53 7 - - حددته الآية 256من البقرة التي حددت ثمرتي تبين الرشد من الغي الذي هو شرط حرية المعتقد: .1الثمرة الأولى هي التحرر من الطاغوت الطبيعي .2والثمرة الثانية هي التحرر من الطاغوت التاريخي .وما بين التحريفين العوائق الأربعة وأصل التحريفية والعوائق المترتبة عليها :عائق توزيع الثروة وعائق توزيع الماء وعائق الجنس وعائق التطفيف لغياب معايير التبادل. والعوائق وطرفي العبودية للطبيعة وللتاريخ كلها تعود إلى سياسة عالم الشهادة تلغي مثل عالم الغيب .وإذن فهي جميعا ناتجة عن الاخلاد إلى الأرض والقطع مع ما يتعالى على الطبيعة وعلى التاريخ أي الوحدانية التي تجعل الإنسان لا يعبد غير الله فلا يؤله الطبيعة ولا يؤله التاريخ ولا يؤله بدنه ولا يؤله نفسه .والتحرر من طغيان الطبيعة ومن طغيان التاريخ لا يكون من دون الوحدانية إيجابا وهي سلبا نفي العبودية لغير الله أي العبودية لأصحاب السلطان على الثروة (قصة قوم هود) ولأصحاب السلطان على الماء (قصة قوم صالح) ولأصحاب السلطان على الجنس (قصة قوم لوط) ولأصحاب التطفيف في التبادل (قصة قوم شعيب). سأختم هذا الفصل الإضافي والذي لم يكن ضمن تصوري للبحث في العلاقة بين الآية 7من آل عمران والآية 53من فصلت شرح المثال الذي ضربته لتحديد العلاقة بين الله والإنسان أو اشكالية فهم العلاقة بين حريتين مطلقة للخالق والآمر في الوجود والمنشود غيبه وشاهده ونسبية حرية الإنسان ومعنى تكليفه .فمشكل المشاكل في تحريف الأديان هو التعلل الذي يبدو وجيها في اتهام الله نفسه بالتقصير لأنه مثل العالم الذي صنع آليا وأعطاه الحرية في أن يخرج على البرنامج الذي صنعه بمقتضاه ثم يريد أن يعاقبه لأنه خرج عن طوعه ولذلك فإما أن الإنسان وحر وليس للرب عليه من سلطان (الحل القدري عند المعتزلة) أو الإنسان مجبر وليس عليه من جناح (الحل الجبري عند الجهمية). أبو يعرب المرزوقي 146 الأسماء والبيان
53 7 - - ولذلك ضربت هذا المثال المستمد من العلم الخيالي .افترض أن إنسانا صنع آليا قادر على التصرف الحر بصورة تخرجه عن طاعة المبرمج أي الخروج عن التعليمات المرسومة في برنامجه بمعنى أن الحرية التي له صارت مطلقة بحيث لا يمكن أن يتقيد بالبرنامج .وطبعا فمثل هذا الامر إذا حدث فإمكانه حدوثه علته أن الإنسان قادر على صنع آلي حر بل لأنه ليس قادرا على توقع ما يمكن أن يكون في برنامجه من خلل يجعله يتجاوز هامش الحرية الذي توقعه له أو حدد به حريته لئلا تمكنه من الخروج عن طوعه حتى إذا تصوره قابلا لعصيانه. لكن السؤال هو هل يمكن أن يكون هذا الإنسان قد صنع ليس ما هو قادر الخروج عن البرنامج بل ما هو أكثر حرية منه لأن الإنسان الصانع في نسبته إلى خالقه لا يستطيع الخروج عن برنامج خلقه :ولا أحد من البشر يبلغ به الحمق إلى حد توهم ذلك حتى لو قال بالصدفة فنفى كل برمجة .وهذا يثبت أن القياس مستحيل بين الله الخالق للإنسان والإنسان \"الصانع\" للآلي وأن قياس الخلق على الصنع يفترض العلم المحيط بالخلق والأمر .وكل أخطاء هذا الفكر هو قياس الخلق على الصنعة .فالصنعة ليست مشروطة بأكثر مما هو ضروري للمعلوم في المصنوع .والخلق حتى يكون مثلها لا بد أن يكون العلم محيطا والعمل تاما .وكلاهما مستحيل :لا بد مثلا أن نفترض صنع آلي ذكر وآلي أنثى وأن يتجامعا فينجبا فنقول \" إنا صنعناكم آليا واحد وجعلنا منه زوجه وصنعنا منهما رجالا كثيرا ونساء\" (تحريف النساء ..)1 وإذن فإذا أمكن للإنسان أن يصنع آليا قادرا على الخروج على البرنامج -وهو معنى كونه حرا - فإن شرط خروجه أن يكون ناتجا عن قصور في البرنامج وليس عن تمام فيه :أي إن خللا ما نتج مثلا عن عدم توقع علاقة في السوفت وار أو خاصية في مواد الهارد وار .فتخيل الخروج عن البرنامج يعني أحد أمرين :إما عمل برنامج فيروسي تدخل فأفسد عمل برنامج الصانع أو نقص في البرنامج إما فيه لذاته أو في حصانته ضد الفيروسات .لأن برنامج الصنع لو كان عمله مطلق التمام وكان على علم محيط لكان قادرا على توقع الخروج الممكن وما قد يترتب عليه وتحصن ضد أي فيروس ممكن. أبو يعرب المرزوقي 147 الأسماء والبيان
53 7 - - فإن لم يكن قادرا على ذلك فمعناه أن ما حصل ليس حرية الصانع مقابل حرية الروبو يقاس عليه علاقة حرية الله بحرية الإنسان بل جهل مقابل أمر غير متوقع .ومن ثم فالمشكل كله متأت من خطأ مضاعف هو قيس علم الإنسان على علم الله وعمل الخلق الإلهي على عمل الصنع الإنساني ويعود إلى القول بالمطابقة المستحيلة .وبذلك نصل إلى مشكل أفعال العباد أو معضلة القدرية والجبرية أي هل الإنسان مختار أو مجبر .والجواب الآن يصبح من أيسر الأمور لأن ما كان يحول دون المعتزلة والأشعرية والحل هو تصور الحريتين والضرورتين من نفس الطبيعة والعلة هي القول بالمطابقة لكأن علم الإنسان محيط :ونفس المشكل في الفلسفة. فالقوانين الطبيعية بخلاف ما يتصور أرسطو عند المقابلة بينها وبين سنن أفعال العباد لا تتعلق إلا بأحد المتناقضين من الممكن فحسب في مقابل تعلق أفعال العباد بهما معا-وهي إشكالية طرحها في مقتضيات مبدأ عدم التناقض والثالث المرفوع الميتافيزيقة مطبقة على عمل الإنسان في توقع مستقبل أفعال الإنسان-وهو كلام خاطئ مائة في المائة :فهي تتعلق بوجهي التناقض معا حتى في الطبيعة بمعنى أن القانون الطبيعي ينطبق في الإيجاب وفي السلب أي إنه يتضمن الحالتين دون أن يكون ما يحصل نفس الفعل لكن نفس القانون. فإذا تعلق القانون الطبيعي مثلا بحدوث المفعول \"أ \"+بشروط معينة فهو يتعلق بنقيض \"أ \"+إذا تغيرت الشروط في الحالة الثانية فكانت نقيض الشروط في الحالة الأولى ..ومن ثم فالقانون عام في الحالتين .ولذلك فالرسول بشير بالموجب ونذير بالسالب .فلكأنه يقول للإنسان إذا وصلت سياسة عالم الشهادة بعالم الغيب يحصل ما أبشرك به تعميرا وخلافة .وإذا فصلت يحصل ما أنذرك به .وإذن فالبرمجة التي تحرر الإنسان تحرره ليكون قادرا على النقيضين بحرية نسبية لأنها لا تخرجه على القانون الذي وضعته الحرية الإلهية المطلقة .ويمكن القول إن نظرية الكسب الأشعرية لم يكن ينقصها إلى نفي المطابقة المعرفية لأن الأشاعرة نفي المطابقة القيمية. وقد وضع في برنامج جهازي الإنسان -النظر والعقد للمعرفة التي تتألف من المقدرات الذهنية النظرية مطبقة على التجربة الطبيعية والعضوية والعمل والشرع للقيمة التي تتألف من المقدرات الذهنية العملية مطبقة على التجربة التاريخية والروحية مع القدرة على العمل بهما في حالة أبو يعرب المرزوقي 148 الأسماء والبيان
53 7 - - الوصل وفي في حالة الفصل بين العالمين أي في الحالة التي يكون فيها الرسول بشيرا وفي الحالة التي يكون فيها نذيرا .فيكون فعل الإنسان حرا في مستوى الإنجاز في الحالتين سواء وصل بين العالمين أو فصل .وتكون النتائج مضطرة في مستوى البرنامج في الحالتين وهي نسبة بين علم محيط وعمل تام عند الخالق وعلم محدود وعمل ناقص عند المخلوق. وهذا يلغي الحل الذي وضعه ابن سينا لأن ابن سينا كان يقول مثل الفلسفة اليونانية بالمطابقتين المعرفية والقيمية لكأن كلمتي \"العقل\" و\"الإرادة\" لهما نفس الدلالة عندما تنسبان إلى الله وعندما تنسبا إلى الإنسان .فالعلم المحيط يمكن أن يحيط بالجزئي إحاطته بالكلي والعمل التام يمكن أن يطابق الكلي والجزئي أما العلم النسب فهو لا يحيط بأي منهما ومثله العمل الناقص. لكنهما كافيان ليكون الإنسان مسؤولا عن خياره في حدود استطاعته لأن البرنامج في جهاز نظره وعقده وفي جهاز عمله وشرعه لا يفرضا عليه أحد الحلين لأنه لا يعمل آليا بل هو يعمل بقدر علمه وعمله في حدود تكليفه وهو مسؤول في تلك الحدود. ولهذه العلة فهو ليس مطالبا بواجب النتيجة بل بواجب الوسيلة .ولذلك فعلمه اجتهادي وليس علما محيطا وعلمه جهادي وليس عملا تاما .والاجتهاد مثاب حتى إذا لم يصب بشرط أن يكون صاحبه صادقا في طلب الحقيقة .والجهاد مثاب حتى لو فشل بشرط أن يكون صاحبه صادقا في تحقيق ما يؤمن بأنه حق في حدود اجتهاده .ولهذه العلة كذلك لا يمكن أن نحكم على ظاهر الأفعال والاقوال بل يوجد مستوى لا يعمله إلى الله وصاحبه يعلم منه ما يكفي لتحميله مسؤولة التكليف أعين مستوى السرائر .فصاحب العلم والعمل الإنسانيين يعلم إن كان لا ينافق فيتلاعب بالحقيقة في علمه وبالقيمة في عمله .لكن علمه وعمله ليسا مطلقين حتى بأقواله وأفعاله. وهكذا فقد وصلت إلى غاية البحث وأصبح من الضروري علاج مسالة القضاء والقدر التي تتعلق بقضية الصلة بين الحريتين حرية الله المستخ ِلف والإنسان المتسخ َلف والمكلف بتطبيق النظر والعقد في علم قوانين الطبيعة والعمل والشرع في إرادة سنن التاريخ بفضل العلاقة بين العالمين وكيانيه بدنا وروحا .وهذه الإشكالية من المسائل التي عني بها الفكر الحديث خلال الإصلاح الديني والفلسفي وخاصة في الفكر الألماني وسأكتفي بمثالين من لوثر ولايبنتس .فهما أفضل من يمثل أبو يعرب المرزوقي 149 الأسماء والبيان
53 7 -- الفكر الحديث الديني والفلسفي لأن كل ما أتى بعدهما تكلمت فيه وهو بلغ غاية النكوص إلى ما قبل الحداثة في محاولة النقد الهيجلي لكنط بالعودة إلى خرافة العلم المطلق والدين المطلق. أبو يعرب المرزوقي 150 الأسماء والبيان
53 7 - - المرحلة التمهيدية ضرورية ليس لتعلقها بنظرية المقدرات الذهنية ودلالتها على ما ذكرناه في الوصلة بين الفصول العشرة السابقة والفصول الخمسة الموالية -وهذا أولها-ما ذكرناه من سذاجات فحسب بل لأنها من شروط فهم طبيعة الحل اللوثري والحل الكنطي والحل اللايبنتسي ورد محد اقبال عليه والمآل في رد هيجل على كنط بالنكوص إلى علم الكلام المسيحي الوسيط وإلى الأساس الضمني في الفلسفة القديمة حتى لو ادعى مراجعة المنطق ذي القيمتين بالمنطق ثلاثي القيم الذي يعتبره المنطق الأرسطي في ميتافيزيقاه وفي نظرية الطبائع إذ يقول في تاريخ الفلسفة إن أرسطو لم يستعمل منطقه بل المنطق الذي يقول به هيجل. ولذلك فهذا الفصل الحادي عشر والذي هو تمهيد لبقية الفصول يشتمل على الحلول التي آلت إلى ما يجانس الصراع الأساسي في المقابلة بين الاعتزال والأشعرية في نظرية أفعال العباد وعلاقتها بأفعال الله تعللها ولا يمكن البحث في صلتها بتحريف المسيحية للدين والكلام عامة من دون فهم تبعيتهما للقول بالمطابقتين وهما ما يفهمنا وهاء مهارب لايبنتس في كلامه على القضاء والقدر فيها وفي الإسلام ووهاء ردود محمد اقبال الذي يقول بالمطابقتين لتأثره بالفكر الهيجلي وخاصة بنظرية أرواح الشعوب وحتى أعود إلى أصل كل هذه المسائل لا بد أن أضم إليهما مسألة أعم هي علاقة اللغة الطبيعية بالمقدرات الذهنية قبل نشأة الألسن وبعدها لأنه لا يمكن الكلام على المقدرات الذهنية إذا بقينا نتصور أن أفعال العقل الإنساني لا تقع إلا بتوسط الألسن الطبيعية في حين أنها فعل بعدي يترجم المقدرات الذهنية ويشترطها متقدمة عليها حتى لو كان طروؤها التالي مؤثرا في ما تقدم عليه خلال عودته عليه .ولأن هذه المسألة مهمة جدا فهي التي سأبدأ بها قبل الكلام في رؤية الإصلاح الديني والتنوير للإسلام وقبل الكلام في رؤية لايبنتس لمسألة القضاء والقدر المتفرعة عن الأصل وعن علاقة العقل بالموجود والإرادة بالمنشود في حالة العلاقة بين حريتين حرية الخالق وحرية المخلوق. أساس المقدرات الذهنية أبو يعرب المرزوقي 151 الأسماء والبيان
