنتج عن �أدائه بال�شكل اللائق قد تكون كبيرة أ�ي�ضا‪ .‬ويجب ال ِتما�س التوجيه‬‫والم�شورة ممن نجحوا في التعامل مع هذا المجال وممن لديهم خبرة مبا�شرة في ت�أ�سي�س �شركات‬‫تقنية عالية من ملكيتهم الفكرية ال�شخ�صية‪ .‬وتجد الجامعات �أن لها حاجة متزايدة لتو�ضح‬ ‫لحكوماتها ومموليها أ�ن بحوثها الأ�سا�سية والتطبيقية يمكن أ�ن ت ؤ�تي ثمارها‪.‬‬‫ • إ�ن الاعتراف ب�ضرورة قيام الجامعات العالمية العريقة بدعم طلابها و�أع�ضاء هيئة التدري�س‬‫فيها لكي يدخلوا مجال الأعمال على الم�ستوى ال�شخ�صي اتجاه يحظى باهتمام متزايد‪ .‬وينبغي‬‫أ�ن ي�شمل هذا الاعتراف ب أ�ن رجال الأعمال من طلاب و أ�ع�ضاء هيئة تدري�س بحاجة إ�لى الم�شورة‬‫لكي يدعموا ويطوروا �أفكارهم التجارية الخا�صة‪ ،‬ويمار�سوا العمل التجاري بهدف ت�أ�سي�س‬‫أ�عمال جديدة ناجحة‪ .‬كما ينبغي على الجامعة �إذا ما توفرت لها الإمكانات تقديم مرافقها‪،‬‬‫حيث يتمكن رجال الأعمال من طلاب و�أع�ضاء هيئة تدري�س من إ�جراء بحوثهم المتميزة وتطوير‬‫أ�فكارهم الخا�صة‪ .‬كما يجب أ�ي ً�ضا أ�ن تكون المرافق والخ�ربات الموجودة في الجامعة متوفرة‬ ‫للأعمال خارج الجامعة بما يتيح الا�ستفادة من أ�فكار البحث والتطوير ب�شكل �إيجابي‪.‬‬‫ • إ�ن الجامعات العالمية العريقة بحاجة �أي�ضا �إلى نظم و�أنا�س مخل�صين للتفاعل مع عالم ا ألعمال‬‫الخارجية من �أج�ل توفير الا�ست�شارات والخ�ربات ودع�م �شراكات ا ألع�م�ال‪ .‬وه�ذه مجالات‬‫تخ�ص�صية‪ ،‬حيث يتمتع الأفراد أ�و الفرق المتخ�ص�صة في هذا المجال من ال�شراكات الخارجية‬‫ب أ�همية بالغة ألنها �صلة الو�صل للتفاعل مع عالم الأعمال وال�شركات‪ .‬كما يمكن لمثل هذه الفرق‬‫أ�ن تكت�سب أ�همية غير اعتيادية في تح�سين خ�صائ�ص الجامعة و�سمعتها في عالم ا ألعمال على‬‫ال�صعيد العالمي‪ .‬ونرى أ�ي�ضا أ�ن الفرق المتخ�ص�صة في هذا المجال مفيدة إ�لى حد كبير في توجيه‬‫الجهاز ا ألكاديمي في متاهات هذا العالم غير الم أ�لوف‪ ،‬مما ي�ساعد كثيرا في �إدارة المخاطر‬ ‫والحفاظ على �صورة الجامعة‪.‬‬ ‫‪116‬‬

‫التميز في البحث‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬مايكل آرثر‬ ‫‪ -13‬خمسة إجراءات أساسية على جامعة الملك عبد العزيز اتخاذها‬ ‫لدعم الأداء البحثي‬ ‫حققت جامعة الملك عبد العزيز بالفعل نجاحا باهرا بو�صفها جامعة قائمة على البحوث المكثفة‬ ‫وم�ؤ�س�سة رائدة في ال�شرق ا ألو�سط ذات �سمعة دولية متينة ا ألركان‪ .‬ولهذه الجامعة قيادة ر�شيدة‬ ‫ارت�أت ت�شكيل هيئة ا�ست�شارية دولية ذات خبرات عالية من �أرفع الم�ستويات لي الفخر أ�ن �أكون واحدا‬ ‫من أ�ع�ضائها‪ .‬وحيث إ�ني ما زلت �أكت�سب المزيد من المعرفة بجامعة الملك عبد العزيز‪ ،‬لذا ف إ�ني �أقدم‬ ‫الن�صائح التالية ممثلة بخم�سة إ�جراءات �أ�سا�سية‪:‬‬ ‫‪1 )1‬من المهم بناء كتلة حرجة من الباحثين والتميز البحثي المر َّكز في عدد محدد ووا�ضح من مجالات‬ ‫البحث عالية التميز‪ .‬ولا بد من الاختيار وتركيز الموارد ل�ضمان أ�ن يكون الأداء المتميز هذا على‬ ‫أ�على الم�ستويات‪� .‬أما ر�أ�س المال الب�شري الممثل في هيئة الباحثين والأكاديميين من الم�ستوى العالمي‬ ‫فهو أ�هم العنا�صر في تحقيق هذا الم�ستوى من النجاح‪.‬‬ ‫‪2 )2‬مع تح�سن الأداء البحثي من ال�ضروري التفكير بخط �سير البحوث والاع�رتاف ب أ�همية و�ضع‬ ‫�سيا�سة �شبابية وا�ضحة ح�ول تدريب الجيل ال�ق�ادم‪� .‬صحيح �أن التدريب العالي في مرحلة‬ ‫الدكتوراه أ�مر جوهري‪ ،‬لكن لابد له من �أن يواكب دعما وتدريبا وا�ضحا وم�ستمرا في مرحلة ما‬ ‫بعد الدكتوراه وفي المراحل المبكرة من الم�ستقبل المهني‪.‬‬ ‫‪�3 )3‬إن ال�سعي للح�صول على دعم م�صادر تمويل البحوث المتميزة طريقة ممتازة ل�شحذ بروتوكولات‬ ‫البحث ودعم البرامج البحثية‪ ،‬كما يحرك الحاجة �إلى البقاء على �صلة بالتقدم المنهجي الذي‬ ‫ي�سهم في نهاية المطاف في الارتقاء بالجودة الدولية للن�شاط البحثي‪.‬‬ ‫‪4 )4‬لابد من و�ضع النظم في مكانها بهدف دعم البحوث متقاطعة التخ�ص�صات وتر�سيخها مما ي�سمح‬ ‫لفرق الباحثين من مجالات متعددة بالتجمع لمواجهة الم�شكلات المجتمعية والعالمية المعقدة‪ .‬ويجب‬ ‫�إدراج الإ�سهام في العمل الجماعي وفي العمل متقاطع التخ�ص�صات �ضمن نظم الترقية والمكاف�آت في‬ ‫الجامعة‪.‬‬ ‫‪5 )5‬تحتل نتائج البحوث مكان ال�صدارة في عملية الابتكار‪ ،‬لكن البحث وحده لا يدفع عجلة النمو‬ ‫الاقت�صادي ولا يحقق الازدهار‪ .‬ولا بد من و�ضع النظم في مكانها من �أجل دفع الابتكار ودعمه‪،‬‬‫‪117‬‬

