53 7 - - وهو ما يعني أن العمل والشرع أعقد من النظر والعقد لأن هذين من أدوات ذينك .فالمفهوم الجامع بين النظر والعقد من ادوات المفهوم الجامع بين العمل والشرع أو لنقل إنه أداة تقنية تقيم في ضوء الغايات التي هي قيمية قد تكون خلقية أو جمالية أو وجودية متعالية عليهما لأنها تتعلق بحرية الإنسان وكرامته وبإعالته وبحمايته فردا وجماعة .فيكون الجهاز الذي يتحد فيه النظر والعقد والجهاز الذي يتحد فيه العمل والشرع شرطين لتحقيق الرعاية والحماية الماديتين والروحيتين أو شرطي للاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها. ومثلما وحدنا العقائد الأربعة فأرجعناها إلى النظام المتوقع والنظام المتحقق (علم الإنسان ووعيه) فإنه يمكن أن نوحد الشرائع الأربع (ارادة الإنسان وعمله) فنرجعها إلى غاية النظام القيمية سواء كانت متعلقة بالخير والشر (القدرة وفعله) أو بالجمال والقبح (ذوق الحياة) أو خاصة بالجليل والذليل (رؤية الوجود والحياة) أي بمقومات حرية الإنسان وكرامته وجودا أو عدما وهي إذن متعلقة بالمنشود وراء الموجود :فالعمل والقيم متعلقان بالمنشود لأنهما يحددان فعل الإنسان المغير للموجود والمشرئب إلى ما يتعالى عليه. في ختام تعريف المفهومين المركبين لأنهما كلاهما مؤلفان من مفهومين النظر والعقد بالنسبة إلى الأول والعمل والشرع بالنسبة إلى الثاني -وهي رؤية غير مسبوقة بفضلها نتجاوز المقابلة السطحية بين الفلسفي والديني-يمكن أن نعتبر العلاقة بينهما هي العلاقة بين الأداة والغاية بالقياس إلى استعمالهما وبين الموجود والمنشود بالقياس إلى ما يستعملان من اجله وبين نظرية المعرفة ونظرية القيمة بالقياس إلى دورهما كجهازين .فنكون بذلك قد أعددنا ما يساعد على فهم رؤية القرآن للعلاقة بين فلسفة الدين وفلسفة التاريخ وتأصلهما في كيان الإنسان أولا وفي علاقته بالآفاق أو بعالم الشهادة من حيث هو عالم طبيعي وعالم تاريخي كلاهما آية تحيل لما بعدها ولا يستطيع الوعي الإنسان منها فكاكا وهو معنى فطرية الإسلام. ويبقى أمامنا علاج مسالتي التفاعل بين المفهومين المركبين في الاتجاهين أي من النظر والعقد إلى العمل والشرع ثم من العمل والشرع إلى النظر والعقد :والتفاعل الثاني مختلف تماما عن الأول. وتلك هي علة التخميس واستحالة القبول بالتثليث :فما أن ننطلق من الزوجية فإن للعلاقة أبو يعرب المرزوقي 96 الأسماء والبيان
53 7 - - اتجاهين مختلفين ولا يمكن اعتبارها نفس العلاقة وذلك هو الخطأ الذي وقع فيه هيجل .فحتى وعي الإنسان بذاته لا يترتب عليه تثليث الذات بل تخميسها لأن وعي بذاتي غير ذاتي وله تأثير فيها ولها تأثير فيه وهما مختلفان تماما والجامع بينها اربعتها هو ما أسميه أنا .ويتضح ذلك أكثر في علاقة وعيي بجسدي :التأثير المتبادل بينهما ليس واحدا .فأكون جسدا وروحا وتأثر الاول في الثاني والثاني في الأول ثم وحدتي التي هي عقيدة لا شيء يثبتها وإذن فهي ليست حقيقة علمية. وهذه العلاقة قابلة للتبسيط بالعودة إلى مقومي المفهومين اللذين درسناهما .فنبحث علاقة النظر بالعمل وعلاقة العقد بالشرع في الاتجاهين على النحو الذي يفهمنا علاقة المفهومين المؤلفين في الاتجاهين أيضا .وحتى أيسر درس التفاعل في الاتجاهين وضعت نظرية الوسيط في التعلق .وهذا الوسيط مضاعف فهو أداة التبادل لثمرتهما المادية وهو أداة التواصل حولها أي ثمرتهما الروحية وأعني بذلك دور \"العملة\" ودور \"الكلمة\" .فثمرة النظر والعقد تكون موجبة وهي حينئذ التعمير وتكون سالبه وهي حينئذ التدمير .وثمرة العمل والشرع هي قيمة العمل الموجبة أو السالبة أي صلاحه أو طلاحه في تحقيق شروط العيش المشترك الذي هو بالجوهر ثمرة نظام التواصل أو الثقافة مثلما أن نظام التبادل هو الاقتصاد. والثمرات يمثلها التبادل الاقتصادي والتواصل الثقافي في كل جماعة وبين الجماعات في المعمورة: وهما مستويا المرسل إليه في رسالة الإسلام وضمنهما الفرد لأنه هو الحامل للمسؤولية بوصفه مكلفا بالتعمير والاستخلاف .وقد اضطررت لوضع نظرية الوسيطين لأن أثر النظر والعقد في علاقة الإنسان بالطبيعة هو مصدر قيامه المادي وأثر العمل والشرع في علاقة الإنسان بالتاريخ هو مصدر قيامه الروحي .ولا يمكن درس القيامين في ذاتهما بل لا بد لهما من تعين يكون أداة للتبادل هو العملة وأداة للتواصل هو الكلمة وهما سرعان ما ينتقلان من دور الأداة بين المتبادلين والمتواصلين إلى دور سلطان صاحبيهما عليهم. وذلك هو دور العملة ودور الكلمة الأولى للتبادل والثانية للتواصل .لكنهما سرعان ما تنقلبان إلى سلطان المسيطرين عليهما سلطانهما على المتبادلين وعلى المتواصلين عندما ننتقل إلى البنية العميقة أبو يعرب المرزوقي 97 الأسماء والبيان
53 7 - - لأنظمة الحكم الحديين أي الثيوقراطية أو الانثروبوقراطية فنكتشف أن البنية العميقة الواحدة فيهما هي ما سميته الأبيسيوقراطية أو نظام حكم العجل :عبادة معدن العجل (ربا الاموال) وخواره (ربا الأقوال) .فالعجل معدنه الذهب وهو رمز العملة التي تصبح سلطانا في الثيوقراطيا وفي الانثروبوقراطيا وهي في الأولى باسم الله وفي الثانية باسم الإنسان وهما وجهان لنفس العملة التي تخفي حقيقة الانثروبوقراطيا بوصفها علمنة الثيوقراطيا مع المحافظة على نفس الشيء مع تغيير الاسم :الكنيسة تصبح مافية ثقافية مسيطرة والحكم بالحق الإلهي يصبح مافية اقتصادية مسيطرة. وهذا التحول يحدث في الاتجاهين :فهو إما بأثر من ثمرة النظر والعقد أو بأثر من ثمرة العمل والشرع .ولذلك فالتحريف له مصدران :من ثمرة ربا الأموال ويأتي من ثمرة النظر والعقد إذا حرف وهو الاقتصاد الذي صار غاية سلطانية وليس أداة لقيام الإنسان العضوي ثم من ثمرة ربا الأقوال ويأتي من ثمرة العمل والشرع إذا حرف وهو الثقافة التي صارت غاية سلطانية وليست أداة لقيام الإنسان الروحي .لكن الإصلاح لا يأتي إلا من إصلاح ثمرة العمل والشرع لأن الثقافة هي التي تسيطر على الاقتصاد بخلاف ما يتوهم الكثير :فهي أصله لأن الاقتصاد ثمرة التعامل مع الطبيعة بعمل على علم وغايته ثمرة التعامل مع التاريخ بعمل على قيمة. وحتى نفهم ذلك فينبغي أن نعلم أن ثمرة النظر والعقد هي الاقتصاد الذي يمكن أن يكون في خدمة الإنسان غاية أو في استخدام الانسان أداة وثمرة العمل والشرع هي الثقافة ويمكن أن تكون في خدمة الإنسان غاية أو في استخدامه أداة .وأبرز مثال فيهما هو منزلة المرأة :فهي تكون مجرد أداة اقتصادية عندما تصبح مجرد أداة ثقافية فهي أداة التسويق في الاقتصاد الاستعبادي وأداة الاغراء في الثقافة الاستعبادية. ولما كان الاقتصاد أساس الشوكة في الحكم والعنف في التربية وكانت الثقافة يمكن أن تكون تبريرا لهما أو ثورة عليهما فإنها هي أصل كل إصلاح وأصل كل توطيد للفساد .والفساد والصلاح يبدآن بالثقافة التربوية أي بتكوين جهازي الإنسان أعني الجهاز الموحد للنظر والعقد والجهاز الموحد للعمل والشرع .وقد عرفت المفهوم المركب من النظر والعقد وعرفت المفهوم المركب من العمل أبو يعرب المرزوقي 98 الأسماء والبيان
53 7 -- والشرع وبينت دورهما ثم أساس التفاعل بينهما بتوسط أداة التبادل أو العملة وأداة التواصل أو الكلمة وهما ناقلان للتفاعل من كونه يتوسط أداتين إلى كونه انقلابا إلى سلطتين هما أصل الإفساد أو الاصلاح للاقتصاد والثقافة. والاقتصاد هو شرط القيام العضوي الإنساني وإذا صار غاية واستعمل للسلطان على الإنسان صار أداة استعباد مادي .والثقافة هي شرط القيام الروحي للإنسان وإذا صارت غاية واستعملت للسلطان على الإنسان صارت أداة استعباد روحي .وذلك بين الافراد في الجماعة الواحدة أو بين الجماعات في المعمورة .والاقتصاد هو العلاقة بين البشر بتوسط العلاقة بينهم وبين الطبيعة. والثقافة هي العلاقة بين البشر والطبيعة بتوسط العلاقة بينهم وبين التاريخ .فتكون رؤية الطبيعة ورؤية التاريخ هي ما وراء السياسة :ورؤية الطبيعة والتاريخ من دون الاشرئباب إلى ما ورائهما هو سر الاستعبادين لأنهما من دونه يصنعان بديلا منه هو الأوثان الطبيعية أو التاريخية. الوثنية الطبيعية معلومة .فكل الأديان البدائية كانت وثنية بهذا المعنى .لكن الوثنية التاريخية مجهولة وهي ما يغلب على المجتمعات التي نكصت إلى الوثنية الطبيعية ثم جعلتها تاريخية بأن صارت أوثان الطبيعة هي أوثان السياسة أي الطواغيت المسيطرين على رزقي الإنسان المادي والروحي .ولذلك فما وراء السياسة العلنية أو الخفية الواعية أو غير الواعية هو دائما موقف متردد بين الإخلاد إلى الارض والطبيعة أو السمو عليهما إلى ما وراء ليس من طبيعتهما بل هو ما يضفي عليهما معنى هو المميز بين التعمير وحرية الإنسان وكرامته والتدمير وعبودية الإنسان وفقدانه للكرامة. وإذن فالحرية هي ثمرة عن التحرر من نوعي الربا أي معدن العجل وخواره والعبودية هي ثمرة هذين النوعين من الوثنية أي عبادة غير الله وذلك هو تبين الرشد من الغي أو شرط الحرية الدينية :الكفر بالطاغوت شرط الإيمان بالله .فيكون المشكل كله في تجهيز الإنسان بالنظر والعقد أداة لعلاقته بالطبيعة ليعلم قوانينها ويطبقها في سد حاجاته منها (التسخير) وفي تجهيزه بالعمل والشرع أداة لعلاقته بالتاريخ ليطبق سننه من أجل سد حاجته الروحية والسمو إلى المنشود والتحرر من الإخلاد إلى الارض :الإنسان الجدير بالخلافة. أبو يعرب المرزوقي 99 الأسماء والبيان
53 7 - - فيكون سر الجوهر السياسي للإسلام كامنا كله في شروط العلاقة بالطبيعة لسد الحاجات العضوية بتوسط التبادل العادل المشروط في التعاون بين البشر وفي العلاقة بالتاريخ لسد الحاجات الروحية بتوسط التواصل المشروط في التفاهم بين البشر هو اساس فهم علل انقلاب أدوات التبادل والتواصل من مجرد أدوات إلى غايات سلطانية بين البشر .تلك هي حبكة القرآن واستراتيجيته في بعدي سياسة عالم الشهادة بمثل من عالم الغيب :التربية التي تعد الجهازين والحكم الذي يعد شروط استعمالهما بصورة تحقق حرية الإنسان وكرامته في وئام بين البشر بوصفهم أخوة (النساء )1متساوين ولا يتفاضلون عند الله إلا بالتقوى (الحجرات .)13 والآن فلنحاول فهم السر في انقلاب الأداتين -العملة والكلمة -من دور الأداة إلى دور السلطان؟ فما الذي يجعل العملة تصبح سلطانا على المتبادلين في حين أنها أداة للتبادل بوصفها رمزا للقيم الاقتصادية؟ وما الذي يجعل الكلمة تصبح سلطانا على المتواصلين في حين أنها أداة للتواصل بوصفها رمزا للمعاني الثقافية؟ ذلك هو مفهوم ربا الأموال ومفهوم ربا الأقوال .ولنأخذ الربا الاول :فمرده إلى ما يجعل العملة تصبح وسيطا يغني عن التبادل بالمقايضة :ففي المقايضة البضاعة أو الخدمة حاضرة بذاتها والعملة تغني عن حضورها. ولو أخذنا الربا الثاني :فمرده إلى نفس الظاهرة أي ما جعل الكلمة تصبح وسيطا يغني عن التواصل بالمعاني نفسها .المعنى نفسه في التواصل هو الإشارة الحية الغنية عما يرمز إليها بالكلام مثل البضاعة أو مثل خدمة نفسها في التبادل المغنية عما يرمز إليها بالعملة .فماذا في دورهما يعطيهما سلطانا؟ إذا فهمنا ذلك تمكنا من فهم ما يجري في المجتمعات البشرية التي تتحول إلى مجتمعات وثنية تعبد طاغوت الطبيعة وطاغوت التاريخ أي نوعي الشرك اللذين يريد الإسلام تحرير الإنسانية منها بالتربية والحكم المتخلصين من ربا الاقوال وربا الأموال وهي ثورة ما تزال غير مفهومة حتى عند كبار علماء الإسلام قديمهم وحديثهم. أمران مشتركان بين العملة بوصفها مغنية عن تبادل المقايضة والكلمة بوصفها مغنية عن تواصل المشاورة الحية إنهما: أبو يعرب المرزوقي 100 الأسماء والبيان
53 7 - - .1الاستعداد الآني لأي تبادل ولأي تواصل بسبب كونهما \"ادخار\" قيمة وادخار معنى جاهز للاستعمال مباشرة .2استغناء التبادل والتواصل عن الحاجة الآنية التي تعلل التبادل والتواصل عند طرفي التبادل أو التواصل ما ييسر الاحتكار الذي هو تبادل وتواصل مؤجل بسبب تعين الفرص التجارية في الاقتصاد والمقامية في المقال .والسياسة هي بالأساس استعمال هذين النوعين من الاحتكار وتحين الفرص للفعل القولي والمادي. وطبعا هذه من الأمور التي لا تجدها عند الساسة العرب يستعملونها لصالح شعوبهم إما لأنهم \"صم بكم عمي فهم لا يعقلون\" أو لان من يعلم ذلك تابع ويطبق ما يؤمر به .والأمر الأول يجعل صاحب العملة أو الكلمة قادرا على الاستفادة من الفرص لأن من يملك المال السائل يمكن أن يهجم على الفرصة متى حانت ومن يحتاج إليه مضطر للقبول بشروطه فتكون العلاقة علاقة بين حر هو مالك المال السائل ومضطر هو المحتاج إليه .وهي أصل سلطان الأول على الثاني والربا هذا أصله. ونفس الشيء في التواصل :سيد اللغة أقدر من العيي .كل نكبات الحمقى علتها أنهم لا يدرون عيهم فيتصورون مثل رئيسنا أن فتح الاشداق دليل فصاحة. لكن سيد الكلمة لا يمكن ألا يكون في خدمة سيد العملة :وقد اعتبرهم الفارابي خدم السلطان السياسي والمالي وهم كذلك إلا ما ندر .ولذلك فالعملة ليست سلطانا اقتصاديا فحسب بل هي سلطان اقتصادي بيده السلطان على ما عداه من كل أنواع السلطان بدءا بالكلمة .لذلك فالقرآن يعتبر النفاق الذي هو بالجوهر الكلام المخادع وخدعته افعال التقية وإذن فهو ربا الاقوال أي جوهر الكذب وهو أشد ما يمقته الله وهو حكم أشد من اعلان الحرب على ربا الأموال .والسلطان السياسي موظف عند سلطان العملة ويوظف سلطان الكلمة من هنا الكنسية والحق الإلهي في الحكم بداية للدول. وأعود إلى البنية العميقة الواحدة بين الثيوقراطيا والانثروبوقراطيا -ولنا منهما مثالان يجمعان فعليا بينهما في العمق وفي الظاهر أعني إيران وإسرائيل لأبين أن من يتوهم الدولة العلمانية مختلفة عن الثيوقراطية لم يفهم بعد أنها هي نفسها وقد علمنت وهي ليست مستغنية عن كل أبو يعرب المرزوقي 101 الأسماء والبيان
