53 7 -- “ Mahomet eut des vues très saines, il lia bien son système politique, et tant que la forme de son gouvernement subsista sous les califes ses successeurs, ce gouvernement fut exactement un, et bon en cela. Mais les Arabes devenus florissants, lettrés, polis, mous et lâches, furent subjugués par des barbares ; alors la division entre les deux puissances recommença… ”(Du Contrat )social, Livre IV, De la religion civile ويقرب من موقفه موقف أحد عمالقة التنوير الالماني قصدت هاردر في كتابه أفكار معدة لتاريخ للإنسانية الذي خصص فصله التاسع عشر للكلام على ممالك العرب Reiche der Aarber والكتاب كان بعنوانIdeen zur Philosophie einer Geschichte der : )1971( Menschheitوفيه كلام على الإسلام (بالمناسبة خصومته مع كنط كان سببه النقد الذي جاء في عرض كنط لكتابه هذا وصلته بابن رشد). جوته ولايبنتس بأسلوب فلسفي دين يدحض نظرية \"الفاطوم\" المحمدي ويبين العناية الربانية والتسليم بها. يمكن اعتبار الفرق بين ذروتي الفكر الألماني -لايبنتس وجوته-قبل الانحدار الذي يمثله هيجل وماركس هو غاية ما وصلت إليها الرؤية المسيحية لعلاقتها بالإسلام خلال البحث المتجرد وبداية الانتقال إلى أدلجة العلاقة بين الحضارتين بمنظور صراع أرواح الشعوب الهيجلية التي واصلتها الماركسية وإن بصيغة طبقاتها. فموقف جوته الذي يؤمن بالنقد الكنطي والذي به تجاوز كنط لايبنتس في رؤيته. أبو يعرب المرزوقي 196 الأسماء والبيان
53 7 - - حتى بلغ الأمر بهيجل إلى اتهامه باعتناق الإسلام يتجاوز خرافة الفاتوم الإسلامي الذي استعمله لايبنتس مهربا ليبعد عن رؤيته لأفضل العوالم بأنها تسليم بالرؤية القرآنية رغم أن هذه لا تستند إلى الخلط بين عالم الشهادة وعالم الغيب لأن أفضل العوالم في القرآن ليس عالم الشهادة بل عالم الغيب الذي هو المثال الأعلى لعالم الشهادة وغاية اشرئبابه الاستكمالي وخاصة الإنساني منه ليستعيد تصويره الأتم والتحرر من الرد أسفل سافلين بشروط سورة العصر. وسأكتفي بنص وحيد لجوته لأمر إلى لب الفصل الثالث عشر خاتمة للكلام على علاقة الفكر الغربي الحديث ليس من منظور الفكر الغربي للفكر الإسلامي بل من منظور مفكر إسلامي لغاية الفكر الغربي بعد أن بلغ أتم فساد طرأ عليه أعني شكله الهيجلي لأني اعتقد أن محمد اقبال هيجلي حتى وإن ظن مفكرا إسلاميا لقوله بالمطابقتين مهن منطلق هيجلي يجعل استعمال الفكر الاعتزالي في رده على لايبنتس مفهوما أولا ولقوله بنظرية أرواح الشعوب ثانيا في وصفه للفلسفة الإسلامية وصفا لا يختلف عن رؤية ارنست رونان الذي هو بدوره متأثر بأرواح الشعوب الهيجلية ثانيا. فهذا رأي جوته في القضاء والقدر الذي لا يرى فيه فرقا يذكر من حيث الطبيعة بين الإسلام والمسيحية .لذلك فهو اهتم بوجوه أهم هي وظيفته في التربية خاصة وفي طمأنينة النفس لإدراكه الفرق بين التوكل والتواكل لأن الإيمان بالعناية الإلهية لا تتنافى مع رعاية الذات لنفسها بالقدر المستطاع لها: \"لا بد وأنك قد درست مثلي منذ خمسين سنة تاريخ الكنيسة لكي تفهم كيف أن كل شيء مترابط. وفي المقابل فإنه لجدير بالملاحظة إلى أسمى حد بأي العقائد كان المسلمون يبدؤون تربيتهم .ففي المقام الاول هم يثبتون في شبابهم اساسا لدينهم بالاعتقاد بأن الإنسان لا يمكن أن يصادفه في حياته إلا ما حدده إلاه هاد منذ القدم ومن ثم فههم مجهزون لحياتهم كلها فلا يكاد الواحد منهم يحتاج إلى المزيد\". أبو يعرب المرزوقي 197 الأسماء والبيان
53 7 - - Ihr müstet wie ich seit 50 Jahren die Kirchengeschchte studiert haben, um zu begreifen, wie das alles zusammenhängt. Dagegen ist es höchst merkwürdig, mit welchen Lehren die Mohammedaner ihre Erziehung beginnen. Als Grundlage in der Religion befestigen sie ihre Jugend zunächst in der Überzeugung, dass den Menschen nichts begegnen könne, als was ihm von einer alles leitenden Gottheit längst bestimmet worden ; und somit sind sie denn für ihr ganzes Leben ausgerüstet und beruhigt und » bedurfen kaum bedürfen kaum eines Weiteren Katarina Mommsen, Göthe und die Arabische Welt, Erste Auflage .1988, Insel Verlag Frankfurt am Main.s.252 فما كان يعنى به جوته في نظرية القضاء والقدر هو دورها في التربية وفي القدرة على الاقدام في بمقتضى التوكل وليس بمقتضى التواكل منبها إلى ثلاثة عناصر: .1الأول هو مفهوم العناية الربانية وجوهريتها في كل الأديان وهي سر الطمأنينة الروحية التي من دونها يمتنع الفراغ لأي عمل .2الثاني دورها في التربية التي تجمع بين التوكل والاقدام ولا تعني التواكل والعجز .3الثالث فهم العلاقة بين المحدود من العلم والعمل الإنسانيين واللامحدود من العلم والعمل الإلهيين وهو القصد بالتسليم للرب. ويبرز في ذلك الانتقال من الرؤية اللايبنتيسية إلى الرؤية الكنطية رغم أن لايبنتس كما سنرى في ما انتخبناه من كتابه في العدل الإلهي لم يكن بحق يعتقد في ما ينسب إلى المسلمين من التواكل ونفي فاعلية الإنسان التي تترتب على معرفة الاسباب لأن المثال الذي ينطلق منه يثبت العكس أبو يعرب المرزوقي 198 الأسماء والبيان
53 7 -- تماما لأن نظرية العزل في جائحة الطاعون من أشهر الأمثلة على أن الرسول نفسه كان يعلم أن سبب الانتشار هو العدوى .وقد انتخبت هذين الفقرتين من كتاب لايبنتس في العدل الإلهي: الفقرة :106 وبهذا القدر يعسر أن يدخل القضاء والقدر أو الافتراض القبلي بالعلل الضرورة المضادة للصدفة أو للحرية أو للأخلاق والأحرى بعكس ذلك حقا أن الفاتوم المحمدي (يعني الإسلامي) اللامعقول يختلف عن الفاتوم المعقول الذي يقول به المسيحيون .وذلك بالذات في ما يلي فالأتراك (يعني المسلمين) لا ينشغلون بالعلل في حين أن المسيحيين وكل العقلاء يستخرجون المعلول من العلة. الفقرة :107 فالأتراك -كما يحكى ولا أكاد أصدق أنهم كلهم مجانين -يعتقدون أنه لا فائدة من الهروب من الطاعون وغيره من الأدواء الأخرى وذلك بحجة أن ما ينبغي أن يحصل وما هو مكتوب سيقع مهما فعلت أو لم تفعل .ولا شيء أفسد من هذا لأقول لأن العقل يعلمنا أنه إذا كان مكتوبا أن إنسانا ما سيموت بالطاعون فإنه مكتوب كذلك أنه لا يتجنب علل الطاعون .ذلك أن الموت كما يقول المثل الألماني يريد أن تكون له علة .والامر هو كذلك في الأحداث الأخرى\" (النص كتبه لايبنتس بالفرنسية وهو يكتب بها وباللاتينية أكثر مما يكتب بالألمانية). Tant s’en faut donc que la prédestination ou la -106 présupposition par les causes introduise une nécessité contraire à la cotingence, ou à la liberté ou à la moralité, que bien plutôt « l’absurde « fatum » des mahométans diffère du raisonnable fatum » des chrétiens précisément en ceci :que les Turcs ne أبو يعرب المرزوقي 199 الأسماء والبيان
53 7 - - s’inquiètent point des causes, tandis que les chrétiens et touts les gens sensés font provenir l’effet de la cause Les Turcs, raconte-t-on, et j’ai peine à croire qu’ils soient tous-107 aussi fous , pensent qu’on fuirait en vain la peste et autres maux ; et cela, sous ce prétexte que ce qui doit arriver et que ce qui est écrit arriveraquoi que vous fassiez ou ne fassiez pas. Rien de plus faux, puisque la raison nous apprend que, s’il est écrit qu’un homme mourra de la preste, il est écrit aussi qu’il n’évitera pas les causes de la peste. Car, ainsi que le dit le proverbe allemand, la mort veut avoir une cause. Et il en est de même de tous les autres .» évènements Œuvres de Leibniz, Essais deThéodicée Monadologie et lettres .entre Leibniz et Clarke Paris Charpentier-Librairie éditeur 1848 رد اقبال على لايبنتس نكوص إلالإشكالية الكلامية بتاثر من الهيجلية والبرجسونية Souleymane Bachir بالإحالة إلى فقرة قصيرة من ملخص الفصل الذي كتبه الأستاذ De fato mahometano: Leibniz and Muhammad : بعنوانDiagne أبو يعرب المرزوقي 200 الأسماء والبيان
53 7 - - 83-75 ) الصفحات2( 57 الوارد في مجلة ديوجان العددIqbal on Islamic fatalism .2010 بتاريخ ماي \"كتب اقبال خلال كلامه على المصير فقال \" المصير كلمة كثر سوء فهمها سواء في عالم الإسلام أو وكان قصده أن المسلمين هم نفسهم من ناحية اولى قد أساؤوا تعريف المعنى بكونه.\"خارجه اعتقادا قويا في التحديد المسبق المطلق للمصير ومن ناحية ثانية أساء غير المسلمين توصيف الإسلام بكونه دينا يتميز بالتأسيس على التعصب الاعمى المترتب على الإيمان بكون مصير الإنسان ومثل هذ التوصيف لما يتميز به الإسلام أضفى عليها لايبنتس تكريما فلسفيا عندما.مكتوبا مسبقا فقد الح على التمييز بين.رد على النقد القائل إن فلسفته تؤدي حتما إلى الضرورة والفاتاليسم الجبرية الإسلامية أو \"الفاطوم:ما تقوله نظريته فعلا حول الضرورة وما لا ينبغي خلطه به .\"المحمدي Speaking of destiny, Iqbal writes that it is \"a word that has been « so much misunderstood both in and outside the world of Islam\". He meant that, on the one hand, Muslims themselves have misconstrued the notion as a strong belief in absolute predestination while, on the other hand, non-Muslims have mischaracterized Islam as a religion based on blind fanaticism stemming from a faith in an already written fate. Such a characterization was given philosophical dignity by Leibniz when, responding to the criticism that his philosophy inevitably led to necessity and fatalism, he insisted on establishing a distinction between what his doctrine did say about necessity أبو يعرب المرزوقي 201 الأسماء والبيان
53 7 - - and what it must not be mistaken for: Islamic fatalism, or fatum .» mahometanum وختم صاحب المقال قائلا :إن فلسفة اقبال في الزمان باعتباره \"المدة\" (تبعا لبرجسون) التي هي شرط حب المصير من دون فتاليسم (جبرية)Iqbal's philosophy of time as . duration (Iqbal was a Bergsonian) as the condition for an amor .fati without fatalism لن أطيل الكلام في موقف لايبنتس لأني أولا كتبت في ذلك سابقا عندما درست الجدال الذي دار بينه وبين كلارك في المفاضلة بين رؤيته ورؤية نيوتن لطبيعة دور الإله في نظام العالم ورفضه أن يكون العالم أفضل العوالم الممكنة واعتباره مثل الساعة التي تعدل مرة واحدة ثم تصبح عاملة بآلياتها دون ان يكون للرب عليها سلطان .ما يعنيني هو رد اقبال الذي يرجع إلى الموقف الاعتزالي وهو الحل الأفسد على الاطلاق لأن العلاقة ليست بين الضرورة والحرية بل هي بين حريتين مطلقة علمها محيط وعملها تام ونسبية علمها غير محيط وعملها غير تام. وهذا كاف للغرض لأن القصد هو بيان عودة الإشكالية الآمن منطلق محاولات تشخيص الوضعية الروحية وفهم الرسالة في مرحلة الاستئناف الذي قاد مقاومة الاستعمار واصبح الآن بعدا روحيا في الاستئناف في مرحلة التحرر من الاستبداد والفساد واستكمال التحرير من الاستعمار .وهذا هو الوجه الأول لاختيار شاعر النهضة الإسلامية في الهند الإسلامية وفيلسوفها .أما الوجه الثاني للاختيار فهو ما اعتبره العائق الأساسي لفهم الثورة الإسلامية التي لا يمكن فهمها من منطلق الفلسفة الغربية بعد نكوصها إلى ما قبل الكنطية غربيا وإلى ما قبل ابن خلدون إسلاميا .فلا يمكن فهمها لا ببرجسون ولا خاصة بما ذهب إليه لا يبنتس واختيار حله الذي يقابل بين المسيحية والإسلام في الموقف من القضاء والقدر. أبو يعرب المرزوقي 202 الأسماء والبيان
53 7 - - خاتمة ضعف حجج اقبال في الرد على لايبنتس أبدأ فالاحظ أن لا يبنتس نبه إلى أنه يتكلم على شائعة لا يصدقها لأنه لا يصدق أن الأتراك ويقصد المسلمين كلهم فاقدون للعقل بحيث يعتقدون أن يكون المقدر إلهيا مقصورا على المعلولات دون عللها .كما أن الرد على لايبنتس ببرجسون وبنيتشة لا يعتبر ردا والبحث في حلول علم الكلام الإسلامي مع غياب دور المدرسة النقدية نكوص إلى ما قبله وهو علة النكوص إلى ما قبل النقد الكنطي حديثا. وقبل الشروع في علاج مسالة الفصل الأصلية لا بد من فهم دلالة فصلت 53ليس في مسالة التعمير والاستخلاف مباشرة مهمة ومنزلة ينسبهما القرآن إلى الأنسان نسبة تجعلهما مدار التذكير من حيث هو وصل بين سياسة عالمين عالم الغيب وعالم الشهادة وتؤسس العلاج الديني باعتباره اخراجا للإنسان من الخسر والسعي للاستثناء منه بالوعي بعلله والعمل بما يحرره منها وعيا وإيمانا وعملا صالحا وتواصيا بالحق اجتهادا لمعرفة هذا الوصل وتواصيا بالصبر جهادا لتحقيقه. فالإنسان مدرك للآفاق والأنفس إيجابا بكونهما أصلا لفاعليات لا يمكنه أن ينسبها إلى نفسه من دون أن يكذب على نفسه مهما كان ذا سلطان وقوة أولا ولا إليهما ثانيا من دون أن ينسب إليهما كل ما يعجز دونه إذا صدق نفسه: .1فهو لا يستطيع أن ينسب إلى نفسه نظام الآفاق الطبيعية .2وهو لا يستطيع أن ينسب إلى نفسه نظام كيانه العضوي .3وهو لا يستطيع أن ينسب إلى نفسه نظام الآفاق التاريخية .4وهو لا يستطيع أن ينسب إلى نفسه نظام الحياة الروحية .5فيضطر إما إلى نسبتها إلى \"شيء\" في نوعي الآفاق ونوعي مقومات كيانه. أبو يعرب المرزوقي 203 الأسماء والبيان
53 7 - - وهو شيء لا ينسبه إليهما إلا بشكلين ممكنين عقلا إما بوصفه محايثا فيهما أو مفارقا سواء دون وسائط أو بوسائط طبيعية أو بشرية .وتلك هي أصناف الأديان الممكنة عقلا والتي تعتبر مراحل التطور في الوصول إلى آخر معنى للدين بوصفه علاقة غيبية بين عالم غيب بعالم شاهد لها تأويلات ناتجة عن قيس الأول على الثاني تحريفا للقيس الأنسب: .1بتوسط فاعلية بعض الطبيعة .2أو بتوسط فاعلية بعض البشر لصفات عضوية .3أو بتوسط فاعلية بعض البشر لصفات روحية. .4أو فاعلية الطبيعة ككل .5أو فاعلية الحياة ككل. فالإنسان عنده ثمرة أفعال مجهولة في الطبيعة عامة وفي طبيعته العضوية ثم في التاريخ عامة وفي علاقته تاريخه خاصة وكلها أفعال لا يستطيع ردها إلى فاعليته فيتدرج في محاولة فهمها لأنه لا يستطيع أن يعيش من دون هذه العلاقة بين ما يحيط به وما ليس له فعل إلا بمحاكاته من حيث هو ثمرات أفعال مجهولة الطبيعة حتى في ما يبدعه من ثمرات فاعليته. لكنه يحاول قيس علاقة افعاله بثمراتها بعكسها فيتصور وراء الثمرات التي ليست من فعله إلى فعل من طبيعة فعله وتلك هي علة خطا قيس الغائب على الشاهد ظنا أن الفاعل الذي يبحث عنه يشبهه .لكنه لا يمكن أن يرد الخلق مجهول الفاعل إلى الصنع معلوم الفاعل والأمر مجهول الفاعل على الامر معلومه لكأن الفاعل الذي يبحث عنه -ولنسمه الرب-هو الذي يحاكي الإنسان ويظن أن من يطلبه لفهم ما ليس من صنعه ينبغي أن يكون صانعا مثله. والعلة طبعا هي القول بالمطابقتين: .1توهم علم الإنسان محيطا بالطبيعة وذلك هو القول بالمطابقة في نظرية المعرفة .2توهم عمل الإنسان كافيا لفهم التاريخ وذلك هو القول بالمطابقة في نظرية القيمة أبو يعرب المرزوقي 204 الأسماء والبيان
53 7 - - .3لكن ما أن يدرك الإنسان خطا 1حتى ينتهي إلى أن قياسه خلق الطبيعة على الصنع الإنساني خطأ هو علة تأليه الإنسان لذاته في النظر. .4وما أن يدرك الإنسان خطا 2حتى ينتهي إلى أن قياسه أمر التاريخ على تدبير الإنسان لتاريخه خطأ هو علة تأليه الإنسان لذاته في العمل. .5ولهذه العلة فإن المطلوب في الآية هو رؤية آيات الله في الآفاق وفي الانفس أي ما لا يمكن نسبته إلى الإنسان من الأفعال حتى وإن أمكن للانسان ان يحاكي بعضها فينتقل من الخلق والأمر إلى الصناعة والهندسة في التعمير والاستخلاف .وهو القصد بأن الحل هو قيس الشاهد على الغيب وليس العكس كما يفعل المتكلم والفيلسوف. ولما كان ما يقاس من الشاهد على الغيب ليس الفاعلية بل ثمراتها فإن ذلك يعني أن الإنسان له مثال أعلى يعلم أنه لا يمكن أن يضاهيه لكنه معمر ومستخلف ولا يمكنه أن يتصف بهذين الصفتين من دون قدرة نظرية وعملية جهز بهما شرطا في قيامه بمهمتيه اجتهادا وجهادا بوصفه مستعمرا في الأرض ومستخلفا فيها. الحمد لله فقد فرغت فجر اليوم من الفصل 13بقسميه بجهد جهيد ولعل في النفس فيه شيء من حتى. أبو يعرب المرزوقي 205 الأسماء والبيان
53 7 - - القسم الأول في القسم الأول من هذا الفصل الرابع عشر سأنتقل من الكلام في رؤية الفكر الغربي الحديث للإسلام إلى ما ترتب عليها إيجابا وسلبا في الغرب وما ترتب عليها في الرؤية التي صارت مسيطرة علينا حتى صار الكثير منا نسخة مسيخة منه فصار التأصيلي والتحديثي كلاهما يعتبر هذه الرؤية محددة أساسية لرؤية العالم والوجود بمن في ذلك القائلين بالخصوصية وبحق التفلسف المستقل وهو غارق في التقليد البليد بلا حد. وما أسميه تقليدا بليدا هو عدم فهم الفرق بين الموروث الكوني في العلم والعمل وبين المحاكاة الدالة على عدم فهم ظاهرة توارث الحضارات وتخاصبها بالصورة التي راجعت بها مفهوم تقليد المغلوب للغالب الخلدوني ومفهوم صراع أرواح الشعوب الهيجلي. ذلك أني اعتقد أني قد استوفيت الكلام في الرؤية الغربية للإسلام وما ورثته من رؤيته وسكتت عنه في تزييف واضح لتاريخ الانتقال من العصور الوسطى إلى ما يسمى بالحداثة .وهو تزييف يبين أن ما يراد تغييبه إيديولوجيا يثبته كبار فلاسفة الحداثة الذين لا ينكرون توارث الحضارات وتخاصبها في كل ما يتعالى على الخصوصيات من مجالات معارفهم تماما كما يثبت عظماء اليونان دور من تقدم عليهم بهذا المعنى وكما يثبت عظماء حضارتنا دور اليونان وغيرهم من الثقافات التي تقدمت على الحقبة الإسلامية في حضارتهم .والتخاصب بهذا المعنى هو التوارث الذي يختلف تماما عما يسمى تأثيرا وتأثرا لأنه يتعلق بجوهر الكوني في محددات النظر والعمل والرؤى التي يتأسسان عليها في الحقب المتوالي التي هي دائما تراكم كوني بالإيجاب والسلب إنها تراكم الموجب فتحفظه وتراكم السالب فتتجنبه وبذلك تتوالى حقب التاريخ وتتمايز كما بينت في مراجعة مفهوم العلاقة بين الغالب والمغلوب بالمعنى الخلدوني ومفهوم توالي أرواح الشعوب بالمعنى الهجيلي. أبو يعرب المرزوقي 206 الأسماء والبيان
53 7 - - ومعنى ذلك أني لا أعرض موقفا شخصيا من التحريف الأيديولوجي لما هو من حقائق توارث الحضارات وتخاصبها ولا أنسب هذه المراجعة لذاتي فكل كبار الفلاسفة في الحقب الثلاثة التي تعنيني لم يتنكروا لفضل المتقدمين على حضارتهم ودورهم في التراث الإنساني الكوني وخاصة في العلوم النظرية والعملية وتطبيقاتها .لا يوجد علم يتطور من دون هذا الشرط ولا يوجد عمل ينمو من دون هذا الشرط. فالعلوم والأعمال والقيم والمشاكل وحلولها كلها كونية والتفاوت بين الشعوب ليس تفاوتا بينها من حيث هي دورها في حياتهم بل من حيث تساوقها مع دورهم في التاريخ الإنساني الذي يمكن اعتباره من صدف مصير الكون إذا لم نكن مؤمنين بأن لهذه المراحل في تكوينية الإنسانية خاضعة لخطة إلهية غيبية. ولعل من الأمثلة على ذلك أنه لا أحد بالعقل يمكنه أن يستنتج من المحددات المشهودة الجزم بأن العرب في عصر الرسالة كان لهم موضوعيا ما يؤهلهم للدور الكوني الذي أصبح لهم بفضل الرسالة: .1فلا هم شعب بدائي مثل المغول اندفعوا بعلة عضوية للسيطرة من اجل حاجات عضوية هي السيطرة على ثروة العالم ككل قبيلة كبيرة ضاقت بها جغرافيتها فتوسعت لتسد حاجات دون رسالة .2ولا هم بلغوا درجة من الحضارة تجعلهم أهلا لأن يكونوا ذوي رسالة كونية لأن الامبراطوريتين اللتين تحيطان بالجزيرة العربية أكثر تحضرا منهم وهما تحتلان أطرافها وتحيطان بها وتعتبران العرب أعرابا دون الحيوانات الأهلية منزلة. ومع ذلك فقد حصل ما نعلم صارت لهم رسالة واخرجوا الامبراطوريتين من كل المستعمرات التي كان أهلها عبيدا لهم فصاروا أحرارا يسهمون في حضارة الإسلام التي صارت لأول مرة مبنية على مفهومين لم يسبقهما إليهما حضارة وهما دوران ينسبهما القرآن للإنسان من حيث هو إنسان أي الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها تأسيسا على مفهوم الأخوة البشرية (النساء )1وتجاوز أبو يعرب المرزوقي 207 الأسماء والبيان
53 7 -- التفاضل العرقي والطبقي والجنسي حصرا للتفاضل بين البشر في مفهوم التقوى وجعل التنوع العرقي والطبقي والجنسي للتعارف معرفة ومعروفا وهي بداية العولمة الثقافية قبل الوصول إلى تحريفها المؤدي إلى العولمة الاقتصادية ونفي الثورتين ثورة الأخوة وثورة المساواة: وهما ما لأجله اتهم هيجل الإسلام بكونه متعصبا وعاجزا دون بناء دولة مستقرة لنفيه التفاضل العرقي والطبقي والجنسي ولأنه مثل الثورة الفرصية متعصب للمجردات واليتوبيا ومثل التنوير -سماه التنوير الشرقي-يؤمن بالعقل الاستريائي وبلغة لوثر يؤمن بأن الله يحاسب البشر بحسب أعمالهم ويطبق القانون عليهم كما يطبقه على نفسه. لم يبق إلا البحث في ما يمثل التحول الذي حدث في الحضارة الغربية الحديثة بفضل هذا المعنى من الوراثة في ما لا يمكن للنظر والعمل أن يتطور ا من دونه إيجابا وسلبا كما أسلفت وهو ما لا يمكن نكران ك حضور حضارة الإسلام فيه تماما كما لا يمكن اليوم نكران حضور الحضارة الغربية في ما يجري عندنا من تحولات .وما يعنيني في هذا الفصل هو ما اعتبره قصورا في الإصلاحين الديني والفلسفي قصرا آل إلى مآزق الحضارة الغربية حضارتنا التي ورثت منها هذا القصور في مرحلة النهوض الحالية. ومن ثم في الرؤية للعلاقة بين العالمين عالم الشهادة وعالم الغيب ودور السلطتين الروحية والسياسية أعني أهم ما ورثته الحداثة من رؤية الإسلام وقيمه وحرفته إما غلوا أو قصورا في فهمه وتطبيقه .وهذا الغلو والقصور هما ما اعتبره علة النكوص عن رؤية الإسلام في الحضارتين الأوروبية والإسلامية الحالية بسبب نفس الظاهرة أي الوراثة الغالية والمقصرة في آن وعلة ومآل الحضارة الإنسانية إلى مآزقها التي لا مخرج منها من دون استئناف المسلمين تحديد رؤية الإسلام وقيمه بصورة تحررها مما حصل لها في عصر الانحطاط ومما حصل لحقبة النهوض من وراثة زيفت الحداثة التي صارت في أذهان مفكري الإسلام الحاليين لا تختلف عما حصل بها بسبب انحطاطها في رؤى الاستعمار نكران الجوامع الكونية بينها وبين ما تقدم عليها. فيتبين بذلك أن الإسلام هو مستقبل الإنسانية كلها .ومعنى ذلك أن ما كان هيجل يعيبه على غاية الحداثة عند كنط وما كان يعيبه على التنوير وما كان يعيبه على الثورة الفرنسية وما كان يعيبه أبو يعرب المرزوقي 208 الأسماء والبيان
53 7 - - على الإسلام الذي ظنه مثلها بصورة عامة دون اعتبار الفروق رغم التماثل فهو دال على نفس الأزمة التي نتجت عن تحريف الإسلام وقيمه وتحريف الحداثة وقيهما في آن .لذلك فالهيجلية والماركسية هما ذروة التحريف المبرر لصراع أرواح الشعوب وطبقاتها وبداية النكوص إلى ما قبل الحداثة وإلى رد الفعل عليهما وعلى نكوصهما رد فعل أغرق في النكوص إلى الميثولوجيا ما بعد الحداثية كما سأحاول بيانه. الحداثة الغربية مرحلتاها وعلاقتهما بالحضارة الإسلامية ففي الحضارة الأوروبية حصلت درجتان من النكوص من يهملهم لا يمكن أن يفهم مآل الحضارة الغربية الحالية إلى الضياع في عالم لم يعد لأصحابه القدرة على احتكار وسائل القوة التي تمكنهم من فرض رؤاهم واعتبار البشرية كلها من توابعهم: .1الأولى كانت إلى ما قبل حداثة الغرب التي كانت ذروتها النقد الكنطي .وهي نكوص نقد النقد الكنطي عند هيجل ومعه ماركس والعودة إلى القرون الوسطى الكلامي الديني (كما هو بين من ضميمة الأدلة على وجود الله) عند هيجل والفلسفي المادي عند ماركس (كما هو بين من الروح السبينوزية) والقول بالمطابقتين في الحالتين أي ابستمولوجية المطابقة في النظر وأكسيولوجية المطابقة في العمل. .2والثانية هي ما يبدو رد فعل على هذا النكوص فكان عودة إلى الفكر الممثلج لحياة الإنسان في عالم الشهادة واكتشاف اللاوعي وشبه التعادل بين العلمي الوضعي والشعري الخيالي (شلنج) أو ما يسمى بما بعد الحداثة لأن كل تقدم في أدوات قوة الإنسان تجعله يتأله وينفي الفرق بين ما يستطيعه وما لا يستطيعه فيجعل كل الممكن وكأنه حاصل .وهذه الظاهرة بدأت خاصة مع شلنج وشوبنهاور في رفضهما للهيجلية ومعهما كل النزعات الوجودية الموغلة في الإيمان (مثل كيرك جارد بداية) والموغلة في الإلحاد (مثل سارتر غاية) والموغلة في الغموض المفيد لهما معها (مثل هيدجر). أبو يعرب المرزوقي 209 الأسماء والبيان
53 7 - - ولم يصبح هذا المناخ الروحي العام بحديه الموغل في الخيال الشعري وفي الخيال العلمي واضح المعالم في \"شاعرية\" نيتشة و\"سردية\" رورتي وكلتاهما غاية البراغماتية الابستمولوجية والأكسيولوجية .وقد توسط بين شلنج وشوبنهاور من جهة أولى ونيتشة ورورتي من جهة ثانية مدرسة فرنكفورت وإشكالية دور العقل الحاسب مع نقد ثقافي في تعميم للكنطية لعل أكبر رموزها أصحاب التأويل والرمز والثقافة مثل صاحب الأشكال الرمزية وهو نقد يختلف عن النقد الكنطي لأنه لا ينطلق من أغراض ابستمولوجية لتأسيس العلم ودينية لتأسيس الأخلاق بل من أغراض ثقافية لتأسيس الحياة الروحية واجتماعي لتأسيس الحياة السياسية. ولست غافلا عن كون الكثير ممن يدعون الكلام في الفلسفة الغربية بسبب سطحية الاطلاع على الأدبيات وخاصة على تشاجنها وتفاعلاتها ذات الدلالة على هذه العلاقات لا يمكنها أن تقبل بمثل هذه القراءة لأنها تجهل أن لها \"كيمياء\" تحدد مقومات الفكر الإنساني ومناخاته المعتبرة في التطور الحضاري متصورة أنها أمر اعتباطي وأنها لا تتأسس على قوانين ثابتة في كل المراحل التكوينية للفكر الإنساني. وفيها لا يمكن فصل نوعي الرؤية أي التي تدعي العقلانية والفلسفة والتي تدعي الوجدانية والدين وتفاعلهما من الأولى إلى الثانية (حضور الموضوعي الطبيعي في الذاتي الإنساني) ومن الثانية إلى الأولى (حضور الذاتي الإنساني في الموضوعي الطبيعي) وأصل هذه الفروع الأربعة هو التفاعل الدائم بين ما يمكن تسميته علوم الطبيعة وشرطها الضرورة الشرطية وعلوم الإنسان وشرطها الحرية الشرطية (وقد خصصت للمفهومين وعلاقاتهما محاولة سابقة). فقد تبين الآن أنه لا توجد علوم طبيعة خالية من دور الذات الإنسانية ولا توجد علوم إنسان خالية من دور الموضوع الطبيعي وأن كل سلوك إنساني معرفيا كان أو قيميا لا بد فيه مما يترتب على كون الإنسان طبيعيا ببدنه وتاريخيا بروحه أي بما له من وعي بكيانه البدني وبما يحيط به من أفق طبيعي وأفق تاريخي .واعرف الروح -التي هي من الغيب-بمفهوم بديل هو الوعي بالذات وبغيرها الوعي الذي اعتبره لغز الألغاز وغيب الغيوب ولا يمكن تفسيره معناه ولا تعليل أبو يعرب المرزوقي 210 الأسماء والبيان
53 7 -- وجوده فهو \"واقعة\" لا يمكن لأي شيء أن يصبح معلوما أو معمولا من دونها لكنها ليست معلومة ولا معمولة من صاحبها. التحديث الإسلامي ومرحلتاه وعلاقتهما بالحداثة الغربية وفي الحضارة الإسلامية حصلت نفس الدرجتين من النكوص بمحاكاة الهيجلية والماركسية وبمحاكاة ردود الفعل الغربية عليهما في ما تصوره البعض تأييدا لرؤى الإسلامية وجدوا ضالتهم فيها وهو ما يسمى بما بعد الحداثة التي هي نكوص أبعد منه أي إلى الفكر الميثولوجي الذي يجعل والشعريات السرديات ليس لها مشعور ولا مسرود لما تبين أن زعم علم الأشياء على ما عليه مستحيل. وطبعا ففي البحث لا يعنيني ما يدين به الغرب للشرق وما يدين به الشرق للغرب لأن ما أحاول فهمه هو ما يتعالى على هذه الخرافة التي تجعل المقابلة بينهما وكأنها تنفي ما يوحد بينهما أعني كون أقوالهما وأفعالهما تتحدد بكونها بشرا وليس بكونهما من الشرق أو من الغرب. كنت دائما اتوجس من النزعة العنصرية لدى أصحاب المقابلة سواء كانوا من الشرق أو من الغرب وسواء كانوا مادحين لهذا الشق أو لذاك والذامين لهذا الشق او ذاك .ذلك أن هذه المقابلة بحد ذاتها إذا صحت وهي تصح حتما يكون كلامها في الفلكلور وليس في الفكر الفلسفي وتطبيقاته العلمية الطبيعية والإنسانية ولا في الفكر الديني وتطبيقاته العملية الطبيعية والإنسانية .فإذا وجد كلام يعتبر الخصوصيات محددة للطبيعيات والإنسانيات فلسفيا أو دينيا فهو لم يتجاوز الفكر الفلكلوري كمن يتصور التمايز بين أشكال الملابس هو المهم في تحديد وظيفة الملبس الذي هو علاقة بين كيانين طبيعيين يحمي البدن من مفعول الطبيعة ويزين الأبدان ويرمز إلى علامات التمييز الطبقي والفلكلوري فلا يكون المفيد فيه علاقة بين صفات الملبس بذاتها بل بين دورها في التمييز تماما كالحال في الألسن :فما بينها من فروق ليست هي موضوع علوم اللسان بل الكلي فيها وهو واحد في كل الألسن. أبو يعرب المرزوقي 211 الأسماء والبيان
53 7 - - وهو ما جعلني أضيف فرعين آخرين من علوم اللسان .لم أكتف بالثلاثة المعلومة بل اضفت إلى الدلالي المعنوي وأضفت الى التداولي الدلالي التداولي المعنوي .ذلك أن الدلالي له علاقة بمرجعية خارجية ليس هو صانعها ولا هي تابعة له بل هو مصنوعها وتابعها في حين أن المعنوي هو الذي يبدع مرجعيته وهي مصنوعته وتابعته ويكفي مقارنة علم الطبيعيات بعلم الرياضيات والتاريخ بالأدب .وإذا تميز المعنوي على الدلالي فلا بد أن يوجد نوعان من التداولية: .1التداولية التي يحتكم فيها إلى المنطق والمرجعية الخارجية أي المعرفة التي لا بد فيها من النظرية والتجربة .2والتداولية التي يكفي فيها الاحتكام إلى المنطق لأن المرجعية الخارجية تأتي ليس لتكون حكما بل للتعبير عنها إذا أردنا صوغها رياضيا. فلا يوجد دليل تجريب في المعرفة الرياضية .والتجريب ليس للرياضي في الطبيعي بل لفاعلية النموذج الرياضي لتفسير الطبيعي .وبهذا المعنى فإن البعدين اللذين أضفتهما متقدمان على الأبعاد اللذين ضاعفتهما .فعلم المعاني سابق على علم الدلالة وعلم التداول المعنوي سابق على علم التداول الدلالي. ويترتب ذلك على ما بينته من أن عبارة الأبدان متقدمة على عبارة اللسان بل إن عبارة اللسان هي في الأصل عبارة جسدية مصوتة أو عبارة جسدية يصحبها صوات صار رمزا لسانيا يفيدها في الأول ثم صار يفيد ما تفيده هي .وذلك عين ما حصل في الانتقال من الكتابة الرسمية إلى الكتابة الأبجدية .فالرسم كان رمزا لشيء اتخذ رمزا لحرف اسمه الأول .وصار يحيل إلى الصوت الأول من اسم الحيوان مثلا للدلالة عليه. وإذن فلغة الرياضيات سابقة على اللغة اللسانية مطبقة على عبارة البدن الحركية للأعضاء التي تفيد بحركتها في المكان وللأعضاء التي تفيد بتصويتها في الزمان .وهذا أمر يمكن فهمه من خلال ملاحظة سلوك الأطفال قبل تعلم اللغة وخلال تعلمها المتدرج جمعا بين الألفاظ وما تشير غليه وانتقالا من التلفظ غير الجامع بينهما إلى التلفظ الجامع بينهما عندما يصبح كلام الطفل دالا على إفادة ما يقصد متجاوزا تكرار ما يسمع. أبو يعرب المرزوقي 212 الأسماء والبيان
53 7 - - فالأطفال يعبرون بالإشارة إلى المكان بتحركهم فيه وتحريك جوارهم وبالإشارة إلى الزمان بحركة تصويتهم المصاحب للحركة العضوية .ولعل أول وصل بين الحركة البدنية والحركة التصويتية لا تتعلق بالعالم الخارجي بل بعالم الداخلي مثل الجوع والعطش والشعور بالألم بحيث إن الحركة والتصويت كلاهما شبه نداء أو تنبيه للأم ولمن يرعاهم. فالتصويت المصاحب للحركة في المكان أشبه بتنبيه السامع مثل النداء وليس هو معبرا إلا على الإشارة إلى المشار إليه في العبارة دون تعيين لقصد الإشارة والولي هو الذي يفهم القصد قيسا على نفسه بعد أن صار التصويت عنده ذا دلالة محددة وليس معنى عاما .وبذلك فابن تيمية يمكن اعتباره أول من انتبه إلى الظاهرة فجعل كل اللغة ترجمة لمعنى لا يصبح ذا دلالة إلا بالتجربة الواصلة بين افتراض معنى عام لا يتحدد إلا بمعرفة سابقة بالشيء المشار إليه في الخارج ليس منه بل من ممارسته والوصل بيkهما في الاستعمال. ولذلك يمكن أن يكون الشيء الواحد مشارا إليها بعدة لغات .وذلك هو شرط الترجمة بينها. فلو لم تكن اللغة ترجمة ولو لم تكن قبل كل شيء ترجمة داخلية تجعل الطفل يفهم معنى اللفظ المجهول بمعنى لفظ آخر معلوم يسمى مرادفا لاستحالت الترجمة الخارجية .فلو قلت \"خبز\" في تونس لكان للكلمة عدة دلالات في البادية وفي المدينة وفي الأحياء الشعبية وفي الأحياء الراقية وكذلك لو قلت \"عيش\" في المشرق .والترجمة الداخلية هي سر وجود الترادف والاداة الأساسية لتعلم اللغة وتكوين مجالات الدلالة. والترجمة الخارجية هي اشبه بالترادف في نفس اللغة الإنسانية الكونية التي تجعل كل اللغات تؤدي نفس الوظائف مع الاختلافات الخصوصية بسبب التجارب المختلفة في الوصل بين التصويت والإشارة الى الشيء الذي يسيمه اللفظ وهو معنى الدلالة التي لا تكونه إلا ضمن إطار معجم تلك اللغة كله. وما يصح على الألسن التي هي المميز الأساسي للإنساني يصح على كل ما يصل به الإنسان إلى الكلي إما في الإنساني من حيث هو إنساني أو في الطبيعي من حيث هو طبيعي أو في ما في الطبيعي من إنساني وما في الإنسان من طبيعي لأننا لا ندرك من الطبيعة إلا ما للإنسان إليه سبيل وما في أبو يعرب المرزوقي 213 الأسماء والبيان
53 7 -- الإنساني من طبيعي لأننا لا سبيل إلى ما يتجاوز الطبيعي فيه حتى وإن كان مما للإنسان إليه سبيل ومن ثم فعالم الإنساني هو المجال الوحيد لعلمنا ولعملنا .لكن علمنا وعملنا لهما خاصية مزدوجة: .1فالعلم الإنساني ليس علما بالمعلوم فحسب بل هو علم بحدوده الظرفية والجوهرية بمعنى أنه لا يحيط بعالم الشهادة فضلا عن أن يحيط لما جعله يكون على ما هو عليه :العلم علم بما نعرف وبما نجهل من موضوعها. .2والعمل الإنساني ليس عملا للمعمول فسحب بل هو عمل بحدود المعمول الظرفية والبنيوية بمعنى أنه لا يحيط بالمعمول المشهود وبالمعمول غير المشهود في كل عمل يقوم به :العمل عمل بما نستطيع وبما لا نستطيع منه. وقد يفهم الإنسان وصفي للعلم بهذين البعدين المتقابلين ولا يقبل وصفي للعمل بهما .ولكن لو سألت أي إنسان مقدم على عمل أيا كان هل هو حائز على كل محدداته ومآلاته فإن أجابك بنعم فاعلم أنه ساذج أو جاهل بمعنى العمل .وإن قال لك إن ما يحوزه من محددات العمل لا يكاد يذكر بالقياس إلى ما لا يحوزه أي ما يمكن أن يتدخل فيه فيجعله غير ما قصده لكان بحق داريا بمعنى العمل. لكن أزوف العمل هو الذي يجعل الإنسان يقدم عليه لأنه لو انتظر الحصول على كل ما يتصوره جامعا ومانعا لاستحال ان يشرع في أي عمل .لو فكر بهذه الصورة لصار مثل الأنظمة العربية: ينتظرون تحصيل شروط النصر على العدو وتحقيق التوازن فيصبحون من منتظري جودو ولن يفعلوا شيئا. وبهذا المعنى فلولا الإيمان بالقضاء والقدر في ما لا نستطيع الإحاطة به لامتنعت الشجاعة والاقدام ولأمتنع علينا أن نعمل شيء في حياتنا .وغالبا ما يكون المصاب بداء التردد بسبب طلب الكمال في العمل والإحاطة في العلم أعجز الخلق على فعل شيء .ولهذه العلة مثلا أنه لا يمكن أن يحارب الإنسان الذي يفهم لا تناهي عوامل النصر والهزيمة ويتردد طمعا في الإحاطة بها كما لا يمكن أن يبادر في الاقتصاد وحتى في أي لعبة .وتلك هي علة استحالة أن يعيش الإنسان من دون أبو يعرب المرزوقي 214 الأسماء والبيان
53 7 -- عقيدة ما في التوكل والاعتماد على \"الحظ\" في ما لا يستطيع حيازته من لا تناهي المحددات في كل عمل. تعليل اختيار كنط وهيجل وقد اخترت من يثبت الغاية دون أن يصلها مباشرة بالإسلام (كنط) ومن يثبت النكوص دون أن يصله مباشرة بالإسلام (هيجل) بل بموقفه من ممن يثبت الغاية .ولا بد من الاعتراف بأن هيجل هو من جعل هذا الدور الذي أنسبه إلى كنط متحددا بموقفه من الإسلام لأنه اعتبر رؤيته أكثر قربا من الإسلام واليهودية منها إلى المسيحية. لذلك كان الأول كنط والثاني هيجل .وهيجل كما بينت في مقدمتي لترجمة دروسه في فلسفة الدين هو بدوره يمكن اعتباره يتحدد بعلاقة رؤيته بالإسلام ولو سلبا لأنه هو اول من اقل إن الإسلام حقق بسرعة وظيفة الدين لكنه فشل والمسيحية هي التي نجحت في ذلك بفضل الإصلاح. وسأحافظ على العلاقة الزمانية بينهما فأختم بهيجل لأبين أن النكوص ليس متعلقا بالموقف من الإسلام وحده بل من كل الفكر الحديث والعودة إلى اعتبار ما توصل إليه الغرب بين توما الاكويني ولوثر أي علاقة الإسلام والعقل هو ما ينبغي محاربته بتغيير مفهوم العقل حتى يوافق قوله بالعلم المطلق والإرادة التامة وقوله بأن المسيحية بألغازها هي الدين الخاتم بديلا من الإسلام الذي اعتبر مماثلا لفكر الأنوار والثورة الفرنسية. فما روثه فكر المسلمين الحالي ليس خصائص فكر كنط بل خصائص فكر هيجل رغم أن كنط أقرب إلى الرؤية الإسلامية من حيث الموقف الإبستمولوجي والأكسيولوجي حتى وإن اختلف الموقف الانطولوجي كما سأبين .لكن هيجل يبدو أقرب إلى الرؤية الإسلامية منزلة عالم الشهادة لما ترتب على عملية الإصلاح الديني البروتستانتي .لكن الأول يبعد عن الإسلام للقول مثله بوحدة العالم والثاني يبعد عنه للقول بأكثر منه لنفيه وجود عالم آخر وراء عالم الشهادة .وذلك هو القصد بالموقف الأنطولوجي: أبو يعرب المرزوقي 215 الأسماء والبيان
53 7 - - .1ومعنى ذلك كنط يقول بوحدة العالم ظاهره وباطنه وما ينفيه هو أن يكون علم الإنسان بالغا باطن عالم الشهادة علميا ويجعل عمله بحاجة إلى بلوغه ولو على سبيل التسليم الفرضي والأمل الديني. .2وهيجل لا يكتفي بوحدة العالم ظاهرة وباطنه بل ينفي الفرق بين العملين لأنه لا فرق بين الظاهر والباطن والإنسان يعلمهما معا وهو معنى العلم المطلق ولا وجود لما رواء عالم الشهادة ولا أمل خارج التاريخ. سأختار من أعمال الرجلين نصا ذا دلالة كافية لفهم مواقفه ورؤيته والهدف ليس علاج القضية من حيث هي قضية رؤية الغرب للإسلام بل من حيث هي مستقل عودة الغرب للعلاج الإسلامي بوصفه الحل الوحيد لإخراج الإنسانية من مآزقها: .1والنص يبدو علاجا لقضية ابستمولوجية تؤسس لعلاج قضية اكسيولوجية بمعنييهما. .2والنص يبدو علاجا الخلفية التي تجعله غاية نهاية الحداثة وبداية ما بعدها بمعنييها. ولنشرع في التحليل للرؤيتين الكنطية والهيجلية وما ترتب عليهما من انقلاب في معنى الحداثة وطبيعة العلاقة بين الحضارتين العربية الإسلامية والغربية المسيحية: .1تحليل سريع للحل الكنطي وبيان أنه غاية ما يمكن للإصلاح المسيحي أن يستوعبه من ثورتي الإسلام :فالحل الذي يبدو علاجا لتجاوز التناقض بين السببية والأخلاق يقتصر على مفهومين خاطئين: الأول هو حل مشكل العقل واغفال مشكل الإرادة في كيان الإنسان والخلط بين دور المكان والزمان في العلم الطبيعي وبينهما في العلم الإنساني أو بين علاقة العقل بهما وعلاقة الإرادة بهما .ففي الإرادة هما يمثلان عين كيان الإنسان إذ هما ليسا صفة لموضوع الفكر بل لكيان المفكر نفسه وليس من حيث هو معلوم بل من حيث هو حي ومدرك .فبهما تحدس الذات ذاتها وكيانها ولا تكتفي بمعرفتهما النظرية فتسقط خرافة أن الإنسان ليس له حدس الأنا وهي جوهرية في فلسفة كنط. أبو يعرب المرزوقي 216 الأسماء والبيان
53 7 -- فالشعور بالألم ليس معرفة نظرية بظاهره لموضوع معرفة نظرية بل هو عين الكيان المتألم والشعور بالجهد ليس معرفة بظاهره لموضوع معرفة نظرية بل هو عين كيان صاحب الجهد حتى وإن كان المتألم وصاحب الجهد لا يعلم حقيقة الألم وحقيقة الجهد من حيث هما عين كيانه العضوي الواعي بذاته. الثاني هو الخلط بين العلم والإدراك وبين الحس والحدس وتوهم استحالة حدس الأنا مع الزعم بأن كل معرفة مصحوبة بـ\"أنا افكر\" (أي بالوعي بالذات في علاقة بفعل الفكر وبموضوعه) وهو خلط بين العلم والإدراك .فالإدراك المصاحب لكل معرفة وكل إرادة أوسع من العلم وهو شرط الفكر وهذا الوعي ليس \"أنا أفكر\" بل هو حدس الأنا الذي ينفيه كنط وهو الوعي بالأنا متعينا في كيانه العضوي الذي يحس بما يجري في كيانه وفي ما لكيانه به علاقة فعل وانفعال. والوعي أو الادراك ليس علما بل هو وعي بفعل العلم وبعلاقة بمضووع العلم وبفعل العمل وبموضوع العمل بهما كيانيا إيجابا أي ما يستطيعان وسلبا أي ما لا يستطيعان ومن ثم فهو مصحوب دائما بالوعي بحدوده وبجهله. .2تحليل سريع للحل الهيجلي وبيان أن هذه الغاية تؤسس لتحريف يعيد المسيحية إلى تحريفها الأول الذي يجعل الإنسان مقياس كل شيء بالمعنى الذي ترمز إليه نظرية المسيح ابنا للرب شفيعا يؤسس للوساطة الروحية والوصاية السياسية. كل الإشكال هو إذن في القول بوحدة العالم -حتى كنط يقول بها لأن الظاهرات والباطنات وجهان لنفس العالم ولا يختلفان إلى بحدود المعرفة النظرية وما أن نزيل الفرق بين الظاهرات والباطنات حتى لا يبقى إلا العالم الوحيد الذي يسميه هيجل \"الواقع\" او \"الما هنا\" الذي ليس له ما هناك :وتلك هي وحدة الوجود السبينوزية المعدلة هيجليا بتذويت الجوهر السبينوزي أي إن الطبيعة الطابعة ذات وهي عين ما يعتبر هيجل مصالحة بين الربوبي والطبيعة. وغاية المشكل عند كنط هو :هل تأسيس الأخلاق على المسلمات الثلاث الصريحة (وجود الله خلود النفس وحرية الإنسان) والمسلمتين الضمنيتين (البعث لأن النفس ليس خالدة في عالم الشهادة أبو يعرب المرزوقي 217 الأسماء والبيان
53 7 -- والحساب يوم الدين لأن البعث غايته تحقيق العدل المطلق أمام أعدل الحاكمين) يجعل عمل الإنسان ليس حرا إلا فرضيا بحيث إن ما يصح على الإرادة في ظاهرها ليس له ما يناظره في باطنها فيكون العمل الإنساني هو بدوره حرا في الظاهر ومجهول الطبيعة في الباطن مثل نظره؟ ما فائدة هذا الحل؟ هل الإيمان الذي أوجد له كنط محلا بالحد مما يدعيه النظر لتأسيس العمل هو إيمان بمجهول غير قابل للعلم النظري وهل العلم النظري المتعلق بالعقل يلغي الإدراك العملي المتعلق بالإرادة فلا تكون للإدراك المصاحب لأفعال الإرادة أقل دلالة معرفية من الإدراك النظري المتعلق بالعقل؟ وماذا لو كان ما ينبغي على التسليم الفرضي هو إدراك النظر العقلي وليس إدراك العمل الإرادي؟ فلنورد النص الأساسي الذي يهدم كل البناء الكنطي لحصر الحل في ما يتأسس على الحدس ومفهوم التجربة الممكنة التي تلغي تجاوز عالم الشهادة مقصورا على ما يتعلق به الإدراك النظري الذي يعتبره فلاسفة العرب مقابلا للحدس المباشر أو ما لا لا يحتاج لوسائل استدلالية (وهو الإدراك بالوسائط بين المقدمة والنتيجة والتي حاول ديكارت تخطيها بالكوجيتو أي النويسيس بدلا من\"الديانويزيس\"). فهو فيه يعلل التمييز بين الظاهرة الشيء في ذاته تمييزا غير ممكن من دون القول بما لأجله قام بالتمييز وهو ما يعني المصادرة على المطلوب .فلننقله إلى العربية\" :وإلا لكان يترتب على ذلك (حصر الوجود في المعلوم النظري الذي هو ا لظاهرات القابلة للتجربة الممكنة) القضية المتناقضة القائلة إنه يوجد ظهور دون شيء موجود يظهر\"Denn sonst würde der . ungereimte Satz daraus folgen, dass Erscheinung ohne etwas \" wäre, was da erscheint أبو يعرب المرزوقي 218 الأسماء والبيان
53 7 -- وما صحبها من التمييز -في هامش طويل نورده حيننا هذا-بين \"معرفة\" الشيء و\"التفكير فيه\" يمكن أن يقبلا من كنط لتأسيس التمييز المحدد لمجال العلية السببية وتأسيس الأخلاق على غير الإيمان بما نفكر فيه دون أن نعلمه أو ما يقرب من مفهوم الغيب؟ فيكون الغيب والإيمان والأخلاق ثلاثتها مؤسسة على رفض القول بالمطابقتين مع زعم العالم واحدا؟ والقدرة على التفكير في ما لا نعلم من الوجود بالنظر اعتبره كنط مقصورا على ما يكفي فيه عدم التناقض المنطقي وله علاقة بما أشرنا إليه في المعرفة الرياضية بوصفها هي التي تبدع موضوعها الذي هو معنى غير متحدد بالإحالة الدلالية وهو الفرق بين العلم الذي من شرطه الحدس التجريب والعلم الذي ليس من شرطه الحدس التجريب والذي تزعمه المتيافيزيقا ويفيه النقد. وهذا هو الوصل مع المدرسة النقدية العربية التي بدأت بتهافت الفلاسفة ثنت بموقف ابن تيمة في فلسفة النظر وما يترتب عليها في فلسفة العمل وختمت بموقف ابن خلدون في فلسفة العمل وما يترتب عليها في فلسفة النظر .ولولا ذلك لكان الكلام على قرب كنط من رؤية الإسلام التي أشار إليها هيجل معنى .لكننا سنبين ما الذي ينقصها لتصبح فعلا من جنس الرؤية الإسلامية عند المدرسة النقدية العربية. ولأرود الهامش لما له من علاقة بمفهوم ابن تيمية للمقدرات الذهنية التي نفكر فيها ولا نعلمها علمنا للوجود الخارجي: \"لمعرفة شيء لا بد أن أكون قادرا على اثبات إمكانه (سواء بمقتضى شهادة التجربة انطلاقا من وجوده الفعلي أو قبليا بالعقل) .لكني بوسعي أن أفكر في أي شيء إذا اكتفيت بعدم مناقضتي لنفسي أعني إذا كان تصوري مجرد فكرة ممكنة سواء حافظت عليها سواء كانت تلك الفكرة مطابقة لجملة الإمكانات كلها أم لا .وحتى أضفي على مثل هذا التصور صدقية موضوعية (إمكان حقيقي إذ إن الإمكان السابق كان مجرد منطقي) يقتضي الأمر إضافة شيئا آخر .وهذا الإضافي أبو يعرب المرزوقي 219 الأسماء والبيان
53 7 -- بالذات لا يحتاج إلى أن يصبح مصدرا معرفيا نظريا إذ يمكنه كذلك أن يكون مصدرا معرفيا .\"عمليا Einen Gegenstand erkennen, dazu wird erfordert, dass ich seine Möglichkeit (es sei nach dem Zeugnis der Erfahrung aus seiner Wirklichkeit, oder a prioridurch Vernunft) beweisen könne. Aber denken kann ich, was ich will, wenn ich mir nur nicht selbst widerspreche, d.i. wenn mein Begriff nur ein möglicher Gedanke ist, ob ich zwar dafür nicht stehen kann, ob im Inbegrife aller Möglichkeiten diesem auch ein Objektkorrespondiere oder nicht. Um einem solchen Begriffe aber objektive Gültigkeit (reale Möglichkeit, denn die restere war bloss die logische)beizulegen, dazu wird etwas mehr erfordert. Dieses Mehrere aber braucht eben nicht in theoritischen Erkenntnisquellen zu werden, es .kann auch in praktischen liegen Kritik der reinen Vernunft, herg. Von Georg Mohr, Immanuel Kant Theoretische Philosophie Texte und Kommentar s.t.w . 1518 Band 1 . s.38 فهذا الهامش قوي الدلالة على علاقة ما وصلت إليه الحداثة في النقد الكنطي إلى ما أشرنا إليه فالفرق بين معرفة الشيء والتفكير في الشيء وردت عند ديكارت.من الوراثة ولو غير الصريحة أبو يعرب المرزوقي 220 الأسماء والبيان
53 7 -- في مقابلة أعمق هي المقابلة بين تناهي العقل ولا تناهي الإرادة بحيث إن العقل هو القدرة على التحكم في خيال الإرادة التي تبدع الممكن دون تمييز بين الممكن الفعلي والممكن المنطقي هي عينها التي يتأسس عليها مفهوم \"التقدير الذهني\" التيمي الذي هو الوحيد الذي يعتبره موضوع البرهان دون أن يكون علما للموجود الخارجي .لكن الأهم هو أن كنط اعتبر ما يترتب على الممكن المقصور على الشرط المنطقي لا يحتاج إلى أن يصبح مصدرا للمعرفة النظرية لكنه يمكن أن يكون مصدرا للمعرفة العملية. وهذا ما يعني أن التقدير الذهني الغني عن الإمكان الفعلي أو ا لمقصور على الإمكان المنطقي يجمع بين الرياضيات والأخلاقيات أي بين ما لا يستمد من مصادر المعرفة المحتاجة إلى التجربة بل هو يستمد من التقدير الذهني المقصور على الإمكان المنطقي .فأكون قد اصبت عندما اضفت إلى التقدير الذهني النظري (الرياضيات والمنطق) التقدير الذهني العملي (الأخلاقيات والقيميات عامة) .وبذلك نعود إلى العلاقة بين العقل والإرادة أعني المقابلة التي استنتجتها في كلامي على نظرية الغزالي في السببية للتمييز بين رؤيتين: .1الرؤية اليونانية التي تقدم العقل على الإرادة. .2الرؤية الإسلامية التي تقدم الإرادة على العقل. وكل فلسفة كنط تحاول انقاذ مبدأ السببية بحصرها في عالم الظاهرات اعتمادا على نظرية نيوتن في ما يسميه كنط بآلية الطبيعة وهو ما لم يعد مقبولا في العلم الحالي لأن لا متناهي الكبر ولا متناهي الصغر كلاهما مستغن عن السببية بمعناها النيوتوني أو على صرامتها على الأقل: .1فتكوينية العالم في مستوى لا متناهي الكبر لا تخضع لصرامة الحتمية بل لعل الصدفة فيها أهم من النظام الحتمي بلغة الملحدين والقضاء والقدر فيها أهم من النظام الحتمي بلغة المؤمنين :من انفجار البداية إلى النظام الحالي للسموات. .2وآليات الطبيعة في مستوى لا منتهي الصغر لا تخضع لصرامة الحتمية بل لعل الصدفة فيها أهم من النظام الحتمي أو ا لقضاء والقدر بنفس اللغتين :من تفاعل مكونات الذرة إلى أبو يعرب المرزوقي 221 الأسماء والبيان
53 7 -- تفاعل الذرات إلى العلاقة بين الطاقة والمادة وحتى ما يجري في قانون الوراثة وعلاقته بما ليس محددا: • ففي دماغ الإنسان القليل جدا من الخلايا العصبية تعمل والبقية تبدو حشوا في حين أن لها وظائف مجهولة وقد تكون أهم من المعلومة كيفيا لأنها كميا تفضلها بالملايين. • وفي البرنامج الوراثي للإنسان نفس العلاقة بين العناصر الفاعلة والعناصر النائمة التي تبقي الكثير من الأبواب المفتوحة لما هو مطلق الحرية بالقياس إلى قوانين الوراثة حتى يمكن من التكيف مع علاقته بالمحيط. والحصيلة أن ما بين ما في الإنسان من \"طبيعي\" خاضع لما يسميه كنط آلية الطبيعة وما فيه من \"متعال\" عليها لا يقتضي المقابلة بين ظاهر وباطن في عالم الشهادة ولا يترتب عليه أن العالم واحد في ذاته ومزدوج في معرفتنا النظرية فحسب .والثنائية المعرفية الكنطية لا تحل مشكل المتعاليات سواء في النظر أو في العمل .وهو ما يعني أن تعدد العوالم والاختلاف الكيفي بينهما هو الشرط الذي لا بد منه والذي يمتنع تصوره إلا بمبدأ \"ليس كمثله شيء\". فالعلم يثبت أن الموجود فعلا في عالم الشهادة يعكس ما استنتجه كنط لأن المتحرر من آلية الطبيعة أوسع من الخاضع لها على الأقل في ما يتعلق بالإنسان سواء تعلق الأمر بما في دماغه من عصابين فاعلة في جهاز التحكم الواعي لدى الإنسان وحتى غير الواعي أو بما في نظام الجينوم من عناصر فاعلة في جهاز التحكم الأعم في تكيف الإنسان مع المحيط. وقد يكون ذلك عاما في كل الموجودات ليس الحية فحسب بل في كل الموجودات التي لها خصائص عامة اعتمدناها تعريفها متوهمين أنها طبائعها وهي في الحقيقة ما تصورناه كذلك في ما علمناه من عالمنا الشاهد وقد يكون لها فيه ما لم نعلمه بعد وفيها من عالم الغيب ما لن نعلمه أبدا لأن علمنا لا يمكن أن يصبح محيطا. أبو يعرب المرزوقي 222 الأسماء والبيان
53 7 - - القسم الثاني بعد أن بينا ما حصل في وراثة الإصلاح المسيحي لإصلاح المؤسستين الدينية والسياسية والعلاقة بعالم الشهادة حتى في الآداب واخذ كل ما كانوا يعيبونه على الاسلام مع تحريفه بالذهاب به إلى عكس رؤيته من \"النصيب من الدنيا\" إلى لا نصيب غيره. وبعد أن بينا نظرية الوراثة الحضارية وكيف تكون في النظر وفي العمل وفي \"نحلة العيش\" بالمعنى الخلدوني لما كان ما يرمز إلى ما يمثل الكلي في سد الحاجات عندنا ثم بعد ذلك العكس بعد تخلف الحضارة الإسلامية وبعد أن أصبحت الحضارة الغربية هي المثال في عملية التحديث. وبعد أن راجعنا قانون ابن خلدون في علاقة المغلوب بالغالب ونظرية هيجل في الأوهيبونج في علاقة أرواح الشعوب المتوالية بعضها بالبعض وبينا أن المقارنة ليس بين الآخذ والمأخوذ منه بل المأخوذ البديل والمتروك المبدل منه في تحقيق غايتين: الأولى هي التكيف مع الظرفية التاريخية التي كان المأخوذ أكثر مناسبة للتكيف من المتروك المبدل منه على الأقل في الظاهر. الثانية هي إيقاظ الآخذ إلى ما في كيانه الحضاري من شروط المشاركة في الكوني بمراجعة أعراضه للتمييز بين ما يحفظ كيانه المشارك في الكونية وما يحرره مما يحول دونه والمشاركة الكونية. فهذه تجعل المتروك لا ينتهي كما توهم هيجل وابن خلدون بل يعاد تقييمه لأن البديل المأخوذ في طبيعة العلاقة بين مقومات الحياة العضوية ومعوضاتها التقنية وفيهما يتجلى الدور في كونية الحضاري .وهنا يأتي دور المغلوب في التكنولوجي لكنه غالب في البايولوجي أي في المائدة والسرير وفنيهما فتصبح علاقة المحاكاة عكسية :الغالب يقلد المغلوب في العمق. فالآخذ لا يتخلى عما يميزه في الحالتين ودور العلاقة العجيبة بين العضوي والحضاري بحيث إن ما يبدو مغلوبا حضاريا يكون غالبا عضويا والمغلوب عضويا يكون غالبا حضاريا فيكون غاية الغزو بعد أن كان غازيا أبو يعرب المرزوقي 223 الأسماء والبيان
53 7 - - صحيح أنه يبقى غازيا من فوق لكنه يصبح مغزوا من تحت كالحال في علاقة المهاجرين من العالم الثالث إلى العالم الأول بسبب طبيعة العلاقة بين الغالبية الشعبية والفنون الشعبية وبالمائدة وفنونها والسرير وفنونه :منزلة العرب والأفارقة ودورهم فيهما عند الطبقات الشعبية والجنس اللطيف خاصة وحتى الجنس الخشن الذي صار \"شبه لطيف\". نشرع في الكلام على قراءة تحريف الحداثة الغربية وتحريف التحديث الإسلامي .وكلاهما يهدفان إلى غايتنا الأساسية في علاجنا لما عليه حضارة المسلمين الحالين .وهو ما يقتضي أن نجيب عن سؤالين: .1كيف نقرأ تحريف الحداثة الذي ننسبه إلى نقد هيجل لذروتها عند كنط؟ وذلك لفهم العودة من هيجل ناقدا لكنط والتنوير ومعهما الإسلام إلى توما الأكويني وعلم الكلام المسيحي الذي أسس عليه دروسه في فلسفة الدين وابتدع نظرية العلم المطلق أساسا لنظرية المصالحة بين الفلسفة والثيولوجيا. .2كيف نقرأ تحريف التحديث الإسلامي؟ وذلك لفهم العودة من محمد عبده مدافعا عن التحديث بالمحاكاة في نظام محمد علي الذي تصوروه حداثيا وعن اسلام -ابن رشد (ضد انطون) لإحياء رؤيته الفلسفية في نصوصه الثلاثة التي تزعم دحضا لبداية المدرسة النقدية العربية وزعمه ومعه المعتزلة عقلانيين وهو ما مكن حداثيي العرب من نفس النكوص الذي حققه هيجل في الحداثة. وبذلك صارت الهيجلية والماركسية الأساس الفلسفي لجل المشروعات الفلسفية العربية بما فيها تلك التي تدعي الاحتجاج بالنقد ما بعد الحداثي كما بينت في القسم الأول من الفصل الرابع. وهكذا فالقسم الثاني منه سيتضاعف لأني سأخصص: قسمه الأول لكنط ولم كان قربه من رؤية الإسلام منقوصا في فهم علاقة عالم الشهادة بعالم الغيب. أبو يعرب المرزوقي 224 الأسماء والبيان
53 7 -- والثاني لهيجل ولم كانت رؤيته لما ينقده من الإسلام علة نكوصه إلى القرون الوسطى وما قبل نشأة الفلسفة عند اليونان. لكن الهدف في الحالتين هو ما يجري في فكرنا وشروط التجاوز لأني اعتقد أنه لا يمكن للأمة أن تستأنف دورها ما لم تدرك القانون العام الذي يحكم مجالي الفكر الفلسفي والديني أي مجال تعلقهما بعالم الشهادة ومجال تعلقهما بعالم الغيب تسليما بوجوده أو نفيا له. تحليل نص كنط ومحاولة فهم قصوره دون رؤية الإسلام ونصل الآن إلى نص كنط الذي يلغي كل دعاوى من يتصورون أنه يفصل الأخلاق عن تأسيسها الديني الذي يعتبره مستحيلا من دون التأسيس الابستمولوجي لفلسفة النظر والفصل بين الظاهرات والحقائق في ذاتها فصلا من دونه لا يمكن للإيمان أن يتأسس فيؤسس شروط الأخلاق الثلاثة الصريحة والاثنين الضمنيين: \"إلا أنه لما كنت لا أحتاج لتأسيس الأخلاق أكثر من ألا تكون الحرية متناقضة ويمكن على الأقل أن تقبل ان تكون قابلة لان نفكر فيها من دون أن يكون علينا المزيد من البحث في كونها من ثم لا تضع أي عقبة لنفس العمل في طريق آلية الطبيعة (إذا أخذت في علاقة أخرى) .وبهذا المعنى تدعي أن نظرة الأخلاق لها محلها وكذلك نظرية الطبيعة لها محلها. لكن ذلك ما كنا لنجده لو لم يكن النقد قد علمنا مقدما ما لا يمكن تجنبه من جهلنا بخصوص الأشياء في ذاتها نفسها وأن كل ما يمكن أن نعلمه علما نظريا مقصور على مجرد المظاهر .وهذا الشرح للفائدة الإيجابية للمبادئ الأساسية لنقد العقل الخالص تتبين بخصوص مفهوم الله والطبيعة البسيطة للنفس التي أكون قد قطعت نصف الطريق لفهمها. وبالتالي فلا يمكنني أن أبدا فاسلم بوجود الله وبالحرية وبالخلود (خلود النفس) من أجل الاستعمال العملي الضروري لعقلي إذا أكن قد حددت في آن من ادعاء العقل النظري رؤى أبو يعرب المرزوقي 225 الأسماء والبيان
53 7 -- متطرفة لأنه حتى يبلغ إليها لا بد له من استعمال هذه المبادئ التي هي في الواقع مبادئ مقتصرة .على اشياء التجربة الممكنة في حين أنه قد استعملها في ما لا يمكن ان يكون موضوع تجربة ممكن وبذلك نثبت أن.وفي الحقيقة فاستعمالها يحولها دائما إلى ظاهرة ولا يبقي عليها حقائق في ذاته وبالتالي فقد اضطررت إلى رفع المعرفة حتى ابقي محلا.كل توسيع للعقل الخالص مستحيل للإيمان وأن ابين أن مواصلة دغمائية المتافيزيقا أعني امتياز التقدم فيها من دون نقد العقل الخالص هو المصدر الحقيقي لكل عدم إيمان يعترض على كل أخلاق اعتراضا شديد الدغمائية .\"دائما So aber, da ichzur Moral nichts weiter brauche, als dass Freiheit sich nur nicht selbst widerspreche, und sich also doch wenigstens denken lasse, ohne nötig zu haben sie weiter einzusehen, dass sie also dem Naturmechanism eben derselben Handlung (in aderer Beziehung genommen) gar kein Hindernis in den Weg lege :so behauptet die Lehre der sittlichkeit ihren Platz, und die Naturlehre auch ihrigen, welches aber nicht Statt gefunden hätte, wenn nicht Kritik nicht uns zuvor von unserer unvermeidlichen Unwissenheit in Ansehung der Dinge an sich selbst belehrt, und alles, was wir theoretisch erkennen können, auf blosse Erscheinungen eingeschränt hätte. Eben diese Erörterung des positiven Nutzens kritischer Grundsätze der reinen Vernunft lässt sich in Ansehung des Begriffs von Gott und der einfachen Natur unserer Seele zeigen, die ich aber der Kürze halber vorbeigehe. Ich kann also, Gott Freiheit und Unssterblichkeit zum Behuf des notwendigen أبو يعرب المرزوقي 226 الأسماء والبيان
53 7 -- praktischen Gebrauchs meiner Vernunft nicht eimal annehmen, wenn ich nicht der spekulativen Vernunft zugleich ihre Anmassung über schwenglicher Einsichtern beneme, weil sie sich, um zu diesen zu gelangen, solcher Grundsätze bedienen muss, die indem sie in der Tat bloss auf Gegenstände möglicher Erfahrung reichen, wenn sie gleichwohl auf das angewandt werden, was nicht ein Gegenstand der Erfahrung sein kann, wirklich dieses jederzeit in Erscheinung verwandeln, und so alle praktische Erweitetung der reinen Vernunft für unmöglich erklären. Ich musste alsodas Wissen aufheben, um zum Glauben Platz zu bekommen, und der Dogmatism der Metaphysik, d.i. das Vorteil, in ihr ohne Kritik der reinen Vernunft fortzukommen, ist die wahre Quelle alles derMoralität widerstreitenden . Unglaubens, der jederzeit gar sehr dogmatisch ist »ss. 40-41 :ملاحظتان • الأولى حول تأسيس الأخلاق على الدين بدلالة كلمة الإيمان الصريحة وبدلالة المضمر في : فتكون المسلمات خمسا وهي كلها ذات دلالة دينية.كلمة خلود النفس أي البعث والحساب وجود الله.1 خلود النفس.2 حرية الإنسان وهذه دينية لأنها عين ما تميز الأديان به الإنسان بالمقارنة مع غيره من.3 .الحيوان وهو امر يتعلق بالاستثناء من الضرورة الطبيعية ولولاها لاستحال أولا كلام الإنسان على علام أتم يكون فيه للتكليف معنى.4 . ولولاها لاستحال الكلام على العدل الإلهي التام وضرورة الحساب يوم الدين.5 أبو يعرب المرزوقي 227 الأسماء والبيان
53 7 - - • الثانية حول الحل الإبستمولوجي وتناقضه مع تأسيس الأخلاق .فقد كان ينبغي أن يصبح تابعا للحل الأكسيولوجي عند كنط لو لم يعتبر هذه المعاني مسلمات فرضية وعكس فجعل ما هو مسلمات فرضية هو مسلمات فرضية تؤسس لمعرفة الضرورة الطبيعية بخلاف ما فعل للحرية الإنسانية. ومع ذلك فبخلاف ما يراد اقناع القراء بأن كنط فيلسوف أولا-بمعنى يتقدم الابستمولوجي عنده على الأكسيولوجي-قبل أن يكون متكلما -بمعنى يتقدم عنده الأكسيولوجي على الابستمولوجي- ليس مقبولا لأنه يبقى تلميذا أمين للايبنتس وبنحو ما في خلاف مع الحل الديكارتي لأن الضمانة الإلهية مستحيلة الاثبات كما يتبين من موقفه من أدلة وجود الله التي تمثل نقطة القطيعة الأساسية بينه وبين هيجل وقربه من الربانيين الانجليز رغم عدم تخلصه مما عجزت الإصلاح من تخليص المسيحية منه. ويمكن القول إن هذه من مزايا المؤسسة التربوية في الثقافة الغربية بقيادة الكنيسة .وخاصة خلال الشروع في التدارك في التعامل مع الفتح الإسلامي بخلاف نقائص المؤسسة التربية في ثقافة المسلمين التي كان البعد الفلسفي والعلمي عرضيا فيها وغالبا ما يكون للرد على الفلاسفة وليس للعلم مطلوبا لذاته .فجميع علماء أوروبا في عصر الحداثة خريجو المدرسة الدينية وأشهرهم ديكارت ولايبنتس وكل فلاسفة المثالية الألمانية. وإلى الآن ما تزال التربية الجدية تابعة للكنيسة .وهو مشكل لم يتم علاجه إلى الآن لأن التربية أصبحت تابعة للسياسة التي هي بيد المستبدين بالدولة ومجرد تابع لاستبدادهم وفسادهم ولا علاقة لها لا بالفلسفة وما يندرج تحتها من العلوم الطبيعية وأدواتها من العلوم المساعدة (الرياضيات والمنطق) ولا بالدين وما يندرج تحته من العلوم الإنسانية وأدواتها من العلوم المساعدة (اللسانيات والتاريخ). وبهذا المعنى فلا يمكن الكلام على ما في الكنطية من قرب من الإسلام أو من بعد عنه إلا بالعودة إلى ما حاولت بيانه من موقف من منزلة الوجود الدنيوي وعلاقته بالوجود الأخروي وكله يدور حول مسألة الخطيئة الموروثة والحاجة إلى مسيح متأله ينقذ البشر منها لأنها تعتبر ناتجة عن لعنة أبو يعرب المرزوقي 228 الأسماء والبيان
53 7 -- الخطيئة الموروثة .وما كتابه في الدين بمقتضى العقل بمجرده دليل قاطع على أنه يؤمن فعلا بالمسيح وبأنه ابن الله ونموذج الإنسان وقد ضحى الله به لينقذ الإنساني في معركة الخير والشر. والقول بالخطيئة الموروثة يترتب على القول بأن الإنسان شرير بالطبع ولا يمكن العلاج من دون تضحية الرب بابنه لإنقاذ البشرية .ولعلاج هذه القضية التي لها صلة بما للإنسان من ارتباط بالطبيعة وبالحياة وبما للموقف المحرف للأديان وللفلسفات من العالم ومن البدن وضعت نظرية \"المائدة والسرير وفنيهما\": فالأولان يحددان العلاقة بين الإنساني والطبيعي وما قد يترتب عليها من تجاوز عالم الشهادة الطبيعي إلى ما بعده وهو المسلك الأول نحو الجمع بين عالمين عالم الشهادة الطبيعي وعالم الغيب المادي. والثانيان يحددان العلاقة بين الإنساني والعضوي وما قد يترتب عليها من تجاوز لعالم الشهادة التاريخي إلى ما بعده وهو المسلك الثاني نحو الجمع بين عالم الشهادة التاريخي وما عالم الغيب الروحي. والعلاقة الأولى تمثل شرط قيام الفرد ودوامه .والثانية تمثل شرط قيام الجماعة ودوامها. وهما إذن المحددان للعلاقة بين العضوي والتقني في قيام الحضارات ويتجلى في فني المائدة والسرير محققا لشروط القيام العضوي بمستوييه الفردي والجمعي أو حائلين دونه. والمائدة والسرير يمثلان علة الاستعمار في الأرض والفنان يمثلان الاستخلاف فيها إن حققا الشروط القيمية أو يمثلان ما وصفت الملائكة به آدم .ولهذه المعاني علاقة مباشرة بالمكان والزمان ليس بهما هما مفهومان قبليان بالمعنى الكنطي بل بما مقومان لكيان الإنساني العضوي الفردي والجمعي أي بقاء الفرد بفضل علاقته بالطبيعي وبقاء الجماعة بفضل علاقتها بالحياة: .1فإذا كان الفنان المتعلقان بالمائدة والسرير يدعمان بقاء الفرد والجماعة كانت الحضارة في عنفوان هو الذي يضفي على المائدة والسرير منزلة مقدسة في الرؤية الحضارية رؤية تجمع بين عالم الشهادة وعالم الغيب. أبو يعرب المرزوقي 229 الأسماء والبيان
53 7 - - .2وإذا كان العكس كانت الحضارة في عكس العنفوان إما بالإخلاد إلى الأرض أو بنفيها بدعوى الفراغ لما يتعالى عليها .وهذا هو جوهر الرؤية التي تعتبر الدنيا مدنسة والمادة ممثلة للشر في تحريف الفلسفة والدين. فالفلسفة القديمة تعتبر المادة عائقا ابستمولوجيا لدور العقل المصور بسبب تمنع المادة عن التصوير المعرفي والدين المسيحي وحتى الإسلامي المتأثر بهما يعتبران المادة عائقا أكسيولوجيا لدور الإرادة بسبب تمنع الغرائز عن طاعتها في التشريع القيمي. وكان من المفروض أن يؤدي الإصلاح الديني والفلسفي أن يعتبرا مسألة العقل والعلاج الإبستمولوجي برفض هذه الحجة يصبح في مرتبة ثانية بالقياس إلى الإرادة والعلاج الأكسيولوجي برفضها كذلك فيكون العلاج الديني مبرئا للبدن والمادة من الدنس ومقدما على العلاج الفلسفي الذي أسس لهذا التدنيس .والعلاج الفلسفي الكنطي يحاول إزالة التناقض بين شروط الحرية في التاريخ وشروط الضرورة في الطبيعة معتبرا وجود شروط الحرية مسلما فرضيا وشروط الضرورة حقيقة علمية. وبهذا المعنى فيمكن أن أقيم ما غاب في الاقتراب الكنطي الجزئي من الحضارة الإسلامية في مجال المعرفة لقوله بعدم المطابقة رغم ابقائه على وحدة العالم بقوله بالمطابقة في مجال القيم والاقتصار على التسليم الفرضي لوجود شروطها التي هي الله والخلود والحرية وما يحوج إليها أي البعث والقضاء الأخروي: فحياته العاطفية منعدمة لأن المائدة والسرير عنده ليس لهما ما ينبغي أن يكون لهما من أهمية في كل تأسيس للمعاني الوجودية وخاصة لجميع القيم التي هي من ثمرات فنونهما وشروطهما الخلقية في الرؤية الحضارية سواء كانت فلسفية أو دينية .وهما عين ما يصل القيم بما يسميه ابن خلدون \"نحلة العيش\" التي تحدد الرؤى الوجودية والقيمية دينيا وسياسيا في حياة الجماعات وتكون الدول والحضارات. أبو يعرب المرزوقي 230 الأسماء والبيان
53 7 - - وكلما حاولت أن أفهم ما يؤدي إلى تحريف الفلسفة والدين إلى تحريفهما تحريفا هو الذي يجعلهما في صراع دائم وينتج العنتريات التي يمثلها أدعاء اتهام الفلسفة بتحريف الدين أو الدين بتحريف الفلسفة فيزعمون أنهم محرري أحدهما من الثاني عدت إلى الخلط الذي أنتج تصديق التعريف الفلسفي للإنسان بكونه حيوانا ناطقا جمعا بين دلالتين للكلمة اليونانية التي تفيد النطق اللساني والإدراك العقلي ثم الخلط بين معنى الإدراك والمعرفة وهما مختلفان تمام الاختلاف لأن المعرفة مشروطة بالنطق والإدراك غني عنها. ولأبدأ بالتمييز بين الإدراك والمعرفة وهو تمييز يشبه ما بين الحس والعقل: .1فالأول لا يعرف بل يدرك .2والثاني لا يدرك بل يحاول ان يترجم الاول برموز يكون فيها ما يدركه الإنسان من قيم الرموز باعتبارها متغيرات في نسبة العملة إلى الأشياء التي تقيم بها. وقد يظن أن الإدراك في هذه الحالة إذا لم يكن معرفة ومعرفة ناطقة فهو عين ما تشترك فيه الحيوانات ولا شيء يميز الإنسان عنها في غيابها في حين أنه عين كيان الإنسان :فما يسحه الإنسان ليس موضوع معرفة بل هو عين كيان الإنسان في تلاقيه مع ما يناسبه من كيان الطبيعة ومن كيان التاريخ. والخطأ الأساسي الذي تولدت عنه مشكلة الابستمولوجيا والأكسيولوجيا وما بينهما من تفاعل لأن الابستمولوجيا هي أكسيولوجيا المعرفة أعني أنها محاولة اكتشاف القيم بالمعنى الرياضي لمتغيرات هي الرموز المعبرة عما ندركه من الأشياء التي هي ليست عين كياننا المدرك لذاته. والأكسيولوجيا هي أبستمولوجيا الإدراك بمعنى أنها هي التي تحدد قيمه إما الوحيدة والتي هي عين كيان المدرك أو قيمه المتعددة التي هي قيم المتغيرات الرمزية التي تعبر عن الأشياء التي لنا بها علاقة وكأنها بضائع أو خدمات في الأسواق. وطبعا المعرفة بعد الإدراك هي أخذ علم بالإدراك ومحاولة ترجمته بنظام رمزي لكنه لا يمكن أن يعلل طبيعته حتى وإن علل آليات حدوثه في كيان الإنسان العضوي إذ نحن نعلم آليات عمل أبو يعرب المرزوقي 231 الأسماء والبيان
53 7 -- الحواس لكننا لا نعمل معنى أن أرى وأن اسمع وأن اشم وأن اذوق وأن ألمس وأن أدرك ذلك بوصفه جزءا من كياني الرائي والسامع والشام والذائق واللامس. كيف ذلك .سآخذ مثالين أحدهما يتعلق بالمائدة وفنها والثاني بالسرير وفنه لأبين أن الإدراك المطابق لكيان المدرك متقدم على المعرفة بالأشياء حتى لو تعامل الإنسان مع نفسه وكأنه شيء. والإنسان في حالة التطابق بين الإدراك والكيان في الحس والحدس يكون غني عن المعرفة وهو ذوق بالإساس ومتعدد بعدة الحواس وهو ما أسميه الحوادس. ولا علاقة لهذا الكلام بالتصوف لأنهم يتصورونه معرفة ذوقية وليس كيانا ذاتيا للمدرك منفعلا بما يدرك دون أن يعلم طبيعة الفاعل والفعل ولا يمكن أن يعلهما حتى لو وضع نظاما لترجمتها إلى معرفة نظرية: .1فسأفترض أني جالس على مائدة فوفها كل \"المأكولات\" الممكنة حاضرة وتعد أمامي المشهيات وأصف ما أدركه انفعالا بما أنا متلق لما يصدر عنها ولما يصدر عني بما أنا باث لأحاسيسي وأفترض أني لا أستطيع أن اسميه بأي لغة ولا أستطيع أبلغه لغيري لأن التواصل فيه ممتنع. .2وسأفترض أني جالس على سرير فوقه كل \"المنكوحات\" الممكنة حاضرة وتعد المشهيات واصف ما أدركه انفعالا بما أنا متلق لما يصدر عنها ولما يصدر عني بما أنا باث لأحاسيسي وافترض أني لا أستطيع أن اسميه بأي لغة ولا أستطيع تبليغه لغيري لأن التواصل فيه ممتنع. ولست غافلا على أن مثالي شديدا التجريد لأني أزحت ما لا يمكن تصوره فعليا أعني ثلاثة شروط متلازمة معهما: فأولا افترضت وجود مائدة وسرير بمعنى أني انتقلت بسرعة من الطبيعة التي استمد منها الغذاء مباشرة إلى المائدة ومن الجماعة التي استمد منها الجنس مباشرة إلى السرير الخاص بي. وثانيا افترضت أن المائدة والسرير منفصلان بمعنى أن الجنس الثاني غير موجود معي حول المائدة في حين أن المائدة والسرير متلازمان سواء في الأسرة أو حتى في المطاعم وفي الفنادق. أبو يعرب المرزوقي 232 الأسماء والبيان
53 7 -- وأخيرا افترضت انفصالي عن الجماعة وأني وحدي على المائدة وعلى السرير في حين أن المائدة تفترض مشاركة غيري إما فيها أو من خدمها والسرير كذلك .وفيهما يكون غيري مشاركا أو منافسا على الغذاء وعلى الجنس. ومن ثم فوضعي هذه الشروط الثلاثة بين قوسين الهدف منه الاكتفاء بالعلاقتين البسيطتين المتعلقتين بالتبادل والتواصل العضويين بين الإنسان والطبيعة والحياة مؤجلا الكلام على التبادل والتواصل الاجتماعيين بين الإنسان والإنسان في الجماعة. والمعلوم أن هذا النوع الثاني من التبادل والتواصل يكون ثانيا في البداية ثم يصبح اولا بعدها بمجرد اكتشاف استحالة التبادل والتواصل مع الطبيعة من دون التبادل والتواصل في الجماعة لكون الفرد لا يوحد منفردا أبدا إذ حتى عندما ينفرد فإنه يكون حائزا على ما حصله في الجماعة في كيفية التعامل مع الطبيعة ومع الحياة. ولهذه العلة صارت المعرفة أي الزاد التجريب الموروث وكأنه متقدم على الإدراك الذي هو خاصية طبيعية وليس اكتسابية مثل المعرفة ومنه خاصة الحواس الخمس التي هي طبيعية والمكتسب فيها هو ما يترتب على ترجمة المدركات إلى معلومات بعد حصول الترجمة اللسانية للإدراكات المباشرة وهي مادة الكلام الذي يبين الفرق بينهما ليعلل التحريف الذي يحصل في الفلسفة وفي الدين. وإذن فيمكن اعتبار المائدة استعارة عن الغذاء والسرير عن الجنس في مثالينا المجردين من حيث إن الأول هو العلاقة بين كياني العضوي وما يسد حاجته في الطبيعة والثاني هو العلاقة بين الجماعة والحياة بتوسط الفرد والعلاقتان تحددان شروط بقاء الإنسان فردا وجماعة دون حاجة إلى المكتسبات المعرفية التي تنتج عن تراكم التجربة والخبرة وتحولهما إلى منظومات نسقية هي بداية المعرفة العلمية. فتكون المائدة رمزا للطبيعة في البداية والسرير رمزا للحياة في البداية ويكون ما يترتب عليهما من الفنون رمزا لما فيهما اشرئباب ذوقي يجعل الإنسان يتجاوز الطبيعة والحياة إلى ما يضفي عليهما معنى جمالي اسمى من مجرد الغذاء والجنس في بعدهما الساد للحاجة العضوية فيعطيهما أبو يعرب المرزوقي 233 الأسماء والبيان
53 7 -- معنى روحيا هو أساس الحياة الاجتماعية فوق الحياة العمرانية بلغة ابن خلدون في عالم الشهادة تكل هي الحياة الروحية التي ينتج عنها التعلق بعالم الغيب .فيكون الفنان أصل الدولة أو نظام التعاون والتبادل والدين أي نظام التآنس والتواصل. ولا شك أن الطفل إزاء المائدة قبل تعلم اللغة يوجد في هذه الحالة التي يكون فيها الإنسان إزاء الطبيعة إذا افترضنا بداية مطلقة لوجود الإنسان في الطبيعة التي يستمد منها مباشرة شروط بقائه .ولا شك أن من يولد أصم وأبكم وجد في الحالة الثانية على الأقل لأن له كل الحواس عدى حاسة السمع .وهما يشتركان في عدم النطق. وإذن فإدراك المرئي فوق المائدة وفوق السرير وإدراك المسموع (للطفل قبل النطق) فوقهما وإدراك المشموم وإدراك المذوق إذا مد يده فذاق وإدراك الملموس إذ لمس ما يرى وما يسمع وما يسم وما يذوق كلها قابلة للحصول دون حاجة إلى لغة ومعرفة وخاصة بالنسبة إلى لأخير عند الأصم والأبكم لأن اعضاءه الجنسية ستتحرك تحرك عضو البصر وعضو الشم وعضو الذوق. وكل الحواس تعي ما تدرك دون أن تعلم شيئا منه ولا تستطيع التعبير عنه باللسان .وهذا هو الفرق الذي يعنيني لرفض التوحيد بين الإدراك والعلم لأن الاول شرط الثاني لكن الثاني ليس شرط الأول بل هو من أدواته عندما يتجاوز الفطري إلى المكتسب .فالمعرفة والعلم لا يختلفان عن تزويد الحواس بأدوات تقوية الحاسة مثل النظارات للبصير والسماعات للسمع الخ.. فالنظر جهاز تكنولوجي من جنس أدوات تقوية الحواس أداته الترميز فيكون للإنسان نوعان من التجهيز الذي يمكن الإدراك من التحول إلى نظر ويمكن الإرادة من التحول إلى عمل .والجمع بينهما هو العلم الإنساني سواء كان علما بالطبيعة أو علما بالتاريخ .والعلة هي أن الإنسان له تبادلان وتواصلان :تبادل وتواصل مع الطبيعة وتبادل وتواصل مع الجماعة .وكلاهما ضروري لكليهما :فالأول شرط بقاء الجماعة العضوي وأساس الدولة وهو موضوع الثاني الاول والثاني شرط بقاء الجماعة الروحي وهو غاية الأول وأساس الدين. أبو يعرب المرزوقي 234 الأسماء والبيان
53 7 - - في المقالة الأولى من الميتافيزيقا حاول أرسطو تقديم فرضية حول تكوينية الفكر الإنساني فوصل إلى الذاكرة باعتباره المميزة للإنسان عن غيره من الحيوانات ولم يصل إلى ما يناظرها لأن الذاكرة تتعلق بالماضي ويناظرها التوقع وهو عكسه بمعنى أن الإنسان ليس له الذاكرة فحسب ولا التوقع فحسب بل له التموقع بين التفاتين إلى الحاصل من الممكن مما يوجد على المائدة وعلى السرير والممكن الذي لم يحصل مما يوجد منها واجتماع الممكنات الماضية والمقبلة في الإمكان الحاضر على المائدة والسرير والذي يتمايز ما فيه بأول تصنيف للأشياء بنوع الحس الذي يدركه وتمايز الحاس والمحسوس بالمقابلة بين المنفعل (الحاس) والفاعل(المحسوس). وسبق أن بينت أن بدن الإنسان مساحة مكانية ومدة زمانية كيانيا وليس باعتبارهما تصوريين مشروطين في المعرفة بل هما مقومان للكيان إذ إن مساحة البدن تكبر وتصغر ومدته تطول وتقصر ولهما بداية وغاية وهما عين الحياة. والتذكر والتوقع كلاهما بدنيان قبل أن يصبحا فكريين .والفكر تال على الإدراك الذي يسبقه ويسبق اللسان عند الأطفال .وبهذا المعنى يكون التعبير البدني هو اللغة الأولى التي يكون فيها اللسان نفسه جارحة يعبر بالصوت عامة قبل أن يصبح ألفاظا ذات صواتم وجملا ذات فائدة. والتذكر والتوقع يصبحان مما يسجله كيان الإنسان بما بين الفعل والانفعال في الكيان من حيث هو مساحة ومدة بهما يقيس المكان والزمان خارجه والجوارح تتحول إلى وحدات قيس ومدة الحركة في المكان تصبح أداة قيس للزمان والعكس بالعكس. فيصبح مثلا المنفعل لما يرى يسمع ويشم ويذوق ويلمس فعلا أو تخيلا إي إن المائدة والسرير يصبحان حاضرين مع أي عنصر مما كان عليهما في ترابطه بالتوارد مع كل ما كل ما كان عليهما. وحينئذ يحصل في التواصل ما يحصل في الانتقال من المقايضة في التبادل :تبدأ العملة في التبادل بداية الكلمة في التواصل ويشرع الإنسان في المعرفة بعد أن يكون قد حقق التسمية التي تجعل الاسم نائبا للمسمى في الإشارة إليه. أبو يعرب المرزوقي 235 الأسماء والبيان
53 7 -- وتصبح الذاكرة جماعية وليست فردية لأن الماضي لن يقتصر على معيش الفرد الإدراكي لما فوق المائدة بل على معيش الجماعة الحاضر في تراثها الغذائي تماما كما لن يقتصر على معيش الفرد الإدراكي لما فوق السرير بل معيش الجماعة الحاضر في تراثها الجنسي. وكل هذا متعلق بالأشياء ذاتها وليس بمعرفتها وهو متعلق بها من حيث هي قيم في المائدة وفي السرير وليس من حيث هي معلومات. وعندما يتعلق الأمر بها من حيث هي معلومات يكون الامر من جنس الانتقال من الكلام على الثروة العينية إلى الكلام على العبارة عنها بالعملات سواء كان ذهبية أو ورقية أو حتى كتابية أو حتى مسماة لغويا في الوعود .وإذن فالمعلومات واللغة أبعد شيء عن الوجود الفعلي تماما تكون القيم المادية والعملة ابعد شيء عن الأشياء الغذائية وعن الأشياء الجنسية وعما يوجد بينهما من استعارات تجعل الكلام على الغذائي وعلى الجنسي قابلين للاستعارة التعبيرية أحدهما من الثاني. وكل من لم يفهم هذه الحالات لا يمكن أن يفهم لغة القرآن الذي يجعل المائدة السرير رمزين لشهادة العالم الأدنى على العالم الأسمى الذي يتضمن ما يفيدانه مع العلم بأن ما فيه لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على بال بشر لكن ما في العالم الأدنى يكون بها محتويا على آيات دالة على ما في العالم الأسمى .بحيث إن ما فيه يمكن القول هو ما تفيده الحوادس المصاحبة للحواس بالمعنى الذي نقول إن البصيرة مصاحبة للبصر والسميعة للمسع والشميمة للشم والذويقة للذوق واللميسة للمس. فيكون من يدرك ذلك فاهما القصد بأن ما في المائدة والسرير مقومين لقيام الفرد الذي يدين به للطبيعة قيام الجماعة التي تدين به للحياة يعتبران آيتين للقيام الفردي والجمعي الخالدين .ولا فرق حينها بين ما يوجد بالفعل على المائدة وما يوجد بالفعل على السرير لأن فاعلية ما عليهما فن ملازم لهما أيا كانت قيمتهما بالمعنى الدنيوي. فقيمة أفقر غذاء عند الفقير قد تكون ألف مرة أقوى من قيمة أغلى غذاء عند الغني .وهذا المفعول هو الآية وليس نوع الفاعل الذي ينفعل به المغتذي أو الناكح .وفي العالم الأسمى يكون أبو يعرب المرزوقي 236 الأسماء والبيان
53 7 -- الثواب بحصول ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على بشر وتلك هي الجنة ويكون العقاب الحرمان من ذلك وتلك هي جهنم .أما كيف يعيش المجازى وكيف يعيش المعاقب فآيته في عالم الشهادة يرمز إليه أسمى جزاء مع الخلود واشد عقاب مع الخلود. أما المعرفة وتطبيقاتها فهي لتحقيق هدفين: .1الأول لتحقيق شروط الاستعمار في الأرض من أجل علاج العلاقة بالطبيعة من أجل قيام الفرد والجماعة والعلاقة بالحياة لبقاء الفرد والجماعة. .2الثاني لتحقيق شروط الاستخلاف في الأرض من أجل علاقة العلاقة بهذين العلاقتين حتى لا يظن أن عالم الشهادة ليس لا ماوراء لها كما يظن المخلدون إلى الأرض. وذلك هو ما يؤول إليه تحريف الفلسفة وعلامته الاقتصار على الاستعمار في الأرض وتحريف الدين وعلامته نفي الاستخلاف وما وراء عالم الشهادة .ومن ثم فما في فلسفة كنط هو عين ما في وعيه بكيانه الذي لم يتحرر من الخطيئة الموروثة التي ألغا الإسلام برؤية لا تجعل رمز اخراج آدم من الجنة وانزاله إلى الأرض عقابا بل هو فرصة ثانية ليثبت أنه جدير بالاستخلاف خلال تعمير الأرض بقيم تثبت كائن حر يتحمل مسؤولية اعماله التي يبحث ليحاسب عليها مع رهان الانتباه إلى علل الخسر وشروط الاستثناء منها فتكون المرحلة الدنيوية من وجوده اجتهادا لمعرفة هذه الشروط وجهادا لتحقيقها. وتلك هي الكلمات التي تلقاها فأتمها فعفي عنه واجتباه ربه ولا علاقة للعصيان بالجنس وليس الأمر خطأ حواء بل هو خطؤهما معا وهي مبرأة فلم تحمل مسؤولية كما حمل آدم ما يرفع من منزلتها لأنها ترمز لبقاء النوع ودور فنون السرير رمز آدم لبقاء الفرد ودور فنون المائدة. لم يسترد البدن قيمته ودلالته في الحضارة المسيحية حتى إن جوته اضطر إلى اعتبار المنزلة التي اعطيت لعالم ا لشهادة وما فيه إلى رمز تعاقد بدل قصته مع الشيطان وهو ما كان يوصف به الإسلام باعتباره عند لوثر عمل شيطاني وليس دينا .ولا تكاد تجد ذكرا للجسد ودوره مائدة وسريرا في حياة كنط لأن الامر كله يتعلق بـ\"العقل\" وليس بالإرادة وبالمعرفة وليس بالقيمة. أبو يعرب المرزوقي 237 الأسماء والبيان
53 7 - - ولذلك لا يكاد يوجد ما يفيد أن له حياة السرير وفنونه وحتى حياة المادة فلا علاقة لها بفن المائدة بل هي متعلقة بالتواصل الفكري مع مجالسيه من المتكلمين في هموم فكرية نظرية لا علاقة لها بالحياة إلا من حيث هي موضوع فكر وليست قيام كيان ولا نعلم هل كان له علاقة بالجنس الثاني وهل كان بين مجالسيه منه مثال يذكر. وحتى كلامه على الذوقيات والفنون رغم كونها بالجوهر تابعة للحواس فإنها لم يبق فيها إلا ما لا دلالة له عليها بل صارت مجرد أفكار مثلها مثل القيم الخلقية التي صارت شرطها ألا تحصل أصلا لأنه إذا أخلينا الإنسان من الدوافع الفعلية في حياة الإنسان واعتبرنا الفعل الخلقي هو الخالي منها صار الفعل الخلقي منعدما انعدام البدن الذي هو مجال سلطان الإنسان الخلقي الأول والأخير.. وعقيدة الخطيئة الموروثة هي الفرق الجوهري بين المسيحية والتي تؤسس لنظرية الشفيع ونائبته الكنيسة التي هي سلطة وساطة روحية في التربية وما يترتب عليها من حاجة السلطة السياسية لان تستند إلى حق إلهي في القوامة عليها وليست حقا لجميع البشر. وهذا هو القصور الذي بقي عليه الاصلاح المسيحي ما أدى إلى استحالة التخلص منه من دون رمي الوليد مع ماء غسله أي رمي الدين نفسه مع الكنيسة والقيم المتعلقة بالمائدة والسرير وفنيهما معه والانتهاء إلى الاخلاد المطلق إلى الأرض كما يتبين مما آلت إليه الحداثة تأسيسا على الهيجلة ومآلها الماركسي التي هي في غايتها النكوص المطلق على المشاعية البدائية نفيا لنظام عالم الشهادة أو الدولة ولنظام عالم الغيب أو الدين. أبو يعرب المرزوقي 238 الأسماء والبيان
53 7 - - القسم الثالث تحليل نص هيجل النكوص الهيجلي وأثره على الحضارتين الغربية والإسلامية لا بد من بداية تخلص الكلام في هذه الإشكالية من سكارى الزبيبة .فالكلام في الفلسفة وفي الدين وخاصة في علاقة الحضارتين العربية الإسلامية واللاتينية المسيحية بالاعتماد في الغاية على المقابلة كنط هيجل لفهم ما حصل بينهما خلال: .1انتقال الحضارة الغربية من القرون الوسطى إلى الحداثة في موقف الآخذ من الحضارة الإسلامية التي جمعت كل التراث الفلسفي والديني المتقدمين عليها فصارت الممر الواجب بذاتها وبما تحتوي عليه من تراث إنساني متراكم خلال العصور السابقة بالإيجاب والسلب أي بما يستحق البقاء وبما يستحق التجاوز. .2وانتقال الحضارة الإسلامية الحديثة من الانحطاط إلى التحديث الآخذ من الحضارة الغربية بنفس المعنى الذي وصفته في الأخذ الغربي منها لأن الحضارة الغربية اضافت الكثير ووسعت الاستفادة من التراث الإنساني حتى مما لم تعرفه الحضارة الإسلامية من الحضارات الأخرى. وهذه المسألة من أشد المسائل التي يطرحها البحث في تكوينية المسرح الفكري الحالي ومناخه العولمي بداية لإعادة بناء ما يمكن من تجاوز الأزمة الحضارية الإسلامية ليس بحصرها في علاج قضاياها الذاتية فحسب بل بجعلها شاملة لقضايا الإنسانية في لحظة مآل العولمة إلى ما يهدد كيان الإنسان والعالم .فمنذ نزول القرآن لم يبق في حضارتنا ما يمكن وصفه بكونه خصوصيا بل هو علاج كوني بمنطق النساء 1والحجرات 13اساسا لكونية الرسالة الخاتمة. أبو يعرب المرزوقي 239 الأسماء والبيان
53 7 - - إنها مسألة شديدة العواصة خاصة عند جمعها مع ما سميته في دراسات سابقة بتحريف علوم الملة الغائية (التفسير أصلا للكلام والفلسفة وللفقه والتصوف في حضارتنا) والأداتية (الوسميات أصلا للسانيات والتاريخ والرياضيات والمنطق) وعللت ذلك بقلب دلالة الآية السابعة من آل عمران من نهي إلى امر وقلب الآية 53من فصلت من أمر إلى نهي فآل بالحضارة الإسلامية إلى الانحطاط لأنها صارت وفي آن: .1فاقدة لشروط الاستعمار في الأرض أي إن علاقتها بالطبيعية بقيت ساذجة ولم تستند إلى العلوم النظرية المتجاوزة لما وصل إليه اليونان على الأقل من حيث النموذج النظري للعلمية التي بقيت مشائية مزيجة حتى بعد انتقال الإبداع الفكري إلى الغرب لأن القطيعة الفعلية مع الفكر اليوناني في علاقته بالطبيعة لم تصبح حقيقة إلا بعد أن تغيرت الرؤى الطبيعية في القرن السابع عشر. .2وفاقدة لشروط الاستخلاف فيها أولا لأن من ليس له القدرة على التعمير يصعب أن يكون قادرا على الاستخلاف .فشرطه الحرية والسلطان على الطبيعة لتكون مصدر العيش الذي يكون فيه الإنسان كما وصفه القرآن مسيطرا على الكبد الذي خلق فيه .ذلك أن شرط التحرر من العبودية هو التعمير الذي يتساوى في كل أنواع العمل فلا تكون الأعمال اليدوية دون الأعمال الفكرية منزلة لأنها جميعا بحاجة إلى كفاءات علمية وتقنية تقتضي أن يكون الجميع حائزا على الحد الأدنى من المعرفة التي تجعل العمل على علم. ومن حسن الحظ أن الربط بين الحضارتين لا يحتاج في كل هذه المجالات إلى دليل على الأقل بالرجوع إلى احداث التاريخ وحتى إلى أحاديثه .فعندما نعود إلى كبار مفكري الغرب نجد أنهم لا يصدقون الأكاذيب الإيديولوجية التي تدعي أن الحداثة الغربية لا تدين بشيء للحضارة العربية الإسلامية وأنها ثمرة معجزة أوروبية كما كان ذلك يزعم مؤدلجو تاريخ العلوم والفلسفة اليونانية بكونها ثمرة معجزة يونانية بخلاف شهادة كبار الفلاسفة اليونان. أبو يعرب المرزوقي 240 الأسماء والبيان
53 7 - - لكن الأهم هو أن سكارى الزبيبة من أنصاف المثقفين صاروا هم بدورهم يؤصلون للجمع بين الخرافتين على نصين أحدهما كتبه ارناست رنان حول ابن رشد اللاتيني والثاني أرنست بلوخ كتب كتاب ثم قدم محاضرة حول اليمين واليسار الأرسطيين وكلاهما متأثر بهيجل لأن الأول قراءته تعتمد على نظرية أرواح الشعوب لزعمه أن الساميين لسوا قادرين على التفلسف بخلاف الآريين والثاني يزعم أن الغزالي ظلامي وابن رشد تنويري .وهما الخرافتان اللتان سيطرتا على الفكر عندنا سواء كان إسلاميا أو علمانيا: .1فالإسلامي بدأ مع محمد عبده الذي كان حواره من أنطون للدفاع عن اسلام ابن رشد بمناسبة كتاب ارنست رنان الذي كان ذا علاقة بلبنان وفيها كتب قدم محمد عبده دروسه في علم الكلام وعقلانية المعتزلة. .2والعلماني مع فيلسوين من مصر وسوريا هما حسن حنفي المائل إلى تحويل العقيدة إلى ثورة بنظرية فيورباخ في الألوهية والطيب التيزيني المائل إلى اعتبار ابن رشد عقلاني وتنويري والغزالي لاعقلاني وظلامي. وإذا كان الإسلاميين من لم اشاركه الكتابة عدى المرحوم الشيخ البوطي حول فكر النهضة الفقهي فإن رمزي الحداثيين شاركت معهما في حوارية حول الفلسفة الإسلامية ما حال دونها والانبعاث (التيزيني) وحول العلاقة بين النظر والعمل وما حال دون فهم علاقة الغاية والأداة بينهما. ويمكن القول إن المرحوم الجابري له انتساب إلى النوعين بالانتساب إلى ما يسمى الرشدية الجديدة بمعنى نكوص غاية الحداثة الأول وطه عبد الرحمن بمعنى نكوص غاية الحداثة الثاني. وهما معنيان حددتهم في القسم الاول من الفصل الرابع عشر. معنى ذلك أن العلاقة بين النكوصين في كلتا الحضارتين كما بينهما فيه لا تحتاج لمزيد الاثبات في هذا الفصل الثالث منه لأنها بينة في أحداث النهضة وفي حديثها عن أحداثها على الاقل بداية ما يسمى بالنهضة إذا اعتبرنا ما قدمه ذلك الجيل هو البداية لتوهم النهضة بدأت بفضل غزو نابليون لمصر وبعثات المصريين إلى فرنسا وكل الأدبيات التي كانت غايتها قولة بعضهم إنهم قد أبو يعرب المرزوقي 241 الأسماء والبيان
53 7 -- وجدوا إسلاما دون مسلمين في الغرب تعميما لما رأوه في فرنسا على الغرب كله وتركوا في الشرق مسلمين دون إسلام. والمعلوم أنه بسبب الحاجة لشرح معوقات النهضة الفلسفية في حضارتنا الحالية -خلال حواري مع المرحوم الطيب التيزيني-وضعت نظرية الزمان التاريخي المخمس لدحض خرافة الظلامية في الفكر الديني وخرافة التنويرية في الفكر الفلسفي التي صدقها اليسار العربي من المتفلسفين والذين بسبب ذلك لم يكن بوسعهم تجاوز التسميات التقليدية التي جعلتهم لا يعتبرون فلاسفة إلا من كانوا ورثة للمدرستين الفلسفيتين اليونانيتين والخليط بينهما وبين التخريف الباطني الذي يدعون أنه أهم شيء في التراث الفلسفي في حضارتنا بحيث صار التخريف الصوفي والباطني والامامي يعتبر فلسفة ودينا وهما تحريف بين لهما كليهما. ولذلك فلا غرابة أن يكون الالقاء بينهم باعتبارهم متوهمين الماركسية فلسفة وعلما وبين هذا التراث الذي يشاركها نفس القول الساذج بالمطابقتين سواء في نظرية المعرفة ونظرية القيمة بشكل الخطاب الفلسفي التقليدي أو المطعم بالشطحات الصوفية التي من جنس تخريف ابن عربي .وطبيعي جدا أن يعتبروا المعتزلة عقلانيين لقولهم بهما. موجز ما توصلنا إليه في تحديد ذروة الحداثة عند كنط 1 .1فهو قد عكس تقديم الضرورة الطبيعية على الحرية الإنسانية مكتفيا بألا يكون القول بهذه حائلا دون كونية القول بتلك .فكان أن صارت الحرية الإنسانية بحاجة إلى أن تعتبر بحاجة إلى مسلمات حول الحقائق في ذاتها الممنوعة على العلم الإنساني .والمفروض أن يكون العكس بمعنى أن حدود العلم هي التي ينبغي أن تكون مؤسسة على مسلمات لأن التجربة الممكنة فيها لا ترجح التأويل العلمي إلا بوصفها مبنية على مسلمة المطابقة. ولا توجد مطابقة أكثر يقينا من إدراك الإنسان لحرية إرادته لأن ضرورة الطبيعة لا تعرف إلا بحرية الإنسان باعتبارها ما يصمد أمام حرية الإنسان سواء فيزياء كقوة مادية أو خلقيا كدافع نفسي. أبو يعرب المرزوقي 242 الأسماء والبيان
53 7 - - .2ولا تعليل لهذا العكس غير ما بقي في رؤيته من عقد ديني هو الإيمان بالخطيئة الموروثة علة غياب دور المائدة والسرير في كيان الإنسان من حيث هو في آن طبيعي وما بعد طبيعي وهو والفرق بين الذوق المعبر عن تقديم الإرادة على العقل والعمل على النظر والمعرفة المعبرة عن تقديم العقل على الإرادة والنظر على العمل. وهو في ذلك تلميذ لايبنتس الذي كان يتوهم امكانية رد الإدراك الحسي إلى الإدراك العقلي إلى حد تسميته إدراكا عقليا مبهما .وسنرى أن هيجل توهم العكس ولكن بالخلط بين المعرفة النظرية والإدراك الحسي الذي صار يعني عند كنط الحدس شرط التجربة الممكنة .وهو بهذا يرى راي التصوف فلا يميز بين المعرفة الذوقية المتعلقة بإدراك الإنسان لكيانه في علاقته بالطبيعة وبالتاريخ ومعرفته للوجود الخارجي المختلفة تماما حتى لو طبقناها على الإدراك الحسي للكيان الذاتي. ولا بد هنا من لمحة على مسار هيجل الفكري .فهو مثل كنط متكلم فيلسوف لأن كل مساره مؤلفه من المراحل الخمس التالية التي بدأت -1بمحاولات في الفكر الديني -5وختمت بدروسه في فلسفة الدين. وبين البداية والغاية مر هيجل بالمراحل الثلاث التالية: -2بين البداية والنهاية مشاركة في المجلات الفلسفية وخاصة في ما دار حول التمييز الكنطي بين الظاهرات والشيء في ذاته أو حول توحيد الملكات وتحريرها من الثنائية الكنطية (بين فشت وشلنج ما انحياز للثاني) .ولما تم الاعتراف به في الجماعة العلمية. -3كتب الموسوعة باعتباره استاذ فلسفة ومدير معهد ثانوي لتكوين الطلبة لأنه كان يعيش من العمل باعتباره مقدما دروسا خصوصية لأبناء النبلاء. أبو يعرب المرزوقي 243 الأسماء والبيان
53 7 - - -4وشارك في الفلسفة السياسية والدساتير ومحاولة الحصول على رضا النظام الملكي والتنافس مع الكبار مثل شلاير ماخر وقد تمكن من التغلب على شلنج الذي كان متفوقا عليها بإنتاجه الفكري الباكر. ويبقى أهم اعماله الكتاب الأول والكتاب الأخير أي فينومينولوجيا الروح ودروس فلسفة الدين. ويمكن اعتبار الضميمة جامعة بينهما ودالة على أن ثورته المنطقية التي جعلت المنطق عين الميتافيزيقا هي عين ما يعيد المعنى لأدلة وجود الله التي هي العلم المطلق والتأسيس الفعلي للمصالحة .وسنرى أن ترقي الروح الجزئي والتطابق مع الروحي الكلي بالمعرفة وبالتاريخ في هذا النص هو في آن العلم المطلق والدين المطلق أي المسيحية. وهكذا فإذا جمعنا البداية والغاية أمكن أن نعتبر البداية نفسها من طبيعة الغاية أي إنه لم يخرج من فلسفة الدين ومحاولة تحقيق المصالحة بين الدين والفلسفة وذلك بتقديم حل ظنه حاسما للجدل الدائر في المثالية الالمانية حول نظرية المعرفة ونظرية القيمة والمطابقة التي تتجاوز الفصل الكنطي بين الظاهرات والحقائق بهدف اعادة تأسيس الرؤية المسيحية أصلا لهما كما يتبين من القول بالعلم المطلق ولكن مع الاستعاضة عن مفهوم العقل Verstandعند الفلاسفة بمفهوم ذي دلالة دينية هي الروح Geist وننتقل الآن إلى نص هيجل من دروس في فلسفة الدين .وبخلاف تحليلي لنص كنط لن أطيل في تحليل نص هيجل لأني قدمت في بحوث متعددة موقفي من هذا النكوص وخاصة في محاضرة علم الكلام الجديد التي قدمتها في آخر السنة الماضية .وسنرى أن العلاقة بين النقد الكنطي والإسلام حلقة الوصل فيها هي رأي هيجل في فلسفة الأنوار وطبيعة \"العقل\" الذي كما بينا في الفصل الثالث عشر بقسميه هي ما انتهى فكر الحداثة الغربية في الإصلاح الديني والفلسفي إليه وصار يسمى فلسفة الانوار والرؤية الربانية المتحرر من الغاز المسيحية بحيث صار الإسلام يعتبر دينا طبيعيا وعقليا أشبه بدين الفلاسفة وهو معنى توصيف توما الإكويني للمسلمين بكونهم وثنيين أبو يعرب المرزوقي 244 الأسماء والبيان
53 7 -- (مثل اليونان) وليسوا متدينين مثل المسيحيين بمعنى أن الإسلام ليس فرقة مسيحية ضالة بل هو دين وثني .ولنقرأ الآن نص هيجل وفي ذهننا مفهوم التنوير: \"لا تدرك (رؤية) الأنوار إلا السلب والحدود والتحدد بما هو تحدد فلا تفي المضمون حقه وهو منها ظلم أكيد إزاءه .فالصورة أو التحدد ليس مقصورا على التناهي والقيد بل هو باعتباره الصورة كلها هو عين المفهوم .وهذه الصور المختلفة هي عينها صور ضرورية وجوهرية .فالرب يتعين في ظهوره. وبفضل الفلسفة يتضح معنى الدين ويحصل على تعليله من قبل الوعي المفكر .والتقوى الغفلة مستغنية عن ذلك .فالقلب يمدها بشهادة الروح فتدرك الحقيقة التي تصلها عن طريق سلطة النقل فتشعر بالسلام والصلح بتوسط هذه الحقيقة .وما أن يشرع الفكر في وضع النقيض معارضا للعيني وفي وضع ذاته مناقضا للعيني يكون ذلك عين مسار الفكر الذي يحقق التناقض تحقيقا تاما هذا حتى يبلغ إلى الصلح. وهذا الصلح هو الفلسفة .وبهذا المعنى فالفلسفة هي علم اللاهوت .فهي تعرض صلح الرب مع ذاته ومع الطبيعة الصلح القائل إن الطبيعة التي هي غيرية بذاتها إلهية وإن الروح الجزئي من ناحية أولى هو ما يسمو إلى الصلح وهو من ناحية ثانية ما يحقق هذا الصلح في تاريخ العالم. وإذن فهذا الصلح هو سلم الرب الذي ليس هو أسمى من كل عقل بل هو لا يصبح واقعا ولن يصبح موضوع فكر فيعلم بوصفه حقا إلا بفضل العقل\". Die Aufklärung veiss nur von Negation, von der Schranke, der Bestimmtheit als solcher und tut damit dem Inhalt schlechthin unrecht.Die Form, die Bestimmtheit ist nicht nur Endlichkeit, Schranke, sondern als Totalität der Form ist selbst der Begriff, und diese verschidenen Formen sind selbst notwendig, wesentlich : in der Erscheinung Gottes bestimmt sich Gott. Durch أبو يعرب المرزوقي 245 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152
- 153
- 154
- 155
- 156
- 157
- 158
- 159
- 160
- 161
- 162
- 163
- 164
- 165
- 166
- 167
- 168
- 169
- 170
- 171
- 172
- 173
- 174
- 175
- 176
- 177
- 178
- 179
- 180
- 181
- 182
- 183
- 184
- 185
- 186
- 187
- 188
- 189
- 190
- 191
- 192
- 193
- 194
- 195
- 196
- 197
- 198
- 199
- 200
- 201
- 202
- 203
- 204
- 205
- 206
- 207
- 208
- 209
- 210
- 211
- 212
- 213
- 214
- 215
- 216
- 217
- 218
- 219
- 220
- 221
- 222
- 223
- 224
- 225
- 226
- 227
- 228
- 229
- 230
- 231
- 232
- 233
- 234
- 235
- 236
- 237
- 238
- 239
- 240
- 241
- 242
- 243
- 244
- 245
- 246
- 247
- 248
- 249
- 250
- 251
- 252
- 253
- 254
- 255
- 256
- 257
- 258
- 259
- 260
- 261
- 262
- 263
- 264
- 265
- 266
- 267
- 268
- 269
- 270
- 271
- 272
- 273
- 274
- 275
- 276
- 277
- 278
- 279
- 280
- 281
- 282
- 283
- 284
- 285
- 286
- 287
- 288
- 289
- 290
- 291
- 292
- 293
- 294
- 295
- 296
- 297
- 298
- 299
- 300
- 301
- 302
- 303
- 304