‫التحول إلى جامعة عالمية المستوى‪ :‬تجربة جامعة الملك عبد العزيز‬‫بحيث ي�ؤدي �إلى ترخي�ص منتجات جديدة و‪�/‬أو ظهور �شركات جديدة متفرعة عن الجامعة‪.‬‬‫ويجب �أن يت�ضمن هذا فرق الخبراء لت�شجيع الن�شاطات التجارية والا�ست�شارات وزيادة التفاعل‬ ‫مع ال�صناعة‪.‬‬ ‫‪ -14‬الخلاصة والنتائج‬‫يعتمد تقدم المجتمع الإن�ساني �إلى حد كبير على اكت�شاف معرفة جديدة بف�ضل بحوث الجامعات‪،‬‬‫والم�ؤ�س�سات‪ ،‬والوكالات الحكومية وال�صناعة‪ .‬و�إن فرق الباحثين الذين ينتمون �إلى ثقافات مختلفة‬‫عابرة للحدود الوطنية والقطاعية ويعملون في مجالات علمية متعددة هي التي �ستت�صدى لحل أ�عقد‬‫الم�شكلات في م�ستقبل عالمنا‪ .‬وتقع الجامعات العالمية المتقدمة في �صميم هذه الجهود‪ .‬أ�ما الهيئة‬‫ا ألكاديمية عندنا فلن تكتفي بقيادة الجهود البحثية‪� ،‬سواء في الوقت الحالي �أو على المدى البعيد‪،‬‬‫بل �ستكون على علاقة وطيدة بتدريب الجيل القادم من الباحثين من خلال التعليم الجامعي‪� ،‬سواء‬‫في مرحلته الأولى �أو في درجتي الماج�ستير والدكتوراه‪ ،‬وفي ا إل�شراف على البحوث؛ فالجمع بين تعليم‬‫الطلاب (من الم�ستويات كافة) ون�شاطات البحوث �سي�ستمر في تحديد الجامعات الرائدة في العالم‪.‬‬‫�إن بناء جامعة على �أ�س�س البحوث المكثفة يتطلب قيادة م�ؤ�س�ساتية متميزة تركز على بناء جودة‬‫رائدة عالمية في عدد محدد من المجالات البحثية وعلى توفير مرافق بحثية عالمية‪ .‬كما أ�ن للقدرة‬‫على ا�ستقطاب �أف�ضل الهيئات الأكاديمية من الباحثين الن�شطاء‪� ،‬سواء �أكانوا طلابا في مرحلة‬‫الدكتوراه �أم من الباحثين في مرحلة ما بعد الدكتوراه‪� ،‬أهمية ق�صوى‪ ،‬مثلها مثل أ�همية الحركة‬‫ثنائية الجهة بين الطلاب و أ�ع�ضاء هيئة التدري�س في إ�يجاد بيئة بحثية �إيجابية‪ .‬بالإ�ضافة إ�لى‬‫أ�همية دعم �أع�ضاء هيئة التدري�س في �سعيهم للح�صول على المنح التناف�سية‪ .‬وي�شكل التوجيه حول‬‫ا ألخلاقيات‪ ،‬والنزاهة البحثية وطريقة التعامل مع المعطيات ا ألولية للبحث وتخزينها عن�صرا‬ ‫جوهريا من عنا�صر التدريب البحثي‪.‬‬‫�إن م�ستقبل الجامعات الرائدة في العالم مثير للاهتمام‪ ،‬ونحن ما�ضون في رحلتنا على طريق عولمة‬‫التعليم العالي المت�صاعدة يوما بعد يوم‪ .‬والجامعات التي تواجه التحدي الذي عر�ضناه في هذا‬‫الف�صل هي التي �ستحتل موقعا ممتازا تمار�س منه ت�أثيرها فتحرز مكانة في م�صاف الجامعات‬ ‫العالمية اعترافا ب�إ�سهامها في تقدم المعرفة وم�ستقبل الب�شرية‪.‬‬ ‫‪118‬‬

‫ مايكل آرثر‬.‫د‬.‫ أ‬:‫التميز في البحث‬ ‫المراجع‬ 1. OECD (2002) Frascati Manual: proposed standard practice for surveys on re- search and experimental development, 6th edition. Retrieved 27 May 2012. from www.oecd.org/sti/frascatimanual. 2. Jewels in the Crown: The importance and characteristics of the UK’s world- class universities. http://russellgroup.org/JewelsInTheCrown.pdf 3. http://www.ucl.ac.uk/grand-challenges 4. http://www.wateratleeds.org 5. http://www.ref.ac.uk 6. http://www.ucl.ac.uk/hr/od/pdp/sdlia/index.php 7. http://www.rcuk.ac.uk/Publications/researchers/grc 8. http://www.grad.ucl.ac.uk/research-integrity 9. http://www.admin.ox.ac.uk/researchsupport/integrity 10. http://www.universitiesuk.ac.uk/aboutus/AssociatedOrganisations/Partner- ships/Pages/ResearchIntegrity.aspx119