53 7 -- مكوناتها .ولعل ذلك يبرز بوضوح في النظام الذي يبدو أعدى أعداء الثيوقراطيا أعني النظام الشيوعي :فالكنيسة صارت حزب البروليتاريا والحق الإلهي في الحكم صار حق الطبقة البروليتارية. ومن يدرس بتمعن ما يحصل في الخلافات بين المنتسبين إلى الدولة الشيوعية وتفتت الفكر الشيوعي إلى طوائف وفرق يرى أنها لا تختلف عن الفرق الدينية والطوائف بل حتى التسميات واحدة :التفسيق والتبديع واللعن والتصفية الجسدية واللعان المتبادل .ولما كانت أدوات الصراع متقدمة جدا فالضحايا بالملايين لأن السلاح لم يبق مجرد سيوف وخيول ولان التبادل والتواصل صارا معولمين بخلاف ما دعا إلى الإسلام من عولمة الأخوة البشرية (النساء )1والمساواة بين البشر (الحجرات :)13فصارت البشرية تعيش حربا أهلية كونية في كيان الفرد وبين الذكر والانثى ثم في نفس الجماعة ثم بين الجماعات .ولا مفر من سياسة القرآن التي تنبني على حقيقة الإنسان وعلاقته بالرحمن. أبو يعرب المرزوقي 102 الأسماء والبيان
53 7 - - نبدأ الآن الكلام في الفصل الثامن وفيه نبحث مع التجهيزين ما يناظرهما في الآفاق أي في العالم الطبيعي والعالم التاريخي أي في علاقة الإنسان بالطبيعة وعلاقته بالتاريخ .وذلك يعني الإنسان علاج الإنسان لشروط قيامه وبقائه المتضايف مع بقائهما أعني حفظ عالم الشهادة المحيط به لما بينه وبين كيانه الشخصي من تلازم ولما فيهما من آيات دالة على ما ورائهما لكونها مما يرينه الله من آيات في الآفاق وفي لأنفس (فصلت .)53فالتناظر بين التجهيزين والعالمين اللذين يتغيران بالجهازين ويغيران الجهازين. وهذا هو مضمون الباب الأول من مقدمة ابن خلدون أو هو معادلتها المتحكمة في بقية فصولها الخمسة .وبلغة القرآن فإن آيات الله في ثمرة فعل الخلق هي قوانين الطبيعة وآيات الله في ثمرة فعل الأمر هي سنن التاريخ .وبهما يستدل القرآن على وجود ما وراء عالم الشهادة ويؤسس العلاقة بين سياستيهما أي بين أفعل الإنسان في عالم الشهادة وأفعال الله في عالم الغيب الذي يجعل عالم الشهادة يكون شاهدا بكيف شهوده رغم أنه لا شيء منه يماثل عالم الغيب .فالله خالق للطبائع وآمر للشرائع. وتجهيز الإنسان بالنظر والعقد يتعلق بثمرة فعل الخلق وتجهيز الإنسان بالعمل والشرع يتعلق بثمرة فعل الامر .لكن فعل الحق وفعل الأمر كلاهما من الغيب بمعنى أن الإنسان حتى الملحد \"يؤمن\" بشيء مثلهما .وثمرة فعل الخلق لها قوانين رياضية تعلم منها بالتجربة وثمرة فعل الامر لها سنن قيمية تعلم بالتجربة .ومن هنا اضطراري لوضع نظرية المقدرات الذهنية القيمية قياسا على المقدرات الذهنية الرياضية (التي وضعها ابن تيمية) .وتطبيق الرياضيات على التجربة فيزياء وتطبيق القيميات على التجربة تاريخ. وموضوع هذا الفصل الثامن هو معنى المقدرات الذهنية النظرية والعقدية أدوات تجهيز الإنسان المعرفي وتطبيقاته لعلاج علاقته بالطبيعة ومعنى المقدرات الذهنية العملية والشرعية أدوات أبو يعرب المرزوقي 103 الأسماء والبيان
53 7 -- تجهيز الإنسان القيمي وتطبيقاته لعلاج علاقته بالتاريخ .وبهما يحقق الإنسان مهمتيه مستعمرا في الأرض ومستخلفا فيها بالتعامل مع قوانين الخلق الرياضية وبالتعامل مع سنن الأمر القيمية .وهما بعدا التسخير القرآني أي مضمون نظرية المعرفة ونظرية القيمة فلسفيا. ولأكن صريحا من البداية .فالمقدرات الذهنية النظرية أدوات لتنظيم التجربة الطبيعية واكتشاف قوانين الطبيعة وتطبيقاتها في استعمار الإنسان للأرض والمقدرات الذهنية العملية التي اضفتها إليها قياسا عليها أدوات لتنظيم التجربة التاريخية واكتشاف سنن التاريخ وتطبيقها في الاستخلاف في الارض هما معنى تجهيز الإنسان بالقدرتين اللتين يمثلهما النظر والعقد في المعرفيات والعمل والشرع في القيميات .والإنسان يعلم على معرفة ويعمل على قيمة .وهما قدرتان فطريتان فيه وما يكتسبه هو مضمونهما وما يدفع إليه من تطويرهما. فالمضموني مصدره التجربة التي تتحقق بالإدراك الحسي المباشر أو المجهز بما ينتجه العلم من أدوات تقوية الإدراك الحسي المباشر .وإذن فما هو فطري هو القدرة على \"إبداع\" المعاني الكلية التي تمكن من التعامل مع الخلق بالرياضيات وابداع المعاني الكلية التي تمكن من التعامل مع الأمر بالقيميات .والرياضيات والقيميات لغتان أولاهما لقول قوانين الطبيعة والثانية لقول سنن التاريخ .وابن تيمية اعتبر المعاني الكلية النظرية للعبارة عن قوانين الطبيعة مثل ألفاظ اللسان ورسوم الكتابة .وقياسا عليها اعتبرت المعاني الكلية العملية للعبارة عن سنن التاريخ مثلها .وهما وباستحالة تعينهما المطابق في \"عالم الشهادة\" رغم ضرورتهما لتصوير تجربتي الإنسان فيه يحيلان إلى عالم من جنس ثان يتعالى عليه :عالم الخلق والامر. وهذان القدرتان المعرفية والقيمية الفطريتان من حيث الشكل دون المضمون الذي هو مكتسب وهو من جنس قيم المتغيرات في الرياضيات وفي القيميات والذي هو تجريب حتما فلا يكون إلا مكتسبا من التجربة في عالم الشهادة الطبيعي والتاريخي .وكلاهما متطور بمعنى أن الفطري يتطور أو هو أبداع لا يتوقف إذ قد يقتضي المضمون ابداع لغة نظرية ولغة قيمية أكثر قدرة على ترجمته .وعندما نتكلم على ختم الرسالة فالقصد تحديد طبيعة نوعي المقدرات الذهنية الخلقية والأمرية دون حصر أشكالها التي تتطور بلا حصر ولا نهاية. أبو يعرب المرزوقي 104 الأسماء والبيان
53 7 - - ولا بد هنا من تحديد طبيعة اللغة الطبيعية أي الألسن وفهم معنى تعددها .فهي أولا لغة من الدرجة ا لثانية أي إنها ما بعد لغة يترجم بها من له القدرة على أبداع اللغتين الأساسيتين أي المقدرات الذهنية النظرية والمقدرات الذهنية العملية هذه المعاني الكلية لغير القادرين على ابداعها .اللغة الطبيعية تبدو مباشرة لكنها تصبح كذلك عند من لا يرى ما بينها وبين مرجعاتها من حصور اللغتين الأخريين المتقدمتين عليها .ولولا ذلك لاستحال تعليم الألسن للأطفال أعني علاقة الألفاظ بالأشياء التي يتوهم العامة أنها علاقة مباشرة من جنس العلامات العادية التي تكتب على لوحات لتحدد أسماء البضائع أو المواد في الأسواق. لكنها في الحقيقة هي ما به يمكن للمعلم أن يعلم الطفل اللغة الأعمق التي تنقله من هذه العلاقة المباشرة الوهمية على ما بينها وبين الموجود والمنشود من المعاني الكلية المقدرة ذهنيا والتي هي اللغة الكونية التي من دونها يستحيل التفاهم بين البشر وتصبح اللغات الطبيعة جزرا لا وصلة بنيها .فالمعاني الكلية سواء كانت نظرية أو قيمية أو حتى صناعية بالمعنى التقني هي اللغة التي ينتقل المتعلم من لغة التواصل بينه وبين الناطقين إلى لغة التواصل مع كل الأشياء أي غير الناطقين :بصوغ القوانين والسنن .هذا الفصل الثامن يدرس دور العلاقة بين الإنسان والطبيعة والعلاقة بين الإنسان. والإنسان بهذا المعنى الذي لا بد منه شرطا في القدرة على التعمير والاستخلاف وفيهما تكون اللغة الطبيعية ما بعد لغة لأنها ترجمة للغتين الأعمق اللذين تمثلهما لغة المعاني الكلية النظرية والقيمية التي وصفنا .ويمكن بجملة واحدة أن أصوغ علة التخلف الذي تعاني منه الأمة منذ قرون بعبارة ليس أوضح منها .فالفكر في حضارتنا صار أعمى تماما لأنه لم يدرك أن اللغة الطبيعية لا يمكن أن تكون لغة معرفة ولا لغة قيمة لأنها ترمز إلى المعرفة والقيمة في الثقافة رمز العملة لهما في الاقتصاد دون أن تكون لها بهما علاقة في غياب لغة المعرفة ولغة القيمة اللتين هما المعاني الكلية المقدرة ذهنيا نظريا وعمليا. صار فكرنا يستعمل اللغة الطبيعية من دون اللغة الاصلية التي تمكن من التواصل مع الطبيعة ومع التاريخ أي إنه يتوهم اللغة الطبيعية قادرة على قول قوانين الطبيعة وسنن التاريخ من دون أبو يعرب المرزوقي 105 الأسماء والبيان
53 7 - - شرطيهما .وهذا هو أصل كل التخريف حول الأعجاز العلمي لتوهم لغة القرآن الطبيعية قولا في المعاني الكلية النظرية والعملية .وإذا كان لابن تيمية وابن خلدون فضل فهو أنهما فهما هذه الحقيقة :الأول اكتشف أن المعاني الكلية مقدرات ذهنية نظرية ذات وظيفة لتأسيس الطبيعيات والثاني اكتشف ما يناظرها وإن لم يسمه وهي قيمية لتأسيس الإنسانيات واللغة الطبيعية ما بعد لغة في الحالتين تصل المعرفي والقيمي بالعامي. وعندما قال الله في القرآن كل شيء خلقناه بقدر وكل شيء أمرناه بسنن ثم أضاف في فصلت 53 إننا نعلم أن القرآن حق إذ رأينا ما يرينه من آياته في الآفاق وفي الانفس فهو يدعونا لإبداع اللغة التي هي غير اللغة الطبيعية التي تتكلم على الأشياء وكأنها علامة مثل العملة دون أن كون متضمنة لكيانها المعرفي أو القيمي .وإذن فالمقصود بالآيات هو المعنى الرياضي والمعنى القيمي في الآفاق وفي الانفس وهي قوانين الطبيعة وسنن التاريخ حول الإنسان وفيه ناطقة بلغتهما التي على الانسان ابداعها لكونه مجهز بالقدرة عليه. وهي إذن ليست لغة القرآن بما هي لغة تشير إلى محل اللغتين اللتين على الإنسان رؤيتهما في الآفاق وفي الانفس ليبدع المعاني الكلية التي نكتشفها في الآفاق وفي أنفسنا أي في العالم الشاهد المحيط بنا وفي كياننا العضوي والروحي أي في كيان الطبيعة الفيزيائي وفي كيان التاريخ القيمي. والآيات فيهما هي المعاني الكلية التي \"تقولهما\" أي اللغة التي تعالج علاقتنا بهما .والقرآن عرف نوعي للغة التي يبدعها الإنسان :لغة تعبر عما يمكن للإنسان أن يبدعه (الرياضيات) لقول ما يدركه (التجربة الطبيعية) من قوانين شاهد الخلق (كل شيء خلقناه بقدر) وأن يبدعه (السنن) لقول ما يدركه (التجربة التاريخية) من سنن شاهد الأمر (لن تجد لسنة الله تبديلا). وما يبدو من تدبير سابق بين نظامي التجهيز الإنسانيين أي النظر والعقد في المعرفيات والعمل والشرع في القيميات إذ يطبقان على على الموجوديات والمنشوديات يعسر أن يقبل العقل أن تكون كلها من الصدف لاستحالة أن تكون الصدفة أصلا للنظام .ولذلك فهما يصبحان دافعين للبحث في ماوراء هذا التناسب بين تجهيز الإنسان المعرفي ونظام الطبيعة وتجهيزه القيمي ونظام التاريخ. فيكون للإنسان منطلقان في البحث الماورائي :فإذا انطلق من المعرفي الطبيعي كان فيلسوفا وإذا أبو يعرب المرزوقي 106 الأسماء والبيان
53 7 -- انطلق من القيمي التاريخي كان نبيا :وطبعا فالقصد أن الفيلسوف والنب نموذجان مثاليان وليس المعنى أن كل باحث في الفلسفة فيلسوف وكل باحث في الدين نب. وهما دافعان للمؤمن والكافر إلى العناية بالإلهيات بنوعيها الفلسفي والديني لأنهما منفصلتان انفصال أمر واقع ودعوى التفاضل بين المتنافسين .فالمؤمن بخلاف الملحد لا يفسر النظام باللانظام حتى لو سلم له أن الفوضى مقدمة على النظام بل وخاصة إذا سلم بذلك .فالانتقال من الفوضى إلى النظام هو الذي يعني أن للنقلة المنتظمة والثابتة ما يدل على أنها ثمرة عمل قصدي وراءها حتى لمجرد المقابلة بين الحالتين .وفي هذه الحالة يبدو المؤمن صاحب الموقف الأقوى منطقيا لأن أثبات حالة واحدة تدحض الكلية السالبة وسلب حالة واحدة لا تثبت الكلية السالبة. ولذلك فأقصى ما يمكن أن يرد به الملحد على المؤمن ليس نفي الفرق بين العالمين بل يقتصر على نفي المفارقة .وتلك هي علة القول بوحدة الوجود سواء كانت طبعانية برد التاريخي إلى الطبيعي توحيدا للنظامين أو روحانية لنفس الغرض .ولذلك فالتصوف عندي إلحاد يقول بالمحايثة إما من النوع الأول أو من النوع الثاني ولا فرق فعلا بين الردين الطبيعي للروحي أو الروحي للطبيعي لتحقيق المحايثة .وابن عربي يستعمل كلمات تفيد المعنيين لأن القول إن العالم هو عين الله يفيد المعنيين لأن العين يمكن أن كون مادية أو روحية. والمقدرات الذهنية النظرية والعملية من حيث هما قدرة فطرية دائمة التطور الشكلي لا المضموني -إذ لا مضمون لهما ولا يوجد مضمون يمكن أن يكون من جنسهما حتى عندما يكون ما بعد الرياضيات هو بدروه رياضيا وما بعد القيميات هو بدوره قيميا -يحققان شروط التكيف مع العالمين الطبيعي والتاريخي في تناسب مع تطور التجربتين الطبيعية والتاريخية المحددتين للمضمون باعتبار المقدرات وكأنها معادلات صورية تبحث عن قيم فيهما فيكون المنطلق شبه تطويع لشكل العبارة الرياضية والقيمية حتى يقرب من المضمون الطبيعي أو التاريخي :وفي الحقيقة فذلك هو معنى اخضاع التجربة للمعاني الكلية إذ هي توحي بتعديلات في العبارة كمن يطوح القول للمقول ذهابا من المقام إلى المقال. أبو يعرب المرزوقي 107 الأسماء والبيان
