Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore تونس والانتقال الاديمقراطي - ابو يعرب المرزوقي

تونس والانتقال الاديمقراطي - ابو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2019-11-06 12:37:54

Description: تونس والانتقال الاديمقراطي - ابو يعرب المرزوقي

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪re nils frahm‬‬ ‫تونس‬ ‫والانتقال الديمقراطي‬ ‫الأسماء والبيان‬





‫المحتويات ‪2‬‬ ‫‪ -‬تونس في خطر داهم‪ ،‬التفاؤل لن ينفع في حواسم اللحظات‪1 -‬‬ ‫‪ -‬تونس في خطر‪ ،‬وهم الانتقال السلس خداع ذاتي ‪4 -‬‬ ‫‪ -‬سفيان بن فرحات‪ ،‬هل هو يهجو السبسي؟ أم يمدحه؟‪9 -‬‬ ‫‪\" -‬البزناسة\"‪ ،‬محاولة في تصنيفهم بقيم النخاسة‪12 -‬‬ ‫‪ -‬انتخابات تونس أو عدم الوعي بقواعد اللعبة‪16 -‬‬ ‫‪ -‬الانتخابات الرئاسية‪ ،‬نتيجتها محسومة بحساب العقل السليم ‪21 -‬‬ ‫‪ -‬مرشح التوافق‪ ،‬مواصفاته وشروط القبول به‪24 -‬‬ ‫‪ -‬أمراء الحرب السياسية ودورهم الخبيث في الانتخابات الرئيسية‪31 -‬‬ ‫‪ -‬معارضة وازنة أفضل من مشاركة تابعة في الحكم‪37 -‬‬ ‫‪ -‬إشارات سريعة أو نصائح لوجه الله ‪43 -‬‬ ‫‪ -‬سيناريو خيالي قد يكون الوحيد الدال على رشد السياسة في تونس‪46 -‬‬ ‫‪ -‬سبر الآراء بين فن الشائعات وعلم الواقعات ‪51 -‬‬ ‫‪ -‬سبر الآراء وصناعة البالونات السياسية ‪60 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الأول ‪60 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثاني ‪63 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثالث ‪67 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الرابع ‪70 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الخامس ‪74 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل السادس ‪77 -‬‬ ‫‪ -‬لست يؤوسا لكن الوضعية ميؤوس منها ‪82 -‬‬ ‫‪ -‬في دلالات برنامج المرشح للرئاسة د‪.‬الزبيدي ‪87 -‬‬ ‫‪ -‬هوامش جوهرية على برنامج د‪.‬الزبيدي للرئاسية ‪90 -‬‬ ‫الفصل الأول ‪90‬‬ ‫الفصل الثاني ‪94‬‬ ‫‪ -‬الشاهد‪ ،‬هل بقي له ما يخاطب به الشعب؟ ‪97 -‬‬ ‫‪ -‬محاولة في توصيف \"نخبة\" تونس السياسية وما يحركها ‪101 -‬‬ ‫‪ -‬الرئاسيات علام يتنافس المرشحون؟ ‪105 -‬‬

‫‪ -‬الحمقى عندما يهددون أسيادهم ‪109 -‬‬ ‫‪ -‬ايدز السياسة‪ ،‬ذلك هو مرض تونس العضال‪113 -‬‬ ‫‪ -‬ما المزعج؟ ضعف الخطاب؟ أم سطحية التشخيص؟‪117 -‬‬ ‫‪ -‬تربيع الدائرة في علاج أدواء تونس المزمنة‪121 -‬‬ ‫‪ -‬القوى السياسية‪ ،‬تصنيفها بالمرجعيات؟ أم بالغايات؟‪130 -‬‬ ‫‪ -‬هل المهمة مستحيلة؟ حكم يحقق شرطي السيادة ويحفظهما‪136 -‬‬ ‫‪ -‬الشيخ مورو أو نهاية خرافتين‪143 -‬‬ ‫‪ -‬المناظرات‪ ،‬ما جليها الذي يلهي عن خفيها؟‪146 -‬‬ ‫‪ -‬العنتريات الثورية أفضل خدمة لإعادة نظام العبودية‪152 -‬‬ ‫‪ -‬تصنيف المعايير التي قُ ّوم بها المترشحون ودلالتها ‪154 -‬‬ ‫‪ -‬الأستاذ مورو خطأ استراتيجيته الانتخابية ‪158 -‬‬ ‫‪ -‬ثوار الاقوال‪ ،‬هم أعداء الثورة بالأفعال ‪162 -‬‬ ‫‪ -‬الثابت أن دعاة الثورة هم أعداؤها ‪166 -‬‬ ‫‪ -‬دين العجل‪ ،‬هل حصيلة الانتخابات صدفة؟ ‪169 -‬‬ ‫‪ -‬النهضة‪ ،‬أو \"سفينة نوح\" للربيع العربي ‪172 -‬‬ ‫‪ -‬الوسط‪ ،‬من يمثله في تونس؟ ‪175 -‬‬ ‫‪ -‬ثقافة الشعب‪ ،‬التبرؤ منها هل هو حمق؟ أم عمالة؟ ‪180 -‬‬ ‫‪ -‬المصالحة في راهننا‪ ،‬شروطها‪ ،‬بين الامكان والاستحالة ‪184 -‬‬ ‫‪ -‬كلام الزبيدي على الدبابات‪ ،‬هل هو تذكير بما فات‪ ،‬للتهديد بما هو آت؟ ‪189 -‬‬ ‫‪ -‬ثورة تونس‪ ،‬يدمرها بالأفعال دعاتها بالأقوال‪192 -‬‬ ‫‪ -‬ملاحظة سريعة‪ ،‬لابد من تداركها قبل الفوت ‪195 -‬‬ ‫‪ -‬ثورة الأقوال‪ ،‬القصور النظري والفوضى العملية‪196 -‬‬ ‫‪ -‬لا فخر‪ ،‬شبه رد على وقاحة الأميين‪202 -‬‬ ‫الفصل الاول ‪202‬‬ ‫الفصل الثاني ‪205‬‬ ‫‪ -‬معركة الكاريكاتورين غباوة التزهد وحماقة التفلسف‪207 -‬‬ ‫‪ -‬كشف الداء‪ ،‬قطعنا نصف الطريق ‪214 -‬‬ ‫‪ -‬موقفي من سع ّيد‪ ،‬وعلل توجسي من برنامجه ‪221 -‬‬ ‫‪ -‬انتخابات تونس مناسبة لإنهاء الثورة لا لاستئنافها‪226 -‬‬ ‫‪ -‬في السيستام‪ ،‬طبيعته ومنهج عمله ‪231 -‬‬

‫‪ -‬قلة الحيلة علامتها الارتجال التكتيكي ‪234 -‬‬ ‫‪ -‬عود على بدء بمنطق التعافي في القوى السياسية ‪238 -‬‬ ‫‪ -‬هوية القطيع‪ ،‬دلالتها متضايفة مع هوية الراعي‪243 -‬‬ ‫‪ -‬السياسي‪ ،‬كيف نقيمه في الحكم وفي المعارضة؟ ‪249 -‬‬ ‫المعيار الأول‪ :‬العلاقة بين قول المعارض وفعل الحاكم‪251 .‬‬ ‫المعيار الثاني‪ :‬العلاقة بين الغايات ووسائل تحقيقها ومناهجه‪252 .‬‬ ‫المعيار الثالث‪ :‬العلاقة بين الشرعية اصلا والشوكة أداة لها ‪253‬‬ ‫المعيار الرابع‪ :‬استراتيجية \"الحاذق والسفيه\" مع الأعداء‪255 .‬‬ ‫المعيار الخامس والأخير‪ :‬وهو أصل الأربعة السابقة ‪255‬‬ ‫‪ -‬الفاعلية السياسية والقدرة على تحديات ثورة الحرية والكرامة‪258 -‬‬ ‫‪\" -‬حزوهم\" راهم يتعاركوا على راسي‪262 -‬‬ ‫‪ -‬الخيار بين مافية الدينار ومافية الخوار ‪268 -‬‬ ‫‪ -‬مناظرة بين متعلمَ ْين للحجامة في رؤوس اليتامى ‪271 -‬‬ ‫أمن الوطن‪272 .‬‬ ‫الديبلوماسية‪274 .‬‬ ‫‪ -‬بعدا العجل‪ ،‬معدنه وخواره في انتخابات الرئاسة ‪277 -‬‬ ‫‪ -‬اللغز لم يبق لغزا ‪281 -‬‬ ‫‪ -‬تونس لن تكون العاصمة الخامسة ‪287 -‬‬ ‫‪ -‬سكارى الزبيبة أو التطفل في النظر والعمل ‪293 -‬‬ ‫‪ -‬ثورة الشباب‪ ،‬استئناف الأمة لدورها التاريخي ‪302 -‬‬ ‫‪ -‬أزمة النخب وشروط الاصلاح للاستئناف ‪308 -‬‬ ‫‪ -‬العنتريات ومحددات التفاوض وظروفه ‪316 -‬‬ ‫‪ -‬ليست نصائح لأحد‪ ،‬تساؤلات حول الأمانة السياسية ‪322 -‬‬ ‫‪ -‬ما هكذا تورد الابل إلى متى ستظل النهضة \"غفاصة\"؟ ‪326 -‬‬ ‫‪ -‬ثورة المتقاعدين‪ ،‬أو في الوصاية مصدر البلايا ‪329 -‬‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫لا يوجد بلد عربي واحد يمكن للمرء فيه أن يقول \"مات الملك يحيا الملك\"‪ .‬ما ينبغي أن‬ ‫يقال هو مات ملك مصنوع سابق فمن يا ترى سيكون الملك المصنوع الموالي؟ ومن الصانع؟‬ ‫هل القديم أو صانع جديد‪ .‬لست متفائلا بخلاف ما سمعته من أفواه بعض المعلقين في‬ ‫الجزيرة من نخبة تونس وساسييها مثل كلامهم على أن المسار الديموقراطية ليس مهددا‪.‬‬ ‫إنه مهدد حقا‪ .‬وتونس مهددة فعلا‪ .‬وذلك بصورة واضحة المعالم‪.‬‬ ‫فلننظر إلى خارطة القوى السياسية‪ .‬لم يبق فيها إلا قوتان يمكن أن تحسم احداهما‬ ‫المعركة لصالح مواصلة المسار الديموقراطي والثانية لصالح الثورة المضادة‪ .‬فتحقيق‬ ‫التوازن المطلوب ليس من جنس ما حاوله السبسي في انتخابات ‪ 14‬لأن هذا لم يبق ضروريا‬ ‫للصف الذي كان يمثله السبسي بل من يحتاج إليه هو صف الثورة‪ .‬إنه الآن ضرورة لمن‬ ‫كانوا القوة الأولى لما قام السبسي بما قام به‪ .‬لكنهم الآن مهددون بألا يبقوا قوة لا أولى‬ ‫ولا ثانية ولا حتى ثالثة‪ .‬وقد تفقد الثورة السلطات الثلاث‪ :‬الرئاسة والمجلس والقصبة‪.‬‬ ‫فيمكن القول إن كل من كانوا يسعون لما لم يحققه السبسي جاءتهم الفرصة لتحقيق ما‬ ‫لاموه على عدم تحقيقه وتفضيله العمل بحكم الصندوق‪ .‬فسعوا إلى الانفصال عنه‬ ‫واستطاع بوزنه وحنكته الصمود إلى أن جاء أجله‪ .‬اليوم يمكنهم تحقيق أحلامهم إذا واصل‬ ‫صف الثورة النوم وما أراه إلا نائما إن صدقت ما سمعته من تفاؤل ساذج‪.‬‬ ‫اعتقد وآمل أن أكون مخطئا‪ .‬فنواة الجبهة الجديدة أعلنت عن نفسها حتى قبل وفاة‬ ‫المرحوم‪ .‬إنها الاتحاد‪ .‬فبعد السبسي يمكن للاتحاد أن يصبح نواة هذا الحلف التابع للثورة‬ ‫المضادة ولكن باسم الثورة مواصلة للخداع فيجمع من حوله كل الذين يعتبرون الفرصة قد‬ ‫جاءت لتحقيق ما لاموا المرحوم السبسي على عدم تحقيقه‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪1‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫سيكون هذا الحلف جبهة النكوص دون كل مطالب الثورة خاصة والإقليم وحتى القوى‬ ‫الأجنبية لن يخذلوهم وقد يدفعونهم دفعا لتحقيق ذلك مع مواصلة استعمال ريتوريك‬ ‫الثورة لتنويم الشعب‪ .‬ودون إطالة فإذا لم تتفق جبهة الثورة أيا كانت حساسيتها السياسية‬ ‫حول نواة صلبة عليهم أن يحددوها فلن يبقى لهم أدنى حظ في التصدي للثورة المضادة‪.‬‬ ‫وأكاد أجزم أنـي لم أنتظر هذه اللحظة بل توقعتها ودعوت للاستعداد ولكن بالتعليقات‬ ‫المرة حول الوضع في تونس عامة وفي مواقف حركة النهضة وتفتت صف الأحزاب التي تسمي‬ ‫نفسها ديموقراطية أو حراكية إلخ‪ ...‬من الأسماء الرنانة‪.‬‬ ‫فنحن الآن أمام لحظة بمعيار الخيارات الكبرى‪ .‬وهي تبدو بصدد الحسم بصورة مماثلة‬ ‫لثلاث لحظات سابقة عاشتها تونس‪:‬‬ ‫• لحظة الحسم بين بورقيبة والثعالبي‪.‬‬ ‫• ولحظة الحمس بين بورقيبة وابن يوسف‪.‬‬ ‫• ولحظة الحسم بين بلاط بورقيبة ومزالي‪.‬‬ ‫اللحظة الحالية مماثلها لها ثلاثتها في ما أتوقعه من الحسم‪ .‬فـمن سيعوض السبسي‬ ‫بمساندة الاتحاد هو الذي سيربح المعركة خاصة إذا تمكن من لحم الشقوق واستعادة وحدة‬ ‫النداء‪ .‬ومن صدف التاريخ وجود جسر الوصل بين الاتحاد والنظام القديم بمرحلتيه‪:‬‬ ‫الرئيس الذي يخلف السبسي في المرحلة الانتقالية‪.‬‬ ‫فتكون اللحظة الرابعة الحالية من نفس الطبيعة‪ :‬قوى النظام القديم بحلف مع الاتحاد‬ ‫تفوت على تونس آخر خياراتـها الكبرى أعني المسار الديموقراطي‪ .‬ولكن هذه المرة ليس‬ ‫بوصف الاتحاد رديفا للحزب بل العكس إذ هو سيكون القوة للثورة المضادة في تونس بذاته‬ ‫وبمن فيه من اليسار والقوميين والتجمعيين‪.‬‬ ‫وإذن فإذا بقيت القوى السياسية التي تؤمن حقا بأهداف الثورة وبأصل كل هذه‬ ‫الأهداف أعني الديموقراطية فالمطلوب منها أن تسارع لتنظم صفوفها على الأقل لتحول‬ ‫دون فقدان الثورة السلط الثلاث في آن‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪2‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫فالمعركة بينة المعالم ومن لا يراها ليس فاقدا للبصيرة فسحب بل هو فاقد حتى للبصر‪.‬‬ ‫وحينها فلنقرأ على المسار الديموقراطي السلام‪ .‬وما أتوقعه هو حلف جديد بين رئيس‬ ‫الحكومة وكل شقوق النداء مع الجبهة حول الاتحاد قلب الرحى وذلك بالتوافق مع الثورة‬ ‫المضادة والقوى الأجنبية لإعادة النظر في كل ما حصل منذ بداية الثورة‪.‬‬ ‫ويخطئ من يتصور أن المستهدف هو النهضة وحدها‪ .‬فكل قوى الثورة من جميع التيارات‬ ‫مستهدفة خاصة وتشتتها يفقدها الوزن‪ .‬وكما يعلم الكثير فإني كنت أحلم بل ودعوت إلى‬ ‫الصلح بين البورقيبية والثعالبية فلم أسمع‪ .‬ودعوت إلى البحث في طرق توحيد الحركات‬ ‫ذات الميول الاجتماعية الديموقراطية مع الحركة الإسلامية التي لم تكن مستهدفة بسبب‬ ‫سياسي بل لعلة عقدية ونمط اجتماعي يراد فرضه سواء بالدخيل أو بالأصيل‪.‬‬ ‫لكنـي أعتقد أن الفرصة قد وآمل أن يكون الخطر الداهم والبين على الديموقراطية‬ ‫كافيا للتدارك على الأقل بصفة محدودة للخروج من مرحلة الخطر ثم فليعودوا إلى صدام‬ ‫الحضارات الداخلي الذي هو من الحماقات التي لا تليق بنخب تدعي الديموقراطية‬ ‫والحريات الفردية وحقوق الإنسان‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪3‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫كتبت أمس على ما أتوقعه وأخشاه على تونس‪.‬‬ ‫وبالتدقيق على تواصل المسار الديموقراطي بالأفعال وليس بالأقوال‪ .‬فكل قطيعة معه‬ ‫ستستعمل الريتوريك المعبرة عنه‪ .‬لكنها لن تبقي منه شيئا‪ .‬وما أريد قوله الآن هو‬ ‫التصدي لما توقعته هو المطلوب لأني شبه متأكد من أنه سيحصل وخاصة إذا واصل‬ ‫التونسيون الكذب على أنفسهم فيعتبروا تونس استثناء في الاقليم‪.‬‬ ‫وكثرة الكلام على النقلة الهادئة والسلسة في انتقال الحكم سنة ‪ 14‬والآن يقابلهما نقلتان‬ ‫كانتا داميتين‪:‬‬ ‫‪ .1‬النقلة الأولى من خلال الصراع بين البورقيبية واليوسفية‪.‬‬ ‫‪ .2‬والنقلة الثانية هي الثورة سنة ‪.2011-2010‬‬ ‫ومن ثم فما حدث هذه المرة لعله كان جنيس ‪ 87‬بنحو ما ربما بعملية ما زلنا نجهل مجرياتها‪.‬‬ ‫فنحن إلى الآن لا نعلم ما الذي جرى منذ وعكة الرئيس رحمه إلى وفاته‪ .‬والسكوت عما‬ ‫جرى وعدم الاهتمام به يبدو لي مدعاة للحيرة خاصة والرهان كان معلوما والمنتظر من‬ ‫دور الرئيس كان مصيريا للكثير من المتنافسين‪.‬‬ ‫ما أخشاه هو أن يكون ما يفاخر به التونسيون اليوم بسذاجة كذب على الذات لأنه لا‬ ‫يتماشى مع كل الصراعات التي تعرفها الساحة منذ هروب ابن علي‪ .‬والارجح أن ما يبدو‬ ‫عاديا حاليا هو كذب تونسي عن النفس ولا يعبر عن حقيقة الوضع‪.‬‬ ‫ولعله الهدوء الذي يسبق العاصفة‪ .‬ولا أريد أن أبالغ في التشاؤم لكني لست واثقا أن‬ ‫الأمور تجري كما يحالون أيهامنا‪ .‬فالرهان معلوم‪ .‬فهو محلي وجهوي واقليمي ودولي‪ .‬وليس‬ ‫لأن لتونس دورا يفوق حجمها الفعلي بل لأن الأمر يتعلق بقضية تتجاوز تونس وهي قضية‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪4‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫شملت المحل والجهة (المغرب) والاقليم (الشرق الإسلامي) والعالم كما يتبين في الحروب‬ ‫الجارية من حولنا وخاصة في سوريا واليمن وحتى في العراق وإيران والسودان‪.‬‬ ‫وسأبدأ بالبداية الواجبة‪ :‬المحلي‪ .‬من يمكن أن يصدق أن الذين عادوا السبسي وخرجوا‬ ‫عن حزبه لأنه عمل بمنطق الصندوق وقبل التوافق مع النهضة لن ينتهزوا الفرصة للوصول‬ ‫إلى ما اعتبروا السبسي قد كان عائقا دونه؟ يعسر أن يكونوا غافلين عن الفرصة السانحة‬ ‫ويعسر أن يبرئهم الإنسان من انتظارها إن لم يكون قد أسهموا في توفيرها‪.‬‬ ‫ولذلك افترضت أن الشقوق ستلتئم وأن الجبهة التي قادها السبسي قد تكون فاقدة حاليا‬ ‫لشخصية وازنة مثله‪ .‬لكن الاتحاد منظومة وازنة وتستطيع أداء هذا الدور ولن يتورع عن‬ ‫لعبه‪ .‬وذلك أمر كثير الاحتمال إذا ما قرأنا مراحل تاريخ تونس التي أشرت إليها في‬ ‫محاولة الأمس بذكر التجارب الثلاث السابقة التي حسمت بسند الاتحاد‪.‬‬ ‫ويبدو لي أن القوى التي يمكن اعتبارها فعلا مع الثورة وتعمل على تحقيق الانتقال‬ ‫الديموقراطي ليست مستعدة للتكيف مع تغير قواعد اللعبة بعد ذهاب السبسي‪ .‬وقد ألام‬ ‫على عدم كلامي على الاحتمالات التي مثلت موضوع الهرج والمرج حول تعديل قانون‬ ‫الانتخابات‪ .‬والعلة أني اعتبر أن رافضيها الفرصة تغنيهم عن ذلك‪ .‬فإذا حصل ما أتوقعه‬ ‫من جبهة بقيادة الاتحاد والجبهة والتجمعيين فإن معارضي التعديل سينضموا إلى الجبهة‪.‬‬ ‫ولن ينشغلوا بدخول المعركة كما كانون ينوون بوصفهم بديلا من الشقوق والجبهة التي‬ ‫يمكن أن يكون لبها الاتحاد للتصدي لما يسمونه الحلف بين النهضة ورئيس الحكومة الذي هو‬ ‫بدروه سيكون له دور في الجبهة بسبب وجوده في الحكم‪.‬‬ ‫قد يتوهم الكثير أني أقول هذا خوفا على النهضة‪ .‬وهذا من سذاجة المحللين لأني لا‬ ‫علاقة لي بها لا قبل ولا بعد ولا خلال مشاركتي معهم على هامش الحكم علما وأنهم هم‬ ‫بدورهم كانوا على هامشه حتى وإن أراد خصومهم تحميلهم “بيلان” الستين سنة الماضية‪.‬‬ ‫ذلك أنـي لا أعتقد أن النهضة مستهدفة بمنطق المقابلة بين الحداثي والظلامي التي يلح‬ ‫عليها الإعلام الأجير أو بـمنطق نموذج المجتمع كما يزعمون بل هو بمنطق يتحدد في الإقليم‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪5‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫كله وأساسه الاستجابة لما يجعل اصحاب الجبهة يستفيدون من إرضاء من يسندهم من قوى‬ ‫الثورة المضادة في الاقليم والعالم تمويلا وإعلاما وحتى بالمخابرات التي تصول وتجول في‬ ‫البلاد طولا وعرضا‪.‬‬ ‫والمعلوم أن هؤلاء لا يعادون النهضة لأنها نهضة أو لأنها إسلامية أو لأنها تنوي تغيير‬ ‫نمط المجتمع وإلا لكان موقفهم منها قبل الثورة مثله بعدها إذ إن جل قياداتها كانت تعيش‬ ‫بين ضهرانيهم‪ .‬هم يعادونها لأنهم يعتبرونها القوة الوازنة في صف الثورة على الأقل‬ ‫بالمعنى الذي أرادوا إشاعته بوصفها ليست ثورة بل مؤامرة عالمية اخوانية وليس حركة‬ ‫شعبية لها أصل دافع حقيقي وضع الشعوب السياسي والاجتماعي والثقافي‪.‬‬ ‫فإذا كانت القوى الأخرى التي تدعي الديموقراطية والتي تقدم نفسها هي بدورها بديلا‬ ‫من حلف النهضة ورئيس الحكومة لا تصدق الخرافة القائلة إن الثورة مؤامرة دولية‬ ‫اخوانية ويؤمنون بأنها ثورة شعبية حقيقية فمن المفروض أن تتحير على الأقل لمجرد ما‬ ‫أصفه ليس مستبعدا‪ .‬فالبديل الثاني الذي سيضرب الثورة وليس النهضة وحدها‪.‬‬ ‫فإذا بقوا يعملون بنفس قواعد اللعبة التي كانت موجودة قبل وفاة الرئيس وأهملوا التغير‬ ‫الجذري في الساحة بمعنى امكانية حصول الفرضية التي اعتبرها شديدة الاحتمال أعني‬ ‫جبهة جديدة من جنس جبهة الرز بالبندق لتحقق أهداف الثورة المضادة التي في الإقليم‬ ‫والتي تسندها في العالم فهم إذن سيسهمون في ضرب الانتقال وإن بغير قصد‪.‬‬ ‫أمر الأن إلى عامل الجهة أو نصف الإقليم أعني المغرب العربي‪ .‬فأولا كلنا يعلم أن تونس‬ ‫توجد بين بلدين أحدهما دخل في حرب أهلية والثاني لم يستقر وضعه بعد وسبق أن عاش‬ ‫حربا أهلية‪ .‬وعلة الحرب الأهلية ذات صلة بالثورة المضادة وعدم استقرار الوضع‬ ‫الجزائري كذلك ومن ثم فكل شيء يكاد ينطق بأن الداخل سيجد تأييدا كبيرا في الجهة‪.‬‬ ‫فليبيا تبحث عن الاستقرار ولو بالصلح مع حفتر‪ .‬وفرنسا تتدخل فيها‪ .‬والثورة المضادة‬ ‫المصرية والخليجية كذلك‪ .‬وهم طبعا يستدفون تونس والجزائر التي تسعى للخروج من‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪6‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫أزمتها وتتمنى ألا تبقى تونس في وضع هش وتتمنى قياداتها أن تتجنب ما تطلبه النخبة‬ ‫التي تعتبر الثورة مؤامرة استعمارية واخوانية‪.‬‬ ‫وإذا كانت ليبيا والجزائر تبحثان عن الاستقرار وليس لهما مشكل وجود النظام السياسي‬ ‫الوراثي كما في الثورة المضادة الاقليمي في المشرق الإسلامي فإن الإقليم يضيف إلى العاملين‬ ‫الجهوي والمحلي عاملا ثالثا للعمل كل ما يستطيعون لإخراج تونس عن مسارها‬ ‫الديموقراطي بكل الوسائل وخاصة بالمال والإعلام والاستعلام‪.‬‬ ‫ولهذه العلة اعتبرت أن من كانوا يخافون من تعديل القانون الانتخابي لم يعد يعنيهم‬ ‫حتى لو نشر واستعمل‪ .‬ذلك أن تكوين الجبهة التي وصفت بقيادة الاتحاد يغنيهم عن‬ ‫الدخول المباشر في المعركة بديلا ثالثا كما كانوا ينوون قبل وفاة السبسي ولن تمانع هذه‬ ‫الجبة بإعطائهم سهما من الغنيمة‪ .‬فيكون جميعا معا لتحقيق البديل الجامع والخامس إذا‬ ‫ظل من ينتسبون إلى صف الثورة بالتشتت الحالي‪.‬‬ ‫وحتى لو استفاقوا وتوحدوا فإنهم لن يستطيعوا الحصول على الأغلبية‪ .‬ومن ثم‬ ‫فسيخسرون على الأقل اثنتين من السلطات‪ .‬ولن يبقى لهم إلا ما يشبه الثلث المعطل في‬ ‫المجلس لأن الأغلبية في هذه الحالة مستحيلة‪ .‬ذلك أن مجموعهم حتى لو حافظت النهضة‬ ‫على قوتها السابقة ‪-‬وهو ما لا أتوقعه بل علي أتوقع الأسواء‪-‬لن تكون كافية للحصول على‬ ‫غالبية المجلس أو الرئاسة أو القصبة‪.‬‬ ‫سيقال لي‪ :‬إذن ما الفائدة من كل هذا الكلام؟ إذا كانت المعركة مخسورة سواء اتحدوا أو‬ ‫لم يتحدوا فما منفعة ما تدعو إليه؟ المنفعة كبيرة وكبيرة جدا‪ .‬ذلك أن الجبهة المتوقعة‬ ‫بقيادة الاتحاد لما تحصل على الأغلبية لا تجهل أن الجيش الوطني والأمن لن يسمح لها‬ ‫بالانقلاب الواضح على الدستور‪ .‬لذلك فستحاول المناورة لتغييره بأحد الشكلين الممكنين‬ ‫دستوريا‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪7‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫فإذا لم تستطع تغييره بالأغلبية الدستورية للتحوير أي بشروط التغيير التي يقرها‬ ‫الدستور فستلجأ إلى الاستفتاء‪ .‬وإذا بقيت القوى السياسية المؤمنة بالديموقراطية وبقيم‬ ‫الثورة مفتتة وتتناحر في ما بينها فإنـهم سيجعلون المعركة وكأنها ضد مؤامرة استعمارية‬ ‫اخوانية فيربحون الرهان في الحالتين‪.‬‬ ‫فالتفتت في الانتخابات سيجعل المعارضة شديدة الضعف وقد يمر التعديل في المجلس وإذا‬ ‫منعته في المجلس فلن تستطيع منعه في الاستفتاء لأنها لن تكون لها القوة الكافية لربحه إذ‬ ‫هو سيكون عاكسا للرئاسيات والنيابيات‪ .‬وبعدها يقع التخلي عن كل ما جاءت به الثورة‪.‬‬ ‫فيحصل ما تطلبه الثورة المضادة في الداخل وفي الجهة وفي الإقليم وفي العالم الذي يريد‬ ‫أنهاء اللعبة لأجل محمياته‪.‬‬ ‫وسأكتفي بهذا في ما يخص المستوى الأخير أي المستوى العالمي‪ .‬فلا حاجة للإطالة فيه إذ‬ ‫يكفي أن نرى دور فرنسا في ليبيا وما تحاوله في الجزائر وما نراه بأم العين في تونس وما‬ ‫نراه في مصر وفي الخليج وفي السودان إلخ‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪8‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫قرأت اليوم بالصدفة مقالا لسفيان بن فرحات ‪-‬الذي اعتبره من أعمق صحافيينا ثقافة‪-‬‬ ‫مقالة في حذق السبسي لفن الانتقام يبدو في ظاهره مدح للرجل وهو في الحقيقة هجاء لا‬ ‫مثيل له في لحظات حياته السياسية والعضوية التي لا تبعد كثيرا عن غايتها‪ .‬فعجبت‬ ‫وتساءلت هل كان ذلك بقصد أم سهوا؟‬ ‫فرهان الفلورنسيين إذا تجاوزنا حذق المناورة السياسة وعيرناه بأمير ماكيافال أستاذ‬ ‫امرائها علمنا أنه يتعلق بأمرين يخلو منهما فكر السبسي تماما في مناوراته‪ .‬فشتان‪:‬‬ ‫‪ .1‬بين اسرة الميديسيس التي تريد توحيد إيطاليا ويرشحها ماكيافال لاستعادة الجمهورية‬ ‫الرومانية‪.‬‬ ‫‪ .2‬وبين قزم همه مطالب أسرة لا علاقة لها بأي هدف سياسي سام لا لتونس ولا لغيرها‪.‬‬ ‫وجه الشبه في المناورة من دون ما لأجله يناور ا لسياسي يعني الاهتمام ب َصغار عوامل‬ ‫التاريخ الصغير وليس بما ورائه من جليل الأمور‪ .‬ففي الرذائل جل البشر متشابهون إذ‬ ‫كما يقول هيجل فخادم الغرفة لا يفهم معنى البطولة لأنه يرى العادي من حياة البطل ولا‬ ‫يرى ما وراء هذا العادي من لا عادي‪ :‬اهداف التاريخ الكبير لا وجود لها في مناورات‬ ‫السبسي لأن الانتقال هو لشخصه وليس من أجل قضية تتعلق بما يعظم في عين العظام‪.‬‬ ‫ويتأكد ذلك لما نمر إلى القياس على \"عيافة\" الجنرال دوجول لسلوك من كان \"يتصورهم‬ ‫أبطالا مثله\" لأنهم شاركوه في اخراج فرنسا من الهزيمة ومن منطق فيشي‪ .‬فهنا أيضا يمكن‬ ‫ان نجد وجه شبه بين الإنساني الأدنى في الشعور بالعيافة عند الرجلين‪ .‬لكن لا وجود لشبه‬ ‫بين عيفوا ولا من عافوا ولا ما لأجله حصل الشعور المستبشع للسلوك من الكبار للصغار‬ ‫بمنطق المجد التاريخي للرجال التاريخيين‪ .‬فعلاقة قزم بأقزام لا تقبل المقارنة بعلاقة بطل‬ ‫بأبطال‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪9‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫وأصل إلى بيت القصيد‪ :‬هل كان سفيان واعيا بأنه يهجو إذ يبدو مادحا وأنه في المقابل‬ ‫يمدح خصوم السبسي إذ يبدو هاجيا في مسألة الانتقام؟‬ ‫هل يعلم السبسي أنه يستجيب لأحوال نفسه المريضة ويعرض تونس إلى أخطار قد تفوق‬ ‫ما عرضتها إليه نهاية بورقيبة المريضة وحتى نهاية ابن علي الدرامية؟‬ ‫فموقف الجنرال دو جول من الجيش الفرنسي في الجزائر لم يكن بسبب ما يعاني منه‬ ‫شعور إزاء خصومه بل لأنه قدر أن الجزائر لو صارت فرنسية لكانت فرنسا هي التي ستصبح‬ ‫جزائرية بدليل قوله‪ :‬هل تريدون مدينتي التي تسمي صاحبة الكنيستين أن تصبح صاحبة‬ ‫المسجدين؟‬ ‫لم يكن ما فعله دوجول رد فعل بـ\"حال نفس\" بل كان فعلا استراتيجيا يحافظ على هوية‬ ‫فرنسا وعظمتها وليس رد فعل ينتقم ممن لم يريدوا أن يجعلوا فرنسا لعبة لابنه واسرته‬ ‫مثل السبسي‪ .‬ذلك ما لم يقله سفيان وما أظنه يجهله‪ .‬ونأتي إذن إلى مشكل هذا المقال‬ ‫الذي كتبه سفيان بلغة تستمد مجدها من عظام أهلها وإلا لما استعملها سفيان وهو يجيد‬ ‫العربية‪ :‬التاريخ الصغير الذي ينسينا التاريخ الكبير هجاء وليس مدحا‪ .‬ولست بحاجة‬ ‫للتذكير ببيتي المتنبي حول قدر العزم‪.‬‬ ‫وقد اكتفيت بالكلام على الرهانات الدنيوية لأني لا اعتقد أنه يحق لي أن افترض‬ ‫مشاركة الأخ سفيان لي في الاعتقاد بأن للدنيا ما وراء‪ .‬لكن ثقافتنا توجب دائما أن نتصور‬ ‫أن الإنسان في سن السبسي مهما كانت عقيدته يفكر في المجدين الآخرين‪:‬‬ ‫‪ .1‬السمعة الطيبة بعد الوفاة في الدنيا‪.‬‬ ‫‪ .2‬وربما تجنب غرق شعبه في الفوضى إذا آمن بملاقاة ربه‪.‬‬ ‫وأخيرا وبصرف النظر عن موقف سفيان وقصده فإني أفهم أنه يفهم ضرورة ألا يصبح‬ ‫التشابه السطحي مدعاة للخلط بين وجوه الشبة بين أحوال النفوس في ما هو \"إنساني بلا‬ ‫حد في الضعف الدنايا\" بالمعنى النيتشوي الذي قد تشترك في كل أحوال النفوس إذا‬ ‫أخذناها معيارا لعظائم الأمور‪ .‬وبين أنه ليس في سلوك السبسي شيء منها إطلاقا فهو قزم‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪10‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫عضويا وروحيا نأمل أن ينجي الله تونس من أفاعليه وخاصة من اعتماده على المافية الثانية‬ ‫في البلاد أعني الاتحاد الذي هو أفسد من مافية ابن علي وشريكها في مآل تونس الحالية‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪11‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫\"‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫كتبت سابقا محاولة في تصنيف النخب معتمدا ما ينسبه المتكلمون من صفات ذاتية للذات‬ ‫الإلهية أعني الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود وللإنسان منها نصيب‪.‬وكان‬ ‫التصنيف بمبدأين‪ :‬كل إنسان له شيء من هذه الصفات مع غلبة واحدة منها عليه‪ .‬فتكون‬ ‫الحصلية خمسة أنواع من النخب‪ .‬ثم نسبت إليهم تميزا بحسب الصفة الغالبة عليهم‪.‬‬ ‫فاعتبرت من تغلب عليهم صفة الإرادة ذوي ميل إلى السياسة ومن تغلب عليهم صفة العلم‬ ‫ذوي ميل إلى المعرفة ومن تغلب عليهم صفة القدرة ذوي ميل إلى الإبداع الاقتصادي‬ ‫والثقافي ومن تغلب عليهم صفة الحياة ذوي ميل إلى الإبداع الذوقي والجمالي ومن تغلب‬ ‫عليهم صفة الوجود ذوي ميل إلى الرؤى الدينية والفلسفية‪.‬‬ ‫ثم استنتجت من ذلك أن هذه النخب إذا كانت بحق مسماها مطابقا لاسمها فإنها تكون نخبا‬ ‫حقيقية وبفضلها تتكون الأمم العظائم‪ .‬لكن الأمم التي لا يكون لنخبها من ذلك إلا الاسم‬ ‫فهي أمم الصغائر‪.‬‬ ‫واليوم خلال انتظاري ابني الأصغر في احدى مقاهي تونس‪-‬العاصمة‪-‬سمعت أشياء‬ ‫جعلتني أفكر في تصنيف هذا النوع الثاني‪.‬‬ ‫وما حصل كان فعلا مفاجأة لي‪.‬‬ ‫لم أكن محتاجا إلا لمعرفة طبيعة التمثيل لهذه النخب بهذه بأضداد هذه الصفات عند‬ ‫ترجمتها بطبيعة الميول الزائفة التي لا يطابق اسمها مسماها والتي تعوض الميول التي‬ ‫يطابق اسمها مسماها بمعنى أن كل نوع من النخب في كل المجتمعات له وجود فعلي وله نسخة‬ ‫منحطة تمثل بالصغائر ظاهر الوجود‪.‬‬ ‫وكنت قد بينت أن القدرة من حيث هي فاعلية هي خلق وإبداع سواء كانت اقتصادية أو‬ ‫ثقافية ولها كيانيا وتقنيا صفتان تتقدمان عليها هما الميل إلى العلم والميل إلى الإرادة‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪12‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫\"‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫وصفتان خلقيتان تتلوانها هما ذوق الحياة وجلال الوجود‪ .‬فكان يكفي أن أبحث عن النخب‬ ‫التي تمثل ظاهر هذه القيم الخمس لأنها ضديدة لحقيقة هذه النخب‪.‬‬ ‫وسأكتفي باقتراح نماذج هذه الشبائه كما استقرأتها مما سمعته من كلام خلال هذا‬ ‫الانتظار الذي دام ما يقرب من ساعتين لم أجد مفرا من البقاء خلاله في المقهى هربا من‬ ‫حرارة المناخ وانشدادا لما كنت أسمع أطرافه من أحاديث كانت مناسبة التفكير في الأمر من‬ ‫خلال نموذج تونسي لا يخلو منه بلد عربي‪.‬‬ ‫ولست أستبعد كونية هذه النسخ المسائخ التي تكثر في بلاد العرب التي تدعي الحداثة‬ ‫والتقدم ولعلها توجد في كل بلد فيه الشروط التي تجعل مثل هذه الظاهرة تسود الحياة‬ ‫الجماعية‪ .‬فشبائه هذه الأنواع الخمسة تتميز بكون تمثيلها لما تشوهه بمحاولة تمرير ظاهر‬ ‫منه على أنه هو ليس إلا ظن الأقوال كافية لتعويض الافعال‪.‬‬ ‫فيكون من إرادته لا تتجاوز القول ذا ميل لزائف السياسي دون فعل ومن كان علمه لا‬ ‫يتجاوز ا لقول ذا ميل لزائف المعرفة ومن كانت قدرته لا تتجاوز القول ذا ميل لوهمي‬ ‫لإبداع الاقتصادي والثقافي ومن كانت حياته لا تتجاوز الاقوال ذا ميل لزائف الذوق‬ ‫وأخيرا فمن وجوده يقتصر على الاقوال دون أفعال يصدق على الجلال عنده قول المتنبي‬ ‫\"وتعظم في عين الصغير الصغائر\"‪ .‬ويكفي ان بماذا يتفاخر العرب في ما بينهم وبماذا‬ ‫يتنابزون في اعلامهم‪.‬‬ ‫ويمكن الآن تعيين النخب التي تمثل النظائر المسيخة من الأصول الصريحة (من الصراح‬ ‫وليس من الصراحة)‪ .‬وهو القصد بالبزناسة وتصنفيهم بقيم النخاسة‪.‬‬ ‫‪ .1‬فأصحاب القدرة التي هي القلب والفعلي منها هم أصحاب الإبداع الاقتصادي والثقافي‬ ‫الذي يولي أهمية كبرى للسياحة التي هي اقتصاد زائف وثقافة زائفة لا تحرر أصحابها بل‬ ‫هي تحول الجماعة إلى تجار صناعات بدائية وجنس‪.‬‬ ‫‪ .2‬وطبعا فشرطها ليس المعرفة والسياسة الفعليتان كما في القدرة الفعلية بل العلم الزائف‬ ‫وارادة \"العنتريات\"‪ .‬وما أظن أحدا يشك في أن ذلك هو الغالب على ثقافة البلاد التي‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪13‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫\"‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫القدرة فيها هي السياحة التي هي هذا المسخ من القدرة المحررة لأنها بالتدريج تحول نخب‬ ‫البلاد إلى بزناسة في الخردة والجنس بإيديولوجيا تسمي ذلك حداثة وتقدما‪.‬‬ ‫‪ .3‬وذلك هو شرطها التقني بمعنى أنك في غنى عن علم معرفة حقيقين وفي غنى إرادة‬ ‫وسياسية حقيقيتين لأن القدرة التي تنتج عنهما هي بيع الهواء والكلام حول الخردة‬ ‫والجنس وجعل الجماعة خدما للسواح بوصف ذلك من علامات الحداثة والتقدم خاصة إذا‬ ‫صار جل الشباب \"بزناس\" في خدمة \"الضيوف\" ومحاكيا لعاداتهم‪.‬‬ ‫‪ .4‬ونأتي الآن إلى الشروط الخلقي‪ :‬لن تحتاج هذه القدرة بهذا العلم والمعرفة وبهذه‬ ‫الإرادة والسياسة لذوق حقيقي ولوجود جليل بل سيكون الذوق محددا سلفا لأنه الذوق‬ ‫الذي يتحول إلى دعاية للخردة والجنس مادة السياحة ويسمونه فنونا والوجود الجليل‬ ‫يتحول إلى وجود ذليل مناه الاقصى إرضاء السائح الحريف‪.‬‬ ‫‪ .5‬رأينا النسخ المسيخة من أصحاب القدرة ومن أصحاب العلم ومن أصحاب الإرادة أي‬ ‫أصحاب السياحة واصحاب العلم الزائف أو المثقفون والمثقفات والسياسيون والسياسيات‪.‬‬ ‫فمن يا ترى يكون النوعين الآخرين؟‬ ‫نهم الفنانون والفنانات وأداتا الجميع وهما صنفان في شكلين يدعيان تمثيل الجماعة‬ ‫ضميرا سياسا وحقوقيا‪.‬‬ ‫وبهما أختم تصنيفي‪ .‬فقسمهم الأول‪-‬وقد قيمه نيتشة قبلي‪-‬هو الإعلاميون والنوع‬ ‫الثاني أيضا قيمه نيتشه ولكن بسندهم الرؤيوي أعني حقوقيات الديموقراطية المستوردة‬ ‫والمفرض شكلها الموزي وأقصد \"بزناسة\" ما يسمى بالمجتمع المدني الذي تموله مخابرات‬ ‫الأسياد لما وصفت وضعهم اي من لم يبقوا عباد الله بل صاروا عبيد العباد‪..‬‬ ‫آمل أن يكون وصفي مطابقا لظاهرة هي من أعراض المرض الذي تعاني منه الأمم التابعة‬ ‫وفاقدة السيادة وليست من علله‪ .‬فعلله هي ما يجعل مثل هذا الظاهرات تطغى على‬ ‫مجتمعاتنا فيصبح كل شيء اسماء بلا مسميات فتشعر وكأن هذه النخب الزائفة حولت كيان‬ ‫الإنسان تربية وحكما إلى كيان أجوف يغلب عليه \"الباراتر\" من دون \"آتر\"‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪14‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫\"‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫فـ\"الباراتر\" أي ظاهر الوجود الذي يعوض \"الآتر\" أي حقيقة الوجود هو الذي يعيشه‬ ‫نخب العرب على أنها حداثة وهو قشورها التي قد تصنع فترينات كان فضل الثورة أنها‬ ‫كسرت بلورها فأفقدتها بريقها وأظهرت ما كانت تخفيه بماكياج بدائل زائفة من الإرادة‬ ‫والعلم والقدرة والحياة والوجود فتعظم في عين الصغير الصغائر‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪15‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫سيقول \"خبراء السياسة\" والساسة المحنكون وما أكثرهم في تونس بلد أمراء \"الحرب‬ ‫السياسية\" التي كل حزب فيها يرأسه زعيم يعتبر نفسه ولد للرئاسة ولا شيء دونها‪ :‬ما‬ ‫دخل أبي يعرب في الكلام على ما يجري حاليا في تونس والأمور تبدو محسومة ومخطط لها‬ ‫بدليل ترشح الشيخ للنيابية؟‬ ‫حسن‪ :‬ما رأي السائل بأن التدخل علته بالذات هذا الحسم المزعوم لأني أشعر حدسيا ربما‬ ‫لأن السياسة لم تسطير علي إلى حد فقدان البصيرة بأن الحسابات التي ترتب عليها هذا‬ ‫الترشح لم يبق لها أدنى وجود بعد ضم موت السبسي العضوي إلى موته السياسي وهي إذن‬ ‫كلها بحاجة إلى إعادة نظر جذرية لأن قواعد اللعبة كلها تغيرت؟‬ ‫فقد فهم الجميع‪-‬ولست وحدي‪ -‬أن هذا الترشح يعني أمرين‪:‬‬ ‫‪ .1‬يأس الشيخ من الترشح للرئاسية‪.‬‬ ‫‪ .2‬توافق على قسمة من جنس قسمة الترويكا المعكوسة‪-‬يعني لم يعد للنهضة فيها دور‬ ‫رئيس الجوقة‪ -‬لقربها من قسمة ‪.2014‬‬ ‫كان حزب رئيس الحكومة سيكون له في ترويكا جديدة المنزلة التي كانت لنداء تونس إلا‬ ‫سلطة من الثلاث التي حصل عليها النداء في عهدة السبسي أي سلطتان لـ\"تحيا تونس\"‬ ‫وابقاء واحدة رمزية هي رئاسة المجلس للنهضة‪.‬‬ ‫وهي رمزية لأن رئيس المجلس ليس له سلطة بل السلطة هي للمجلس ولا تكون السلطتان‬ ‫الأخريان خالصتين للشاهد من دون حيازة الأغلبية فيه‪ .‬ومن ثم فالترشح لرئاسة المجلس‬ ‫اعتراف مسبق بالهزيمة في النيابية فضلا عن اليأس من الرئاسية‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪16‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫وحتى هذا التوافق فإنه لم يعد ممكنا‪ .‬فقد لا يحصل رئيس الحكومة على شيء من‬ ‫السلطتين الأخريين‪ .‬ومن ثم فالتوافق أصبح فاقدا لكل معنـى‪ .‬وإذا لم يعد الحساب من‬ ‫جديد فإن الدخول في الانتخابات على أساسه يكون خطأ سياسيا فادحا‪.‬‬ ‫فما هي إذن قواعد اللعبة الجديدة؟ ما نسمعه من مناشدات يمكن أن تكون من علاماتها‪.‬‬ ‫شخصيا عرفت الدكتور الزبيدي خلال مشاركتي في حكومة الثورة الأولى بوصفي وزيرا‬ ‫مستشارا ولم أر منه ما يمكن أن يشكك في وطنيته واخلاصه وصدقه‪ :‬وأذكر أنه مع قائد‬ ‫الجيش عارضا فكرة مقترحة من أمريكا لتكوين معهد تكوين عسكري في تونس‪ .‬فاعتبرت‬ ‫ذلك دليلا على وطنية الرجلين وتكذيبا لدعوى تعليل عدم تدخل الجيش ضد الثورة كان‬ ‫بأمر أمريكي‪.‬‬ ‫لكن هل المناشدون يناشدون الدكتور الزبيدي لهذه الخصال أم لعلتين أخريين يمثلان‬ ‫علامة على موقفين غير بريئين‪:‬‬ ‫‪ .1‬إما على خوف من مجهول التجربة الديموقراطية‪.‬‬ ‫‪ .2‬أو عن انتهازية التموقع بالانضمام إلى صف يضمن البقاء السياسي؟‬ ‫وأفهم جيدا من يخافون من المجهول بسبب هشاشة التمشي إلى الديموقراطية تحت سيف‬ ‫ديموقليس الذي يسلطه البنك الدولي والطمع الذي يغري به أصحاب الثورة المضادة‬ ‫الأحزاب الفقاعية التي هي أصول تجارية لا علاقة لها بالحرص على مستقبل تونس أو‬ ‫مستقبل الديموقراطية‪ .‬إنه خوف مشروع واعترف أن لي منه شيئا‪.‬‬ ‫لكن عيب حل الموقف الاول هو أن الاطمئنان فيه مبني على مغالطة‪ :‬هل المطمئن هو‬ ‫شخص الزبيدي وخصاله الخلقية أم كونه وزير الدفاع؟‬ ‫وهل كونه وزير الدفاع بحد ذاته يمكن أن يكون مطمئنا إذا لم يكن ضميره حلا وسطا‬ ‫بين آمال من كانوا ينادون بالبيان رقم ‪ 1‬وبين العسكرة الزاحفة بالتدريج؟‬ ‫كيف نحدد طبيعة الدوافع في مناشدة المناشدين؟‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪17‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫وبقدر أقل هل من يعتقد أن الشاهد ما يزال له حظ في الرئاسية لو ترشح يبنون ذلك‬ ‫على كونه رئيس الحكومة أم على خصال سياسية يجدونها في الرجل؟‬ ‫لن اجزم بشيء لأني لا أعرف الرجل ولا أريد أن أظلمه رغم أن نتائج الحكم التي كان‬ ‫مشرفا عليها كارثية في جميع المستويات ومن جميع الوجوه‪.‬‬ ‫فإذا كان الاعتقاد مبنيا على \"كونه رئيسا للحكومة\" فهو لن يبقى إلا إذا نجح حزبه في‬ ‫الحصول على الأغلبية وهو مستبعد جدا جدا بعد تغير قواعد اللعبة لأن موت السبسي‬ ‫العضوي ألغى موته السياسي فأحياه سياسيا فضلا عن الـحلقة الـمفرغة الواصلة بين‬ ‫النجاحين‪ :‬فكلاهما شرط الثاني‪ .‬فهو لن يبقى رئيس حكومة أو لن يصبح رئيس دولة إن‬ ‫ترشح لها إلا إذا افترضنا أنه سينجح في الرئاسة وأن حزبه سينجح الأول في الانتخابات‬ ‫ولن ينجح في الانتخابات إلا إذا غلب افتراض أنه سيكونه رئيس حكومة أو رئيس دولة‪.‬‬ ‫وطبعا مثل هذا الكلام لا يقبله المحللون في السياسة لأنهم يعتبرونه إدخالا للمنطق في‬ ‫السياسة وهو \"تفلفس\" بلغتهم التحقيرية من التحليل المبني على المنطق‪ .‬فالسياسة عندهم‬ ‫سلسلة من الصدف لا منطق لها عدى ما يسمونه الاكراهات‪ .‬ولا يعلمون أن جل الاكراهات‬ ‫هي نتيجة غياب الرؤية المبنية على التحليل لمنطق‪ .‬فصحيح أن وفاة السبسي لا يمكن‬ ‫تعليلها بأي منطق إذا كانت عضوية رغم أن سنه كان ينبغي أن يضعها في الحسبان عند‬ ‫التخطيط السياسي‪ .‬لكنـها حتى في غياب هذا الشرط يوجد ما يقبل التعليل المنطقي في‬ ‫وفاته‪:‬‬ ‫‪ .1‬فهل وفاته بمعزل عما يجري أم هي ذات صلة فمن يدري فقد تكون غير طبيعية رغم‬ ‫أنها عضوية بل بفعل فاعل؟‬ ‫‪ .2‬وهل كان حيا سياسيا قبل وفاته أم هو قد قتل سياسيا بما لا يختلف عن الفرضية الأولى‬ ‫أي بفعل فاعل؟‬ ‫فلو كان السبسي ما يزال حيا سياسيا هل كان التوافق البديل بين النهضة والشاهد الذي‬ ‫حدد قواعد اللعبة في الاستعداد للانتخابات يكون ممكنا؟‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪18‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫أليس شرطه أن يكون السبسي قد دفن سياسيا حتى لو كان ما يزال حيا عضويا؟‬ ‫ألا يعتبر موته العضوي هو الشرارة التي قد تغير اللعبة جذريا لأنها بعثته سياسيا سواء‬ ‫كان طبيعيا أو بفعل فاعل‪-‬إذا صدقنا قصة التسمم‪ :‬هذا المحدد لما سيجري؟‬ ‫كتبت هذا الكلام لأني فعلا أتوقع ما لا تحمد عقباه خاصة والتفتت في القوى السياسية‬ ‫مرعب لكأن البلاد تدخل حربا بمنطق المليشيات \"وأمراء الحرب السياسية\" الذين نراهم‬ ‫في كل الحركات التي تدعي المقاومة باسم ثورة الربيع العربي كما في سوريا وليبيا‪ .‬لم أر‬ ‫إلى الآن صفا واحدا يعمل السياسة باسم الثورة‪.‬‬ ‫فأدعياء الديموقراطية وأدعياء العلمانية وأدعياء الإسلامية وأدعياء القومية وأدعياء‬ ‫اليسارية كلهم يعتبرون المعركة بينهم مقدمة على المعركة بين الثورة والثورة المضادة‪.‬‬ ‫وإذن فكلهم أصحاب \"أصول تجارية\" وكلهم أمراء حرب سياسية ولا علاقة لهم بصف يؤمن‬ ‫بثورة حدثت ولم تحقق شيئا من قيمها وبأنها مهددة وجوديا‪.‬‬ ‫ولست بحاجة إلى الاستدلال بل يكفي أمثلة‪ :‬كم من مترشح للرئاسة؟‬ ‫وكم من قائمة للنيابة؟ وكل من زعيم هو في الحقيقة \"أمير حرب سياسية\" حول الكراسي‬ ‫في المجلس المتوقع أو في الحكومة المتوقعة لكأن الديموقراطية التي يدعيها الجميع استقرت‬ ‫ولم يبق إلا التنافس على المراكز في الفعل السياسي العادي دون اعتبار للظرفية الخاصة‪.‬‬ ‫وأخيرا فإني اعترف لخبراء التحليل السياسي ولجهابذة السياسة عن جهلي بمناوراتها‬ ‫خاصة إذا كانت تكتيكا دون استراتيجية أو بمنطق \"دعها حتى تقع”‪ .‬فإذا وقعت الواقعة‬ ‫فإنها ستكون صاعقة‪ :‬والواقعة هي أن ما سيحدث سيكون زلزالا بعد الانتخابات أيا كانت‬ ‫نتائجها لأن كل ما حصل إلى حد الآن سيقتلع من جذوره‪ :‬سيغير الدستور حتما‪.‬‬ ‫وهو دستور كنت ضده من البداية لأنه لا يصلح لتونس وليس دستورا بل هو أحلام‬ ‫مراهقين ليسوا دارين بمعنى الدستور من حيث هو أداة عمل الدولة وليس مجرد تعبير‬ ‫عن قيم دون أن يخلو منه‪ .‬لكن التغيير الذي يجعله صالحا لتونس لن يكون من أجل هذا‬ ‫الصلاح بل هو سيكون نكوصا إلى ما يظنه من يحاربون الثورة قد كان موجودا لظنهم أنها‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪19‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫مؤامرة غربية بأيد اخوانية‪ .‬وهذه هي إيديولوجية القوى التي عملت كل ما تستطيع‬ ‫لإفشال التجربة كلها‪.‬‬ ‫وبهذا المعنى فأيا كان المرشح للرئاسة وأيا كان من سينجح فإن قواعد اللعبة ستتغير‬ ‫جذريا‪ .‬ذلك أن تفتت حزب السبسي وعدم تركز حزب الشاهد والاجماع شبه التام بين‬ ‫الجميع على خوض معركة ضد الإسلام السياسي بتمويل خليجي وتشجيع فرنسي هو الذي‬ ‫سيحدد قواعد اللعبة القادمة وآمل أن أكون مخطئا‪.‬‬ ‫وأخيرا خوض الانتخابات الحالية بقواعد اللعبة السابقة قبل وفاة السبسي سواء كانت‬ ‫طبيعية أو بفعل فاعل ليس دليل فهم سياسي سليم رغم أني اعترف للجهابذة بأني لست‬ ‫سياسيا متمرسا مثلهم‪ .‬لكنهم لا يستطيعون تفسير حمى الـ‪ 15000‬مرشح وما يقرب من ألف‬ ‫قائمة وكثرة \"أمراء الحرب السياسية\" الذين يتوهمون الأهلية لرئاسة تونس‪.‬‬ ‫كل من هب ودب أصبح يعتبر نفسه كفؤا لسياسة الوطن حتى ولو لم يمر بأي تجربة سياسية‬ ‫حتى في تسيير أسرهم أو دشرهم أو بلدياتهم أو أي خبرة في الأعمال أو في الإبداع الفكري‬ ‫أو الفني او الرياضي‪..‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪20‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫هل يمكن أن يجهل بعض المترشحين للرئاسيات شروط النجاح فيها؟‬ ‫لا أصدق أن السياسي مهما كان متدني المستوى يمكن أن يغامر بسمعته فيخوض مغامرة‬ ‫خاسرة إلا إذا كان في بداية حياته طلبا لمنصة للانطلاق في حياته السياسية وكان له وراءه‬ ‫\"مكينة\" الفاعلية السياسية أي حزب كبير أو مساعدة كبرى غالبا ما تكون مقابل عمالة‪.‬‬ ‫في هذه التغريدة التي أبدا بها بحثا عقلانيا لتحديد حظوظ المترشحين وضعت ثلاثة‬ ‫معايير أريد استعمالها لتقييم حظوظ الأسماء التي يتردد اسمها في قائمة الساعين إلى‬ ‫الترشح‪ .‬وابدأ بالمعيار الأخير ليسر الحسم فيه‪ :‬ورغم أني لا يمكن أن اسمي أحدا من‬ ‫المنتسبين إلى هؤلاء لأني لا اعتقد أنهم مجهولون من المتابعين للشأن العام اعتقد أن‬ ‫حظوظهم لا تكاد تذكر‪.‬‬ ‫ولست أقول ذلك لأني متأكد من أن القاعدة الانتخابية بلغ عامة الناس فيها درجة من‬ ‫الوعي يمكن أن يستعمل هذا المعيار لاستبعادهم نظرا لفاعلية اغراء المال الفاسد الذي‬ ‫سيأتي مدرارا‪ .‬لكني أعتقد أن من جندوا للعمالة ينقصهم بريق زعامة أو \"وهرة\" ذات‬ ‫جاذبية لأن شراء الضمائر لا يضمن تطبيق الوعد أمام الصندوق‪.‬‬ ‫الملاحظة الوحيدة التي سأقولها هي الخوف من أن من قد نستبعد أن يكون دمية المافيات‬ ‫لعله فعلا في هذا الوضع لأنه يتخفى وراء هؤلاء الكمبارس للتلهية حتى يمرروا من لا يمكن‬ ‫التفطن إليه‪ :‬من منا كان يعلم أو يدور بخلده أن السبسي اختاره الشابي مع أحد زعماء‬ ‫المافية مع سنده أو المسؤول الكبير بشهادة كاتب الدولة للداخلية لديه؟‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪21‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫أمر الآن إلى المعيار الثاني‪ .‬فالشاب الذي يبحث عن منصة الانطلاق وهو في إحدى‬ ‫حالتين‪:‬‬ ‫‪ .1‬إما له مكينة كما حدث مع ماكرون‬ ‫‪ .2‬أو ليس له مكينة كما حدث منافسه في فرنسا وهو ألف مرة أفضل منه‪ .‬والنتيجة بينت‬ ‫أن المكينة والسند المالي ‪-‬وهو في فرنسا داخلي لأن الرجل صهر آل روتشيلد‪ -‬هما المحددان‬ ‫حتى للإعلام والدعاية دون شراء الضمائر‪ .‬وبالمناسبة إذا كان هو قد استعمل عبارة‬ ‫\"انسولونس جيفينيل\" يستحق أن نتكلم على فهلوته بـ \"مكيافيلية باللعب على السنيل\"‪.‬‬ ‫ولا أرى في تونس اليوم مثل هذا النوع علما وأن النوع الأول بمقتضى هذا المعيار عبث في‬ ‫عبث في تونس حتى لو نجح وهو عندي من رابع المستحيلات‪ .‬لكن لنفرض أن \"الديجو\"‬ ‫(عيفة الطبقة السياسية) تمكن سعيد من النجاح‪ .‬فستكون مهزلة لأن الرئيس من أصله لا‬ ‫سلطان له ناهيك عمن سينزع منه حتى ما له‪.‬‬ ‫وبهذا المعيار حذفت ‪ 99‬في المائة من الطامحين الذين ليس له أدنى حظ في الفوز‪ .‬وستكون‬ ‫جهدهم مشكورا في أفشال الثورة واثقال اللعبة لأن هؤلاء الطامحين لو كانوا حقا يؤمنون‬ ‫بما يقولون ولا ينطبق عليهم \"مقت الله لأنهم لا يعملون ما يقولون\" لفضلوا خدمة الثورة‬ ‫لا استخدامها ولأسهموا في اختيار مرشح واحد يعملون ما يستطيعون لإنجاحه أو على الأقل‬ ‫للنجاح في الحصول على إحدى السلطات الثلاث في النظام الهجين‪.‬‬ ‫بقي الواحد في المائة وهم نوعان‪:‬‬ ‫‪ .1‬من جربوا حظهم سابقا في الحكم مع الترويكا‪ .‬فهؤلاء حكم الشعب فيهم معلوم بأنهم‬ ‫‪-‬حتى بدون ذنب منهم‪ -‬رمز الفشل‪.‬‬ ‫‪ .2‬ومن لم يجربوا قد يكون لهم بعض الحظ إن حصل حولهم أجماع أحد الصفين صف‬ ‫الثورة أوصف الثورة المضادة‪.‬‬ ‫وقد استعملت القسمة الأفلاطونية وشجرة فرفريوس‪:‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪22‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ .1‬فالذين جربوا حظهم نصحتم بعدم تكرار التجربة لأن الشعب ‪-‬حتى بكثير من الظلم‪-‬‬ ‫صار يعتبرهم عنوان الفشل السياسي‪ .‬وقد نصحتهم بخدمة الثورة ومساعدة الشباب بدلا‬ ‫من تعريض أنفسهم لفضيحة لا تليق بمقامهم لأن نجاحهم مستحيل حسب رأيي المتواضع‪.‬‬ ‫وأختم بسرعة‪:‬‬ ‫‪ .2‬والذين لم يجربوا حظهم سابقا إذا كانوا ممن لهم بصمة وجود في الحقل السياسي ولم‬ ‫تلصق بهم تهمة الفشل السياسي وهم نوعان‪.‬‬ ‫• من كان من النظام القديم‬ ‫• ومن كان من معارضته‪ .‬فمن كان من معارضته لن ينجح لأن الشرط شبه مستحيل عند‬ ‫النظر إلى ساحة الأحزاب فاتحاد معارضات النظام القديم كلها ومعها كل من يؤمن بالثورة‬ ‫مستحيل‪.‬‬ ‫وإذن فالنتيجة محسومة لصالح من يجمع عليه أتباع النظام القديم‪ .‬ومرة أخرى آمل أن‬ ‫يكون حسابي خاطئا‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪23‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ظرفية تونس الحالية توجب الكلام في معنى \"المرشح التوافقي\" لرئاسة الدولة وفي دلالة‬ ‫مفهوم التوافق معيارا لاختيار أحد المرشحين من القوى السياسية التي ستتوافق على تزكيته‬ ‫للترشح أولا ولضمان نجاحه بقدر من الشرعية يجعله يعبر عن هذا التوافق تعبيرا هو‬ ‫\"مدى شرعيته\" التي بمقتضاها سيؤدي واجبه من حيث هو رئيس يؤدي وظيفته في رعاية‬ ‫أمن البلاد وسيادتها‪.‬‬ ‫وسأبدأ بالمعنى السلبي للتوافقية التي اعتبرت معيار الاختيار لأن القصد بها توافق بين‬ ‫حزبين هما النهضة وبقايا حزب النداء أو ما تفرع عنه بعد تفتته‪ .‬فهي أولا تنفي أن تكون‬ ‫العلاقة مباشرة بين من سيكون رئيسا والشعب بل تجعل القوى السياسية النافذة وصية عليه‬ ‫تختار له ما عليه أن يختاره‪ .‬وهذا يسمى في فقه السياسة حكم الأحزاب وليس حكم الشعب‬ ‫حتى وإن لم أشكك في أن الأحزاب منه‪ .‬وهو تصور غير مقبول حتى في الشأن السياسي‬ ‫وحده ناهيك عن الرهانات التي تواجه البلاد وهي أعمق من السياسي العادي‪.‬‬ ‫لذلك فالأخطر هو غياب معايير التوافق وخاصة موضوعه بل وعدم الكلام فيه باعتباره‬ ‫مسألة تهم الشعب ليفهم طبيعة التحديات التي ينبغي علاجها‪ .‬فإذا أخذناه كما يتجلى في‬ ‫تونس في حديه الأقصيين هذين فهو ذو دلالة متقابلة تمام التقابل ولا يتعلق بالسياسة في‬ ‫بلد متحد الهوية بل هو يتعلق بمعركة هوية فيجعل التوافق حول ما يضمن عدم تحول‬ ‫الصدام الحضاري في الجماعة إلى حرب أهلية‪.‬‬ ‫فهل يوجد هذا الشخص الذي يضمن ذلك؟‬ ‫هل السبسي مثلا كان ضامنا له ضمانا يحقق فعلا تجاوز صدام الحضارات الذي بدأ منذ‬ ‫انشقاق بورقيبة على الثعالبي انشقاقا لعله كان في البداية متعلقا بالمنهج السياسي في‬ ‫التعامل مع الحامي ‪-‬تونس محمية كانت وهي لا تزال‪-‬لكنه صار في الأخير صداما حضاريا‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪24‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫داخليا بسبب ما سنرى من مليشة أجهزة الدولة حتى لو بقي الجيش الوطني بمعزل عنها‬ ‫لعلل ليس هذا محل البحث فيها رغم أني بدأت أخشى من أن يصبح من أجندات هذه الحلول‬ ‫المرتجلة؟‬ ‫والصدام الحضاري الداخلي الذي علامته النزعة الاستئصالية باستعمال قوة الدولة ضد‬ ‫ثقافة المجتمع أي مواصلة الاستعمار بأيد من أبناء الشعب وهم في الغالب أدعياء التحديث‬ ‫العلماني سواء كان ليبراليا او ماركسيا باستعمال أدوات شوكة الدولة أي الاستعلامات‬ ‫والأمن والجيش والإدارة ضد ثقافة الشعب‪.‬‬ ‫وكان الغالب في تاريخ المسلمين الحديث قد بدأ بتبني فكرتين‪ :‬الدولة \"القومية\"‬ ‫و\"العلمانية\"‪ .‬ولعل النموذج التطبيقي قد بدأ مع أتاتورك رغم أن الفكرتين سابقتان على‬ ‫نزعته التي بدأت الحرب على ثقافة الشعب وتكليف الجيش بحماية ما يسميه دولة وهو‬ ‫أداة فرض رؤيته على ثقافة الشعر ورغم أن البداية الفعلية على ثقافة الشعوب بدأت في‬ ‫روسيا مع ثورة ‪ 2017‬وفرض ماركسية ستالينية‪.‬‬ ‫ومنذئذ لم تعد الدولة دولة بل أصبحت أداة بيد إحدى القوى السياسية تستعملها‬ ‫لهندسة المجتمع انطلاقا من ايديولوجيا‪-‬الفاشيات اليمينية أو اليسارية‪-‬بمعنى أن الدولة‬ ‫لم تعد على صورة المجتمع كما ينبغي أن تكون بل المجتمع هو الذي صار على صورة من بيده‬ ‫أدوات الشوكة كما لا ينبغي أن يكون‪ .‬فأصبح الجيش والأمن مليشيات حزبية وليست‬ ‫أدوات دولة الشعب‪.‬‬ ‫صحيح أن تونس لم تصل إلى هذا المستوى في عهد بورقيبة أولا لأنه حيد الجيش وثانيا‬ ‫لأن الداخلية تمت مضاعفتها بما يشبه نظام مخابرات حزبي \"للكنترول العام\" وللمرحوم‬ ‫محمد الصياح في ذلك دور أساسي ‪-‬وهو من مدرسة يسارية‪\" -‬تبرقب\" مثل كل المنتسبين إلى‬ ‫الوطد منذ عهد ابن علي فصار من أدوات النظام فمليشه بل وساعد في مليشة الإسلاميين‬ ‫للتصدي لليسار الذي كان منه‪ .‬وقد واصل ابن علي هذه السياسة وعممها أكثر‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪25‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫وبالمناسبة فتعريب الفلسفة كان بنفس القصد‪ .‬ولم يكن المرحوم محمد مزالي هو من‬ ‫عربها ولا بقصد التعريف في رؤيته بل عربها ادريس قيقة لأن بورقيبة اقتنع أن خصومه‬ ‫من اليسار كانوا يستغلون دروس الفلسفة لمركسة الشباب فتوهموا أن المركسة لا تكون إلا‬ ‫بالفرنسية مثل العلمنة التي كان يسعى إليها بورقيبة فعربوها متوهمين أن العربية ستؤدي‬ ‫دور الحد من المد اليساري مثل ميلشة الجامعة بالإسلاميين واليساريين‪ .‬وإلى اليوم ما زالت‬ ‫تونس تعاني من هذه المليشة المضاعفة التي قضت على الجامعة والسياسة في آن بحرب‬ ‫المراهقين الذين \"تمومأوا\" في مراهقتهم إلى الآن ومنهم عملاء ابن علي وصبابته من‬ ‫الوطد‪.‬‬ ‫لذلك فأي رئيس توافقي بهذا المعنى قد يكون جنيسا لوعود ابن علي بالأقوال ولنتائجه‬ ‫في الأفعال‪ .‬فيعد بالإنقاذ والديموقراطية لكنه سيواصل نفس سياسة النظام القديم‬ ‫ويضفي عليها أكثر نسقية تماما كما فعل ابن علي وحاول السبسي في مدتي حكمه قبل‬ ‫انتخابات ‪ 11‬وبعد ‪ 14‬مواصلة نفس السياسة حتى وإن صار الكثير إما لعدم الفهم أو للنفاق‬ ‫يزعم أنه أصبح ديموقراطيا رغم أنه يقول دائما إنه لا يحكم إلى وحده‪.‬‬ ‫فما حصل في مدتيه كان هدنة لتوازن القوى وليس تجاوزا لصدام الحضارات‪ .‬وما حدث‬ ‫خلال عقد الثورة كان رفضا قاطعا من قادة صدام الحضارات لتجاوزها بحيث إن \"الحرب\"‬ ‫ظلت جارية وكانت ضحيتها البلاد التي هدم اقتصادها واستقرارها وعمت الفوضى في‬ ‫إدارتها وخدماتها إذ توقفت البلديات والإنتاج وكانت الأداة نفس أدوات النظام السابق ‪-‬‬ ‫أي المليشيات اليسارية والقومية والاتحاد والمليشيات الحزبية‪-‬وأرادت الاستحواذ التام على‬ ‫ما بقي من الدولة‪.‬‬ ‫والسبسي استعمل هذه الأدوات لكنه كان يخشاها لعلمه بتغلغلها في كل وظائف الدولة‬ ‫التي تميلشت‪ .‬فكان ما يسمى توافقا مع النهضة ليس توافقا معها بل هروبا مما كان يخشاه‬ ‫ممن استعملهم وكان يعلم‪ -‬لكونه يعرفهم جيد المعرفة ‪-‬أنهم يريدون استعماله لتحقيق ما‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪26‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫يمكن القول إنهم لم يتخلوا عنه أبدا‪ :‬صدام الحضارات بمليشيات تريد أن تصبح هي‬ ‫النظام‪.‬‬ ‫ولا بد من الاعتراف بأنهم لم يخفوا ذلك‪ :‬فيكفي ما شهد به صاحب نسمة بخصوص‬ ‫الاستعداد للتضحية بـ‪ 20‬الف تونسي من أجل استئصال الإسلام السياسي في تونس‪ .‬وكانت‬ ‫من نتائج هذه السياسة ضحيتان ليس لأنهما ضد الاستئصال بل لحاجة الاستئصاليين لتقديم‬ ‫ضحايا لتجميع الصفوف‪ .‬فمن يمكن ان يكون هؤلاء الاستئصاليون؟‬ ‫والجواب كان يكون سهلا لو لم تختلط الأمور بين‪:‬‬ ‫‪ .1‬طالبيه للمحافظة على مصالح المستعمر الذي كنا نتوهم أنه ذهب مع الجلاء‪.‬‬ ‫‪ .2‬وطالبيه ممن يحاربون ما اعتبرناه ثورة الشعب من اجل الحرية والكرامة‪ .‬والجامع‬ ‫بين الأمرين هو طبيعة المطالب المشتركة بينهما‪ :‬إنها تجتمع في الحرب على ثقافة الشعب‬ ‫بتنكر‪.