‫التميز في خدموةالاإلنمسجاتنيمةع‬ ‫الفصل السادس‬ ‫الأستاذ الدكتور توماس ڤيلهلمسون‬

‫التحول إلى جامعة عالمية المستوى‪ :‬تجربة جامعة الملك عبد العزيز‬ ‫‪122‬‬

‫التميز في خدمة المجتمع والإنسانية‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬توماس ڤيلهلمسون‬ ‫‪ -1‬المقدمة‬ ‫حظيت المهمة الثالثة للجامعات‪ ،‬أ�لا وهي خدمة المجتمع‪ ،‬باهتمام كبير في المناق�شات الدولية‬ ‫الخا�صة ب�سيا�سة الجامعات‪ .‬ويتزايد طرح هذه المهمة بو�صفها من المهمات ا أل�سا�س للجامعات‪،‬‬ ‫با إل�ضافة �إلى مهماتها التقليدية المتمثلة بالبحث العلمي والتعليم‪.‬‬ ‫وتقدم الجامعات خدماتها للمجتمع بطرق متعددة‪ ،‬بينما ت� ؤ�دي مهمتيها الأ�سا�س‪� ،‬أي البحث‬ ‫والتعليم‪ ،‬لم�صلحة المجتمع‪ .‬لذلك لي�س من الغريب �أن نرى أ�ن هذه التعريفات والعبارات تختلف‬ ‫اختلافا كبيرا بين المهتمين ومن بلد �إلى آ�خر‪ .‬وفي هذا الف�صل نتناول بالمناق�شة والتحليل عبارات مثل‬ ‫«المهمة الثالثة»‪« ،‬دور المجتمع»‪« ،‬خدمات المجتمع»‪« ،‬الامتداد خارج الجامعة»‪« ،‬التفاعل المجتمعي»‪،‬‬ ‫بالإ�ضافة �إلى الو�سائل والطرق المختلفة التي تحقق من خلالها خدمة المجتمع‪.‬‬ ‫ويمكننا �أن نعزو الأهمية المتزايدة للمهمة الثالثة �إلى أ��سباب عدة‪ .‬فبع�ض المهتمين يرى أ�نها تنبع من‬ ‫الاعتقاد ب أ�ن للتعليم والبحث دو ًرا مبا�ش ًرا في مجتمع العولمة المعرفي‪ ،‬وب أ�نها ت�ؤثر في قوته التناف�سية‪،‬‬ ‫في حين ي ؤ�كد �آخرون على دور الجامعات غير المبا�شر كمراكز ل إلبداع ت�ستقطب المواهب‪ ،‬وتدعمها‬ ‫لفائدة المجتمع‪ .‬لكن تحقيق المهمة الثالثة لا يتم لم�صلحة الغير وح�سب‪ ،‬حيث �إن التفاعل الن�شط مع‬ ‫المجتمع يرفع من م�ستوى التعليم والبحوث العلمية بالجامعة‪.‬‬ ‫من هنا كانت �صعوبة ت�صنيف الجامعات ذات ا ألداء المتوا�ضع من حيث المجهود والتركيز على أ�نها‬ ‫جامعات عالمية‪ .‬فالمناق�شة في هذا الف�صل تتركز على و�سائل تح�سين التفاعل المجتمعي نوعا وكما‪.‬‬ ‫ما الذي ت�ستطيع الجامعات �أن تفعله؟ وما الذي ينبغي عليها أ�ن تفعله لكي تحقق التميز في خدمة‬ ‫المجتمع والب�شرية؟‬ ‫‪ -2‬المهمة الثالثة‬ ‫كر�س المعر�ض والم�ؤتمر الدولي للتعليم العالي الذي عقد في الريا�ض �سنة ‪� 2013‬أعماله لمعالجة‬ ‫محور معا�صر‪ ،‬أ�لا وهو «الم�س ؤ�ولية الاجتماعية للجامعات»‪ .‬وجاء في مطلع بيان م ؤ�تمر الريا�ض‬ ‫الإعلان التالي‪:‬‬ ‫«للجامعات وظائف ثلاثة رئي�سة‪ :‬التعليم‪ ،‬والبحث العلمي‪ ،‬وخدمة المجتمع‪ .‬لكن م�س ؤ�ولية الجامعات‬‫‪123‬‬

‫التحول إلى جامعة عالمية المستوى‪ :‬تجربة جامعة الملك عبد العزيز‬‫في خدمة المجتمع لا تنال الأهمية التي ت�ستحقها‪� .‬إلا �أن خدمة المجتمع والمنظومة ا ألكاديمية هي من‬ ‫ا ألهمية المركزية‪ ،‬والعن�صر المهم في خدمة المجتمع هو الم�س ؤ�ولية المجتمعية»‪.‬‬‫�إن الفهم التقليدي للجامعات‪ ،‬وربما كان فهما خاطئا‪� ،‬أ�ضفى عليها �صورة أ�براج عاجية‪ ،‬فيها يتم‬‫التعليم والبحوث في عزلة تامة عن المجتمع المعا�صر‪ .‬ولقد �أ�صبح انتقاد هذه العزلة الخيالية من‬‫الم�سائل المهمة في المناق�شات الدولية حول دور النظم الجامعية وتطويرها‪ .‬ففي مجتمع المعرفة نرى‬‫أ�ن المنطق معكو�س‪ .‬فبا�ستطاعة الجامعات‪ ،‬بل من واجبها‪ ،‬بو�صفها ركنا مهما من �أركان نظام‬ ‫المعرفة‪� ،‬أن تقدم خدماتها للمجتمع والب�شرية با إل�ضافة إ�لى دورها في التعليم والبحث العلمي‪.‬‬‫لكن مناق�شة هذا المو�ضوع تبدو م�ضطربة من الناحية الفكرية‪ .‬فقد ا�س ُتخدمت ت�صورات عدة‬‫للدلالة على م�سائل مت�شابكة ومعقدة‪ .‬ونواجه في هذا ال�سياق عبارات مثل‪« :‬الم�س�ؤولية المجتمعية‬‫للجامعات»‪ ،‬و «ارتباط الجامعات بالمجتمع»‪ ،‬و «خدمة المجتمع»‪ ،‬و «الامتداد خارج الجامعة»‪ ،‬و‬‫«التفاعل المجتمعي»‪ .‬ولبع�ض هذه العبارات نطاق �أو�سع من بع�ضها ا آلخر‪ ،‬كما �أن بع�ض دول العالم‬ ‫تف�ضل ا�ستخدام عبارات دون غيرها‪.