53 7 - - والظاهرة المعرفية والقيمية التي تحصل من الملاءمة والتدبير بين التقدير الذهني القبلي في الذهن والتضمين الموضوعي البعدي في التجربة يضعنا أمام نظام أسمى منهما هو الذي يعلل التناظم المتبادل بين تجهيزي الإنسان وخاصيتي العالم الطبيعي (الخلق بقدر) والعالم التاريخي (الأمر بسنة) فيكون الإنسان أبلغ دليل على وجود الله .ففيه أثر من فعل الخلق ومن فعل الأمر بلغة أرقى من اللغة الطبيعية التي لا تتجاوز التواصل بين البشر على التواصل بلغة المعاني الكلية النظرية والعملية بينهم وبين الكائنات الاخرى غير البشرية. ولغة المعاني الكلية النظرية والعملية -وهذا من المفارقات أقرب إلى لغة الإشارة منها إلى لغة العبارة لأن الإشارة هي عين الشيء الذي يشير بذاته وبهما يعبر البدن بهندسة الرسم ونغم الصوت فيكون بدن الإنسان ظاهرة طبيعية ناطقة بلغة متقدمة على الكلام .فيصبح مفهوم الاستخلاف له هذا المعنى الذي يفيد بأن له شيئا من كن الخالقة وكن الآمرة في المعاني الكلية المتقدمة على اللسان الطبيعي .إنه خليفة ليس بمعنى القائلين إنه خلق على صورة الله-وقد حسمها ابن تيمية عندما جعل الضمير يعود على الاسم الاقرب في جملة \"الله خلق آدم على صورته\" أي \"على صورة آدم\" وليس على \"صورة الله\"-بل بمعنى أن تصوير آدم بالمعنى الذي جعله قادرا على التقدير الذهني. معنى كونه خليفة هو جعله حاصلا على بعض ما نذهب إليه عندما نتخيل الإنسان خالقا يريد أن يصنع روبا له شيء من فاعلية الخلق المستقل .فنسبة الله إلى الإنسان هي نسبة الإنسان إلى مثل هذا الربو المستقل عنه بما يشبه استقلال الإنسان عن الطبيعة .وذلك هو معنى حرية الإنسان أي له القدرة على ابداع المقدرات الذهنية والعمل بها في المعرفة تطبيقا على الطبائع وفي القيمة تطبيقا على الشرائع .وكل من يعجز عن ذلك يصفه القرآن بأنه من \"الصم البكم العمي الذين لا يعقلون\" .بمعنى الذين ليس لهم القدرة الحادسة التي تبدع المعاني الكلية ذهنيا وراء القدرة الحاسة التي لا تتجاوز العموميات اللسانية الطبيعية المستمدة من التشابه الحسي. وهو ما يجعل الشعوب التي مات فيها هذا الابداع للمعاني الكلية المعرفية والقيمية تتحول السياسة فيها إلى حرب أهلية بسبب الندرة التي تنتج عن غياب إبداع معرفة قوانين الطبيعة وتطبيقها أبو يعرب المرزوقي 108 الأسماء والبيان
53 7 - - لإنتاج ما يسد حاجتها فيكونوا قوم العنف والثرثرة لأن الكلام باللسان الطبيعي لا يتجاوز الثرثرة ولا يمكن أن يتضمن علما أو قيما بل هو يحيل إلى ما تتضمنه لغتا المعاني الكلية وهي مقتصرة على التواصل حول المعلوم وليست قادرة على ابداع العلم لأنها لا تبدع ما يعبر عن قوانين الطبيعة ولا ما يعبر عن سنن التاريخ وتطبيقهما التي من دونها لا يوجد ما يتم تبادله وتبادله بعدل شرطا للتعاون الذي يكون فيه الجميع خادما ومخدوما. والآن سأفتح قوسين لن يرضى عن الاستطراد الذي أضعه بينهما لا كاريكاتور التحديث ولا خاصة كاريكاتور التأصيل ويتعلق بما أعنيه بالواحد بين الديني والفلسفي الذي يلغي ما ظنوه مميزا لهما أحدهما عن الآخر .فما يميزهما ما ترتب من تحريف عن توظيفهما وليس من جوهرهما بل هو من أعراضها العامية في المجتمعات الإنسانية .وقد بينت أن هذا التوظيف علته أصحاب ربا الأموال (الاقتصاد) المستخدمين لربا الأقوال (الثقافة) أداتي كل حكم استبدادي في تاريخ البشرية. وأول أمر يستفز كاريكاتور التأصيل هو نفي أن يكون الوحي محويا على العلم بالغيب .فشتان بين الاعلام بوجود الغيب وبين علم الغيب خاصة والنص القرآني صريح بأن علم الغيب مقصور على الله صاحب العلم المحيط .ولا يمكن أن تكون الرسالة رسالة بأمر لا يمكن أن يعلمه المرسل إليه إذا كان المرسل عاقلا .والمعلوم أن المبلغ نفسه محجوب عنه الغيب .فكيف سيبلغ ما لا يعلم؟ وكيف ترسل رسالة لا تفهم؟ أما خرافة الكشف الصوفي ووراثة الانبياء فهما من التلاعب بالألفاظ إذا كان ما يدعيه الصوفي وما يرثه العلماء غير ممكن حتى للرسول. وإذن فليس في الفكر الديني ما لا يدركه العقل ويستسيغه إلا إذا كان مما لا يدركه الفكر الفلسفي ويستسغه .وما لا يدركه العقل في الفلسفة انتهت الفلسفة إلى الاعتراف به وهو ما توصل إليه الفكر الديني قبلها أعني استحالة المطابقة في المعرفة واستحالة المطابقة في القيمة. فمعرفتنا وتقييما كلاهما نسب إلينا ودائم التغير دون أن يطابق الموجود علما والمنشود قيمة. وعندما أدرك الفكر الفلسفي تحرر من وهمين هما علة الفصل بينه وبين الفلسفي في ما هو جوهري في نظرية المعرفة نظرية القيمة. أبو يعرب المرزوقي 109 الأسماء والبيان
53 7 - - وليس صحيحا أن الفلسفة تتميز عن الدين بكونها لا تنطلق من الإيمان بل تصل إليه وقد تصل لكنها يمكن أن تتوقف دونه .وهذان كذبتان .فهي مثل الدين تنطلق من عقيدتين وتنتهي إلى عقيدتين في النظر وتنطلق من تشريعين وتنتهي إلى تشريعين في العمل كما بينت في الفصل السابق .ففي النظر تنطلق الفلسفة مثل الدين من التسليم بوجود شيء قابل للعلم وبوجود ذات قادرة على علمه .وتنتهي إلى التصديق بما علمت أو بما لم تعلم وبدلالته على ما يعلم أو ما يجهل .وفي العمل تنطلق الفلسفة مثل الدين من التسليم بتشريعين تقديريين لما تسعى إلى تحقيقه وكلفته وتنتهي إلى تشريعين تقييميين للحصيلة وكلفتها. ولا يمكن تصور نظر من دون هذه العقائد الأربعة المحيطة به اثنين قبله واثنين بعده .ونفس الأمر بالنسبة إلى العمل بمعناه الفلسفي .لابد له من تشريعين قبله وتشريعين بعده من الأولين يشرع في عمله وإلى الثانيين ينتهي عمله .ومن يتجاهل ذلك اعمى البصيرة ولا يفهم القصد بالعلم الإنساني الذي يعني البحث عن الحقيقة ولا بالعمل الإنساني الذي ليس يعين تحقيق ما يعتقده حقيقيا لأن عمل الإنسان ليس فعلا طبيعيا أو آليا بل هو عمل على علم باستراتيجية أساسها ما يضعه من تشريع بداية وغاية .وذلك هو الفرق بين الشرائع والطبائع. وإلى حد الآن اكتفيت بتلخيص ما برهنت عليه في الفصل السابع وفي بداية هذا الفصل الثامن. لكني لم أبدا في الاستطراد الذي يتعلق بالقدرتين على التقدير الذهني النظري والعملي أي ابداع المعاني الكلية والقيم الكلية التي لا توجد في الأشياء رغم أن الأشياء لا يمكن أن تكون قابلة للمعرفة والتقييم إلا بفضلها .فالرياضيات والقيميات ليست مما له وجود معلوم الطبيعة لأنها من التقدير الذهني لكائنات مفهومية هي التي تبدع ما صدقات مفهومية أيضا لأن ما ماصدقاتها ليست مما له مثيل في الوجود الخارجي إذ من شروطها التمام التصوري الذي يزول بمجرد التعين المادي أيا كانت المادة التي تتعين فيها .فلا يمكن تصور مادة من دونها لكنها غنية عن التعين المادي. عندما كان الناس يجهلون الواحد في الديني وفي الفلسفي جوهريا بعد تحريرهما من العرضي والعامي كانوا يتصورون أن الديني ينشغل بما يمكن أن نعتبره مقصورا على المعاني الكلية أبو يعرب المرزوقي 110 الأسماء والبيان
53 7 - - القيمية .والفلسفة تنشغل بما يمكن أن نعتبره مقصورا على المعاني الكلية المعرفية .لما جاء الإسلام بين أن ذلك علته تحريف الديني وتحريف الفلسفي .وقد يفهم القارئ معنى التحريف الديني لكنه يستغرب من استعمال مفهوم التحريف للكلام على الفلسفة .لكنه لو طبق المعنى الديني للتحريف لفهم أنه ينطبق على الفلسفة كذلك :فالأمر في الحالتين متعلق بالتناسق بين المسلمات التأسيسية وما يترتب عليها .وهذه المسلمات هي ما عرفناه أي العقائد الأربع المحيطة بالنظر والشرائع الأربع المحيطة بالعمل. كيف ذلك؟ عندي على ذلك دليلان كلاهما مستمدان من هذه العقائد الاربع والشرائع الاربع. فالعقائد الأربع تمثل قاعدة هرم الفكر النظري الذي ذروته النظر والشرائع الاربع تمثل قاعدة هرم الإرادة التي ذروتها العمل .وذلك ينطبق في الدين وفي الفلسفة على الإنسان وما ينسب إليه من نزر شبيه بمثاله الاعلى الذي يعتبره علة ماورائية للموجود والمنشود .فجنسا أفعال الله في القرآن (الخلق بقدر والأمر بسنة) ووظيفتا الإنسان فيه (التعمير شركه الخلق الإنساني والاستخلاف شرطه الأمر الإنساني) وما يناسبهما من تجهيز محدد في الإنسان (النظر والعقد للتعمير والعمل والشرع للاستخلاف) ومن تسخير العالمين الطبيعي والتاريخي لشروط قيام الإنسان من حيث هو مكلف بتلكما الوظيفتين باعتبارهما مقومي العبادة لله وحده لأنه لم يخلق إلا للعبادة. ولنبدأ بجنسي أفعال الله كما يعرفهما القرآن الكريم وهما من مجال الإيمان بما وراء الطبيعة وبما وراء التاريخ .فأولهما هو الخلق والثاني هو الأمر .فأما الخلق فالقرآن اعتبره بقدر وهو إذن ذو صلة بمقدرات الإنسان النظرية لمعرفة هذا القدر لعلم القوانين الطبيعية التي هذا شكلها ومضمونها لا يمكن تحديده فعليا إلا التجربة حتى لو أمكن تصوره بالفرض العقلي .والثاني هو الأمر وهو ذو صلة بمقدرات الإنسان القيمية للعمل بسنن التاريخ وعلاقتنا بها لا تختلف عن علاقتنا بالطبيعة قيسا للعمل على النظر لإن الإرادة من دون المعرفة بد تكون رماية في عماية. لكن لو لم تكن قوانين الطبيعة قابلة للعلم بالرياضيات مطبقة على التجربة هل كان الإنسان يستطيع أن يعيش في العالم بعد أن يستنفد كل ما تنتجه حتى بعد الترحال فيها فتنضب ثرواتها أبو يعرب المرزوقي 111 الأسماء والبيان
53 7 - - ينتهي وجوده بنضوبها فيكون عبدا للطبيعة وليس لله؟ هنا تأتي قصة نوح التي ينبغي فهمها بالجواب عن هذا السؤال .فقصة نوح لها مع قراءتها الوعظية التقليدية دلالة أخرى أعمق وهي شروط التحرر من الخضوع إلى الطبيعة وعبادتها :فالحل الذي قدمه يعني شروط تحرير الإنسان من سلطان الطبيعة عليه بالصناعة والزراعة :صنع السفينة واستنبات كل ما يستمد منه الإنسان قيامه (أخذ زوجين اثنين من كل شيء). وفي ضوء هذا المعنى تم شرح سورة هود كلها في ما تقدم تطبيقا لأعلى التحرر من سلطان الطغيان التاريخي (موسى) بعد الطغيان الطبيعي (نوح) وبينهما التحرر من طغيان المستبدين بالثروة (هود) وبالماء (صالح) وبالجنس (لوط) وبالتبادل (شعيب) والخلاص هو عبادة الله وحده (ابراهيم) .والأهم من ذلك الجماعة الإنسانية ورمزها من ركب سفينة نوح لم تبق مبنية على علاقة الدم ولا حتى على علاقة الزواج -لان امرأته وابنه -لم يصبحاه بل صحبه من آمن بالحل وقبل تطبيقه فركب السفينة وأخذ مع نوح من كل زوجين أثنين ليستعيدا ما كانوا يأخذونه من الطبيعة دون علم فأنتجوه بعلم قوانين الطبيعة وسنن التاريخ. قوانين الطبيعة بينة من عدم الغرق بفضل السفينة وسنن التاريخ بينة من علاقة وجود الجماعة بالتعاون وليس بالدم .وبذلك فالقرآن يثبت أن التقدير الذهني النظري مع تطبيقه على التجربة الطبيعية هو أساس العلاقة بالطبيعة لتحقيق شروط بقاء الإنسان العضوية والتقدير الذهني العملي مع تطبيه على التجربة التاريخية هو اساس العلاقة بالتاريخ لتحقيق شروط بقاء الإنسان الروحية .وتلكما هما أصل علاج الإنسان لعلاقته بالعالم الطبيعي وبالعالم التاريخي دون الخضوع لهما خضوع تأليه هو أصل كل الوثنيات وقد جهز التجهيز المناسب لشروط قياميه مستعمرا في الأرض ومستخلفا فيها. وإذا كان يوجد شعب في عصرنا ليس من العسير عليه فهم ما أشرح هنا فهو عرب الإقليم وخاصة أصحاب الثروات الطبيعية التي لا يدين بها أصحابها لعملهم الصناعي أو الزراعي كما في قصة نوح ولا لعملهم السياسي والخلقي كما في قصة موسى والتي فيها كل العيوب التي تكلمت عليها سورة هود كلاما شيب الرسول الخاتم ثروة وماء وجنسا وتبادلا ووحدانية :فهم يعيشون في القرن الحادي أبو يعرب المرزوقي 112 الأسماء والبيان
53 7 -- والعشرين مثلما كانوا في عصر الجاهلية مع فقدان ما كان لأهلها من قدرة على النهب والسلب لأنهم لم يأخذوا من الحضارة الحديثة على الاستهلاك والميوعة والتخنث إلى حد الاحتماء بغيرهم مكتفين برفاهية من يبيع ما تنتجه الطبيعة وهم يتمطون ويتثاءبون. تصور حالتين ليستا مستحيلتين: • نفاذ البترول • وتأميم الغرب اموال العرب واستثماراتهم فيه سواء كانوا من المشرق (دول الخليج والعراق) أو من المغرب (ليبيا والجزائر) فإنهم جميعا سيعودون إلى الجاهلية دون ما لأهلها من قدرة على الإغارة على يغرهم لأنهم جبناء أولا ولأنهم عزل من كل سلاح إذ من يبيعهم اليوم خردته سيضن بها عليهم حتى لا يحاربوه بها .كان يمكن بفرس وسيف أن تغزو أجوارك. اليوم جيرانك لهم كل الاسلحة التي تفنيك وتعتدي على أرضك وعرضك .فلا يوجد عربي اليوم يعمل بالأنفال .60 وبهذا المعنى فما ختمه الإسلام ليس الدين لأنه معنى الديني فيه ليس ما آل إليه عند الحمقى ممن جعلوه نكوصا إلى الخرافة .ما ختمه الإسلام هو وهم الفصل بين الديني والفلسفي .ما انهاه القرآن هو الدين والفلسفة إذا تصورناهما منفصلين أحدهما عن الآخر بدعوى أن الوحي فيه علم بالغيب وبه يتجاوز العقلي والعقلي فيه مطابقة مع ما يسمونه الواقع وبه تجاوز الديني .فالقرآن لا يعتمد على المعجزات التي تخرق العادات حتى وإن امتلأ بقص ما يذكر في الأديان السابقة رواية دون تبن .والمشكل ان قراء القرآن يخلطون بين موريات القرآن ومعتقداته .فالقرن ليس فيه ما يدل على أنه يعتقد كل ما يرويه .فما من معجزة رواها لا تتضمن تفسيرا يردها إلى دلالة تتجاوز الوقوع الفعلي إلى الوقع الرمزي. ولو كان يعتقد في خرق العادات لكان في أحداث التاريخ الإسلامي في حقبة نزول الوحي ما يجانسها .لو كان الرسول يعتقد في خرق العادات لما اجتهد ولما جاهد ولانتظر حدوث المعجزات أبو يعرب المرزوقي 113 الأسماء والبيان