53 7 -- فحتى أحدد طبيعة المشكل لا بد من الحسم في مسألة الأساس الذي يضفي المعنى على نظرية المقدرات الذهنية وذلك من وجهين: .1الوجه الأول بفرضية تعتبر أصلها لغة من طبيعة أعمق من طبيعة اللغة الطبيعية متقدمة عليها تقدم الشرط على المشروط انطلاقا من كون الأطفال يتعلمون العلاقة بالعالم وبالبشر قبل النطق وتعلم اللغة الطبيعة وهو ما يحد من الغلو في الكلام على دور الألسن الطبيعية فضلا عن المفاضلة بينها بحجة تفاضلها في العبارة عن الأبعاد الوجودية والفلسفية .2الوجه الثاني بكونها تمثل آية من الآيات الدالة على ان الإنسان فيه ما يجعل الوصل بين العالمين مفطورا في كيانه ذاته دون أن يكون مضمونها مفطورا فيه لأن كيانه العضوي والروحي يتكيف وأهم شروط تكيفه المرونة التي توجد في كيانه العضوي من حيث انفتاح الفطري على المكتسب حتى في الجينوم وفي كيانه الروحي يوجد ما هو مثيل لهذه المرونة إذ نعلم أن التكيف مع المضمون يقتضي تطوير أدوات التعبير عن العلاقة به .ومن علامات ذلك أن مجالات تطبيق الرياضيات توحي أحيانا بتطوير نظرياتها وابداع \"حيل\" رياضية لعلاجها. وهذان الوجهان كلاهما محاولة شخصية مبنية على ما سبق لي بيانه واستنتاجه من درس لغة القرآن وكذلك من درس سلوك الأطفال اللساني ومتابعة تدرج حفيدي مراس الحبيب في تعلم اللغة الطبيعية فضلا عن الاستناد إلى درس طبيعة عمل الحواس التي هي في علاقة بالموجود والمنشود مردها إلى نوعي التقدير الذهني المعرفي والقيمي كما ابين هنا. المقدرات الذهنية لغة قبل اللغة الطبيعية سبق أن أشرت إلى أن لغة القرآن عجيبة فلها مستويان: .1مستوى درامي يعرض أفعال في مشاهد شبه مسرحية بين أبطال يتفاعلون. .2مستوى لساني هو الاقوال حول تلك الأفعال في المشاهد المسرحية. أبو يعرب المرزوقي 152 الأسماء والبيان
53 7 - - وهو ما يعني أن الأقوال تترجم الأفعال فتكون لغة الأفعال سابقة على لغة الاقوال لكأنها ترجمة إلى لغة من اللغات الطبيعية وقابلة للترجمة في أي لغة طبيعية لكأن اللغة الطبيعية فيها ما بعد لغة للغة متقدمة عليها هي الأفعال التي يشخصها ابطال المشاهد الدرامية .وهو ما يعني أن اللغة الطبيعية لا تفيد بذاتها بل بما تحيل عليه مباشرة في الأفعال التي تترجمها بالأقوال. وحتى أشرح هذه الظاهرة كان علي أولا أن اذكر بما تكلمت عليه في مسألة الحواس والحوادس وأن استكمل ما قلته عن البصر والبصيرة والسمع والسميعة بتعميم خاصية الانتقال من الأول في كلتا الحالتين إلى الثاني فيهما أعممه على الشم والشميمة والذوق والذويقة واللمس واللميسة. لكن ذلك لا يكفي بل لا بد من تجربة حية تثبت أن لغة الأفعال فعلا وانفعالا متقدمة على لغة الأقوال تلقيا وبثا .وهذه الإضافة تكون بالاعتماد على تجربة تعلم الأطفال للغة والتواصل الذي لهم قبل حذق اللغة بل وحتى قبل بداية النطق اللغوي. الحوادس وعلاقتها بالمقدرات الذهنية النظرية والعملية بينت في محاولة سابقة أن الحواس الخمس أي مدارك الإنسان العادية التي لها جوارح محددة في كيان الإنسان العضوي وبها يدرك الإنسان كيانه العضوي والعالم الطبيعي والإنساني المحيط به إدراكا أوليا لا يتجاوز الحضور في المدى الذي تصل إليه قدرة الحواس مباشرة دون تجهيز مستمد من العلوم التي تمكن من جعلها قادرة على إدراك ما يتجاوز مداها المكاني في علاقتها بالأشياء والكمي في علاقة بكيان الأشياء. والمعلوم أنه يمكن أن يقيسها المرء على أدوات صناعية لها جهاز آلي كان يسمى البدن (يسميه أرسطو جهازا آليا مستعد للحياة أي لكل ما تتصف به الحياة من وظائف) ولها جهاز تحكم (يسميه أرسطو نفسا هي الآمرة والناهية للوظائف الحيوية كلها ومنها الفكر بكل درجاته وأسماها النطق). لكني أضفت ما يتميز به بعض البشر من تجاوز الغرق في الحواس -وهي حاصلة بالقوة لجميع البشر لكنها لا تصبح بالفعل في الرؤية الدينية إلا بما يسميه التذكر تقريبا بالمعنى السقراطي- أبو يعرب المرزوقي 153 الأسماء والبيان
53 7 - - فافترضت أن كل حاسة لها مستوى قادر على تجاوز الغرق في الحس والتعالي عليه فيتذكر بذاته ونسبت هذا التجاوز إلى حادسة ملازمة لكل حاسة فتجعلها تدرك أمرا آخر يتجاوز ما تدركه الحواس في الإدراك العادي وهو أمر لا علاقة له بالمدى بمعنى بعد الشيء الذي تدركه ولا بالمقدار بمعنى كمه بل من حيث ما فيه من معان جمالية وهي نسب رياضية تخص الشكل المكاني لموضوع البصر (الشكل الجرمي في المكان) والشكل الزماني لموضع السمع (الشكل الصوتي في الزمان).في ما يتعلق بالحاستين اللتين لهما دور أساسي في المعرفة وفي التقييم. لكني تجاوزت هذين الحاستين وما يلازمهما من الحادستين المقصورتين على دور الحوادس المعرفية وافترضت أن بقية الحواس لها هي بدورها حوادس تتجاوزها إلى ما لا يدركه إلا من كان متميزا مثل الرسام في البصر والموسيقي في السمع: .1ففي الشم مثلا نحد \"الشمام\" وذلك بين في صناعة العطور. .2وفي الذوق نجد \"الذواق\" وذلك بين في صناعة الخمور. .3وفي اللمس نجد \"اللماس\" وذلك بين في \"فعل الجنس التام\". فعندما تبلغ المتعة ذروتها (الارجاسم) ندرك لطافة الملامسة في اللقاء بين الجنسين بحيث إن ملامسة البشرة من أحدهما لها قدرة عجيبة في اثارة الثاني .وفيها تعمل كل الحواس عمل الحوادس لأن البصر والسمع والشم والذوق واللمس كلها تنقلب إلى بصيرة وسميعة وشميمة وذويقة ولميسة .وبهذه المعنى ففعل الجنس يشبه نظرة خاطفة على عالم من طبيعة مختلفة تماما عن العالم الحسي العادي. وهذه كلها تنقل أصحابها من عالم الشهادة في مستواه الأول إلى عالم الشهادة في مستوى اعلى منه .وإذن فحتى عالم الشهادة فإنه ليس واحدا إلا لأننا نتوقف عند الحواس ونرد إليها الحوادس فنعتبرهما من طبيعة واحدة حصرا للنسبة بينهما في البعد الكمي المتعلق بالمسافة بين الذات والموضوع أو الكيفي المتعلق بالكثافة الوجودية في كيان الإنسان نفسه .لكن العالمين مختلفان كيفيا ويصعب التوحيد بينهما لأن الأول لا يمكن رده إلى ما يحققه التجهيز الذي يمكن من رؤية ما لا أبو يعرب المرزوقي 154 الأسماء والبيان
53 7 -- يرى بالعين المجردة مثلا .وقس عليه بقية الحوادس .فهي جميعا من طبيعة مختلفة لأنها ليست اختلافا كميا في قدرة الحواس بل هي اختلاف كيفي في إدراك لا يمكن اكتسابه حتى وإن أمكن تطويره بالاكتساب وهو من خاصيات كيان الإنسان وما له من إمكانات كلها بالقوة وبعضها يمر إلى الفعل. ومثلما أن وجود الرسام والموسيقى (وسأسمه النغام) له تعين فعلي في الرسوم وفي الأنغام وهي صناعة تحول قدرة ذوقية إلى فاعلية إبداعية وذلك بتوسط الترجمة الرياضية التي هي من المقدرات الذهنية النظرية فإن وجود الشمام والذواق واللماس يمكن أن يكون لها تعين فعلي في المشموم وفي المذوق وفي الملموس وهي مؤثرات كونية حتى في ثمرات الطبيعة مثل كل الفواكه والمأكولات ولها صلة بمحفزات العلاقة بالغذاء وبالجنس. ولذلك وضعت نظرية المائدة وفنها والسرير وفنه وهما التعبير البدني الأقصى ولهما صلة عميقة وشديدة التأثير بل هما أبعد غورا من بصيرة الرسام وسميعة النغام .وهما في علاقة مباشرة بالمقدرات الذهنية العملية وبالمؤثرات الفعلية في مجال الممارسات الإنسانية ونسبتهما إلى الشرائع من جنس نسبة الرياضيات إلى الطبائع :هذه للمقادير الكمية وتلك للمقادير الكيفية .والأولى غالبة على نظرية المعرفة والفلسفة والثانية غالبة على نظرية القيمة والدين .لكن الواحد في الفلسفة والدين يجمع بينهما ويرتب دوريهما في النظر وفي العمل في آن. ويمكن اعتبار الشميمة التي هي الوسيط بين البصيرة والسميعة للمقدرات الذهنية المعرفية خاصة والذويقة واللميسة للمقدرات الذهنية العملية خاصة فتكون جامعة بين المعرفي والقيمي الأسميين وهما مجموعين يمثلان رمز الإرادة والسلطة أو الشمم .ويمكن أن اعتبر كلام الرسول على حب الصلاة والنساء والعطر مشيرا إلى هذه العلاقة لأن البصيرة والسميعة ترمز لهما الصلاة بمعنى الرؤية والتلقي أو الحوار مع المطلق ولأن الذويقة واللميسة ترمز لهما المرأة والشميمة رمزها العطر الذي له فاعلية الإدراك عن بعد مثل الاولين والإدراك اللصيق بكيان الإنسان الحيوي عن قرب حتى إنه من علامات قرب الموت فقدان حاسة الشم. أبو يعرب المرزوقي 155 الأسماء والبيان
53 7 - - والملاحظ أن الحالتين تتعلقان بالكيانات من حيث كونها مدركة بالحواس في وظيفة إدراك الأشياء المتعينة في المكان والزمان ومن حيث هي مدركة بالحوادس في وظيفة إدراك تأثيرها الجمالي بهذا التعين الحسي .والسؤال هو هل يوجد مستويان آخران لهذه الإدراكات الأربعة الفرعية وهل لها أصل يوحد بينها؟ .1فإذا سمينا الإدراك الأول إدراك التحييز في المكان والزمان ببيان النسب بين المدرك والمدرك وكان هذا الإدراك (معرفيا) .2وإذا سمينا الإدراك الثاني إدراك التأثير القيمي للعلاقة بين المدرك والمدرك وكان هذا الإدراك قيميا (جماليا). .3فيمكن أن نستنتج أن الأول عينة من التقدير الذهني المعرفي .4ويمكن أن نستنتج أن الثاني عينة من التقدير الذهني القيمي .5فيكون الأصل هو التجهيز العضوي لقدرة روحية هي مستويات الإدراك المعرفي والقيمي الإنساني من حيث هو علاقة صورية خالصة تمتلئ بالمضمون الوجودي في الإدراك العيني وقابلة لأن تستعمل خالية من كل مضمون فتصبح أصلا للإدراكات الأربعة التي أشرنا إليها. إذ يمكن أن يغمض الإنسان عينيه ويرى كل ما سبق له أن رآه مثلا ثم يتخيل ما لم يره قياسا على ما رآه .وقس عليه كل الحواس. فيكون للإنسان عالمان عالم التجربة الفعلية وعالم التجربة الخيالية .والعلم مستحيل من دون التجربة الخيالية في وضع الفرضيات ومن دون التجربة الفعلية في المفاضلة بينها وترجيح ما يعتبره معيارا لاختيار النظرية الأفضل أي الاقدر على تفسير الظاهرة التي يدرسها. وكل ما قلناه عن الرؤية يقال عن السمع والشم والذوق واللمس في حضور الموضوع وفي غيابه لأن الإنسان يتذكر ما سبق منها ويتوقع فعليا الممكن منها فيكون متلقيا للمحدوسات التي يتذكرها ومبدعا للمحدوسات التي يتوقعها إما قيسا عليها أو ابداعا غير مسبوق بما يتذكره .ولذلك فيمكن أن نفترض العكس الآن: أبو يعرب المرزوقي 156 الأسماء والبيان
53 7 - - يمكن اعتبار التجربة الخيالية أصلا لإنتاج ما يتخيله المتخيل وليس لمجرد فرضية يحتكم في ترجيحها إلى التجربة الفعلية .الا يكون بوسع الإنسان عندئذ أن يعتبر الحالة الأولى هي في الحقيقة عين من الحالة الثانية التي تصبح هي الأصل بمعنى أن الإنسان يدرك ما يتخيله حتى في حالة المدارك الحسية التي كنا نتصورها أصلا؟ ذلك هو الموقف العكسي في نظرية المقدرات الذهنية النظرية والعملية .فهي تعكس فتجعل ما يصنعه الإنسان عالما مشروطا بما يتخيله .ثم تفترض ان العالم الذي يعلمه هو العالم المصنوع الذي وراءه عالم متخيل هو الذي تطلبه :تطلب خطة صنع العالم الطبيعي والعالم التاريخي .كل نظريات المعرفة وكل نظريات القيمة تعمل بهذا المنطق :هي لا تعلم عالم التجربة المعيش على أنه هو الأصل بل هي تعتبره عينة من أصل هو ما تتخيله قبله أصلا له وهو نظامه القانوني الذي تفسره به. المقدرات الذهنية من آيات الوصل بين العالمين والنظام القانوني الذي تفسر به عالم الشهادة يعتبر في المنظور الديني نظام الخلق والأمر ويعتبر في المنظور الفلسفي نظام الصنع والتصوير. لكن الأهم من ذلك كله اكتشافي أمرا مذهلا يتألف من المعنيين التاليين: 1 .1المستوى الأول بدرجتيه الحاسة والحادسة تحصل فيه النقلة من المستوى المعرفي والذوقي من الأعيان في الدرجة الحاسة إلى المستوى الأول من المعرفي والذوقي مما يتجاوز الأعيان إلى ما وراء حدسي يجعلهما وكأنهما شبه حامل مادي لصورة متعالية عليهما .فيكون المستوى الأول لما هو رمزي في ما هو طبيعي أو تاريخي في العالم المحيط بالإنسان وفي كيان الإنسان العضوي والروحي كما عرفناه بوصفه الوعي بذاته وبغيره من الموجود والمنشود في حياة الإنسان. .2المستوى الثاني بدرجتيه له ما يناظر الدرجتين الأوليين في ترتيب معكوس يجعل الدرجة الحادسة أصلا للدرجة الحاسة في عالم كله رمزي وكلي شبه صوري خالص يمكن أن يحدد أبو يعرب المرزوقي 157 الأسماء والبيان