‬‬‫ولا حاجة بنا للخو�ض في المزيد من التفا�سير الفكرية الت�صورية‪ ،‬لكن الأهم هو مناق�شة المو�ضوع‬‫الراهن‪ ،‬وهو الحاجة للتفاعل بين الجامعات ومجتمعاتها‪ .‬لذلك �سيتم ذكر �أكثر العبارات حيادية‬‫وا�ستخداما وهما‪« :‬الوظيفة الثالثة» �أو «المهمة الثالثة»‪ .‬وعلى اعتبار أ�ن �أهم وظيفتين للجامعات‬‫هما التعليم والبحث العلمي‪ ،‬ف�إن مناق�شة الوظيفة الثالثة تطرح ال�س�ؤال التالي‪ :‬هل من المفتر�ض �أن‬ ‫تخدم الجامعات المجتمع وكيف لها ذلك‪ ،‬با إل�ضافة إ�لى أ�دائها وظيفتيها الرئي�ستين‪.‬‬‫إ�ن مناق�شة المهمة الثالثة لا تعني بال�ضرورة �أنها مهمة م�ستقلة على قدم الم�ساواة مع المهمتين‬‫الأخريين‪ ،‬بل تعني �أن من الممكن‪ ،‬بل من الواجب‪� ،‬أن ُينظر �إليها من منظور مختلف عن منظور‬‫المهمات الأ�سا�س‪ .‬فالتعليم والبحث العلمي المتميز يقدمان خدمات جليلة للمجتمع‪ .‬أ�ما مناق�شة‬‫المهمة الثالثة فت�ؤكد أ�ن من الممكن توجيه التعليم والبحث العلمي والن�شاطات ا ألخرى للجامعات‬‫المرتبطة بهاتين المهمتين لخدمة المجتمع ب�صورة �أف�ضل‪ .‬فالتفاعل بين الجامعات والمجتمع يجب‬‫�أن يقوم على المهمات الرئي�سة‪ ،‬أ�ما منظور المهمة الثالثة فيمكن �أن يوفر و�سائل تطويرها لكي تقدم‬‫خدماتها للمجتمع ب�صورة أ�ف�ضل‪ .‬وقد قيل على �سبيل المثال يجب على الجامعات من خلال فهمها‬ ‫لم�س�ؤولياتها تجاه الا�ستدامة العالمية أ�ن‪:‬‬ ‫‪124‬‬

‫التميز في خدمة المجتمع والإنسانية‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬توماس ڤيلهلمسون‬ ‫ ‪-‬تحول التعليم‪ ،‬ب أ�ن تع ّلم �أبناء الجيل القادم‪ ،‬وت�شركهم‪ ،‬وتزودهم بالقوة والطاقة لي�صبحوا‬ ‫قادرين على حل الم�شكلات‪،‬‬ ‫ ‪-‬تنفذ برنامج عمل معد لتحديد الحلول لمعالجة التحديات الهائلة والا�ستدامة العالمية واختراعها‬ ‫واختبارها ون�شرها‪،‬‬ ‫ ‪-‬ت�صر على التو�سع بعمق لكل علم من العلوم في التخ�ص�صات وكذلك التو�سع بين التخ�ص�صات‬ ‫في البحث العلمي والتدري�س‪ ،‬بحيث ت�سخر العلوم والهند�سة والتقنية والريا�ضيات والعلوم‬ ‫الاجتماعية والفنون والعلوم الإن�سانية لخدمة المجتمع‪،‬‬ ‫ ‪-‬تق ّيم الحاجة للعمل المجتمعي وتنقل المعلومات الموثقة �إلى الم�ستفيدين‪ ،‬ومن ثم تنقل المعرفة إ�لى‬ ‫حيز التطبيق والعمل في �شراكات جديدة [‪.]2‬‬ ‫وربما يتغير التوكيد على مختلف جوانب المهمة الثالثة بتغير الخطاب والموقع‪ .‬ففي بع�ض الحالات‬ ‫تكون العنا�صر ا ألخلاقية هي محور الاهتمام‪ .‬فكثير من �إ�سهامات معر�ض وم�ؤتمر التعليم العالي‬ ‫الدولي لعام ‪2013‬م تبنت هذه النظرة‪ ،‬وهذا ما نراه في بيان الم�ؤتمر‪:‬‬ ‫«يمكن تعريف الم�س ؤ�ولية الاجتماعية للجامعات ب�أنها الالتزام بتمثيل مجموعة من المبادئ والقيم‬ ‫وممار�ستها‪� .‬إنها التزام بالعدل‪ ،‬والحق‪ ،‬والتميز‪ ،‬ودعم الم�ساواة الاجتماعية والتطور الم�ستدام‪،‬‬ ‫واعتراف بكرامة الفرد وحريته‪ ،‬وقبول التنوع وتعدد الثقافات‪ ،‬ودعم حقوق الإن�سان والم�س�ؤولية‬ ‫المدنية»‪.‬‬ ‫�أما في �أن�واع الخطاب ا ألخ�رى وبيانات المهمات القانونية فنرى أ�ن التركيز ين�صب على التطور‬ ‫ا إلقليمي‪ ،‬حيث يطلب من الجامعات أ�ن تكون محركات مهمة للتطور الاجتماعي والاقت�صادي في‬ ‫بيئتها المجاورة‪ .‬ومن منظور أ�و�سع يتم التركيز على دور الجامعات بو�صفها محركات للاقت�صاد‬ ‫والثقافة والعلاقات الاجتماعية لمجتمعات ب�أكملها‪ .‬وفي أ�نواع أ�خرى من الخطاب ين�صب التوكيد‬ ‫على ق�درة الجامعات على دعم المجتمعات التي تعمل فيها‪ ،‬في حين تركز جامعات �أخ�رى على‬ ‫خدماتها ل إلن�سانية جمعاء‪.‬‬ ‫كل ه�ذه ال�ر ؤ�ى مهمة‪ ،‬ويجب ع�دم �إهمال أ�ي منها‪ .‬فالمهمة الثالثة للجامعات مهمة �أخلاقية‬ ‫واقت�صادية وثقافية واجتماعية و�إقليمية ووطنية وعالمية‪ .‬وبالطبع ف إ�ن الوزن الن�سبي ومدى و�ضوح‬‫‪125‬‬