53 7 - - مثلما يروى على الأنبياء السابقين .فالرسول اجتهد وجاهد وقد من الله عليه بأن أوحى اليه ما يهديه إلى الاجتهاد والجهاد الصائبين .والله لا يقصر وحيه على البشر ولا على الأنبياء بل هو يوحي لكل الكائنات وليس للرسل وحدهم أو للعلماء .والوحي بهذا المعنى هو هذه القدرة الإبداعية للمعاني الكلية النظرية والعملية التي يتميز بها أصل البصيرة في كل تاريخ الإنسانية وبهذا المعنى فهي شرط كل إبداع طبيعيا كان أو تاريخيا .ومعنى الختم هو عين معنى جمع القرآن بين الديني والفلسفي وكونه متضمنا لمعنى التقدير الذهني النظري والعملي تجهيزا للإنسان من حيث هو إنسان. وما في القرآن منهما هو غاية ما يتصوره العقل الإنساني .فأن يقول القرآن إن كل شيء خلقناه بقدر وأن كل شيء مكتوب في سجل مرقوم وأن كل شيء أمرناه بسنة لا تتبدل ولا تتحول يعني أنه بلغ ذروة ما لا يمكن ألا يكون سرمديا فوق الزمان والمكان لأنه لم يحدد نوع العدد ولا نوع السنة بل جعل طلب معرفتهما والعمل بهما عين التكليف .فهما لا يوجدان في القرآن بأعيانهما بل بالمفهوم ا لذي يحدد طبيعتهما أي المقدرات الذهنية التي هي أدوات النظر العقلية والمقدرات الذهنية لتي هي أدوات العمل الإرادية والقدرة على تطبيقهما لفهم قدر الخلق وسنة الأمر والأول شرط ا لتعامل مع الطبيعة والثاني شرط التعامل مع التاريخ فيكون الإنسان بعهما مجهزا للتعمير تطبيقا للأولى على التجربة الطبيعية والاستخلاف تطبيقا للثانية على التجربة التاريخية. فنفهم حينئذ معنى أن الإسلام خاتم ليس بالمعنى المضموني بل بالمعنى الشكلي أي إنه لم يعطنا المضمون العلمي ولا المضمون العملي في أعيانهما بل هو أعطانا المفتاح الموصل إليهما والقدرة على استعماله في التعامل مع الطبيعة للتعمير ومع التاريخ للاستخلاف :جهزنا بالنظر والعقد للبحث عن قوانين الطبيعة شرطا لقيامنا العضوي وبالعمل الشرع للبحث عن سنن التاريخ شرطا لقيامنا الروحي ثم دلنا على محل اكتشاف القوانين والسنن فقال جل من قائل\" :سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق\" .وأتمها بأنه على كل شيء شهيد. وكل ما في القرآن هو دعوة لاستعمال بالنظر والعقد في التعامل مع الطبيعة ودعوة لاستعمال العمل والشرع في التعامل مع التاريخ وتذكير بأن ذلك له مستويان رؤية الآيات أي إدراك ما في أبو يعرب المرزوقي 114 الأسماء والبيان
53 7 - - الطبيعة من نظام قانوني وما في التاريخ من نظام سنني وتطبيق المقدرات الذهنية لصوغ معطيات التجربية المجهزة ليس بالحواس وحدها بل بما تمكن النظرية مت تجهيزها به من قدرات تجعلها تدرك ما لا يدرك بالحواس المجردة .وإذن فرؤية الآيات في كل شيء هي رؤية القوانين في الطبيعة ورؤية السنن في التاريخ .والقوانين والسنن توجد كذلك في كيان الإنسان العضوي وفي كيانه الروحي الذي ليس هو شيئا آخر غير \"لغز\" الوعي بكيانه العضوي وبما حوله من العالمين الطبيعي والتاريخي .فلغز الألغاز في الإنسان هو هذا الوعي الذي لا تفسير له لأنه شرط كل طلب للتفسير. ومن عجائب المقدرات الذهنية النظرية والعملية أنها خالية مما يقبل التصديق والتكذيب بغير معايير المنطق أي ما لا يعتبر تصديقا أو تكذيبا أو تناسق أو عدم تناسق لأن الأولين يعنيان الاحتكام إلى التجربة وهما لا يحتكمان لغير التناسق المنطق .فهما شكل دون مضمون خارجي غير ما وضعاه مضمونا مقدرا ذهنيا مطابقا لتعريفات حدوده البسيطة وقواعد توليفها .وعندما نتكلم على التصديق والتكذيب بخصوصهما فالقصد تصديق تطبيقهما أو تكذيبه عندما نعين لهما مضمونا هو قيم بالمعنى الرياضي لمتغيراتها المجردة .لكن القول إن الخلق بقدر والأمر بسنن لا يقبل التكذيب ولا التصديق لأنه ليس علما بمضمون محدد بل هو تحديد لشروط امكان علم الموجود وعمل المنشود .والقدر والسنن المعينان في الطبيعة وفي التاريخ كلاهما مطلوب من الإنسان البحث عنهما وليسا معطيين محددين. وبهذا المعنى فلا شيء في القرآن قابل للمحاكمة التجريبية بل هو شرط كل محاكمة لعلم الموجود ولعمل المنشود .وهو إذن استراتيجية شكلية للمعرفة واستراتيجية شكلية للقيمة بهما تتحقق أهلية الإنسان للتعمير والاستخلاف إن عمل بها وبعدمهما يتحقق فشل الإنسان في التعمير والاستخلاف: كذلك فهمته .ولأن علماء الملة تصوروه \"صندوق\" ماعون صنعة فإنهم تصوروا أنه يمكن أن يكون مصدر علوم الملة فيكون تفسير ألفاظ القرآن علم العلوم ومنه يستمد النظر ببعديه الكلامي والفلسفي والعمل ببعديه الفقهي والصوفي وإذا بالسبابة التي تشير إلى ما عليهم رؤيته تتحول هي ما لا يرون غيره :فكان العقم وبدلا من رؤية القمر لم يروا إلا السبابة التي تشير إليها. أبو يعرب المرزوقي 115 الأسماء والبيان
53 7 - - أبو يعرب المرزوقي 116 الأسماء والبيان
53 7 - - زبدة الحصيلة من الفصول الثمانية تعريف الإسلام بكونه \"استراتيجية سياسية لكيان الإنسان العضوي والروحي في عالم الطبيعة والتاريخ بمقتضى ما يصلهما بمثل من عالم الغيب\" .وهي حصيلة مشروطة في العمل بعلم الطبائع لسد حاجات الإنسان العضوية وفي العمل بقيم الشرائع لسد حاجاته الروحية بوصفه مستعمرا في الأرض ومستخلفا فيها. وهذه الحصيلة تبرهن على ما بينت عليه قراءتي الفلسفية للقرآن الكريم إذ عرفت القرآن بكونه \"استراتيجية التوحيد القرآنية (لتوحيد الإنسانية) ومنطق السياسة المحمدية (لتحقيق عينة منها)\". وبهذا المعنى فلا يمكن الفصل بين الديني والفلسفي في الرسالة الخاتمة كما يعرضها القرآن الكريم لأن الكلام فيه هو على الإنسان من حيث هو كائن عضوي وروحي وشروط قيامه بهذين المعنيين وعلى عالم الشهادة الطبيعي والتاريخي الذي يحيط به ويحتوي على هذه الشروط التي يحققها الإنسان بما جهز به من نظر وعقد وعمل وشرع .فيكون التاريخ الإنساني ثمرة هذه الاستراتيجية التي تنظم علاقات الإنسان بهما تنظيما هو السياسة المشدودة إلى مثل عليا لا مثيل لها فيه وتلك هي علاقة عالم الشهادة بعالم الغيب في الرؤية القرآنية. وهو معنى أن طبيعة هذه الاستراتيجية من الغيب الذي ليس كمثله شيء .فالخالق والآمر أو الله ليس كمثله شيء ومن ثم فهو غيب مطلق .وفعلا الخلق والأمر ليس كمثلهما شيء لكن لهما علامات في المخلوق والمأمور هي ما في الأول من نظام رياضي للطبائع وما في الثاني من سنن قيمية للشرائع .وتلك هي المعاني الكلية التي يستطيع الإنسان وضع نظريات التقدير الذهني التي تساعده على العبارة المعرفية والقيمية عن التجربة الطبيعية والتاريخية .والإنسان المكلف بالتعمير والاستخلاف مشدود إلى ما يترتب على هذه المعاني الكلية في المعرفة وفي القيمة وما هما علامة عليه من آيات الخلق والامر .وهذه أبو يعرب المرزوقي 117 الأسماء والبيان
53 7 -- المعاني هي بدورها لا مثيل لها ولا تقاس على شيء من الموجود والمنشود الحسيين رغم أنه لا شيء منهما يمكن أن ينقال من دونهما مطبقين على التجربة. ولما كانت افعال الله التي هي من الغيب قد ردت في رؤية القرآن إلى جنسين هما .1جنس أفعال الخلق (القضاء) .2وجنس أفعال الأمر (القدر) وكان القرآن قد وصف الأول بأنه يكون بقدر والثاني بأنه يكون بسنة فإن القرآن قد أشار بصورة صريحة إلى أن الأول من طبيعة رياضية أساسا للخلق والثاني من طبيعة قيمية أساسا للأمر فحض الإنسان على طلبهما بالنظر والعقد لتحديد ما يعلمه من مقدار كيان الموجود والعمل والشرع لتحديد ما يريده من مقدار كيان المنشود بتطبيق المقدرات الذهنية النظرية والعملية على التجربة الطبيعية والتجربة التاريخية حتى يحقق مهمتيه تعميرا واستخلافا .فالخلق متعلق بالطبائع والأمر متعلق بالشرائع .لكن الطبائع والشرائع من حيث هي في ذاتها من الغيب وهي مثل عليا تقاس عليهما الطبيعة والتاريخ كما يدركهما الإنسان ولا تقاسان بهما .وذلك هو معنى نفي المطابقتين في نظرية المعرفة وفي نظرية القيمة. ولهذه العلة فقد قلبت طريقة المتكلمين والفلاسفة الذين يقيسون الغائب على الشاهد ولا يميزون بين الغائب الذي يقبل الشهادة والغيب الذي لا يقبلها أبدا لأنه لا مثيل له في عالم الشهادة حتى وإن كان لا شيء من هذا العالم يمكن تصوره من دونه باعتباره مثالا غير متعين تعينا يقبل الإدراك الحسي .فهم إذن يردون المثال إلى الممثول فيصبح ما يسمونه واقعا مجرد رد الأمر الواجب إلى الأمر الواقع من ثم يزول الفرق بين الموجود وإدراكنا وبين المنشود وإرادتنا .وتلكما هما علة حصر الموجود والمنشود في الشاهد ونفي ما وراء الشاهد من غيب يكاد الشاهد أن ينطق بعدم استغنائه عنه لتضمنه عدم اكتفائه بذاته. أبو يعرب المرزوقي 118 الأسماء والبيان
53 7 -- وليس ذلك لأن الإنسان يعوض نقصه كما يزعم فيورباخ فيكون هو خالق ما يستكمل ذاته به :فالمشكل ليس في تفسير النتيجة بالتعويض حتى لو سلمنا بحل فيورباخ بل في الوعي بعدم الاكتفاء بالذات .وهذه هي خصائص المقدرات الذهنية النظرية شرطا في معرفة الطبائع المحسوسة في التجربة الطبيعية والمقدرات الذهنية العملية شرطا في معرفة الشرائع المحسوسة في التجربة التاريخية .ففيها بصنفيها وعي باستحالة أن يكون الموجود موضوعا للإدراك الحسي والمنشود موضوعا للإرادة الحسية ما يمكن أن يطابق المعاني الكلية المعرفية والقيمية المقدرة ذهنيا .ولما كان من العسير اعتبار هذه المقدرات من الظاهرات النفسية وكانت غير موجودة خارج الذهن فهي إذن مجهولة الطبيعة أو لنقل إنها تعبر عن حضور الغيب في كيان الإنسان. وطبعا فهي ليست من الغيب لأنها معلومة .لكنها من علامات الغيب لأن معلومتيها ليس لها مثيل في معلومية الظاهرات المنتسبة إلى النفسانيات ولا إلى معلومية الظاهرات المنتسبة إلى عالم الشهادة سواء كان طبيعيا أو تاريخيا .وهي ليست من الغيب بمعلوميتها مع ذلك بل بكونها دالة على معلومية لا ترد إلى عالم الشهادة العضوي والطبيعي والنفسي والتاريخي .ولما كنا لا نعلم شيئا شاهدا غير العضويات والطبيعيات والنفسانيات والتاريخيات فإذن هي ليست من عالم الشهادة .ولا يعنيني غير ذلك :يوجد وينشد مما ليس من عالم الشهادة أو مما لا يمكن أن يرد إلى عالم الشهادة رغم كوني أدركه وأريده بل أشعر بأني أبدعه شرطا للمعرفة وأبدعه شرطا للتقييم شرطا تصويريا للمضمون التجريب. وهي إذن كما عرفها ابن تيمية لغة من درجة أعمق من درجة الفاظ اللسان ورسوم الكتابة (درء التعارض) لأنها ليست مقومة للمضمون بل مصورة للعبارة عنه وأعيان المضمون فيها من جنس قيم المتغيرات في الرياضيات وفي المنطق .وإذن فالمقدرات الذهنية النظرية والعملية تعد علامات شاهدة أو آيات من عالم غيب أو هي ما في قدرة الإنسان على ابداعها من انعكاس لعالم الغيب وهو معنى كونه خليفة .فالإنسان خليفة بما فيه من قدرة على أبو يعرب المرزوقي 119 الأسماء والبيان
53 7 -- التقدير الذهني النظري شرط المعرفة بما يدركه من قوانين الطبيعة والتقدير الذهني العملي شرط القيمة بما يريده من سنن التاريخ المصحوبين بالوعي الحاد بأن المعاني الكلية التي يقدرها الذهن معرفيا وقيميا ليس لا مثيل في عالم الشهادة بأصنافه الأربعة أي كيان الإنسان العضوي والنفسي وكيان العالم الطبيعي والتاريخي. فالمعاني الكلية المقدرة ذهنيا سواء كانت نظرية (الحقائق وراء الطبائع) أو عملية (القيم وراء الشرائع) ليست ظاهرات نفسية وليست ظاهرات عضوية وإن كانت هذه الظاهرات مصاحبة لها وهي حتما من شروط قدرة الإنسان على أبداعها وليست طبائع محسوسة وليست قيما محسوسة لكن مضمونها المعرفي والقيمي مستمد مما يجربها الإنسان منهما وتبقى دائما متعالية على مضامينها التجريبية المتعينة في كيان الإنسان ببعديه وكيان العالم ببعديه أي ما يرد إليه ما يدركه الإنسان من الموجود وما يريده من المنشود في عالم الشهادة فيه وفي ما حوله. والمقدرات الذهنية النظرية والعملية ليست دليلا قطعيا بخصوص وجود الغيب لأنها معلومة رغم كونها مجهولة الطبيعة لأننا بينا بالسبر والتقسيم لما نعلمنه من أنواع الموجودات التي يمكن أن ترد إليها أنها ليست منها فلا هي عضوية ولا هي نفسية وإن كان لا بد من العضوي والنفسي لأنها مشروطة بمبدعها الذي هو عضوي ونفسي .ولا هي طبيعية ولا هي تاريخية وإن كان لا بد من الطبيعي والتاريخي لأن تعينها المحدد لقيم المقدرات من حيث هي متغيرات هما مصدراه .ولذلك اعتبرناها علامة على إمكان عالم آخر لا ينتسب إلى عالم الشهادة لا دليلا قطعيا .وهذا كاف لترجيح عدم الاقتناع بوحدة العالم .فنحن لم ندع القدرة على إثبات وجود الغيب بل نعتبر التسليم به إيماني وما يكن اعتباره دليلا شبه حاسم هو امتناع المطابقتين. وكل إلحاد يرد إلى زعم وحدة العالم وتأسيسه على المطابقة في نظرية المعرفة وعلى المطابقة في نظرية القيمة .وكون المقدرات الذهنية علامة لإمكان عالم غير عالم الشهادة وكون امتناع المطابقتين مرجح قوي للقول إنها ليست منه لأنها ليست مقومة للموجود ولا أبو يعرب المرزوقي 120 الأسماء والبيان