53 7 - - المضمون العيني المناسب له بوصفه إحدى قيمه من بين الكثير من القيم الممكنة فيكون انفتاحا على الممكن الموجودي في المعرفة والممكن المنشودي في القيمة. وهو الذي يصل الأربعة بأصلها من خلال قوة ابداع المعاني الكلية المقدرة ذهنيا والمقدمة على تحديد القيم المضمونية سواء تعلقت بعالم الشهادة شرطا لتنظيم التجارب فيه أو بعالم الغيب باعتباره مثالا خلقيا وأمريا للصنع والتصوير الإنسانيين :وهذا هو الديني والفلسفي الواحد الذي اعتبرته يعمل بعكس ما يعمل به علم الكلام الذي يقيس الغائب على الشاهد والغيب على الشهودي والفلسفة التي تقيس النظري على التجريب. وهذه النقلة التي تحدث في وعي الإنسان بذاته في بعديها العضوي والروحي وفي وعيه بغيره طبيعة كان أو تاريخا هي التي تترجم بلسان الجماعة أو بما يسمى اللغة الطبيعية وهي شارطة للسان الطبيعي وليست مشروطة به :اللسان الطبيعي ترجمة خاصة تتغير بحسب الجماعات والثقافات لنفس الظاهرة الكونية في كيان الإنسان وهي شرط التواصل بين البشر وشرط الترجمة بين الألسن .وتلك هي نظرية ابن تيمية في تعدد الالسن الطبيعية. وهذه الرؤية تلغي الكثير من تخريف الخصوصيات اللسانية المتجاوزة للألسن الطبيعية كما في كل تخريف هيدجر بحيث يستمد منها رؤى وجود يمكن أن تعتبر كونية متجاوزة للخصوصية اللسانية الطبيعية. وسقوط تخريف هيدجر حول تفضيل بعض الألسنة على بعضها الآخر .فلا فضل لليونانية ولا للألمانية يتبعه كذلك كل تخريف على تفضل العربية على غيرها من الألسن فالعربية ليست مفضلة على غيرها من الالسن حتى وإن كانت لغة القرآن لان ذلك لو صح لصح على كل اللغات إذ إن القرن نفسه يقول إن كل أمة يرسل لها الرسول وتكون الرسالة بلسانها. وإذن فاللسان الكوني المتقدم على كل الألسن الطبيعية التي هي بالجوهر خصوصية هو أفعال وليس أقوال وهذه الأفعال هي التي تنتج المقدرات الذهنية النظرية والعملية وهي اللغة الكونية إن صح التعبير وبهما يتجاوز الإنسان الخصوصيات الثقافية إلى الكونية الإنسانية التي يطلبها الدين والفلسفة مع تقديم وتأخير للبعدين المعرفي والقيمي .فالديني يعمل بهما مع تقديم أبو يعرب المرزوقي 158 الأسماء والبيان
53 7 - - القيمي على المعرفي والفلسفي يعكس فيقدم المعرفي على القيمي .والموقف الأول أصح لأن المعرفي هو بدوره قيمي .وذلك هو معنى الوحدة بينهما :الخلاف هو في إطلاق التمييز بين المعرفي والقيمي .الحقيقة والباطل قيمتان مثل الجميل والقبيح والجليل والذليل والحر والمضطر .فماذا أعني بالأفعال التي اعتبرها لغة متقدمة على لغة الاقوال؟ ذلك هو ما سأحاول بيانه الآن: .1فالمقدرات الذهنية النظرية والعملية حتى في المستوى الأول الناقل من الإدراك الحسي عند الإنسان العادي والإدراك الحدسي عند الرسام والموسيقي انتقال من المحسوس إلى المحدوس ومن الكياني المادي إلى الكياني الرمزي لأن الرسام والموسيقي كلاهما يحس بالشيء وبما يوحي به من قيمة جمالية بمعنى أنه يتجاوز تعينه المادي في شيء ما إلى صورته التي هي مصدر دلالته الرمزية لبنية مكانية تتعين في الرسم وليس في المرسوم ولبنية زمانية تتعين في التصويت وليس في الصوت .فيكون الفعل اللغة هو إبداع الرموز بما فيها رموز اللسان الطبيعي لوظيفة ما بعديه أي إنها لترجمة ما يبدعه المدرك من رموز معرفية وقيمية يترجمها إلى رموز تواصلية وليست معرفية .ولا قيمية بل هي تشير إليها ويفهمها من له القدرة على النفاذ إلى تلك الرموز. .2لكن هذا الطابع الذي تتقدم فيه الصورة على المادة في النقلة من الإدراك الحسي إلى الإدراك الحدسي يصبح في المقدرات الذهنية النظرية والعملية الخالصة غنيا عن المادة ومبدعا لصورة \"خالية\" من المادة المعينة من التعين المادي أيا كان .إنه فعل ابداع منفتح على الممكن النظري والعملي الذي يجعل المضمونات تنضوي في الصور الخالية انضواء القيم في المتغيرات الرياضية التي تصور مكانا مجردا هي التي تبدعه إذا تكلمنا على الرسم والتي تصور زمانا مجردا هي التي تبدعه إذا تكلمنا على الموسيقى. لكن عند الكلام على إدراك الموجود عامة والمنشود عامة فإن الكلام فنحن نتجاوز الماوراء النسب إلى المحسوسات إلى المارواء المتجاوز للمعقولات هو الماوراء المطلق الذي يطبق على عالم الشهادة أي التجربة الطبيعية والتاريخي ليؤسس المعرفة في النظر والقيمة في العمل. أبو يعرب المرزوقي 159 الأسماء والبيان
53 7 - - ويقاس عليه ما وراء هذا الماوراء الذي يطبق على عالم الغيب بوصفه ممكنا بمثل تعتبر هذا المقدرات مشيرة إليها دون أن تكون من جنسها لأنها ليست صناعة وتصوير إنسانيين بل خلق وأمر إلهيين :لكأننا قلنا إن الله الذي يقول في القرآن إنه يخلق بكن (لغة معرفية) ويأمر بكن (لغة قيمية) لا نستطيع تخيله إلا بوصفه مبدعا للخلق والأمر بشروط المعرفة والقيمة التي هي شروط لغوية (كن الخالقة وكن الآمرة) مثل المقدرات الذهنية النظرية والعملية كما سماها ابن تيمية متقدمة على اللغة الطبيعة. أبو يعرب المرزوقي 160 الأسماء والبيان
53 7 - - يترتب على التمهيد الذي يمثل الفصل الأول من الفصول الخمسة التي أضفتها الى العشرة السابقة لختم البحث في العلاقة بين آل عمران 7وفصلت 53ولفهم علل التحريف الذي أصاب فكر الأمة في علومها الغائية الخمسة (التفسير الذي هو الأصل والكلام والفلسفة الفرعان النظريان والفقه والتصوف الفرعان العمليان) وقصورها في علومها الآلية الخمسة (الوسميات التي هي الأصل واللغة والتاريخ أداتا علوم الدين الاساسيتان والمنطق والرياضيات أداتا علوم الفلسفة الاساسيتان) وما تلاها من عقم في إبداع شروط الاستعمار في الأرض (مهمة الإنسان الشارطة لبقائه) والاستخلاف فيها (مهمة الإنسان المحددة لمنزلته الوجودية) أن أعالج أربع مسائل علاجا خطاطيا لأن التعمق في أي منها يعني الزيادة في عدد الفصول وتكرار ما سبق أن بينته في محاولات سابقة: أولا: ثلاثة منها تتمثل كل واحدة منها في مقارنة بين نصين من الفكر المسيحي ذوي دلالة في فهم موقفه من الإسلام والعلاقة بين المسيحية والإسلام خلال الانتقال من القرون الوسطى إلى عصر الحداثة .وذلك في مسائل تتعلق: .1بطبيعة الدين ودور العقل فيه (توما الاكويني ولوثر) .2وبرؤية العلاقة بين العالمين الربوبي والإنساني ومنزلة العقل فيهما (لايبنتس ومحمد اقبال) .3وأخيرا برؤية العالم التي تنتهي إلى القول برد التاريخ الإنساني إلى التاريخ الطبيعي (هيجل وماركس). وإذن فهذه المحاولة تعالج المسألة بالاعتماد على ستة نصوص تبحث في علاقة الغرب بالإسلام خلال هذه النقلة من منظور العلاقة بين الديني والفلسفي أو بين الوحي والعقل .والغاية هي فهم أبو يعرب المرزوقي 161 الأسماء والبيان
53 7 -- علاقة الفكرين الكلامي والفلسفي خلال تدرجهما نحو الحداثة التي تظن غربية ثمرة لمعجزة العبقرية الأوروبية مثلما كانت الحقبة اليونانية تفسر بالمعجزة اليونانية التي بينت وهاءها في كتاب قديم حول علاقة اليونان بمصر وبابل. ومعنى ذلك أن هذه المحاولة انتهي إلى مراجعة تاريخ العلاقة بين الفلسفي والديني وبين فلسفة التاريخ وفلسفة الدين وسر عدم فهم المسيحيين للإسلام رغم محاولتهم محاكاة ثورتين المحررة للإنسان من الوساطة في حياته الروحية أو الأخروية ومن الوصاية في حياته المادية أو الدنيوية. لكن ما يعنيني في هذه المحاولة هو مدار النصوص حول رؤى المتكلمين والفلاسفة الغربيين لعلاقة الدين بـ\"العقل\" ونظرية المعرفة والقيمة قولا بالمطابقتين المعرفية والقيمية ونفيا لهما في صلة بصدام فكر أوروبا المسيحية التي انتقلت من قرونها الوسطى إلى ما يسمى حداثتها. ثانيا: والمسألة الأخيرة تختم البحث في شروط الاستئناف باعتماد العلاقة السوية بين الآيتين آل عمران 7وفصلت 53اللتين قلبت دلالتهما القرآنية التي أخرجت علوم الملة عن المعاني الأساسية في القرآن الذي حرف فصار رمزا للاعقل حتى صارت الآية التي تنهى عن التأويل وكأنها حاضة عليه والتي تحدد محل البحث في حقيقة القرآن وكأنها ناهية في حين أنها حاضة على طلبها في الآيات التي يرينها الله في الآفاق وفي الأنفس مجال البحث العلمي الطبيعي والتاريخي وتطبيقاتهما(الآفاق) والعضوي والروحي وتطبيقاتهما (الأنفس) لتحقيق شروط الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها. وتتضمن هذه الفصول المسائل التالية التي سأدرس أهم دلالاتها من خلال نصوص ممثلة للإشكالية الأساسية في العلاقة بين المسيحية والإسلام في فكر علم الكلام وفي فكر الفلسفة .وسنرى أن غاية هذا المسار من المسألة الأولى إلى المسألة الثانية ينحو بصورة شبه حتمية إلى الحل الهيجلي الماركسي. أبو يعرب المرزوقي 162 الأسماء والبيان
53 7 - - بمعنى إلى العرض الفلسفي الدلالة العميقة للمسيحية واليهودية وما به تختلفان جوهريا عن الإسلام ما يعني أن دور علاقة أوروبا بالإسلام من حيث هو دين ومن حيث هو حضارة كان المحدد الأساسي لبيان طبيعة ما يسميه القرآن تحريفا للمسيحية وغايته الهيجلية واليهودية وغايته الماركسية: .1الفصل الثاني عشر وهو هذا بعد التمهيد يعتمد نصين مميزين لرؤية المسيحية لبداية تأسيس أهم مدارسها الكاثوليكية في القرن الثالث عشر (نص لتوما الأكويني) ولبداية تأسيس أهم حركة في الإصلاح الديني في القرن السادس عشر (لوثر) أي في القرون الثلاثة التي نقلت الفكر الغربي من القرون الوسطى إلى الحداثة. .2الفصل الثالث عشر بعده يعتمد نصين كذلك لكن هذه المرة أحدهما جاء بعد الإصلاح الديني وهو يتعلق بموقف لايبتس حول القضاء والقدر ومناسبة الكلام في الإسلام بخصوصهما والنص الثاني هو رد محمد اقبال عليه في ما يمكن اعتباره بداية التحديث الفلسفي عند المسلمين. .3الفصل الرابع عشر بعده يعتمد على نصين أحدهما لكنط والثاني لهيجل وفيهما المقابلة بين التنوير والفلسفة الحديثة (كنط) والنكوص إلى العصور الوسطى والفلسفة القديمة (هيجل) ومدار الخلاف هو النقد ونقد النقد وطبيعة العقل وقدراته وعلاقة ذلك بما بين الإسلام والمسيحية من علاقة سرها هو سر المواقف من المطابقتين. .4الفصل الخامس عشر هو محاولة استعادة العلاقة السوية بين آل عمران 7فصلت 53شرطا في التحرير من التحريف والشروع في الاستئناف الذي يجعل الأمة قادرة على تحقيق شروط الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها كما يحددها القرآن الكريم في هذين الآيتين. لن يتجاوز العلاج في المسائل الثلاثة الأولى بيان الإشكال في النصوص بعد ترجمتها إلى العربية وتحديد عقدة العلاقة بين الحضارتين وبين الرؤيتين الدينية والفلسفية التي تجعلني أعتقد أن فشل الحل الذي ترتب على غاية هذه المسار هو الدليل القاطع على الرؤية القرآنية. أبو يعرب المرزوقي 163 الأسماء والبيان
53 7 - - وقبل ذلك لا بد من الكلام على الدافع الراهن في الفاعلية التاريخية الإسلامية التي برزت في شعار الثورة ممثلا ببيتي الشابي اللتين تتعلقان بمراجعة مفهوم القضاء والقدر في علاقة بفاعلية الإنسان التاريخية .وقد بدأت فكريا في اللحظة الأساسية التي أسست الحداثة الغربية من خلال موقف أحد أكبر فلاسفة الغرب (لايبتس خلال معركة مع كلارك ممثلا لينوتن) حول مفهوم القضاء والقدر تحت عنوان \"الفاتوم المحمدي\" في أدلة دفاعه عن العدل الإلهي ونظرية أفضل العوالم الممكن وبدأت عندنا في رد محمد اقبال عليه. والإشكالية بلغت الذروة في شعار الثورة المستمد من بيتي الشابي حول القضاء والقدر لأن هذين البيتين صارا رمز الثورة كلها في كل بلاد العرب حيث صار اللقاء بين الشعر والقرآن من أهم مميزات اللحظة الثورية العربية التي تعتبر لحظة الوعي بشروط الاستئناف .ويمكن القول إن الإشكالية الأصلية الأولى كما طرحت في علاقة الغرب بالإسلام مدارها: .1موقف البداية الذي كانت بدايته موقف توما الإكويني من الإسلام بوصفه دينا وثنيا وحركة الإصلاح من الإسلام بوصفه دينيا شيطانيا .وكلا الموقفين يتأسسان على القول بالمطابقتين في نظرية ا لمعرفة ونظرية القيمة. .2موقف الغاية الذي كانت النقد الكنطي ونقد النقد الهيجلي منه في علاقة بنظرية المعرفة وبنظرية القيمة وعلاقتهما بالموقف من الإسلام كذلك. .3الموقف الأوسط الذي كانت بدايته موقف لايبنتس ورد محد اقبال عليه ورغم كونه الوسط فإني اضعه كغاية لأن رد محمد اقبال يجعله شبه تحرر من الموقف الهيجلي والماركسي وعودة إلى لحظة الوصل بين القرون الوسطى والحداثة ممثلة بلايبنتس الذي مثل نوعا من نقد النقد الديكارتي للفكر القديم وإعادة بناء فكر ا لحداثة على مفهوم التواصل بدل مفهوم القطيعة: • فموقف لايبنتس من أشكالية أفعال العباد مع وصلها بإشكالية أفعال الله أو العلاقة بين الحريتين حرية الله وحرية الإنسان والنظامين الطبيعي والتاريخي أو قضية افضل العوالم الممكنة وخصومته مع نيوتن ممثلا بممثله كلارك. أبو يعرب المرزوقي 164 الأسماء والبيان