‫التحول إلى جامعة عالمية المستوى‪ :‬تجربة جامعة الملك عبد العزيز‬ ‫هذه العنا�صر يعتمد �إلى حد كبير على طبيعة كل جامعة وظروفها ومجتمعاتها‪.‬‬‫وت�شكل �إ�سهامات الجامعة في الابتكارات وفي اقت�صاد الابتكار ب�صفة عامة جز ًءا مه ًما من تفاعلها‬‫مع المجتمع‪ .‬فكثير من تعريفات المهمة الثالثة ت�شتمل على ن�شر البحوث العلمية في �صورة ابتكارات‬‫مفيدة اقت�صاديا وعلى إ�يجاد فر�ص للعمل‪ .‬وبما أ�ن هذا الكتاب يفرد ف�صل ًا خا ً�صا عن اقت�صاد‬‫الابتكار ف إ�نني لن أ��سهب في مناق�شة هذا المو�ضوع‪ ،‬بل �س�أركز على �أنواع �أخرى من التفاعل المجتمعي‬ ‫في هذا الف�صل‪.‬‬ ‫‪ -3‬ما سبب أهمية المهمة الثالثة؟‬‫على اعتبار �أن للمهمة الثالثة ت أ�ثيرا �أخلاقيا واجتماعيا وثقافيا واقت�صاديا‪ ،‬ف�إنها كانت ولا تزال‬‫جز ًءا من ر�سالة الجامعات ولو لم ُي�شر إ�ليها لكي ُتعرف وت�سمى بو�ضوح كوظيفة م�ستقلة‪ .‬فالجامعات‬‫الأوروبية ت�أ�س�ست في الع�صور الو�سطى لكي تخ ّرج إ�داريين وكهنة يخدمون المجتمع‪ .‬ومنذ ذلك الحين‬‫لعبت كثير من الجامعات دو ًرا حيو ًيا في تطور المجتمعات‪ .‬فقد كانت تربية مواطنين على الأخلاق‬ ‫الحميدة جز ًءا وا�ض ًحا و�ضوح ال�شم�س من فهم الجامعات لذاتها‪.‬‬‫وفي العقود الأخيرة‪ ،‬حدث تغير وا�ضح في الخطاب الخا�ص بالمهمة الثالثة حيث انتقل التركيز من‬‫اعتبارها نتاجا طبيعيا للتعليم والبحث العلمي إ�لى التوكيد عليها بو�ضوح كمهمة م�ستقلة و�ضرورة‬ ‫دعمها ب�شكل م�ستقل‪ .‬فالتحول في التركيز جاء نتيجة التغيرات الجذرية في المجتمع والعالم‪.‬‬‫وت�زداد �أهمية ال�دور الرئي�س للتعليم والبحوث العلمية في المجتمع المعرفي المعولم‪ ،‬حيث يرتبط‬‫تناف�س المجتمعات ارتباطا مبا�شرا بالطريقة التي تتخذ فيها هذه المجتمعات مواقعها في إ�طار إ�نتاج‬‫المعرفة وا�ستخدامها‪ .‬فمع ت�سارع �إنتاج المعرفة ت�صبح القدرة على الو�صول �إلى المعرفة و�إيجادها‬ ‫وا�ستخدامها عامل ًا رئي�ًسا من عوامل النجاح‪.‬‬‫وللجامعات دور رئي�س في �إن�شاء هذه المقدرة‪ ،‬فهي لاعب رئي�س في لعبة إ�نتاج المعرفة ون�شرها‪ ،‬ولهذا‬‫ف�إنها ت ؤ�ثر في المجتمعات‪ ،‬وفي الاقت�صاد بطرق كثيرة‪ .‬وبا إل�ضافة �إلى ما تقدم‪ ،‬ف�إن من اللاعبين‬‫الأ�سا�س في إ�دخ�ال المعرفة الجديدة إ�لى المجتمعات تعليم القادة الجدد والقوى العاملة‪ ،‬وتوليد‬‫الابتكارات ودعمها‪ ،‬أ�و بعبارة �أ�شمل‪ ،‬ا�ستقطاب العقول الجديدة من البلدان الأخرى و إ�دخال أ�نماط‬ ‫جديدة من التفكير �إلى المجتمعات‪.‬‬ ‫‪126‬‬

‫التميز في خدمة المجتمع والإنسانية‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬توماس ڤيلهلمسون‬ ‫وعلى ال�صعيد العالمي‪ ،‬تعد الجامعات أ�هم منتج للمعرفة ال�ضرورية لمواجهة التحديات الهائلة التي‬ ‫تواجه بني الب�شر في الوقت الحا�ضر‪ .‬ويت�ضح ذلك من بيان م ؤ�تمر اليون�سكو العالمي للتعليم العالي‬ ‫لعام ‪2009‬م [‪:]3‬‬ ‫«�إن للتعليم العالي م�س�ؤولية اجتماعية تتمثل في تنمية فهمنا للعديد من الم�سائل‪.‬‬ ‫وينبغي على التعليم العالي أ�ن يقود المجتمع في توليد معرفة عالمية تهدف �إلى‬ ‫مواجهة التحديات العالمية‪ ،‬بما فيها الأمن الغذائي والتبدل المناخي‪ ،‬وا�ستخدام‬ ‫المياه‪ ،‬والحوار الفكري‪ ،‬والطاقة المتجددة‪ ،‬وال�صحة العامة»‪.‬‬ ‫ومن المهم أ�ن ن ؤ�كد أ�ن الجامعات لا ت�ضع المعرفة تحت ت�صرف المجتمع وح�سب‪ ،‬بل تجعل ا إلبداع‬ ‫�أ�سا�س المناق�شة في مجتمع المعرفة‪ .‬فالجامعات الجيدة موطن ا إلبداع‪ ،‬حيث يزدهر الفكر النقدي‬ ‫الجريء والجديد‪ .‬فالتفاعل بين هذه المحاور مع البيئة المجتمعية التي تحيط بها تمد المجتمعات‬ ‫بالطاقة بطرق عدة‪ .‬وقد بين ريت�شارد فلوريدا (‪ )Richard Florida‬في كتابه ال�شهير «ظهور الطبقة‬ ‫المبدعة» [‪ ]4‬كيف ينجذب �أع�ضاء الطبقة المبدعة ح�سب تعبيره إ�لى مواقع العبقرية المبدعة‪ .‬هذا‬ ‫التركيز المزدهر من المقدرة الكامنة المبدعة يتركز غالبا حول الجامعات التي تبدي تفاعلا وثيقا مع‬ ‫لاعبين مبدعين آ�خرين في المجتمع‪ .‬فالجامعات التي توفر الإلهام المبدع ت ؤ�ثر في التناف�سية العالمية‬ ‫للمجتمعات والتطورات الإقليمية‪.‬‬ ‫إ�ن الجامعات تعزز القيم لدى المجتمعات وتولدها وت�ستخدمها وتعلمها‪ .