53 7 -- للمنشود بل هي فعل قول الموجود وفعل قول المنشود لغة عميقة قبل اللغة الطبيعية التي هي ترجمة لها وصلا بين المعرفة والقيمة وبين من يطلبهما بلغة وسيطة بين العالم والمتعلم. والمعاني الكلية ليست مقومة لكن لا شيء يمكن أن يعلم أو أن يقيم من دونهما ومن ثم فهي تحيل إلى ما يتعالى على عالم الشهادة بل هي شرط شهود ما فيه من آيات تحيل إلى الغيب. وما يتعالى على عالم الشهادة فلا يخلد إلى الأرض هو ما يعتبره القرآن علة أهلية الإنسان للاستخلاف .فما به يجيب القرآن على تعجب الملائكة من استخلافه هو ما جهلوه من قدرته على التسمية عندما علمه الله الاسماء كلها .كل الأسماء لا متناه ولا يمكن تعليم الإنسان اللامتناهي لكن تعليمه ما يجعله يدرك علاقته بالمتناهي هو الكلي وليس الكل. فالأسماء كلها يقصد بها الكلي وهي تتضمن حتما أسماء الأشياء وأسماء فعلي خلقها وأمرها بقدر وما يترتب على الخلق وعلى الامر في المخلوق وفي المأمور ترتبا يجعله شاهدا ومحتويا على ما يحيل إلى الغيب من علامات الموجود والمنشود الشاهدين. والآن يمكننا أن نتكلم على القصد من تعريفي الإسلام في محاولة قراءة القرآن الفلسفية بكونه \"استراتيجية التوحيد القرآنية (للإنسانية) ومنطق السياسة المحمدية (لتكوين العينة منها)\" والقصد توحيد الإنسانية بمنطق الأخوة (النساء )1وبمنطق المساواة (الحجرات )13وتكوين عينة من هذا التوحيد في النواة الأولى التي أسسها الرسول. والآية الأولى من النساء اعتبرت الإنسان ذا رحمين كوني (من نفس واحدة) وجزئي من جماعة من الجماعات المتعددة وفي علاقة بالربوبية في الحالة الأولى وبالألوهية في الحالة الثانية .والأولى علاقة مضطرة عضويا وروحيا والثانية علاقة حرة عضويا وروحيا. فالإنسان ليس حرا في كونه إنسانا وليس حرا في كونه مربوبا .لكنه حر في كونه من جماعة معينة وفي كونها آلها .وعلاقة العالمين في الأولى مضطرة لكنها في الثانية حرة: لذلك يمكن للإنسان أن يسمو على الأرض بتذكر العلاقة أو أن يخلد إليها بنسيانها :وتلك وظيفة التذكير .ومن الطبيعي أن يكون حامل علامة العلاقة بين العالمين عالم الشهادة موضوع السياسة الإسلامية وعالم الغيب مصدر المثل العليا في المعرفة وفي القيمة مناط أبو يعرب المرزوقي 121 الأسماء والبيان
53 7 -- التكليف .ومن ثم فالفرد هو الذي يحمل المسؤولية المتعلقة بمنا يترتب على هذه العلاقة. ولا يمكن أن يكون المسؤول من دون شرطين هما :حرية الفاعلية الإنسانية وكرامة المنزلة الإنسانية. لكن حرية الفاعلية وكرامة المنزلة وإن كانتا فرديتين من حيث المسؤولية فهما لا تتحقان فرديا إذا لم تكن في آن محيلة إلى العالمين أي إنها نسبة بين الفرد وشروط قيامه في عالم الشهادة أي الطبيعة والتاريخ وبينهما وبين ما وراء عالم الشهادة .وهو في الحالتين فرد من جماعة فتكون مسؤوليته الفردية مصحوبة بمسؤولية مشاركتها فرض عين وفرض كفاية في تحقيق شروط البقاء العضوي والروحي وهو ما يعني أن مسؤوليته ليست على أفعاله الفردية وحدها بل على ما تتضمنه من سهم في أفعال الجماعة وليست مقصورة على مثل عالم الغيب فحسب بل تمتد إلى وقائع عالم الشهادة التي تجمع بين الفردي والجمعي. ولذلك فهي وقائع تؤدي إلى الخسر الذي تعالجه سورة العصر في وجهيه الفردي والجمعي .والخسر هو \"الرد أسفل سافلين بعد أحسن التقويم\" والقصد بالخسر والرد أسفل سافلين هو الاخلاد إلى الارض بمعنى قطع العلاقة التي تصل مثل عالم الشهادة بوقائع. والعلاج الذي تقدمه سورة العصر للخروج من الخسر الذي يهدد الإنسان بسبب الحاجة المباشرة للطبيعة والتاريخ الحاجة المرسومة في كيانه العضوي والرحي مخمس الأبعاد أصل وأربعة فروع إثنان فرديان بالجوهر واثنان جماعيان بالجوهر ومشروطان بالفرديين: .1فالأصل هو الوعي بعلل الخسر يتبعه الفرعان الفرديان .2الإيمان بعالم الغيب .3العمل الصالح يتلوهما الفرعان الجمعيان بدلالة المشاركة .4التواصي بالحق .5التواصي بالصبر. وتلك هي صلة المستويين الفردي والجمعي في علاج الخسر مبدأ عام ثم سلوك الفرد وسلوك الجماعة. أبو يعرب المرزوقي 122 الأسماء والبيان
53 7 -- وبهذا المعنى كان المذكر بشيرا بما يترتب على استعادة أحسن التقويم بعلاج الخسر ونذيرا بما يترتب على النسيان وعدم السعي لاستعادة الأول والتحرر من الثاني .فهو بشير بما يترتب على الاستثناء من الخسر أي استرداد التقويم الأحسن بعد الرد أسفل سافلين أي التحرر من الاخلاد إلى الارض الذي هو قطع العلاقة بين العالمين وفروع الاستثناء من الخسر للخروج من الخسر اربعة اثنان منها للفرد كفرد هما الإيمان والعمل الصالح واثنان للجماعة كجماعة أي للأمة مؤلفة منهم ولا يمكن حصولهما من دون المطلوب من الفرد في آن. وتلك هي الرؤية السياسية التي تقود فلسفة الإسلام في سياسة عالم الشهادة بمقتضى قيم الاستخلاف التي يترتب عليها التعالي عليه تعاليا لا يتحقق من دون شرطين :التحرر من سلطانه الطبيعي والتاريخي دون نفيهما بل بالتمكن منهما تمكنا يسد حاجات الإنسان ويحرره من طغيانهما عليه وذلك بفضل شده إلى مثل عالم الغيب الذي لنا منه علامة هي المقدرات الذهنية النظرية للتعامل مع الطبيعة والتحرر من سلطانها ووثنيتها والمقدرات الذهنية العملية للتعامل مع التاريخ والتحرر من سلطانه وثنيته وما بينهما كما حددته سورة هود .وإذن فهما علامة العالي وأدوات التمكن عند تطبيقهما على التجربتين الطبيعية والتاريخية. وبداية تمكن الإنسان من السلطان على الطبيعة بالتحرر من طغيانها تلك هي قصة نوح مع قومه والعبودية الطبيعية .فالقصة هي وصل بين العالمين هدفه التحرر من طغيان الطبيعة الخارجية وطبيعة كيان الإنسان من حيث هو عبد للاستبداد الطبيعي .والغاية هي تمكن الإنسان من السلطان على التاريخ بالتحرر طغيان التاريخ الخارجي وتاريخ كيان الإنساني من حيث هو عبد الاستبداد السياسي من طغيانه وتلك هي قصة موسى مع قومه والعبودية السياسية :والحل ابداع نوعي المقدرات النظرية والعقدية لعلاج العلاقة بالطبيعة والعملي والشرعي لعلاج العلاقة بالتاريخ. أبو يعرب المرزوقي 123 الأسماء والبيان
53 7 -- فنوح نجى الإنسانية من سلطان الطبيعة على رزقها بإبداع ما يمكن من الانتصار على هيمنة الطبيعة في الخارج بالسفينة والزراعة وفي الداخل بعدم ربط الإنسانية بعلاقة الرحم الجزئي بل بالرحم الكلي .فابنه وزوجته لم يصحباه بل صحبه باقي البشر لأن الرمز هو انقاذ الإنسانية كلها بصرف النظر عن القرابة العضوية المباشرة لأن البشر كلهم أخوة ومتساوون .وعندما أتكلم على ما يغفله المفسرون الذين لا يرون من القصة إلى الموعظة الدينية دون دلالتها العميقة التي هي هذا الوصل بين العالمين الذي يشير إلى الاستخلاف وعلاقة ذلك بالعلاج التقني والزراعي اللذين يشيران إلى التعمير. لكن موسى يبدو في الظاهر أن مهتم كانت مقصورة على انقاذ قبيلته من استبداد التاريخ بإبداع ما يمكن من الانتصار على هيمنة الدولة في الخارج (فرعون) وفي الداخل (تغيير معتقدات البشر) .لكنه مثل نوح لم ينجح لعلة الاقتصار على الرحم الجزئي بحصر العملية في القوم .وعدم النجاح هو مآل \"تحرير\" بين إسرائيل إلى الحل الشيطاني الذي عمم العبودية عن طريق دين العجل الذي يجعل البشرية كلها عبيد بعديه أي معدنه وخواره. فمعدنه أي العملة وربا الأموال صار أداة الاستعباد المادي والخوار وربا الاقوال صار أداة الاستعباد الروحي في العالم كله. والمغزى العميق الجمع بين التحريرين الذي يمثله نوح والذي يمثله موسى وهما بداية التحرر من طغيان الطبيعة وغاية التحرر من طغيان التاريخ مع ضرورة الكونية التي وجدت في محاولة نوح وغابت في محاولة موسى .ولذلك تعليل مضاعف هو ما بين التحريرين من الطغيانين وما كان لا بد من حصوله لتتبين علة الطغيانين أعني البنية العميقة للسلطة التي تغيب فيها العلاقة بين عالما الشهادة وعالم الغيب عندما يصل الاخلاد إلى الأرض ذروته في دين العجل .والمعوقات التي توجد مبين نوح وموسى هي وقائع التاريخ العلاقة بين العالمين والحل المستمد من هذه العلاقة :والوقائع هي سلسلة القصص الواردة في سورة هود التي شيبت الرسول. أبو يعرب المرزوقي 124 الأسماء والبيان
53 7 -- فالمعوق الأول هو توزيع الثروة (هود) والمعوق الثاني هو توزيع الماء (صالح) والمعوق الثالث هو توزيع الجنس (لوط) والمعوق الأخير معوق التبادل العادل (شعيب) .تلك هي المعوقات التي توجد بين الطغيانين الطبيعي والتاريخي .وعندما ننظر إلى الموقع الذي يشغله إبراهيم نجده في النصف بين الثلاثة الأول والثلاثة الأواخر إليه جاءت الملائكة لتعلمه بأمرين هما مآل قوم لوط وبشرى بابن في سن يأس زوجته .والحل هو وحدانية ابراهيم لمعضلة ا لعلاقة بين العالمين ومشكلة استئناف الابراهيمية لتحقيقها الفعلي في التاريخ :الوحدانية والرسول الخاتم الذي هو الابن المبشر به والذي جاءت رسالته لما بلغت البشرية سن اليأس. فإذا وصلنا نوح بموسى وجدنا شروط تعالي الإنسان بتحريره من طغيان الطبيعة ومن طغيان التاريخ عليه وذلك هو معنى التحرر من الوثنية الطبيعية ومن الوثنية السياسية بحيث يكون الإنسان كما يعرفه ابن خلدون \"رئيسا بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\" ليس له من معبود غير الله :الوحدانية الابراهيمية .لكنها وحدانية تحرر الإنسان صراحة من عبادة أسمى ما في الطبيعة أي من الفلك وأسمى ما في التاريخ أي من دين قومه الطبيعي .والدين الطبيعي بهذا المعنى هو تحريف الدين بمعناه الفلسفي كما هو بين من نظريته الأرسطية .وذلك ما يعني أن الوحدانية الأسمى هي الاستئناف المحمدي الذي كانت رسالته الخاتمة جامعة بين الواحد الفلسفي والواحد الديني المحرر من تحريفيهما. وإذن فمحمد لم يعد لوحدانية إبراهيم مباشرة بل عاد إليها بما يفيد أنه لم يكتف بمقاومة تحريف الدين كما فعل إبراهيم بل هو عاد إليه بإضافة مقاومة تحريف الفلسفة التي هي قائلة بالدين الطبيعي العائد إلى نوع من الصابئية .ذلك أن الوحدانية الابراهيمية وإن تعلقت بهما معا فهي لم تصل إلى فهم علة الفصل بينهما الناتجة عن تحريفهما والراجعة إلى عدم إدراك العلاقة بين العالمين من حيث هي معيار سياسة مهمتي الإنسان -الاستعمار في الأرض والاستخلاف-في عالم الشهادة بقيم عالم الغيب أي بقيم الاستخلاف أي النظر والعقد والعمل والشرع. أبو يعرب المرزوقي 125 الأسماء والبيان
53 7 -- وهذه العلاقة هي منزلة الإنسان الوجودية بل هي عين كيانه لأن العلاقة بين بدنه ووعيه أو ورحه هي عين العلاقة بين العالمين عالم الشهادة (بدنه) وعالم الغيب (روحه أو وعيه ببدنه بوما حوله وبوعيه) .وتلك هي ما فيه من علامات التعالي التي يمكن بتذكرها الخروج من الخسر أو من الرد أسفل سافلين بعد التقويم الأحسن .فالوعي المحمدي في الرسالة الخاتمة هو أصل كل شروط الاستثناء من الخسر شروطه المترتبة على أصلها وهو شرط الشروط .فالوعي بالخسر هو الوعي بما قد يحول دون هذه العلاقة بين العالمين وهي في آن دينية وفلسفية. ولها مستويان فردي مؤلف من الإيمان والعمل الصالح وجمعي مؤلف من التواصي بالحق استهدافا لطلبه والتواصي بالصبر جهادا لتحقيقه وكلاهما يشترط المستوى الفردي والأصل .والوعي بالخسر كوني وكلي بمعنى أنه لا يوجد إنسان خال منه حتى لما يبلغ غاية الخسر وقاعه فيخلد إلى الأرض نهائيا بمعنى أنه لا بد أن يشعر ولو في لحظات خاطفة من الصحو أنه قد تخل عن حريته ومنزلته الإنسانية ففقد قرامته لما يتخلى عن حرية إرادته وصدق علمه وخير قدرته وجمال حياته وجلال وجوده ففقد إنسانيته .ولا يوجد إنسان مهما انحط لا يستيقظ بعد غفواته ليشعر أنه لا يستطيع أن ينظر إلى نفسه في المرآة لفرط ما انحط. ويتفرع عن الاخلاد إلى الارص وفقدان العلاقة بين العالمين ظاهرة سماها ابن خلدون فساد معاني الإنسانية (المقدمة الباب الاخير الفصل )40بل واعتبر أن هذا الفساد يصل إلى حد الانتحار التدريجي بمجرد الوعي بفقدان الإنسان لرئاسته التي له بطبعه وبمقتضى الاستخلاف الذي خلق له .وكل ذلك لأنه فقد العلاقة بين العالمين والغرق في الفاني فلا تبقى له صلة بفرعي المعاني الكلية النظرة المقدرة ذهنيا أي المركوزين في فرعي كثافة الوجود الفردي أي الإيمان والعمل الصالح وفي كثافة الوجود الجمعي أي التواصي بالحق طلبا للحقيقة والتواصي بالصبر سعيا لتحقيقها وصلا بعلامات الغيب في الآيات التي يرينا الله إياها في أعيان الآفاق والأنفس. أبو يعرب المرزوقي 126 الأسماء والبيان
53 7 -- كل ما أقدمه هنا يمكن اعتباره من نتائج الأكسمة التي حاولت بناءها لتكون عمارة القرآن قابلة للاستنتاج من مجموعة قليلة من الحدود العنصرية -وقد سميتها المعادلة الوجودية-وقواعد التوليف بينها وهي المنطق ذو القيم الخمس-مع استعمال المنطقين اللذين يعترض علي بهما أي ثنائي القيمة (أرسطو) وثلاثيها (هيجل) -لأني أعامل القرآن وكأنه النسق الذي يمكن من فهم عناصر الرسالة الخمسة -المرسل والمرسل إليها والرسول وطريقة التبليغ ومضمون الرسالة -وكلها ضابطة للعلاقة بين العالمين عالم الشهادة ممثلا لجوهر فلسفة التاريخ وعالم الغيب ممثلا لجوهر فلسفة الدين وما بينهما هو المشتر بين الفلسفي والديين أي استراتيجية سياسية تحقيق فاعلية الإنسان ومنزلته في الموجود والمنشود. وشرط شروط الفاعلية هو الحرية ويترتب عليها المسؤولية الفردية -كل يأتي ربه فردا- وشرط شروط المنزلة هو الكرامة -كرمنا بني آدم .والتكريم ليس مقصورا على المؤمنين لأنه أولا من علامات الحرية وثانيا لأنه غاية حاصلة بالقوة لكل البشر وهم بأفعالهم يجعلونها متحققة بالفعل يعني أن تمامها هو المرتهن بالإيمان .فالإنسان حتى وهو غير مؤمن يبقى مكرما لأن منزلته هي حرية وصل العالمين أو فصلهما .وهو بوصلهما يتعالى على الاخلاد إلى الأرض أو الخسر وبفضلهما ينحط إليها فيقع في الخسر .وقد رأينا أن الاستثناء منه مشروط بالوعي به الذي يدفع إلى فروع الفاعلية الأربعة الفردية والجماعية التي حددتها سورة العصر. ولولا ذلك لما حصر دور الرسول في التذكير بوصفه بشيرا ونذيرا دون أي سلطان على الإنسان .فلا هو وسيط بين المرسل إليه والمرسل أي بين الإنسان وربه في التربية ولا هو وصي بينه وبين ربه في الحكم أي في بعدي سياسة دنياه وعلاقتها باخراه .وهو ما يعني في الإسلام تحريم الكنسية وتحريم الحكم بالحق الإلهي هما جوهر سياسته التي تترتب على حرية الإنسان ومسؤوليته وهو أمر ينطبق على جميع البشر مؤمنهم وملحدهم لأنهم بالطبع في علاقة مباشرة بربهم وفي علاقة مباشرة بشأنهم .وتلك هي القضية التي سأخصص لها أبو يعرب المرزوقي 127 الأسماء والبيان
53 7 -- فصل الختام حول مفهوم القضاء والقدر والخطأ الجسيم الذي وقع فيه لايبنتس عندما اعتبر المسلمين \"فاتاليست\" وللأمر علاقة مباشرة بأهم شعارات الثورة أعني بيتي الشابي التي استعادت المعنى القرآني الأصلي للقضاء والقدر. والوصل بأحداث التاريخ الحي جزء لا يتجزأ من كل محاولاتي لأني عرفت القرآن بكونه جامعا بين فلسفة الدين وفلسفة التاريخ جمعا يترتب على الواحد في الديني والفلسفي. وبهذا المعنى فحرية الإنسان ومنزلته تقتضي التحرر من الوساطة والوصاية .فليس للمعلم سلطة روحية على المتعلم وليس للحاكم سلطة زمانية على المحكوم .لأن المتعلم والمعلم كلاهما مسؤول عن التعلم والثاني مستشار عند الأول وهو في خدمته ولا سلطان له عليه والحاكم والمحكوم كلاهما راع ورعية والحاكم نائب المحكوم يعينه بحرية ويعزله بحرية إذا لم يحترم شروط النيابة. والبشر كلهم أخوة .فهم من نفس واحدة (النساء )1وهم متساوون مهما اختلفت أعراقهم وطبقاتهم وأجناسهم .وهم لا يتفاضلون عند الله إلا بالتقوى أي باحترام ما حددته سورة العصر من شروط الاستثناء من الخسر وهي تعود كلها إلى الوصل بين العالمين في عالم الشهاد بما يقربهم من هذين الامرين أي من الاخوة والمساواة .وما يقربهم منهما هي الموضوعات السبعة في سورة هود وتتعلق بمعوقات هذا الوصل بين العالمين وشروط الاستثناء من الخسر في سورة العصر التي لا تتحقق من دون الوصل بين عالم الشهادة مصدر المعوقات معالم الغيب مصدر التعالي عنها ليس بعدم الإيفاء بها بل إن الإيفاء بها هو الأساس الأول للتحرر منها. فنفهم حينئذ لماذا كانت نظرية الدولة في سورة الإسراء (والمعراج) التي تشير إلى هذه العلاقة بين عالم الشهادة وعالم الغيب لأن معراج الرسول هو رمز هذه العلاقة الواصلة بين العالمين .فخلاله غادر الرسول رمزيا عالم الشهادة وصعد إلى عالم الغيب ولا يعني ذلك أن اطلاعه على الغيب كان مما ينقال وإلا لكان معناه أن الرسول اطلع على ما يستطيع تبليغه ولم يبلغه .وما ينسب إليها في تخريف المتصوفة هو من شطحهم ولا علاقة له بما أبو يعرب المرزوقي 128 الأسماء والبيان
53 7 -- اطلع عليه الرسول مما يستطيع قوله وإلا لقاله بوحي قرآني ككل ما هو مطالب بقراءته على الناس على مكث مبشرا ونذيرا (الاسراء.)206-205 وقد حددت ا الآية 38من الشورى طبيعة نظام الحكم واسلوب الحكم ووصلته برمزين أولهما ذو علاقة بعالم الغيب (الاستجابة للرب) والثاني ذو علاقة بعالم الشهادة (الإنفاق من الرزق) .فالآية تبدأ بالاستجابة للرب التي هي عين العلاقة بالغيب وتنتهي بالأنفاق من الرزق الذي هو عين العلاقة بعالم الشهادة وبينهما طبيعة الحكم وأسلوبه .والبداية بالعلاقة بعالم الغيب هو الوجه الأسمى من الدين والنهاية بالعلاقة بعالم الشهادة هو الوجه الأسمى من الفلسفة .والجمع بين الوجهين هو جوهر الاستخلاف والتعمير وهما وظيفتا الإنسان وجوهر العبادة في الإسلام .ومن يتصور الإسلام من دون سياسة ودولة يخلط بينه وبين الأديان والفلسفات المحرفة. فالواحد بين الديني من حيث هو ديني والفلسفي من حيث هو فلسفي هو سياسة عالم الشهادة بمثل عالم الغيب أي الواحد في فلسفة الدين وفلسفة التاريخ .فأما طبيعة نظام الحكم فهي \"أمرهم\" أي أمر الجماعة التي استجابت لربها .وهذا المعنى هو بالاصطلاح الفلسفي في ذلك العصر هو \"أمر=راس+الجماعة= بوبليكا=راسبوبليكا\" .وتلك هي طبيعة نظام الحكم الذي هو \" جمهورية بالعربية=راسبلوليكا باللاتينية\" .فأمر تعني الشأن السياسي و\"هم\" تعني الجماعة .والآية تضيف الاستجابة .وبهذا فالجمهورية بمعناها القرآني ذات مرجعية هي معنى الصلة بالمتعالي على التاريخ. وهذه الإضافة مهمة جدا لأنها هي التي تجعل سياسة عالم الشهادة متصلة بعالم الغيب. وإذن فهي جمهورية ذات مرجعية متحررة من الإخلاد إلى الأرض أي إنها ليست جمهورية علمانية بلغتنا الحديثة أو وثنية بلغة عصر نزول القرآن :والعلمانية وثنية بمعنى أنها تتصور العالم واحدا وتعتبر ما يتعالى عليه من صنع الإنسان وليس ذي قيام ذاتي بحيث إن الأصل فيها هو ما توثنه من الطبيعة ومن التاريخ .الجمهورية التي تحددها الشورى 38 أبو يعرب المرزوقي 129 الأسماء والبيان
53 7 -- جمهورية ذات مرجعية متعالية على عالم الشهادة بمثل قيمية ومعرفية ترمز إليها المقدرات الذهنية النظرية والمقدرات الذهنية العملية. ووهي ما يعيد الإنسان إلى أحسن التقويم فيحرره من الخسر أي التواصي الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر .وتلك هي علة أسلوب الحكم الذي يقتضي أن يكون كل فرد من الجماعة مسهما في إدارة عالم الشهادة بمثل عالم ا لغيب .فهو \"شورى بينهم\" أي \"تشاور الجماعة\" ومعناه بالمصطلح الفلسفي في ذلك العصر ولكن هذه المرة باليونانية هو ديمقراطيا أي حكم الشعب بالتشاور الجماعي لأن الأمر فرض علين وهو من ثم أمر الجماعة المستجيبة لربها بالإيمان والعمل الصالح وبالتواصي بالحق اجتهادا لمعرفة الحقيقة والتواصي بالصبر جهادا لتحقيقها .وأهم موضوعات التشاور تتعلق بالاستجابة للرب بداية (علاقة بعالم الغيب) وبالإنفاق غاية (علاقة بعالم الشهادة) ووصلا بينهما. وبذلك نثبت أننا نستنتج نظام القرآن من حيث هو استراتيجية سياسية يكون الإنسان بفضلها معمرا للأرض ومستخلفا فيها فدريا وجماعيا بالمعنيين أي الخاص بكل جماعة ثم بكل الجماعات معا أي الإنسانية بوصفهم اخوة ومتساوين .ولم يكن يسيرا تطبيق هذه الرؤية السياسية في عصر نزول القرآن لأن تأسيس الدولة يعسر أن يحصل في مجتمع لم يعرف مفهوم الدولة بأي معنى سابق لا عند العرب ولا في الامبراطوريتين اللتين كانتا مسيطرتين على الاقليم -فارس وبيزنطة-قبل أن تهزمهما دولة الإسلام الناشئة خلال بنائها في مرحلتي تطبيقها المتدرج دون أن تسلم من عدوى نظامهما والنظام الجاهلي. وأختم بإزالة أهم عائق أمام الاستئناف وعلة إساءة فهم ما تلا مرحلة الراشدين لأن الوصل انتهى وأصبح الفصل بين العالمين فصاما في شخصية الفرد المسلم وفي نظام الجماعة السياسي .فقد حاولوا تطبيق هذه الرؤية بتدرج إلى أن حدثت الفتنة الكبرى فقلبت الأمر راسا على عقب قلبا لم يفهم المسلمون أنه كان مؤسسا على مبدأ قرآن أصيل أسيء تطبيقه لأن لم يستعمل بمعناه الأصيل أي بوصفه مؤسسا على الضرورة التي تبيح المحظور في حدود أبو يعرب المرزوقي 130 الأسماء والبيان
53 7 -- حصولها .لذلك فقد صار الحل دائما وأدام معه الحرب الأهلية بأن جعل الضرورة دائمة واباحة المحظور دائما مثلها .والعلة هي عدوى نظام الامبراطورتين والتشنيع الشيعي اليهودي للحل القرآن إذ سعت الباطنية أصل التشيع وجنيستها أصل التهود إلى فرض ما حرمه الإسلام لتخريبه من الداخل. فتبنى المسلمون الوساطة في التربية (وقد صارت مضاعفة فقهية وصوفية معللة كلاميا وفلسفيا) والوصاية في الحكم بالحق الإلهي وبالعنف الطبيعي مثل امبراطوريتي فارس وبيزنطة .وعبقرية معاوية ومن تلاه من خلفاء بني أمية وخاصة عبد ا لملك بن مروان الذي انهى الحرب الأهلية في العراق وفي مكة-بوعي أو بغير وعي لا أدري-طبقوا مبدأ قرآنيا شهيرا الذي حاول عمر بن عبد العزيز ختمه لفهمه طبيعته وهو مبدأ \"الضرورات تبيح المحظورات\" أو حالة الطوارئ في الحكم .فالسياسة في الحرب الاهلية كانت تقتضيه لتخلص من ها ومواصلة بناء الدولة الإسلامية مع المحافظة على الدستور القرآني :لم يلغ حكام بني أمية البيعة ولا سلطة الشريعة حتى وإن صارت كلتاهما شكلية. ووقع أهم تحريف في طبيعة الحكم وفي أسلوبه لأن مفهوم الشورى العام بوصفه فرض عين ألغي وتحول إلى فرض كفاية إذ أصبحت الشورى خاصة بمن يختاره الحاكم من \"العلماء\" وهي شورى نصح سري وليست شورى ملزمة وعلنية .وإذن فالمشكل ليس في هذه السياسة التي كانت تكون مفهومة لو اعتبرت مؤقتة للتغلب على الحرب الاهلية .لكن ديمومتها وخاصة شيطنتها والحرب على دولة الإسلام من كل حدب وصوب والتخريب الباطني والقرمطي وخاصة فساد الدولة العباسية التي هي من جنس الدولة العربية الحالية التابعة للصفوية والصهيونية ولم تكن دولة في خدمة الإسلام :فقد أسسها ثأر الفرس من الإسلام ولم يكن فيها العباسيون إلا مثل حكام ا لعرب الحاليين مجرد صورة. ولو لم ييسر الله غيرهم من المسلمين لضاع الإسلام ولعادت دولة الأكاسرة والحاخامات منذ ذلك الحين .يسر الله جندا لم يتوقعهم أحد وهم الأتراك والاكراد والأمازيغ وغيرهم من شعوب الأمة فحموا البيضة والإسلام :من التشيع والتهود والصليبيين والمغول أبو يعرب المرزوقي 131 الأسماء والبيان
53 7 -- والاسترداد وسيحمونهما مع بعض العرب المخلصين من الصفوية والصهيونية في العصر الحديث. أبو يعرب المرزوقي 132 الأسماء والبيان
53 7 - - قبل أن أتكلم في المسألة العاشرة التي كنت أنوي بها ختم البحث في دلالة العلاقة بين آل عمران 7 وفصلت 53سأقدم عليها مسالة أخرى تكون هي العاشرة لتبقى الخاتمة كما هي بعد أن تصبح الحادية عشرة .والمسألة التي أضيفها في هذا الفصل العاشر هي نظرية الرموز الخمسة التي تمكن من فهم البنية العميقة للعلاقة بين الآيتين آل عمران 7وفصلت 53وقلب الأولى إلى نقيضها هو علة تحريف علوم الملة كلها وقلب الثانية إلى نقيضها هو علة فشل المسلمين في تعمير الأرض في الاستخلاف عليها.. سبق أن درست رمزين من الخمسة هما :رمز التبادل أو العملة ورمز التواصل أو الكلمة .درستهما بوصفهما أداتين ودرست سر تحولهما إلى سلطانين فيصبحان حينها أصلا لدين العجل الذي يعتمد ربا الأموال (سلطان العلمة) وربا الأقوال (سلطان الكلمة) لأن دين العجل هو سلطان معدنه أو الذهب وسلطان لسانه أو الخوار وهما علة التحريف الديني وخاصة في الدولة الثيوقراطية (الحكم باسما الرب) والفلسفي وخاصة في الدولة الانثروبوقراطية (الحكم باسم الإنسان) ولما كان التحريف هو قطع الصلة بين سياسة عالم الشاهدة وسياسة عالم الغيب فإن فلسفة التاريخ تصبح عديمة الصلة بفلسفة الدين .فعالم الشهادة يصبح مثال ذاته الاعلى ولا يعلو عليه مثال. فيكون ما يسمونه واقعا واجبا .وهو ما تفيده عبارة هيجل القائلة إن التاريخ هو الحكم النهائي. والقصد نفي الغيب أو اثبات العلم المطلق (موضوع فينومينولوجيا الروح) والاستغناء عن فرضيات كنط لتأسيس الأخلاق على رؤية دينية فيها الإيمان بما يتجاوز قدرات العقل الإنساني .وإذن فكل المعاني الدينية المترتبة على مسلمات كنط الثلاث الصريحة والاثنتين الضمنية أي البعث والحساب تصبح مجرد أوهام إنسانية لتعويض ما يشعر بنقائصه إذا لم يقل بنظرية المصالحة الهيجلية أي بالدين المطلق (موضوع دروس فلسفة الدين) .فيكون الله من خلق الإنسان (فيورباخ). أبو يعرب المرزوقي 133 الأسماء والبيان
53 7 - - لكن رمز ا لتبادل ورمز التواصل يترتب عليهما حتى لو نفينا الأديان رمزين آخرين وهما رمز استعمار الإنسان في الدنيا ورمز سلطانه عليها فلا يبقى الاستعمار بمعنى التعمير بل يتحول إلى معنى التدمير إذا كان هذا السلطان ليس بمعنى الاستخلاف الذي يضفي عليه قيم التعمير الموجبة ويحرره من قيم التدمير السالبة وهي طغيان العلم المطلق والدين المطلق وهما مدلول الاستبداد الطبيعي والاستبداد السياسي وهو ما يعنيه رمزيا وصف الملائكة الإنسان بكونه ليس أهلا للاستخلاف لأنه مفسد في الارض وسافك للدماء. وهو معنى رؤية التاريخ الهيجلية بوصفه صراع أرواح الشعوب والماركسية بوصفه صراع الطبقات. وذلك هو جوهر العولمة التي تعتمد على الرمزين الأولين بجعلهما أداتي سلطان بعد تجاوز دورهما أداتي تبادل وتواصل وذلك هو ربا الأموال وربا الاقوال والتي تسمي تعميرا ما هو تدمير واستخلافا ما هو استعباد .ولذلك فهما النقيض التام لرؤية القرآن الذي ينفي صراع أرواح الشعوب معنى الأخوة البشرية (النساء )1وصراع الطبقات وهو معنى المساواة بين البشر (الحجرات )13فيحرر الإنسانية من العولمة المادية الخالية من العولمة الخلقية التي تكون تعميرا واستخلافا فتحقيق هذين القيميتين :وذلك هو معنى استراتيجية القرآن التوحيدية للإنسانية. والرمزان الثانيان المتعلقان بالتعمير والاستخلاف هما ما سميته تجهيزي الإنسان وهما: .1جهاز المعرفة شرط التعمير أي النظر والعقد الاجتهاديين .2وجهاز القيمة شرط الاستخلاف أي العمل والشرع الجهاديين .وهذان الرمزان يفيدان إن صغناهما سلبا التحرر من وهمي المطابقة في نظرية المعرفة والمطابقة في نظرية القيمة. والتحرر من وهمي المطابقة في المعرفة وفي القيمة اعتراف بما يتجاوز معرفة الإنسان وقيمته وذلك هو الرمز الخامس أي الاعتراف بأن العالم الطبيعي والعالم التاريخي وعلاقة كيان الإنسان العضوي وكيانه الروحي بهما تحيل إلى أنظمة فيها أربعتها وفي علاقتهما إلى ماوراء يتعالى عليهما بمعاييره يتحدد الصلاح والطلاح في تاريخ الإنسانية. أبو يعرب المرزوقي 134 الأسماء والبيان
53 7 - - والرمز الثالثان أولهما هو المقدرات الذهنية النظرية التي تؤسس للنظر والعقد عندما تطبق على التجربة الطبيعية وثانيهما هو المقدرات الذهنية العملية التي تؤسس للعمل والشرع عندما تطبق على التجربة التاريخية .وهما بطبيعتهما المجهولة وبعدم وجود اعيان مطابقة لها تحيلان إلى الرمز الخامس كذلك أي إلى نفس التعالي وعالم الغيب .فتكون الإحالة الأولى في الأربعة رموز السابقة متعلقة بالقدرة المعرفية والقدرة القيمية وتكون الإحالة الثانية متعلقة بالقدرة على إبداع الأدوات الرمزية أي المقدرات الذهنية النظرية التي تحقق القدرة المعرفية وإبداع الأدوات الرمزية أي المقدرات الذهنية العملية التي تحقق القدرة القيمية. وبذلك تكون الرموز الخمسة هي: .1الكلمة .2العملة .3المقدرات الذهنية النظرية .4المقدرات الذهنية العملية .5عالم الغيب الذي ليس كمثله شيء وهو الله وفعله الخالق وفعله الآمر اللذان منهما يأتي مفهوم القضاء (فعل الخلق) والقدر (فعل الامر) وهما موضوع النظر والعقد للحقيقة والعمل والشرع للقيم. وهذه الرموز الخمسة لا يمكن فهم القرآن من دون وجهيها السوي والمحرف .فكل مضمون الرسالة القرآنية يرد إلى مجالين بعد تعريف المقومات الخمسة للرسالة أي المرسل والمرسل إليه والرسول وطريقة التبليغ ومضمون الرسالة: .1العرض النقدي لتحريف الرموز الخمسة. .2تقديم البديل السوي الذي هو الديني عند الله وهو واحد وهو الفلسفي عنده كذلك وهما العلاقة الواحدة بين عالم الشهادة وعالم الغيب المتعالي عليه والمحيط به. أبو يعرب المرزوقي 135 الأسماء والبيان
53 7 -- ويمكن للإنسان أن يصل اليه بذاته أو بتذكير غيره ممن وصل قبله سواء كان رسولا أو فيلسوفا. وما أسميه فيلسوفا هو من يصل بتدبره الشخصي من خلال الغوص في هذه الرموز .وبهذا المعنى فالرسل فلاسفة أولا ثم مكلفين بإيقاظ غيرهم ثانيا ويصح في الحالتين اعتبار النوعين ممن يوحى إليهم بالمعنى العام للوحي الذي هو تلقي دلالة ال رموز وهو المعنى القرآني الذي لا يقتصر حتى على البشر .والعجيب أن علماء الملة يتجاهلون ظاهرة ملازمة لكل الرسل في القرآن الكريم وهي أنه ما من رسول جاء في أمة إلا وكان فيها من قبلوا رسالته مباشرة وأعانوه لأنهم وصلوا بذواتهم إلى ما يذكر به الرسول وهم قد أمنوا به لأنهم لم ينسوه .فالرجل الذي جاء من أقصى المدينة في يس أو الشاهد من اهلها في يوسف أو خديجة في المدثر أو الصديق إلخ... وقصة حي بن يقظان عيبها أنها تخيلت المحال عندما تصورت من يصل باجتهاده متوحد وخارج عن الحياة الجماعية .وهو محض خيال لا حاجة إليه لأن الإنسان لا يمكن أن يتوحد لا عضويا ولا روحيا .ولنلخص الآن الرموز الخمسة: .1الله وتجليه في فعليه خلقا وأمرا .2والإنسان وتجليه في فعليه للتعامل مع الله إيمانا أو كفرانا .3والإنسان وتجليه في فعليه للتعامل مع مفعولي فعلي الله في الطبيعة والتاريخ أي النظر والعقد والعمل والشرع .4ثم تجليه في كيانه من حيث هو كائن عضوي وروحي تعميرا واستخلافا أو العكس .5وأخيرا تعامل البشر في ما بينهم طلبا للعدل في التبادل والصدق في التواصل أو العكس برمزي التبادل أو العملة والتواصل أو الكلمة. والتجهيزان هما جهازا تلق قبل أن يصبحا جاهزي بث يحتاج إلى القدرة على التعبير اللساني. وهذا يحسم قضية جوهرية في فلسفة اللغة بت الآن متأكدا من أن حلولها السابقة تخلط بين هذين الوظيفتين .فالتلقي سابق على البث والإدراك الحسي للذات وللأشياء سابق على العبارة اللسانية ومن ثم فهو غني عنها وهي تأتي متأخرة في التواصل تماما كالعملة في التبادل .فالتواصل مع الذات أبو يعرب المرزوقي 136 الأسماء والبيان
53 7 -- وبينها وبين غيرها يجري بالإشارة قبل أن يصبح جاريا بالعبارة .والإشارة من جنس المقايضة وهي مثلها لا تصبح لفظية وغير مباشرة بتوسط الكلمة إلا كما يصبح التبادل نقديا وغير مباشر بتوسط العملة. لذلك فاللغتان المتقدمتان على اللسان هما لغة الرسم في المكان ولغة الموسيقى في الزمان .وهذه أمور تأكدت منها من خلال ملاحظتي حفيدي في مرحلة الانتقال من التواصل بالإشارة قبل النطق وتعلم أسماء الأشياء إلى التواصل بالعبارة بعد النطق وتعلم الأسماء .وإذن فالنطق واللغة اللسانية ترجمة للغتين المتقدمتين اللتين هما أصل المقدرات الذهنية النظرية التي من دونها لا يمكن تصور القدرة على تلقي نظام المكان أو الرسم والمقدرات الذهنية العملية التي من دونها لا يمكن تصور القدرة على تلقي نظام الزمان أو الموسيقى. وفي خلال تلقي نظام المكان بالإدراك البصري وتلقي نظام الزمان بالإدراك السمعي وكلاهما يشبها التبادل بالمقايضة العينية بالإشارة إلى الأشياء ذاتها أي مع العالم في محاولة التواصل مع الذات ومع الآخرين دون التسمية التي تمكن من التبادل بالعملة والتواصل بالكلمة .وهذا التلقي الثاني يلي الأول وهو ترجمة لسانية للمعاني المعرفية في التواصل مثل العملة التي هي ترجمة \"لسانية\" للقيم المادية في التبادل .وكلتا الترجمتين لا تتضممان معرفة ولا قيمة بل تحيلان إلى المعرفة القيمة التي هي من جنس التلقي الأول .ومن التلقي الأول والتلقي الثاني يأتي فعل الفكر وفعل الكلام المعبر عنه .والأول هو أصل ابداع لغة المعاني الكلية النظرية المستقلة تماما عن الأشياء لأنها تتعلق بنظام الأشياء عامة دون تعيين والثاني هو أصل ابداع لغة المعاني الكلية العملية المستقلة تماما عن القيم لأنها تتعلق بنظام القيم عامة دون تعيين. وهذا المعنى هو التحقيق الفعلي لمضمون فصلت :53فالإنسان يرى في ما يرينه الله من آيات الآفاق (الطبيعة والتاريخ) ومن آيات الأنفس (كيان الإنسان العضوي وكيانه الروحي) ما يجعله يتبين أن القرآن حق لأنه يصف ما يحصل فعلا في فعل الجهازين جهاز النظر والعقد الذي يرى تلقيا في نظام العالم وفي العضوي من الإنسان وجهاز العمل والشرع الذي يرى تلقيا نظام تاريخ العالم والروحي من الإنسان يراهما احداثا جارية ويراهما حديثا حولهما جاريا في جماعته .فيتلقى أبو يعرب المرزوقي 137 الأسماء والبيان
53 7 -- الاحداث مباشرة من أشياء العالم وكيانه ا العضوي وصيرورتهما التاريخية في مجراهما حضوريا ويتلقاها بصورة غير مباشرة في أحاديث جماعته عن أشياء العالم وكيانه الروحي وصيرورتهما في مجرى الحديث :وبذلك يصبح مترجما للأحداث بالأحاديث. والأحاديث تخبر بالأسماء عن المسميات دون أن تكون الأسماء متضمنة لمضمون عدى ما يعلم من غيرها لأنها تشير إلى ما حصل في المستوى الأول أي في ما تم تلقيه من الأحداث نفسها سواء تعلقت بالعالم أو بالذات .وأول من قدم هذه الرؤية هو ابن تيمية الذي استنتج أن دلالة الألفاظ استعمالية ولا علاقة لها بمضمون يأتي منها بل هي تشير إلى مضمون يأتي من فعل ترجمة لما يأتي من غيرها أي من علاقة مباشرة بالمرجعيات التي تتكلم فيها اللغة دون أن يكون بين اللسان والاشياء أدنى علاقة طبيعية بل هي كلها مواضعات تشير إلى المعاني الثقافية (معرفة وقيما) من جنس العملة التي تشير إلى القيم الاقتصادية (بضائع وخدمات). وقد أخصص لهذه المسألة أي العلاقة بين اللغتين اللسانية والمتقدمة عليها رسما وموسيقي وما يترتب عليهما من اعتبار الأولى ترجمة والثانيتين أصلا للمقدرات الذهنية في مكان وزمان تصوريين للبحث في نظام يوصف بما عرف به ديكارت الرياضيات بكونها نظام القيس والترتيب عامة .والقيس دون تحديد المقيس والترتيب دون تحديد المرتب هو الذي يميز المقدرات الذهنية النظرية والعملية لأنه لا يتكلم على المضامين المقيسة والمرتبة بل على ما يقتضيه النظام بينها إذا تكلمنا عليها بوصفها قيما لمتغيرات لا تعنينا لأنها تتحدد عندما نريد تطبيق المقدرات الذهنية النظرية على الطبيعة وكيان الإنسان العضوي والمقدرات العملية على التاريخ وكيان الإنسان الروحي. والقصد بالروحي فعله الذي ننسب إليه التلقي والترجمة رغم أنه لا شيء ينفي قطيعا أنهما ربما من أفعال البدن .المهم أني لا أدعي العلم بطبيعة الروحي لأني اعتقد أن الروح من الغيب لأنها من امر ربي .وإذن فالقصد هو الوعي بالذات وبالعالم وبما يتعالى عليهما وبالحاج وصلهما به. ولذلك فالمستوى الثالث من الرموز هو الأساس في كل الإشكالية لأنه هو الذي يلتفت إلى المستويين المتقدمين عليه وصلا مع المثل التي يتضمنها عالم الغيب وإلى المستويين المتأخرين عنه بحثا عما أبو يعرب المرزوقي 138 الأسماء والبيان
53 7 - - يمكن أن يقاس عليها في عالم الشهادة .وهو يكون بالأولين في صلة بما يتعالى عليه وبالأخيرين في علاقة بما يحاول التعالي عليه في اشرئبابه للمثل .والتلخيص ليس تلخيصا للرموز فحسب بل هو تلخيص لمضمون الرسالة الخاتمة لأن كل ما لا يرد إليهما من القرآن هو تعريفات مفهومية لعناصر الرسالة. وعناصر الرسالة الخمسة هي كما بينا: .1المرسل أو الله .2والمرسل إليه أو الإنسان .3والرسول أو مبلغ الرسالة .4وطريقة التبليغ أو التبشير والنذير في التربية والحكم .5واخيرا تعريف هذا المضمون الملخص .وذلك هو القرآن. وبهذا المعنى فالرمز الثالث أي التعامل مع فعلي الله في الطبيعة وفي التاريخ وفي كيان الإنسان العضوي وفي كيانه الروحي هو الذي يصل أو يفصل بين التعاملين اللذين يأتيان قبله أي الأول والثاني والفعلين اللذين يأتيان بعده أي التعمير والاستخلاف وتعامل البشر في ما بينهم .ففيه يمكن للإنسان أن يخلد إلى الأرض أو أن يصل عالم الشهادة بعالم الغيب .وهذا المستوى الثالث من هو تجهيز الإنسان بالنظر والعقد للمعرفة وتجهيزه بالعمل والشرع للقيمة والنظر والعقد هو أداة التعمير والعمل والشرع هو أداة الاستخلاف .وإذن فالتجهيزان هما ما يناسب مهمتي الإنسان بمعنى أن الإنسان لم يكلف بما لا يستطيع لأنه جهز التجهيز الضروري والكافي لتحقيقهما .والتجهيز الأول هو أصل القدرة على ابداع المعاني الكلية المقدرة ذهنيا للنظر الذي يحقق العلم بالتطبيق على التجربة الطبيعية والثاني هو أصل القدرة على ابداع المعاني الكلية المقدرة ذهنيا للعمل الذي يحقق القيمة بالتطبيق على التجربة التاريخية .وهذه الرؤية هي التي يعتبرها القرآن جوهر الديني عند الله وهي التي لا يمكن ألا تعتبرها الفلسفة جوهر الفلسفي عند الإنسان .فيكون الفلسفي غير المحرف هو الذي يدرك هذه العلاقة وصلا وفصلا أبو يعرب المرزوقي 139 الأسماء والبيان
