الحديث التاسع والتسعون عن عائشة رضي الله عنها ،أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل ،وأيقظ أهله ،وجد وشد المئزر) (متفق عليه) شرح الحديث والمراد :العشر الأواخر من شهر رمضان (والمئزر) :الإزار ،كناية عن اعتزال النساء ،وقيل :المراد تشميره للعبادة .يقال :شددت لهذا الأمر مئزري ،أي تشمرت ،وتفرغت له. تصف أم المؤمنين عائشة رضي الله حال رسول الله صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان فتقول :إنه إذا دخل العشر شد المئزر ،وأحيا ليله ،وجد في العبادة، وشمر ـ عليه الصلاة والسلام. وقد سبق في الحديث السابق :أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الليل حتى تتفطر قدماه ،وأنه يقوم من الليل أكثر من النصف ،أو النصف ،أو الثلث أما في ليالي العشر من رمضان؛ فإنه يقوم الليل كله ،أي يحيي ليله كله عليه الصلاة والسلام بالصلاة والعبادة
وفي هذا دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحيي العشر الأواخر من رمضان كلها ،ولكنه لا يحيي ليلة سواها؛ أي أنه لم يقم ليلة حتى الصباح إلا في العشر الأواخر من رمضان ،وذلك تحرياً لليلة القدر ،وهي ليلة تكون في العشر الأواخر من رمضان ،ولا سيما في السبع الأواخر منه ،فهذه الليلة يقدر الله ـ سبحانه وتعالى ـ فيها ما يكون في تلك السنة ،وهي كما قال الله تعالىَ ( :خ ْي ٌر ِم ْن أَ ْل ِف َش ْه ٍر) (القدر ، )٣ :فكان يحييها( ،ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه) (شد المئزر) منهم من قال :إنه كناية عن ترك النساء؛ لأنه يكون معتكفاً ،والمعتكف لا يباح له النساء ،ومنهم من قال: بل هو كناية عن الجد والتشمير في العمل ،وكلا الأمرين صحيح فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كان لا يأتي أهله في العشر الأواخر من رمضان لأنه معتكف ،وكان أيضاً يشد المئزر ،ويجتهد ،ويشمر صلوات الله وسلامه عليه وهذا من أنواع المجاهدة .فالإنسان يجب أن يجاهد نفسه في الأوقات الفاضلة حتى يستوعبها في طاعة الله
الحديث المائة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: \" ا ْل ُم ْؤ ِم ُن ال َق ِو ُّيَ ،خ ْي ٌر َوأَ َح ُّب إلى الل ِه ِم َن ال ُم ْؤ ِم ِن ال َّض ِعي ِف، وفي ُكلٍّ َخ ْي ٌر ا ْح ِر ْص ع َلى ما َي ْن َف ُع َكَ ،وا ْس َت ِع ْن بال َّل ِه َو َلا َت ْع َج ْز ،وإ ْن أَ َصا َب َك شي ٌء ،فلا َتقُلْ لو أَ ِّني َف َع ْل ُت كا َن َك َذا َو َك َذاَ ،و َل ِك ْن قُلْ َق َد ُر اللهِ َوما َشا َء َف َعلَ ،فإ َّن لو َت ْف َت ُح َع َملَ ال َّشي َطا ِن \" (رواه مسلم) شرح الحديث المؤمن القوي :يعني في إيمانه ،فقوة البدن قد تكون ضرراً على الإنسان إذا استعمل هذه القوة في معصية الله ،فقوة البدن ليست محمودة ولا مذمومة في ذاتها ،إن استعملها فيما ينفعه في الدنيا والآخرة صارت محمودة وإن استعان بهذه القوة على معصية الله صارت مذمومة. فالمؤمن القوي في إيمانه تحمله قوة إيمانه على أن يقوم بما أوجب الله عليه ،وعلى أن يزيد من النوافل ما شاء الله، والضعيف الإيمان يكون إيمانه ضعيفاً لا يحمله على فعل الواجبات ،وترك المحرمات فيقصر كثيراً
فالمؤمن الضعيف هو الذي عنده فتور ،هو الذي عنده تقصير ،فالمؤمن القوي بهذا الاعتبار خير ،فالإنسان القوي في دينه التق ّي لله -تبارك وتعالى -أفضل من الإنسان المقصر. (خير) يعني خير من المؤمن الضعيف ،وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ،ثم قال عليه الصلاة والسلام : (وفي كل خير) يعني المؤمن القوي والمؤمن الضعيف كل منهما فيه خير ،وإنما قال( :وفي كل خير) لئلا يتوهم أحد من الناس أن المؤمن الضعيف لا خير فيه ،بل المؤمن الضعيف فيه خير ،لأن المسلم لا يخلو من معروف وطاعة، وصلاح ،وإن حصل منه ما يحصل من التقصير والتواني. (احرص على ما ينفعك) هذه وصية من الرسول عليه الصلاة والسلام لأمته ،وهي وصية جامعة مانعة (احرص على ما ينفعك) يعني أجتهد في تحصيله ومباشرته (على ما ينفعك) أي على كل شيء ينفعك سواء في الدين أو في الدنيا ،فإذا تعارضت منفعة الدين ومنفعة الدنيا فقدم منفعة الدين؛ لأن الدين إذا صلح صلحت الدنيا ،أما الدنيا إذا صلحت مع فساد الدين فإنها تفسد (واستعن بالله) :ما أروع هذه الكلمة بعد قوله (احرص على ما ينفعك) لأن الإنسان إذا كان عاقلاً ذكياً فإنه يتتبع المنافع ويأخذ بالأنفع ويجتهد ،ويحرص ،وربما تغره نفسه حتى يعتمد على نفسه وينسى الاستعانة بالله
فكثير من الناس إذا رأى من نفسه قوة على الأعمال وحرصاً على النافع وفعلاً له ،أعجب بنفسه ونسى الاستعانة بالله ،ولهذا قال( :أحرص على ما ينفعك واستعن بالله) أي لا تنس الاستعانة بالله ولو على الشيء اليسير، وفي الحديث( :ليسأل أحدكم ربه حاجته حتى يسأله الملح، وحتى يسأله شسع نعله إذا انقطع) يعني حتى الشيء اليسير لا تنس الاستعانة بالله عز وجل فيه ،فاستحضر أنك مستعين بالله عز وجل ،وأنه لولا عون الله ما حصل لك هذا الشيء. (ولا تعجز) يعني استمر في العمل ولا وتتكاسل ولا تعجز وتتأخر في العمل ،فما دمت صممت في أول الأمر أن هذا هو الأنفع لك واستعنت بالله وشرعت فيه فلا تعجز (فإن أصابك شيء فلا تقل :لو أني فعلت لكان كذا وكذا) ويعني بعد أن تحرص وتبذل الجهد ،وتستعين بالله، وتستمر ،ثم يخرج الأمر على خلاف ما تريد ،فلا تقل :لو أني فعلت لكان كذا لأن هذا أمر فوق إرادتك ،أنت فعلت الذي تؤمر به ،ولكن الله ـ عز وجل ـ غالب على أمره فالإنسان إذا بذل ما يستطيع مما أمر ببذله ،وأخلفت الأمور؛ فحينئذ يفوض الأمر إلى الله؛ لأنه فعل ما يقدر عليه ،ولهذا قال( :إن أصابك شيء) يعني بعد بذل الجهد والاستعانة بالله ـ عز وجل ـ (فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا َكذا)
(فإن لو تفتح عمل الشيطان) أي تفتح عليك الوساوس والأحزان والندم والهموم ،حتى تقول :لو أني فعلت لكان كذا .فلا تقل هكذا ،والأمر انتهى ،ولا يمكن أن يتغير عما وقع ،وهذا أمر مكتوب في اللوح المحفوظ قبل أن تخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ،وسيكون على هذا الوضع مهما عملت. ولهذا قال (ولكن قل :قدر الله) أي هذا قدر الله ،أي تقدير الله وقضاؤه ،وما شاء الله ـ عز وجل ـ فعله (إِ َّن َر َّب َك َف َّعالٌ لِ َما ُي ِري ُد) (هود)107 :
المراجع شرح رياض الصالحين – ابن عثيمين شرح رياض الصالحين – ابن باز شرح رياض الصالحين – خالد السبت الدرر السنية تطريز رياض الصالحين شرح الدعاء من الكتاب والسنة – سعيد بن وهف القحطاني قسم السنة المطهرة مشروع النور المبين
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152
- 153
- 154
- 155
- 156
- 157
- 158
- 159
- 160
- 161
- 162
- 163
- 164
- 165
- 166
- 167
- 168
- 169
- 170
- 171
- 172
- 173
- 174
- 175
- 176
- 177
- 178
- 179
- 180
- 181
- 182
- 183
- 184
- 185
- 186
- 187
- 188
- 189
- 190
- 191
- 192
- 193
- 194
- 195
- 196
- 197
- 198
- 199
- 200
- 201
- 202
- 203
- 204
- 205
- 206
- 207
- 208
- 209
- 210
- 211
- 212
- 213
- 214
- 215
- 216
- 217
- 218
- 219
- 220
- 221
- 222
- 223
- 224
- 225
- 226
- 227
- 228
- 229
- 230
- 231
- 232
- 233
- 234
- 235
- 236
- 237
- 238
- 239
- 240
- 241
- 242
- 243
- 244
- 245
- 246
- 247
- 248
- 249
- 250
- 251
- 252
- 253
- 254
- 255
- 256
- 257
- 258
- 259
- 260
- 261
- 262
- 263
- 264
- 265
- 266
- 267
- 268
- 269
- 270
- 271
- 272
- 273
- 274
- 275
- 276
- 277
- 278
- 279
- 280
- 281
- 282
- 283
- 284
- 285
- 286
- 287
- 288
- 289
- 290
- 291
- 292
- 293
- 294
- 295
- 296
- 297
- 298
- 299
- 300
- 301
- 302
- 303
- 304
- 305
- 306
- 307