53 7 - - • قصور رد محمد اقبال عليه لأنه يرد من منطق نظرية أرواح الشعوب الهيجلية دون فهم للعائق الذي يوجد في حل علم الكلام سواء اختار الاعتزال وهو أميل إليه أو الأشعرية وهي التي توصلت إلى نصف الحل؟ لكن الفصل التمهيد وفصل الختام كلاهما من مجال آخر يتجاوز الخصومتين إلى المنظور الذي استنتجته من قراءتي للقرآن الكريم ومن نقدي للنكوص الهيجلي الذي حرف الفلسفة والدين في آن وانتهى إلى خرافة المصالحة التي تجعل الإنسان والله حبيسين في عالم الشهادة اعتمادا على كذبتي العلم المطلق (فينومينولوجيا الروح) والدين المطلق (فلسفة الدين). سأعتمد إذن نصين أحدهما لتوما الأكويني والثاني للوثر انتخبتهما من كتاب كارل يوسف كوشل: الأديان من التنازع إلى التنافس لسنج وتحدي الإسلام الذي ترجمته مناصفة مع الأستاذ منير الفندري استاذ الألمانية في جامعة منوبة وصدر عن مؤسسة كلمة بأبو ظب سنة 2009ولما كان النصان من القسم الأول -في علم الكلام-الذي ترجمه الزميل فإني سأعيد الترجمة لأتحمل مسؤولية ما سأقوله بالاعتماد على ترجمتي الشخصية كالحال في القسم الثاني-في الأدب لأننا اتفقنا على أن يترجم كل واحد منا ما يتعلق باختصاص الثاني حتى تكون الترجمة بعين بكر وطبعا كل منا راجع عمل الثاني .لكن الترجمة تبقى لصاحبها ولا أريد أن أحملها مسؤولية قراءتي للنصين. فكان من الواجب قبل ذلك من نقلة وسيطة هي محاولة لايبنتس في تعليل رؤيته في صراع مع مدرسة نيوتن ديكارت من خلال الجدل مع كلارك ونظرية أفضل العوالم ونظام الساعة المغنية عن التدخل الإلهي في سير العالم .ودفاع لايبنتس على رؤيته هي التي أدته إلى التعليق على ما يسميه الفاتوم المحمدي أو نظرية القضاء والقدر التي تلغي حرية الإنسان. وهي الوسط بين المعركة التي حددت صورة الإسلام في الكلام المسيحي والترجمة الفلسفية التي ستنتهي إلى معركة كنط والتنوير من جهة وهيجل والنكوص إلى القرون الوسطى والفلسفة أبو يعرب المرزوقي 165 الأسماء والبيان
53 7 -- القديمة من جهة ثانية .وعندما أتكلم على ديكارت فلابد من الكلام على الطريق الثانية للعلاقة بالإسلام وهي غير ألمانية مرتين: .1واقصد المدرسة الكلامية الصوفية بما يشبه الأشعرية الغزالية التي مال إليها ديكارت وحتى باسكال :المدرسة الجنسينية .وهي اسبانية. .2المدرسة التوحيدية بالمعنى الكلامي العقلاني بما يشبه الاعتزال التي مال إليها من يجد في الإسلام القول بالوحدانية ونفي الكلام المسيحي :المدرسة السوسينية .وهي إيطالية. فتكون علاقة الفكر المسيحي الكلامي والفلسفي بالإسلام في عصر الحداثة ذا خمسة مصاد في مستوى العلاقات الفكرية بين الحضارتين إضافة العلاقات المعيشة سلما وحربا بينهم منذ بداية الفتح إلى بداية حروب التحرير في جل بلاد الاسلام التي استعمرها الغرب الذي يسيء الفهم من يتصور قطيعته مع المسيحية الوسيطة تعني قطيعته مع ما ربي عليه من مناصبة نخبة العداء للأمة وللإسلام لأن أهم مؤسسة تربوية غربية ما تزال إلى الآن من توابع المؤسسات الكنيسية أو المؤسسات الحربية بكل أبعاد الحرب وخاصة الحرب التي تهدف إلى الاستحواذ على ثروات دار الإسلام: .1المدرسة الألمانية (العلاقة بالفتح التركي والمعركة بين البابا وولي العهد الألماني الذي سيصبح قيصر المسيحية بوصفه في آن ألماني واسباني وزعيم الإسلام وحرب الاسترداد والصمود أمام الفتح العثماني وخاصة في معارك البحر الابيض المتوسط. .2المدرسة الإيطالية وبابوية والمعركة السوسينية. .3المدرسة الاسبانية الفرنسية والمعركة الجنسينية. .4المدرسة الانجليزية والمعركة الربانية -التييسم. .5المدرسة الهولندية وتجمع بين كل هذه المجارس لأنها كانت جامعة بينها وبين كل من هاجر من اسبانيا إليها ومعركة وحدة الوجود ومركز التجديد الفلسفي والعلمي. أبو يعرب المرزوقي 166 الأسماء والبيان
53 7 -- النص الأول :الإسلام ليس فرقة مسحية مارقة بل وثنية نص توما الاكوين \"إن علاج الخلاف مع الإسلام لم يبق جدالا عاما بل صار يجري بمنطق الدفاع العقلي .فالإسلام عند توما الاكيويني لم يبق \"فرقة مسيحية مارقة\" بل هو دين قائم بذاته وليس ضلالة عقدية بل هو وثنية ينبغي أن تؤخذ مأخذ الجد عقليا على الأقل .والوثنية هي ما ينبغي دحضه .أما الضلالة العقدية فيكفي المرء أن يحكم بفسادها .ومن ثم فقد سلم توما لمحاوره كذلك بما نسبه من اعتراضات إلى المسلمين على المسيحية: \"-1وبالفعل فهذا كما أرودت ما يحاربه الكفار ويسخرون منه .فالعرب (السراسان يعني المسلمين) يسخرون بالذات مما ذكرت أعني من كوننا نصف المسيح بابن الله في حين أنه لا صاحبة له. -2وهم ينظرون الينا كمجانين لأننا تؤمن بثلاثة آلهة. -3كما يسخرون من كوننا نزعم أن المسيح ابن الله صلب من أجل لإنجاء البشرية -4لأن الله وهو القدير على كل شيء كان يمكن أن ينجي البشرية دون آلام ابنه -5كما أنه كان يمكن أن يخلق البشر خلقة تحول دونهم والسيئات-6 .ثم إنهم يعيبون على المسيحيين أنهم يأكلون ربهم يوميا في القداس بحيث إن بدنه حتى لو كان بعظم جبل لكانوا قد استنفدوه بعد\". سأكتفي باستخلاص المعنى الأساسي مما اقره توما الاكويني لمحاوره أعني القطيعة مع رؤية المسيحيين للإسلام بوصفه فرقة مارقة حرفت المسيحية واستبدالها برؤية أخرى تعتبره دينا وثنيا أو دينا طبيعيا لا يعتمد على الوحي والنقل بل هو مثل الفلسفة كما يرونها رؤية وثنية أساسها العقل كما يتبين من الحجج التي تنسب إلى المسلمين في ردهم على الرؤية المسيحية للدين المنزل: أبو يعرب المرزوقي 167 الأسماء والبيان
53 7 - - الاحتكام إلى العقل في تحديد تناسق العقيدة ورفض الأسرار التي تتجاوز فهم ا لعقل.1 .الإنساني المسيح بشر رسول وليس ابن الله.2 . الإنسان لا يحتاج إلى وسيط في شأنه الروحي وهو غني عن الكنسية.3 الإنسان لا يحتاج إلى وصي في شأنه الدنيوي وهو غني عن الحق الإلهي في الحكم (بمقتضى.4 .)القسمة ما لله وما لقيصر وإذن فالإسلام في رؤيته ليس دينا بالمعنى المسيحي للدين وهو إذن ليس فرقة مارقة من.5 المسيحية بل هو رؤية وثنية أقرب إلى الرؤى الفلسفية منه إلى الرؤى الدينية التي من .جنس المسيحية Die Auseinandersetzungen mit dem Islam wird nicht länger plump-polelisch, sondern retional-apologetisch geführt. Der s nicht länger eine « christliche Irrlehre », وIslam ist für Thoma sondern eine eigenständige religion, nicht Häresie, sondern Heidentum, das zumindest intellecktuell ernstgenommen werden muss. Heidentum muss man widerlegen, Häresie braucht man nur zu verurteilen. Thomas lässt sich denn auch von sienem Gesprächspartner die Einwende der Musmlime vorgeben : « Dies ist ja, was, wie du berichtest, von den Ungläubigen bekämpft und verspottet wirde : Die Sarazenen spotten nämlich darüber, wie du sagst, dass wir Christus als Sohn Gottes bezeichnen, wo Gott doch keine Frau gabe ; und sie أبو يعرب المرزوقي 168 الأسماء والبيان
53 7 -- betrachten uns als verücket, weil wir uns zu drei Peronene in Gott kennen ; denn si glauben, dass wir uns daduch zu drei Göttern bekennen.Sie spotten auch darüber, dass wir behaupten, Christus, der Sohn Gottes, sei zur Erlösung des Menschengeschlesstes gekreuzigt worden, weil, wenn Gott allmächtig sei, er das Menschengeschlect ohne das Leiden seines Sohnes hätte erlösen können ; er hätte den Menschen auch gleich so erschaffen können, dass er nicht sündigen könne. Ausserdem werfen sie den Christen vor, das si täglich im Altarsakrament ihren Gott verzehren, und dass der Leib Christi, wenn er auch so » gross wie ein Berg wäre, schon konsumirt sein müsste vom :\"وقد انتخبت هذا النص كما ورد في كتاب يوسف كوشال \"الأديان من التنازع إلى التنافس Streit zum Wettstreit der Religionen :Lessing und die .Herausforderung des Islam ; Patmos Verlag Dusseldorf 1998 s.61 وبذلك نصل إلى غاية هذا التطور في رؤية الغرب المسيحي بمدخليه الكلامي والفلسفي المشترك وذلك هو مضمون نص لوثر ولكن في مستوى ثان هو.بين الكاثوليكية بداية والبروتستنتية غاية وقد انتخبت النص.غاية الموقف من دور العقل في الدين من حيث هو دوره المعرفي ودوره القيمي من نفس الكتاب لكارل يوسف كوشال الذي سبق أن ترجمته مناصفة مع أستاذ الألمانية في جامعة مباشرة بعد عودتي من ماليزيا ونشر في مؤسسة كلمة بأبو2008 منوبة الاستاذ منير الفندري سنة 2009 ظب سنة أبو يعرب المرزوقي 169 الأسماء والبيان
53 7 - - Karl-Josef KUSCHEL ,VOM STREIT ZUM WETTSTREIT DER RELIGIONEN, LESSING UND DIE HERAUSFORDERUNG DES .ISLAM, PATMOS 1998, SS. 68-69 (M.Luther Ein Heerpredigt wider Türken, in WA Bd.30 ii Weimar )1910 s.160-179 Zitat s.168 النص الثاني :الإسلام دين العقل الإنساني المتكبر نص لوثر وهذا النص عجيب لأنه ينطلق مما نتيجة النص السابق في اعتبار الإسلام وثنية وليس فرقة مارقة من المسيحية كما كان ذلك سائدا في القرون الوسطى ولكن للحسم في أنه ليس وحيا لأنه يستند إلى العقل واعتبار ما ينطبق على الإنسان من مبادئ وقيم ينطبق على الله .وسنرى أن هذا الكلام ينبني على ضميرين مثله مثل كلام الاكويني وهما: .1القول بالمطابقة في نظرية المعرفة بمعنى إطلاق علم الإنسان واعتبار الدين يبلغ للإنسان معرفة متجاوزة لما يستطيع علمه وليس منبها إلى كونه غير محيط بالغيب المعرفي الذي يطالبه بالإيمان بوجوده دون أن يعلمه بمضمونه. .2القول بالمطابقة في نظرية القيمة بمعنى إطلاق عمل الإنسان واعتبار الدين محتويا يبلغ الإنسان تقييما متجاوزا لما يستطيع الإنسان تقييمه وليس منبها إلى كونه غير محيط بالغيب القيمي الذي يطالبه بالإيمان بوجوده دون أن يعلمه بمضمونه. يقول كارل يوسف كوشل\" :فمن المثير في هذه الرؤية أن لوثر كان بعد في القرن السادس عشر قد قدم تقييما للقرآن لم يصبح ذا دلالة تاريخية قوية إلا بعد مائتي سنة لاحقا في عصر لسنج .ذلك أن لوثر يسلم بأن القرآن كتاب عقل وهو أمر يزيد في النفور منه نفورا مطلقا إذ إن القرآن أبو يعرب المرزوقي 170 الأسماء والبيان
53 7 - - يصبح بذلك عنده ليس إلا وثيقة شنيعة لقوة الإنسان الذاتية التي تعتمد على مبدأ \"العدل في مجازاة الإنسان على أفعاله= Werkgerechtigkeitمفهوم عسير الترجمة\" الجدير باللعن. فالقرآن -كما جاء نصا في كلام لوثر\" -هو عقل إنساني متكبر على كلمة الله وروحه (أي الوحي)\" .فقانونه لا يعلم شيئا آخرا غير ما يقبل عقل الإنسان وتخريفه تحمله\". Dabei ist aufregend zu beobachten, dass schon Luther im 16. Jarhundert eine Wertung des Koran vornimmt, die erst 200 Jare später, zu Lessings Zeiten, geschichtmächtig werd. Denn schon Luther erkennt im Koran ein Buch der Verfnunft, was in ihm freilich der Abscheu nur noch vergrössert, ist doch der Koran damit nichts als einDokument schändlicherSeblstmächigkeit des Menschen, verdammungs-würdiger « Werkgerechtigkeit ». Der Koran ist-so Luther wörtlich-« eitel menscliche vernunft on Gottes wort und geist. Denn sein gezetz lehrtet nichts anders, » denn was menschliche witze und vernunft wol leiden kan وتلك هي غاية الدلالة على ما سماه الإكيويني وثنية لأن العدل في المحاسبة على الافعال تتضمن التحرر من الجزاء التحكمي باللطف الإلهي الذي هو في الحقيقة اساس الوساطة والشفاعة والحاجة إلى المسيح ونائبته الكنسية في الشأن الروحي والثيوقراطيا في الحكم السياسي: .1فالعدل في الحكم الإلهي المستند إلى مجازاة الأفعال دون حاجة للطف او شفاعة يذكر بمفهوم افلاطوني هو ثالثة الفرضيات التي بمقتضاها يحكم بإعدام الملحدين أعني أن الله يقبل \"الرشوة\" فتغريه النذر والأضاحي لكأنه مثل الحكام من البشر الذين يقبلون \"الرشوة\" .المفهومان الثانيان أولهما نفي وجود الله والثانية نفي أن ينشغل الله بالعالم أبو يعرب المرزوقي 171 الأسماء والبيان
53 7 -- وبالبشر والأخيرة هي التي يعيب على لوثر على الإسلام رفضها بمبدأ الجزاء بحسب الأفعال دون أي شيء آخر. .2والعلة هي ما يسميه كبر العقل -وهو مفهوم سنرى في الفصل الرابع من اهم ما يعيبه هيجل على الإسلام وعلى التنوير إلى حد التمييز بين عقل الراي Der Verstandوالنهى -Die Vernunftالذي هو \"تخريف\" العقل. .3تصور الاحتكام إلى الأفعال في الجزاء سلبا وإيجابا دالا على تحكيم العقل الإنساني في مفهوم العقل معرفة وتقييما في القرآن مبنيا على القول بالمطابقتين لكأن اعتماد القرآن في مخاطبة الإنسان على عقله معرفة وتقييما مطابق لعلم الله معرفة وتقييما .فمثلا لا يخطر ببال لوثر أن القضاء الإنساني في الإسلام يميز بين الحكم بالظاهر والله يتولى السرائر وأن القضاء الإلهي يوم الدين واعتماده على الافعال يضيف إلى علم الظاهر العلم بالسرائر واستحالة كذب الإنسان لأن كل جوارحه تشهد عليه أو له فضلا عما يسجله الملكان اللذان يوجدان على يمينه وشماله.. .4وحتى كلام فلاسفة التنوير ومنهم لسنج على عقلانية الإسلام ومثله الربانيون الانجليز (التييست) فإنهما مبنيان على القول بالمطابقتين ولم ينتقل الفكر الغربي إلى نفي المطابقتين إلا بفضل النقد الكنطي ولهذه العلة فكلام كنط في مقالة ما التنوير مداره على معيار الافعال والرشد وحرية الفرد الإنساني وعما يمكن أن يحول دونه وهذه الحرية والرشد أي ما يبقيه قاصرا في حياته الروحية (الكنسية) والسياسية (الحكام). .5من هنا تحول كل الإشكالية في المعركة بين هيجل وكنط حول مفهوم العقل وعلة تسمية هيجل كتابه فينومينولوجيا الروح والفصل بين العقل بمعنى رأي الحصاة -فارشتند-والعقل بمعنى حكم النهى-فارنونفت .التي سبقتها معركة السبيوزية أو معركة الحرية والجبرية وذروتها مسألة القضاء والقدر والتي يمكن اعتبار رمزها لسنج وابن مندل ويعقوبي وقد تدخل فيها كنط .لكن محاولة التمييز بين مستويي المعرفة النظرية الممكنة (الظاهرات) والممتنعة (الأشياء في ذاتها) لم توصله إلى التمييز بين العالمين ومنزلة العقل (كنط) وهو أبو يعرب المرزوقي 172 الأسماء والبيان
53 7 -- ما آل النكوص الهيجلي إلى بداية الإشكالية في القرون الوسطى للحكم على الإسلام بالاعتماد على القول بالمطابقتين. أبو يعرب المرزوقي 173 الأسماء والبيان
53 7 - - القسم الأول ملاحظة: طال اعداد هذا النص وتفرع وحالت الأحداث دون اتمامه في حينه .وقد اضطررت لقسمته إلى فصلين .اليوم أنشر فصله الاول وإن شاء الله يأتي دور الفصل الثاني وهو مخصص للايبنتس ورد محمد إقبال على موقفه مما يسميه الفتاليسم الإسلامي مع مدخلين يعدان إليه. وطبعا فرد اقبال ما كان لتعنيني لولا علاقته بأهم شعارات الثورة الحالية بعد أن صارت جامعة بين التحرر (من الاستبداد والفساد في الداخل) والتحرير (من الاستعمار والتفتت في الخارج): الشعار هو صوغ الشابي لمفهوم القضاء والقدر بكلامه على إرادة الشعب. ففيه إذن وصل بين ثورة التحرر الحالية وثورة التحرير السابقة وهو وصل يعتبر الآن ذروة اللحظة الدالة على الجمع بين شرطي الاستئناف وغايتيه :الجمع بين التحرر والتحرير لأن كلا منهما علة ومعلولا لأهلية الإنسان بمنزلته الوجودية حرا كريما بعدي التكليف. النص لم يعد خفيا عن أي متابع لما يصنف في تاريخ الفكر الإنساني أن أوروبا حرفته مرتين وليست في ذلك استثناء: .1الأولى عندما اعتبرت الفكر اليوناني ثمرة خرافة سموها المعجزة اليونانية بدلا من الاعتراف بما لم ينكره كبار فلاسفة اليونان مما يدينون به لحضارة الشرق المتقدمة عليهم. ومثال ذلك شهادة أرسطو في المقالة الأولى من الميتافيزيقا واعترافه بأن اليونان يدينون بالتأسيس النظري للرياضيات لمصر. أبو يعرب المرزوقي 174 الأسماء والبيان
53 7 - - .2والثانية عندما اعتبرت الفكر الغربي الحديث ثمرة خرافة ثانية سموها المعجزة الأوروبية بدلا من الاعتراف بما لم ينكره كذلك كبار فلاسفتها مما يدينون به للحضارة الإسلامية المتقدمة عليهم والجامعة لما تقدم عليها دون نكرانه بل هي كانت تمجده. ولعل أبلغ شهادة ما قاله أحد كبار المؤسسين للعلوم الإنسانية والهرمينوطيقا قصدت فلهالم دلتهاي حول التحول الإبستمولوجي الذي تدين به أوروبا للمرحلة الإسلامية من تاريخ العلوم في كتابه مدخل لتأسيس علوم الإنسان :مدخل إلى علوم الإنسان محاولة لتأسيس دراسة المجتمع والتاريخ الجزء الأول الذي صدر في لايبتسش سنة Dilthey, Wilhelm: Einleitung in .1883 die Geisteswissenschaften. Versuch einer Grundlegung für das .Studium der Gesellschaft und der Geschichte. Bd. 1. Leipzig, 1883 وقد ترجمت الفصل المخصص لمصادر الفلسفة العربية من رابع أجزاء كتاب بيار دوهام في نظام العالم وسخريته اللاذعة من ارنست رنان صاحب ابن رشد اللاتيني وخرافاته حول عقم الفكر العربي والإسلامي (الطبعة الأولى بيت الحكمة 1985والثانية دار الفكر دمشق بيروت .)2002 لكن ذلك لم يلغ ما في تاريخ الانتقال من العصر الوسيط اللاتيني المسيحي إلى العصر الحديث في أوروبا العلامات الخمس التي يمكن إيجازها في المعاني التالية والتي هي ثمرة مراجعة ما توقفت دونه نظرية ابن خلدون في علاقة التغالب بين الحضارات ونظرية هيجل في صراع أرواح الشعوب: المرحلة الأولى: انقلاب البعد النموذجي في علم الكلام المسيحي واليهودي إذ صار علم الكلام الإسلامي رغم نشأته المتأخرة تاريخيا عنهما هو الرائد وقائد حركة الفكر الكلامي والديني في العالم طيلة ثمانية قروني وقد رمزت إلى ذلك في الفصل الثاني عشر من هذه المحاولة بما بغاية هذا الانقلاب التي حصلت بصورة نهائية في مرحلة كانت بدايتها موقف بتوما الأكويني منه الإسلام وغايتها موقف لوثر منه. أبو يعرب المرزوقي 175 الأسماء والبيان
53 7 - - المرحلة الثانية: انقلاب البعد النموذجي الفلسفي في الفكر الإنساني من الاكتفاء بعلاقة المعرفة العقلية بالرؤية الفلسفية للدين الذي تضعه الفلسفة بديلا من الأديان المنزلة إلى علاقتها برؤية الأديان المنزلة في المدرسة النقدية بصورة حاسمة ومحاولة الاعتراف بحدود المعرفة العقلية التي صارت تقتصر على عالم الشهادة ولا تنفي وجود ما يتعالى عليه وأصبحت تعتبره خارج نطاقها. ولعل ذلك من أهم ما يستفاد من الفصل الذي ترجمته من الجزء الرابع من نظام العالم لبيار دوهام وقد تعين خاصة في فكر ديكارت الذي نقل تأسيس نظام العلوم من التأسيس الميتافيزيقي إلى التأسيس الميتااثيقي فأصبحت أدلة وجود الله مقدمة على الطبيعيات منطلقا لكل تأسيس معرفي لأن الأمر في المعرفة صار بالأساس علاقة خلقية بين العقل والإرادة وليس طبيعية بين العقل والطبيعة. المرحلة الثالثة: الشروع بدوافع سياسية للشعب فيها دور شبيه بما كان عليه الامر في الرؤية الإسلامية التي تعتبر المشاركة فيها فرض عين أنتجت رؤية جديدة تتجاوز حصر الدين والعلم في النخب وسطاء ما أدى إلى الاستغناء عن اللغات الميتة الخاصة بالثقافة النخبوية واعتماد اللغات الشعبية وتطوير العاميات لتصبح حاملة للفكر الفلسفي والعلمي والديني بديلا منها مع ما ترتب على ذلك من تكون خمس لغات أوروبية متنافسة كل واحدة منها صارت رامزة إلى علاقة بعض ورثة الحضارة اللاتينية المسيحية بالحضارة العربية الإسلامية بالتناسب مع نقاط التماس بين الحضارتين نقاطها الخمسة بداية بإسبانيا ثم إيطاليا وفرنسا وانجلترا وآخرتها ألمانيا التي كانت في صدام مع الفتح الإسلامي العربي بداية والتركي غاية. وذلك لأن المؤلفات العربية صارت وخاصة منذ الحروب الصليبية جزءا لا يتجزأ من مسار الثقافتين الفلسفية العلمية والدينية السياسية في أوروبا ليس بوصفها وسيطا بين أوروبا واليونان فحسب أو بينها وبين التراث الإنساني القديم كله فحسب بل وكذلك بوصفها قد حددت علاقة جديدة بين أبو يعرب المرزوقي 176 الأسماء والبيان
53 7 -- الحضارات يكون فيها التخاصب ذا اتجاهين من العلوم النظرية الصورية الخالصة إلى العلوم النظرية التطبيقية مثل الرياضيات والطبيعيات والعكس بالعكس ومن الثقافة الفلسفية العلمية إلى الثقافة الدينية السياسة .وأبرز من أشار إلى ذلك فلهالم دلتهاي كما أسلفت. المرحلة الرابعة: وكان عامل التأثير الأهم هو الرؤية العربية الإسلامية الجديدة للعالم أي علاقة الدنيا بما يتعالى عليها والتي كانت أقرب إلى الرؤية اليونانية من حيث عدم ترذيل الدنيا بخلاف الرؤية اللاتينية المسيحية وذلك بمقتضى التوالج بين مفهوم الاستعمار في الأرض وما يتعالى عليه أو الاستخلاف في ا لرؤية الإسلامية وهو ما غير هذه الرؤية المسيحية للديني من حيث هو ديني - بشهادة هيجل في فلسفة التاريخ وتنزيل القيم الدينية فيه -وبشهادة هاينه في الأدب وتنزل القيم الدنيوية في رؤية العالم عند محاولته في تاريخ الأدب الألماني والأوروبي تعليل ما تميزت به ابداعات جوته (وقد بينت ذلك في ما كتبته عن جوته). المرحلة الخامسة: وهذه المعاني الخمسة تمثل جوهر الانقلابة الكيفية والقطيعة الفعلية مع العصور الوسطى الأوروبية والتي كلها بينة العلاقة بما بين الحضارتين من تواصل في السلم والحرب على حد سواء. وقد بداتها بالعلامة الأولى التي رمزت إليها بموقف توما الاكويني في القرن الثالث عشر وموقف لوثر في بداية القرن السادس عشر والمتمثلة في أصدق وصف قاله توما الاكويني وهو بالمقياس المسيحي جعله يعتبر الإسلام وثنية وليس دينا بالمعنى المسيحي للدين. وقد تطورت هذه الرؤية في عصر الانوار حتى الإسلام يعتبر دينا طبيعيا وعقليا وليس دينا منزلا ذا أسرار والغاز لا يقبلها العقل .فكلمة وثني في علم الكلام المسيحي الوسيط تعني الفلسفة اليونانية بالمقابل مع الدين المسيحي. لكن من له دراية بمنزلة العقل في الإسلام ينبغي ألا يفهم أن منزلة الدنيا فيه من جنس منزلتها عند اليونان وإلا لكان أقرب إلى الطبعانية بل هي منزلة يتصاحب فيها الاستعمار في الأرض أبو يعرب المرزوقي 177 الأسماء والبيان
53 7 - - والاستخلاف يكون فيها الأول مطية الثاني وامتحانه .ولولا ذلك لآل الأمر إلى مفهوم المصالحة الهيجلي فيصبح الإسلام قائلا بالمطابقتين مثله ولما كان لنقده التحريف المسيحي الذي هو معنى المصالحة الهيجلي ولنقده للفلسفة اليونانية التي هي معنى القول بالمطابقتين المعرفية والقيمية. فالإسلام مختلف عن رؤية الوجود المسيحية التي بلغت ذروتها في الهجيلية وعن رؤيته اليونانية التي بلغت ذروتها في المشائية .فهو يفرض المصالحة الهيجلية بين الغيب والشاهدة والمطابقة البارمينيدية بين الوجود والعقل. وبهذا المعنى فالعائق الذي عاشته أوروبا في خروجها من القرون الوسطى للتحرر من سيطرة غاية فكرنا على بداية استئناف فكرها شبيه بالعائق الذي نعيشه نحن اليوم للتحرر من سيطرة غاية فكرها على بداية استئناف فكرنا أحببنا أم كرهنا .وهذا العائق في الحالتين هو سيطرة رؤية الغالب على المغلوب وهو المعنى الذي ينبغي مراجعته لما فيه من الجمع بين الرؤيتين الخلدونية والهيجلية وهما الغايتان في الحضارتين. فسيطرة الرؤية الغربية للعالم الرؤية التي تؤثر فينا حاليا وسيطرة الرؤية الإسلامية التي أثرت فيهم خلال انتقالهم من القرون الوسطى إلى الحداثة قربت بين الرؤيتين ولم تلغ أيا منهما :كلانا أخذ ما كان ينقصه في بناء حضارته من النواة التي تميزه للمحافظة عليها وإذن فليس الامر علاقة صراع الحضارات الهيجلي ولا علاقة التغالب الخلدوني. فالعلاقة هي بين تعيين حضاريين كلاهما يمثل مسارا نحو الكلية الإنسانية وطلب الكونية التي تتطابق مع الإنساني من حيث هو إنساني ولا يمكن لأي تعين أن يكون هو الإنساني بل أحد وجوه التعدد في السبيل الموصلة إليه بما فيها إيجابا وبما ليس فيها سلبا بمعنى أن ما بينها من فروق ليس تفاوتا بل هو عين التعدد الذي تعنيه الآية 13من الحجرات أي إن الشعوب والقبائل تعددت للتعارف معرفة ومعروفا وكلها تسهم بما يميزها ولا تتصارع به إلا بسبب رؤية وجودية هي ما فهمه ابن خلدون بمعنى التغالب وفهمه هيجل بمعنى صراع أرواح الشعوب . أبو يعرب المرزوقي 178 الأسماء والبيان
53 7 -- وطبعا فكل متأثر بغيره لا يطابقه ولا يحاكيه دون المحافظة على ما يختلف به عليه فيكون خليطا بين ماضيه وحاضر من يحاكيه والحصيلة هي تجدد الذات وتغيير النموذج الذي صورته عند المتلقي غير ما هو عليه في ذاته عند أصحابه: .1فعندنا حضور ما يدين به المحاكي لذاته وماضيها وهو النواة المميزة التي تكون بها أي حضارة تلك الحضارة أو لنقل هويتها العميقة وسابين في بحث لاحق ان الحضارات في تدرجها إلى الكونية كما يحددها الإسلام تمر بخمس مراحل وتبقى عليها ولا تفاضل بينها ولكل من السالف بقاء في الخالف وتكيف مع ما يعتبر مكملا لتكوينيتها جميعا خلال السعي لتحقيق شروط وظيفتي الإنسان في الكون :الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها بفضل جهازيه المعرفية أي النظر والعقد والقيمية أي العمل والشرع كما بينت في دراسات سابقة: وكلها مقومة لكل هذه المراحل الخمس. فالمرحلة الأولى تبقى دائما المرحلة الأخيرة بمعنى أنها البداية والغاية وهي القدرة على إبداع شروط البقاء العضوي والروحي ولها شرطان قبلها شرطان بعدها والأولان بداية أداتية والثانيان نهاية غائية .والأولان هما الإرادة والعلم شرطا القدرة على شروط القيام العضوي والعلاقة بالتاريخ والطبيعة في مستوى الاستعمار في الأرض والثانيان هما الرؤية والذوق شرطا القدرة على شروط القيام الروحي والعلاقة بهما في مستوى الاستخلاف في الأرض. .2ثم حضور مثاله المؤثر فيه وما يدين به لحاجاته التي ألجأته إليه لأنه يجد لديه شروط سدها فتكون النواة هي المحددة للنقص وليس العامل الأجنب عنها. .3ثم فعل -1في -2هو الذي يصمد برؤيته لذاته أمام رؤيته لمن يجد فيه ما يسد به حاجاته لكأن منشودة الذي يلاحظه في غيابه في موجوده متحقق في موجود غيره عندما يقارنان بتصور مثالي للإنساني .وذلك هو دور المحافظة على الذات خلال تقليد النموذج .وفي هذا تنسيب لنظرية ابن خلدون في تقليد المغلوب للغالب ولنظرية هيجل في تعالي الغالب على المغلوب. أبو يعرب المرزوقي 179 الأسماء والبيان
53 7 - - .4ثم فعل -2في -1لأن الحاجة الراهنة لا تتغلب على الصمود المحافظ بل على ما يحول دون تجاوزه لذاته حتى يغيرها بمقتضى منشوده للتجاوز موجودها .فيكون ا لوعي بالحاجة بوصفها المنشود بالمقارنة مع الموجود تحرير الموجود مما هو ميت فيه .ويشبه ذلك تصرف البدن الآخذ في تعويض الأعضاء (الجراف) الذي لا يقبل من البدن المأخوذ منه إلا ما تقبل به حصانته العميقة لكيانه الحي أو لعملية التكيف وإلا لحصل الاندماج التام ولذابت الحضارة الآخذة في الحضارة المأخوذ منها كما يتوهم هيجل وابن خلدون. .5وتلك هي شروط إبداع ثمرات التجاوز وبذلك اعتبرت التفاعليين -3و-4مثالا حيا من عقم القول بنظرية التثليث لأن الحصيلة ليست حالة واحدة يكون فيها البقاء لما توهم غالبا أو حضارة أسمى فيزول ما يتوهم مغلوبا أو حضارة أدنى بل أحيانا العكس هو الذي يحصل. ومن فالرؤية الأصح هي نظرية التخميس وليس التجاوز الماحي للمغلوب في رؤية ابن خلدون أو للموضوع ونقيضه -الآوفهيبونج الهيجلي -بل هي تولد لقاء بين زوجين يصبحان في كيان الحضارتين والتفاعل ليس انفعالا قبالة فعل بل هو فعلان مختلفان ينتجان ثمرتين مختلفتين وتلك هي علة المفعولين المتكاملين بدلا من المفعول الواحد .فالمزاوجة بين التفاعلين هو سر التنوع الحضاري الذي هو من جنس التنوع العرقي المخصب للحياة العضوية وللحياة الروحية في تاريخ الإنسانية الذي هو واحد وكوني دائما. ولا بد هنا من التخلص من نظرية الفعل ورد الفعل حتى في النظرية الفيزيائية :فلو كان كل فعل مقابله رد فعل مساو له ومقابل في الاتجاه لاستحال التغير ولبقي كل شيء جامدا لا يتحرك .فلا يوجد فاعل خالص وراد فعل خالص بل كلاهم فاعل ومنفعل والفعل والانفعال معنيان بسيطان هو حدان بينهما وسيطان ومبدأ موحد وهو معنى المخمس .وقد كان ارسطو يعرف الحدين الاقصيين بالقوة الفاعلة والقوة المنفعلة .وفي الحقيقة فالمهم في الحالتين هو معنى الـ\"قوة\"أي الإمكان الذاتي وهو ما يفيد أن المنفعل له في ذاته قوة الانفعال ولا ينفعل إلا في حدودها فتكون هي عين فعله في ذاته لتنفعل لو اعتبرناه منفصلا عن الفاعل وتصورنا العلاقة بينهما من دون مبدأين متعال عليهما هو الذي يجعل العلاقة بينهما ممكنة: أبو يعرب المرزوقي 180 الأسماء والبيان
53 7 -- فما يجعل مادتين تتفاعلان في الطبيعة فعلا وانفعالا مستحيل الفهم من دون نظام متعال عليهما يجعلهما يتفاعلان ذلك النوع من التفاعل بمقتضى القوى الطبيعية الأربعة الأساسية المعلومة والتي هي بدورها بحاجة إلى قوة توحد بينها وهو ما يحاول العلم اكتشافها: .1القوة الذرية القوية. .2القوة الكهربائية المغناطيسية. .3وقوة الجاذبية وهي قوة المحافظة على نظام العالم بمستواه النيوتوني. .4والقوة الذرية الضعيفة. .5القوة التي لم تتحدد بعد-واعتبرها البرزخ الوجودي بين عالم الشهاد وعالم الغيب وبين ما يخطر على بالبشر وما لا يخطر على بالهم -هي القوة التي ينبغي أن توجد. فلا يوجد وعي إنسان يخلو من اعتبارها ما ليس منه بد ليكون للوجود معنى أو حتى لما فيه من اللامعنى وهي التي تحافظ على نظام العالم باللامتناهيين في الكبر وفي الصغر والتي توحد هذه القوى الأربع بوصفها فروعا عنها وليس هي الممسكة بالوجود المتجاوز لما يقبل الرد لرؤيتنا عنه لأن ما نعلمه من شاهد الوجود لا يكاد يساوي واحد في المائة منه فضلا عن غيبه. فهذه القوى الأربع محيطة بكل تفاعل بين المواد في العالم وإذن فليس فيها من تفاعل إلا بمقتضاها .ولما كانت هذه القوى هي بدورها متفاعلة فلا بد لها من قوة فوقها هي التي تمثل وحدة المجال الذي يجري فيها تفاعلها وهو نظام العالم إذا كنا نقول برؤية مادية أو مدبره إذا كنا مؤمنين بوجود الله وفي الحالتين فهو من قلب المخمس في هذه الحالة أعني قوة جاذبية ليس بين الاجرام (قانون نيوتن في العالم الوسط بين اللامتناهيين) ولا جاذبية ما فوق موضوع جاذبية نيوتن أو ما دونه بل ما جاذبية أسمى هي التي تجعل هذه القوى الأربعة تعمل معا وهي من ثم أصلها ويمكن اعتبارها في الخلق والامر عند المؤمن أو ما يماثله عن المادي .وتلك هي القوة الخامسة. أبو يعرب المرزوقي 181 الأسماء والبيان
53 7 - - فالقوي على الفعل له قدرة التمدد المؤثرة في غيره والقوي على الانفعال له قدرة التكيف مع فعل المؤثر فيكون التمدد الذي ينجر عن تؤثره هو المنشود في الموجود ذا الحضور بالغياب الواعي بغيابه في حالة الحضارات الإنسانية ويكون الوجود الحاضر عند المؤثر دالا على طبيعة الحاضر بغيابه في شكل منشود يقتضيه الموجود .وهو فعل في الذات يجعلها قادرة على تقبل ما تحتاج إليه من فائض قوة المؤثر .ولنأخذ مثال البدن الذي يغتذي :فهو إذ يجوع لا يأخذ من الغذاء إلى ما يسد حاجته وطبعا قد يخطئ فيأخذ ما يظنه غذاء فإذا به يصبح سما. ومن هنا فالأخذ مثل الأكل عند العاقل يقتضي أخذ المناسب ومن ثم فشرطه الوعي بطبيعة ما يحتاج إليه وما يأخذه وما يرفضه .فتكون حاجته فعلا وليست انفعالا لأنه بهذا الوعي ينتخب من الغذاء ما يستجيب لفعله في ذاته التي تعدل كيانها بما يجعلها ينمو :وإذن فلا بد من مراجعة نظرية ابن خلدون في التغالب ونظرية هيجل في التفاضل .فالمغلوب نوعان يقلد دون انتخاب ويبدع ما ينقصه فيكون الغالب عنده ليس نموذجا بما أبدع بل بالإبداع .والمفضول نوعان مفضول لا يعي فيم هو مفضول ومفضول يعيه .والأول يعتبر الغير هو بما أبدعه وليس بقدرته على الإبداع .لذلك فالعرب اليوم يعتبرون الغرب فاضلا عليهم بما أبدعه وليس بقدرته على ابداعه .والأول يمكن استيراده لكن الثاني لا يستورد بل يبدع من جديد. فالتأثر بالمبدعات انفعال مطلق والتأثر بالإبداع فعل مطلق لأنه فعل تكيف ليس الغير فيه إلا دليل الإمكان وليس شرط الوجود .ومن ثم فالعلاقة ليست علاقة فعل بانفعال بل علاقة فعلين أحدهما في الغير والثاني في الذات بصورة تجعل الذات لا تأخذ من الغير ما هو شرط قيامه بل تحيي مثله شرط قيامها فتتكيف ليس بمحاكاته بل بإبداع ما ينقصها وبالتحرر مما يعوقها انطلاقا من علاج وضعها الذي عليه ذاتها وليس انطلاقا من المؤثر إلا بما هو مادة لفعلها الذي يكون مثالا لمن يحسن علاج وضعه وليس مثالا لمن يستعار منه العلاج. وفي ذلك أيضا فاعلية إزاء الذات إذ إن فعل التكيف الآخذ من الغير يصحب فعل التحرر مما في الذات من ميت بما فيها من حي .ومثال ذلك أن الغربي لما تأثر بالمسلمين لم يصبح مسلما بل بقي مسيحيا مع أخذ ما يجعله يستفيد مما يتفوق عليه المسلم به فيكون فاعلا بنوع التلقي .ونفس الأمر أبو يعرب المرزوقي 182 الأسماء والبيان
53 7 - - يحصل الآن :فالمسلم تغرب بنحو ما لكنه بقي مسلما وتحرر مما في ذاته يحول دون تكيفه مع الظرف الجديد دون أن يفقد ذاته التي جعلته قادرا على التكيف وذلك هو الحي من ذاته .ومن ثم فالعلاقة ليست كما ظن ابن خلدون تقليد المغلوب للغالب بل علاقة بين فاعليتين واحدة يكون فيها ما يظن مغلوبا ساعيا لحيازة ما يجعله غالبا بإضافة علة الغلبة التي عند خصمه إلى ما في ذاته جعل خصمه يختصم معه. فعندما يأخذ المسلم العلوم الحديثة مثلا فهو ليس مقلدا بل متكيفا مع شروط البقاء التي غلب بها مؤقتا وحيازتها لها من جنس الغذاء الذي ينتخبه البدن ليبقى فيكون فيه حكمان: تشخيص الحال واكتشاف علة الضعف وهذا هو منطلق كل قوة وقد حصل ذلك بين المسلمين وفارس وبيزنطة ثم حصل بين المسلمين والأوروبيين وهو بصدد الحصول بين الغرب الأقصى والشرق الأقصى حاليا لأن التنافس بين الصين وأمريكا هو الذي يمكن أن يحدد مصير نظام العالم المقبل. ولا يمكن للمسلمين أن يستعيدوا دورهم إذا لم يحققوا شروط التكيف مع عالم العماليق باستعادة وحدة الاحياز الخمسة الجغرافيا والثروة والتاريخ والتراث والمرجعية اللاحمة للعناصر الأربعة المتفرعة عنها. وهكذا فالعلاج بالأخذ المفيد لا يختلف عن الاغتذاء وهو الذي يكون الحكم فيه قوة البدن الحي الاستيعابية والتحويل الذي تدخله عليه فتكون بذلك مرحلة جديدة في الابداع قد تجعل النموذج يتحول هو بدروه إلى حاجة تقليد مقلده :البدن الميت لا يحاكي ولا يقلد ولا يتكيف والبدن الذي يحاكي ويقلد ويتكيف لا يفعل إلا بما هو حي في كيانه وبه يتحرر من الميت منه في آن. وكل من له دراية بتاريخ أوروبا الحديثة يعلم أنها شرعت في الكلام بلغاتها العامية وفي تعليم أبنائها العلوم الحديثة مع بقاء اللاتينية شبة لغة مشتركة في المستوى الأكاديمي مع تدرج نحو اشتراك العلماء في خمس لغات علمية غالبة كلها ذات صلة مباشرة بوجود العربية في أوروبا وحضارتها وهي الفرنسية والانجليزية والإيطالية والألمانية مع التعويض المتدرج لأديان الفلسفة بالأديان المنزلة. أبو يعرب المرزوقي 183 الأسماء والبيان
53 7 - - وهو ما جعل البحث الفلسفي والعلمي في علاقة بالأديان المنزلة وعلم الكلام الذي لم يبق هامشيا بالمعنى الذي كان عليه في نظر المدرستين المشائية والافلاطونية اللتين كانتا تعتبران الأديان المنزلة مللا عامية وإيديولوجيا شعبية أصحابها شبه دراويش (أفلاطون وارسطو) من جنس ما يراه الماركسيون حاليا (الفارابي مثالا). وقد سبق أن عالجت الأمر في محاضرة حول الانتقال من علم الكلام القديم إلى علم الكلام الحديث (بيت الحكمة السنة الماضية .)2019كما يمكن العودة إلى نص بيار دوهام الذي نقلته إلى العربية منذ ثمانينات القرن الماضي ويتعلق بمصادر الفلسفية العربية (فصل من المجلد الرابع من كتابه حول نظام العالم) .كما يمكن اعتماد ما قاله أحد كبار مؤسسي العلوم الإنسانية ونظرية التأويل (الهرمينوطيقا) في الغرب فلهالم ديلتهي وما ينسبه من دور للمرحلة العربية الإسلامية في تاريخ العلم. ودون أن اجزم أن تغييب هذا الوجه من تاريخ الحداثة له علاقة وطيدة بالموقف من الإسلام الموقف الهادف إلى تغييب دور علاقة الفكر الأوروبي به لأن حضوره حتى في الفلسفة والعلوم لم يكن بالوسع نفيها .لكن غياب الكلام على دور مدرستين كلاميتين مهمتين وعلى دور الاصلاحين الديني والسياسي في الغرب الحديث يثبتان لكل مراقب نزيه أن حقيقة ما حدث فعلا. فهذا القصد حاضر حضورا مهيمنا على محاولة استبعاد دور الإسلام في التأثير العميق على التغير الجذري في رؤية العالم ونظرية المعرفة ونظرية القيمة في الفكر الغربي الحديث على الأقل قبل أن يحرفه هيجل وماركس وينكصان به إلى صراع الأرواح وصراع الطبقات وحصر تاريخ الإنسانية في تاريخها القابل للرد إلى التاريخ الطبيعي في عالم ليس له ما يتعالى عليه. لو لم يكن القصد العودة السريعة إلى الأوضاع الراهنة في العلاقة بين الإسلام والغرب لما اخترت لايبنتس طرفا غربيا واقبال طرفا مسلما في القضية ورمزا للعودة إلى الاستئناف الإسلامي موضوعا للفصل الثالث عشر .فرد محمد اقبال على أعظم فيلسوف ألماني وأكثر مفكري الغرب عداوة أبو يعرب المرزوقي 184 الأسماء والبيان