‬‬ ‫والتنكر مضاعف كذلك‪:‬‬ ‫• فالاستعماري لم يعد يخفي أن حربه هي على الإسلام ليس في بلده فحسب بل في‬ ‫مستعمراته التي تسعى باسم هويتها الإسلامية للتحرر من مواصلته استعبادها واستغلال‬ ‫ثرواتها وشعوبها‬ ‫• وأعداء الثورة من عربان الخليج يخفون ذلك بدعوى البحث عن الإسلام الوسطي‬ ‫والتحديث السريع ضد \"الظلامية\" لكأن الحمقى من أمرائهم فلاسفة التنوير‪.‬‬ ‫لذلك فالمتكلمون على التوافق هل يقصدون أنهم سيجدون مترشحا قادرا على تحقيق‬ ‫التوافق الدولي حول إخراج تونس من صدام الحضارات هذا ومنع من يتوهمون القدرة‬ ‫على الحسم بالسلاح كما يحدث في ليبيا ومصر وسوريا من استعماله وقد عبروا عن‬ ‫استعدادهم للتضحية ب‪ 20‬ألف ممن دمهم ليس أحمرا؟‬ ‫من يسمعني يظن أني ضد التوافق عامة‪ .‬لكني أقوله لأني أريده توافقا داريا صاحبه‬ ‫بموضوعه الفعلي إذا نظر إليه من حيث هو توافق يحسم صراع الحضارات في البلاد بين‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪27‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫التحديثي والتأصيلي ثم يمر إلى ما يتعلق به الفعل السياسي في دولة تكون في خدمة شعبها‬ ‫وليس في خدمة المستقوين باعدائه‪.‬‬ ‫وحينئذ إذا وجد من يستطيع ذلك فلا يكون رئيسا لدولة الأحزاب بل لدولة الشعب‪.‬‬ ‫وحينها يمكن أن نتكلم على الكسور الخمسة التي يجب السعي لجبرها حتى يستعيد الشعب‬ ‫عافيته فيصبح قادرا على التداول السياسي السوي‪:‬‬ ‫‪ .1‬الكسر الأول هو كسر الجهوية التي نتجت عن استعمال موارد الدولة لخدمة جهة على‬ ‫حساب البقية وهو كسر عميق‪ .‬فمن يتجول في مدن الساحل يجد الفترينة ومن يتجول في‬ ‫بقية البلاد يجد حقيقة تونس التي لا تقبل المقارنة مع أي بلد استقل في نفس الوقت معها‬ ‫دون أن يكون له أكثر منها موارد‪ .‬وهذا أمر عاينته بنفسي لما درست في ماليزيا التي استقلت‬ ‫في نفس التاريخ مع تونس وانطلقت من مستوى سابق لا يقبل المقارنة معها لأنها كانت بلدا‬ ‫شبه بدائي في حين أن تونس كانت مهد حضارات‪.‬‬ ‫‪ .2‬والكسر الثاني هو كسر الطبقية التي تستمد تغذيتها من استغلال الدولة وليست من‬ ‫جهد أصحابها‪ .‬فبرجوازية تونس وكل البلاد العربية ليست ثمرة عمل بل هي ثمرة نهب‬ ‫عن طريق السياسة والجاه‪ .‬ذلك أن ثروة البلاد تتقاسمها مافيات الاستعمار مع مافيات‬ ‫تونسية معلومة‪ .‬وهي نوعان‪:‬‬ ‫• واحدة تعمل مع الاستعمار مباشرة‬ ‫• والثانية تنافسها بالتهريب والاقتصاد الموازي‪ .‬ثم اجتمعت واتحدتا للسيطرة على كل‬ ‫موارد الدولة المباشرة والموازية وعلى إدارتها العلنية والخفية‪.‬‬ ‫‪ .3‬والكسر الثالث هو كسر \"ميلشة\" الدولة النسقية من الجامعة إلى أدنى وظيفة في‬ ‫المجتمع التونسي‪ .‬و\"الميلشة\" هي تحويل الدولة إلى إقطاعيات لكل منها مليشيا تدعي‬ ‫النخبوية المافياوية فتتنافس الاقطاعيات بمليشياتها في سحب الغطاء كل لصالح جماعته‬ ‫وعروا بقية الشعب ثم تقاسموا \"بالتوافق\" كل خيرات البلاد وللاتحاد في ذلك الدور‬ ‫الرئيس في كل وظائف الدولة والمجتمع كما في التعليم الإدارة‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪28‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫وما يصح على إدارة وظائف الدولة التي صارت اقطاعيات يصح على كل الخدمات‬ ‫والقطاعات الاقتصادية التي صارت هي بدورها اقطاعيات لا يعمل فيها إلا ورثة‬ ‫الإقطاعيين وبقية الشعب ينتهي أبناؤها إلى البطالة حتى لو كانوا عباقرة عصرهم إذ إن‬ ‫التوظيف صار وراثيا خاص بأبناء الاقطاعيين الحكم والاتحاد‪ .‬وبذلك نصل إلى القطب‬ ‫الثاني بعد السياسي والاقتصادي والاجتماعي قطب الثقافي والكسر الرابع يتعلق به‪.‬‬ ‫‪ .4‬الكسر الرابع هو كسر الهوية الزائف لأن الحرب الجارية كلها ليس لها أصل في ثقافة‬ ‫الشعب بل ينبغي فهمها على أنها \"حماية\" للثقافة الفرنسية التي تريد توطيد وجودها في‬ ‫تونس بعد أن ثبت فشل الفرنسة التي فرضت على بورقيبة في اتفاقية الاستقلال وصمود‬ ‫العربية لأن مصيرها أعم من تونس‪.‬‬ ‫وهذا المشكل مطروح اليوم بنفس الحدة في الجزائر وفي المغرب‪ .‬وهو الرهان الفرنسي‬ ‫ليس حبا في الثقافة ولا في اللغة بل لأن التحرر من هيمنة الثقافة الفرنسية هو نهاية النهب‬ ‫النسقي لثروات هذه الأقطار نهبها الذي ما كان ليحصل لو لم يكن عملاء ثقافة فرنسا هم‬ ‫الذين يمثلون أدواته ودماه فيها‪.‬‬ ‫وبذلك يتبين أن صدام الحضارات الداخلي ليس داخليا إلا في الظاهر‪ .‬إنما هو في‬ ‫الحقيقة صدام بين ثقافة الشعب وعملاء الاستعمار الفرنسي حتى وإن ظن بعضهم أنهم‬ ‫فعلا يمثلون التقدمية والحداثة والتنوير وهم أجهل خلق الله‪ .‬ولم أعد بحاجة لإثبات‬ ‫ذلك‪ :‬يكفي أن ترى من يعانقهم ماكرون والسفير الفرنسي في تونس‪.‬‬ ‫وقد ذهبت الوقاحة بماكرون في حضوره في مراسم تأبين الرئيس أن يتدخل مباشرة في‬ ‫الشأن الداخلي وأن يجلب معه رمز العمالة ليس في أدنى شيء بل في أقدس المقدسات أعني‬ ‫استعمال الدين الإسلامي للتطبيع الحقير من أحقر من عرفت البشرية هذا الكلب الذي هو‬ ‫من المدينة التي اقطن فيها منزل بورقيبة‪.‬‬ ‫‪ .5‬الكسر الخامس والأصلي الذي تتفرع عنه الكسور الأربعة وهو الذي يمكن الكلام‬ ‫بمناسبته على رئيس توافقي إن توفر فيه شرط الإعلان في برنامجه عن التصدي الصريح‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪29‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫له‪ :‬فهل يوجد مترشح له الوزن الكافي للتصدي إلى هذه الكسور وأصلها جميعا أعني التبعية‬ ‫للاستعمار الفرنسي وبرمجة مراجل استكمال شروط الاستقلال؟‬ ‫هل يوجد مرشح له وزن سياسي أي له وراءه قوة سياسية ممثلة للشعب كله وليس لصراع‬ ‫بين قوتين على كراسي الحكم قوة مستعدة للتوافق على ما بدأت الجزائر تتوافق عليه أعني‬ ‫استكمال معركة التحرير التي تبين أنها هي التي تحول دون نجاح معركة التحرر؟‬ ‫إني انتظر اعلان المرشحين عن استراتيجية هذا التحرير الشارط للتحرر ومدى تمثيلية‬ ‫القوة السياسة التي تسندهم للشعب وليس لمليشيات حزب معين‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪30‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫لما أنظر في قائمة أسماء المترشحين للرئاسة وملامحهم وما أعلمه من سلوكياتهم أستطيع‬ ‫أن أقول إن من يدعون الترشح باسم قيم الثورة كلهم كاذبون فضلا عمن يزعمون الدفاع‬ ‫عن الحرية الكرامة والديموقراطية واستقرار تونس وتنمية شروط مناعتها‪.‬‬ ‫فهم يعلمون علم اليقين أن تفرقهم دليل على رهانهم الحقيقي الذي سيكون أهم العوامل‬ ‫التي ستسهم في انتصار الثورة المضادة‪ :‬إنهم خدم لها وبوعي‪.‬‬ ‫لو كانوا حقا مؤمنين بالثورة وبقيمها وساعين للديموقراطية والمناعة الوطنية لاتفقوا‬ ‫على مرشحين اثنين لا أكثر يقدرون أن لهما حظوظا معقولة ومتقاربة للنجاح في الدورة‬ ‫الأولى دون أن نعلم على وجه الدقة أيهما من سيمر للثانية ولأجمعوا على التصويت لمن‬ ‫يبقى منهما في الدورة الثانية وهو الشرط الوحيد لهزيمة الثورة المضادة‪.‬‬ ‫يعلمون ألا أحد منهم له أدنى حظ في النجاح إذا بقوا مفتتين كما هم حاليا‪ .‬ولا أتكلم‬ ‫على الفسدة والمافيات والمهازل التي تترشح مع العلم أنها لن تتجاوز صفر فاصل وخاصة من‬ ‫لا يمكن أن يعول عليهم \"المسؤول الكبير\" الذي يستعملهم ليخفي لعبته ويمرر \"جوكاره\"‪.‬‬ ‫أنا أعني بالتدقيق الخمسة الذين يباهون بالديموقراطية وثورية‪:‬‬ ‫‪ .1‬النهضة أو ما بقي فيها من إسلامي‪.‬‬ ‫‪ .2‬والتيار وما بقي في ديموقراطية‪.‬‬ ‫‪ .3‬والحراك وما بقي فيه من مواطنية‪.‬‬ ‫‪ .4‬والجبهة وما بقي فيها من يسارية‬ ‫‪ .5‬وبعض المستقلين وما بقي فيهم من استقلالية‪.‬‬ ‫فما يبدو في خطابهم من حرص على خدمة الوطن والثورة والديموقراطية والإسلام‬ ‫واليسارية يكذبه التنافس المقيت على شيء الكل يعلم أنه ليس في متناول أي منهم اللهم‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪31‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫إلا إذا كانوا \"غفاصة\" أي لا يفهمون شيئا في ميول شعبهم الذي لا يمكن أن يستجدهم وهو‬ ‫يعلم أنهم لا يتسابقون في الخيرات بل يتنافسون عليها كأصول تجارية‪.‬‬ ‫واللغز المحير هو أنهم جميعا يتصورون أنهم ولدوا زعماء وأهلا للرئاسة في حين لا أحد‬ ‫منهم مارس المسؤولية في عمل سياسي ذي بال حتى تسيير بلدية‪ .‬وكلهم لما تراهم منتفخي‬ ‫الأوداج تظنهم زعماء دول ذات سيادة وهم يستعدون لكرسي في محمية فرنسية لا سيادة‬ ‫لها حتى على لسانها‪.‬‬ ‫فتفهم أنهم مصابون بداء الزعامة التي هي أكبر أمراض العرب من المحيط إلى الخليج‪:‬‬ ‫فكلهم يرى في نفسه أهلية القيادة‪ .‬ولما كنت أعرف الكثير منهم فإني أستطيع أن أجزم أن‬ ‫الأفضل منهم لا يستطيع أن يسير قرية وليس بلدا كاملا عندما يجد الجد ويصبح عليه أن‬ ‫يقف موقف الرجال فتجده من أول الهاربين‪ .‬ويكفي أن ترى من شارك منهم في الدورتين‬ ‫النيابيتين‪.‬‬ ‫فمن ليس بعد مراهقا من جل جماعة اليسار والقوميين فهو انتهازي وخاصة المنشقين على‬ ‫الاحزاب التي تكونت بمناسبة الانتخابات حتى صارت النيابة بضاعة تباع في سوق النخاسين‬ ‫وأول من اقترع هذه البدعة صاروا يعتبرون زعيما كبيرا يكيلون له المديح في حين أنه هو‬ ‫الذي أنهى مهابة كل المؤسسات وأولها الرئاسة التي جعل بلاطها ملاذ ا لحثالة من نخب‬ ‫تونس وإعلامييها‪.‬‬ ‫أما الحثالة المافياوية من جنس من لم تسمع ببورقيبة طيلة حبسه ‪ 13‬سنة والتي أصبحت‬ ‫تدعي أنها بورقيبية مثلها مثل السبسي قبلها الذي لم يرزه خلالها ولم يحضر حتى جنازته‬ ‫وكل \"الزعماء\" الذين يدعون البورقيبية كانوا خونة للرجل في عملهم مع ابن علي واليوم‬ ‫يدعون تمثيل فكره حتى صبابة ابن علي من الأحزاب اليسارية ومن المليشيات النقابية‪.‬‬ ‫كل ذلك جعلني أعاف السياسة والسياسيين الذين هم بصدد اغراق البلد وقد يدفعون‬ ‫الشعب دفعا لأن يطالب مثل بعض عملاء ابن علي وخادمات الحجامة بالبيان رقم ‪ .1‬ما‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪32‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫رأيت في حياتي نخبة بهذه الضحالة‪ :‬فالسياسية صارت لعب مراهقين وليست استراتيجية‬ ‫لحل مشكلتين‪ :‬الرعاية للتحرر من التسول والحماية لاسترداد السيادة‪.‬‬ ‫فلا يوجد متسول يحكم نفسه‪ .‬ولا يوجد أعزل يستطيع حماية نفسه‪ .‬تونس ما تزال‬ ‫مستعمرة فرنسية اقتصاديا وثقافيا ومن ثم سياسيا وكل المترشحين فرحين بهذه الوضعية‬ ‫وينتظرون تزكية المقيم العام الاقرع أو ما يمكن أن يكون أقوى منه أعني سفير أمريكا‬ ‫ونواب اسرائيل في حكومة تونس وبين رجال أعمالها‪.‬‬ ‫فإذا كان ذلك كله لا يستاهل أن يتحدوا من أجله فهم ليسوا سياسيين بل \"أمراء حرب‬ ‫سياسية\" تماما كأمراء الحرب الذين يدعون مقاومة الأعداء وهم من أدوات مخابراتهم‪.‬‬ ‫والسياسة مقاومة هؤلاء الأعداء وما يتسببون فيه من الأعداء الأشرس أي الفقر والمرض‬ ‫والتبعية والنذالة المافياوية التي هي سرطان الأنظمة العربية‪ .‬كفى كذبا‪.‬‬ ‫لذلك فإني اعتبر أنه إذا نجح مافيوزي أو معاد للثورة وللديمقراطية فالمسؤول هم هؤلاء‬ ‫الذين شتتوا القوى السياسية التي كان يمكن أن تحصل على شروط مواصلة المشوار في‬ ‫الانتقال الديموقراطي بمجرد التنازل لبعضهم البعض بدءا بتخلي من جربوا حظهم ولم‬ ‫يحققوا نتائج يمكن أن تشجع الشعب للتصويت لهم‪ .‬تكرار الفشل غباء‪.‬‬ ‫لكنهم بدلا من ذلك يتسابقون مع العلم المؤكد حتى بالنسبة لمن ليس له خبرة سياسية‬ ‫مثلي أنه لا أحد منهم يمكن أن ينجح إذا ظلوا متفرقة صفوفهم لكأنهم في سباق للحصول‬ ‫على كرسي مستحيل وإذا حصل فلا فائدة منه لأن القوى المفتتة لا تجعله ذا سلطة تؤثر في‬ ‫ما غرقنا فيه من \"ميلشة ومفوزة\" للمجال السياسي منذ ‪ 60‬سنة‪.‬‬ ‫ولست غافلا عن أن هذه المحاولة قد تجعل البعض يظنني أعمم على الجميع فتقضي على‬ ‫ما بقي لي من أصدقاء بين ساسة البلد وهم قلة يعدون على أصابع اليد الواحدة‪ .‬لكن‬ ‫القساوة في الحكم لا تعمم بل هي تستثني من قد تكون شكاتهم مثلي أو أكثر إذ لا سلطان‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪33‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫لهم على ما يجري لكونهم من أفاضل الساسة وقد يكون حكمهم الصامت أشد من حكمي‬ ‫الناطق بخصوص ما يغلب على الساحة‪.‬‬ ‫ولا بد من محاولة ولو سريعة لتقديم فرضية حول تكوينية هذه السلوك الذي حول‬ ‫الساسة إلى \"أمراء حرب\" سياسية بخلاف ما عليه الأمر في كل بلاد العالم الذي له نخبة‬ ‫سياسية بحق تخضع الخلافات السياسية إلى الاستراتيجيات التي تجعل الدولة تؤدي وظيفتها‬ ‫أعني ا لرعاية والحماية وهما اللتان تحددان حدود الاختلاف وشروط الائتلاف المحافظ‬ ‫على شروط تحقيقهما‪.‬‬ ‫فإذا بحثت عن مصدر هذه العاهة التي أصابت ما يسمى بالنخبة السياسية في تونس‬ ‫فحولتهم إلى \"أمراء حرب سياسية\" متى بدأت حقا ومن شجعها وجدت الأمر متعلقا‬ ‫بظاهرتين بدأتا منذ الانشقاق الذي حصل في الحركة الوطنية‪ .‬فبورقيبة وحزبه الدستوري‬ ‫الجديد \"انتصر\" على الثعالبي والحزب القديم بأداتين‪:‬‬ ‫‪ .1‬مساعدة الاستعمار الفرنسي ضد العروبة والإسلام‪.‬‬ ‫‪ .2‬والدوكارات و\"الخلايق\" ضد المشائخ والنخبة التقليدية‪.‬‬ ‫ولـما حدث ذلك لم أكن موجودا‪ .‬لكني عشت نظيرتها بين البورقيبية واليوسفية لأن‬ ‫أسرتي كانت من ضحايا هذا الصراع إذ تمت الوشاية بوالدي رحمه الله بأنه من اليوسفية‬ ‫فـحوصر بيتا مدة ثلاثة أيام من الجندرمة ‪-‬الجارد موبيل‪-‬بتهمة تخزين السلاح ولم يكن‬ ‫لدينا إلا \"مقرون\" أي سلاح مدني لحماية انعامنا بسبب كثرة السرقات التي تشبه ما عاد‬ ‫الآن‪.‬‬ ‫وأشهد أني رأيت بأم عيني وأنا شاب صغير شاحنات الجيش الفرنسي تنقل \"باندية\" لشق‬ ‫الحزب التابع لبورقيبة يفتشون عن المنتسبين إلى شقه الحزب التابع لابن يوسف وسمعنا‬ ‫أن بعضهم قطعوا عضوه التناسلي وبعضهم عذبوه إلخ‪ ..‬وقد تكرر ذلك مع الإسلاميين‬ ‫بالنوع الثاني من الدوكارات ومليشيات الحزب وبنفس الأسلوب‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪34‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ومن جمعهم السبسي تحت اسم جبهة الانقاذ هم من هذا النوع للإطاحة بالترويكا مدعيا‬ ‫تحقيق التوازن‪ .‬ولم يقل التوازن مع من؟‬ ‫فالترويكا بخلاف ما يتوهمون لم تكن خاضعة للنهضة بل كانت تقاوم ما بدأ يدب فيها من‬ ‫تسلط قيادي أضر بالنهضة أكثر مما أضر بالحزبين الآخرين‪ .‬لكن سلوكه قيادتها قصير‬ ‫النظر هو والمتعجل في الاستحواذ على سلطة وهمية وفوقية أدى إلى خلافات هي مصدر‬ ‫التفتت الذي يملأ الساحة الآن وقد تكون النهضة آخر ضحاياه‪.‬‬ ‫وبذلك يتبين من المسؤول الأول والأخير على ما يسيطر على الساحة من التفتت‬ ‫والتشتت‪ :‬إنه فرعا الحزب الأول في تونس اللذان عملا بعكس ما كان ينبغي أن يفعلاه بعد‬ ‫الثورة أي أن يتصالحا من أ جل مستقبل تونس والثورة‪ .‬فهذا \"الروش\" المحموم على تكوين‬ ‫\"الأصول التجارية\" لأمراء الحرب السياسية أو ما يسمونه أحزاب وجمعيات مدنية حول‬ ‫السياسة لغطاء مافيات الاقتصاد الموازي في المخدرات والمسكرات والملهيات للجاه والإثراء‬ ‫السريع وكان ذلك متوقعا ولأجل منعه دعوت إلى وحدة البورقيبية والثعالبية جدار صد‬ ‫لما ورثناه من تعفن طيلة سنوات الاستقلال الخدعة‪.‬‬ ‫وهذا الداء هو نفسه بدأت أعراضه تتجلى في النهضة نفسها لأن الكثير ممن لهم هذه‬ ‫الخاصيات ظنها الجواد الرابع في السباق المزعوم ديموقراطيا بسبب الاستعمال الانتهازي‬ ‫المتبادل‪ .‬وأصبحت القيادات تخادع الشعب بدعوى الانفتاح المضاعف على \"الكفاءة\"‬ ‫المزعومة فكرية والكفاء المزعومة فنية بالسفورين‪:‬‬ ‫‪ .1‬سفور التطبيع مع الصهيونية مثل كل العربان‪.‬‬ ‫‪ .2‬وسفور التطبيع مع الخروج عن العادات التقليدية‪.‬‬ ‫وهكذا اختلط الحابل بالنابل أو لنقل إن الجامع بين الانفتاحين على \"الخلايق\"‬ ‫و\"الصبابة\" لم يعد مقصورا على ما فعله السبسي تقليدا للنهج البورقيبي بل إن النهضة‬ ‫نفسها \"تبرقبت\" وبدأت تنافس السبسي‪ .‬والوسيط في البرقبة أو في \"صعلكة السياسة\" هو‬ ‫مافية الاتحاد العام الذي لم يعد حشاديا منذ معركة اليوسفية واقتسم السلطة مع الحزب‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪35‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫الحاكم ثم هو صار يسعى لأن يستفرد بها بمحرك داخلي هو نفس المافيات اليسارية‬ ‫والقومية وأي نوع من المافيات التي يمكن تصورها والتي كانت في آن شاغلة للحزب والاتحاد‬ ‫أداتي الحكم منذ بداية العهد البورقيبي إلى اليوم‪.‬‬ ‫فما نراه في تعدد الأحزاب بالاسم هو تعدد المليشيات التي تمولها المافيات بعد أن ذهبت‬ ‫المافية الكبيرة التي كان يتحكم فيها ابن على وكانت تحتكم إليه ليقسم بينها غنيمة الحكم‬ ‫العميل الذي أبقى على سلطة فرنسا على اقتصادها وثقافتها وسياستها‪ .‬والثورة اضفت‬ ‫الشرعية ذلك كله باسم الديموقراطية وبخدعة \"الأحزاب\" \"والجمعيات\" التي تمولها‬ ‫المافيات المحلية والمخابرات الأجنبية‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪36‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫كنت ولا زلت لا أفهم تكتيك من دون استراتيجيا وخاصة الحلول البدائل في الوضعيات‬ ‫اللامتوقعة رغم أن عمر الرئيس كان ينبغي أن يضع موته الفجائي في الحسبان حتى لو كان‬ ‫طبيعيا‪ .‬وكل الحركات الإسلامية تكتك وليس لها استراتيجيا في أفعالها رغم أن مجرد اسمها‬ ‫يعني أن لها استراتيجيا تمكنها من تجاوز \"إكراهات\" المحلي وحتى الإقليمي إذ إن الخيار‬ ‫الإسلامي دولي بالجوهر لا بالعرض كما قد يتوهم الكثير أنه ناتج عن الطابع الدولي‬ ‫لأعدائه‪.‬‬ ‫وطبعا فالإقليمي والدولي كلاهما يتعينان ويبرز دورهما في المحلي وخاصة إذا كان‬ ‫وضعية استثنائية في اللحظة التاريخية التي تماثل ما تعيشه تونس حاليا بسبب ما نتج عن‬ ‫وفاة عضوية أحيت ميتا سياسيا‪ .‬فالسبسي كان شبه ميت سياسيا‪ .‬وكان من أخطاء الحركة‬ ‫أنها شاركت في ذلك‪ .‬لكن موته العضوي أحياه سياسيا أو لنقل أحي مشروع الجبهة التي‬ ‫كونها في البداية ضد الثورة باسم التوازن مع الترويكا أو بصورة أدق ضد الإسلاميين‪.‬‬ ‫وهذا الانبعاث السياسي لخطة السبسي ‪-‬وقد عرفها عندما حكى قصة التارزي التي أطلت‬ ‫في شرحها وباشرها بداية من حكمه سنة ‪ 20 11‬ثم استأنفها بعد السنة الأولى من حكم‬ ‫الترويكا‪-‬لها طريقتان في تحقيق الغاية‪:‬‬ ‫‪ .1‬إما توحيد الشقوق قبل الانتخابات لتقزيم الخصوم‪.‬‬ ‫‪ .2‬أو بعدها إذا تعذر ذلك لسرعة الأحداث برئيس قد يكون اختاره السبسي‪.‬‬ ‫والخطة ستكون تغيير الدستور لاحقا بشخصية لعله قد عينها‪ .‬وهذا الأمر هو الذي غير‬ ‫قواعد اللعبة كلها‪ .‬وطبعا فقد سقط كل ما خطط له قبله ممن ظنوا أنهم قد قتلوه سياسيا‪.‬‬ ‫وقد كتبت حينها بأن العملية غير شرعية وأن النهضة ما كان لها أن تشارك فيها لأنها فعل‬ ‫دال على قصر النظر إذ لا شيء يضمن وفاء الشاهد لهم بما وعدهم به‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪37‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫وهذا هو مأزق النهضة ومأزق رئيس الحكومة‪ .‬كلاهما كان يتصور أن الشقوق ستساعده‬ ‫على الابقاء على غالبيته حتى ولو تدنت لأن الغالبيات في السياسة نسبية بحسب الأوزان‬ ‫وليست مطلقة‪ .‬وكانت الخطة ربما تقاسم السلطة إذا لم يحصل أحد منهما عليها كلها‪.‬‬ ‫وكانت الشقوق بنوعيها الحاليين تساعد على هذه الاستراتيجية‪.‬‬ ‫لكن من يحسب وحده يفضل له‪ .‬فهذه الحسبة كلها سقطت في الماء‪ .‬كيف يمكن تخيل‬ ‫الخطة \"ب\" وهي غائبة في حسابات سابقة لعل من أبرز علاماتها ترشح شيخ النهضة للنيابية؟‬ ‫طبعا لا أنوي تقديم مقترحات لعلتين‪:‬‬ ‫‪ .1‬أولا ليس لي دخل في ما يجري واعتبر نفسي محايدا في معركة غادرتها يوم قدمت‬ ‫استقالتي كما هو معلوم‪.‬‬ ‫‪ .2‬وثانيا حتى لو تطوعت فلن أسمع إذ حتى بعض قيادات النهضة من ذوي \"البون‬ ‫سنوس\" لم تعد مسموعة‪.‬‬ ‫وإذن فلأواصل التحليل دون مقترحات‪ .‬والسؤال الجوهري هو‪ :‬هل المطلوب تدارك ما‬ ‫فات؟ طبعا تدارك الماضي مستحيل‪ .‬وإذن فالسؤال هو كيف يكون الاستعداد للمستقبل‪:‬‬ ‫‪ .1‬فهل المطلوب القبول بالأمر الواقع الذي يحدد مجرى الانتخابات والتعامل معه كما‬ ‫هو في غياب استراتيجية لما بعده؟‬ ‫‪ .2‬أم إن المطلوب هو الاستعداد لما بعده؟‬ ‫وهذا أمر قابل للتوقع بدقة لأن الاجماع حول النكوص إلى الماضي وحول التحالف على‬ ‫الإسلاميين لم يعد خافيا على البصر فضلا عن البصيرة‪.‬‬ ‫لكن يبدو ألا أحد يفكر في الاستعداد لما بعده لأن الجميع أصبح يحلم بأن يكون له وجود‬ ‫قوي في المجلس يمكنه من المشاركة في الحكم الذي صار غاية‪ .‬صحيح أن الحكم غاية في‬ ‫السياسة‪ .‬لكن الحكم الذي هو غاية في السياسة هو الحكم الفعلي وليس وهم الحكم أو‬ ‫الخوف منه عندما لا يشارك فيه السياسي‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪38‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫وفي هذه الحالة لا يصبح الحكم هدفا سياسيا بل هو من جنس خرافة \"المحافظة على‬ ‫الشقف\" ولو بدون صيد حتى زهيد‪ .‬والعلة طبعا هي نسيان طبيعة المطلوب‪ .‬فما المطلوب‬ ‫عند الذات وعند الخصم؟ فإذا كان المطلوب عند الذات هو تنمية الرصيد السياسي كان ما‬ ‫يحصل حاليا منافيا للسياسي من حيث هو سعي للحكم لأن في العجلة الندامة‪.‬‬ ‫ذلك أن ما بعد الانتخابات لن يكون‪ -‬بسبب ما أشرت إليه من انبعاث مشروع السبسي‬ ‫الذي أعلن عنه في قصة التارزي بعد موت صاحبه – إلا مشروعه‪ .‬فهو الذي سيحكمها‬ ‫وسيحسم ما بعدها لخطأ حسابي إذا بقي الفكر مركزا على المعادلة التي تجاوزها الحدث كما‬ ‫قد يوحي بذلك الحديث‪.‬‬ ‫فكل الأحزاب التي تدعي معارضة السبسي والشاهد والنهضة ما تزال تعمل بفرضية أن‬ ‫قواعد اللعبة بقيت على ما كانت عليه قبل هذا الانبعاث‪ .‬لكن هذه اللعبة انتهت وإذا‬ ‫واصلوا العمل بمقتضاها فهم الذين سيعيدون رسميا النظام القديم وهم الذين سيحققون‬ ‫مشروع السبسي الذي تكلمت عليه إما خلال الانتخابات أو بعدها‪ .‬وهو عين مشروع الثورة‬ ‫المضادة العربية وفرنسا (تذكروا خطاب ماكرون) وإسرائيل وحتى إيران‪.‬‬ ‫لو كانت هذه الأحزاب‪-‬ومنها النهضة في أذهان قاعدتها وليس في تكتيك قياداتها‪-‬فاهمة‬ ‫لهذا التغير الجذري في قواعد اللعبة لاختارت من الآن تكوين جبهة انقاذ من هذا المشروع‬ ‫وذلك بالاتفاق على خطة للانتخابات بمستوييها‪:‬‬ ‫‪ .1‬الرئاسية‪.‬‬ ‫‪ .2‬النيابية‪.‬‬ ‫فكلتاهما سيكون ربحها من نصيب الثورة المضادة بسبب تفتت صفهم فضلا عن السند‬ ‫الاجنبي من الثورة المضادة العربية ومن التدخلات الأجنبية وخاصة من فرنسا وإسرائيل‪.‬‬ ‫والهدف من هذا الاستعداد المطلوب من المعارضات هو تحقيق شروط الوزن للتفاوض على‬ ‫ما سيتلو الانتخابات‪ .‬ولا بد إذن من‪:‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪39‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ .1‬الاتفاق على مرشح أو مرشحين مشتركين في الدورة الأولى والاتحاد وراء من يمر‬ ‫منهما للدورة الثانية‪..‬‬ ‫‪ .2‬ولا بد من تكوين جبهة في النيابات من الآن على الأقل بتنازل بعضهم للبعض بحسب‬ ‫تقدير الحظوظ في الدوائر‪.‬‬ ‫فمع تبدل قواعد اللعبة لا بد من تنظيم جديد لشروط اللعب‪ .‬الجماعة التي تدعي‬ ‫الانتساب إلى الثورة ما زالوا يخوضون معركة انتهت ولا يفهمون أن المعركة البديل لصالح‬ ‫الثورة وضعتهم في وضعية السبسي سابقا‪.‬‬ ‫فهو حقق التوازن أولا كمعارضة ثم قلب العلاقة بمن كان يعارضهم فأصبح هو صاحب‬ ‫الأغلبية والحاكم‪ .‬في هذه المرحلة يمكن أن تحقق الثورة المضادة استعادة نهائيا للأغلبية‬ ‫إما قبل الانتخابات أو بعدها وعلى من يدعون الكلام باسم الثورة أن يحققوا التوازن‬ ‫كمعارضة لمنع خطتها‪ :‬تغيير الدستور‪.‬‬ ‫وبهذا المعنى فكل الإيهام بأن النهضة تفكر في مخرج وتوحي بالجدية من خلال إطالة‬ ‫الحوارات الزائفة فإن المطلوب هو‪:‬‬ ‫‪ .1‬فهم أنه عليها أن \"تمصمص\" من المشاركة في الحكم بعد الانتخابات أيا كان الرئيس‪.‬‬ ‫‪ .2‬وأن الواجب هو ما بعد ذلك أي تكوين جبهة معارضة لا تكون فيها وحدية حتى تحقق‬ ‫التوازن لمنع الكوارث القادمة‪.‬‬ ‫وماذا أعني بعبارة \"على النهضة أن تمصمص من الحكم\"؟‬ ‫لا أعني أنها قد لا تشارك فيه‪ .‬فقد يكون الرئيس المقبل شديد الذكاء فيواصل سياسة‬ ‫السبسي فيستعملها لتمرير كل ما يريد مما يتنافى ليس مع مرجعيتها فحسب بل وكذلك مع‬ ‫الثورة‪ .‬فيأكل المشوي بأصابع قيادات النهضة المستعجلين الذين يتوهمون أنهم يشاركون‬ ‫في الحكم وهم في الحقيقة أداة لحكم من يسعى لقتل المشروع الذي تمثله فيقتلعها بالتدريج‬ ‫من الجذور‪ .‬ذلك أن السبسي حقق نصف هذه الخطة‪ .‬والذي سيليه سيواصلها بجعلها‪:‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪40‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ .1‬تتنكر لقيم مرجعيتها السياسية أي البعد الاجتماعي خاصة وذلك بقبول منطق البنك‬ ‫الدولي والمافية الاقتصادية في البلاد‪.‬‬ ‫‪ .2‬وهو في آن التنكر لأهداف الثورة‪ .‬لأن الرئيس القادم سيلغي ما وضع في النصوص‬ ‫باسم هذين العنوانين بدأ بتغيير الدستور‪.‬‬ ‫والامتحان الأول سيكون تمرير نص المواريث والحقوق الفردية‪ .‬وبذلك فالنهضة ستصح‬ ‫\"زنطة\" أمام قاعدتها‪ .‬ويكون مصير المشروع نفسه رهن مصير قيادات لا تنظر لما هو أبعد‬ ‫من أنفها‪ .‬ولأختم بجملة‪ :‬وجود النهضة في المعارضة يحمي القيادات أكثر من وجودهم في‬ ‫الحكم فالثورة المضادة ستحافظ على الشكليات‬ ‫كلامي هذا ليس نصائح لأحد‪ .‬لكنه هو ما يؤدي إليه التحليل بالعقل السليم‪ .‬فالسياسة‬ ‫ليست \"دقازة\" بل هي فن يخضع لمنطق التحليل للاستنتاج الشرطي‪ .‬إذا انطلقنا من مقدم‬ ‫دقيق فسنصل إلى تال دقيق‪.‬‬ ‫والمعلوم أن الفكر العلمي لا ينتهج هذا المنهج حتى في السياسة‪ :‬الشرط الجديد هو انبعاث‬ ‫مشروع السبسي‪.‬‬ ‫وما قلته للنهضة يصح على الشاهد‪ .‬فلن يقبل به قائدا للمشروع بل سيزل وزنه في‬ ‫بورصة السياسة محليا واقليميا ودوليا‪ .‬ولعل السبسي قد عين القائد البديل‪ .‬فلكأن‬ ‫السبسي يحقق \"الروفنش\" وهو ميت ما عجز عنه وهو حي‪ .‬والعلة هي تسرع الصفين عندما‬ ‫ظنوه قد مات سياسيا‪ .‬فإذا بموته العضوي يبعث مشروعه السياسي بصورة تغير كل قواعد‬ ‫اللعبة لمن يستقرأ صورة الساسة في الرأي العام‪.‬‬ ‫فإذا كان كل من هب ودب يرى في نفسه الكفاءة لقيادة البلاد فليس لذلك من هدف لدى‬ ‫المخططين لعودة النظام القديم الرسمية إلا \"تعييف\" الشعب من الساسة والسياسة واعتبار‬ ‫ما تقدم ‪-‬ومن هنا تمجيد السبسي‪-‬الحالة المثالية التي ينبغي استعادتها مخرجا لما يعاني‬ ‫منه الشعب وتحميل المسؤولية للثورة‪ :‬وقد نجحوا‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪41‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫فإذا كان الحرص على المشاركة في الحكم هو الخوف من \"التمصير\" فهذا ليس عذرا كافيا‬ ‫لسبب بسيط‪ .‬فمشروع السبسي لم يختر غيره‪ .‬لكنه أذكى من السيسي‪ .‬فقد أراده على‬ ‫نار هادئة بالطريقة اللطيفة \"الا دوس\" أي إنه أراد من قيادات النهضة أن يقضوا على‬ ‫مشروع الحركة بدلا منه‪ .‬وقد نجح إلى حد كبير بسبب هذا الخوف وربما بسبب الطمع في‬ ‫الحكم‪ .‬والخوف مشروع بسبب التجربة المرة لكن الطمع في الحكم ليس مشروعا خاصة‬ ‫بالطريقة التي رأيتها والتي جعلتني أندم على ما أضعته من وقتي‪.‬‬ ‫لكن من سيأتي بعد الانتخابات سيحاول اتمام خطة السبسي إذا كان له شيء من ذكائه‪.‬‬ ‫فإذا تعذر ذلك فسيمصرها‪ .‬ولذلك فمن الحكمة قلب القاعدة‪ .‬فهم بحاجة لاحترام‬ ‫الشكليات نظرا إلى أن اعرافهم في الغرب يريدون ذلك‪ .‬ومن ثم فالوجود في المعارضة‬ ‫أضمن من الوجود الصورة في الحكم لأن هذا الوجود لا يمثل أدنى مناعة ضد تلفيق التهم‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪42‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫بعد أن تأكد أن شورى النهضة حسمت الأمر بما يقتضيه العقل السليم والحكمة‬ ‫الاستراتيجية التي تفكر في تونس وفي مستقبل شروط القوى السياسية السوية في بلد يسعى‬ ‫إلى تأسيس ديمقراطية فتية تتخلص من \"الاصول التجارية\" التي تسمى أحزابا والتي‬ ‫فرخت بما لا يقبله عقل سليم أود تقديم إشارات سريعة للفواعل التي تحرك الحياة‬ ‫السياسية لأي جماعة تريد أن يكون لها دولة مستقلة يحكمها القانون المطبق على الجميع‬ ‫سواسية‪.‬‬ ‫• الإشارة الاولى‪:‬‬ ‫باختيار النهضة خوض انتخاب الرئيس صارت قوة سياسية طبيعية قبالة ما يناظرها في‬ ‫الشق الثاني من الحركة الوطنية‪ .‬فهي تقريبا استئناف التأصيل بعد استيعاب علاقته‬ ‫بالتحديث والحزب البورقيبي إذا اتحد يمثل التحديث بعد استيعاب علاقته بالتأصيل‪.‬‬ ‫فأصبح لتونس قوتان قادرتان على التداول أو التعاون لقيادة تونس إلى بر الأمان‪.‬‬ ‫والنصيحة أوجهها للذين كانوا يتصورون أن فرصة تقاسم قاعدة النهضة لكأنها \"رزق لبلا‬ ‫موالي\" عليهم أن \"يمصمصوا\" وأن يكرموا لحيهم بأيديهم فينسحبوا من السباق أو يكونوا‬ ‫مجموعة ثالثة أو على أقصى تقدير مجموعتين اخريين وأن \"يفرقوا الحضبة\"‪.‬‬ ‫• الاشارة الثانية‪:‬‬ ‫إذا فهم شقا الحركة الوطنية‪-‬أي الثعالبية الجديدة والبورقيبية الجديدة المتصالحتين‪-‬‬ ‫دورهما التكاملي ولم يواصلا سخافة الاستثناء المتبادل فعليهما أن يحولا دون توظيف أجهزة‬ ‫الدولة في العلمية الانتخابية‪ .‬والنوع الاول والاخطر من أجهزة الدولة التي كان النظام‬ ‫الاستبدادي يستعملها هي الاجهزة التي تتبع السياسي من وظائفها (أي الدفاع والداخلية‬ ‫وما يتبعها من أدوات مثل الاستعلامات والولاة والمعتمدين والعمد)‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪43‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫• الإشارة الثالثة‪:‬‬ ‫والنوع الثاني من أجهزة الدولة التي كان النظام الاستبدادي يستعملها هي الاجهزة‬ ‫الخدماتية من وظائفها (مثل الإدارة والبلديات)‪ .‬وأن يقتصر دور هذه الأجهزة الثانية‬ ‫مثل تلك الاولى على تسيير شؤون الجماعة والدولة بصرف النظر عمن يختاره الشعب‬ ‫ليحكم أو ليعارض‪ .‬فالانتخابات تختار من يحكم وكذلك من يعارض أي من هو أقرب لأن‬ ‫يحكم بعده وذلك هو معنى سيادة الشعب ومن يمثل الشعب في أجهزة الدولة هو في خدمة‬ ‫إرادة الشعب ومن يختاره لتمثيله وينبغي أن تبقى محايدة كما هي الحال في البلاد‬ ‫الديموقراطية‪.‬‬ ‫• الإشارة الرابعة‪:‬‬ ‫تخص المنظمات الاجتماعية أعني النقابات بصفنيها نقابات العمال ونقابات أرباب العمل‪.‬‬ ‫فهم إذا تدخلوا في السياسية أفسدوها‪ .‬الاولى بالشعبوية النقابية التي تفسد شرط قيامها‬ ‫أعني العمل نفسه‪ .‬كما حدث في السنوات الثمانية التي مرت‪ .‬والثانية تفسد سرط عدلها‬ ‫أعني \"مفيزة\" تمويل الانتخابات كما حدث في الانتخابات السابقة‪.‬‬ ‫• الإشارة الاخيرة‪:‬‬ ‫وأتكلم على ما لا يمكن ألا يكون له دورما في الانتخابات بسبب دوره في توجيه الراي‬ ‫العام في كل جماعة حرة‪ .‬ولا مانع منه إذا كان علنيا وفي حدود ما يخوله القانون المتعلق‬ ‫بحرية التعبير وبحرية البحث العلمي والاجتهاد القيمي‪ :‬وأعني كل المنظمات ذات الوظيفة‬ ‫المتعلقة بالخيارات القيمية سواء كانت من الحقوقيات أو من الروحيات أو من العلميات‪.‬‬ ‫فمن حق الجمعيات الحقوقية أن تدافع عن قيم بصورة عامة دون أن توظفها لصالح قوة‬ ‫سياسية معينة ومثلها بالنسبة إلى الجمعيات الدينية أو الثقافية‪ .‬فهذا المنظمات تنتسب إلى‬ ‫حرية التعبير ودور الجماعة في تحديد خيارات الجماعة الأسمى من السياسي بشرط ألا‬ ‫تتجاوز وظيفتها التعبيرية بصورة عامة والا تتحول إلى أدوات دعاية لزيد أو عمرو‪.‬‬ ‫ابو يعرب المرزوقي‬ ‫‪44‬‬ ‫الأسماء والبيان‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook