53 7 -- die Philosophie erhält sih, empfängt die Religion ihre .Rechtfertigung vom denkenden Bewusstsein aus Die unbefangene Frömmigkeit bedarf deren nicht ; das Herz gibt das Zeugnis des Geistes und nimmt die Wahrheit aus, die durch Autorität zu ihm kommt, und empfindet die Befriedigung, versöhnung vermittels dieser Wahrheit. Aber insofern das Denken anfängt, den Gegensatz zu setzen gegen das Konkrete und sich gegen das Konkrete in Gegensatz setzt, so ist es der prozess des Denkens, diesen Gegensatz durchzumachen, bis er .zur Versöhnung kommt Diese Versöhnung ist die Philosophie. Die Philosophie ist insofern Theologie. Sie stellt die Versöhnung Gottes mit sich selbst und mit der Natur dar, dass die Natur, das Anderssein an sich göttlich ist und dass der endliche Geist teilS an ihm selbst dies ist, sich zur Versöhnung zu erheben, teils in der Weltgeschichte .zu dieser Versöhnung kommt, diese Versöhnung hervorbringt Diese Versöhnung ist dann der Friede Gottes, der nicht höher ist als alle Vernunft, sondern der durch die Vernunft erst gewusst, .gedacht und als das Wahre erkannt wird (سقطت ترجمة الفقرتين الاخيرتين التاليتين من النص وسيتم الحاقهما بالفصل الموالي والأخير من المحاولة ولعل في ذلك صدفة طيبة لأن الأمر يتعلق بالموقف من التنوير ومن نقد العقل الاستريائي الذي يعتبر أهم ما اضافه هيجل للمنطق ليتجاوز المنطق الأرسطي ذي القيمتين بدعوى تأسيس منطق يغني عن الفصل بين التحليلات الأوائل والتحليلات الأواخر وهو ما استعمله أبو يعرب المرزوقي 246 الأسماء والبيان
53 7 -- في الضميمة التي تعالج منطقيا أدلة وجود الله بهذا المعنى الذي يعتبر مضمون المتغيرات المنطقية وسيكون ذلك منطلقنا في الفصل الخامس عشر بأقسامه التي لم تتحدد بعد والتي.مطابقا لصورتها والقصد بآيات الله في الآفاق وفي53 والقصد بالمتشابه ومعنى فصلت7 ستحلل معنى آل عمران .)الانفس Gegen die Philosophie stehen zwei Seiten, erstens die Eitelkeit des Verstandes, der es der Philosophie übelnimmt, dass sie in der Religion noch Wahrheit aufzeigt und nachweist, dass Vernunft darin ist. Die Aufklärung will nichts mehr von diesem Inhalt haben und nimmt es daherder Philosophie sehr übel,dass diese als bewusstes, methodisches Denken den Einfälle, der Willkür und Zufälligkeit des Denkens ein Ziel setzt. Zweitens steht der .Philosophie entgegen die un befangene Religiosität Hier sind die unterschiedenen Stände : a) die unmittelbare Religion, b) die Aufklärung Verstandes c) das vernüftige Erkennen derReligion. Dieses habe ich in diesen Vorlesungen .aufzuzeigen gesucht G.W.F. Hegel, Vorlesungen, Ausgewählte Nachriften und Manuskripte 5 أبو يعرب المرزوقي 247 الأسماء والبيان
53 7 - - Herausgeben von Walter Jaeschke, f.Miener Verlag, Hamburg1984 .ss.268-270 ملاحظتان سريعتان: .1الخلط بين الإدراك والمعرفة العلمية: ففي الإدراك كما وصفنا في كلامنا على كنط لا يوجد فرق بين صورة ومادة لأن المضمون ليس معرفيا بل هو ذوقي كالحال في الإدراك الحسي بمستوياته التي درسنا سواء تعلقت بالغذاء او بالجنس خاصة أي بعلاقة الفرد بما يقيمه عضويا وبعلاقة الجماعة بما يقيهما حيويا وما يصحبهما من فنون تجعل الإنسان فردا وجماعة يتجاوز العضوي والحيوي إلى الجمالي والقيمي ويكتشف أن ذلك يمر حتما بتوسط الجماعة التي تجعل التبادل والتواصل مع الطبيعة (وهو مستوى التعمير ويسميه ابن خلدون العمران البشري) وتلك بداية الدولة والحاجة إلى حماية شروط الرعاية في الجماعة مشروطا بالتواصل والتبادل بين البشر (وهو مستوى الاستخلاف ويسميه ابن خلدون الا جتماع الإنساني) وتلك بداية نشأة الدين. وبين أن نشأة الدين متقدمة على نسأة الدولة لأن نشأة الجماعة والاجتماع الإنساني متقدم على نشأة النظام المؤسسي الذي هو قوامة الجماعة على نفسها إما جماعيا فرض عين أو بالنيابة فرض كفاية وهو معنى الدولة التي تحمي شروط الرعاية أي أساسا الثروة التي تقتات منها الجماعة مباشرة أو بما تستعمله من وسائط حيوانية تصبح أدوات عمل وأدوات تحويل النباتي إلى الحيواني للحاجة إلى للحوم في الغذاء .وتتطور وظيفة الحماية لتصبح حماية المجال الحيوي للجماعة على سطح الارض وتحته وفوقه وفي البحار وخاصة مصادر الطاقة والغذاء. ولا يمكن لذلك أن يكتفي بالإدراك الحسي بل لا بد من تدخل العلوم وتطبيقاتها وأهما تقوية الإدراك الحسي وتجهيز العلاقة بين الإنسان والطبيعة أو التعامل مع الموجود فيكون أساس النظر أبو يعرب المرزوقي 248 الأسماء والبيان
53 7 -- وهو الذي ينتج الأدوات الرمزية تماما وكما يحصل في الانتقال من التبادل بالمقايضة إلى التبادل بالعملة ويحصل الانتقال من التواصل بالإشارة إلى التواصل بالكلمة ويتدخل في الإدراك الحسي المتعلق بالمنشود فيكون أساس العمل وهو الذي ينتج الأدوات التقنية تماما كما يحصل الانتقال من الرمز المحاكي للموجود إلى التقنية الصانعة للمنشود .والخلط الهيجلي أداه إلى نظرية العلم المطلق لأنه توهم أن المضمون المعرفي في الإدراك العقلي من جنس المضمون القيمي في الإدراك الحسي. ففي الإدراك الحسي المضمون قيمة وحيدة أي إن أي حاسة لا تحس إلا ما يخصها بمعنى أن البصر يرى المرئي والسمع يسمع المسموع والشم يشم المشموم والذوق يذوق المذوق واللمس يلمس الملموس .أما في الإدراك ا لعقلي فإن المضمون ليس قيمة وحيدة بل هو قيمة بالمعنى الرياضي لقيمة المتغير .فالنظرية لا تتعلق بمضمون معين وحيد مثل كل حاسة بل بمفهوم يحدد صفات مجموعة من القيم الممكنة هي التي يتعين فيها انطباق المفهوم على كل ما له الصفات التي عرفت بها المجموعة. هيجل هو تصوره التعيين الذي وضعه في رؤيته للعقل التأملي-النهى وهو الروح الذي يكون فيه التطابق التام بين الصورة والمادة بل يزول الفرق بين المفهوم والماصدق في التصور وعلى هذه الرؤية أسس أدلة وجود الله لأنها هي عين ترقي الروح الجزئي للمصالحة مع الروح الكلي بالمعنيين الموجود في المضمون الطبيعي أو الماصدق الذي هو بدروه من طبيعة إلهية-بالمقابل مع العقل المسترئي المجرد الذي لا يتطابق مع العيني فلا يكون فكرة أو كليا متعينا-الحصاة-ينقله مباشرة من المنطق إلى الميتافيزيقا أي إنه لا يميز بين التحليلات الأوائل والتحليلات الأواخر الأرسطية ولا يميز بين المنطق الصوري والمنطق المتعالي الكنطيين. ولا يمكن اعتبار المعاني التي يعتبرها مضمونا ماصدقيا للمفهومات قيما وحيدة ممكنة من دون قول بالمطابقة-وهي مصادرة على المطلوب-لكأن ما يحدث في المعرفة العقلية من جنس ما يحدث في أبو يعرب المرزوقي 249 الأسماء والبيان
53 7 -- الإدراك الحسي حيث لا يتجاوز ما يدركه الحس القيمة الواحدة التي هي المحسوس الخاص بتلك الحاسة حتى لو أخطأت أي إنها حتى وهي مخطئة لا تحس إلا المحسوس الذي يخصها. والمعرفة تأتي بعد ذلك عندما ننتقل إلى النظر في شروط المطابقة بين المفهوم والماصدق وهي دائما شبه مستحيلة لأن المضمون الماصدقي هو ما نعرفه ونعتبره موضوعا في حدود علمنا به وبصورة موقتة إذ قد يتغير المضمون الماصدقي وهو دائم التغير لأنه في الحقيقة مضمون فرضي ومؤقت بمقتضى الفرضيات النظرية التي عرف في ضوئها. لا يمكن لهيجل أن يزعم امكانية العلم المطلق ما لم يثبت أن المعرفة العقلية مثل الحواس لمدركها العقلي ما للمدرك الحسي من قيمة واحدة تتعلق بوكنها معقوله تعلقه بكونه محسوسه .فالمعقول ليس قيمة واحدة بل هو قيم لا متناهية بحسب الفرضيات التي ينطلق منها التحديد المفهومي. وليس لنا أي إمكانية لإثبات المطابقة بين المحددات المفهومية للتصور والتعيينات الماصدقية للأمر المتصور. وتلك هي علة استحالة النظرية المكتفية بنفسها خارج الرياضيات والمنطق الغنيين عن التجربة. وكل ما له علاقة بالوجود الخارجي لا بد فيه من عرض النظرية على التجربة لانتخاب التأويل الأقرب للتناسب بين المفهوم والماصدق .وهو تناسب دائم النسبية والتغير بمقتضى التطور النظري أولا وتطور أدوات الإدراك الحسي في التجربة العلمية. .2الصلح الزائف بين الروحي الجزئي والربوبي ولا بين الطبيعي أو الغيرية في ذاتها والتي تكون إلهية في آن: لو كان ما يصح على الإدراك العقلي ما يصح على الإدراك الحسي لكان حل هيجل معقولا .لو كان ما يدركه العقل غنيا عن الكلام في شروط المطابقة مثل ما يدركه الحس لكان ما يقوله هيجل عن العلم المطلق والمصالحة مقبولا :أي لصح أن الماصدق مضمون وحيد هو مرجع المفهوم فيكون ما بين الرمز المعبر عن ا لمفهوم والماصدق المعبر عن الوجود أمرا ممكنا. أبو يعرب المرزوقي 250 الأسماء والبيان
53 7 -- والقول بذلك يشبه من يتصور أن العملة عندما تترجم إلى مقابل لبضاعة معينة أو لخدمة معينة في التبادل الاقتصادي تكون من نفس طبيعة البضاعة أو الخدمة في حين أنها مجرد تواضع إنساني يستمد العلاقة بالتبادل الفعلي من المواضعة وضمانة الدولة. ونفس الامر يمكن قوله على الكلمة :فلولا المواضعة وضمانة الجماعة الناطقة بها لكانت عديمة العلاقة بالشيء الذي تسميه .والدليل هو تعدد اللغات لتسمية \"نفس\" الشيء مثل ذلك مثل العملة في العلاقة بما تمكن منه .والقدرة الشرائية للعملة مثل القدرة التعبيرية للكلمة وهي نسبة بين شيئين لا يمكن أن يتطابقا. ومن يتصور أن المفهوم العلمي شيئا آخر مختلف عن الفاظ لغة متقدمة على اللسان وأنه لسان الاصطلاح العلمي ولا يختلف عن اللغة الطبيعية التي يمكن أن تعبر عنها لغير العلماء لا يمكن أن يفهم ثورة ابن تيمية الذي يعتبر التصورات العلمية لغة مثل اللسان بل وحتى مثل الكتابة .وكلها لا علاقة لها بالموضوعات التي نجدها مثلا في الإدراك الحسي: لأن الحس هو عين المحسوس من الشيء وهو غير الشيء الذي لا يدعي الحس أنه علم به بل هو يقتصر على إدراك حضوره أمام البصر أو أمام السمع أو أمام الشم أو أمام الذوق أو أمام اللمس دون أن يدعي أن ما يسحه هو طبيعة الشيء أو العلم به :هو وعي بوجوده أمام الحاسة لا غير. فالحس لا يعنيه اثبات المطابقة لأنه لا يدعي أكثر مما يستطيع فهو لا يتعلق بطبيعة الشيء في ذاته بل بطبيعة إدراكه له أي إنه يراه كمرئي أو يسمعه كمسموع أو يشمه كمشموم أو يذوقه كمذوق أو يلمسه كملموس .ويترك تحديد طبيعة المرئي وطبيعة المسموع وطبيعة المشموم وطبيعة المذوق وطبيعة الملموس لما نسيمه معرفة عقلية من خلال منزلة هذا الظاهرات في منظومات التصنيف اللسانية والمفهومي في النظريات التي نسميها علما وهي أمور لا تعني الإدراك الحسي .فيكون ما يزعمه هيجل هو وصف التصورات العقلية بما تتصف به المدركات الحسية وزعم المطابقة بين المفهوم والماصدق بحيث يصبح العلم محيطا بالموضوع وداريا بطبيعته وليس مقصورا إدراكه على حدود ما يعلمه من الموضوع في حدود ما تعرفه به أبو يعرب المرزوقي 251 الأسماء والبيان
53 7 -- منظومات التعريف النظرية التي هي لغة النظر والتي لا تختلف عن المعاجم اللسانية إلا بضبط الحدود الدقيقة وتأييدها بالتجربة في لحظة من تاريخ الاحتكام على التجربة للمفاضلة بين التأويلات النظرية الممكنة. وبهذا المعنى فبعد خرافة المطابقة هذه تأتي المطابقة الثانية :اعتبار هذا المضمون المؤقت نهائيا ثم اعتباره من طبيعة إلهية ثم اعتبار الإله حل في الذات العارفة وفي الموضوع المعروف ومن ثم حصول المصالحة .وهذا ينتهي الى المقولة الشهيرة :العقل واقع والواقع عقل .لكن هذا الواقع هو هذه المطابقة الزائفة التي تجعل منطق هيجل عين الميتافيزيقا ولا يبقى فرق بين التحليلات الأوائل والتحليلات الأواخر ومن ثم فلا فرق بين العلم والإيديولوجيا كما لا فرق بين الفلسفة الثيولوجيا المسيحية. ولا يمكن رد التحيلات الأواخر إلى التحليلات الأوائل من دون توهم المفهوم هو عين الماصدق لكأن كل العلوم صارت رياضيات مقصورة على تعريفها هي للشيء وليس للشيء وجود خارج التعريف الذي يبدعه. لكن ما يبدعه العلم مفهومات خالية من المضمون الثابت وكل مضمون يؤيد النظرية هو قيمة وجودية تثبت التجربة أنها قابلة للقول بتلك النظرية ويمكن الاحتكام إليها لترجيح تأويل النظرية في حدود ما يحصل من مشترك بين الذوات الباحثة في ذلك المجال واتفاقهم على أن النظرية جهاز رمزي قادر على قول ما نعلم من خصائص الشيء دون أن يرد الشيء إلى تلك الخصائص التي نعلمها فتكون هي بالنسبة إليه اسم مؤقت قد يتغير كما أبرزت التجربة تغيرا في ما نعلمه من خصائص جديدة قد تكون السابقة مطلقة الخطأ فتحدث انقلابة في النظرية أي في الجهاز الرمزي الذي نستعمله لغة علمية لقول ما نحاول ضبطه في نسق النظرية من تمظهرات الموضوع الذي هو مجال البحث العلمي. أبو يعرب المرزوقي 252 الأسماء والبيان
53 7 -- ومن ثم فلا وجود لمطابقة معرفية ولا لمطابقة قيمية بل مناسبة تقبل على أنها دالة على جدوى التفسير النظير في التواصل مع الظاهرات الطبيعية والظاهرات الإنسانية وخاصة مع الظاهرات الرمزية التي بها نقول الوجود في النظر والمنشود في العمل. أبو يعرب المرزوقي 253 الأسماء والبيان
53 7 - - القسم الأول ما أقدمه في هذه المحاولة كما في كل سابقاتها ينتسب إلى احياء المدرسة النقدية العربية -الغزالي وابن تيمية وابن خلدون -ومواصلة نهجها في اعادة بناء علوم الملة الغائية والأداتية. لكنها مواصلة تهدف إلى نقدها وخاصة إلى تجنب ما وقعت فيه من خطا الاقتصار نقد يؤول غالبه إلى سد الذرائع بدل تقديم البدائل التي تتأسس على رؤية تعمل بالآيتين اللتين هما موضوع هذه المحاولة: .1فالبديل الذي قدمه الغزالي سرعان ما غرق في الحل الصوفي مع ميتافيزيقا ابن سينا وكلاهما يقول بالمطابقتين تأسيسا على القول بالكشف الصوفي وعلى قلب العلاقة الارسطية بين ما بعد الطبيعة والطبيعة لتعويضها بالعلاقة السينوية التي سماها صاحبها علاقة ما قبل الطبيعة بالطبيعة. .2والحل الذي قدمه ابن تيمية لم يتجاوز الإشارات المحددة للبديل دون إنجاز فعلي لما يترتب عليه لكنه تحرر من المطابقتين .ورغم أنه كان واعيا بأن ما يملح إليه كان انقلابا ينهي كل أسس الفلسفة القديمة التي تبناها فلاسفة الإسلام ومعها كل علوم الملة إلا أن ذلك بقي مجرد مشروع يستعمل في النقد ولم ينجز إيجابيا. .3والحل الذي قدمه ابن خلدون حقق انجازا قيما هو الانتقال من علوم الملة إلى بدائل على الأقل في تأسيس النقد التاريخي على الانثروبولوجيا القرآنية (نظرية الإنسان) .لكنه لم يبنها على نفي القول بالمطابقتين رغم وجود النفي عنده صراحة ما جعل عمله يبدو وكأنه يواصل المدرسة الفلسفة اليونانية القائلة بهما. والقصد بعلوم الملة الغائية \"العلوم\" الخمسة التالية .فأصلها هو علم التفسير باعتبارها كلها مستمدة من قراءة معينة للقرآن الكريم ومعه السنة التي تعتبر أول تفسير للقرآن .والسنة أبو يعرب المرزوقي 254 الأسماء والبيان
53 7 -- تفسير لكنها ليست تفسير كلام بكلام بل هي تفسير بمعنيي التفسير الذي هو تأويل بمعناه القرآني الحقيقي. أي الشرح القولي للآيات النصية التي تشير إلى المطلوب من الإنسان انجازه علميا وعمليا في التعامل مع الآيات التي يرينها الله في الآفاق (الطبيعة والتاريخ) وفي الأنفس (ما في الإنسان من طبيعي أي كيانه العضوي وتاريخي أي كيانه الروحي) باعتبارها مرجعيات موضوعية هي مجال علم الإنسان وعمله (فصلت )53بقدر الإمكان. وذلك هو تاريخ الإسلام خلال حقبته الأولى عندما كان الرسول نفسه قائدا للثورة الإسلامية في مجاليها الأساسيين أي في سياسة عالم الشهادة (التعمير) بمثل عالم الغيب (الاستخلاف) وفي تحرير الإنسان من السلطتين اللتين كانتا تستعبدانه أي السلطة الروحية الوسيطة بينه وبين ربه والسلطة السياسية الوسيطة بينه وبين شأنه. وكان ذلك في آن عقيدة في الأذهان وسلوكا في الأعيان بأقرب ما يكون الأمر بين ما يعتقده المسلم وما يطبقه دون أن يعني ذلك حصول مطابقة تامة بينهما لاستحالة تحقق المثال في الواقع تحققا تاما. وعن التفسير يتفرع علمان نظريان هما الكلام والفلسفة وما يتبعهما من فروع جزئية وعلمان عمليان هما الفقه والتصوف وما يتبعهما من فروغ جزئية .أما العلوم الأدوات هي كذلك خمسة أصلها لم يكن منفصلا عن فروعه بل كان مندسا فيها كلها ضمنيا وهو ما يمكن تسميته نظرية الرمز أو نظرية الآية التي تسمى حاليا السيميوتينا (الوسميات). وهي أساس كل العلوم الأدوات المتفرعة عنها .وهي تنقسم مثل العلوم الغايات إلى اثنين يغلبان على العلوم النظرية منها خاصة وهما المنطق والرياضيات واثنين يغلبان على علوم العمل خاصة وهما الفقه والتصوف. وكان ابن رشد قد احتج على الغزالي مثلا بأن نقده في التهافت لا علاقة له بفلسفة ارسطو بل بما فهمه منها ابن سينا خاصة .وطبعا ما كان لابن رشد أن يدعي هذه الدعوى لأنه هو نفسه لم يعرف أبو يعرب المرزوقي 255 الأسماء والبيان
53 7 -- فلسفة أرسطية مباشرة بل تعلمها من كتب ابن سينا والفارابي وترجمات شراح أرسطو ولم يكن ذا علاقة مباشرة بفكره ولا حتى بشروطه العلمية والمنهجية التي كان يظنها نهائية وهي بنت عصرها. ويمكن القول إن الرازي لو لم يكن متقدما بالزمان على ابن تيمية لرد على عمله بما يشبه كلام ابن رشد على عمل الغزالي ولكن بمدح السينوية لأنه كان من تلاميذها مع ميل أفلاطوني لقوله بنظرية المثل وليس بذمها كما فعل ابن رشد في تهافت التهافت في نقده لنقد الغزالي لها في التهافت. كما يمكن القول إن كل المؤرخين الذي تقدموا على ابن خلدون لو تلوه -وقد تلاه منهم الكثير من المؤرخين -على فرض فهمهم لما حققه -لاعتبروا نقده دوريا لأن الانثروبولوجيا القرآنية التي يبني عليها بقيت وكأنها من جنس التأييد البعدي لرؤية فلسفية تبدو مسائلة بسبب ما يبدو من استعمالها للاصطلاح الأرسطي. فهذا الاستعمال عند من لم يدرك الانزياحات العميقة التي حصلت في الاستعمال الخلدوني كما سبق أن بينت في كلامي على ثورته التي جعلت الفلسفة تاريخية شرطا في جعل التاريخ قابلا لأن يصبح أحد العلوم الفلسفية الأمر الذي لم يكن ممكنا في الرؤية الفلسفية المشائية ولا حتى في الأفلاطونية. وحتى لا يحتج علي أحد بنفس الحجة في مواصلة المدرسة النقدية التي أدعي الا نتساب إليها كان لا بد من حيازة الممكن من الدراية بالنصوص الأصلية في الفلسفة الحديثة التي تبناها مفكرونا منذ بداية عصر النهضة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر أعني منذ بداية التعرف السطحي وعلى الفلسفة الغربية الحديثة والمنبهر بها انبهار فلاسفتنا الأول وخاصة بغايتها حينها أي فلسفة الحداثة من ديكارت إلى كنط وبداية تحريفها بنقد هيجل لغايتها الكنطية ما حولها إلى ما بعد الحداثة الناقدة لعقلانية الحداثة المتقدمة على تحريفها الهيجلي أبو يعرب المرزوقي 256 الأسماء والبيان
53 7 -- والماركسي .وهو ما يعني خاصة غاية فكر الحداثة الأولى في النقد الكنطي وغاية الحداثة الثانية في نقد نقده أو الهيجلية والماركسية اللتين آلتا إلى ما يسمى ما بعد الحداثة. كان لا بد من الاطلاع على مواقف رموز الكلام والفلسفة الأوروبيين حول الإشكالية التي تعنينا والتي الهم الأول فيها الكشف عن: .1الدور الذي أدته رؤية فكرنا فيها من خلال رؤية النقلة من القرون الوسطى إلى العصر الحديث خلال اللقاء به لقاء لا ينكره الكبار لكن بات التنكر له بعد الهيجلية والماركسية من سمات أدلجة الحداثة لتحويلها إلى تبرير للاستعمار والمركزية الغربية. .2والدور الذي رؤية مفكري الإسلام من المتكلمين والفلاسفة لفكر الغربيين ودورها في النقلة من الانحطاط إلى عملية التحديث الحارية حاليا والتي تحولت إلى تبني هذه الرؤية أو الصراع معها وفي الحالتين تعريف الذات برؤيتها التي صارت مترددة بين الكونية والخصوصية. وكما أشرت إلى ذلك في القسم الثالث من الفصل الرابع عشر فقد سقطت ترجمة فقرتين من نص هيجل حول علاقة الفلسفة التي يعوض بها المثالية الألمانية في شكلها الكنطي بالثيولوجيا المسيحية المتقدمة على الحداثة لبيان ما يسميه بالمصالحة بين الإلهي والطبيعي-جوهر المسيحية في رؤيته كما يتبين من الضميمة لدروسه في فلسفة الدين-ودور الروح الجزئي (الإنسان) بذاته وبتاريخه في تحقيق المصالحة مع الروح الكلي بحيث يصبح تاريخ الإنسانية أو أرواح الشعوب متطابقا مع التكوينية التي بلغت تمها في الدين المطلق (المسيحية) وفي العلم المطلق (فلسفة هيجل) .وقد وعدت بالحاق الفقرتين بالفصل الخامس عشر قسمه الأول لأنهما تتضمنان مربط الفرس في هذه العلاقة بين الظاهرتين: • ظاهرة الحداثة الغربية وعمل فهم الأوروبيين للرؤية الإسلامية خلال نقلتهم من القرون الوسطى إلى الحداثة بتحقيق الثورتين اللتين حكمتا الإصلاح الديني (طبيعة علاقة المؤمن أبو يعرب المرزوقي 257 الأسماء والبيان
53 7 -- بربه هل هي مباشرة أو بتوسط الكنيسة) والإصلاح السياسي (طبيعة الحكم هل هو حق الاهي للحاكم أو إن الحاكم نائب الجماعة باختيارها الحر). • وظاهرة التحديث الإسلامي وعمل فهم المسلمين للرؤية الغربية خلال نقلتهم تلك التي يريدون محاكاتها متوهمين ان ما عالجه التحديث الغربي من إشكاليات النقلة من جنس ما على التحديث الإسلامي علاجه .وهو علة كل الإشكاليات الزائفة مثل الكلام على دور الدين في العلاقة بالرب أو في العلاقة بالعالم وكلتا العلاقتين مختلفتين تمام الاختلاف في الوضعيتين الغربية في بداية تحديث هذه العلاقة والإسلامية في بداية تحديث هذه العلاقة إذا قيستا برؤية الدينين المسيحي والإسلامي. ولعل في ذلك صدفة طيبة لأن الفقرتين الهجيليتين تحددان موقف هيجل من التنوير ومن نقد العقل الاستريائي أو الحصاة Der Verstandالذي يعتبر أهم ما اضافه هيجل للمنطق ليتجاوز المنطق الأرسطي ذي القيمتين بتعريف جديد للعقل أو النهى Die Vernunftيجمع بين العقلي والروحي Der Geistوتأسيس المنطق الجدلي ذي القيم الثلاث والذي يغني في رؤيته عن الفصل بين التحليلات الأوائل والتحليلات الأواخر فيكون في آن منطقا وميتافيزيقا أي جامعا بين الشكلي والمضموني في الاستدلال. وهو ما استعمله في الضميمة التي تعالج منطقيا أدلة وجود الله بهذا المعنى الذي يعتبر مضمون المتغيرات المنطقية مطابقا لصورتها .وسيكون ذلك منطلقنا في الفصل الخامس عشر بأقسامه التي لم تتحدد بعد والتي ستحلل معنى آل عمران 7والقصد بالمتشابه ومعنى فصلت 53والقصد بآيات الله في الآفاق وفي الأنفس .والآن فلأنقل الفقرتين من نص هيجل الفقرتين اللتين سقطت ترجمتها في القسم الثالث من الفصل الرابع عشر: \"إن ما يعارض الفلسفة وجهان: الوجه الأول هو \"كبر\" العقل (غروره) الذي يعيب عليها أنها تدعي بيان حقيقة في الدين وتبرهن عليها وأنه يوجد في ذلك عقل .فالتنوير لم يعد يريد شيئا من هذا المضمون ومن ثم فهو أبو يعرب المرزوقي 258 الأسماء والبيان
53 7 -- يعيب على الفلسفة بشدة بحيث إنه جعله هدفا واعيا وفكرا منهجيا للخواطر والتحكم وصدف .الفكر الدين- أ: وإليك المواقف المختلفة.والوجه الثاني الذي يعارض الفلسفة هو التدين الغفل وهذه المعرفة العقلية (العقل من حيث.معرفة الدين العقلية- الحصاة التنويرية ج-المباشر ب .\"هو نهى وليس حصاة) للدين هي التي حاولت بيانها في هذه الدروس Gegen die Philosophie stehen zwei Seiten, erstens die Eitelkeit des Verstandes, der es der Philosophie übelnimmt, dass sie in der Religion noch Wahrheit aufzeigt und nachweist, dass Vernunft darin ist. Die Aufklärung will nichts mehr von diesem Inhalt haben und nimmt es daherder Philosophie sehr übel,dass diese als bewusstes, methodisches Denken den Einfälle, der Willkür und Zufälligkeit des Denkens ein Ziel setzt. Zweitens steht der .Philosophie entgegen die un befangene Religiosität Hier sind die unterschiedenen Stände : a) die unmittelbare Religion, b) die Aufklärung Verstandes c) das vernüftige Erkennen derReligion. Dieses habe ich in diesen Vorlesungen .aufzuzeigen gesucht G.W.F. Hegel, Vorlesungen, Ausgewählte Nachriften und Manuskripte 5 أبو يعرب المرزوقي 259 الأسماء والبيان
53 7 - - Herausgeben von Walter Jaeschke, f.Miener Verlag, Hamburg1984 .ss.268-270 ما يعنيني أمران في مدخل هذا القسم الاول من الفصل الخامس الذي سأحاول فيه شرح آل عمران 7وبيان مفهوم المتشابه وعلتي النهي عن تأويله أي زيغ القلب وابتغاء الفتنة: 1 .1الأول هو علاقة ما ورد في هذين الفقرتين بعلة نقد هيجل للتنوير ولفلسفة كنط الفاصلة بين ظاهر الشيء وحقيقته في ذاته ونكوص هيجل إلى ما قبل الحداثة أي النكوص إلى القرون الوسطى كلاميا وإلى ما قبل أرسطو فلسفيا وهو نكوص مزيج ترتب بانقلاب عجيب إلى ما سيحدد أهم مميزات ما بعد الحداثة التي هي عودة إلى ما قبل الفلسفة القديمة أي إلى احياء الفكر الميثولوجي بديلا من الأديان. فما كانت الأديان تسميه غيبا صار ميثولوجيا من صنع الإنسان خلال صنع التاريخ الفعلي والمخيالي .ومن له دراية بمصنفه الفلسفي الأول -فينومينولوجيا الروح -يعلم الدور الأساسي في تأويل هيجل للأدب اليوناني بهذا المعنى ونقله من الميثولوجي إلى المحددات الأساسية لتاريخ الإنسانية في تكوينيتها الروحية والتاريخية. .2الثاني هو علاقة ذلك بما غلب على التحديث الإسلامي من الخلط بين الحداثة وهذين النكوصين الواصل بالقرون الوسطى الإسلامية والفلسفة القديمة ثم المؤدي إلى فهم الإسلام من خلال علوم الملة المحرفة بسبب التأثر السابق بهما. وإذن فهذا النص شهادة من هيجل بصحة ما حاولنا بيانه من علل نسبته كنط والثورة الفرنسية التي كان معجبا بها في شبابه نسبتهما إلى \"روح\" إسلامية أكثر من نسبتهما إلى مسيحية واعتبار أبو يعرب المرزوقي 260 الأسماء والبيان
53 7 -- علمه المطلق متطابقا مع الدين المطلق ومن ثم وحد بين ا لفلسفة والثيولوجيا بفضل ما سماه الصلح بين الربوبي والطبيعي عامة والتاريخي الإنساني خاصة. والمعلوم أن هيجل كان يعرف الإسلام في فلسفة التاريخ العالمي (الباب الرابع الفصل الثاني من كتابه في فلسفة التاريخ) بكونه \"ثورة الشرق\" التي عرفها بخمس خصائص ثلاثة منها بالمقابل مع المسيحية واليهودية والهندوسية واثنتان دون مقابلة مع الأديان الأخرى بل بمقابلة مع الدلالة السياسية والقيمية للثورة الفرنسية وما تتصف به من نزعة تجريدية وعنيفة والقطع مع ما وصفت من صورة إيجابية للإسلام في عصر التنوير الصورة التي تواصلت عند جوته مثلا. ومجموع هذه المقابلات يجعل رؤيته للإسلام هي عين ما آل إليه أمر رؤية الغرب له بين البداية ممثلة بما تحدد بين توما الاكويني ولوثر بوما صار عليه الإسلام باعتباره دينا طبيعيا وعقليا مختلفا تماما عن الدينين المنزلين الآخرين وعن الأديان الطبيعية الشرقية وقريبا من التييسم الانجليزي ومن رؤية التنوير في غاية القرن الثامن عشر: .1مع المسيحية بالمقابلة بين الموقف من الكلية والعينية في الوجود كما آلت إليه في العالم الجرماني في المرحلة الرابعة من فلسفة التاريخ أي في غاية الإصلاح لأن اوروبا الحديثة هي التي تبدو في تكوينيتها وكأنه كان غايتها دون أن يبين دور اللقاء بالحضارة الإسلامية سواء من غرب أوروبا (العرب والأمازيغ والأفارقة) أو من شرق أوروبا (العرب والأكراد والاتراك). .2مع اليهودية بالمقابلة بين خصوصية اليهودية وكونية الإسلام في المرحلة التي تجاوز فيها الشرق ما يتصف به الشرق من الوثنية وبداية الأديان المنزلة والمقابلة هنا هي بين خصوصية الدين اليهودي وكونية الدين الإسلامي أي بين حصر التنزيل في شعب مختار وكونية الدين المنزل توزيعيا (كل أمة له رسالة بلسانها) وشموليا (الخاتم واحد لجميع البشر). أبو يعرب المرزوقي 261 الأسماء والبيان
53 7 - - .3مع الهندوسية بالمقابلة بين حيوية الذاتية في الإسلام ولا تناهيها وفاعليتها في التاريخ بكل أبعاده والولوج إلى العالم بخلاف الهندوسية التي يغلب عليها السكون والتأمل الروحاني أو الصوفي .لكنها فاعلية يعتبرها هيجل بسبب النزعة التجريدية تنفي العيني فتكون هدامة للعالم ولا تهتم إلى بعبادة الواحد الذي هو ا لوحيد الجدير بالوجود. .4مع الثورة الفرنسية بالتعلق بالمجردات المثالية وخاصة في رؤيتهما للبشر والقول بالمساواة المطلقة بين البشر ونفي كل تمايز بينهم عرقيا كان أو طبقيا ولا يوجد من رابط بين البشر إلى العلاقة بهذا الرب أي الرابطة الدينية أو الأخوة الإسلامية .بحيث إن الرسول نفسه لم يكن إلا إنسانا مثل غيره البشر وليس مستثنى مما للإنسان من ضعف الإنسان. .5مع الثورة الفرنسية في ما يترتب على الإيمان برؤية للرب مطلقة التجريد بحيث لا يقبل التصور ولا يقبل التجسيم وهي رؤية آل إليها مفهوم الموجود الأسمى عند فيلسوف الثورة الفرنسية والنزعة العنيفة إلى حد الإرهاب ونفي كل متعين ما يذكر بنظرية الموجود الأسمى عند منظرها. وبهذا المعنى فالنكوص الهيجلي ليس بالقياس إلى التنوير في مستوى الفكر فحسب بل هو كذلك في مستوى التاريخ السياسي ورمزه الثورة الفرنسية التي كان معجبا بها في شبابه .فهو لم قابلا بالقيم الجديدة التي يمثلها في الرؤية التنوير الساعي إلى تخليص الدين من حلول الرب في الإنسان وتعين الغيب في عالم الشهادة. فقد عاد هيجل إلى علم الكلام الوسيط ويتبين ذلك خاصة في ضميمة الادلة على وجود الله وإلى الفلسفة القديمة والوسيطة القائلة بالمطابقتين .وذلك هو جوهر تأسيسه نظرية العلم المطلق في محاولة لدحض: .1التمييز الكنطي النافي للمطابقتين المعرفية والقيمية وهي إشكالية حاول فشت ثم شلنج علاجها ولم يفلحا وهيجل لم يصبح ذا اعتبار في الفكر الألماني إلا بفضل هذا التأسيس الذي أنهى فكر الحداثة والتنوير. أبو يعرب المرزوقي 262 الأسماء والبيان
53 7 - - .2والتي يمثلها في التاريخ الثورة الفرنسية الساعية إلى تخليص السياسة من الحكم بالحق الإلهي وتأسيس حكم الجماعة لذاتها .وكل محاولاته في فلسفة القانون معارضة للثورة الفرنسية لان الغالب عليها النزعة الليبرالية مع المحافظة على سلطة الإمارة حقا إلهيا. وكلتا الثورتين يعتبرهما هيجل من جوهر الطابع الإسلامي في الفكر الحديث وخاصة في غايتيه أي في التنوير رؤية وجودية والثورة الفرنسية ممارسة سياسية .والفقرتان اللتان تداركت الغفلة عن ترجمتهما في القسم الثالث من الفصل الرابع عشر. وهما فقرتان تمثلان دليلا على أن النكوص الهيجلي هو أيضا نكوص ليس بالقياس إلى الكنطية فسحب بل وكذلك بالقياس إلى الثورة الفرنسية وهما الوجهان اللذان يعتبرهما أقرب شيء في الحضارة الغربية في عصره إلى الإسلام. وبذلك فإن هيجل هو الذي يبين أن انطلاق فكر المسلمين التحديثي سواء كان متدينا أو ملحدا انطلاقه من الهيجلية والماركسية متصف بنفس النكوص الذي انبنتا عليه .وذلك ما أريد بيانه في كلامي على آل عمران .7 فمن دون القول بالمطابقتين والنكوص إلى علم الكلام والفلسفة القائلين بهما لا يمكن أن يساء فهم هذه الآية وضديدتها أي الآية فصلت 53وهما التحريفان اللذان حالا دون فكر المسلمين وتحقيق شروط مهمتي الإنسان في عالم الشهادة أي الاستعمار فيه والاستخلاف عليه. وفي هذا القسم الأول من الفصل الخامس عشر سـأكتفي بشرح آل عمران 7التي تتضمن المعاني الخمسة التالية: .1معنى المتشابه والمحكم .2معنى زيغ القلوب .3معنى ابتغاء الفتنة أبو يعرب المرزوقي 263 الأسماء والبيان
53 7 - - .4معنى الرسوخ في العلم .5معنى الإيمان الذي يغني عن تأويل المتشابه الذي هو عين القول بنفي المطابقتين. ولكن قبل ذلك لا بد قبل شرح هذه المعاني -حتى بشكله السريع هنا لأني خصصت لها محاولات سابقة-من فهم ما حل بالتفسير أساس كل علوم الملة من تحريف من دون التحديد الحصري لطبيعة الرسالة التي تتألف من المحكم والمتشابه ولمضمونها بصورة تمكن من بيان ما حل بالتفسير. والتفسير اهو أصل كل علوم الملة إيجابا ومنها الفلسفة سلبا بمعنى أنها كانت تمثل الضديد الذي كانت الردود عليه ممثلة لحضورها فيه ولذلك اعتبرتها أحد علوم الملة لأنها النظير السلب في الظاهر لعلم الكلام وهي في الحقيقة اساسه باعتبارها تبنت رؤيتها القائلة بالمطابقتين. • أولا طبيعة الرسالة: هي رسالة تذكير وليست رسالة تعليم بما يجهله الإنسان أي طبيعتها وطبيعة مضمونها بل هي موجهة للإنسان من حيث هي مرسومة في كيانه وهو يعلمها لكنه نسيها ذهنيا في معرفته وسلوكيا في قيمه :والقصد أن ما تذكر به الرسالة هو ما تعنيه كملة \"فطرة\". • ثانيا مضمون الرسالة: لا يتجاوز خمسة عناصر وما عداها كله من تخريف المفسرين وهي-1 :مفهوم المرسل -2مفهوم المرسل إليه -3مفهوم الرسول -4مفهوم التذكير التربوي والسياسي -5مفهوم المضمون المنسي والذي هو مضمون الرسالة وغاية التذكير. والمنطلق المباشر من الرسول من حيث هو مذكر هو الذي يحدد علاقة هذه العناصر الخمسة بعضها بالبعض وتراتبها .فهو قلب هذا المخمس أي مفهوم الرسول :فالمميز الأساسي للقرآن هو التأكيد على أن الرسول إنسان مثل غيره ولا يتميز إلا بكونه كلف بالتذكير لأنه لم ينس أو إن شئنا اختير بوصفه متذكرا بذاته رسولا لتذكير غيره وهو معنى الاصطفاء. أبو يعرب المرزوقي 264 الأسماء والبيان
53 7 -- وللتقريب فإن الأمر يشبه من خرج قبل الآخرين من الكهف في جمهورية أفلاطون رغم أن أفلاطون اعتبر الاصطفاء شبيها بالانتخاب الطبيعي (نظرية المعادن والتفاضل بين أبعاد النفس الثلاثة) ولا ينسبه إلى تدخل إلهي بالاصطفاء كما في الدين .فما يعتبره أفلاطون انتخابا طبيعيا. لكن القرآن يعتبره اصطفاء إلهيا وهو عام وموجود في كل أمة وله بداية يمثلها في القرآن آدم وغاية يمثلها محمد :وكلاهما رسول للإنسانية كلها الأول في بدايتها والثانية في غايتها وبينهما رسل لأمم معينة وليس للإنسان من حيث هو إنسان رغم أن الديني فيها واحد وهو ما تلقاه آدم وما تلقاه محمد. ثم يعود التحليل من الرسول إلى المرسل إليه قبله ثم إلى منهج التذكير بعده لأن العلاقة بينهما هي التي تحدد خصائص هذا المنهج .فمحمد يخاطب العقل والوجدان بدلالة النظام وليس الخيال بدلالة المعجزات .وبذلك ينتقل المسار إلى المرسل قبل المرسل إليه وإلى المضمون بعد منهج التذكير لأن العلاقة بين المرسل (الله) والمرسل إليه هي مدار الدين كله وهي علة التذكير. فقبل الرسول نجد المرسل إليه الذي هو المخاطب بالرسالة وهو موضوع التذكير لإعداده إلى مهمتيه اللتين كلفه بهما المرسل وهما جوهر بعدي سياسة عالم الشهادة في علاقة بعالم الغيب مصدر المثل التي يسعى إليها الإنسان غاية للتذكير أي استعماره فيه واستخلافه عليه وتلك هي غاية التذكير بالتربية والتذكير بالحكم. ولذلك فالعلاقة بينه بين المرسل إليه ومنهج التذكير لأن غاية خطابه هي تحقيق شروط سياسة عالم الشهادة في علاقة بعالم الغيب .فإذا تم ذلك يكون من الواجب الكلام في عالم الغيب إلى المرسل وعلاقته بالمرسل إليه وبعالم الشهادة وعلاقة هذه العلاقة بمضمون الرسالة أي ما ينبغي تذكره لتتحقق الغاية من الرسالة. أبو يعرب المرزوقي 265 الأسماء والبيان
53 7 -- ولما كان المخاطب بالرسالة هو الإنسان من حيث هو إنسان فلا يمكن أن يكون إنسانا معينا في أمة بعينها أو في حقبة بعينها بل الإنسان عامة في كل الأمم وفي الحقب .وهي إذن مضامين كونية ليس بخصوصيات اصحاب الأدوار في القصص بل بالمعاني التي يجسدونها. ولا شيء غير ذلك في القرآن .الرسالة مدارها هذه المعاني الخمسة .ولذلك فلا بد من التنبيه إلى أن إشارات القرآن في قصصه إلى أحداث بعينها وشعوب بعينها في حقب بعينها ليس القصد منها أعيان الأحداث ولا أعيان المخاطبين بها. فما يفيده القص القرآني هو ما فيها مما يتعالى على التعينين لأن الرسالة الخاتمة تتوجه إلى الإنسان من حيث هو إنسان يتضمن في كيانه المشترك بين كل البشر مهما اختلفت ألوانهم أو مستوياتهم الحضارية. إنه كلام في ما هو كوني وكلي في العينيات بمعنى أنه كلام في ما لا بد منه ليكون الإنسان قادرا على تحقيق مهمتيه بتذكر ما رسم في ما فطر عليه ليكون أهلا للتعمير والاستخلاف بخلاف ما زعمته الملائكة التي ادعت أنه فاقد لأهلية الاستخلاف لما فيه من نزعة الفساد في الأرض وسفك الدماء ومراهنة ابليس على أنه لن يثبت أهليته حتى في الفرصة الثانية التي اعطيت بله بعد عصيانه الأمر في الجنة. أعلم أن الكثير من القراء المتذاكين يتصورون أني غافل عن إمكانية اعتبار ذلك ميثولوجيا وليس حقيقة دينية .وهو أمر لا يعنيني كثيرا حتى لو كان كما يقولون لأن غرضي ليس البحث في الفرق بين الأمرين بل اثبات ما يقول القرآن عن نفسه وعن عناصر الرسالة الخمسة دون مناقشة المواقف المتعلق بحقيقته. فهذه مسألة إيمانية ولا علاقة لها بما يزعمونه علما وخاصة عند القائلين بالمطابقتين: • فلا يوجد علم قادر على الحسم في المسألة للقرآن والإسلام. • ولا يوجد علم قادر على الحسم في المسألة على القرآن والإسلام. أبو يعرب المرزوقي 266 الأسماء والبيان
53 7 -- فمن لم يوفقه الله للإيمان يمكنه أن يعتبر ذلك كله من خيال الإنسان بما فيه الإنسان نفسه إذ لا علة لاستثنائه من تصوره لنفسه مجرد خيال يجري في ذهن هو بدوره ليس موجودا فعليا بل كائن خيالي يتخيل نفسه موجودا. ومثلما ميزت بين الكلي والأعيان بحيث يكون خطاب القرآن غير متعلق بالأعيان إلا من حيث هي بعض قيم المتغيرات لكأن معاني القرآن خانات خالية سرمدية تتوالى عليها المضمونات وكأنه قيم المتغيرات في التاريخ-النسبة شبيهة بعلاقة الرياضيات بالطبيعيات لو فرضنا الأولى عملا مطلقا فوق التاريخ والثانية هي المضامين الطبيعية التي نكتشفها بالتدريج خلال تاريخ البحث العلمي في الظاهرات الطبيعية -لأن التاريخي فيه مجرد تعينات للكوني. وما يتكلم عليه في احداث قصصه هو ما فيها من كونية المعاني التي تعتبر الأعيان أمثلة منها. لذلك فينبغي أن نميز في الخطاب القرآني بين: ما يكون الله فيه متكلما على ذاته ودوره والمسائل الخمسة التي تتضمنها الرسالة كلامه بوصفه هو صاحب الرسالة ومضمونها وما يكون فيه الله راويا لكلام الابطال المذكورين القصص التي يقصها بهدف تحديد الكليات التي يستخرجها منها ليحدد مقومات المسائل المتعلق بالعناصر الخمسة أي بالمرسل والمرسل إليه والرسول ومنهج التذكير ومضمون الرسالة. • معنى المتشابه والمحكم: لولا الخلط بين مفهوم الغيب ومفهوم الغائب لكان التمييز بين المتشابه والمحكم يسيرا لأن الغائب في عالم الشهادة من علامات الغيب في الوجود شاهده وغيبه ولذلك فهو غيره .لذلك سأبدأ فأميز بينهما لتحديد علة قلب معنى آل عمران .7 فالغائب هو ما ليس بعد معلوما من عالم الشهادة مما يقبل العلم إنسانيا منه إذا لم ندع العلم المحيط فنزعم رد الوجود إلى الإدراك قولا بالمطابقة (ابن خلدون) .فيكون الغيب عندئذ على نوعين: أبو يعرب المرزوقي 267 الأسماء والبيان
53 7 - - .1أولهما هو ما لا يقبل العلم لعدم الإحاطة بعالم الشهادة. .2والثاني هو ما لا يقبل العلم لأنه ليس من عامل الشهادة. فيكون الغيب هو ما لا يمكن أن يصبح معلوما من عالم الشهادة لعدم المطابقة وهو طبعا كل عالم الغيب بمقتضى حده .ومعنى ذلك أن ما ليس بعد معلوما من عالم الشهادة بعلم غير محيط يمكن أن يصبح معلوما .لكن ما هو من الغيب في عالم الشهادة -إذ ليس لنا علم محيط به-ثم غالم الغيب وراء عالم الشهادة كلاهما لا يمكن أن يصبح معلوما. وقد ذكر القرآن مثالين من الغيب الحاضر في عالم الشهادة .أحدهما ورد في المقابلة بين ظاهر سلوك الإنسان وباطنه أو سريرته .والثاني ورد في تحديد الفرق بين من نعلمهم من الأعداء ومن لا يعلمه منه إلا الله( .الانفال .)60 ولا يوجد عالم اليوم يصدق أن علم الإنسان محيط بعالم الشهادة حتى لو كان ملحدا فضلا عن عالم الغيب إذا كان يؤمن بوجوده .وإذن فما لا يعلم من عالم الشهادة علته عدم الإحاطة بدليل نسبة المعلوم بالقياس إلى المجهول في أي مجال علمي مهما كان بسيطا. ولعل أبرز الأمثلة على ذلك هو أننا مهما دققنا في أي توقع للمستقبل قياسا على الماضي يفاجئنا الكثير مما لم يكن بالوسع توقعه لأن العناصر المتدخلة في أي حدث لامتناهية ولا يمكن توقع اللامتناهي .كل فكرنا مبني على الاقتصار على المؤثرات الغالبة واستحالة حصر المؤثرات وتقدير ما لم نتوقعه منها التقدير الجامع المانع. لكن عدم قابلية عالم الغيب للعلم من طبيعة مختلفة لأن علته اختلاف طبيعة العالمين عالم الشهادة وعالم الغيب بمقتضى حديهما وليس بمقتضى محدودية علم الإنسان فحسب .فكل ما يتعلق بعالم الغيب ينطبق عليه مبدأ \"ليس كمثله شيء\" مما هو من عالم الشهادة .وتلك هي علة كون كلمة \"متشابه\" من الأضداد في القرآن. أبو يعرب المرزوقي 268 الأسماء والبيان
53 7 -- هي تفيد التماثل في عالم الشهادة وتفيد استحالته في عالم الغيب .وبهذا المعنى فلا يمكن تطبيق نظرية المجاز فيه لأن دلالة العارية مستحيلة إذ ليس كمثله شيء من عالم الشهادة ومن ثم فالاستعارة مستحيلة لعدم وجود أي وجه شبه. وبهذا المعنى فالقرآن يقول عن نفسه أنه كله متشابه وهو المعنى الأول عندما يكون القصد الدلالة في عالم الشهادة وإن بعضه محكم وبعضه متشابه وهو المعنى الثاني لأن المتشابه هنا يعتلق بعالم الغيب يعني بما لا مثيل له في عالم الشهادة. وهذا المعنى الثاني هو المشكل لأنه يتعلق بالغيب الذي لا يقبل العلم وليس بالغائب مما يقبل العلم في عالم الشهادة بقيس المجهول على المعلوم .والمتشابه بالمعنى الثاني ليس له مرجعية فيكون ذا دلالة معلومة بل هو متعلق بمعان لا مرجعية لها في عالم الشهادة يمكن حصر دلالتها بالاحتكام إليها. فهو ليس كلاما في ما يمكن الاحتكام فيه إلى مرجعية من عالم الشهادة ككل علم لموضوع منه .فكل المشكل في القرآن وتفسيره هو أن الكلام على الغيبيات فيه يبدو وكأنه قابل للقيس على الكلام في الشاهديات أي في عالم الشهادة. وهو ما يجعل القرآن كله يبدو وكأنه قائل بالمماثلة بين الله والإنسان مثلا إذا اعتمدنا وحدة العالمين من حيث الطبيعة وحصرنا الفرق بينهما في الكمي بالمقدار (مثل أكبر) وفي الكيفي (مثل لا يتصف إلا بالفضائل). وطبعا فالقول إنه \"ليس كمثله شيء\" يعني أن المماثلة مع الإنسان مستحيلة حتى لو فرقنا بينهما كميا أو كيفيا .وهذا هو أصل خلاف المتكلمين في صفات الله مثلا أو حتى في أفعاله. وعندما نفهم ذلك ننتهي إلى العكس تماما أعني أن الامر لا يتعلق بقيس الله على الإنسان بل بقيس الإنسان على الله. وإذن فما ينبغي قيسه ليس عالم الغيب على عالم الشهادة بل العكس تماما أي قيس عالم الشهادة على عالم الغيب باعتباره عالم مثل يشد إليها عالم الشهادة. أبو يعرب المرزوقي 269 الأسماء والبيان
53 7 - - والانشداد هو نسبة بين حدين موجود ومنشود في كيان الإنسان وليس بين الإنسان والله :ما ينشد إليه الإنسان ليس أن يكون إلها بل أن يترقى في الكمال مع العلم بأن الكمال المطلق ليس في متناوله .فعندما نتكلم على الله وكأننا نتكلم على الإنسان ما يحصل ليس مقارنة الله بالإنسان بل تحديد غاية للإنسان مع العلم باستحالة الوصول إليها .إنها إشارة إلى غاية حد هي منشود الموجود الإنساني من التمام. وذلك هو معنى الاستخلاف منزلة وجودية للإنسان بها عرف ابن خلدون الإنسان بكونه \"رئيسا بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\" أي إن الإنسان وجوده سياسة ذاته وعالم الشهادة سياسة منشودها أن يكون خليفة عليه لكأن النسبة بينه وبين عالم الشهادة من جنس النسبة بين الله وعالم الغيب الذي يحتوي على عالم الشهادة كذلك. مع ضرورة التمييز بين كون هذه النسبة منشودة عند الإنسان وموجودة عند الله أي إن هذه ليست متحققة فعلا عند الإنسان الذي يؤمن بأن تلك متحققة فعلا عند الله :مثال ذلك العدل الإنساني موجوده غير منشودة عند الإنسان. لذلك فهو فمنشوده هو أن يشرئب إلى العدل المطلق الذي يؤمن أنه موجود عند الله فعلا وليس مجرد منشود لأن شرطيه متوفران وهما العلم المحيط والتقييم التام وهو معنى المطابقتين الحاصلتين في تصورنا لله ومستحيلتا الحصول عند الإنسان. فالعدل الإلهي مطلق لأنه لا يكتفي بالظاهر مثل قاضي عالم الشهادة بل هو يحكم بالسرائر التي يعلمها وذلك هو معنى الحساب يوم الدين :وهذا هو الوعي الإنساني باستحالة المطابقة المعرفية والمطابقة القيمية عنده. • معنى زيغ القلب: وينتج عن هذا التعريف أن زيغ القلوب هو القول بعكس كل ما تقدم أي زعم علم الإنسان محيطا وزعم تقييمه تاما فيكون زيغ القلب هو معنى التأله الذي تكلم عليه ابن خلدون :فهو عند الطغاة أبو يعرب المرزوقي 270 الأسماء والبيان
53 7 -- في السياسة ادعاء القدرة الإلهية وعند الطغاة في المعرفة هو ادعاء الإحاطة .ومن يتحرر من هذين النوعين من ا لتاله يكون صادقا بمعنيين: .1الأول في الموقف القضوي الذي لا يمكن أن يكون مطلق اليقين الذي من جنس اليقين الإيماني .وأكبر الأدلة هو أن المعرفة العقلية مهما استدللنا عليها تبقى من حيث اليقين دون المعرفة الحسية لأن موضوعها لا يعتبر موجودا إذا لم يكن قابلا لأن يكون محسوسا. ولولا الحس لاستحال الكلام على الموجود أصلا فضلا عن المنشود. .2الثاني في المضمون القضوي الذي لا يمكن أن يكون مطابقا أبدا لأن من يتصور أن تعريفه لموضوع فكره مطابقا له ينبغي أن ينتهي إلى امرين ممتنعين فعلا .الأول أن يزعم أن علمه نهائي ولن يتغير وهو أمر يكذبه تاريخ أي معرفة إنسانية التي قد تتقدم وقد تتأخر لأن المعرفة في تراكمها يمكن أن تثبت ما يتجاوزها إما إلى ما بعدها أو إلى ما قبلها. والثاني أن يزعم أن الوجود مطلق الشفافية للعقل الذي يكون حديدا لكأنه في عالم الغيب ولكأن موضوع البحث العلمي مقصور وجوده على نسبته إلى إدراك الإنسان فيكون الوجود كله مقصورا على المنظور الإنساني لكأنه من خلق الإنسان للإنسان دون سواه من الموجودات الأخرى. وقد يقبل حصر وجود الموضوع في المنظور الإنسان في كل ما هو من صنع الإنسان مثل المقدرات الذهنية النظرية التي يتكلم عليها ابن تيمية (الرياضيات والمنطق وهما لغة إنسانية لقول ما يدركه من خصائص الأشياء لا لقول وجودها في ذاتها) وقياسا عليه وضعت مفهوم المقدرات الذهنية العملية (القيميات والأخلاق وهما لغة لقول ما يدركه الإنسان من قيم الأشياء لا لقول قيمها في ذاتها). • معنى ابتغاء الفتنة: فيكون حب التأله عند الطاغية السياسي والطاغي العلمي سواء كان العلم نظريا أو عمليا ليس من باب الخطأ السياسي والمعرفي غير القصدي كأن يكون لغفلة أو لمرض بل هو ذو قصد هو الميل إلى بث الفتنة بين البشر سياسيا ومعرفيا. أبو يعرب المرزوقي 271 الأسماء والبيان
53 7 -- وأداته هي التأويل لغاية ولذلك فهو تحريف قصدي للسياسة وللمعرفة من أجل تأسيس الطغيان في الحكم وفي العلم .فلكأن المتأله يدعي الألوهية: oالآمرة في الطغيان السياسي. oوالخالقة في الطغيان المعرفي. ولهذه العلة فالتأويل المعرفي لا يؤسس لطغيان المؤولين فحسب بل هو يؤسس لطغيان الحكام بل هو تأويل بأمر منهم ولأجل تأسيس طغيانهم .فيكون زيغ القلوب عند العلماء جريمة مضاعفة :ادعاء الإحاطة المعرفية والتحول إلى مشرعين للطغيان السياسي .وهذا هو الزيغ الذي علته طلب الفتنة :زيغ العلماء يؤسس للفتنة في الأذهان وفي الأعيان. • معنى الرسوخ في العلم: فهل الرسوخ في العلم الذي يمثل استثناء من تحريم تأويل المتشابه هو كما يدعي ابن رشد الحصول على علوم العقل والفلسفة فيكون العقل حائزا على علم الأشياء على ما هي عليه ويكون القرآن نصا قابلا للتأويل برده إلى هذا العلم العقلي بحيث يصبح تأويل الراسخين في العلم مطابقا للأشياء كما هي في ذاتها ومن ثم فهو مطابق للتأويل الذي تحصره الآية في علم الله؟ فهل علم الإنسان العلقي مطابق لعلم الله فيكون الفيلسوف عالما بالغيب كما يدعي المتصوف في ما يسميه الكشف؟ هل الرسوخ في العلم يعني القول بالمطابقتين؟ وهل توجد سذاجة ابستمولوجية (المطابقة المعرفية) وسذاجة أكسيولوجية (المطابقة القيمية) أكثر من هذين الرؤيتين. وهما رؤيتان تفيدان عمى البصير والبصيرة واللتين ما يزال الكثير من الهيجليين والماركسيين يزعمونهما وبهما يصلان سذاجتهم بسذاجة فكر فلاسفتنا القدامى ومن يزعمون عقلانيين من المتكلمين أي المعتزلة؟ • معنى الإيمان: أبو يعرب المرزوقي 272 الأسماء والبيان
53 7 -- وهنا نصل إلى ما به انتهت الآية وهو الموقف الإيماني المغني عن تأويل المتشابه .فالإيمان يعني أمرين: .1الأول هو العلم بحدود العلم :لا علم إلى العلم بحدود العلم أي معرفة ما نعلم من الوجود وما نعلم أننا لا نعلمه منه إما بصورة مؤقتة أو نهائيا وخاصة إذا قارنا \"مقدار\" المعلوم بـ\"مقدار\" المجهول حتى من عالم الشهادة بالنسبة إلى من لا يؤمن بوجود غيره. .2الثاني هو أن العلم نفسه مستحيل من دون الإيمان بشروطه الخمسة :أي بوجود من يقدر على أن يعلم وبوجود ما يقبل أن يعلم وبتجهيز يجعل القدرة على العلم ممكنة وبتنظيم ما يعلم يجعله قابلا لأن يعلم وبغاية ذلك كله وهي أن الغاية هي التصديق بأن هذه العملية فعلية وليس مجرد خيال ومن ثم فالعلم يندرج في رؤية هي بالجوهر إيمانية بداية وغاية وأداة وموضوعا .فما القصد إذن بالرسوخ في العلم؟ إنه التسليم بأن الجواب عن سؤالي الفلسفة لا يكون إلا إيمانيا وهو أساس كل العقائد الدينية أو على الأقل أساس الإسلام: .1لا يوجد جواب غير الإيمان عن سؤال :لماذا يوجد الوجود بدل العدم وكلاهما ممكن عقلا والثاني أيسر من الأول لأنه لا يتطلب خلقا؟ فيكون الجواب :الإيمان بقدرة خالقة. .2لا يوجد جواب غير الإيمان عن سؤال لماذا يوجد الموجود بالنحو الذي يوجد عليه بدلا من نحو آخر وكلاهما ممكن بل إن النحو الآخر يبدو لا متناهيا الأنواع والكيفيات وكلها متماثلة؟ فيكون الجواب الإيمان قدرة شارعة. وبذلك يتبين أن البشر حتى عتاة الملحدين لا يمكنهم الشروع في المعرفة (ابستمولوجيا) وفي التقييم (أكسيولوجيا) من دون الإيمان -حتى فرضيا-بأن الوجود وما هو عليه كلاهم لا تفسير لهما غير نظرية الخلق والأمر وهما فعلا الله في القرآن وكل ما عداهما من الافعال المنسوبة إلى الله وصفات افعاله متفرعة إما عن الخلق الموجد أو عن الأمر الشارع. أبو يعرب المرزوقي 273 الأسماء والبيان
53 7 - - القسم الثاني أخصص هذا القسم الثاني من الفصل الخامس عشر لشرح فصلت .53وختما للبحث في ما صار مشكل الفكرين الديني والفلسفي بعد هيجل في العالم كله وما يعنيني هو أنه قد أصبح بذاته أو بقراءته الماركسية مسيطرا على فكر المسلمين سواء كانوا علمانيين أو الإسلاميين. فما يجمعهم هو دعوى التحديث المماثل لما آلت إليه الحداثة بعد النقد الهيجلي لفلسفة كنط ودعوى نقده الماركسي ومآلهما إلى النكوصين اللذين وصفت في القسم السابق من هذا الفصل: .1النكوص إلى القول بالمطابقتين ووحدة العالم أي نفي ما وراء عالم الشهادة الطبيعي والتاريخي المطلقين. .2النكوص إلى الاكتفاء بمطابقة ما يسمونه بالسرديات مع ذاتها للاستغناء عن الموضوع وحتى عن الذات. وإذن فعلينا بعد بيان ذلك في الرؤيتين الغربية للإسلام والشرقية للغرب بيان ما بين الآيتين آل عمران 7وفصلت 53من ترابط يجعل قلبهما للدلالة على عكسهما علة لما حصل للأمة من انحطاط وفي ما بين النكوصين في فكر الحداثة الغربية التي انحطت فصارت أيديولوجيا استعمارية عمليا وآلت إلى النكوص إلى الفكري مرتين اللتين اشرنا إليهما بالصورتين التاليتين: .1فالأولى التي عادت إلى علم الكلام الوسيط ولكن مع اعتبار مركزية الله -بعد ما اعتبره التيقن من الله ونهاية الصليبيات-إلى مركزية الإنسان الذي حل فيه الله وذلك هو التأويل الهيجلي لمعنى المسيح ابن الله في المسيحية التي سيقلبها نيتشة. .2والثانية بالذهاب إلى المطابقة المطلقة التي تتجاوز المطابقتين القديمتين والوسيطتين وحتى الهيجلية بنفي ما يمكن التطابق معه والاقتصار على السرد الذي لا مسرود له في ما يسمى بما بعد الحداثة وتحول الفكر إلى \"الابداع\" الميثولوجي الذي يعوض المسيح بضديده. أبو يعرب المرزوقي 274 الأسماء والبيان
53 7 - - وهذا يقتضي أولا بيان دلالة المقابلة بين الآتين آل عمران 7وفصلت 53ودلالة قلب دلالتهما في فكر الأمة الذي مثل النكوص دون ثورتي الإسلام بتبني المطابقتين .ويقتضي ثانيا إيراد نص هيجل المؤسس لهذين النكوصين .وذلك هو موضوع هذا القسم الثاني من الفصل الخامس عشر. ولا يبقى إلا القسم الثالث والأخير من هذا الفصل لعرض المعادلة الوجودية التي تمثل مضمون هذا المشترك بين الآيتين بعد تحريرها من القلب الذي عكسهما. فما بينهما من علاقة المشير والمشار إليه هو ما تذكر به الرسالة المرسل إليه في القرآن الكريم. وعندئذ يتبين ما يترتب على التحرر من القول بالمطابقتين وبوحدانية العالم التي انتهى إليها القول بهما في نكوص فكر الأمة مرتين في الانحطاط وفي التحديث الذي يخلط بين الحداثة ونكوصيها. لذلك فلا بد من إيراد النص الذي اعتبره العودة النهائية لفكرة المطابقتين العودة التي أعادت النكوصين في .فهذه المحاكاة ليست محاكاة للحداثة بل هي محاكاة لنكوصيها .إنها في الحقيقة لا تحاكي الحداثة بل انحطاطها الذي نتج عن النقد الهيجلي للكنطية التي هي ذروتها وذلك على النحويين التاليين: .1إما مع المحافظة على الثنائية ذاتية وموضوعية وهو القصد بالمطابقتين اللتين نكصتا إلى كلام القرون الوسطى وما ورثته من الفلسفة القديمة والوسيطة. .2أو بالاستغناء عن الثنائية فتكون المطابقة هي مطابقة الذات لذاتها لأنها مبدعة لسرديات لا تسرد شيئا مختلفا عما تبدعه في السرديات لعدم وجود حقيقة فعلية قائمة بذاتها. نص هيجل :ص 268-267.من نفس المصدر الذي استعملناه في القسم السابق ( :)1-15ولننقله إلى العربية: \"إن آخر كيفية محددة هي ذورة التربية الشكلية لعصرنا .لكن حديها المتعارضين في تقدم الأمة هي أولا عدم حرية الروح وعبوديته في محل الحرية المطلق وهي ثانيا الذاتية المجردة عديمة أبو يعرب المرزوقي 275 الأسماء والبيان
53 7 -- المضمون .ومن ثم فالأمر الثالث في هذا المضمار هو كون الذاتية قد تطورت بذاتها في الحقيقة ولكن تطورها كان بمقتضى ضرورة المضمون بحيث إنها تعلم أن لها مضمونا بوصفه ضروريا وأن هذا الضروري قائم بذاته وتعترف به. إنه موقف الفلسفة الذي مفاده أن المضمون يلجأ إلى المفهوم ويحتوي على ما يثبت شرعية وجوده بفضل الفكر .وهذا الفكر ليس تجريدا خالصا وتحديدا بمقتضى قانون \"الهوهو\" وليس له ما وراء العيني بل هو ذاته عيني جوهريا .وبذلك فهو تصور عقلي بكون المفهوم بلغ كله التام فصار فكرة. إنه الموجود القائم بذاته والعقل الحر الذي يطور المضمون بمقتضى ضرورته ويعلل حقيقته. إن هذا الموقف هو العلم .ذلك أن أنه يعترف بحقيقته ويعلمها .أما تنوير الاسترياء (العقل بمعنى الحصاة) وموقف التقوى فإنهم يتهربون من كل مضمون .فالموقف الذاتي الخالص لا يعترف بالمضمون .ومن ثم فهو لا يعلم الحقيقة .وفي الحقيقة فإن المفهوم هو الذي ينتج الحقيقة-إنه الحرية الذاتية -لكنه يعرف هذه الحقيقة بوصفها في آن ليست أمرا مصنوعا بل بوصفه حقيقة قائمة بذاتها .وهذا الموقف الموضوعي هو الوحيد القادرة على أن يقيم شهاد الروح على نحو مثقف ومفكر فيعبر بذلك عن شهادة الروح. ومن ثم فهو يثبت شرعية وجود الدين وخاصة الدين المسيحي الدين الحقيقي .وبالذات فهو يعلم هذا المضمون بمقتضى ضرورته وبمقتضى عقله .كما أنه يعلم الصور أيضا في تطور هذا المضمون .وكلاهما-المضمون والشكل-متماهيان .إن هذه الأشكال وضروب ظهور الرب وتصورات الحسي والوعي الروحي وما بلغ الكلية والفكر وهذا التطور التام ذلك هو ما رأيناه (في هذه الدروس في فلسفة الدين).إن المضمون يثبت شرعية وجوده بفضل شهادة الروح ما كان مفكرا. فشهادة الروح هي الفكر وهو يعلم الصورة كذلك وتحدد الظهور ومن ثم فهو يعمل حدود الصورة كذلك\". ومن ثم فهو يثبت شرعية وجود الدين وخاصة الدين المسيحي الدين الحقيقي .وبالذات فهو يعلم هذا المضمون بمقتضى ضرورته وبمقتضى عقله .كما أنه يعلم الصور أيضا في تطور هذا المضمون .وكلاهما-المضمون والشكل-متماهيان .إن هذه الأشكال وضروب ظهور الرب وتصورات أبو يعرب المرزوقي 276 الأسماء والبيان
53 7 -- الحسي والوعي الروحي وما بلغ الكلية والفكر وهذا التطور التام ذلك هو ما رأيناه (في هذه . إن المضمون يثبت شرعية وجوده بفضل شهادة الروح ما كان مفكرا.)الدروس في فلسفة الدين فشهادة الروح هي الفكر وهو يعلم الصورة كذلك وتحدد الظهور ومن ثم فهو يعمل حدود الصورة \".كذلك :نص هيجل Die erstbistimmte Weise ist die letzte Spitze der formellen « Bildung unserer Zeit. Die zwei Extreme aber gegeneinander in der Fortbildung der Gemeinde sind erstens diese Unfreiheit, Knechtschaft des Geistes in der absoluten Region der Freiheit und zweitens die abstrakte Subjektivität, die Subjektivität ohne Inhalt Das dritte hierzu ist dann, dass die Subjektivität zwar aus sich, aber nach der Notwendigkeit den Inhalt entwickelt, dass sie einen Inhalt als notwendig und diesen nontwendigen als .objektiv, an und für sich seiend weiss und anerkennt Das ist der Satandpunkt der Philosophie, dass sich der Inhalt in den Begriff flüchtet und durch das Denken seine Rechtfertigung erhält. Dies Denken ist nicht bloss das Abstrahieren und Bestimmen nach dem Gesetze der Identität; es hat nicht jenseits des Konkrete, sondern es ist selbst vesentilich konkret, und so ist Begreifen, dass der Begriff sich zu seiner Totalität, zur Idee .kommt Das ist die für sich seiende, freie Vernunft, die den Inhalt entwickelt nach seiner Notwendigkeit und den Inhalt der أبو يعرب المرزوقي 277 الأسماء والبيان
53 7 - - Wahrheit rechtfertigt. Es ist dieser Satandpunkt ein Wissen, da .seine Wharheit anerkennt und erkennt Die Aufklärugdes Verstandes und die pietistische Stufe verflüchtigen allen Inhalt. Der rein subjektive Standpunkt .erkennt keinen Inhalt und damit keine Wahrheit an Der Begriff aber produciert zwar die Wahrheit-das ist die subjekitve Freiheit-, aber er erkennt diese Wahrheit als ein zugleich nicht Produziertes, als an und für sich siendes Wahres an. Dieser objektive Standpunkt ist allein fähig, das Zeugnis des Geistes auf gebildete, denkende Weise abezulegen und so das . Zeugnis des Geistes auszuprechen Er ist damit die Rechtfertigung der Religion, insbesondere der christlichen, der Wahrhaften Religion ; er erkennt eben diesen Inhalt nach seiner Notwendigkeit, nach seiner Vernunft.Ebenso erkennt er auch die Formen in der Entwicklung dieses Inhalts. .Beides gehört zusammen-der Inhalt und die From Diese Formen, die Weisen der Erscheinung Gottes, die Vorstellungenfür das sinnliche und das geistige Bewusstsein, das zur Allgemeinheit, zum Denken gekommen ist, diese vollständige Entwicklung für den Geist haven wier gesehen. Der أبو يعرب المرزوقي 278 الأسماء والبيان
53 7 -- Inhalt rechtferigt sich durch das Zeugnis des Geistes, sofern es denkend ist. Das Zeugnis desGeistes ist das Denken, und es erkennt auch die Form, die Bestimmtheit der Erscheinung und .» damit auch die Schranken der Form شرح نص هيجل لبيان تمثيله للنكوصين بدأ هيجل بوصف ما عليه حال التربية والثقافة في عصر التنوير وقسم المواقف إلى ثلاثة هي تربية الثقافة التنويرية المبنية على عقل صوري مجرد (الموضوع) وتربية الثقافة الدينية المبنية على نقل عقدي ساذج (نقيضه) وتربية فلسفية (التجاوز الجدلي) الذي يكون فيه العقل الذي يتطابق فيه الشكل العقلي والمضمون الوجودي وهو الذي يسميه فلسفة. ومعنى ذلك أن هذا العقل يجمع بين العقلي والنقلي إن صح التعبير جمعا يسميه التطابق بين شهادة الروح التي هي مضمونية وشاهدة المنطق الذي هو شكلي وصوري .ويعتبر ذلك عين الفلسفة التي تجمع بين العلم المطلق والدين المطلق. ورغم ما يبدو في ذلك من جدة ينسبها هيجل لنفسه من خلال نظريته المنطقية التي هي في آن ميتافيزيقا لجمعها بين الشكل والمضمون ولعدم الفصل بين التحليلات الأوائل والتحليلات الأواخر بلغة أرسطو وبين المنطق الصوري والمنطق المتعالي بلغة كنط فإنه يعتبر ذلك كان قائما في ممارسة أرسطو نفسه لأنه في تاريخ الفلسفة يبين أن أرسطو لم يكن يعمل بمنطقه المعهود بل كان يعمل بنفس الطريقة التي يعمل بها هيجل أي بعدم التمييز بين الشكل والمضمون في استدلاله .ولا بد من الاعتراف بأن هيجل كان محقا في ذلك لأن ما به ينتهي كتاب التحليلات هو الإدراك الحدسي للحدود الذي يسميه هيجل هنا شهادة الروح ويبدأ بمبدأي قطع التسلسل ونفي الدور لتأسيس الاستدلال على هذه الحدود الحدسية لحقائق الأشياء أو لماهياتها. وذلك هو ما أعنيه بالنكوص الأول الذي يستند إليه نقده لعدم المطابقة المعرفية في التمييز الكنطي بين الظاهرات والحقائق في ذاتها .فهذه العودة إلى القول بالمطابقة الارسطية التي هي في أبو يعرب المرزوقي 279 الأسماء والبيان
53 7 -- التحليلات الأواخر حدس الماهيات -وهي فكرة عادة إليها هوسارل وعليها بنى كل فلسفته-هي المصدر الأول للقول بالمطابقة المعرفية. أما العودة إلى المصدر الثاني للقول بالمطابقة فهو مضمون ضميمة دروسه في فلسفة الدين يطبق هذا الموقف الفلسفي الذي يرجع المنطق إلى عدم الفصل بين الشكل والمضمون -بين التحليلات الأوائل والتحليلات الأواخر عنده وعند أرسطو-فهو تأسيس ليس على حدس الماهيات بل على ما يسميه شهادة الروح .إن عملية الاستدلال الثلاثية لا تجري في المضمون المعرفي المنفصل عن الشكل المعرفي بل هي تجري في تحول الروح نفسه الذي يرتقي في سلم هو عين ادلة وجود الله أو شهادة الروح الكلي في ترقي الروح الجزئي من العرضي إلى الجوهري في كيانه الروحي بمعنى أنه هو الذي يسمو خلال الوعي عرضيته إلى الاعتقاد بأن هذا الوعي هو في آن وعي بكونه مدينا بجوهريته إلى ما في وعيه بكيانه الوجودي من جوهرية متجاوزة لظاهر وجوده فيكون بذلك منغمسا في الباطن الوجودي. إذ هو يدرك في كيانه الذاتي أن العرضي لا يقوم بذاته بل بما فيه من تجلي الجوهري فيه. فتكون الأدلة الثلاثة -التي تبدأ بالعالمي وتنتهي بالوجودي وبينهما الغائي -هي مراحل ترقي الروح لإدراك ذاته في فعله الجامع بين شكل الاستدلال ومضمونه في كيانه الذاتي أي إنه يدرك أنه روح جزئي تعين فيه الروح الكلي وجوديا وأن الفعل العقلي الصوري الذي تعين فيه المضمون الوجودي للمضمون العقلي الوجودي. ولو كان كلام هيجل مقصورا على الوجود من حيث هو ما يناسب الوجود الإنساني وليس الوجود بإطلاق لما وجد خلاف معه .ذلك أن مفاد كلامه في الحقيقة هو القول بوحدة الوجود المذوتة لتجاوز وحدته المطبعنة عند سبينوزا التي تبدو وكأنها يدمج الإنسان في الوجود لكنها في الغاية ترد الوجود إلى إدراك الإنسان ولا تصل إلى ما توصل إليه ابن خلدون بما يثبت أن نقد كنط الهيجلي لا يقبل لعلتين: أبو يعرب المرزوقي 280 الأسماء والبيان
53 7 - - .1فنفي كنط المطابقة مبهم لأنه ينفيها بالإضافة إلى الوجود عامة فيميز بين الظاهر للإنسان والحقيقة في ذاتها ويبدو بذلك وكأنه يرفض رد الوجود إلى الإدراك وفي ذلك هو محق. .2لكن نفي المطابقة بالقياس إلى الوجود بإطلاق لا يعني نفي حقيقة ما يدركه الإنسان بالقياس إلى ما يناسبه من الوجود وقد قال ابن خلدون قولته الشهيرة: \"وليس ذلك بقادح في العقل ومداركه بل العقل ميزان صحيح فأحكامه يقينية لا كذب فيها غير أنك لا تطمع أن تزن به التوحيد والآخرة وحقيقة النبوة وحقائق الصفات الإلهية وكل ما وراء طوره فإن ذلك طمع في محال\" (المقدمة الباب السادس فصل علم الكلام). ورغم أن التعليل الخلدوني يبدو كنطيا لأنه مبني على حصر السببية في ما يقبل الإدراك الحسي من الوجود فإنه مع ذلك ينتهي إلى أنها حتى في هذا المجال تبقى لا متناهية تسلسلا ودورا (ما ينفي منطق التحليلات الاواخر الأرسطية) ومستحيلة فهم طبيعة التأثير السبب .وهما مفهومان يتميز بهما رفض المطابقة حتى في عالم الشهادة ناهيك عنها في عالم الغيب. وبذلك نكتشف الخطأ الذي وقع فيه النقد الهيجلي وعلة النكوص الذي لم يغفل عنه ابن خلدون وقبله ابن تيمية وحتى الغزالي رغم نكوصه رغم وضعه مفهوم \"طور ما وراء العقل\" (في المنقذ). فمن دون رد الوجود إلى الإدراك واعتبار الإنسان مقياس كل شيء يمتنع على العقل الإنساني حتى بإضافة شهادة الروح أو العقد في المضمون أن يدعي المطابقة المعرفية ناهيك عن المطابقة القيمية. فيتبين أن كل المشكل مصدره التحريف المسيحي الذي جعله هيجل أساس فلسفته كلها :فحلول الله في ابنه (الإنسان) وفي العالم (الطبيعة) جوهر مفهوم المصالحة والمطابقتين يؤدي إلى القول بوحدة الوجود .وهيجل يقول بها صراحة كما يبين ذلك أكبر مؤرخ لفكره فلهالم ديلتي ( Die Jugendgeschichte Hegels und andere Abhandlungen zur .)Geschichte des deutschen Idealismus أبو يعرب المرزوقي 281 الأسماء والبيان
53 7 - - لكنه توحيد يرد الوجود إلى إدراك الإنسان ويهمل ما يصحب كل إدراك إنساني بإدراك حدوده وإدراك حدوده هو بداية الإيمان بما يتعالى على عالم الشهادة .والمهرب الهيجلي هو اعادة النظر في نظرية العقل والتمييز بين العقل من حيث هو حصاة لا تتجاوز ما يسميه هيجل الاسترياء -وهو ما يفيد معنى الحكم الرأي في الرؤية السلفية والعقل من حيث هو نهى اساسه شهادة الروح بلغة هيجل والإيمان بالمضمون بلغة الرؤية السلفية. وهو يرد نقد كنط إلى التربية التنويرية التي تتوقف عند الحصاة والصورة ولا تغوص في المضمون بمعنى أنها تقتصر على التجريد الشكلي دون المضمون .وفي الحقيقة كنط لا ينفي المضمون بل ينفي أن يكون عين حقيقة الموجودات التي لها حقائق في ذاتها غير ما يدركه الإنسان منها .وما كان كنط وهيجل يقعان في اشكال لو لم يكن وراء موقفهما تسليم بوحدة العالمين الشاهد والغيب. فلو لم يردا الوجود إلى وحدة هي عالم الشهادة لكان تجاوز الخلاف من أصله :فعالم الغيب ليس كمثله شيء لأن ذروته التي هي الله ليس كمثله شيء وهو لا يحل في عالم الشهادة بل آياته تتجلى في عالم الشهادة ليرى الإنسان ما يناسبه منها ومثله كل الموجودات بمعنى أن كل موجود يرى من آيات الله في عالم الشهادة ما يناسبه منها لأن ما يراه هو شروط قيامه الوجودي دون أن يكون كل الوجود الذي لا يرد لإدراك أي موجود .ويمكن القول إن آيات القرآن التي تنقسم إلى محكمات هن أم الكتاب واخر متشابهات هذه دلالتها: -1فالمحكمات هي التي تتعلق بما يناسب الإنسان من الوجود وهو الآيات التي يرينها الله في الآفاق وفي الانفس وهي محكمات بمعنى أنها قابلة للاحتكام إلى مرجعية يدركها الإنسان بالبحث في الآفاق وفي الانفس التي هي مجال تجاربه الحسية والحدسية في العالمين الطبيعي والتاريخي وفي بعدي كيانه العضوي والروحي. -2والمتشابهات هي التي تتعلق بما يتعالى على الإدراك الإنساني من آيات القرآن التي تتكلم في عالم الغيب والتي ليس كمثلها شيء ومن ثم فهي متعلقة بالله وعلاقته بالوجود عامة وبوجود الإنسان خاصة لما له منزلة متميزة بكونه ذا مهمتين هما تعمير عالم الشهادة شرطا في بقائه أبو يعرب المرزوقي 282 الأسماء والبيان
53 7 -- والاستخلاف فيه حتى يكون التعمير بما يناسب الأهلية للاستخلاف أي مطبقا لشرع الله الذي يعلمه من خلال فهم آيات الآفاق والأنفس. المسألة الثانية :المشترك بين الآيتين. ولأمر الآن إلى أكثر الأمور تحييرا في قراءة القرآن الكريم وهو السر الذي أرد إليه ما سميته تحريف علوم الملة الغائية وهزال علومها الآلية .إنه بالذات المشترك بين الآيتين التي وقع عكس دلالتهم عكسا هو علة تحريف كل علوم الملة أي التفسير وفروعه الأربعة النظريين (الكلام والفلسفة) والعمليين (الفقه والتصوف) .فلولا عكس آل عمران 7وفصلت 53لما فشلت الأمة في مهمتي الإنسان اللتين يحددهما القرآن صراحة: 1 .1فهو مستعمر في الأرض لينتج بنفسه شروط قيامه وقد جهز بما يمكنه من ذلك وسخرت لها الطبيعة حتى يستمد شروط قيامه بعرق جبينه وهو معنى خلق في كبد :فوهب شيء من القدرة على الخلق بالعلم. .2وهو مستخلف فيها ليطبق بنفسه شروط بقائه السوي وقد جهز بما يمكنه من ذلك وسخر له التاريخ حتى ينظم شروط تواصله وتعاونه لتحقيق شروط وجود الجماعة :فوهب شيء من القدرة على الأمر بالعمل. ولذلك فالقرآن يتضمن مفهومين للآية الأول هو آية الله في القرآن أو في الرسالة المذكرة والثانية هي آية الله في الآفاق والأنفس أو في مجال فعل الإنسان وشروطه بوصفه مستعمرا في الارض ومستخلفا فيها: .1فالأولى تشير إلى عالم الشهادة وهذه التأويل فيها واجب وهي التي يتبين فيها الانسان أن القرآن حق وهي تتعلق بشروط التعمير وبشروط الاستخلاف :مشكل الفلاسفة والمتكلمين توهمهم علم عالم الشهادة مطابق وليس تأويلا وهو الوهم المعرفي الأكبر. أبو يعرب المرزوقي 283 الأسماء والبيان
53 7 - - .2والثانية تشير إلى عالم الغيب وهذه التأويل فيها حرام وهي التي تتعلق بما وراء الطبيعة وبما وراء التاريخ أو بما وراء شروط التعمير وبما وراء شروط الاستخلاف :مشكل الفلاسفة والمتكلمين توهمهم علم عالم الغيب ممكن لأنه يردونه بالتأويل إلى عالم الشهادة بما يسمونه قيس الغائب على الشاهد. وطبعا فهذا يعني أن الأمر بخلاف ما يعتقده المفسرون والمتكلمون والفلاسفة والفقه والتصوف بل أكثر من ذلك هو بعكس ما يعتقدون .فآيات القرآن يحرم تأويل ما تشير إليه إذا تعلق بعالم الغيب ويجب تأويل ما تشير إليه إذا تلعق بعالم الشهادة .فيكون المتشابه هو ما تشير إليه آيات القرآن من عالم الغيب .ويكون المحكم هو ما تشير إليه آيات القرآن من عالم الشهادة .وما كان يحول دون هذا الفهم خطآن هما علة عكس هذين المعنيين: 1 .1الأول توهم علم عالم الشهادة مطابقا ولا يحتاج إلى التأويل لكأن رؤية آيات الله في الآفاق وفي الأنفس أمرا يمكن اعتباره بينا بنفسه ويجهلون على الأقل أن الدنيا نفسها تعتبر ظاهرا من الوجود وأن الحكم على البشر يكون بمقتضى الظاهر وليس بمقتضى السرائر التي لا يعلمها إلا الله. .2وتوهم عالم الغيب بحاجة إلى التأويل بمنطق قيس الغائب على الشاهد لكأن الغيب مجرد غائب وأن الغيب قابل للقيس على الشاهد في حين أنه ليس كمثله شيء .وكون الله يتكلم عليه وكأن للتماثل مع عالم الشهادة في خطاب القرآن ليس مصحوبا بهذا الاحتراز بأنه ليس كمثله شيء. فالله لما يخاطب الإنسان يخاطبه بلسانه ولسانه لا يمكن أن يعبر عما ليس كمثله شيء لكنه يعبر عن النسب بين ما ليس كمثله شيء وعالم الشهادة .فمثلا الفصل في ما بين البشر من خلافات في اليوم الآخر يكون مبنيا على علم مطلق بالظاهر والباطن ولا يمكن أن تجد لذلك مثيلا في عالم الشهادة .وليس في ذلك مماثلة بين العالمين بل مقابلة بين كمال الحكم في عالم الغيب ونقصانه في عالم الشهادة. أبو يعرب المرزوقي 284 الأسماء والبيان
53 7 - - وهذا الفرق ليس كميا بل هو كيفي .وهذا الفرق الكيفي علته الفرق بين العلم المحيط والعمل التام وبين العلم غير المحيط والعمل التام .وليس لنا أدنى قدرة على قيس العلم المحيط على العلم غير المحيط ولا بين العمل التام والعمل غير التام .ذلك أنه لا يوجد عمل إنساني تام يمكن أن يتميز عن العمل الإنساني غير التام :كل عمل إنساني غير تام. وعدم التمام في العمل الإنسان لا يمكن أن يقارن إلا بعدم تمام دونه أو أكثر منه وليس بتمام إنساني .ومن ثم فنحن لا نعلم القصد بالتمام في العمل إلى بتوهم الذهاب إلى الغاية في هذا الفرق وكأن ذلك ممكن للإنسان .ونحن نعلم أنه غير ممكن .فيكون تمام العمل واحاطة العلم مفهومين لا يمكن تصورهما بالاعتماد على مقارنتهما بالعلم والعمل الإنسانيين اللذين هما بالطبع غير محيطين وغير تامين. ومع ذلك فالبديل هو قيس عالم الشاهد على عالم الغيب .وذلك بمعنى السعي في استكمال تمام العمل وإحاطة العلم مع العلم باستحالة بلوغ الغاية وهذا الوعي بالفرق هو مسافة الاشرئباب المعرفي والقيمي في كيان الإنسان من حيث هو خليفة دون أن يطمح إلى المطابقة مع الإحاطة المعرفية والتمام العملي. وتلك هي حقيقة الإنسان كما يدركها الإنسان عندما ينظر في دلالة ما يعيشه من فاصلة لامتناهية بين ما يعلمه وما يجهله وبين تقييمه وقيم الأشياء في ذاتها .وسنشرح هذه المعاني في القسم الثالث والأخير من هذا الفصل 15الأخير في المحاولة من خلال تحليل المعادلة الوجودية إن شاء الله. القسم الثالث شرعت في شرح فصلت َ { 53سنُرِيهِ ْم آ َياتِ َنا ِفي ا ْلآ َفا ِق َو ِفي َأنفُ ِس ِه ْم َح ّتَىٰ َي َتبَ َيّ َن َلهُ ْم أَنَّهُ ا ْلحَ ُّق ۗ أَوَ َل ْم َي ْك ِف ِبرَ ِبّكَ َأنَّهُ عَ َلىٰ ُك ِّل َش ْي ٍء َشهِي ٌد} فانطلقت من محاولة ببيان مفهوم الآية فيها وما تشترك فيه دلالتها مع دلالة مفهومها في آل عمران 7للتمييز بين المحكم والمتشابه دون أن أصل إلى ما يبين علاقتها بما وعدت به غاية للبحث أي المعادلة الوجودية وحسم معنى القضاء والقدر في صلتهما أبو يعرب المرزوقي 285 الأسماء والبيان
53 7 -- بامتناع المطابقتين .وهكذا فنحن نوجد أمام إشكالية يعسر تخطيها دون إيفائها حقها من العلاج وهي إشكالية مضاعفة: .1كيف تكون الآيات التي يرينها الله في الآفاق وفي الأنفس هي التي نتبين منها أن القرآن حق وليس آيات القرآن التي يمكن اعتبارها ما يرينه الله للتذكير المبشر والمنذر إذ اعتبرنا الأولى محكمة والثانية متشابهة في حين أنه من المفروض أن تكون آيات الرسالة المذكرة محكمة وآيات الآفاق والأنفس متشابهة؟ .2كيف تكون آيات القرآن متعلقة بعالم الغيب الذي لا نستطيع علمه ولا تقييمه لأنها متشابهة وآيات الآفاق والأنفس التي نتبين منها حقيقة القرآن قابلة للعلم والتقييم لأنها محكمة ما يعني أن للتشابه علة وللإحكام علة مقابلة وهي ما به نميز الآية ذات المرجعية الدلالية شرط الوصول إلى ادراك الإحكام عن الآية التي ليس لمعناها مرجعية دلالية شرط استحالة الوصول غلى إدراك المتشابه. في حالة فصلت 53الآيات لها مرجعية هي الآفاق (الطبيعة والتاريخ) والأنفس (كيان الإنسان العضوي وكيانه الروحي) وهي أربعتها من عالم الشهادة .فتكون الآيات التي تتجلى فيها مرجعيات موجودة في الطبيعة وفي التاريخ وفي الكيان العضوي والكيان الروحي للإنسان .وتلك هي علة الإحكام لأن دلالة الآيات لها مرجعيات من عالم الشهادة .وهي قابلة للتحديد بالتأويل الأقرب لما يتوصل إليه البحث العلمي النظري المحتكم للترجيح بالاستناد إلى التجربة العلمية. أما في حالة آل عمران 7فإن الإحالة إلى مرجعية ترجح التأويل ممتنعة وتلك هي على التشابه لأنها متعلقة بالغيب .وكل تأويل فيه يكون تحكميا .وغالبا ما يؤول إلى قيس عالم الغيب على عالم الشهادة في حين أن القرآن يعتبر عالم الغيب ليس كمثله شيء سواء تعلق بذات الله أو بأفعاله أو بكل ما يتعلق بالآخرة. أبو يعرب المرزوقي 286 الأسماء والبيان
53 7 - - ولذلك ميزت بين علم الدلالة وعلم المعنى وبين التداول المتعلق بالأول والتداول المتعلق بالثاني فجعلت علوم اللسان خمسة وليست ثلاثة كما تعتبر حاليا (محاولة سابقة) :فالمعاني المتعلقة بالثاني والتداول حولها بخلاف الدلالات من جنس المعاني النظرية الرياضية والمعاني العملية القيمية. وكلتاهما معان صورية ليس لها مرجعية في الوجود الخارجي ومضمون معين إلا إذا طبقناهما على عالم الشهادة فوجدنا فيه ما يمكن أن يكون قابلا للعبارة عنه بهما لكونها تشبه منشوده في شكل غاية في اللامتناهي أو المثال الاعلى الذي لا يمكن أن تطابقه في وجودها التجريب .وكلها يمكن ان نقول عنها \"الاستواء معلوم لكن كيفه مجهول\" والسؤال عنه بدعة دالة على الزيغ في القلب وعلى ابتغاء الفتنة. ويوجد وجه ثان من المقارنة بين الآيتين سنمر إليه حيننا هذا .وهو الذي يعدنا إلى معنى المعادلة الوجودية التي نخصص لها هذا القسم الثالث والاخير من الفصل الخامس عشر والأخير .فبعد أن رأينا المقابلة بين العالمين عالم الشهادة وعالم الغيب موضوع التذكير المتعلق بهما في القرآن الجامع بين المحكم والمتشابه وبعد أن بينا أن الأمر الموجب في فصلت 53والنهي السالب في آل عمران 7 وهي مقابلة تعني: .1أن التأويل واجب في الأولى لأن العلم والعمل أساسهما تأويل لآيات عالم الشهادة وفيه مرجعية لدلالة الآيات قابلة للترجيح. .2وحرام في الثانية لأن العلم والعمل كلاهما في عالم الغيب بذاته وبعلاقته بعالم الشهادة مما لا يعلمه ولا يعمله إلا الله: .3فعالم الشهادة لنا منه أعيان وجودية قابلة لأن تكون مرجعية نحتكم إليها في ما نفترضه من نماذج لفهم آيات الله المحكمة وتتعلق بما يرينه الله منها في الآفاق ببعديها (الطبيعة التاريخ) وفي الأنفس ببعديها (الكيان العضوي والكيان الروحي) وهو مجال العلم العمل الإنسانيين :وهذه الآيات التي تتجلى في الآفاق وفي الانفس هي ما يرد إليه نظام عالم أبو يعرب المرزوقي 287 الأسماء والبيان
53 7 -- الشهادة بعناصره الأربعة وإحالتها إلى ما وراء هو الذي يمكن اعتباره حضور عالم الغيب فيها وأساس استحالة القول بالمطابقتين المعرفية والقيمية. .4وفي العالم الذي ليس لنا منه أعيان وجودية قابلة لأن تكون مرجعية نحتكم إليها في ما نفترضه من نماذج لفهم آيات الله المتشابهة التي تتكلم على عالم الغيب وعلى الله وعلاقته بعالم الغيب وعالم الشهادة أي بفعلي الخلق والامر عامة وبهما في صلة بالإنسان خاصة من حيث موجوده ومنشوده في العالمين وكلها تعود إلى معنى الإيمان الذي لا يمكن ادعاء رده إلى نوع المعرفة والقيمة اللتين تنطبقان في عالم الشهادة لاستحالة المطابقتين. .5فهذه الصلة أو الماوراء الذي تحيل إليه الآفاق والأنفس هي نسبة بين فعلي الله خلقا وأمرا مجهولي الطبيعة -الفعل بكن البارئة والفعل بكن المقدرة-وهما جوهر علاقة عالم الغيب بعالم الشهادة العلاقة التي هي سر الأسرار في استحالة وجود إنسان بلا دين حتى بالسلب لما بين علم الإنسان وعمله من صلة مع العالم الشاهد تثبت أنه ليس من خلقه ولا من أمره رغم أنه لا يفهم من دونهما لأن افتراضهما هو علة طلب علمهما وعمل ما من دونه لا يستطيع تحقيق شروط بقائه عضويا وشروطه استخلافه أي حريته وسلطانه على هذه الشروط روحيا من حيث هو فرد ومن حيث هو جماعة من أدنى الجماعات إلى الإنسانية كلها. بعد أن تأكد العلم الحديث بأن العالم متناه مهما توسع وبأن حدث بعد أن لم يكن وبأن فان بعد أن كان وبأن بين نشأته ونهايته يوجد تطور ولنفترض أن فرضية الانفجار الكبير حقيقة علمية فإن هذه التكوينية حتى لو قلنا بكونها بالصدفة فإن النظام الذي يجعلنا نفهم صيرورته التكوينية يقتضي البحث عن منظومة قوانين. فمن دونها لا يمكن أن نفهم مراحله التي وصلت إلى آخرتها التي هي نحن بوصفنا نبحث ونفهم هذا المسار لكأن الوجود الطبيعي ينتهي إلى الوجود التاريخي الذي هو وجود الإنسانية التي تعود على تكوينية عالم الشهادة برؤية ما يتجلى فيه من آيات الله أي من آيات خلق وامر بمعنى مما يجعلنا نطرح سؤال: أبو يعرب المرزوقي 288 الأسماء والبيان
53 7 -- لماذا يوجد شيء بدلا من لا شيء (وهو معنى القضاء أي قرار إرادة ايجاد الشيء). ولماذا يكون هذا الموجود على تلك الهيئة بدلا مما لا يتناهى من الهيئات الممكنة. وبهما يصبح جوهر الجواب الديني وجوهر السؤال الفلسفي متلازمين وهما جوهر الإنسان السائل والمجيب .وهو يتأله إذ يزعم أنه هو الخالق والآمر عندما يزعم أن علمه وعمله مطابقين للوجود وجودا وكيف وجود .وقد يفهم القارئ معنى الدين بالإيجاب أي الإيمان بوجود ما وراء عالم الشهادة أي الخلق والأمر اللذين يجيبان عن سؤالي العقل من أدنى درجاته إلى أرقاها أعني الوعي بالحرية التي علامتها الأساسية هي فعل التوجيه الوجودي تمييزا في الموجود بين الممكن والواجب والممتنع .ومن فعل التوجيه يأتي سؤالا العقل والوجدان الفلسفيين والدينيين في آن واللذين يحيران العقل والوجدان وليس للإنسان عليهما جواب إلا بالإيمان إيجابا أو بالكفران سلبا. والإيمان والكفران كلاهما موقف فلسفي وديني في آن لأن الموقف الثاني مضطر لاعتبار بعدي الآفاق وبعدي الأنفس أي الطبيعة والتاريخ والكيان العضوي والكيان الروحي بعد أن صار متأكدا علميا من أنها جميعا ليست سرمدية ومن ثم فهي عنده خالقة لنفسها بعد العدم ومنتخبة لكيفها من بين ما لا يتناهى من الكيفيات الممكنة لأنه لا يستطيع التنصل من كون عقله بطبعه موجها أي إنه لا يعتقد بالضرورة في كل شيء بل يميز بين الضروري والممكن والواجب وهو معنى التوجيه الوجودي (المودالتي). وإذن فالكفران بالخالق والآمر لا يغني عن ضرورة الجواب عن السؤالين لأنهما من كيان العقل والوجدان الإنسانيين من حيث هما موجهان .فيكون الجواب بتأليه الطبيعة والصدفة واقناع الإنسان نفسه بأنهما كافيان لتعليل وجود الوجود بدل العدم وتعليل كونه على كيف معين من بين كيفيات لا متناهية ممكنة .الكفران ليس نفيا للدين بل هو تأليه للطبيعة والصدفة وهو أصل كل الأديان الطبيعية. أبو يعرب المرزوقي 289 الأسماء والبيان
53 7 - - ومن هنا نجد الاصل الذي يساعد على فهم النكوصين اللذين تولدا عن نقد هيجل للنقد الكنطي. وما يتميز به هيجل هو الجمع بين الموقفين الإيماني والكفراني .ولهذه العلة فدرسه مفيد جدا لفهم اشكالية علاقة الإسلام بالأديان جميعها الطبيعي منها والمنزل وعلة كونه لا يمكن ألا يكون مؤلفا من وجهين متساويين من حيث الحضور في القرآن: .1فالقرآن استعراض نقدي لتاريخ الأديان الطبيعية والمنزلة أو لتكوينهية الأديان وما يعرض لها من تحريف بالقياس إلى الديني والفلسفي الفطريين في كيان الإنسان وهما ما وصفت وأكثر الأديان تحريفا هو الدين الذي أله أحد البشر لتأسيس السلطتين الروحية والسياسة توظيفا للدين فيهما وتلك غاية آل عمران في الآية 79منها{ :مَا كَانَ ِلبَشَرٍ َأن ُي ْؤ ِت َي ُه اللَّ ُه ا ْل ِكتَا َب َوا ْل ُح ْك َم وَالنُّبُ َّو َة ثُ َّم يَ ُقولَ لِل ّنَاسِ ُكونُوا ِع َبا ًدا لِّي مِن ُدونِ ال ّلَ ِه َو َلٰ ِكن ُكونُوا رَ َبّانِ ّيِي َن ِبمَا ُكنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْ ِكتَا َب َوبِمَا كُنتُمْ تَ ْد ُرسُونَ}. .2والقرآن تقديم للبديل الذي يمثل دين الله -دون نفي حق الأشكال التي نتجت عن تحريفه في الوجود بوصفها أمرا واقعا وشرطا للتسابق في الخيرات أعني في حق البحث عن الحقيقة الدينية وصولا إلى تبين الرشد من الغي شرط العبادة التي تحرر الإنسان من الطاغوت أي السلطانين اللذين يحرفان الدين فلا يعبد إلى الله ولا يؤله الآفاق والأنفس فيتحرر من عبادة الطبيعة وعبادة التاريخ. وهذا يعني أن ما يسميه هيجل بالمصالحة التي بينا معناها في الفصول السابقة هو القول بأن الخالق والآمر حل في الآفاق وفي الأنفس أي في الطبيعة وكيان الإنسان العضوي وفي التاريخ وفي كيان الإنسان الروحي وفي تاريخ الإنسانية التي هي صراع الأرواح لتحقق الروحي الكلي الذي يعي ذاته بحلوله في الروح الجزئي (الإنسان) الذي يعلم مكونات التاريخ ويعملها ولا شيء وراء التاريخ الذي هو الحكم النهائي. أما ماركس فهو لم يضف شيئا إلى هيجل بل طرح منه البعد الروحي مكتفيا بالاستغناء عن الروح الكلي والجزئي الهجيليين واعتبر الطبيعة نفسها كافية بصراع مادي خالص ليس الروحي فيه إلا أبو يعرب المرزوقي 290 الأسماء والبيان
53 7 -- خداع إيديولوجي أعني صراع الطبقات للوصول خلال التاريخ المردود إلى ما يشبه التاريخ الطبيعي بجدل المتناقضات إلى المصالحة بين الإنسان وما يصبو إليه من علم محيط وعمل تام بآليات طبيعية خالقة وآمرة :وهو ما أعنيه بمثلجة التاريخ الإنساني وجعله محيطا بالوجود معرفة وتقييما. والنكوص الأخير الذي هو مآل الفهمين الهيجلي والماركسي المكتفيين بعالم الشهادة ونفي وجود ما يتعالى عليه اتى هذا النكوص الذي يرد الفعل عليهما بالذهاب بهما إلى الغاية فنفى المتعالي المتداني أي إن عالم الشهادة هو نفسه لم يبق له وجود بل جزء من عالم الإنسان الخيالي .وهو ما يسمى بما بعد الحداثة في شكلها النيتشوي قلبا للمسيحية واستبدالا للمسيح بضديده واستغناء حتى عن الإنسان بالمعنى العضوي والروحي والاكتفاء بإله ميثولوجي بديلا منه الإنسان المؤله في النكوص الأول. وهذا الإله الميثولوجي هو ضديد المسيح أو موت الإنسان -ليس المؤلف فحسب بل وكذلك الفاعل في التاريخ وهو معنى الابستمية الفوكلدية التي يستعملها الجابري دون فهم-بعد موت الإله ولهذا الإله الميثولوجي عديم الهوية المحددة له نفس وظيفة الإله في الأديان الميثولوجية إذ ينسب إليه الخلق والأمر لأنه هو الذي يصنع الأساطير أو السرديات التي لا تسرد شيئا خارج فعل السرد الذي لا فاعل له معين فيكون من جنس الأدب الشعب الذي ليس له مؤلف معين ولا موضوع معين فتزول الذات بعد الموضوع. لكن هيجل لم يسأل نفسه عن دلالة روح الشعوب وجدل صراعها المحقق للمصالحة التي تحرر الإنسانية من الصراع .وماركس لم يسأل نفسه عن دلالة طبقات البشر وجدل صراعها المحقق للمصالحة التي تحرر الإنسانية من الصراع .وكلاهما يشتركان في التناقض التام بين جعل الصراع الجدلي سر عمل التاريخ سواء بوصفه صراع أرواح الشعوب أو صراع طبقاتها وجعل غايته التوقف عن العمل دون أن يكون توقفه دالا على الموت إذا كان عمله دالا على حياة الإنسانية .كيف تكون غاية محرك الحياة توقفه عن العمل دون أن تكون نهاية ما يحركه؟ ما المحرك البديل في التاريخ: فهل يبقى معنى للقلب إلى توقفت نبضاته؟ أبو يعرب المرزوقي 291 الأسماء والبيان
53 7 - - لذلك فالروح الخالق والآمر واحد ولا يمكن أن يحل في أرواح الشعوب فيتعين فيها ويكون هو بدوره حصيلة غائية لصراعها الجدلي بل هو مطلق التمام وما وضعه في الإنسان من شروط لتعمير عالم الشهادة شرطا في قيامه العضوي وللاستخلاف فيه شرطا لقيامه الروحي واحد بالنسبة إلى كل البشر .وحتى لو قبلنا المعنى الضمني في الرؤيتين الهيجلية والماركسية التي تقيس تاريخ الإنسانية وتكوينيتها على تاريخ الفرد وتكوينيته العضوية والنفسية فإن فهم هذه مطلق الخطأ عند من يظن أن التكوينية يمكن أن تبدأ من دون ما يتصور غاية لها لأن كونها غاية حاصل في كل مراحلها وما يتغير ليس التجهيز العقلي والروحي بل كيفيات التعبير عنه ومراحل تحقيقه التي تحتوي عليه كله في كل واحدة منها ولا وجود للأرواح ولا للطبقات. فالكلام على أرواح الشعوب يعني تصنيف الجماعات بمعيار الوحدة الثقافية .والكلام على الطبقات يعني تصنيف الجماعات بمعيار الوحدة الاقتصادية .لكن في الحالتين يرجع التصنيفان إلى معيار مشترك بينهما وهي القسمة الثنائية بمعيار الغالب والمغلوب إما بالتفاضل الروحي الذي يصبح ماديا بالسيطرة على القوة المادية وهي شوكة الجماعة-سيد عبد-أو بالتفاضل المادي الذي يصبح روحيا بالسيطرة على رمز القوة الروحية وهي شرعية الدولة .فيكون الحل الضمني في الحالتين ترجمة ميثولوجية لأداتي الدولة :الشوكة والشرعية. وكلاهما ينتهيان إلى الممتنع أي الاستغناء عن الشوكة والاستغناء عن الشرعية بنهاية صراع السيد والعبد في الحالتين وزوال الدولة بتعاليها على المجتمع المدني عند هيجل وبزوالها عند ماركس. والنتيجة هي تأليهها لأنها تصبح عين العقل والدين الروحيين عند الاول وتصبح عين العقل والدين الماديين عند الثاني :فننتقل من الانثروبوقراطيا المؤمنة (الكنيسة والحكم بالحق الإلهي) إلى الانثروبوقراطيا الملحدة (الحزب هو الكنيسة والحكم بالحق الطبيعي). لكن إذا كان مفهوم روح الشعب هو الروح الجامع للأرواح الجزئية أي لأرواح الافراد فلا بد أن يكون روحا وسيطا بين الروح الكلي والروح الجزئي .والسؤال عن طبيعته ما هي .افترضت أنها ثقافية .فتكون ثقافة الشعب روحا تشترك فيها أرواح الأفراد .ويكون هذا المشترك خاصا بأفراد ذلك الشعب دون أفراد الشعوب الأخرى لأنه يميزهم عنهم تمييزه لشعبهم. أبو يعرب المرزوقي 292 الأسماء والبيان
53 7 -- ما مصدر الروحي الجماعي أو روح الشعب هل هو خضوع الجميع لثقافة واحدة تربى عليها الأجيال هي التغلب سيد عبد؟ والسؤال هو كيف ينقسم ا لشعب قسمة ثنائية إلى الاحرار والعبيد؟ ما الحد الفاصل بين الحرية والعبودية أو الغالب والمغلوب بالمعنى الثقافي يجعله كافيا لقسمة الجماعة إلى قسمين دون أن يكون كل قسم هو بدوره مؤلفا من درجات لا متناهية من خاصيته فتكون الحرية درجات والعبودية درجات وتتحول الثقافة بمقتضى ذلك إلى تمايز اقتصاد روحي معبر عن هذا التمايز؟ وما قلناه عن مفهوم أرواح الشعوب يقال مثله عن طبقات الشعوب أي الغالب والمغلوب بالمعنى الاقتصادي .فالملكية دون عمل درجات والعمل دون ملكية درجات .والملكية ليس دائما دون عمل والعمل ليس دائما دون ملكية ومن ثم فأصحاب الملكية درجات وأصحاب العمل درجات .فكيف تتمايز الطبقتان لتصبحا بمنطق التغالب في صراع جدلي على ملكية أدوات الإنتاج وثمراته ويتحول الاقتصاد بمقتضى ذلك إلى ثقافة إيديولوجية معبرة عن هذا التمايز الناتج عن التغالب مالك عامل؟ المعادلة الوجودية علل النكوصين تعود إذن إلى تصور المعادلة الوجودية التي اعتمدها القرآن الكريم والتي يكون فيها ما تفيده فصلت 53محددا لكل مقوماتها الموجبة والسالبة في آن .والقصد أنها تتضمن المعادلة عندما تكون كاملة لأنها لم تحرف والمعادلة عندما تصبح مبتورة بسبب التحريف\": .1فالمعادلة الوجودية التي هي جوهر الدين وجوهر الفلسفة غير المحرفين أي غير القائلين بالمطابقتين هي الواحد فيهما وهي تمثل الدين والفلسفة عند الله وعند الإنسان مع التمييز بين العالمين عالم الشهادة وعالم الغيب .وسنكتفي هنا بتمثلها للدين وهي كونية تحكمها النساء 1والحجرات 13حيث يكون جميع البشر اخوة ومتساوين لا تفاضل بينهم إلا بالتقوى أبو يعرب المرزوقي 293 الأسماء والبيان
53 7 - - أي بالحرية التي تعني الاستخلاف الذي يجعل الإنسان لا معبود له غير الله ولا توجد بينه وبين ربه في عالم الغيب وساطة روحية وبينه وبينه وبين شأنه في عالم الشهادة وصي سياسي .ففرض الكفاية في العلم المختص ليس سلطة روحية وفرض الكفاية في العمل المختص ليس سلطة سياسية .ذلك أن ما هو سلطة روحية وسلطة سياسية كلتاهما للرب دون سواه وللإنسان من حيث هو خليفة دون سواه. .2والمعادلة الوجودية التي هي جوهر الدين وجوهر الفلسفة المحرفين أي القائلين بالمطابقتين هي التوحيد بين العالمين برد عالم الغيب إلى عالم الشهادة ونفي ما وراء الآفاق (الطبيعة والكيان العضوي والتاريخ والكيان الروحي) واعتبار الطبيعة والكيان العضوي والتاريخ والكيان الروحي فاعلة ومنفعلة أي خالقة لنفسها ومشرعة لها من جنس التوحيد بين الطبيعة الطابعة والمطبوعة ومن جنس التوحيد بين الذات والموضوع .ولا يمكن فهم القول بالمطابقة المعرفية وبالمطابقة القيمية من دون رد الوجود إلى الإدراك بلغة ابن خلدون أي باعتبار علم الإنسان محيطا وعمله تاما بلغة ابن تيمية أو بنفي طور ما وراء العقل بلغة الغزالي .وهي بلغتي الجامعة بين هذه الاحترازات الثلاثة وغاية للمدرسة النقدية ما سميته بالمطابقتين الأبستمولوجية والأكسيولوجية. لم يبق إلا أن ارسم المعادلة الوجودية التي خصصت لها سابقا الكثير من المحاولات مع بعض التعديلات ليس في الجوهر بل في عرضها وتدقيق مقوماتها .وسأعرضها في شكلها المبتور أولا أي في شكلها الذي يمثل النقد القرآني للتحريف .ثم سأعرضها ثانيا في شكلها السليم الذي يقدمه القرآن بديلا والذي هو غاية هذه المحاولة وشرط علاج اشكالية القضاء والقدر لأن الأول يتعلق بالجواب عن السؤال الفلسفي والديني الأول (لماذا يوجد شيء بدلا من العدم) والسؤال الثاني (لماذا كان الموجود بهذه الكيفية بدلا من غيرها والكيفيات الممكنة لامتناهية) .والجواب في الحالتين إيماني في الدين وفي الفلسفة على حد سواء :لا يمكن لأحد أن يتجاوز القول الأمر هو كذلك أمرا واقعا لا يمكن تعليله بغير الإيمان مع التفريق بين العالمين بالمفارقة أو الإيمان مع التوحيد بينهما بالمحايثة. أبو يعرب المرزوقي 294 الأسماء والبيان
53 7 - - المعادلة المبتورة المخمس المردود إل مثلث نقسم الآفاق إلى أربعة عناصر فنصل ما فيها من دلالة على آيات نظام الضرورة (الطبيعة والكيان العضوي) ونصل ما فيها من دلالة على آيات النظام الدال على الحرية (التاريخ والكيان الروحي) .ونصع الإنسان بين النوعين لأنه ينتسب إلى الطبيعة بكيانه العضوي والضرورة وينتسب إلى التاريخ بكيانه الروحي والحرية .فتكون المعادلة على النحو التالي .1الطبيعة +الكيان العضوي =عالم الضرورة الشرطية ( -3الإنسان= قلب المعادلة -2التاريخ +الكيان الروحي=عالم الحرية الشرطية. ويمكن نعكس فنضع التاريخ والكيان الروحي قبل الطبيعة والكيان العضوي. وهذه المعادلة مبتورة لأننا لا نجد فيها كلاما على ما يتعالى على الآفاق والأنفس فيكون ماوراء لها يعلل وجودها وكيفية فيوهمون بأنهم يعتقدون أنها مكتفية بنفسها .وحتى يتجنب أصحابها البتر يعتبرون الطبيعة وكيان الإنسان العضوي الإنسان العضوي والتاريخ وكيان الإنسان الروحي كلها مضاعفة الدور إذ يعتبرونها فاعلة ومنفعلة .فهم يعتبرون الفاعل فيها محايثا للمنفعل منها جميعا. فتكون الطبيعة طابعة ومطبوعة وتكون الحياة محيية ومحياة ويكون التاريخ مؤرٍّخ ومؤ ّرَخ ويكون الروح مرو ِحن ومرو َحن .وكل ذلك يترتب على القول بوحدة العالم أو برد عالم الغيب إلى عالم الشهادة بسبب القول بالمطابقتين الأبستمولوجية والأكسيولوجية .لكن لو سألتهم عن معنى الفاعلية والانفعالية فيهما كليهما لكان معنى ذلك حلول ما يسمى ربا في المعادلة السوية هو الفاعلية وما يسمى مربوبا هو الانفعالية. أبو يعرب المرزوقي 295 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152
- 153
- 154
- 155
- 156
- 157
- 158
- 159
- 160
- 161
- 162
- 163
- 164
- 165
- 166
- 167
- 168
- 169
- 170
- 171
- 172
- 173
- 174
- 175
- 176
- 177
- 178
- 179
- 180
- 181
- 182
- 183
- 184
- 185
- 186
- 187
- 188
- 189
- 190
- 191
- 192
- 193
- 194
- 195
- 196
- 197
- 198
- 199
- 200
- 201
- 202
- 203
- 204
- 205
- 206
- 207
- 208
- 209
- 210
- 211
- 212
- 213
- 214
- 215
- 216
- 217
- 218
- 219
- 220
- 221
- 222
- 223
- 224
- 225
- 226
- 227
- 228
- 229
- 230
- 231
- 232
- 233
- 234
- 235
- 236
- 237
- 238
- 239
- 240
- 241
- 242
- 243
- 244
- 245
- 246
- 247
- 248
- 249
- 250
- 251
- 252
- 253
- 254
- 255
- 256
- 257
- 258
- 259
- 260
- 261
- 262
- 263
- 264
- 265
- 266
- 267
- 268
- 269
- 270
- 271
- 272
- 273
- 274
- 275
- 276
- 277
- 278
- 279
- 280
- 281
- 282
- 283
- 284
- 285
- 286
- 287
- 288
- 289
- 290
- 291
- 292
- 293
- 294
- 295
- 296
- 297
- 298
- 299
- 300
- 301
- 302
- 303
- 304