‬ففي مجتمعات ما بعد العولمة‬ ‫والحداثة نرى �أن نظم القيم التقليدية بد أ�ت تتفكك و أ�ن حلقات القيم الم�شتركة الوا�ضحة كال�شم�س‬ ‫آ�خذة في الا�ضمحلال‪ .‬ونتيجة لهذه الاتجاهات ظهرت حاجة متزايدة لمناق�شة القيم و�إنتاجها ومن‬ ‫ثم تقديمها للمجتمع‪ .‬وكما ذكرنا آ�نفا‪ ،‬ف�إن التفاعل المجتمعي مثقل بالقيم مثلما ينبغي �أن يكون‪.‬‬ ‫�إن الجامعات التي ت�ؤدي مهمتها في التدري�س والبحث العلمي بنجاح ت ؤ�ثر بال�ضرورة في المجتمعات‬ ‫بالطريقة التي و�صفناها فيما �سبق‪ .‬فوجود الجامعات (الجيدة) في حد ذاته يترك في المجتمعات‬ ‫بالغ الأثر‪ .‬والتركيز الوا�ضح على المهمة الثالثة في المناق�شة مبني على الاعتقاد ب أ�ن من الممكن زيادة‬ ‫هذا الت أ�ثير‪ ،‬وربما م�ضاعفته‪ ،‬إ�ذا ما لقي العناية ب�صورة ا�ستراتيجية وا�ضحة‪ .‬فحاجة المجتمع �إلى‬ ‫خطاب حول المهمة الثالثة وا�ضحة‪.‬‬ ‫إ�ن المطالبة بتحقيق المهمة الثالثة بكفاءة يجب �أن توجه إ�لى الجامعات التي تمولها الحكومة‬‫‪127‬‬

‫التحول إلى جامعة عالمية المستوى‪ :‬تجربة جامعة الملك عبد العزيز‬‫بالدرجة ا ألولى‪ .‬فللقطاع العام وال�سيا�سة م�صلحة في ا�ستخدام الأموال ب أ�ق�صى درجات الكفاءة‬‫لم�صلحة المجتمع‪ .‬وبالنظر إ�لى �أهمية الجامعات في تحقيق رفاهية المجتمعات‪ ،‬ف�إن هذا ال�ضغط‬‫من القطاعات ال�سيا�سية وو�سائل ا إلع�الم وعامة ال�شعب أ�مر مفهوم‪ ،‬إ�ذ ينبغي على الجامعات‬‫التي ترغب في الحفاظ على هويتها أ�ن تكون قادرة على الدخول في مثل هذه المناق�شات‪ .‬فالت�صدي‬‫للمهمة الثالثة يجب �أن يحركه الحما�س لتلبية مطالب ال�سا�سة وا إلعلاميين وعامة ال�شعب‪ ،‬أ�و‬‫مطالب الكفلاء في القطاع الخا�ص وح�سب‪� ،‬إذ يتعذر تحقيق المهمة الثالثة بنجاح �إلا إ�ذا كانت قائمة‬‫على قيم الجامعات ذاتها‪� ،‬أي على الإيمان ال�صادق لدى الجامعات ب�أنها وجدت لكي تعمل على‬‫تح�سين الأو�ضاع في المجتمع والعالم‪ .‬وكما �س أ�بين لاحقا‪ ،‬ف إ�ن هذه م�س�ألة تتطلب قيادة ا�ستراتيجية‬ ‫�ضمن الجامعات‪.‬‬‫ومن الأركان المهمة �أي�ضا فيما يخ�ص ر�ؤية التميز وجود جذور را�سخة في القيم الخا�صة بالجامعة‪.‬‬‫وفي المناق�شات العامة‪ ،‬غالبا ما يكون هناك إ��صرار على تحقيق نتائج �سريعة وملمو�سة‪ ،‬أ�و على‬‫الأقل‪ ،‬قابلة للقيا�س والعر�ض‪� ،‬إذ لي�س من ال�ضروري أ�ن تكون قابلية التطبيق المجتمعي ق�صيرة‬‫المدى هي الدافع لتطور الجامعات‪ .‬فعدم وجود التزام كاف بالبحوث العلمية طويلة الأجل والتعليم‬‫الم�ستقر ي ؤ�دي �إلى انحدار الجودة في �أداء الجامعات‪ .‬فالجامعة المتميزة يجب أ�ن تكون وفية لر ؤ�يتها‬ ‫الخا�صة بت�أثيرها الاجتماعي‪.‬‬‫بيد أ�ن الجامعات المتميزة تحقق مهمتها الثالثة لا لمجرد تبنيها لقيم حب الخير للغير‪ ،‬بل ألنها‬‫تحتاج �إلى التفاعل المجتمعي لكي تتطور هي بالذات‪ .‬فالتفاعل الجيد لي�س عملية �أحادية الجهة‬‫تقوم فيها الجامعة بتقديم الخدمات فيما يجني المجتمع الفوائد منها‪ .‬فالتفاعل الحقيقي يو ّلد‬‫الفوائد لكلا الطرفين‪ .‬ونرى في الجامعات أ�ن البحث العلمي والتعليم ي�ستفيدان من التوا�صل‬‫المتبادل والفعال مع القطاعات الرئي�سة في المجتمع‪ .‬فبع�ض البحوث العلمية يتعذر القيام بها‪ ،‬على‬‫الوجه ال�صحيح على ا ألقل‪ ،‬بدون التعاون الوثيق مع قطاع الأعمال وقطاعات المجتمع الأخرى‪ .‬ومن‬‫الوا�ضح �أن ب إ�مكان مدخل ًا منظم ًا (تحت �سيطرة الجامعة) في العمليات التعليمية أ�ن يح�سن م�ستوى‬‫جودتها‪ .‬ويجب أ�ن تبنى م�شاركة م ؤ��س�سات التعليم العالي في المجتمعات التي تعمل �ضمنها على‬‫«مبد أ� التبادلية في التعلم والتعليم من خلال هذه الم�شاركة‪( ».‬كر�سي اليون�سكو للبحوث المجتمعية‬ ‫والم�س ؤ�ولية الاجتماعية في التعليم العالي‪� .‬إطار للعمل ‪.)]5[ 2016-2012‬‬ ‫‪128‬‬