53 7 -- للإسلام بسبب قرب الفتح العثماني لبلده جعلته وسيطا بين بداية التحول في هذه العلاقة من حيث العلاقة بين الوحي والعقل فيهما وفضلته عل أي من الأزواج الثلاثة الموالية: .1لايبنتس ولسنج بأسلوب كلامي نقدي متجاوز لموقف الكلام المسيحي الايبتسي الذي أوصل لايبنتس إلى إشكالية ما يسميه الفاطوم الإسلامي لتمييز قوله بما يترتب على \"أفضل العوالم الممكنة\" عن نظرية القضاء والقدر الإسلامية. .2فولتار وروسو لعرض العلاقة بأسلوب أدبي ذي وظيفة اجتماعية لتجاوز السخرية من رؤية الإسلام للقضاء والقدر ودوره في النظام الاجتماعي أو نظرية الدين المدني في رؤية روسو والدين من حيث هو أداة حكم الدهماء في نظرية فولتار. .3جوته ولايبنتس لعرض العلاقة بأسلوب فلسفي ديني متجاوز لنظرية الفاطوم الإسلامي عند لايبنتس والمقابلة بين الفاطوم والتسليم لإرادة الله في ما يتجاوز ما يقدر عليه الإنسان وهو أمر يقتضي قول جوته بما توصل إليه كنط من نفي القول بالمطابقتين. أما الكلام على فولتار-رغم أنه أقل فلاسفة الحداثة انتسابا إليها لبعده كلاميا وفلسفيا عن روحها وسطحية آرائه الفلسفية التي يغلب عليها البعد الإيديولوجي المقلد سطحيا للربانيين الانجليز كما يتبين من علاقته بروسو -فلأن جل المثقفين العرب متأثرين بالفكر الفرنسي المغاربة منهم والمشارقة على حد سواء .وأكثر هؤلاء المثقفين رأفة بالشعب واحتقارا له في آن يقف من الإسلام الموقف الفولتاري معتبرين الدين مجرد أداة سياسية لحكم القطيع الشعب. ولن أطيل الكلام في هذه الأمثلة الستة لأني أريد الانتقال مباشرة بعد الكلام في رد محمد اقبال السطحي على لايبنتس لاعتماده على نفس الأسس أي على القول بالمطابقتين عند المعتزلة إلى علاج زوجين اخيرين هما كنط وهيجل (ومعه ماركس) وعلاجهما الحاسم في هذه الإشكالية موضوعا للفصل الرابع. فهيجل وماركس هما المؤثران الأهم في فكر النخب العربية والإسلامية حاليا لأن ربدة فكرهما هي نقد محاولة تأسيس الأخلاق على حدود العقل النظري والحاجة إلى الإيمان بما يقرب من المقابلة أبو يعرب المرزوقي 185 الأسماء والبيان
53 7 -- الكيفية بين العالمين عالم الشهادة وعالم الغيب .ولا شيء غير ذلك يرد إليه ما يمضغه من يدعون التفكير بين النخب العربية أو من يتصورون أن ما بعد الحداثة يمكن أن يخلصهم من التبعية في حين أن من يدرك حقيقتها يعلم أنها مجرد نتيجة فرعية للهيجلية والماركسية. وأكثر مفكري العرب كذبا ولصوصية فكرية يدعونها مشروعا فلسفيا من يزعمون أنهم يتجاوزون كنط بدعوى أنه يفصل بين الدين والأخلاق ويدعون تدارك ذلك في حين أن التأسيس الكنطي العميق يمكن رده إلى منطلق فلسفة النقد كلها عنده الذي الابستمولوجي فيه تابع للأكسيولوجي. فالفصل بين الظاهرات والحقائق في ذاتها عمادا لأبستمولوجيته هو شرط تأسيس الأخلاق على الإيمان عمادا لأكسيولوجيته لأنها شرط استثناء الإنسان من الضرورة الطبيعية التي هي شرط العلم .ومن ثم فالتحرر من الضرورة الطبيعية لتأسيس شرط الأخلاق او الحرية مسألة تحدد علاقة الديني بالفلسفي التي هي عين نفي المطابقتين القيمية (أكسيولوجيا) والمعرفية (ابستمولوجيا). وبهذا المعنى فجوهر ما نقل الفكر الغربي إلى الحداثة بمعنى الإصلاحين الديني والسياسي محيطين بالإصلاح الابستمولوجي والاكسيولوجي في صلة باللقاء الصدامي بين الحضارتين العربية الإسلامية والمسيحية اللاتينية جوهره الذي كان مخفيا لم يتضح إلا في النقد الكنطي وعلاقته بالنقد الديني والابستمولوجي البريطاني الذي كانت رؤيته الدينية وخاصة عند من تأثر بهم كنط مما يسمى بالنزعة الربانية-تييسم-أقرب تطور فكري في الغرب الذي انتقل من اعتبار الإسلام مجرد فرقة مسيحية مارقة إلى دين عقلاني طبيعي كما بينت في الفصل الثاني عشر والنقلة التي حصلت بين توما الاكويني ولوثر والموقف الحاسم في عصر التنوير ممثلا بلسنج. مراجعة تاريخ الانتقال من القرون الوسطى والحداثة وبيان وهاء الوصل المباشر بين الغرب الحديث واليونان مستحيل لأن الثغرة تبقى مما لا يسد بخرافة المعجزة الأوروبية في علاقتها بما قبلها بنظرية المعجزة اليونانية في علاقتها بما قبلها. أبو يعرب المرزوقي 186 الأسماء والبيان
53 7 -- وهذه الوسائط التي ذكرتها في الكلام وفي الفلسفة مع التركيز على التوالج بين نزعي الفكر الديني والفلسفي هدفها ليس الدفاع عن دور الإسلام والمسلمين بل استعادة حقيقة ما حصل حتى نفهم تاريخ الفكر الإنساني لأن الفكر الإسلامي من خصائصه الجوهرية أنه كوني وأنه لا ينكر ما بين الحضارات من تخاصب دائم :فالحضارة الإسلامية أكثر الحضارات حرصا على حفظ التراث الإنساني واعتبارا بفضل من تقدم عليها وذلك في الديني وثمراته وفي الفلسفي وثمراته على حد سواء. لذلك فسأكتفي بتعليقات سريعة على هذه الأزواج الثلاثة التي تجاوزتها للمرور مباشرة إلى ما يمكنني من العودة السريعة لراهن العلاقة وبعدها أدرس هذا الخيار :لايبنتس ورد محمد اقبال عليه خاصة وهو شديد التأثر بفلسفة هيجل ونظرية أرواح الشعوب. وهو أمر لم أستطع فهمه لأنه لا يمكن لمسلم مثله فاهم للقرآن أن ينسى النساء 1والحجرات 13 فيزعم أن لنظرية أرواح الشعوب التي هي لها أساس ديني بين في فكر هيجل بل هي أساس نظرية توالي الأديان الموصلة إلى أسماها أي إلى المسيحية في شكلها بعد الإصلاح. كيف يمكن لمحمد اقبال أن يزعم لنظرية أرواح الشعوب -التي هي هيجلية بالجوهر-معنى فينسب بمقتضاها الفلسفة الإسلامية إلى الفرس وينسى أن الفرس لا فلسفة لهم أصلا قبل الإسلام .فعلى حد علمي ليس للفرس مفكرين من حجم ابن سينا والغزالي أو حتى من تلوهم قبل الإسلام ما يعني أنهم ليسوا فلاسفة لأنهم فرس بل لأنهم مسلمون ولأن القرآن بالجوهر فلسفي وديني في آن. فالقرآن يجمع بين اسلوب علم الكلام الحجاجي شكلا وأسلوب الفلسفة في الاستدلال العلمي بالنظام الطبيعي والبايولوجي مع تحرره مما يفسد الكلام والفلسفة أي مما يحرفهما أعني من القول بالمطابقتين والتجانس بين العالمين عالم الشهادة وعالم الغيب .فالقرآن ينفي المطابقتين بجعل العلم اجتهاديا والعمل جهاديا ولا يوحد بين العالمين فيحول دون قيس عالم الغيب على عالم الشهادة بل يعتبر الثاني عالم النماذج التي يحاكيها الأول في سعيه للانتقال من الموجود إلى المنشود مع استحالة تحقيق المطابقة بينهما :لا يوجد علم إنساني محيط ولا عمل انساني تام. أبو يعرب المرزوقي 187 الأسماء والبيان
53 7 -- لسنج ولايبنتس بأسلوب كلامي فلسفي يتجاوز علة قول لايبنتس بالفاطوم. كانت حصيلة الموقف الذي يحول ما يسمونه عقلانية الإسلام مذمة كبرى ليعدوه وثنية وليس دينا منزلا لخلوه مما يعتبره المسيحيون أسرار الوحي الإلاهي التي لم يجدوها فيه -بين الاكويني ولوثر .لكن هذه النتيجة أصبحت في عصر الأنوار محمدة حتى صار الرد على أهم مدرستين كلاميتين قريبتين منها تتهمان بميل إلى الرؤية الإسلامية للديني -السيسونية الإيطالية والربانية الإنجليزية (التييست). وتلك هي بداية المحاولة التي أراد لايبنتس تنزيه رؤيته القائلة بأفضل العوالم عن قابلية الرد إلى التأثر بالنظرية الإسلامية العقلانية التي تؤمن مع ذلك بالقضاء والقدر .وللإنصاف فإنه ما ينسب إلى لايبنتس لا شيء يثبت أنه يتبناه كما سنرى لكننا ستفترض تسليما بالراي الذي ساد أن يتبناه .وفي هذه الحالة فإن ما فات لايبنتس هو شرط هذا الإيمان بالقضاء والقدر عند المسلمين باعتباره قولا بعلاقة حريتين حرية مطلقة للرب وحرية نسبية للخليفة-وهو معنى الكسب عند الأشاعرة حتى قبل التخلص من القول بالمطابقة المعرفية علما وأنهم متخلصون من المطابقة القيمية لرفضهم القول بالتحسين والتقبيح بخلاف المعتزلة -ومن ثم فالإيمان بالقضاء والقدر يعني الإيمان بهذا الفارق ومن ثم انفي المطابقتين :فعلم الإنسان محدود وعمله غير تام وإذن فكل ما يتجاوزهما قضاء وقدر بالنسبة إلى الإنسان. وفي هذه الحالة إذا فهمت حق الفهم يصبح سعي لايبنتس للتمييز بين ما يسميه اللطف الإلهي في المسيحية التي يعتبرها أساسا لنظريته في أفضل العوالم وبين إسلام الأمر للرب في الإسلام -وهو المعنى العميق لمعنى الإسلام-الذي وصفه بالفاتاليسم المحمدي ناتج عن قوله بالمطابقتين متوهما علم الإنسان محيطا وعلمه تاما .وطبعا لم يكن بوسعه أن يفهم الرؤية الإسلامية التي أدرك حقيقتها جوته كما سنرى فقال إن الإسلام لأمر الله وحكمته هو جوهر الإيمان الديني الذي لا يترتب عليه نفي حرية الإنسان عندما تدرك محدوديتها المعرفية والتقييمة أي عندما لا تقع في خطأ القول بالمطابقتين التي يمكن اعتبار الكنطية بداية فهمها وفهم الحاجة إلى التحرر من القول بالمطابقتين لتأسيس أبو يعرب المرزوقي 188 الأسماء والبيان
53 7 -- الأخلاق على الرؤية الدينية المجانسة للرؤية الإسلامية .وهو ما جعل هيجل يتهم فكره بكونه أميل إلى الرؤية الإسلامية. أكتفي في هذا القسم الاول من هذا الفصل بالزوجين الاولين وأترك الأزواج الأخرى إلى القسم الثاني من هذا الفصل ليكونوا مدخلا لدراسة رد محمد اقبال على رؤية لايبنتس للفاطوم المحمدي -القضاء والقدر عند المسلمين-رغم أني أعتقد أن لايبنتس لا يعبر عن رايه الشخصي في الموضوع بل هو يسعى إلى لنفي التهمة التي قد تناله بأنه ميال إلى الرؤية الإسلامية لأنه يعتبر ما يحاول دحضه راجعا إلى الراي السائد ولا يعتبره رايه الشخصي وهو بذلك قريب من راي جوته كما سنرى. القسم الثاني ختمت القسم الأول من هذا الفصل الثالث عشر بموقف شامل من الإسلام موقف ممثل لثقافة القرنين السابع عشر والثامن عشر أي العصر الكلاسيكي وعصر التنوير وفيه الأبعاد الكلامية والفلسفية والأدبية والتاريخية والسياسية وازدهار الاستشراق في كل بلاد الغرب واعتبرت لايبنتس (متكلم وفيلسوف ومؤرخ وسياسي) ولسنج (أديب وناقد لعلم الكلام وفيلسوف) ممثلين لهذه الحقبة. و كانت غايتها منظور التنوير بعد أن قدمنا في الفصل الثالث عشر حسم الموقف من مآل شروع الفكر الغربي في الإصلاحات الخمسة التي يمكن اعتبارها جوهر الحداثة تمثيلا لها توما بتوما الأكويني بداية وبلوثر غاية وهي إصلاحات في علاقة مباشرة باللقاءين التاريخي والفلسفي في أوروبا عن طريق فلاسفة الإسلام وجيوشه وفيها تغيرت صورة الإسلام مما جعل ما كان فيها يعتبر علة ذمه إلى ما صار علة مدحه لأن الإصلاحات كلها صارت محاكاة وإن لم تكن صريحة لما تقتضيه صورته: فالإصلاح الديني المحافظ على الكاثوليكية يحاكي الإسلام في أهم ثورتين عرفتها الحضارة الإنسانية وتخص علاقة العقل (الفلسفة) والإرادة (الدين) في عالمي الإنسان ودور الفرد فيهما تحريرا له من سلطان الألغاز الدينية وعلاقته بالغيب دون المساس بالسلطتين الروحية والسياسية أبو يعرب المرزوقي 189 الأسماء والبيان