53 7 -- فيختار بتناسق عقلي الحل الذي يكون إما بمنطق الأولين والأخيرين من منظور الوصل أو من منظور الفصل. وبهذا المعنى فالقول بالمطابقة المعرفية في العلاقة بالموجود والقول بالمطابقة القيمية في العلاقة بالمنشود هي التي تنتهي إلى نفي ما وراء العالم واعتبار العالم واحدا والتاريخ حكما نهائيا بلغة هيجل مع تأسيس يقول بوحدة الوجود التي حاول فيها إصلاح الطبعانية السبينوزية بتذويت الجوهر .وذلك يفترض ما أسس عليه هيجل كل فلسفته أي الصلح بين العلم المطلق والدين المطلق من مدخل نظرية العلم في فينومينولوجية الروح ومن مدخل الدين في دروسه في فلسفة الدين. وقد ترجمت الثانية .ولم أترجم الأولى لأن بعض العرب ترجموا بعضها وترجمها العونلي ورغم أني لست راضيا عن ترجمة صفوان (بعض فينومنولوجية الروح وأظنها عن الفرنسية) وترجمة العونلي (وأظنها عن الفرنسية كذلك أو بالاستعانة بترجمة هيبوليت الركيكة جدا رغم معرفة العونلي بالألمانية) فقد أحجمت على إعادة الترجمة. وإذن فنقد هيجل لنقد كنط وخاصة لتمييزه بين الظاهرات والحقائق التي لا يدركها العقل) يتأسس على وهمين: .1وهم العلم المطلق (فينومينولوجيا الروح الذي ينبني رفض القول بمحدودية العلم التي توصل إليها كنط أو نفي العلم الإنساني المطلق) .2وهم الدين المطلق مؤسسا إياه دينيا على الصلح بين الربوبي والطبيعي برمز المسيح ابن الله. وبذلك ينفي الغيب ويحيث الربوبي في الطبيعي والتاريخي بتوسط الحلول في الإنسان الغيب ليكون علمه مطلقا .فيكون المنطلق هو تحريف المسيحية وقولها بالتثليث وببنوة عيسى للرب .والتمييز بين العقل والروح -أو العقل الاستريائي أو الحصاة والعقل التأملي أو النهى وتغيير القضية الحملية إلى قضية تأملية واعتبار الموضوع متحققا في محولاته ونفي الفصل بين المنطقي والوجودي -مخادعة لأن حصر الوجود في عالم الشهادة ونفي عالم الغيب. أبو يعرب المرزوقي 140 الأسماء والبيان
53 7 -- وهو ما يعني أن الروحي ليس شيئا آخر غير العقلي الوحيد الممكن في عالم الشهادة التي هو عنده الوحيد وفيه يكون التاريخ الحكم النهائي .وهي مادية خالصة لا تختلف عن وحدة الوجود السبينوزية حتى وإن زعم تذويت الجوهر .أسماء الرموز عند تحريفها: .1تحريف أداتي التبادل والتواصل هو دين العجل إذ جعلهما أداتي سلطان على المتبادلين والمتواصلين .2تحريف علاقة الإنسان بالطبيعة والتاريخ وبكيانه العضوي والروحي هو الاخلاد إلى الأرض .3تحريف الفصل بين العالمين هو وحدة الوجود بشكليها الطبعاني والتاريخاني .ولذلك فطبيعي جدا أن يستنتج ماركس أن حلول هيجل هي عين حلوله لأن الروحي والديني والتعالي كلها خداع أو تقية هيجلية ولا تعبر عن إيمان صادق بما يتعالى على الطبيعة والإنسان. ثم سميت: .4تحريف تجهيز الإنسان بقدرة التقدير الذهني في النظر والعقد وبقدرة التقدير الذهني في العمل والشرع بالقول بالمطابقتين لأن إطلاق العلم بالموجود والقيمة بالمنشود يعني نفي الفرق بين الإدراك وموضوعه وهو ما سماه ابن خلدون وهم رد الوجود إلى الإدراك .5وأخيرا فقد سميت تحريف تجاوزهما بتحييثه وجعله موضوع علم مطلق متطابق مع دين مطلق نفيا للغيب وهو غاية المعنى الذي يترتب على القول بالمطابقتين .فنفي الغيب هو دعوى العلم المطلق ودعوى الدين المطلق هو دعوى العمل التام رغم أننا لا نعلم علة الموجود والمنشود بدل نقيضيهما ولا كيفهما بدل غيره. وإذن فالرموز الخمسة تقبل الاستعمالين الحدين الموجب والسالب وتقبل الاستعمالات الوسطى بينهما أي الاستعمال السوي والاستعمال المحرف وما بينهما هو درجات ثلاثة قريبة من الموجب وقريبة من السالب والدرجة صفر بينهما .ومن ثم فيمكن ردها الاستعمالات الخمسة إلى أحكام أبو يعرب المرزوقي 141 الأسماء والبيان
53 7 - - الفعل الإنساني في الفقه الإسلامي لتصنيف أحكام أفعال العباد في القرآن الكريم .فإذا اعتبرنا السوي هو الواجب والمحرف هو الممنوع كان ما بينهما قابلا للرد إما إلى درجة المندوب إليه أو إلى درجة المكروه أو إلى الدرجة صفر المباح .وأكثر من ذلك فإن مبدأ الضرورة التي تبيح المحظور والتي يكون فيها الفاعل هم شارع نفسه بمعنى تقدير الضرورة وإباحة الفعل سواء المتخلي عن الواجب (مثل الإفطار في رمضان بسبب المرض) أو القائم بالسالب (اكل الميتة في حالة فقدان الغذاء السليم). ذلك أن فعل الفصل أو الوصل بين العالمين عالم الغيب أصل مثل النظر والحقيقة واصل العمل والقيمة في الدين وفي الفلسفة وعالم الشهادة الذي يكون فيه فعل الإنسان ذا صلة بالمثل عند الوصل أو نافيا لما يتعالى عليه وعلى أفعاله عند الفصل .وبذلك يتحدد التعمير أوالتدمير والاستخلاف أو الطاغوت .لكن ما يتحدد أمر أعمق وهو علاقة فلسفة الدين بفلسفة التاريخ: فسياسة عالم الشهادة من فلسفة التاريخ وسياسة عالم الغيب من فلسفة الدين والعلاقة بين العالمين هي العلاقة بين الفلسفتين وهي جوهر الإسلام الذي هو فلسفة العلاقة بين العالمين وبين السياستين ومن ثم بين الفلسفتين .وتلك هي علة عسر فهم الإسلام في الرؤى المحرفة للدين والفلسفة بالفصل بين المجالين وليس بالوصل بينهما :فالديني لا يقبل الفصل عن التاريخي والتاريخي لا يقبل الفصل عن الديني. وإذن فالتعمير والتدمير حدان اقصيان بينهما أحكام فعل الإنسان في علاقته بالطبيعة وبكيانه العضوي والاستخلاف والطغيان وحدان اقصيان بينهما احكام فعل الإنسان في علاقته بالتاريخ وبكيانه الروحي .والعلاقتان هما موضوع التذكير القرآني .ولذلك فكل الأمثلة التي يناقشها القرآن في كلامه على مآل التحريف في الرسالات السابقة تدور حول هذه المسائل الأربعة وأصلها أعني مسألة علاقة سياسة عالم الشهادة بسياسة عالم الغيب سواء على مستوى سياسة الفرد لكيانه العضوي والروحي أو على مستوى سياسة جماعة من الإنسانية أو الإنسانية كلها سياسة شأنها الاقتصادي (الإنتاج المادي بضائع وخدمات) وسياسة شأنها الثقافي (الإنتاج الرمزي بكل أنواعه أبو يعرب المرزوقي 142 الأسماء والبيان
53 7 -- علما وقيما وتطبيقاتهما) وتأثير تلك السياسة الموجب إذا كانت العلاقة بما يتعالى الدنيا أو السالب إذا أخلدت إلى الأرض. وهذا العرض النقدي لمآل التحريف في الرسالات السابقة يقدمه القرآن في شكل العلاقة التي تصل فلسفة الدين بفلسفة التاريخ في عرض نسقي هو مضمون سورة هود خاصة (مع أخواتها الأربع طبعا) التي قال عنها الرسول الخاتم إنها شيبته .ولما حاولت فهم علة تشييبها له أمكن تحديد طبيعة الرسالة الخاتمة وكونيتها سواء في تعريفاتها لعناصر الرسالة أو لمهمتيها في نقد التحريف والمعوقات التي أدت إليه وفي تقديم البديل الذي هو استراتيجية توحيد الإنسانية بعلاج المعوقات التي تعرضها هود وأخواتها عرضا نسقيا هو مهمة الرسالة الخاتمة من حيث هي سياسة عالم الشهادة بمثل عالم الغيب .وهو قياس مقابل تماما لطريقة الكلام والفلسفة المحرفين: لا يقاس عالم الغيب على عالم الشهادة لا يقاس أمر عالم الشهادة الواقع على مثال عالم الغيب الواجب. والعرض النقدي جاء في سبع نماذج حدان وبينهما خمس معوقات محرفة لهما :الحد الاول يمثله تحرير نوح الإنسانية من طغيان الطبيعة بالتقنية (السفينة) والزراعة (أخذ زوجين من كل شيء لاستنباتهما) على أعين الله الذي أوحى لنوح بالحل .وحرر الحل من علاقة الدم لأن ابنه وزوجته استثنيا نفسيهما منه .والحد الثاني يمثله تحرير موسى أهله من طغيان التاريخ بعد الفشل في اقناع فرعون وآله وذلك بالهجرة على أعين الله الذي أوحى لموسى .فحدث التحريف الأهم وعمت العبودية والطغيان بدين العجل أي بتحريف آداة التبادل والتواصل فصارت العملة ربا الأموال وصارت الكلمة الاقوال أداتي العبودية العامة. أما المعوقات الخمسة فهي سيطرة محرفي توزيع الثروة (هود) وسيطرة محرفي توزيع الماء (صالح) وسيطرة محرفي وظيفة الجنس (لوط) وسيطرة محرفي معايير التبادل (شعيب) .فقصة قوم هود كما هو معلوم تتعلق بسلطة أصحاب الثروة وطغيانهم على البقية .وقصة قوم صالح كما هو معلوم تتلق بتوزيع الماء في بلد يشح فيه الماء لأنهم يجمعونهم في قلت فكانوا يحرمون الحيوانات من حظها فيه واختير الناقة التي تمثل نوعا من \"آلة\" خزن الماء .وقصة قوم لوط كما هو معلوم تتعلق بالمثلية أبو يعرب المرزوقي 143 الأسماء والبيان
53 7 -- الجنسية .وقصة قوم شعيب كما هو معلوم تتلق بأدوات الكيل والتعيير أي بالتطفيف ومنع التبادل العادل. وبين العائقين الأولين (قصة قوم هود وقوم صالح) والعائقين الأخيرين (قصة قوم لوط وقوم شعيب) نجد قصة إبراهيم وزوجته وقدوم الملائكة لإعلامه بأمري هما مآل قوم لوط والبشرى بالحل الذي أعلم به ابراهيم الذي بشرته الملائكة بابن في لحظة بلوغ زوجته سن اليأس .وهذه البشرى هي التي تشير إلى الرسول الخاتم الذي سيعالج كل هذه الأمراض التي تتعلق بها القصص .والملاحظ أن الاقتصاد جمع مع مقوم الحياة الأول أي الماء ثم جمع مع مقومها الثاني أي الجنس .وهذه المقومات الأربعة ضرورية لكنها فسدت لأن أصحابها لم يصلوها بما يتعالى عليها أي بما يرمز إليه إبراهيم (الوحدانية) والابن الذي بشر به أي محمد (سياسة عالم الشهادة بمثل عالم الغيب) في التاريخ الفعلي وهو معنى تكوين دولة الإسلام الكونية. وبين أن هذا الابن الذي بشر به ابراهيم لا يمكن أن يكون ابنا عضويا بل هو ابن روحي لأن القصة لا يمكن أ ن تنطبق لا على اسماعيل ولا على اسحق .فإسماعيل ولده وهو شاب من زوجة مصرية شابة .واسحاق جاء مباشرة بعده وإبراهيم لم يشخ وسارة ما زالت شابة ولم تصل إلى سن الياس بدليل طردها اسماعيل وهو طفل مع أمه .وإذن فالبشرى تتعلق بابن روحي وليس بابن بايولوجي .وذلك الابن هو طبعا الرسول في لحظة يأس الإنسانية .ولو لم يفهم الرسول الخاتم الدلالة الرمزية لما اعتبر هود وأخواتها مشيبة لرأسه :فقد فهم القصد من سلسلة السورة ومن كونه هو موضوع البشارة والمكلف بتحقيق ما لم يتحقق سابقا بسبب عدم تذليل هذه المعوقات. وإذن فما شيب الرسول هو فهم القصد من الرسالة في هود وأخواتها وما يترتب عليها من مهام منتظرة منه لتحقيقها بالتصدي للمعوقات الخمسة التي حرفت دور الثروة والماء والجنس والمعايير التبادلية وطبعا معها المعايير التوصلية التي لها صلة مباشرة بالحدين الاقصيين لأن التواصل لا يكون حقيقيا بين من ليسوا أحرارا من العلاقة بطغيان الطبيعة (قصة قوم نوح) ومن العلاقة بطغيان التاريخ (قصة قوم موسى) بسبب عدم فهم رسالة التوحيد الأولى التي بعث هو خاتما لتحقيقها في التاريخ الفعلي بمنطق النساء (1الاخوة البشرية) والحجرات ( 13المساواة بين أبو يعرب المرزوقي 144 الأسماء والبيان
53 7 -- البشر) :فهم محمد أنه ابراهيم الثاني موحد الإنسانية بالوحدانية وعلاقة سياسة عالم الشهادة بمثل سياسة عالم الغيب. ولا يكون ذلك إلا بما ورد في هود من حيث المعوقات في سياسة عالم الشهادة وفي أخواتها بما يترتب على الوصل بين سياسة العالمين سياسة الإنسان معمرا وخليفة في عالم الشهادة بالانشداد إلى المثل العليا المستمدة من سياسة الله لعالم الغيب: .1فالواقعة كما هو معلوم مدارها التذكير بالآخرة. .2والمرسلات كما هو معلوم مدارها التذكير بمآل المكذبين بيوم الدين. .3والنبأ كما هو معلوم اعلام وتذكير بالبعث والحساب. .4والتكوير كما هو معلوم تقدم علامات نهاية عالم الشهادة وبداية البعث .وهذه الأخوات تتعلق بما يشد الإنسان إلى عالم الغيب .أما المعوقات التي وردت في سورة هود فهي التي تشد الإنسان إلى عالم الشهادة وقد تلهيه عن عالم الغيب إذا أخلد إلى الأرض فصارت الدنيا مبتغاه والفاني هواه فنجد بعدي دين العجل أي ربا الأموال وربا الأقوال. وبذلك تكون هود هي الأصل العارض للأمراض التي تحول دون الإنسانية وأن تطبق النساء 1 والحجرات .13وهذا الأدواء تمثل عرضا للتحريفات الأربعة وعلاج الحدين الأقصيين (علاج نوح لطغيان الطبيعة وعلاج موسى لطغيان التاريخ) والحل المؤسس لحليهما (علاج إبراهيم) ومن دون هذه الحلول التي تؤسس لسياسة عالم الشهادة بمثل عالم الغيب الذي حددته أخوات هود اي السور الأربعة .ذلك هو الأمر الذي شيب الرسول الخاتم .وما كان يمكن فهم هذه البنية من دون اكتشاف نظرية الرموز الخمسة أساسا لأكسمة القرآن الكريم. وإذن فالتحريفان الاقصيان الموصلان إلى طغيان الطبيعة (قصة قوم نوح) ورفض الثورة عليه وطغيان التاريخ ورفض الثورة عليه (قصة قوم موسى) وهما عين التحريف الذي تعيشه الأمة الإسلامية منذ بداية الانحطاط بسبب ما سماه ابن خلدون فساد معاني الإنساني هما عين ما أبو يعرب المرزوقي 145 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152
- 153
- 154
- 155
- 156
- 157
- 158
- 159
- 160
- 161
- 162
- 163
- 164
- 165
- 166
- 167
- 168
- 169
- 170
- 171
- 172
- 173
- 174
- 175
- 176
- 177
- 178
- 179
- 180
- 181
- 182
- 183
- 184
- 185
- 186
- 187
- 188
- 189
- 190
- 191
- 192
- 193
- 194
- 195
- 196
- 197
- 198
- 199
- 200
- 201
- 202
- 203
- 204
- 205
- 206
- 207
- 208
- 209
- 210
- 211
- 212
- 213
- 214
- 215
- 216
- 217
- 218
- 219
- 220
- 221
- 222
- 223
- 224
- 225
- 226
- 227
- 228
- 229
- 230
- 231
- 232
- 233
- 234
- 235
- 236
- 237
- 238
- 239
- 240
- 241
- 242
- 243
- 244
- 245
- 246
- 247
- 248
- 249
- 250
- 251
- 252
- 253
- 254
- 255
- 256
- 257
- 258
- 259
- 260
- 261
- 262
- 263
- 264
- 265
- 266
- 267
- 268
- 269
- 270
- 271
- 272
- 273
- 274
- 275
- 276
- 277
- 278
- 279
- 280
- 281
- 282
- 283
- 284
- 285
- 286
- 287
- 288
- 289
- 290
- 291
- 292
- 293
- 294
- 295
- 296
- 297
- 298
- 299
- 300
- 301
- 302
- 303
- 304