‫التميز في خدمة المجتمع والإنسانية‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬توماس ڤيلهلمسون‬ ‫إ�ن الجامعات المتميزة بحاجة إ�لى مهمتها الثالثة‪� .‬إنها بحاجة لفهم �أن لمهمتها الثالثة إ�طا ًرا عالم ًيا‪.‬‬ ‫فما ع�سى الجامعات �أن تفعل لدفع هذه المهمة الثالثة قدما نحو الأمام؟‬ ‫‪ -4‬طرق مختلفة لخدمة المجتمع‬ ‫ر أ�ينا في المقدمة �أن تعريف المهمة الثالثة للجامعات لا يخلو من �صعوبة‪ .‬فبو�سع الجامعات أ�ن تخدم‬ ‫المجتمع‪ ،‬بل هي تخدمه بالفعل‪ ،‬بطرق مختلفة‪ .‬فبالتعريف الوا�سع للمهمة الثالثة‪ ،‬بما في ذلك �سائر‬ ‫أ��شكال التفاعل المجتمعي الم�ستخدمة في القوانين الجامعية في فنلندا وال�سويد‪ ،‬نرى عد ًدا لا ح�صر‬ ‫له من �إجراءات التفاعل الممكنة‪ .‬و�سوف نو�ضح فيما يلي م�ؤ�شرات ن�شاطات المهمة الثالثة للجامعات‪.‬‬ ‫لا �شك في أ�ن لمهمة التعليم التي ت�ضطلع بها الجامعات ت�أثيرا عميقا في مجتمعاتها‪ .‬فالتفاعل بين‬ ‫الجامعات و�سوق العمل مهم بالن�سبة �إلى جودة المهمة التعليمية وت�أثيرها‪ .‬وتتم درا�سة احتياجات‬ ‫�سوق العمل بطرق مختلفة‪ ،‬و ُت�ستخدم في اتخاذ القرارات لا في إ�طار جودة الجامعات وح�سب‪ ،‬بل في‬ ‫متطلبات الاعتراف الخارجي‪ ،‬كما هي الحال في �ألمانيا و إ�يطاليا وهولندا‪ .‬فالطلاب الذين يدر�سون‬ ‫منهجا جيدا يحافظون على التوا�صل مع �سوق العمل من خلال فترة التدريب وو�سائل أ�خرى‪ .‬وربما‬ ‫كان دور الجامعات في خدمة �سوق العمل‪ ،‬كما هو بالفعل أ�حيانا‪ ،‬أ�حد عنا�صر المهمة الثالثة‪ ،‬لكن‬ ‫يجب أ�ن يفهم �أي�ضا على أ�نه جزء لا يتجز أ� من مهمة تعليمية فائقة التطور من الناحية النوعية‪.‬‬ ‫فالمهمة الأولى هي التعليم بهدف الح�صول على عمل‪.‬‬ ‫وتنعك�س العنا�صر ا ألو�ضح من �إحدى طرق فهم المهمة الثالثة للتعليم في الاعتقاد ب�أن على الجامعات‬ ‫�أن تخدم مجتمعاتها‪ ،‬من خلال ن�شاطات تنمي في الطلاب الح�س بالم�س ؤ�ولية تجاه ت أ�ثير �أعمالهم‬ ‫في هذه المجتمعات وفي الإن�سانية جمعاء‪ .‬ومن الخيارات المطروحة في هذا المجال مناق�شة كيفية‬ ‫�إ�شراك الطلاب في جميع ا ألق�سام العلمية في الن�شاطات المجتمعية كجزء من المنهج الدرا�سي‪ .‬ويبدو‬ ‫�أن منهج المعر�ض والم�ؤتمر الدولي للتعليم العالي – ‪2013‬م ي ؤ�كد هذا النوع من المهمة‪ .‬ونرى من‬ ‫جديد �أن من الممكن اعتبار ذلك العن�صر جز ًءا لا يتجز أ� من مهمة تعليمية فائقة التطور من الناحية‬ ‫النوعية‪.‬‬ ‫لدى مناق�شة المهمة التعليمية‪ ،‬ي�ستح�ضر بع�ضهم التعليم بهدف الح�صول على �شهادة جامعية‪ .‬لذا‬ ‫ربما كانت م�س�ؤولية تنظيم تعليم يدوم مدى الحياة جز ًءا من المهمة الثالثة‪ .‬ويبدو هذا طبيعيا في‬‫‪129‬‬

‫التحول إلى جامعة عالمية المستوى‪ :‬تجربة جامعة الملك عبد العزيز‬‫الجامعات والنظم الجامعية‪ ،‬حيث يجري التعليم الم�ستمر في معاهد منف�صلة‪ .‬ويتم التعامل مع هذه‬‫الم�س أ�لة في كثير من الا�ستراتيجيات الجامعية على �أنها جزء من الم�س�ؤولية الاجتماعية للجامعات‪.‬‬‫ومهما كان الأمر‪ ،‬فقد حظي التعليم الم�ستمر في مجتمع المعرفة ب أ�همية كبيرة على جدول أ�عمال‬ ‫العديد من البلدان وفي الاتحاد ا ألوروبي‪ ،‬ولا ي�سع الجامعات أ�ن تتجاهل هذا‪.‬‬‫أ�ما الأثر المجتمعي لمهمة البحوث العلمية فوا�ضح أ�ي�ضا‪ .‬والإب�داع هو المفهوم الذي يربط البحث‬‫العلمي بالمجتمع‪ .‬وكما ذكرنا �سابقا‪ ،‬ف إ�ني لن �أخو�ض في تحليل هذه الم�س�ألة أ�كثر على اعتبار �أنها‬ ‫محور ف�صل م�ستقل‪.‬‬‫وعلى اعتبار �أننا �أكدنا أ�همية تعزيز م�س ؤ�ولية الطلاب في ا إل�سهام في بناء مجتمع جيد ب�صفتها ركنا‬‫مهما من أ�ركان المهمة الثالثة‪ ،‬ف�إني لا أ��ستطيع �إغفال قدرة الطلاب على الإبداع في هذا ال�سياق‪ .‬فلو‬‫توفرت الظروف المواتية والبرامج المفيدة لن�شاطات الإبداع لدى الطلاب لا�ستطاعت أ�فكار الطلاب‬‫الجديدة المتحررة من التفكير التقليدي المتجذر أ�ن تثبت فائدتها للمجتمع‪ .‬إ�ن الم�شروعات ال�صغيرة‬ ‫التي يبد ؤ�ها الطلاب ون�شاطاتهم الإبداعية الأو�سع تقوم في الغالب على الالتزام القوي بالقيم‪.‬‬‫وب�صفة عامة‪ ،‬تتحمل الجامعات م�س�ؤولية اجتماعية تجاه البيئة الاجتماعية والاقت�صادية التي تعمل‬‫فيها‪ ،‬لا من خلال البحوث العلمية والتعليم وح�سب‪ ،‬بل بو�ساطة ن�شاطات أ�خرى أ�ي�ضا‪ .