53 7 -- والرمز الحلان القادمان من إيطاليا (السوسينية) ومن اسبانيا الجنسينية للفصل بين الفلسفي والديني والمحافظة على السلطتين الروحية والسياسية بالحق الإلهي. والإصلاح الديني القاطع مع الكاثولكية يحاكي الإسلام في نفس الثورتين وتخص علاقة العقل والإرادة في عالمي الإنسان ودور الفرد فيهما تحريرا أعمق لأنه يعود إلى الجذر إذ تعلق بالتخلص من السلطانين الروحي والسياسي وجعل الإنسان في علاقة مباشرة بربه وبشأنه. وفي الغاية فإن صورة الإسلام في غاية هذا المسار صار ممثلا للدين من حيث هو طبيعي وعقلي عند التنويريين والربانيين لقوله بالوحدانية وخلوه من الألغاز المسيحية فأصبح أقرب ما يكون إلى الرؤية التنويرية في أوروبا عامة والربانية (تييست) في إنجلترا خاصة .والمعلوم أن التنويرية والربانية أثرت كبير الأثر في النقد الكنطي وقبله في مؤسس ألمانيا الحديثة الذي كان يعتبر نفسه هارون الرشيد الألماني. وقد أجلت البحث في المسألة كما صيغت في الموقف الأدبي وفي الانثروبولوجيا السياسية والاجتماعية ممثلين بروسو وفولتار وموقفهما من صورة الإسلام في ممارستهما النقدية في الأدب والفلسفة الاجتماعية وفي رؤية الوجود الإسلامية وكانت الغاية الوصول إلى رؤية جوته لمسألة القضاء والقدر في شبه تعديل لما ينسب إلى لايبنتس .وسنرى أن نفس النتيجة التي حدثت في ما آل إليه علم الكلام (بين الاكويني ولوثر) وما آلت إليه الفلسفة (بين لايبنتز ولسنج) في عصر التنوير تكررت في الرؤية الأدبية السياسية (روسو وفولتار) وفي الرؤية الذوقية والوجودية (جوته أديبا وفيلسوفا) وهاينه (مؤرخا للأدب ورؤى الوجود). ولست أدعي في ما أعرض إضافة شخصية تتجاوز ارجاع العامل المنسي بقصد في فهم ما حدث لأن الإسلام الذي كان مدار الجدل في هذه المجالات الكلامية والفلسفية والأدبية والسياسية والاجتماعية بصورة لا تقبل الإهمال هو العامل المغيب الذي كان أصحاب نظرية الفصل بين الحضارتين العربية الإسلامية واللاتينية المسيحية يحاولون فرضه وهو ما صار اليوم يسمى الحضارة اليهودية المسيحية. أبو يعرب المرزوقي 190 الأسماء والبيان
53 7 -- وهذه التسمية تخون أصحابها لأن ما يسمى بالحضارة اليهودية المسيحية وما يسمى بالحضارة اللاتينية اليونانية كلتاهما ليستا كذلك إلا بسبب هذا النسيان المتعمد: .1فاليهودية لم تعد إلى المسيحيين مباشرة بل بوصف أصحابها كانوا وسطاء بينها وبين الإسلام بتوسط دور الإسلام في تكوينهم الذي جعلهم يصبحون وسطاء .لأن يهود أوروبا كانوا معربين وخريجي المدارس الإسلامية في كل شيء ورمزهم من سماه ابن تيمية غزالي اليهود وجل المترجمين للتراث الفلسفي والعلمي. .2كما أن اليونانية لم تعد إلى اللاتينيين مباشرة بل بوصف أصحابها كانوا وسطاء بينها وبين ثقافة الإسلام بتوسط دور حضارته في تكوينهم الذي جعلهم يصبحون وسطاء .ففلاسفة أوروبا كانوا معربين ثقافيا وخريجي مدارس الرد على فلاسفة الإسلام في كل شيء ورمزهم خاصة توما الاكويني والقديس اللطيف. وهذا النسيان المتعمد نعلمه جيدا في ما يجري عندنا .فالكثير منا يريد أن يدعي ان ما نسعى إليه يقتضي الغاء حقبة محاكاتنا للغرب الحالي والزعم بأننا في علاقة مباشرة بماضينا ومستغنين عما أخذناه من الغرب بدعوى أننا نملكه قبلهم .فهذه الظاهرة التي تزيف التاريخ تتكرر دائما بين الحضارات بحيث إن كل حضارة تأخذ ممن سبقها وتحاول الزعم بأنها صاحبته فتنسبه إلى أصول تتخطى بها حقبة الاخذ للزعم بان ما أخذته هو بضاعتها ردت إليها. لكن الإنصاف يقتضي تنسيب الأخذ والعطاء كما بينت في مراجعة قانون ابن خلدون في علاقة المغلوب بالغالب وقانون هيجل في صراع أرواح الشعوب .فالعلاقة بين الحضارات أعمق من هذين التصورين لأن التغالب بين المتواجهين والتصارع بين الأرواح ليس إلا ظاهر الأمر .فكلاهما في علاقة بغاية مشتركة هي تحقيق المشترك الذي ينحو إلى الكلي في ما هو إنساني والأمر أشبه بما يحدث في اكتشاف ثروات الأرض. فالمستكشفون يتنافسون في طلب ما يسد الحاجة وقد يتصارعون عليه .لكن ما يكتشفونه ليس ملكا لأي منهما بل ما يعود إليه هو أنه سبق غيره في الوصول إليه .وما يأخذه اللاحق من السابق ليس ملك السابق ولا ملك اللاحق بل هو ملك العلاقة بين كيان الإنسان العضوي والروحي وما في أبو يعرب المرزوقي 191 الأسماء والبيان
53 7 -- الطبيعة والتاريخ مما يستجيب إلى حاجيات هذا الكيان العضوي والروحي .وتلك هي رؤية الإسلام التي وضعت المبدأين المحررين من الفهم السطحي الصراعي والتغالب: فالنساء 1تجعل كل البشر اخوة يتقاسمون ما في الأرض مما يستجيب لحاجيات البشر بالعدل والحجرات 13تجعل التعدد والمساواة ضرورة للتعارف معرفة ومعروفا في التعاون بينهم ولا تفاضل عرقي أو طبقي أو جنسي بينهم لأن المعيار الوحيد للمفاضلة بين البشر هو التقوى أي احترام الشرائع التي تنظم هذا العيش المشترك والتعاون العادل. وكما سنرى أن ذلك كله انتهى إلى الرؤة الكونية ومفهوم الإنسانية وحتى السلم الكونية بين البشر وكلها اجتمعت في الفلسفة النقدية الكنطية التي رفضت علة الصراع والتغالب الأبستمولوجية والأكسيولوجية أعني المطابقتين فاقتربت من الموقف الذي تحرر من وهم رد الوجود إلى الإدراك والتسليم بأن الإنسان مشدود إلى عالمين عالم الشهادة وعالم الغيب وأن الثاني شرط تحرره من الاخلاد إلى الأرض الذي صار غاية النكوص الهيجلي الماركسي وهي الغاية التي صارت الطابع العام في فكر المسلمين صراحة عند كاريكاتور الحداثة وبصورة ملتوية عند كاريكاتور الأصالة ورمز ذلك مفهوم التدافع الذي هو ترجمة حرفية لمفهوم الصراع الجدلي عند هيجل بين أرواح الشعوب والمعاني وعند ماركس بين طبقات الشعوب والمواقف. وبذلك نكون قد وصلنا إلى مآل علم الكلام والفلسفة المحرفين للدين والفلسفة بسبب حصر الإنسان في سجنين هما كيانه العضوي وعالمه الطبيعي وهما عين ما يسمونه الواقع فتكون الغاية هي رد الإنسان تاريخه الطبيعي مثله مثل كل الحيوانات التي ليس لها ماوراء الطبيعة ولا ماوراء التاريخ .وفي هذا الإطار تندرج محاولة محمد اقبال للرد على أكبر متكلم وفيلسوف مسيحي هو لايبنتس. لكنه لم يخرج من النكوص الهيجلي وحتى الماركسي لأن كلامه أقرب ما يكون إلى ما يسمى علم الكلام الجديد. أبو يعرب المرزوقي 192 الأسماء والبيان
53 7 - - فكلا الرجلين يصل بين الفلسفة والكلام في رؤية قديمة ووسطية تؤمن بالمطابقتين إيمانا كان من الطبيعي أن ينتهي إلى المآل الهيجلي الماركسي .فإقبال نفسه كان متأثرا بالهيجلية وبفلسفة الحياة النيتشوية وبرؤية برجسون الإحيائية المروحنة .وكلتاهما أقرب إلى القول بوحدة الوجود الطبعانية السبينوزية المذوتة هيجليا .فيكون محمد إقبال مثله مثل هيجل لا يمثل النهضة الإسلامية المتحررة من القول بالمطابقتين بل هو نكص إلى المشترك بين الفلسفة وعلم الكلام الوسيطين الإسلاميين اللذين كانا في صراع مع المدرسة النقدية وبين الفلسفة وعلم الكلام الوسطين المسيحيين مثل هيجل. إذن ثلاثة مستويات لعلاج صورة الإسلام في غاية الحداثة الغربية قبل أن تفسدها الهيجلية والماركسية التي ما تزال مسيطرة على فكر النخب في الإقليم بنوعيها الممثل لكاريكاتور الحداثة بوضوح ولكاريكاتور الأصالة بتخف يغير الاسم دون المسمى: .1روسو وفولتار. .2جوته ولايبنتس. .3اقبال ولايبنتس. وذلك تمهيدا إلى المرحلة الأخيرة من رؤية الديني عامة والإسلامي خاصة في المنظور الغربي .وفي هذا المجال يمكن اعتبار من يزعمون نقد الفكر الغربي بدعوى الانتساب على ما بعد الحداثة أو بخرافة الحق في الفلسفة والاختلاف من الغافلين لأنه لا يدرون أنهم غارقون إلى الأذقان في هذه المرحلة الأخيرة التي تمثلها الهيجلية والماركسية .فما بعد الحداثة هي تمامهما عندما يبلغ رد تاريخ الإنسان المتعالي على التاريخ الطبيعي إليه في مناخ القول بوحدة العالم وبغاية المطابقتين إذ إن تأليه الإنسان واعتبار الوجود كله ليس إلى سردياته ما يغنيه عن غير رؤاه لكأنه صار صاحب \"كن\" الموجودة وكن المعيرة بالمعنى النيتشوي للكلمتين. أبو يعرب المرزوقي 193 الأسماء والبيان
53 7 -- وبذلك فغاية الهيجلية والماركسية هي النكوص المطلق إلى الأسطورة والخرافة التي يشغل فيها الإنسان في العالم الطبيعي الخلق العنيف سياسيا والخلق اللطيف فنيا :وتلك هي غاية النيتشوية والداروينية معممتين على الوجود كله. وهذه الرؤية مغرية لأنها تدغدغ كبرياء الإنسان لكنها ناتجة عن كذبتي الإنسان على نفسه: .1ادعاء المعرفة العملية المحيطة بحدود الوجود والعالم بردهما إلى ما يدركه الإنسان بجعله إدراكه خالقا لها ولا وجود لها إلا به وهو معنى السرديات التي ليس لها مسرود وراءها كأن الفكر كله صار أدبا. .2ادعاء التقييم العملي المدرك لقيم الأشياء والافعال بردها إلى ما يقدره الإنسان بجعل عمله عين مجرى الوجود لكأنه أحد آلهة الميثولوجيا كما يتجلى ذلك في نظرية الأنسان الأرقى عند نيتشه. روسو وفولتار بأسلوب أدبي سياسي يتجاوز السخرية من رؤية الإسلام للقضاء والقدر. لا أحتاج للإطالة في ذكر المقابلة بين روسو وفولتار عامة وبين موقفيهما من الإسلام خاصة .فبصورة عامة فولتار \"ليبارتان\" وليس \"ليبيرالي\" كما يتوهم الكثير من قرائه .وقد كانت نصوصه تفرض علينا في الثانوي -في سنة الجزء الأول من الباكالوريا -من بين النصوص الفرنسية التي كان هدفها إعدادنا \"للتفكير\" الحر. ففولتار ليس مفكرا بل هو أديب وهو مستهتر بالأديان عامة .وتلك حال كل من يخلط بين الديني وتوظيفاته ويتوهم أن الفلسفي بريء من التوظيف الذي يحرفه مثل الديني فلا يعلم أنه ذو توظيفات لا تقل فسادا عن توظيفات الديني .ثم إن ما يقوله في الإسلام ليس كله خاصا به لأن كل ما يريد قوله في المسيحية ولا يستطيع قوله صراحة يصف به الإسلام. أبو يعرب المرزوقي 194 الأسماء والبيان
53 7 -- ورغم تطور موقفه من الإسلام ومن الرسول خاصة بين مسرحيته التراجيدية بعنوان \"التعصب أو محمد الرسول\" سنة Le Fanatism, ou Mohamed le prophète 1741ومصنفه بعد ذلك بعقد ونصف بعنوان \"محاولة حول الإنسان عامة وحول عادات الشعوب وأرواحها\" سنة 1756 Essai sur l’homme en général et sur les mœurs et l’esprit des nationsفإن موقفه بقي سلبيا من الدين عامة ومن الإسلام خاصة بخلاف ما بدأ يسود منذ القرن السابع عشر وخاصة في القرن الثامن عشر عصر الأنوار. ورغم نقد لايبنتس لما سماه الفاتاليسم المحمدي-الجبرية أو الجهمية الإسلامية -بمناسبة دفاعه عن رؤيته القائلة بكمال العالم والتي اتهمها معاصروه بالفاتاليسم فحاول التمييز بين رؤيته التي يعتبرها مطابقة للرؤية المسيحية والرؤية التي تنسب عادة إلى المسلمين -لأنه يرويها على أنها شائعة ويقول ما يفيد أنه لا يصدقها لأنه كان ذا تصور إيجابي للإسلام الذي يعتبر قريبا من الربانية الانجليزية أي دينا طبيعيا وعقلانيا .ويمكن أن أصف موقف فولتار وخاصة سخريته من نظرية أفضل العوالم اللايبنتيسية ف سر كلام لايبنتس في الفاتاليسم -هي ثيوديسيا ضديدة أو سلبية -أي إنها مقامة في الظلم الإلهي وليست مقالة في عدل الله وتنزيهه. لكن روسو الذي يفهم وظيفة الديني الاجتماعية ودوره في السياسي السوي دون أن ينفي إمكانية تحريفه كان يبحث عما يحققه الدين من تناغم في حياة الإنسان وتحرير من الفصام بين كيانه العضوي وكيانه الروحي وما يترتب على استعادة وحدتهما من شروط العيش المشترك السلمي في الجماعات البشرية عندما تكون مؤسسة على عقد اجتماعي بحيث إن نظرية العقد الاجتماعي عنده هي أقرب ما وصل إليه الفكر الغربي للرؤية القرآنية. فقد قال\" :كان لمحمد رؤى سليمة جدا إذ هو ضبط نظامه السياسي ضبطا جيدا وما بقي حكمه تحت سلطة خلفائه وخلائفه فكان لذلك هذا الحكم نظاما واحدا بكامل الدقة ونظاما جيدا .لكن العرب بلغوا الازدهار والثقافة والحضارة والميوعة والجبن فأصحبوا خاضعين للمتوحشين فتم الفصل بين القوتين (الدينية والسياسية) (في العقد الاحتماعي الكتاب الرابع في الدين المدني)\". أبو يعرب المرزوقي 195 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152
- 153
- 154
- 155
- 156
- 157
- 158
- 159
- 160
- 161
- 162
- 163
- 164
- 165
- 166
- 167
- 168
- 169
- 170
- 171
- 172
- 173
- 174
- 175
- 176
- 177
- 178
- 179
- 180
- 181
- 182
- 183
- 184
- 185
- 186
- 187
- 188
- 189
- 190
- 191
- 192
- 193
- 194
- 195
- 196
- 197
- 198
- 199
- 200
- 201
- 202
- 203
- 204
- 205
- 206
- 207
- 208
- 209
- 210
- 211
- 212
- 213
- 214
- 215
- 216
- 217
- 218
- 219
- 220
- 221
- 222
- 223
- 224
- 225
- 226
- 227
- 228
- 229
- 230
- 231
- 232
- 233
- 234
- 235
- 236
- 237
- 238
- 239
- 240
- 241
- 242
- 243
- 244
- 245
- 246
- 247
- 248
- 249
- 250
- 251
- 252
- 253
- 254
- 255
- 256
- 257
- 258
- 259
- 260
- 261
- 262
- 263
- 264
- 265
- 266
- 267
- 268
- 269
- 270
- 271
- 272
- 273
- 274
- 275
- 276
- 277
- 278
- 279
- 280
- 281
- 282
- 283
- 284
- 285
- 286
- 287
- 288
- 289
- 290
- 291
- 292
- 293
- 294
- 295
- 296
- 297
- 298
- 299
- 300
- 301
- 302
- 303
- 304