‬فالجامعات‪،‬‬‫من خلال �أدائها أ�دوارا ن�شطة‪ ،‬قادرة على تن�شئة مجتمعات م�ستدامة مت�ساوية وديمقراطية ومتقدمة‬ ‫اقت�صاديا وثقافيا‪.‬‬‫ومن الطرق التقليدية لخدمة المجتمع وتحقيق هذه الغايات الم�شاركة في الخطاب العام‪ .‬فامتداد‬‫الجامعات يتم من خلال الجامعات وباحثيها في و�سائل ا إلعلام التقليدية وعبر و�سائل التوا�صل‬‫الاجتماعي ب�صورة متزايدة‪ ،‬حيث تعاظمت �أهمية أ�ق�سام التوا�صل في الجامعة ومراكز الإعلام مع‬‫زيادة الاعتقاد ب أ�ن على الجامعات والباحثين �أن ي�شاطروا ا آلخرين معرفتهم في ميدان الخطاب‬ ‫العام‪.‬‬‫ويعد التوا�صل المبا�شر مع الجماهير من خلال المحا�ضرات العامة وحلقات البحث ج�ز ًءا من‬‫ا�ستراتيجية توا�صل فعال‪ .‬ومن الممكن دعم الاهتمامات الأكاديمية وت�شجيعها لدى ا ألطفال من‬‫خلال القيام بزيارات تثقيفية للمدار�س وا�ستقبال �صفوف مدر�سية في مباني الجامعة‪ .‬وللح�صول‬‫على نتائج طيبة‪ ،‬يمكن �أن يتم هذا بطريقة منظمة‪ .‬و أ�ذكر على �سبيل المثال مركز لوما (‪)LUMA‬‬ ‫‪130‬‬

‫التميز في خدمة المجتمع والإنسانية‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬توماس ڤيلهلمسون‬ ‫التابع لجامعة هل�سنكي الذي يعد مظلة للتعاون بين المدار�س والجامعة وقطاع ا ألعمال‪ .‬ويهدف‬ ‫هذا المركز �إلى ت�شجيع التعليم الم�ستمر ودرا�سة مقررات ‪( STEM‬العلوم والتقنية والهند�سة‬ ‫والريا�ضيات) وتدري�سها على جميع الم�ستويات» [‪.]6‬‬ ‫ُت�ستخدم المعرفة التي تنتجها الجامعات والخبرات الجامعية في عمليات �صنع القرار على ال�صعيدين‬ ‫العام والخا�ص‪ ،‬بالإ�ضافة إ�لى تقديمها �إلى عامة ال�شعب‪ .‬ف أ�هم ت أ�ثير للباحثين في كثير من البلدان‬ ‫يتم في واق�ع ا ألم�ر من خلال الم�شاركة في لجان الخ�رباء‪ ،‬وجل�سات الا�ستماع العامة‪ ،‬و�صياغة‬ ‫القرارات وعمليات �صنع القرار الأخرى‪ .‬وبو�سع الجامعات �أن ت�ضع قرارات ا�ستراتيجية ت ؤ�كد أ�ن‬ ‫مهمات مثل هذه هي إ��سهامات معينة للمهمة الثالثة‪ .‬فمثلا‪ ،‬نرى �أن الجامعة ا أل�سترالية الوطنية‬ ‫(‪ )Australian National University‬جعلت دعم ال�سيا�سة العامة في البلاد و�صياغتها و�سيلتها‬ ‫الرئي�سة للم�شاركة في خدمة المجتمع‪ ،‬كما �أ�س�ست معهدا لهذا الغر�ض [‪.]7‬‬ ‫وعلى اعتبار �أن الجامعات من المنظمات ا إلقليمية الم�ؤثرة أ�و ا أل�سا�سية ف إ�ن لم�س�ؤوليتها الاجتماعية‬ ‫جانبا إ�قليميا أ�ي�ضا تختلف طبيعته الن�سبية بح�سب موقع كل جامعة و�صفاتها‪ .‬فالم�س�ؤولية الإقليمية‬ ‫تت�ضمن مجموعة �أخرى من الم�ستفيدين يجب التفاعل معها‪ .‬وقد ت�ؤدي ال�سلطات المحلية ورجال‬ ‫الأعمال المحليين أ�دوا ًرا مهمة وربما كانوا �شركاء في تفاعلات الجامعة المجتمعية‪.‬‬ ‫ولكون الجامعات مثال ًا يحتذى به فقد تدعم‪ ،‬ومن خلال أ�دائها‪ ،‬القيم التي ت�سعى �إلى بثها في‬ ‫المجتمع‪ .‬فالجامعة التي تدعو النا�س لن�شر الوعي البيئي لن تقنع النا�س إ�ذا لم يكن هذا الوعي‬ ‫موجودا في ن�شاطاتها ب�صفتها �إحدى المنظمات‪ .‬فعلى �سبيل المثال‪ ،‬كانت خطوة طبيعية بالن�سبة‬ ‫�إلى جامعتي‪ ،‬وهي جامعة هل�سنكي‪� ،‬أن تن�ضم إ�لى برنامج المكتب ا ألخ�ضر ‪(WWF Green Office‬‬ ‫)‪ scheme‬و أ�ن توقع على م�س�ؤولياته‪ .‬أ�ما في الولايات المتحدة الأمريكية فقد برز الالتزام بالمناخ عام‬ ‫‪2006‬م الذي دعا �إليه ر ؤ��ساء المعاهد والجامعات ا ألمريكية ب�شكل وا�ضح في المناق�شات الخا�صة‬ ‫بالتعامل مع التغير المناخي [‪.]8‬‬ ‫تحقق الجامعات مهمتها الثالثة من خ�الل مجموعة معقدة من الن�شاطات المختلفة في المدى‬ ‫والم�ضمون‪ .‬ومن الممكن تقييم هذه الن�شاطات وجمعها بطرق مفيدة متعددة‪ .‬ولي�س ثمة أ�نموذج‬ ‫للطريقة المثلى لأداء المهمة الثالثة‪ ،‬فكل �شيء يعتمد على بيئة الجامعات المعنية وعلى بنية الجامعات‬ ‫ذاتها وعلومها‪ ،‬ناهيك عن قيمها‪.‬‬‫‪131‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook