Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore Imam Malik's Doctrine of Faith and Practice

Imam Malik's Doctrine of Faith and Practice

Published by salemfaraj1971, 2017-05-19 12:01:29

Description: This book studies the belief of imam Malik, particularly his concept of faith and the external expression thereof. It examines the first two eras of Islam, that of the Companions and Followers, which preceded him and their influence on his methodology of formulating his theological and legal views. It further looks at his approach to the textual evidences and his attitude towards speculative reasoning (kalam) regarding theological issues.

Keywords: Imam Malik's Doctrine

Search

Read the Text Version

‫وابن عبد ال َب ِّر فً التمهٌد‪ ،‬والقاضً ِع ٌَاض فً ترتٌب المدارك‪ ،‬وفً‬ ‫مواهب الجلٌل على مختصر خلٌل‪ ،‬وؼٌرهم من علمار الأثر ‪.‬‬ ‫ال االً‪ :‬الاستشهاد على هذه الأقوال وترجٌحها‪ ،‬بالكتاب والسنة‪،‬‬ ‫لكونهما المنهج الذي كان ٌعتمده الإِ َمام َمالِك فً إثبات العقٌدة‪ ،‬فلم ٌكن‬‫ٌترك الن َّص ال ُمتمثل فً‪(:‬القرآن الكرٌم‪ ،‬والسنة النبوٌة المطهرة)‪ ،‬فما‬ ‫جار فٌهما فهو مذهبه‪ ،‬وهو قوله الذي ٌختاره‪ ،‬فقد كان َمالِك ٌعتقد أن‪:‬‬ ‫القرآن اشتمل على الشرٌعة اشتمالاً كل ًٌّا‪ ،‬وأن السنة المشر َّفة بٌانه‪،‬‬ ‫تف ِّصل مجمله‪ ،‬وتقٌد مطلقه( )‪ ،‬وقد كان مذهبه‪ ،‬ومذهب تلبمذته‬ ‫الوقوؾ عند النصوص‪ ،‬وكما جار فً الفواكه الدوانً‪ -‬شرح رسالة‬ ‫أبً زٌد القٌروانً‪ ،‬إمام ال َمالِكٌة فً عصره‪ :‬فإن الأصول التً بنى‬‫علٌها َمالِك مذهبه‪ :‬الكتاب والسنة ( )‪ ،‬ولأنه كان لا ٌرى بالخوض فً‬ ‫المتشابه‪ ،‬من الآٌات‪ ،‬ومذهبه فً ذلك الرجوع إلى رأي الصحابة‬ ‫والتابعٌن فً تفسٌر الآٌات القرآنٌة‪ ،‬والأحادٌث النبوٌة‪ ،‬وقد كان‬‫الصحابة ٌُم ِّرونها كما جارت‪ ،‬وقد كان مذهبه فً التفسٌر مذهب شٌخه‪،‬‬‫التابعً الجلٌل‪ -‬زٌد بن أسلم‪ ،) (-‬لذلك كان لزاماً علٌنا أن نستشهد على‬ ‫آرابه بالنصوص القرآنٌة‪ ،‬والأحادٌث النبوٌة‪ ،‬التً تف ِّصل فً مسابل‬ ‫الاعتقاد‪ ،‬وتفسٌر الصحابة والتابعٌن لهذه النصوص‪ ،‬وإن لم تكن قد‬‫نقلت عنه‪ ،‬ولكنها رأٌه‪ ،‬ومذهبه الذي ٌختاره فً مسابل العقٌدة المختلفة‬ ‫‪.‬‬ ‫‪ -‬اٌّن٘ت اٌ َّبٌِى‪ِ ،ٟ‬ؾّل ٍىؾبي اٌغيائو‪. 385ٓ ،ٞ‬‬ ‫‪ -‬اٌف‪ٛ‬اوٗ اٌل‪ٚ‬أ‪ ،ٟ‬ط‪. 22 ٓ1‬‬ ‫‪َِ -‬بٌِه ؽ‪١‬برٗ ‪ٚ‬ػٖوٖ‪ ،‬لأث‪ ٟ‬ى٘وح‪. 293ٓ ،‬‬ ‫‪101‬‬

‫رابعاالً‪ :‬لم ٌكن الإِ َمام َمالِك مح ّباً للخوض فً مسابل العقابد‪ ،‬وقد‬‫م َّرعلٌنا قوله‪ ( :‬الكلبم فً الدٌن أكرهه ولم ٌزل أهل بلدنا – ٌقصد‬ ‫التابعٌن الكبار فً المدٌنة المنورة‪ٌ -‬كرهون القدر ورأي جه ٍم وكل ما‬ ‫أشبه ذلك )( )‪ ،‬فلم ٌص ِّنؾ كتاباً خاصاً فً هذا الباب‪ ،‬سوى ما نقل‬‫عنه من أقوا ٍل مؤثور ٍة جمعها تلبمذته‪ ،‬وحكٌت فً معرض ردوده على‬ ‫بعض السابلٌن عن هذه القضاٌا‪ ،‬أو نقلت عنه كردو ٍد على بعض الَّذٌن‬ ‫انحرفوا عقابد ًٌّا‪ ،‬م َّما ٌستوجب علٌنا الإشارة إلى هذه الأقوال‪ ،‬وإن لم‬ ‫ٌنقلها تلبمذته‪ ،‬فالمقصود هو استقصار آرابه‪ ،‬ومعرفة وجهة نظره‪،‬‬ ‫ومفهومه للعقٌدة‪ ،‬وإن لم نصل إلى هذا الهدؾ إلا عن طرٌق‬ ‫استعراض أقوال مؤثورة للئمام َمالِك‪ ،‬تناقلها علمار السلؾ م َّمن لم‬ ‫ٌكونوا على المذهب ال َمالِكً فً الفقه‪ ،‬ولكنهم تؤثروا بآرار َمالِك فً‬‫مسابل العقٌدة‪ ،‬واعتقدوا صوابها‪ ،‬لموافقتها لصرٌح النصوص القرآنٌة‪،‬‬ ‫والأحادٌث النبوٌة الشرٌفة ‪.‬‬‫خامساًال‪ :‬تناول العلمار الذٌن جاإوا بعد الإِ َمام َمالِك‪ ،‬مصطلحات لم‬‫تكن معروفة زمن الإِ َمام َمالِك‪ ،‬كمصطلح (العقٌدة)‪ ،‬فلم ٌكن متداولاً‬‫(الربوبٌة‪،‬‬ ‫فً زمانه‪ ،‬وكذلك تقسٌم التوحٌد إلى ثلبثة أقسام‪،‬‬ ‫والألوهٌة‪ ،‬والأسماء والصفات) ‪ ،‬فقد كان الإِ َمام َمالِك ٌع ِّبر عن كل‬‫ذلك‪ ،‬بمسمى الدٌن‪ ،‬أو الإٌمان‪ ،‬فلم ٌكن متعارفاً علٌه فً القرن الأول‪،‬‬‫وس َّماها الإِ َمام أبوحنٌفة (الفقه الأكبر) لأهمٌتها‪ ،‬لذلك فلب ِؼنى عن ذكر‬ ‫أقوال هإلار الأبمة المجتهدٌن الذٌن جمعوا لنا أقوال َمالِك فً هذه‬ ‫ٍجك رقو‪٠‬غٗ‪ ،‬الأزمبء ٓ‪. 69‬‬ ‫‪102‬‬

‫المسابل‪ ،‬واستطعنا من خلبلهم أن نتعرؾ على عقٌدة الإِ َمام َمالِك‪ ،‬فقد‬ ‫كانوا متتبعٌن لعقٌدته‪ ،‬وسابرٌن على منهجه فً قضاٌا الإٌمان‬ ‫المختلفة‪ ،‬وما ذلك إلا لِلُ ُزو ِمه‪ -‬رحمه الله‪ -‬الكتاب والسنة‪ ،‬ومن الأمثلة‬ ‫على ذلك‪ ،‬ما نسب إلى شٌخ الإسلبم ابن تٌمٌة‪ ،‬أنه أول من تكلم‬ ‫بمصطلح العقٌدة‪ ،‬فقد ع َّبر شٌخ الإسلبم بن تٌمٌة‪ -‬رحمه الله‪ -‬عن‬ ‫مصطلح العقٌدة بالإٌمان‪ ،‬فقد قال رحمه الله‪( :‬أما بعد فهذا اع ِتقا ُد الفرقة‬ ‫الناجٌة المنصورة أهل السنة والجماعة‪ ،‬وهو الإٌمان بالله‪ ،‬وملببكته‪،‬‬ ‫وكتبه ورسله‪ ،‬والبعث بعد الموت‪ ،‬والإٌمان بالقدر خٌره وشره)( ) ‪.‬‬ ‫لذلك اعتبر بعض أهل العلم‪ -‬شٌخ الإسلبم بن تٌمٌة‪ ،‬من أوابل الذٌن‬ ‫ع َّبروا عن الإٌمان بمسمى الاعتقاد‪ ،‬فقال‪ -‬رحمه الله‪( :-‬فهذا اع ِتقا ُد )‬ ‫ٌعنً إٌمان وإقرار أهل السنة والجماعة‪ ،‬وبعضهم ٌنسبها للعلبمة‬ ‫ال َمالِكً– ابن أبً زٌد القٌروانً‪ -‬حٌث َس َّطر قسم العقابد فً رسالته‬ ‫بقوله‪ :‬وقد فرض سبحانه على القلب عملبً من الاعتِقادات‪ ،‬وعلى‬ ‫الجوارح الظاهرة عملبً من الطاعات ( )‪.‬‬ ‫فالشاهد فً قوله ‪( :‬الاعتِقا َدات)‪ ،‬وهً جمع اعتقاد‪ ،‬وعقٌدة‪ ،‬وعلى‬ ‫هذا فٌمكن أن نقول إن هذا المصطلح قد ظهر قبل ابن تٌمٌة بكثٌر‪ ،‬وقد‬ ‫عاش ابن أبً زٌد القٌروانً فً القرن الرابع الهجري‪ ،‬فقد توفً سنة‬ ‫‪386‬هـ‪ ،‬فإذا نسب أول ظهور لمس َّمى الإٌمان بالاعتقاد للقٌروانً‪،‬‬ ‫فٌكون ظهور هذا المصطلح فً القرن الرابع الهجري‪ ،‬وقد أكد على‬ ‫‪ -‬اٌؼم‪١‬لح اٌ‪ٛ‬اٍط‪ ، ٗ١‬ط‪. 16ٓ 1‬‬‫‪ -‬اٌمب‪ ٟٙ‬ػجل اٌ‪٘ٛ‬بة ثٓ ٖٔو اٌجغلاك‪ ٞ‬اٌ َّب ٌِى‪ّ ،ٟ‬وػ ػم‪١‬لح اثٓ أث‪ ٟ‬ى‪٠‬ل اٌم‪١‬و‪ٚ‬أ‪،ٟ‬رؾم‪١‬ك‪ -‬أ‪.‬ك‪ .‬أؽّل ِؾّل ٔ‪ٛ‬ه‬ ‫ٍ‪١‬ف‪ ،‬كاه اٌجؾ‪ٛ‬س‪ ،‬الإِبهاد‪. 153 ٓ َ2004 ،‬‬ ‫‪103‬‬

‫هذا الاصطلبح‪ -‬القاضً عبد الوهاب ال َمالِكً‪ ،‬فً شرحه على عقٌدة‬ ‫ابن أبً زٌد القٌروانً فقال‪ :‬فما ٌختص به القلوب‪ ،‬هو اعتقاد توحٌده‬ ‫تعالى‪ ،‬والإٌمان والإقرار بإلَهٌته‪ ،‬وأنه على ما هو علٌه من صفاته‬ ‫الواجبة لذاته‪ ،‬من حٌاته‪ ،‬وعلمه‪ ،‬وقدرته‪ ،‬وسابر صفاته‪ ،‬والتصدٌق‬ ‫بؤنبٌابه ورسله‪ ،‬وكتبه وشرابعه‪ ،‬واعتقاد وجوب أوامره‪ ،‬ولزوم‬‫طاعته‪ ،‬والتعبد له إلى ما ٌتصل بذلك م َّما ٌجري مجراه ( )‪ ،‬ومن هنا‬ ‫ظهر مصطلح العقٌدة‪ ،‬أما الأولون فإنهم ٌسمونها بمسمى الدٌن‪ ،‬أو‬ ‫الإٌمان ‪.‬‬ ‫وواقع الأمر بعد البحث والتمعن‪ ،‬فإننا نعتقد أنه لٌس ثمة فر ٌفق كبٌ فٌر‬ ‫بٌن المصطلحٌن‪ ،‬ؼٌر أن كلمة الدٌن فً حال إطلبقها دون تخصٌص‬ ‫بالحدٌث عن العقٌدة‪ ،‬تكون أعم من لفظ العقٌدة‪ ،‬فكلمة الدٌن فً هذه‬‫الحال تعنً العقابد وما ٌتبعها من عبادات ومعاملبت‪ ،‬ولفظ العقٌدة عند‬‫إطلبقها ٌراد بها الإٌمانٌات‪ ،‬والمعتقدات مثل التوحٌد‪ ،‬والإٌمان بالؽٌب‪،‬‬‫وؼٌرها‪ ،‬وإذا جارت فً معرض الحدٌث عن الدٌن بِ َش ْك ٍل عـام‪ ،‬فتشمل‬ ‫المعتقدات وما ٌتبعها من عبادات ومعاملبت وأوامر ونواهً ‪ .‬والله‬ ‫أعلم ‪.‬‬ ‫وقد كانت آرار الإِ َمام َمالِك‪ -‬رحمه الله‪ -‬فً قضاٌا العقٌدة وما ٌتعلق‬ ‫بذات الله عز وجل وأسمابه وصفاته‪ ،‬ملبزم ًة للكتاب والسنة‪ ،‬وماصح‬ ‫نقله من آثار عن السلؾ الصالح‪ ،‬من الصحابة والتابعٌن ‪.‬‬ ‫‪ّ -‬وػ ػم‪١‬لح اثٓ أث‪ ٟ‬ى‪٠‬ل ٌٍمب‪ ٟٙ‬ػجلاٌ‪٘ٛ‬بة ثٓ ٖٔو اٌجغلاك‪ ٞ‬اٌ َّب ٌِى‪. 154ٓ ،ٟ‬‬ ‫‪104‬‬

‫وكان َمالِك‪ -‬رحمه الله‪ٌ -‬روي قول عمر بن عبد العزيز‪ ،‬وٌحفظه‪،‬‬ ‫وٌذكره فً كثٌر من المناسبات‪ -‬فً فضل السنة وحثه على الوقوؾ‬ ‫على أقوال النبً صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬واتباعه فً ما أمر‪ ،‬والاقتصار‬ ‫على ما شرع‪ ،‬وعدم الابتداع فً دٌن الله‪ ،‬وقد كان الإِ َمام َمالِك متؤثراً‬‫بؤقواله وآرابه‪ ،‬وكما هو معلو ٌفم فإن عمر بن عبد العزٌز كان والٌاً على‬‫المدٌنة‪ ،‬قبٌل مولد الإِ َمام َمالِك‪ ،‬وهذا قبل أن ٌصٌر أمٌراً للمإمنٌن بعد‬ ‫مرور قرن‪ ،‬على هجرة الرسول صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬حٌث ُروي أن‬ ‫الإِ َمام َمالِكاً ‪ -‬رحمه الله‪ -‬قال‪ :‬ولد ُت فً العام الذي عزل فٌه عمر بن‬ ‫عبد العزٌز عن ولاٌة المدٌنة ( ) ‪.‬‬ ‫وقد قال هذا الإِ َمام العادل‪( :‬س ّن رسول الله صلى الله علٌه وسلم‬‫وولاة الأمر من بعده سنناً الأخذ بها اتباع لكتاب الله واستكمال لطاعة‬ ‫الله‪ ،‬وقوة على دٌن الله‪ ،‬ولٌس لأحد بعد تبدٌلها‪ ،‬ولا النظرفً شًر‬‫خالفها من اهتدى بها فهو مهدي‪ ،‬ومن استنصر بها فهو منصور‪ ،‬ومن‬ ‫تركها اتبع ؼٌر سبٌل المإمنٌن‪ ،‬وولاه ما تولى‪ ،‬وأصلبه جهنم‪،‬‬ ‫وسارت مصٌراً)( ) ‪.‬‬ ‫كان َمالِك ٌحدث بهذا الكلبم المؤثور‪ ،‬وإذا ح َّدث به ارتج سروراً‬ ‫وتصدٌقاً له‪ ،‬وأثر عن الإِ َمام َمالِك قوله‪ ( :‬لن ٌؤتً آخر هذه الأمة‬ ‫بؤهدى مما كان علٌه أولها ) ( ) ‪.‬‬ ‫‪ -‬ػجل اٌؾٍ‪ ُ١‬اٌغٕل‪َِ ،ٞ‬ب ٌِه ثٓ أٌٔ ئِبَ كاه اٌ‪ٙ‬غوح‪. 47ٓ ،‬‬ ‫‪ -‬رور‪١‬ت اٌّلاهن ٌٍمب‪ِ ٟٙ‬ػ َ‪١‬بٗ‪ ،‬ط ‪. 123 ٓ1‬‬ ‫‪ -‬رور‪١‬ت اٌّلاهن ط‪ٚ ،123 ٓ1‬أظوـ َِب ٌِه لأث‪ ٟ‬ى٘وح‪.192 ٓ ،‬‬ ‫‪105‬‬

‫فقد كان‪ -‬رحمه الله‪ -‬متمسكاً بالمنهج الأول‪ ،‬والطرٌق الأمثل الذي‬ ‫رسمه رسول الله صلى الله علٌه وسلم لأصحابه‪َ ،‬ف ُه ْم أ َّو ُل الأمة‪،‬‬ ‫وأدراها وأعلمها بالله تبارك وتعالى‪ ،‬وبما ٌجب له‪ ،‬وبما أمر الله‬ ‫وشرع‪ ،‬فقد جار فً الحدٌث الصحٌح عن عابشة رضً الله عنها‪.... :‬‬ ‫وفٌه أن رسول الله صلى الله علٌه وسلم ٌقول‪( :‬إن أتقاكم وأعلمكم بالله‬ ‫أنا)( ) فالنبً صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬أعلم الناس بالله تعالى ولا رٌب‪،‬‬ ‫وهو أتقى الخلق لله‪ ،‬و أكثرهم له خشٌة ً ‪.‬‬ ‫المطلب ال انً خصائص العقٌدة الإسلامٌة ‪:‬‬ ‫مما لاشك فٌه أن للعقٌدة الإسلبمٌة ‪ ،‬خصابص وممٌزات‪ ،‬جعلتها‬ ‫ممٌز ًة ومختلف ًة عن ؼٌرها من العقابد السماوٌة السابقة‪ ،‬وهً كما ٌلً‪:‬‬ ‫‪ -1‬الدٌن الذي دعا له جمٌع رسل الله‪ ،‬قال تعالى‪َ ( :‬و َما أَ ْر َس ْل َنا ِمن‬ ‫َق ْبلِ َك ِمن َّر ُسو ٍل إِلاَ ُنو ِحً إِلَ ٌْ ِه أَ َّن ُه لاَ إِلَ َه إِلاَ أَ َنا َفا ْع ُب ُدو ِن )( )‪ ،‬وقال‬ ‫تعالى‪َ (:‬و َل َق ْد َب َع ْث َنا فًِ ُك ِّل أُ َّم ٍة َّر ُسولاً أَ ِن ا ْع ُب ُدو ْا ال ّلهَ َوا ْج َتنِ ُبو ْا ال َّطا ُؼو َت‬ ‫َف ِم ْن ُهم َّم ْن َه َدى ال ّلهُ َو ِم ْن ُهم َّم ْن َح َّق ْت َع َل ٌْ ِه ال َّضلبلَ ُة َف ِسٌ ُرو ْا فًِ الاَ ْر ِض‬ ‫َفان ُظ ُرو ْا َك ٌْ َؾ َكا َن َعاقِ َب ُة ا ْل ُم َك ِّذبٌِ َن)( )‪.‬‬‫‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ ،ٞ‬وزبة الإ‪ّ٠‬بْ‪ ،‬ثبة ل‪ٛ‬ي إٌج‪ ٍٕٝ ٟ‬الله ػٍ‪ \" ٍٍُٚ ٗ١‬أٔب أػٍّىُ ثبلله \" ‪ٚ‬أْ اٌّؼوفخ فؼً اٌمٍت‬ ‫ٌم‪ٛ‬ي الله رؼبٌ‪ٌٚ :ٝ‬ىٓ ‪٠‬إافنوُ ثّب وَجذ لٍ‪ٛ‬ثىُ\" ط ‪ 15 ٓ 1‬ؽل‪٠‬ش هلُ ‪ٚ ،20‬أظو‪ ،‬فزؼ اٌجبه‪ ٞ‬ثْوػ ٕؾ‪١‬ؼ‬‫اٌجقبه‪ ،ٞ‬لاثٓ ؽغو اٌؼَملأ‪،ٟ‬رؾم‪١‬ك ػجل اٌؼي‪٠‬ي ثٓ ػجل الله ثٓ ثبى‪ ،‬هلُ الإ‪٠‬لا ع ‪ِٖ /2000 /20570‬و‪،‬اٌّىزجخ‬ ‫الإٍلاِ‪١‬خ‪،‬ػ‪ ،ٌّّ ْٟ‬ط‪. 83 ٓ 1‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح الأٔج‪١‬بء ا‪٠٢‬خ ‪.25‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح إٌؾً ا‪٠٢‬خ‪. 36‬‬ ‫‪106‬‬

‫‪ -2‬دعو ٌةف للناس أجمعٌن‪ ،‬أسودهم‪ ،‬وأبٌضهم‪ ،‬عربٌهم‪ ،‬وعجمٌهم‪،‬‬ ‫قال تعالى‪َ ( :‬و َما أَ ْر َس ْل َنا َك إِلاَ َكا َّف ًة لِّل َّنا ِس َب ِشٌراً َو َن ِذٌراً َو َل ِك َّن أَ ْك َث َر‬ ‫ال َّنا ِس لاَ ٌَ ْع َل ُمو َن)( ) ‪.‬‬ ‫‪ -3‬العقٌدة الخاتمة والدٌن الذي تفرد بالكمال والتمام والحفظ ( )‪،‬‬ ‫قال عز وجل‪( :‬الٌ ْو َم أ ْك َملت لكم دٌنكم وأ ْت َم ْم ُت ع َل ٌْ ُك ْم ِنعمتًِ ورضٌ ُت‬ ‫لكم الإسلبَم دٌناً)( )‪ ،‬وقال تعالى‪ ( :‬إِ َّنا َن ْح ُن َن َّز ْل َنا ال ِّذ ْك َر َوإِ َّنا َل ُه‬ ‫لَ َحافِ ُظو)( ) ‪.‬‬ ‫‪ -4‬المنهج الذي ٌشمل العقابد‪ ،‬والعبادات‪ ،‬والمعاملبت‪ ،‬وٌنظم فٌما‬ ‫بٌنها‪ ،‬بحٌث ٌعرؾ المسلم ما علٌه من واجبا ٍت تجاه خالقه‪ ،‬وتجاه أخٌه‬ ‫المسلم‪ ،‬وأٌضاً مجتمعه الذي ٌعٌش فٌه‪ ،‬فالدٌن الإسلبمً كما هو دٌن‬ ‫توحٌد وصلب ٍة وصٌا ٍم وزكا ٍة وحج وؼٌرها من الطاعات التً أمرالله‬ ‫بها‪ ،‬فهو‪ -‬كذلك دٌن معاملب ٍت وأخلبق وآداب‪ ،‬ف ُتذكر الزكاة والإنفاق‬ ‫فً سبٌل الله‪ ،‬مع العفو والصفح وكظم الؽٌظ‪ ،‬قال تعالى ‪َ ( :‬و َسا ِر ُعو ْا‬ ‫إِلَى َم ْؽفِ َر ٍة ِّمن َّر ِّب ُك ْم َو َج َّن ٍة َع ْر ُض َها ال َّس َما َوا ُت َوالاَ ْر ُض أُ ِع َّد ْت لِ ْل ُم َّت ِقٌ َن‬ ‫الَّ ِذٌ َن ٌُنفِقُو َن فًِ ال َّس َّرار َوال َّض َّرار َوا ْل َكا ِظ ِمٌ َن ا ْل َؽ ٌْ َظ َوا ْل َعا ِفٌ َن َع ِن ال َّنا ِس‬ ‫َوال ّلهُ ٌُ ِح ُّب ا ْل ُم ْح ِسنٌِ َن)( ) ‪.‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح ٍجأ ا‪٠٢‬خ ‪. 28‬‬‫‪ -‬ػجل اٌَلاَ اٌز‪ٔ ٛ‬ظ‪ ،ٞ‬اٌؼم‪١‬لح ف‪ ٟ‬اٌموآْ‪ٛ ،‬واثٌٍ‪١ٌ ،‬ج‪١‬ب‪ ،‬عّؼ‪١‬خ اٌلػ‪ٛ‬ح الإٍلاِ‪١‬خ‪ ،‬اٌطجؼخ الأ‪ٓ َ1986 ٌٝٚ‬‬ ‫‪. 44‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌّبئلح ا‪٠٢‬خ ‪. 4‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌؾغو ا‪٠٢‬خ ‪. 9‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح آي ػّواْ ا‪٠٢‬خ ‪. 133‬‬ ‫‪107‬‬

‫ٌُروى أن جارٌ ًة لعلً بن الحسٌن بن علً رضً الله عنهما‪ ،‬جعلت‬ ‫تسكب علٌه المار لٌتهٌؤ للصلبة‪ :‬فسقط الإبرٌق من ٌدها فشجه‪ ،‬فرفع‬ ‫رأسه فقالت‪ :‬إن الله ٌقول‪( :‬والكاظمٌن الؽٌظ ) فقال‪ :‬كظمت ؼٌظً‪،‬‬ ‫فقالت‪( :‬والعافٌن عن الناس) قال‪ :‬قد عفوت عنك‪ ،‬فقالت‪(:‬والله ٌحب‬ ‫المحسنٌن) قال‪ :‬اذهبً فؤنت حرة لوجه الله ( ) ‪.‬‬ ‫وفً القرآن الكرٌم سورة كاملة تتحدث عن الآداب والأخلبق هً‬ ‫سورة الحجرات‪ ،‬و تسمى أٌضاً سورة الآداب ( ) ‪.‬‬ ‫‪ -5‬دٌن ٌخاطب العقل والفطرة السلٌمة‪ ،‬وخا ٍل من الخرافات‬ ‫والأساطٌر‪ ،‬وبهذا فهو لا ٌلػ ي حكم العقل‪ ،‬بل على العكس قد أمر‬ ‫الإسلبم باحترام العقل وحث على التفكر فً آٌات الله الكونٌة‪ ،‬واستخدم‬ ‫ال َب ِّراهٌن العقلٌة‪ ،‬بضرب الأمثال للناس على وجود الله ووحدانٌته‪،‬‬ ‫وربوبٌ هت قال تعالى‪ ( :‬أَ َف َل ْم ٌَ ِسٌ ُروا ِفً الاَ ْر ِض َف َت ُكو َن لَ ُه ْم ُقلُو ٌفب ٌَ ْع ِقلُو َن‬ ‫بِ َها أَ ْو آ َذا ٌفن ٌَ ْس َم ُعو َن ِب َها َفإِ َّن َها لاَ َت ْع َمى الاَ ْب َصا ُر َو َل ِكن َت ْع َمى ا ْلقُلُو ُب‬ ‫الَّ ِتً ِفً ال ُّص ُدو ِر )( ) وقال تعالى‪ ( :‬قل ِسٌروا فً الأر ِض فانظ ُروا‬ ‫كٌ َؾ بدأ الخل َق ث َّم اللهُ ٌن ِش ُا ال َّنشؤ َة الآخ َر َة )( ) ‪.‬‬‫‪ -‬أؽّل ثٓ اٌؾَ‪ ٓ١‬ثٓ ػٍ‪ ٟ‬ثٓ ِ‪ ٍٝٛ‬اٌ ُق َْ َو ْ‪ِ ٚ‬عوك‪ ٞ‬اٌقواٍبٔ‪ ،ٟ‬أث‪ ٛ‬ثىو اٌج‪ٙ١‬م‪ ( ٟ‬اٌّز‪ٛ‬ف‪٘458 : ٝ‬ـ)ّؼت‬‫الإ‪ّ٠‬بْ‪ ،‬دؽمك‪ -‬اٌلوز‪ٛ‬ه ػجل اٌؼٍ‪ ٟ‬ػجل اٌؾّ‪١‬ل ؽبِل‪ِ ،‬ىزجخ اٌوّل ٌٍْٕو ‪ٚ‬اٌز‪ٛ‬ى‪٠‬غ ثبٌو‪٠‬بٗ ثبٌزؼب‪ِ ْٚ‬غ اٌلاه‬‫اٌٍَف‪١‬خ ثج‪ِٛ‬جب‪ ٞ‬ثبٌ‪ٕٙ‬ل‪ ،‬اٌطجؼخ‪ :‬الأ‪٘ 142 ،ٌٝٚ‬ـ‪ ،َ 2003 -‬ؽل‪٠‬ش هلُ‪ ، 8086 /‬ه‪ٚ‬اٖ ثَٕلٖ ػٓ ػجل الله ثٓ‬‫ِؾّل‪ ،‬لبي‪ٍّ :‬ؼذ ػجل اٌوىاق‪٠ ،‬م‪ٛ‬ي ‪ :‬عؼٍذ عبه‪٠‬خ ٌؼٍ‪ ٟ‬ثٓ اٌؾَ‪ ٓ١‬رَىت ػٍ‪ ٗ١‬اٌّبء‪ ،‬فز‪١ٙ‬أ ٌٍٖلاح فَم‪ ٜ‬الإثو‪٠‬ك‬‫ِٓ ‪٠‬ل اٌغبه‪٠‬خ ػٍ‪ٚ ٝ‬ع‪ ٗٙ‬فْغٗ‪ ،‬فوفغ ػٍ‪ ٟ‬ثٓ اٌؾَ‪ ٓ١‬هأٍٗ ئٌ‪ٙ١‬ب ‪ ،‬فمبٌذ اٌغبه‪٠‬خ‪ :‬ئْ الله ػي ‪ٚ‬عً ‪٠‬م‪ٛ‬ي‪:‬‬‫(‪ٚ‬اٌىبظّ‪ ٓ١‬اٌغ‪١‬ع‪ ،‬فمبي ٌ‪ٙ‬ب‪ :‬لل وظّذ غ‪١‬ظ‪ ،ٟ‬لبٌذ‪ٚ( :‬اٌؼبف‪ ٓ١‬ػٓ إٌبً)‪ ،‬فمبي ٌ‪ٙ‬ب‪ :‬لل ػفب الله ػٕه‪ ،‬لبٌذ‪ٚ( :‬الله‬ ‫‪٠‬ؾت اٌّؾَٕ‪ ،)ٓ١‬لبي‪ :‬ام٘ج‪ ٟ‬فأٔذ ؽوح‪ٚ ،‬أظو‪ِ -‬ؾّل ِؾّ‪ٛ‬ك ؽغبى‪ ،ٞ‬اٌزفَ‪١‬و اٌ‪ٛ‬ا‪ٙ‬ؼ‪ ،‬اٌطجؼخ اٌَبكٍخ‪ ،‬كاه‬ ‫إٌٖو ٌٍطجبػخ‪ِٖ ،‬و‪ ،‬اٌمب٘وح ‪ ،َ1972‬ط‪. 28ٓ 4‬‬ ‫‪ -‬كه‪ِٚ ًٚ‬نوواد‪١ٌٍْ ،‬ـ ػ‪ َٝ١‬ثٓ ثٍمبٍُ اٌفبفو‪ ،ٞ‬عّغ ‪ٚ‬رور‪١‬ت ِفزبػ اٌفبفو‪ ٌُ ،2001 ،ٞ‬رْٕو ‪.‬‬ ‫‪ٍٛ-‬هح اٌؾظ ا‪٠٢‬خ ‪46‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌؼٕىج‪ٛ‬د ا‪٠٢‬خ ‪19‬‬ ‫‪108‬‬

‫قال الإِ َمام اللَّ َّقانًِ صاحب الجوهرة ‪:‬‬ ‫فانظر إلى نفسك ثم انتقل** لل َعالم ال ُعلوي ث َّم ال ُّس ْفلًِ‬ ‫ت ِج ْد به صنعاً بدٌع ال ِح َك ِم** لكن به قا َم دلٌ ُل ال َعد ِم ( )‬ ‫وفً شرح هذه الأبٌات ٌقول العلبمة الصاوي ال َمالِكً‪ :‬من عرؾ‬ ‫نفسه بال ُحدوث وال َفقر‪ ،‬عرؾ ربه بالقدم وال ِؽ َنى‪ ،‬أي من تفكر فً‬ ‫بدابعها استدل بها‪ ،‬و جار فً‪ -‬مفاتٌح الكنوز وح ِّل الرموز‪ -‬حٌث قال‬ ‫الشرٌؾ المقدسً‪ :‬هو إشارة للتعجٌز‪ ،‬أي أنت لا تعرؾ نفسك‪ ،‬فلب‬ ‫تطمع فً كنه ربك ( )‪.‬‬ ‫‪ -6‬أنها عقٌدة عل ٍم وعم ٍل‪ ،‬فهً العقٌدة التً تحث أتباعها على العلم‬ ‫والعمل‪ ،‬وتراعً المصالح الحٌاتٌة‪ ،‬التً ٌجب مراعاتها‪ ،‬فهً لٌست‬ ‫دٌناً مجرداً عن العمل‪ ،‬ولٌست عبادات وأوامر ونواهً فحسب‪ ،‬بل‬ ‫جارت لإصلبح الدٌن والدنٌا معاً‪ ،‬قال تعال ى‪َ ( :‬م ْن َع ِم َل َصالِحاً ِّمن‬ ‫َذ َك ٍر أَ ْو أُن َثى َو ُه َو ُم ْإ ِم فٌن َف َل ُن ْح ٌِ ٌَ َّن ُه َح ٌَا ًة َط ٌِّ َب ًة َو َل َن ْج ِز ٌَ َّن ُه ْم أَ ْج َر ُهم ِبؤَ ْح َس ِن‬ ‫َما َكا ُنو ْا ٌَ ْع َملُو َن )( )‪ ،‬وقال تعالى‪(َ :‬و ُق ِل ا ْع َملُو ْا َف َس ٌَ َرى ال ّلهُ َع َم َل ُك ْم‬‫َو َر ُسولُ ُه َوا ْل ُم ْإ ِم ُنو َن َو َس ُت َر ُّدو َن إِ َلى َعالِ ِم ا ْل َؽ ٌْ ِب َوال َّش َها َد ِة َف ٌُ َن ِّب ُب ُكم ِب َما ُكن ُت ْم‬ ‫َت ْع َملُو َن)( ) ‪.‬‬‫‪ -‬أؽّل ثٓ ِؾّل اٌ َّب ٌِى‪ ٟ‬اٌٖب‪ّ ،ٞٚ‬وػ اٌٖب‪ ٞٚ‬ػٍ‪ ٝ‬ع‪٘ٛ‬وح اٌز‪ٛ‬ؽ‪١‬ل‪،‬رؾم‪١‬ك‪ -‬ػجل اٌفزبػ اٌجيَ‪،‬كاه اثٓ وض‪١‬و(‬ ‫كِْك‪ -‬ث‪١‬و‪ٚ‬د)اٌطجؼخ الأ‪. 125 ٓ َ1997 ،ٌٝٚ‬‬ ‫‪ّ -‬وػ اٌٖب‪ ٞٚ‬اٌ َّبٌِى‪ ٟ‬ػٍ‪ ٝ‬ع‪٘ٛ‬وح اٌز‪ٛ‬ؽ‪١‬ل‪. 124ٓ ،‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح إٌؾً ا‪٠٢‬خ ‪. 98‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌز‪ٛ‬ثخ ا‪٠٢‬خ ‪. 105‬‬ ‫‪109‬‬

‫‪ -7‬أنها عقٌدةفٌ سماوٌ ٌفة‪ ،‬ودٌ فٌن إله فًٌ‪ ،‬قوامه القرآن الكرٌم الذي نزل به‬ ‫الروح الأمٌن بوحً من الله‪ ،‬على قلب عبده ورسوله ومصطفاه‪ ،‬محم ٍد‬ ‫صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬كام فٌل بكمال الله لا ٌؤتٌه الباطل من بٌن ٌدٌه ولا‬ ‫من خلفه‪ ،‬تنزٌ ٌفل من حكٌ ٍم ًٍ حمٌد قال تعالى‪َ ( :‬وإِ َّن ُه لَ َتن ِزٌ ُل َر ِّب ا ْل َعا َل ِمٌ َن‬ ‫َن َز َل بِ ِه ال ُّرو ُح الاَ ِمٌ ُن َع َلى َق ْل ِب َك لِ َت ُكو َن ِم َن ا ْل ُمن ِذ ِرٌ َن بِلِ َسا ٍن َع َر ِب ًٍّ ُّم ِبٌ ٍن‬ ‫)( ) ‪.‬‬ ‫‪ -8‬هً العقٌد ٌفة التً راعت الطاقات البشرٌة وتحمل الإنسان‬ ‫وقدراته‪ ،‬فلم تحمل أتباعها أكثر مما ٌقدرون‪ ،‬ولم تكلفهم أكثر مما‬ ‫ٌطٌقون قال تعالى‪ ( :‬لاَ ٌُ َكلِّ ُؾ ال ّلهُ َن ْفساً إِلاَ ُو ْس َع َها َل َها َما َك َس َب ْت َو َع َل ٌْ َها‬ ‫َما ا ْك َت َس َب ْت َر َّب َنا لاَ ُت َإا ِخ ْذ َنا إِن َّن ِسٌ َنا أَ ْو أَ ْخ َطؤْ َنا َر َّب َنا َولاَ َت ْح ِم ْل َعلَ ٌْ َنا‬ ‫إِ ْصراً َك َما َح َم ْل َت ُه َع َلى الَّ ِذٌ َن ِمن َق ْبلِ َنا َر َّب َنا َولاَ ُت َح ِّم ْل َنا َما لاَ َطا َق َة لَ َنا ِب ِه‬ ‫َوا ْع ُؾ َع َّنا َوا ْؼ ِف ْر لَ َنا َوا ْر َح ْم َنا أَن َت َم ْولاَ َنا َفان ُص ْر َنا َعلَى ا ْل َق ْو ِم‬ ‫ا ْل َكا ِف ِرٌ َن) ( ) ‪.‬‬ ‫العقٌدة عند َمالِك ‪:‬‬ ‫عرؾ عن َمالِك‪ -‬رحمه الله‪ -‬التزامه منهج السلؾ الصالح‪ ،‬أهل السنة‬ ‫والجماعة‪ ،‬وهو ما كان علٌه الجٌل الأول من لدن رسول الله صلى الله‬ ‫علٌه وسلم‪ ،‬وصحابته الأطهار‪ ،‬وهو من علمار الحدٌث وأبمته‪ ،‬بل‬ ‫ومن أول المتصدرٌن فً هذا الفن‪ ،‬قال عبد الرحمن بن مهدي( ‪:)‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌْؼواء ا‪٠٢‬خ ‪192‬ـــــ ‪. 195‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌجموح ا‪٠٢‬خ ‪. 286‬‬‫‪ ٛ٘ - ‬أث‪ٍ ٛ‬ؼ‪١‬ل ػجل اٌوؽّبْ ثٓ ِ‪ٙ‬ل‪ ٞ‬ثٓ ؽَبْ اٌؼٕجو‪ ِٓ ٞ‬فم‪ٙ‬بء اٌزبثؼ‪ ٓ١‬ثبٌجٖوح ر‪ٛ‬ف‪ٍٕ ٟ‬خ ‪٘198‬ـ‪ ،‬ػلاِخ‬ ‫ف‪ ٟ‬اٌؾل‪٠‬ش‪ٚ ،‬أٍّبء اٌوعبي‪ٌٚ ،‬مل وبْ اٌْبفؼ‪٠ ٟ‬وعغ ئٌ‪ ٗ١‬ف‪ ٟ‬اٌؾل‪٠‬ش ( ّغوح إٌ‪ٛ‬ه اٌيو‪١‬خ ٓ‪. ) 58‬‬ ‫‪110‬‬

‫(أبمة الحدٌث الذٌن ٌقتدى بهم أربعة‪ ،‬سفٌان الثوري بالكوفة‪ ،‬و َمالِك‬ ‫بالحجاز‪ ،‬والأوزاعً بالشام‪ ،‬وحماد بن زٌد بالبصرة) ( )‪ ،‬وفً رواٌة‬ ‫أخرى له‪ ،‬الأبمة أربعة‪( :‬سفٌان الثوري‪ ،‬و َمالِك‪ ،‬وحماد بن زٌد‪ ،‬وابن‬ ‫المبارك )( ) وعرؾ عن أبمة الحدٌث شدة التزامهم‪ ،‬باتباع سنة‬ ‫المصطفى صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬والسٌر على هدٌه ‪.‬‬ ‫ومنهاج السنة واض ٌفح لا لبس فٌه‪ ،‬هو اتباع ما جار به القرآن‬ ‫الكرٌم‪ ،‬وما صح نقله عن رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬ويرون‬ ‫وجوب إجرار نصوص الكتاب وال ُس ّنة فً قضاٌا الاعتقاد‪ ،‬وفً مسؤلة‬ ‫أسمار الله عز وجل وصفاته على ظاهرها‪ ،‬وحملها على حقٌقتها اللببقة‬ ‫به تبارك وتعالى ‪.‬‬ ‫ومسابل الاعتقاد مما أجمع علٌه سلؾ هذه الأمة‪ ،‬فهً قضاٌا ثابت ٌفة‬ ‫عند جمٌعهم‪ ،‬ولم ٌنقل المخالفة عنهم فً ذلك‪ ،‬كتوحٌد الله تبارك‬ ‫وتعالى فً خلقه‪ ،‬وأنه لا شرٌك له فً ملكه وتدبٌره‪ ،‬وأنه سبحانه‬ ‫وتعالى ؼن ًٌّ عن خلقه والخلق فقرار إلٌه ‪.‬‬ ‫وقد ظهرت فِرق‪ ،‬و َطوابؾ مختلفة زمن الإِ َمام َمالِك‪ ،‬لها أقوال‬ ‫وآرار فً قضٌة الأسمار والصفات سنوردها إن شار الله بالتفصٌل فً‬ ‫حدٌثنا عن الفِرق والطوابؾ‪ ،‬وسنورد كذلك ردود الإِ َمام على هذه‬ ‫ال ِفرق‪ ،‬وما هً وجهة نظره فٌها‪ ،‬وكٌؾ كانت منهجٌته فً التعامل مع‬ ‫‪ِ -‬ؾّل أث‪ ٛ‬ى٘وح َِب ٌِه ؽ‪١‬برٗ ‪ٚ‬ػٖوٖ ٓ‪. 87‬‬‫‪ -‬أث‪ ٛ‬ئٍؾبق اٌْ‪١‬واى‪ ٞ‬اٌْبفؼ‪ٛ ،ٟ‬جمبد اٌفم‪ٙ‬بء‪ ،‬رؾم‪١‬ك ئؽَبْ ػجبً‪ ،‬كاه اٌوائل اٌؼوث‪ ،ٟ‬ث‪١‬و‪ٚ‬د ٌجٕبْ‪94 ٓ ،‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪111‬‬

‫هذه ال ِفرق‪ ،‬وما هو الموقؾ الذي ٌنبؽً أن ٌكون علٌه كل مسلم تجاه‬ ‫الخوض فً قضاٌا ذات الله عز وجل‪ ،‬وأسمابه وصفاته ‪.‬‬ ‫ٌقول شٌخ الإسلبم ابن تٌمٌة‪ -‬رحمه الله‪... (-‬ولكن من رحمة الله‬ ‫بعباده أن الأبمة الذٌن لهم فً الأمة لسان صدق كالأبمة الأربعة‬‫وؼٌرهم‪ ،‬كانوا ٌنكرون على أهل الكلبم من الجهمٌة قولهم فً القرآن‪،‬‬ ‫والإٌمان‪ ،‬وصفات الرب‪ ،‬وكانوا متفقٌن على ما كان علٌه السلؾ من‬ ‫أن الله ٌُرى فً الآخرة‪ ،‬وأن القـرآن كلبم الله جل وعلب ؼٌر مخلوق‪،‬‬ ‫وأن الإٌمان لا بد فٌه من تصدٌق القلب واللسان‪.) ()..‬‬ ‫وهو فً هذا إنما ٌنقل عن الأبمة المتبوعٌن الأوابل‪ ،‬الذٌن تلقت‬ ‫الأمة علمهم بالقبول‪ ،‬وصار لهم شؤن عظٌم فً الشرٌعة‪ ،‬بحٌث إذا‬ ‫ذكروا وذكرت أقولهم واجتهاداتهم‪ ،‬فإن لها الاعتبار فً مذهب أهل‬ ‫السنة والجماعة‪ ،‬كؤبً حنٌفة‪ ،‬و َمالِك‪ ،‬والشافعً‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وؼٌرهم ‪.‬‬ ‫المطلب ال الث ‪ :‬التوحــٌد‪:‬‬ ‫التوحٌد لؽ ًة الإفراد‪ٌ ،‬قال‪ :‬و َّح َده توحٌداً جعله واحداً‪ ،‬والله الأوحد‪،‬‬ ‫والمتوحد ذو الوحدانٌة‪ ،‬والتوحٌد ‪ :‬الإٌمان بالله وحده( ) ‪.‬‬ ‫وشرعاًلا‪ :‬تنزٌه الله عز وجل عن الشبٌه والمثٌل فً ذاته وأسمابه‬ ‫وصفاته‪ ،‬وإفراده سبحانه وتعالى بالروبٌة‪ ،‬والألوهٌة‪ ،‬ونفً الشرٌك‬ ‫عنه ( )‪.‬‬ ‫‪ -‬وزبة الإ‪ّ٠‬بْ لاثٓ ر‪١ّ١‬خ‪ ،‬رؼٍ‪١‬ك اٌ‪ٙ‬واً‪ ،‬كاه اٌطجبػخ اٌّؾّلح‪.. 351 ، 350 ٓ ،ٞ‬‬ ‫‪ -‬اٌطب٘و أؽّل اٌيا‪ِ ، ٞٚ‬قزبه اٌمبِ‪ ، ًٛ‬اٌلاه اٌؼوث‪١‬خ ٌٍىزبة ‪ٛ ،‬واثٌٍ ‪١ٌ ،‬ج‪١‬ب ‪.. 650 ٓ ، َ1984 ،‬‬ ‫‪112‬‬

‫وٌعرؾ العلبمة اللَّقانً التوحٌد بقوله‪ :‬هو إفراد المعبود بالعبادة‪ ،‬مع‬ ‫اعتقاد وحدته ذاتاً وصفاتاً وأفعالاً‪ ،‬فلب تقبل ذاته الانقسام بوجه‪ ،‬ولا‬ ‫تشبه ذاته الذوات‪ ،‬ولا تشبه صفاته الصفات ( )‪ ،‬فالله تعالى كما أخبر‬ ‫عن نفسه فً كتابه‪( :‬لَ ٌْ َس َك ِم ْثلِ ِه َش ًْ فٌر َو ْه َو ال َّسمٌ ُع ال َب ِصٌ ُر)( )‪.‬‬ ‫وهو معنى(لا إله إلا الله )أي لا إله ٌعبد بح ٍق إلا الله سبحانه وتعالى‪،‬‬ ‫فهً نفً وإثبات‪ ،‬نفً الألوهٌة عما سوى الله‪ ،‬وإثبات الألوهٌة له‬ ‫وحده‪ ،‬و تعنً كذلك الإخلبص فً كل عبادة‪ ،‬قولٌة أو فعلٌة أو‬ ‫اعتقاد ةي ( ) ‪.‬‬ ‫قال الشٌخ عبدالهادي أبوأصبع‪ ،‬وهو من علمار ال َمالِكٌة المعاصرٌن‪:‬‬ ‫أما معنى هذه الكلمة فلب شك أنها محتوٌة على نفً وإثبات‪ ،‬فالمنفً كل‬ ‫فرد من أفراد حقٌقة الإله ؼٌر مولانا ج َّل وعلب‪ ،‬ثم نقل الرواٌة عن‬ ‫الشٌخ السنوسً ال َمالِكً‪ -‬رحمه الله تعالى‪ -‬حٌث قال ‪ :‬معنى الألوهٌة‬ ‫استؽنار الإله عن كل ما سواه‪ ،‬وافتقار كل ماعداه إلٌه‪ ،‬فمعنى لا إله إلا‬ ‫الله‪ ،‬لا مستؽنً عن كل ما سواه ومفتقر إلٌه كل ما عداه إلا الله تعالى‬ ‫()‪.‬‬‫‪ِٖ -‬طف‪ ٝ‬ػجل اٌغٕ‪١ّ ٟ‬جٗ ‪ِ ،‬جبؽش ف‪ ٟ‬إٔ‪ٛ‬ي اٌؼم‪١‬لح الإٍلاِ‪١‬خ‪١ٌ،‬ج‪١‬ب ‪ٍ،‬ج‪ٙ‬ب‪ِْٕٛ ،‬هاد عبِؼخ ٍج‪ٙ‬ب اٌطجؼخ الأ‪ٌٝٚ‬‬ ‫‪. 75ٓ ،َ2001‬‬ ‫‪-‬ػجل اٌَلاَ ثٓ ئثوا٘‪ ُ١‬اٌٍمبٔ‪ّ ،ٟ‬وػ ع‪٘ٛ‬وح اٌز‪ٛ‬ؽ‪١‬ل‪ ،‬اٌ َُّ َّّ‪ -ٝ‬ئرؾبف اٌّو‪٠‬ل ثْوػ ع‪٘ٛ‬وح اٌز‪ٛ‬ؽ‪١‬ل‪ ،‬كاه اٌمٍُ‬ ‫اٌؼوث‪ٍٛ ،ٟ‬ه‪٠‬خ‪ ،‬ؽٍت‪ ،‬اٌطجؼخ الأ‪. 15ٓ َ1990 ،ٌٝٚ‬‬ ‫‪ٍٛ-‬هح اٌْ‪ٛ‬ه‪ ٜ‬الاآ‪٠‬خ ‪. 9‬‬‫‪ٕ -‬بٌؼ ثٓ ف‪ٛ‬ىاْ اٌف‪ٛ‬ىاْ‪ّ ،‬وػ اٌؼم‪١‬لح اٌ‪ٛ‬اٍط‪١‬خ‪١ٌْ ،‬ـ الإٍلاَ اثٓ ر‪١ّ١‬خ‪ِ ،‬ىزجخ كاه اٌَلاَ‪ ،‬اٌو‪٠‬ب ٗ‪،‬‬ ‫‪. 9ٓ ،َ1997‬‬‫‪ -‬ػجل اٌ‪ٙ‬بك‪ ٞ‬ئكه‪ ٌ٠‬أث‪ٕٛ‬جغ‪ ،‬اٌغ‪٘ٛ‬و اٌفو‪٠‬ل ف‪ ٟ‬ػٍُ اٌز‪ٛ‬ؽ‪١‬ل‪ ،‬كاه اٌىزت اٌ‪١ٕٛٛ‬خ ثٕغبى‪ ،ٞ‬اٌطجؼخ الأ‪، َ1998،ٌٝٚ‬‬ ‫ٓ‪. 38‬‬ ‫‪113‬‬

‫وقال تعالى ‪(ُ :‬ق ْل ُه َو ال َّلهُ أَ َح ٌفد ال َّلهُ ال َّص َم ُد َل ْم ٌَلِ ْد َو َل ْم ٌُو َل ْد َو َل ْم ٌَ ُكن لَّ ُه‬ ‫ُكفُواً أَ َح فٌد ) فهذه السور ة قد اشتملت على التوحً د الخالص لله تبارك‬ ‫وتعالى‪ ،‬واشتملت على تنزٌهه عن النقص‪ ،‬وأنه تبارك وتعالى لٌس له‬ ‫شبٌه أو مثٌ فٌل تعالى الله عن ذلك علواً كبٌراً ‪.‬‬ ‫وٌقول ابن القٌم رحمه الله فً شؤنها‪( :‬سورة الإخلبص متضمن ٌفة‬ ‫لتوحٌد الاعتقاد والمعرفة‪ ،‬وما ٌجب إثباته للرب تعالى من الاَ َحدٌة‬ ‫النافٌة لمطلق المشاركة بوج ٍه من الوجوه والصمدٌة‪ ،‬ونفً الولد والوالد‬ ‫الذي هو من لوازم الصمدٌة‪ ،‬ونفً الكؾر المتضمن لنفً الشبٌه‪،‬‬ ‫والمثٌل‪ ،‬والنظٌر‪ ،‬فتضمنت هذه السورة إثبات كل كما ٍل له‪ ،‬ونفً كل‬ ‫نق ٍص عنه‪ ،‬ونفً كل شبٌ ٍه أو مثٌل له فً كماله‪ ،‬ونفً مطلق الشرٌك‬ ‫عنه‪ ،‬وهذه الأصول هً مجامع التوحٌد العلمً الاعتقادي( )‪.‬‬ ‫جار فً حاشٌة الأمٌر‪ :‬وقد صار التوحٌد‪ ،‬علماً واجباً شرعاً‪ ،‬لا‬ ‫ترخٌص فً تركه‪ ،‬وذلك لعموم قوله تعالى‪( :‬فا ْع َل ْم أ َّن ُه لاَ إِ َل َه إِلاَ اللهُ)‬ ‫( )‪ ،‬فهو علم ٌبحث عن ذات الله وصفاته‪ ،‬وأحوال الممكنات فً المبدأ‬ ‫والمعاد‪ ،‬على قانون الإسلبم‪ ،‬وكذلك ٌتوصل بواسطته إلى تث ُّبت العقابد‬ ‫الدٌنٌة على الؽٌر‪ ،‬وإلزامها إٌاه‪ ،‬بإٌراد الحجج‪ ،‬ودفع الشبه ( ) ‪.‬‬ ‫‪-‬اثٓ ل‪ ُ١‬اٌغ‪ٛ‬ى‪٠‬خ ‪ ،‬ىاك اٌّؼبك ف‪٘ ٟ‬ل‪ ٞ‬ف‪١‬و اٌؼجبك ‪ ،‬ط‪ ) 82 -81 (ٓ ،1‬اٌطجؼخ الأ‪ِٖ ،ٌٝٚ‬و‪٘1325 ،‬ـ ‪.‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح ِؾّل ا‪٠٢‬خ ‪. 20‬‬‫‪ِ-‬ؾّل ثٓ ِؾّل الأِ‪١‬و‪ ،‬رمب‪١٠‬ل ػٍ‪ّ ٝ‬وػ ػجل اٌَلاَ ػٍ‪ ٝ‬ع‪٘ٛ‬وح اٌٍمبٔ‪ ٟ‬ف‪ ٟ‬ػٍُ اٌز‪ٛ‬ؽ‪١‬ل‪ِ ،‬طجؼخ ؽغبى‪ ،ٞ‬اٌمب٘وح‪،‬‬ ‫(ثل‪ ْٚ‬ربه‪٠‬ـ ‪ٛ‬جبػخ) ٓ‪. 24‬‬ ‫‪114‬‬

‫وأدلة التوحٌد نقلٌ ٌفة‪ ،‬وعقلٌ ٌفة ٌفً‪ ،‬النقلٌة فً الكتاب والسنة كثٌرةٌف منها‪:‬‬ ‫قول الحق تبارك وتعالى‪َ ( :‬ش ِه َد ال ّلهُ أَ َّن ُه لاَ إِلَـ َه إِلاَ ُه َو َوا ْل َملبَ ِب َك ُة َوأُ ْولُو ْا‬ ‫ا ْل ِع ْل ِم َقآ ِب َماً بِا ْل ِق ْس ِط لاَ إِلَـ َه إِلاَ ُه َو ا ْل َع ِزٌ ُز ا ْل َح ِكٌ ُم)( ) ‪.‬‬ ‫وأٌضاً قوله تعالى مخاطباً نبٌه محمداً علٌه الصلبة والسلبم‪َ ( :‬وا ْسؤَ ْل‬ ‫َم ْن أَ ْر َس ْل َنا ِمن َق ْبلِ َك ِمن ُّر ُسلِ َنا أَ َج َع ْل َنا ِمن ُدو ِن ال َّر ْح َم ِن آلِ َه ًة‬ ‫ٌُ ْع َب ُدو َن)( )‪.‬‬ ‫وقال ع َّز من قابل‪ُ (:‬ه َوال َّلهُ الَّ ِذي لاَ إِ َل َه إِلاَ ُه َو َعالِ ُم ا ْل َؽ ٌْ ِب َوال َّش َها َد ِة ُه َو‬ ‫ال َّر ْح َم ُن ال َّر ِحٌ ُم)( ) ‪.‬‬ ‫ومن السنة ما أخرجه البخاري فً صحٌحه‪ ،‬بسنده عن ابن عمر‬ ‫رضً الله عنهما قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ( :‬بنً‬ ‫الإسلبم على خمس شهادة أن لا إله إلا الله‪ ،‬وأن محمدا رسول الله‪،‬‬ ‫إقامة الصلبة‪ ،‬و إٌتار الزكاة‪ ،‬والحج‪ ،‬وصوم رمضان )( ) ‪.‬‬ ‫والأدلة العقلٌة على وحدانٌة الله كثٌر ٌفة‪ ،‬ولا أدل من كونه سبحانه‬ ‫وتعالى واحداً فً ذاته وصفاته‪ ،‬من أنه تعالى لو لم ٌكن واحداً لما أوجد‬ ‫المخلوقات أصلبً‪ ،‬لأن الذي ٌحتاج إلى شرٌك فهو عاجز‪ ،‬والعجز‬ ‫محال على الله سبحانه‪ ،‬وكذلك ٌقع التنازع بٌنهما‪ ،‬فهً آلهة متعددة‪،‬‬ ‫فهذا ٌرٌد إٌجاد شًر‪ ،‬والآخر ٌرٌد إٌجاد شًر آخر‪ ،‬وهذا ٌرٌد‬ ‫‪ٍٛ -‬هح آي ػّواْ ا‪٠٢‬خ ‪.18‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌيفوف ا‪٠٢‬خ ‪.44‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌؾْو ا‪٠٢‬خ ‪. 22‬‬‫‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ ، ٞ‬وزبة الإ‪ّ٠‬بْ ‪ ،‬ثبة ل‪ٛ‬ي إٌج‪ ٍٕٝ ٟ‬الله ػٍ‪ \" ٍٍُٚ ٗ١‬ثٕ‪ ٟ‬الإٍلاَ ػٍ‪ ٝ‬فٌّ \" ط ‪13 ٓ 1‬‬ ‫ؽل‪٠‬ش هلُ ‪ٚ ، 8‬أظو ‪ -‬أؽّل ثٓ ػجل اٌٍط‪١‬ف اٌيث‪١‬ل‪ِ ،ٞ‬قزٖو ٕؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ ٞ‬اٌزغو‪٠‬ل اٌٖو‪٠‬ؼ لأؽبك‪٠‬ش اٌغبِغ‬ ‫اٌٖؾ‪١‬ؼ ٓ‪ -27‬كاه إٌفبئٌ‪ ،‬ث‪١‬و‪ٚ‬د‪ٌ ،‬جٕبْ‪ ،‬اٌطجؼخ اٌواثؼخ‪. َ1989 ،‬‬ ‫‪115‬‬

‫الإٌجاد‪ ،‬وذك ٌرٌد الإعدام‪ ،‬وهذا ٌرٌد الإعطار‪ ،‬وآخر ٌرٌد الحرمان‬ ‫وهكذا ‪..‬الخ ) ( ) ‪.‬‬ ‫وصدق الله العظٌم حٌث ٌقول‪َ ( :‬ل ْو َكا َن فٌِ ِه َما آلِ َه ٌفة إِلاَ ال َّلهُ َل َف َس َد َتا‬ ‫َف ُس ْب َحا َن ال َّلهِ َر ِّب ا ْل َع ْر ِش َع َّما ٌَ ِصفُو َن لاَ ٌُ ْسؤَ ُل َع َّما ٌَ ْف َع ُل َو ُه ْم ٌُ ْسؤَلُو َن أَ ِم‬ ‫ا َّت َخ ُذوا ِمن ُدو ِن ِه آلِ َه ًة ُق ْل َها ُتوا ُب ْر َها َن ُك ْم َه َذا ِذ ْك ُر َمن َّم ِع ًَ َو ِذ ْك ُر َمن‬ ‫َق ْبلًِ َب ْل أَ ْك َث ُر ُه ْم لاَ ٌَ ْع َل ُمو َن ا ْل َح َّق َف ُهم ُّم ْع ِر ُضو َن َو َما أَ ْر َس ْل َنا ِمن َق ْبلِ َك ِمن‬ ‫َّر ُسو ٍل إِلاَ ُنو ِحً إِ َل ٌْ ِه أَ َّن ُه لاَ إِ َل َه إِلاَ أَ َنا َفا ْع ُب ُدو ِن)( ) ‪.‬‬ ‫وقال أٌضاً‪ ( :‬قُ ْل َمن َّر ُّب ال َّس َما َوا ِت ال َّس ْب ِع َو َر ُّب ا ْل َع ْر ِش ا ْل َع ِظٌ ِم‬ ‫َس ٌَ ُقولُو َن ِل َّل ِه ُق ْل أَ َفلبَ َت َّت ُقو َن قُ ْل َمن ِب ٌَ ِد ِه َم َل ُكو ُت ُك ِّل َش ًْ ٍر َو ُه َو ٌُ ِجٌ ُر َولاَ‬ ‫ٌُ َجا ُر َع َل ٌْ ِه إِن ُكن ُت ْم َت ْعلَ ُمو َن َس ٌَقُولُو َن ِل َّلهِ ُق ْل َفؤَ َّنى ُت ْس َح ُرو َن َب ْل أَ َت ٌْ َنا ُهم‬ ‫ِبا ْل َح ِّق َوإِ َّن ُه ْم لَ َكا ِذ ُبو َن َما ا َّت َخ َذ ال َّلهُ ِمن َو َل ٍد َو َما َكا َن َم َع ُه ِم ْن إِ َل ٍه إِذاً لَّ َذ َه َب‬ ‫ُك ُّل إِ َل ٍه ِب َما َخلَ َق َولَ َعلبَ َب ْع ُض ُه ْم َعلَى َب ْع ٍض ُس ْب َحا َن ال َّلهِ َع َّما ٌَ ِص ُفو َن َعالِ ِم‬ ‫ا ْل َؽ ٌْ ِب َوال َّش َها َد ِة َف َت َعا َلى َع َّما ٌُ ْش ِر ُكون )( ) ‪.‬‬ ‫أقسام التوحٌد ‪:‬‬ ‫ٌنقسم التوحٌد إلى ثلبثة أقسام‪ ،‬توحٌد الربوبٌة‪ ،‬وتوحٌد الألوهٌة‪،‬‬ ‫وتوحٌد الأسمار والصفات( ) ‪.‬‬ ‫‪ -‬فبرؼ ِؾّل ىللاَ – اٌؼم‪١‬لح ٌٍَٕخ اٌضبٔ‪١‬خ ثّؼب٘ل اٌؼٍ‪ َٛ‬اٌْوػ‪١‬خ ‪. 34 ٓ،‬‬ ‫ٍ‪ٛ‬هح الأٔج‪١‬بء ا‪٠٢‬بد‪21( ،‬ـــــ ‪ْٕ٠ ) 25‬و‪ :ْٚ‬أ‪٠ ٞ‬ؾ‪ ْٛ١‬الأِ‪ٛ‬اد‪ ،‬لأٔٗ لا ‪٠‬ى‪ ْٛ‬ئٌٗ ئلا ئما أؽ‪١‬ب اٌّ‪ٛ‬ر‪. ٝ‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌّإِٕ‪ ْٛ‬الأ‪٠‬بد ( ‪ 86‬ـــ ‪. ( 92‬‬‫‪ِ -‬ؾّ‪ٛ‬ك ٕبٌؼ اٌجغلاك‪ ،ٞ‬ئهّبك الأٔبَ ف‪ ٟ‬ػم‪١‬لح الإٍلاَ‪ ،‬كاه اٌجَ ِّواء‪ ،‬اٌطجؼخ الأ‪ٚ،12 ٓ ،1985 ،ٌٝٚ‬أظو‪-‬فبرؼ‬ ‫ِؾّل ىللاَ‪،‬اٌؼم‪١‬لح‪. 76 ٓ ،‬‬ ‫‪116‬‬

‫وٌجدر بنا أن َن ْذكر هنا‪ ،‬أن هذا التقسٌم بهذا التفصٌل وهذه‬ ‫المسمٌات‪ ،‬لم ٌكن متعارفاً علٌه فً عصر الإِ َمام َمالِك‪ -‬رحمه الله‪، -‬‬ ‫كما سبق وأشرت فً مطلع الحدٌث عن مصطلح العقٌدة‪ ،‬فهم ٌسمونها‬ ‫إجمالاً بمس َّمى الإٌمان‪ ،‬أوالدٌن‪ ،‬مع علمهم بطبٌعة الحال بما لهذه‬‫الكلمة من معنى مشتمل على التوحٌد بجمٌع جوانبه‪ ،‬ولكن‪ ،‬ومع ظهور‬‫الطوابؾ والفرق والمتكلمٌن‪ ،‬باتت الحاجة مل َّح ًة إلى التفصٌل فً أمور‬‫العقابد‪ ،‬حتى لا ٌ ِض َّل الناس عن المنهج الصحٌح‪ ،‬منهـج أبمة المسلمٌن‬‫وعامتهم‪ ،‬الذٌن صفت عقٌدتهم‪ ،‬وخلص إٌمانهم وتوحٌدهم لله خالق كل‬ ‫شً ٍر‪ ،‬وهو على كل شً ٍر وكٌ ٍل ‪.‬‬ ‫أولالًا‪ :‬توحٌد الربوبٌة ‪:‬‬ ‫ٌقصد بتوحٌد الربوبٌة‪ -‬إفراده عز وجل‪ ،‬وتفوٌض الأمر له فً‬ ‫الخلق والملك والتدبٌر‪ ،‬بحٌث ٌإمن المرر أن الله تعالى وحده القادر‬ ‫على تصرٌؾ شإون الكون‪ ،‬وهو وحده الخالق الرازق‪ ،‬والمعطً‬ ‫والمانع ‪.‬‬ ‫ولقد كان المشركون‪ ،‬زمن النبً صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬رؼم كونهم‬ ‫مشركٌن مع الله آله ًة وأوثاناً تعبد من دونه‪ ،‬إلاَ أنهم ٌعتقدون أن‪ -‬أمور‬ ‫الخلق والملك‪ ،‬وتدبٌر شإون الكون‪ ،‬مما ٌختص به الله وحده‪ ،‬قال‬‫تعالى واصفاً حالهم‪َ ( :‬ولَبِن َسؤَ ْل َت ُهم َّم ْن َخلَ َق ال َّس َما َوا ِت َوالاَ ْر َض َو َس َّخ َر‬ ‫ال َّش ْم َس َوا ْل َق َم َر لَ ٌَقُولُ َّن ال َّلهُ َفؤَ َّنى ٌُ ْإ َف ُكون )( ) ‪.‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌؼٕىج‪ٛ‬د ا‪٠٢‬خ ‪. 61‬‬ ‫‪117‬‬

‫وقال أٌضاً‪َ ( :‬ولَبِن َسؤَ ْل َت ُهم َّم ْن َخ َل َق ال َّس َما َوا ِت َوالاَ ْر َض َل ٌَقُولُ َّن ال َّلهُ‬‫قُ ِل ا ْل َح ْم ُد ِل َّلهِ َب ْل أَ ْك َث ُر ُه ْم لاَ ٌَ ْعلَ ُمون ) ( ) وقوله كذلك‪ ( :‬قل َمن ٌَ ْر ُزقُ ُكم‬ ‫ِّم َن ال َّس َما ِر َوالاَ ْر ِض أَ َّمن ٌَ ْملِ ُك ال َّس ْم َع والاَ ْب َصا َر َو َمن ٌُ ْخ ِر ُج ا ْل َح ًَّ ِم َن‬ ‫ا ْل َم ٌِّ ِت َو ٌُ ْخ ِر ُج ا ْل َم ٌَّ َت ِم َن ا ْل َح ًِّ َو َمن ٌُ َد ِّب ُر الاَ ْم َر َف َس ٌَقُولُو َن ال ّلهُ َف ُق ْل أَ َفلبَ‬ ‫َت َّتقُو َن) ( ) ‪.‬‬ ‫ومما ٌجدر ال َّتنبٌه إلٌه‪ ،‬أنه قد ٌقع أناس فً وقتنا الحاضر فً بعض‬ ‫ال ُّشبهات التً قد تإدي إلى ال ِّشرك فً توحٌد الربوبٌة‪ ،‬وهذا قد ٌنتج‬ ‫عن جهل‪ ،‬أو تعص ٍب دون تث ُّبت وتر ٍّو‪ ،‬وتد ِّب ٍر فً الآٌات القرآنٌة‪،‬‬ ‫والأحادٌث النبوٌة الصرٌحة التً تح ِّذر من الوقوع فً مثل هذا النوع‬ ‫من ال ِّشرك‪ ،‬وهذا م َّما لا ش َّك فٌه ٌتنافى مع ما تقتضً ه الفطرة السلٌمة‬ ‫التً فطرالله الناس علٌها‪ ،‬وال ُّسلوك الصحٌح للمإمن الحقٌقً الذي‬ ‫ٌو ِّحد الله فً ربوبٌته‪ ،‬لأن الإٌمان بتوحٌد الربوبٌة معناه ألاَ نلتجؤ إلا لله‬ ‫وحده فً جمٌع أمورنا‪ ،‬وألاَ نقصد أحداً سواه‪ ،‬ومن أجل هذا ٌقول‬ ‫الح ُّق تبارك وتعالى‪ (:‬أَ َّمن ٌُ ِجٌ ُب ا ْل ُم ْض َط َّر إِ َذا َد َعا ُه َو ٌَ ْك ِش ُؾ ال ُّسو َر‬ ‫َو ٌَ ْج َعلُ ُك ْم ُخ َل َفار الاَ ْر ِض أَإِلَ ٌفه َّم َع ال َّلهِ َقلٌِلبً َّما َت َذ َّك ُرو َن)( ) ‪.‬‬ ‫وفً باب زٌارة القبور للتبرك بؤصحابها ودعابهم والاستؽاثة بهم نقل‬ ‫الإِ َمام الطبري عن أصحاب الإِ َمام َمالِك‪ ،‬أن َمالِكاً‪ -‬رحمه الله‪ -‬كره أن‬‫ٌقول‪ :‬زرت قبر النبً صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬وعلل ذلك بقوله صلى الله علٌه‬ ‫‪ٍٛ -‬هح ٌمّبْ ا‪٠٢‬خ ‪. 25‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح يونس الآية ‪31‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح إًٌّ ا‪٠٢‬خ ‪62‬‬ ‫‪118‬‬

‫وسلم‪( :‬اللهم لا تجعل قبري وثناً ٌعبد ) الحدٌث‪ ،‬وكره إضافة هذا اللفظ إلى‬ ‫القبر‪ ،‬لبلب ٌقع التش ُّبه بفعل أولبك‪ ،‬سداً للذرٌعة ( )‪.‬‬ ‫وقال القاضً ِع ٌَاض‪ :‬وكره َمالِك أن ٌقال‪ُ :‬زرنا قبر النبً صلى الله‬ ‫علٌه وسلم‪ ،‬وقد اختلؾ فً معنى ذلك فقٌل‪ :‬كراهته الاسم الوارد من قوله‬ ‫علٌه الصلبة والسلبم‪( :‬لعن الله ز َّوارات القبور )( )‪ ،‬والمعنى أ َّن َمالِكاً ‪-‬‬ ‫رحمه الله‪ -‬كره ذلك لخشٌتة أن ٌقع فً التسمٌة بزٌارة القبر‪ ،‬وٌإكد هذا ما‬‫قاله ابن عمران‪ -‬رحمه الله تعالى‪ -‬إنما كره َمالِك أن ٌقال‪ ( :‬طواؾ الزٌارة)‬ ‫و ( زرنا قبر النبً صلى الله علٌه وسلم)‪ ،‬لاستعمال الناس ذلك بٌنهم‬‫بعضهم لبعض‪ ،‬فكره َمالِك تسوٌة ال َّنبً صلى الله علٌه وسلم مع الناس‪ ،‬بهذا‬‫اللفظ‪ ،‬وأح َّب أن ٌُخ َّص بؤن ٌقال‪ :‬سلمنا على النبً صلى الله علٌه وسلم ( )‪،‬‬ ‫قال شٌخ الإسلبم‪ :‬والإِ َمام َمالِك‪ -‬رحمه الله‪ -‬قد أدرك التابعٌن‪ ،‬وهم أعلم‬ ‫الناس بهذه المسؤلة‪ ،‬فد َّل ذلك على أنه لم ٌكن معروفاً عندهم ألفاظ زٌارة‬ ‫قبر النبً صلى الله علٌه وسلم‪ -‬إلى أن قال‪ -‬وقد ذكروا أسباب كراهته لأن‬‫ٌقول‪ُ :‬زرت قبر النبً صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬لأن هذا اللفظ قد صار كثٌ فٌر من‬‫الناس ٌستحلون به الزٌارة البدعٌة‪ ،‬والتً قد ٌصاحبها ما ٌنافً العقٌدة‪ ،‬مثل‬ ‫قصد المٌت لسإاله‪ ،‬والاستؽاثة به‪ ،‬والتوجه إلٌه فً الملمات والحوابج‬ ‫ونحو ذلك‪ ،‬مما ٌفعله كثٌر من الناس‪ ،‬وهذا لٌس بمشروع باتفاق الأبمة‪،‬‬ ‫وكره َمالِك أن ٌتكلم بلفظ مجمل ٌدل على معنى فاسد‪ ،‬بخلبؾ الصلبة‬ ‫والسلبم علٌه‪ ،‬فإن ذلك مما أمر الله به ‪.‬‬ ‫‪ -‬فزؼ اٌّغ‪١‬ل ثْوػ وزبة اٌز‪ٛ‬ؽ‪١‬ل‪،‬ػجل اٌوؽّبْ ثٓ ؽَٓ آي اٌْ‪١‬ـ‪. 178 ٓ،‬‬‫‪ٚ -‬اٌؾل‪٠‬ش ػٕل اثٓ ِبعخ ‪ٚ‬غ‪١‬وٖ ‪ٚ‬ف‪َِٕ ٟ‬ل ال ِإ َِبَ أؽّل ط ‪ٚ ،155 ٓ12‬اٌؾل‪٠‬ش ػٓ أث‪٘ ٟ‬و‪٠‬وح ه‪ ٟٙ‬الله ػٕٗ‬ ‫لبي‪ٌ( :‬ؼٓ هٍ‪ٛ‬ي الله ٍٕ‪ ٝ‬الله ػٍ‪ ، ٍٍُٚ ٗ١‬ى‪ٚ‬اهاد اٌمج‪ٛ‬ه )‪. .‬‬ ‫‪ -‬اٌمب‪ِ ٟٙ‬ػ َ‪١‬بٗ اٌ‪١‬ؾٖج‪ ،ٟ‬اٌْفب‪ ،‬رؾم‪١‬ك‪ ٗٛ -‬ػجل اٌوؤ‪ٚ‬ف ٍؼل‪ِ ،‬ىزجخ اٌٖفب‪ ،‬اٌمب٘وح‪ ،َ2002 ،‬ط‪. 63 ٓ2‬‬ ‫‪119‬‬

‫أما لفظ الزٌارة فً عموم القبور فلب ٌفهم منه مثل هذا المعنى‪ ،‬وهذا ما‬ ‫ٌفهم من قوله‪ :‬فزوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة‪ ،‬مع زٌارته لقبر أُ َّمه‬ ‫علٌه الصلبة والسلبم‪ ،‬فإن هذا ٌتناول قبور الكفار أٌضاً‪ ،‬فلب ٌفهم من ذلك‬‫زٌارة المٌت لدعابه وسإاله والاستؽاثة به‪ ،‬ونحو ذلك مما ٌفعله أهل الشرك‬ ‫والبدع‪ ،‬بخلبؾ ما إذا كان المزور معظماً فً الدٌن كالأنبٌار والصالحٌن‪،‬‬ ‫فإنه كثٌراً ما ٌعنً بزٌارة قبورهم هذه الزٌارة البدعٌة الشركٌة‪ ،‬فلهذا كره‬ ‫َمالِك ذلك فً مثل هذا‪ ،‬وإن لم ٌكره ذلك فً موضع آخر لٌس فٌه هذه‬ ‫المفسدة ‪) ( .‬‬‫وقال القاضً ِع ٌَاض فً كتابه ال ُمس َّمى (الشفا بتعرٌف حقوق المصطفى‬ ‫) ما نصه‪\" :‬والأولى عندي أن منع وكراهة َمالِك له لإضافته إلى قبر النبً‬ ‫صلى الله علٌه و سلم‪ ،‬و أنه لو قال‪ :‬زرنا ال َّنبً لم ٌكرهه‪ ،‬لقوله صلى الله‬ ‫علٌه و سلم‪) :‬اللهم لا تجعل قبري وثناً ٌعبد‪ ،‬اشتد ؼضب الله على قوم‬ ‫اتخذوا قبور أنبٌابهم مساجد ( ) فحمى‪ -‬أي الإِ َمام َمالِك‪ -‬إضافة هذا اللفظ‬ ‫إلى القبر‪ ،‬والتشبه بفعل أولبك قطعاً للذرٌعة‪ ،‬و حسماً للباب‪ ،‬والله أعلم‬ ‫أهـ( )‪.‬‬ ‫ومن أنواع شرك الربوبٌة الذي قد ٌقع فٌه بعض العامة‪ ،‬ما ٌلً‪:‬‬ ‫‪ -‬اعتقاد أ نه ٌوجد من بٌده ال َّنفع وال ُّضر عدا الله سبحانه وتعالى‪،‬‬ ‫فمن ٌعتقد أن هناك من الأحٌار أو الأموات أو الجن‪ ،‬أو ملك من‬ ‫‪ -‬فزؼ اٌّغ‪١‬ل ثْوػ وزبة اٌز‪ٛ‬ؽ‪١‬ل‪،‬ػجل اٌوؽّبْ ثٓ ؽَٓ آي اٌْ‪١‬ـ‪. 179 ٓ،‬‬‫‪ -‬اٌؾل‪٠‬ش ف‪َِٕ ٟ‬ل ال ِإ َِبَ أؽّل ػٓ أث‪٘ ٟ‬و‪٠‬وح ه‪ ٟٙ‬الله ػٕٗ ‪ِٕٖٚ ،‬ف ػجل اٌوىاق ػٓ ى‪٠‬ل ثٓ أٍٍُ ه‪ ٟٙ‬الله‬ ‫ػٕٗ ‪ٌٚ‬فع أؽّل ‪( :‬اٌٍ‪ ُٙ‬لا رغؼً لجو‪ٚ ٞ‬صٕبً ‪٠‬ؼجل‪ٌ ،‬ؼٓ الله ل‪ِٛ‬بً ارقن‪ٚ‬ا لج‪ٛ‬ه أٔج‪١‬بئ‪َِ ُٙ‬بعل ) أٔظو‪َِٕ -‬ل ال ِإ َِبَ‬ ‫أؽّل ط ‪. 222 ٓ5‬‬ ‫‪ -‬اٌْفب ٌٍمب‪ِ ٟٙ‬ػ‪َ١‬بٗ‪ ،‬ط‪. 63ٓ ، 2‬‬ ‫‪120‬‬

‫الملببكة‪ ،‬أو رسول من الرسل‪ ،‬أو ولً من الأولٌار‪ ،‬أو قب ٍر‪ ،‬أو شج ٍر‪،‬‬ ‫أو حجر‪ ،‬من ٌضر أو ٌنفع‪ ،‬أو ٌمرض‪ ،‬وٌبرئ وٌشفً( )‪ ،‬أو اعتقاد‬ ‫أنه ٌوجد َمن عنده ِمن التصرفات فً شإون الحٌاة‪ ،‬بحٌث أنه ٌعطً‪،‬‬ ‫أو ٌمنع‪ ،‬أو ٌشفع له عند الله فً حاجة من حوابج الدنٌا أوالآخرة‪ ،‬فهذا‬ ‫كله ٌُدخل صاحبه فً دابرة الشرك‪ ،‬والانحراؾ عن جادة الصواب‪،‬‬ ‫قال تعالى‪َ ( :‬والَّ ِذٌ َن َت ْد ُعو َن ِمن ُدو ِن ِه َما ٌَ ْملِ ُكو َن ِمن قِ ْط ِمٌ ٍر إِن َت ْد ُعو ُه ْم‬ ‫لاَ ٌَ ْس َم ُعوا ُد َعار ُك ْم َولَ ْو َس ِم ُعوا َما ا ْس َت َجا ُبوا لَ ُك ْم َو ٌَ ْو َم ا ْل ِق ٌَا َم ِة ٌَ ْك ُف ُرو َن‬ ‫ِب ِش ْر ِك ُك ْم َولاَ ٌُ َن ِّب ُب َك ِم ْث ُل َخبٌِ ٍر )( ) ‪.‬‬ ‫‪ -‬تقدٌس المشعوذٌن‪ ،‬وفعل ما ٌؤمرون به من البدع‪ ،‬وتصدٌقهم‬ ‫والإٌمان بؤساطٌرهم وأوهامهم‪ ،‬والانتهار بنهٌهم‪ ،‬ومن الناس من ٌعتقد‬ ‫اطلبعهم على الؽٌب‪ ،‬ومعرفة الطالع‪ ،‬وقرارة الكؾ‪ ،‬وؼٌر ذلك من‬ ‫الأمور التً لا ٌعلمها إلا الله‪ ،‬كل هذا من مظاهر الشرك فً توحٌد‬ ‫الربوبٌة ( )‪ ،‬ومنا ٍؾ لثوابت وأسس العقٌدة الإسلبمٌة‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫( َو ِعن َد ُه َم َفا ِت ُح ا ْل َؽ ٌْ ِب لاَ ٌَ ْعلَ ُم َها إِلاَ ُه َو َو ٌَ ْع َل ُم َما ِفً ال َب ِّر َوا ْل َب ْح ِر َو َما‬ ‫َت ْس ُق ُط ِمن َو َر َق ٍة إِلاَ ٌَ ْع َل ُم َها َولاَ َح َّب ٍة ِفً ُظلُ َما ِت الاَ ْر ِض َولاَ َر ْط ٍب َولاَ‬ ‫ٌَا ِب ٍس إِلاَ فًِ ِك َتا ٍب ُّم ِبٌ ٍن )( ) ‪.‬‬ ‫وفً الحدٌث‪(:‬من أتى كاهنا ًأو ع ّرافاً فصدقه‪ ،‬فقد كفر بما أنزل على‬ ‫محمد) وفً صحٌح مسلم من حدٌث صفٌة رضً الله عنها‪ ،‬عن بعض‬‫‪ -‬اٌٖٕؼبٔ‪ ،ٟ‬رط‪١ٙ‬و الاػزمبك‪ ِٓ ،‬أكهاْ الإٌؾبك‪ ،‬رؾم‪١‬ك‪ -‬اٌَ‪١‬ل ِؾّل ٍ‪١‬ل‪ِ،‬ىزجخ اٌي٘واء‪ ،‬اٌمب٘وح‪،‬اٌطجؼخ الأ‪-ٌٝٚ‬‬ ‫‪. 1992‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح فب‪ٛ‬و ا‪٠٢‬خ (‪. )14-13‬‬‫‪ِٖ -‬طف‪ ٝ‬ػجل اٌغٕ‪١ّ ٟ‬جٗ‪ِ ،‬جبؽش ف‪ ٟ‬إٔ‪ٛ‬ي اٌؼم‪١‬لح الإٍلاِ‪١‬خ‪١ٌ ،‬ج‪١‬ب‪ٍ،‬ج‪ٙ‬ب‪ِْٕٛ ،‬هاد عبِؼخ ٍج‪ٙ‬ب اٌطجؼخ الأ‪ٌٝٚ‬‬ ‫‪.88 ٓ،َ2001‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح الأٔؼبَ ا‪٠٢‬خ ‪. 59‬‬ ‫‪121‬‬

‫أزواج النبً صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬عن النبً صلى الله علٌه وسلم قال‪:‬‬ ‫من أتى عرافاً فسؤله عن شًر لم تقبل له صلبة أربعٌن لٌلة \"( )‪.‬‬ ‫وعن ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬كان أبو برزة الأسلمً كاهناً ٌقضً بٌن‬ ‫الٌهود فٌما ٌتنافرون فٌه‪ ،‬فتنافر إلٌه ناس من المسلمٌن‪ ،‬فؤنزل الله عز‬‫وجل (ألَ ْم َت َر إِ َلى الَّ ِذٌ َن ٌَ ْز ُع ُمو َن أَ َّن ُه ْم آ َم ُنو ْا بِ َما أُن ِز َل إِلَ ٌْ َك َو َما أُن ِز َل ِمن‬‫َق ْبلِ َك ٌُ ِرٌ ُدو َن أَن ٌَ َت َحا َك ُمو ْا إِ َلى ال َّطا ُؼو ِت َو َق ْد أُ ِم ُرو ْا أَن ٌَ ْكفُ ُرو ْا ِب ِه َو ٌُ ِرٌ ُد‬ ‫ال َّش ٌْ َطا ُن أَن ٌُ ِضلَّ ُه ْم َضلبَلاً َب ِعٌداً َوإِ َذا ِقٌ َل َل ُه ْم َت َعا َل ْو ْا إِلَى َما أَن َز َل ال ّلهُ‬ ‫َوإِلَى ال َّر ُسو ِل َرأَ ٌْ َت ا ْل ُم َنا ِف ِقٌ َن ٌَ ُص ُّدو َن َعن َك ُص ُدوداً َف َك ٌْ َؾ إِ َذا أَ َصا َب ْت ُهم‬ ‫ُّم ِصٌ َب فٌة ِب َما َق َّد َم ْت أَ ٌْ ِدٌ ِه ْم ُث َّم َجآ ُإو َك ٌَ ْحلِفُو َن بِال ّل ِه إِ ْن أَ َر ْد َنا إِلاَ إِ ْح َساناً‬ ‫َو َت ْوفٌِقاً)‪ ،‬وهذا كله حدٌث عن هذه الطابف ُة الضالة‪ ،‬التً جارت إلى‬‫أنا ٍس ٌ َّد ُعون علم الؽٌب‪ ،‬وقد قال تعالى بعدها‪\" :‬أُو َلـبِ َك الَّ ِذٌ َن ٌَ ْع َل ُم ال ّلهُ‬‫َما فًِ ُقلُو ِب ِه ْم َفؤَ ْع ِر ْض َع ْن ُه ْم َو ِع ْظ ُه ْم َو ُقل لَّ ُه ْم ِفً أَنفُ ِس ِه ْم َق ْولاً َبلٌِؽاً \"هذا‬ ‫الضرب من الناس هم المنافقون) ( ) ‪.‬‬ ‫‪ -‬الخوؾ‪ ،‬والرهبة من الجن‪ ،‬والاستعانة والاستؽاثة بهم‪ ،‬وطلبهم‬‫من دون الله‪ ،‬ومن الشرك تقدٌم القرابٌن لهم‪ ،‬ومن مظاهرالشرك أٌضاً‬ ‫ماٌذبح من الأضاحً على أعتاب‪ ،‬المنازل أو على عتبة الباب‪ ،‬عند‬‫دخول العروس إرضا ًر للجن كما ٌعتقد بعض الجهلة بؤن للجن المقدرة‬ ‫على الضر والنفع‪ ،‬وأنهم ٌشاركون الله فً التدبٌر والتصرؾ ( ) ‪.‬‬ ‫‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ ٍَُِ ثْوػ إٌ‪ ،ٞٚٛ‬وزبة اٌطت‪ ،‬ثبة رؾو‪ ُ٠‬اٌى‪ٙ‬بٔخ ط‪.133 ٓ 2‬‬ ‫‪ -‬ثٓ وض‪١‬و‪ ،‬اٌطجؼخ الأ‪ ،ٌٝٚ‬ط‪. 551 ٓ 1‬‬ ‫‪ِٖ -‬طف‪ ٝ‬ػجل اٌغٕ‪١ّ ٟ‬جٗ‪ِ ،‬جبؽش ف‪ ٟ‬إٔ‪ٛ‬ي اٌؼم‪١‬لح ‪. 89ٓ، َ2001‬‬ ‫‪122‬‬

‫قال تعالى‪َ ( :‬و ٌَ ْو َم ٌَ ْح ُش ُر ُه ْم َج ِمٌعاً ُث َّم ٌَقُو ُل لِ ْل َملبَبِ َك ِة أَ َه ُإلاَر إِ ٌَّا ُك ْم‬ ‫َكا ُنوا ٌَ ْع ُب ُدو َن ًَالُوا ُس ْب َحا َن َك أَن َت َولِ ٌُّ َنا ِمن ُدو ِن ِهم َب ْل َكا ُنوا ٌَ ْع ُب ُدو َن ا ْل ِج َّن‬ ‫أَ ْك َث ُر ُهم بِ ِهم ُّم ْإ ِم ُنو َن) ‪. ) (.‬‬ ‫انٌااًل‪ :‬توحٌد الألوهٌة ‪:‬‬ ‫المراد من توحٌد الألوهٌة إفراده تبارك وتعالى بالعبادة‪ ،‬بحٌث لا‬ ‫تصرؾ العبادات من صلوا ٍت‪ ،‬ونذو ٍر‪ ،‬ومحبة ورجا ٍر‪ ،‬و طمع‪ ،‬وسابر‬ ‫العبادات لا تكون إلا لله وحده‪ ،‬وهذا النوع من التوحٌد ه و ثمرة توحٌد‬ ‫الربوبٌة‪ ،‬والأسمار والصفات‪ ،‬وهوجناه الطٌب‪ ،‬وبدونه ٌفقد توحٌد‬ ‫الربوبٌة والأسمار والصفات معناه وتنعدم فابدته ‪.‬‬ ‫وتوحٌد الألوهٌة مشت فٌق من معنى‪( :‬الإله والإلهٌة ) قال العلبمة ابن‬ ‫العربً الإشبٌلً ال َمالِكً‪ :‬الإله هو المعبود‪ ،‬وهً الفابدة التً لأجلها‬ ‫خلق الله سبحانه وتعالى الخلق ( )‪ ،‬قال تعالى‪َ ( :‬و َما َخ َل ْق ُت ا ْل ِج َّن‬ ‫َوالإن َس إِلاَ لِ ٌَ ْع ُب ُدو ِن )( ) ‪.‬‬ ‫وقال تعالى‪ُ ( :‬ق ْل إِ َّن َصلبَ ِتً َو ُن ُس ِكً َو َم ْح ٌَا َي َو َم َما ِتً ِل ّلهِ َر ِّب‬ ‫ا ْل َعالَ ِمٌ َن لاَ َش ِرٌ َك لَ ُه َوبِ َذلِ َك أُ ِم ْر ُت َوأَ َناْ أَ َّو ُل ا ْل ُم ْسلِ ِمٌن )( )‪ ،‬وهذا القسم‬ ‫من أقسام التوحٌد قس ٌفم عظٌم‪ ،‬وله شؤ ٌفن وخط فٌر( ) ودلٌل ذلك أن الأنبٌار‬ ‫والمرسلٌن كاف ًة دعوا إلٌه‪ ،‬وحذروا من الإشراك مع الله آله ًة أخرى‬ ‫‪ٍٛ -‬هح ٍجأ ا‪٠٢‬خ(‪. )41 -40‬‬‫‪ -‬اٌمب‪ ٟٙ‬أث‪ٛ‬ثىو ِؾّل ثٓ ػجلالله ثٓ اٌؼوث‪ ٟ‬اٌ َّب ٌِى‪ ٟ‬الإّج‪ ،ٍٟ١‬لبٔ‪ ْٛ‬اٌزأ‪ ،ً٠ٚ‬كهاٍخ ‪ٚ‬رؾم‪١‬ك‪ِ -‬ؾّل اٌٍَ‪ّ١‬بٔ‪،ٟ‬‬ ‫كاه اٌغوة الإٍلاِ‪ ،ٟ‬ث‪١‬و‪ٚ‬د‪ ،‬اٌطجؼخ اٌضبٔ‪١‬خ‪. 300 ٓ َ1990 ،‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌنه‪٠‬ذ ا‪٠٢‬خ ‪. 56‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح الأٔؼبَ ا‪٠٢‬خ ( ‪. )163 - 162‬‬ ‫‪ -‬أث‪ ٛ‬ثهه عبثواٌغيائو‪،ٞ‬ػم‪١‬لح اٌّإِٓ‪ ،‬كاه إٌّبه ‪.، 82ٓ ، َ1990‬‬ ‫‪123‬‬

‫تصرؾ لهم العبادة من دونه سبحانه وتعالى‪ ،‬كما قال‪َ ( :‬و َما أَ ْر َس ْل َنا ِمن‬ ‫َق ْبلِ َك ِمن َّر ُسو ٍل إِلاَ ُنو ِحً إِلَ ٌْ ِه أَ َّن ُه لاَ إِلَ َه إِلاَ أَ َنا َفا ْع ُب ُدو ِن ) ( ) ‪.‬‬ ‫وهذا التوحٌد هو الذي أخ َّل به كفار قرٌش‪ ،‬زمن النبً صلى الله‬ ‫علٌه وسلم‪ ،‬قال تعالى‪ ( :‬أَلاَ ِل َّلهِ ال ِّدٌ ُن ا ْل َخالِ ُص َوالَّ ِذٌ َن ا َّت َخ ُذوا ِمن ُدونِ ِه‬ ‫أَ ْولِ ٌَار َما َن ْع ُب ُد ُه ْم إِلاَ لِ ٌُ َق ِّر ُبو َنا إِ َلى ال َّل ِه ُز ْل َفى إِ َّن ال َّل َه ٌَ ْح ُك ُم َب ٌْ َن ُه ْم فًِ َما ُه ْم‬ ‫فٌِ ِه ٌَ ْخ َتلِفُو َن إِ َّن ال َّلهَ لاَ ٌَ ْه ِدي َم ْن ُه َو َكا ِذ فٌب َك َّفا فٌر أَلاَ ِل َّل ِه ال ِّدٌ ُن ا ْل َخالِ ُص‬ ‫َوالَّ ِذٌ َن ا َّت َخ ُذوا ِمن ُدونِ ِه أَ ْولِ ٌَار َما َن ْع ُب ُد ُه ْم إِلاَ لِ ٌُ َق ِّر ُبو َنا إِ َلى ال َّلهِ ُز ْل َفى إِ َّن‬ ‫ال َّل َه ٌَ ْح ُك ُم َب ٌْ َن ُه ْم فًِ َما ُه ْم فٌِ ِه ٌَ ْخ َتلِفُو َن إِ َّن ال َّل َه لاَ ٌَ ْه ِدي َم ْن ُه َو َكا ِذ ٌفب‬ ‫َك َّفا فٌر )( ) ‪.‬‬ ‫ٌذكر ابن كثٌ ٍر فً تفسٌره لهذه الآٌات ما نصه‪ :‬أي لٌشفعوا لنا‬ ‫وٌقربونا عنده منزلة‪ ،‬ولهذا كانوا ٌقولون فً تلبٌتهم إذا حجوا فً‬ ‫جاهلٌتهم‪ :‬لبٌك لاشرٌك لك‪ ،‬إلا شرٌكاً هو لك‪ ،‬تملكه وما ملك‪ ،‬وهذه‬ ‫الشبهة هً التً اعتمدها المشركون فً قدٌم الدهر وحدٌثه‪ ،‬وجارتهم‬‫الرسل صلوات الله وسلبمه علٌهم أجمعٌن بردها والنهً عنها‪ ،‬والدعوة‬ ‫إلى إفراد العبادة لله وحده لا شرٌك له‪ ،‬وأن هذا الشًر اخترعه‬ ‫المشركون من عند أنفسهم‪ ،‬لم ٌؤذن الله فٌه‪ ،‬ولا رضً به بل أبؽضه‪،‬‬‫ونهى عنه )( ) قال تعالى ( َو َل َق ْد َب َع ْث َنا فًِ ُك ِّل أُ َّم ٍة َّر ُسولاً أَ ِن ا ْع ُب ُدو ْا ال ّل َه‬ ‫َوا ْج َت ِن ُبو ْا ال َّطا ُؼو َت )( ) ‪.‬‬‫‪ 88 /2112‬ط ‪– 3‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح الأٔج‪١‬بء ا‪٠٢‬خ ‪. 25‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌيِو ا‪ ٢‬ح‪. 3 ٞ‬‬ ‫‪ِ -‬قزٖو رفَ‪١‬و ثٓ اٌىض‪١‬و‪ ،‬رؾم‪١‬ك ِؾّل ػٍ‪ ٟ‬اٌٖبث‪ ،ٟٔٛ‬كاه اٌؾل‪٠‬ش ‪،‬اٌمب٘وح هلُ الإ‪٠‬لاع ‪،‬‬ ‫ٓ ‪. 212‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح إٌؾً ا‪٠٢‬خ‪. 36‬‬ ‫‪124‬‬

‫فائدة شهادة التوحٌد ‪:‬‬ ‫إن النطق بشهادة التوحٌد المقترن بالاعتراؾ لرسول الله صلى الله‬ ‫علٌه وسلم بالرسالة تنفع صاحبها‪ ،‬وتكون سبباً فً الوقاٌة من النار‪ ،‬إذا‬ ‫كانت عند الموت من المشرك الذي لم تبلؽه دعوة النبً صلى الله علٌه‬ ‫وسلم إلا عند الموت‪ ،‬أو بلؽته‪ ،‬ولكن لم ٌنشرح صدره لها إلا عند‬ ‫الموت‪ ،‬أخرج البخاري فً صحٌحه بسنده عن أنس بن َمالِك ‪ -‬رضً‬ ‫الله‪ -‬عنه قال‪ :‬كان ؼلبم ٌهودي ٌخدم النبً صلى الله علٌه وسلم‪،‬‬ ‫فمرض فؤتاه النبً صلى الله علٌه وسلم ٌعوده فقعد عند رأسه‪ ،‬فقال له ‪:‬‬ ‫أسلم‪ ،‬فنظر إلى أبٌه‪ ،‬وهو عنده‪ ،‬فقال له‪ :‬أ ِط ْع أبا القاسم صلى الله علٌه‬ ‫وسلم‪ ،‬فؤسلم(أي الصبً الٌهودي ) فخرج النبً صلى الله علٌه وسلم‬ ‫وهو ٌقول‪( :‬الحمد لله الذي أنقذه من النار )( ) ‪.‬‬ ‫إن شهادة التوحٌد لها أث فٌرعظٌ ٌفم فً الدنٌا وفً الآخرة‪ ،‬و من أجلها‬ ‫خلق الله الثقلٌن‪ ،‬قال تعالى‪( :‬وما َخ َل ْق ُت ْال ِج َّن َوا ِلإن َس إِلاَ لِ ٌَ ْع ُب ُدو ِن)( )‪.‬‬ ‫وللقٌام بها‪ ،‬والوقوؾ على لوازمها ومقتضٌاتها‪ ،‬خلق الله الجنة‬ ‫والنار‪ ،‬وحمل عباده أمانتها‪ ،‬والعمل بمقتضاها قال تعالى‪ ( :‬إِ َّنا َع َر ْض َنا‬ ‫الاَ َما َن َة َع َلى ال َّس َما َوا ِت َوالاَ ْر ِض َوا ْل ِج َبا ِل َفؤَ َب ٌْ َن أَن ٌَ ْح ِم ْل َن َها َوأَ ْش َف ْق َن ِم ْن َها‬ ‫َو َح َملَ َها ا ْلإِن َسا ُن إِ َّن ُه َكا َن َظلُوماً َج ُهولاً )( ) لذلك فهً صلب التوحٌد‪،‬‬‫‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ ،ٞ‬وزت اٌغٕبئي‪ ،‬ثبة ئما أٍٍُ اٌٖج‪ ٟ‬فّبد ‪ ،‬ط ‪ 297 ٓ1‬هلُ اٌؾل‪٠‬ش ‪ٚ 1356‬أظو ‪ِ :‬قزٖو‬‫اٌيث‪١‬ل‪ٚ ،159 ٓ ٞ‬ف‪ ٟ‬ه‪ٚ‬ا‪٠‬خ أٌٔ ه‪ ٟٙ‬الله ػٕٗ ‪ :‬أْ غلاِبً ٌ‪ٛٙ١‬ك وبْ ‪٠‬قلَ إٌج‪ ٍٕٝ ٟ‬الله ػٍ‪ ، ٍٍُٚ ٗ١‬فٍّوٗ‬ ‫فأربٖ إٌج‪ ٍٕٝ ٟ‬الله ػٍ‪٠ ٍٍُٚ ٗ١‬ؼ‪ٛ‬كٖ فمبي ‪ ( :‬أٍٍُ ) فأٍٍُ ‪ٕ .‬ؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ ، ٞ‬وزبة اٌغٕبئي ‪ ،‬ثبة ػ‪١‬بكح اٌّْون‬ ‫ػ‪ 68ٓ 3‬ؽل‪٠‬ش هلُ ‪. 5657‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌناه‪٠‬بد ا‪٠٢‬خ ‪. 56‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح الأؽياة ا‪٠٢‬خ‪. 72‬‬ ‫‪125‬‬

‫وعماده‪ ،‬وتشتمل على ك ٍل من ‪ -‬توحٌد الربوبٌة ‪ -‬وتوحٌد الألوهٌة ‪-‬‬ ‫وتوحٌد الأسمار والصفات ‪.‬‬‫ولا ٌخفى أن شهادة التوحٌد لها ما بعدها‪ ،‬وٌترتب علٌها من الاعتقاد‬‫والعمل ما ٌترتب‪ ،‬وما أحسن ما رد به وهب بن منبه ( ‪ )‬عندما سبل‪:‬‬ ‫ألٌس مفتاح الجنة لا إله إلا الله ؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬ولكن لٌس مفتاح إلا له‬ ‫أسنان‪ ،‬فإن جبت بمفتاح له أسنان فتح لك‪ ،‬وإلا لم ٌفتح لك‪ ،‬وما أسنان‬ ‫المفتاح إلا العمل مع الإٌمان ( ) ‪.‬‬ ‫وفً فضل النطق بشهادة التوحٌد‪ٌ ،‬نقل عن الإِ َمام َمالِك‪ -‬رحمه الله‪-‬‬‫قوله‪ :‬إن العبد إذا ارتكب الكبابر كلها عدا ألا ٌشرك بالله شٌبا‪ ،‬ثم نجا‪،‬‬‫رجوت أن ٌكون فً أعلى الفردوس‪ ،‬إن كبٌر ًة بٌن العبد وربه هو منها‬ ‫على رجار‪ ،‬وكل هوى لٌس هو على رجار إنما ٌهوي به فً نار‬ ‫جهنم( )‪.‬‬ ‫وٌفهم من هذا أن َمالِكاً‪ -‬رحمه الله‪ -‬كانت عقٌدته فً هذه المسؤلة‬ ‫عقٌدة السلؾ الصالح‪ -‬عقٌدة أهل السنة والجماعة‪ ،‬وهً أن شهادة‬ ‫التوحٌد لها عظٌم الأثر‪ ،‬وأن الإنسان المسلم‪ ،‬وإن كان سٌحاسب على‬‫معاصٌه‪ ،‬وأن الله تعالى سٌجازي كل إنسا ٍن بما كسبت ٌداه‪ ،‬ؼٌر أنه لا‬ ‫ٌخلد فً النار‪ ،‬وهذا مذهب أهل السنة‪ ،‬حٌث هم مجمعون على أن‬ ‫العاصً الذي ٌشهد أن لا إله إلا الله‪ ،‬وأن محمداً رسول الله‪ ،‬مستٌقناً‬‫بها قلبه‪ ،‬أنه مإم ٌفن وإن ارتكب الكبابر ومصٌره الج َّنة وإن لم ٌؽفر له‪،‬‬ ‫‪ ِٓ- ‬فم‪ٙ‬بء اٌزبثؼ‪ ٓ١‬ثبٌ‪ٚ ، ّٓ١‬وبْ ِْ‪ٛٙ‬هاً ثبٌمٖٔ ‪ ،‬ر‪ٛ‬ف‪ ٟ‬هؽّٗ الله ٍٕخ ‪٘ 114‬ـ ‪.‬‬ ‫‪ّ ٍِٝٛ -‬ب٘‪ ٓ١‬لاّ‪ ، ٓ١‬فزؼ إٌّؼُ ػٍ‪ٕ ٝ‬ؾ‪١‬ؼ ٍَُِ ‪ِ،‬طجؼخ اٌفغو اٌغل‪٠‬ل ‪،‬اٌمب٘وح ‪ِٖ،‬و ط‪. 146 ٓ1‬‬ ‫‪ -‬رور‪١‬ت اٌّلاهن ٌٍمب‪ِ ٟٙ‬ػ‪َ١‬بٗ ً ‪. 257‬‬ ‫‪126‬‬

‫وأنه وإن عذب بالنار لمعاصٌه‪ ،‬فلببد من إخراجه من النار وإدخاله‬ ‫الجنة بإٌمانه وقد وردت أحادٌث كثٌر فٌة فً هذا الباب منها قوله علٌه‬‫الصلبة والسلبم‪( :‬من كان آخر كلبمه لا إله إلا الله دخل الجنة) وقوله‬‫علٌه الصلبة والسلبم‪( :‬من لقً الله لا ٌشرك به شٌباً دخل الجنة) وقوله‬ ‫لأبً هرٌرة‪( :‬من لقٌت ورار هذا الحابط ٌشهد ألا إله إلا الله مستٌقناً‬ ‫بها فبشره بالجنة )( ) ‪.‬‬ ‫بعض من مظاهر الشرك فً توحٌد الألوهٌة ‪:‬‬ ‫إن مجرد الاعتقاد بؤن ؼٌر الله تعالى له من القدرة أو الإرادة ما لله‬ ‫عز وجل‪ٌ ،‬إدي بالمسلم لل ِّر َّدة عن دٌنه والعٌاذ بالله‪ ،‬فالاعتقاد من‬ ‫أعمال القلوب وهو الفٌصل فً توحٌد الألوهٌة‪ ،‬فمعنى أن ٌكون الله‬ ‫تعالى هو الإله الواحد الذي لا إله ؼٌره‪ٌ ،‬تنافى مع اعتقاد أن ؼٌره‬ ‫ٌستحق أن ٌصرؾ له شً ٌفر مما ٌجب أن ٌصرؾ له وحده‪ ،‬وهذا هو‬ ‫الشرك الذي ٌحبط العمل‪ ،‬وقد كان َمالِك ‪-‬رحمه الله‪ٌ -‬قول بفوات أجر‬‫الأعمال‪ ،‬وضٌاعها بالشرك‪ ،‬قال بن العربً ال َمالِكً‪ -‬رحمه الله تعالى‪-‬‬‫قال َمالِك‪ٌ :‬حبط العمل بنفس ال ِّردة‪ ،‬وذلك لقول الله تعالى‪َ ( :‬لبِ ْن أَ ْش ِر ْك َت‬ ‫لَ ٌَ ْح َب َط َّن َع َملُ َك )( )( ) ‪.‬‬ ‫وتتنوع مظاهر الشرك التً ح َّذر من الوقوع فٌها الكتاب والسنة‪،‬‬ ‫وح َّث على ت َج ُّنبها علمار السلؾ الأوابل‪ ،‬وع ُّدوها من خوارم التوحٌد‪،‬‬ ‫ومبطلبت الإٌمان‪ ،‬ومن صورها ما ٌلً‪:‬‬ ‫‪ّ ٍِٝٛ -‬ب٘‪ ٓ١‬لاّ‪ ،ٓ١‬فزؼ إٌّؼُ ػٍ‪ٕ ٝ‬ؾ‪١‬ؼ ٍَُِ‪ِ،‬طجؼخ اٌفغو اٌغل‪٠‬ل‪،‬اٌمب٘وح‪ِٖ،‬و ط‪. 149 ٓ1‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌيِو ا‪٠٢‬خ ‪. 82‬‬ ‫‪ -‬ؽّ‪١‬ل ٌؾّو‪ ،‬ال ِإ َِبَ َِبٌِه ِفَواً‪ ،‬كاه اٌفىو ٌٍطجبػخ‪ ،‬ث‪١‬و‪ٚ‬د‪. 105 ٓ ،1995 ،‬‬ ‫‪127‬‬

‫‪ ‬التوجه بالدعار والتضرع لؽٌر الله عز وجل‪ ،‬حتى ولو كان هذا‬ ‫الذي ٌُد َعى من دون الله‪ ،‬ملكاً مقرباً‪ ،‬أو نبٌاً مرسلبً‪ ،‬أو ولٌاً محترماً‪،‬‬ ‫وذلك لأن حقٌقة الدعار أنه عبادةفٌ محض فٌة‪ ،‬والعبادة لا تصرؾ إلا لله‬‫وحده‪ ،‬قال تعالى‪َ ( :‬و َقا َل َر ُّب ُك ُم ا ْد ُعونًِ أَ ْس َت ِج ْب َل ُك ْم إِ َّن الَّ ِذٌ َن ٌَ ْس َت ْك ِب ُرو َن‬‫َع ْن ِع َبا َد ِتً َس ٌَ ْد ُخلُو َن َج َه َّن َم َدا ِخ ِرٌ َن )( ) ولعموم قوله تعالى‪َ (:‬وأَ َّن‬ ‫ا ْل َم َسا ِج َد ِل َّلهِ َفلبَ َت ْد ُعوا َم َع ال َّل ِه أَ َحداً)( ) ‪.‬‬ ‫‪ ‬تقدٌم النذور‪ ،‬وقرابٌن الأضاحً‪ ،‬وال َّنعم‪ ،‬أو من الأموال وؼٌرها‬‫من العٌنٌات‪ ،‬مما لا ٌجوز أن ٌتقرب به لؽٌر الله تعالى‪ ،‬سوا ٌفر قدمت‬‫هذه القرابٌن لنب ًٍّ أو لولً ٍ ‪ ،‬وذلك لعموم قوله تعالى ‪( :‬فص ِّل ل َر ِّب َك‬ ‫َوا ْن َح ْر )( )‪ ،‬ولأن الذبح تعظٌ ٌفم‪ ،‬وم َّما ٌختص به المولى تبارك وتعالى‬ ‫فلب ٌجوز أن ٌتقرب به إلى أح ٍد سواه ولعموم قوله علٌه الصلبة‬ ‫والسلبم‪( :‬لعن الله من ذبح لؽٌر الله )( ) ‪.‬‬ ‫وإنما ُجعل هذا من قبٌل الشرك لأن الذبح عباد فٌة وامتثا ٌفل لله‪ ،‬بإزهاق‬‫روح البهٌم ِة التً سخرها الله لعباده من طٌبات ال ِّرزق‪ ،‬فإذا صرؾ هذا‬ ‫الذبح لؽٌر الله بقصد القربة منه‪ ،‬صار من الشرك فً الألوهٌة‪ ،‬قال‬ ‫العلبمة السنوسً ال َمالِكً‪ :‬إن الله سبحانه كلَّؾ عباده بتوحٌده‪ ،‬وحرم‬ ‫علٌهم الشرك فً ألوهٌته‪ ،‬وعبادته‪ ،‬و ُبلِّؽوا عن المولى أن من ابتلً‬ ‫بهذه المحرمات‪ ،‬ثم مات على ذلك فهوعلى ال ِّشرك‪ ،‬محروم من نعم‬ ‫‪ٍٛ -‬هح غبفو ا‪٠٢‬خ ‪. 60‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌغٓ ا‪٠٢‬خ ‪. 18‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌى‪ٛ‬صو ا‪٠٢‬خ ‪.‬‬ ‫‪ -‬ػجل اٌغٕ‪١ّ ٟ‬جٗ ‪ِ،‬جبؽش ف‪ ٟ‬إٔ‪ٛ‬ي اٌؼم‪١‬لح الإٍلاِ‪١‬خ‪. 93ٓ ،‬‬ ‫‪128‬‬

‫الآخرة‪ ،‬مخلَّ ٌفد فً العذاب العظٌم‪ ،‬إلى ؼٌر نهاٌ ٍة‪ ،‬أعاذنا الله من ذلك‬ ‫()‪.‬‬ ‫‪ ‬التقرب إلى الأنبٌار أوالأولٌار والصالحٌن بالطواؾ حول قبورهم‪،‬‬ ‫والتمسح بها‪ ،‬والتبرك بآثارهم‪ ،‬كل هذا من الأشٌار المحرمة التً نهى‬‫الشارع عنها‪ ،‬وتؤباها نفس الموحد لله تعالى‪ -‬حتى ولو كانت هذه القبور‬ ‫لأنا ٍس عرفوا بالصلبح‪ ،‬وحتى لا نتبع سنن من قبلنا من الأمم التً‬ ‫ضلت عن سوار السبٌل‪ ،‬واتخذوا من أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون‬ ‫الله‪ ،‬كما قال تع الى‪ ( :‬ا َّت َخ ُذو ْا أَ ْح َبا َر ُه ْم َو ُر ْه َبا َن ُه ْم أَ ْر َباباً ِّمن ُدو ِن ال ّل ِه‬ ‫َوا ْل َم ِسٌ َح ا ْب َن َم ْر ٌَ َم َو َما أُ ِم ُرو ْا إِلاَ لِ ٌَ ْع ُب ُدو ْا إِلَـهاً َوا ِحداً لاَ إِلَـ َه إِلاَ ُه َو‬ ‫ُس ْب َحا َن ُه َع َّما ٌُ ْش ِر ُكو َن)( ) ‪.‬‬ ‫بمعنى أنهم جعلوهم مربوبٌن مع الله عزوجل‪ ،‬فؤشركوا فً توحٌد‬ ‫الألوهٌة بتعبدهم لؽٌرالله( )‪ ،‬وإن كان هذا المعبود من الأحبار‬ ‫والصالحٌن‪ ،‬بل وحتى لو كان من الأنبٌار والمرسلٌن‪ ،‬كعٌسى ابن‬ ‫مرٌم علٌه السلبم‪ ،‬أو محمد صلى الله علٌه وسلم ‪.‬‬ ‫وقد ذكر الإِ َمام َمالِك فً الموطإِ من حدٌث عطار بن ٌسار رضً الله‬ ‫عنه‪ ،‬أن رسول الله صلى الله علٌه وسلم قال‪ ( :‬اللهم لا تجعل قبري‬‫وثناً ٌعبد! اشتد ؼضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبٌابهم مساجد!)( )‪،‬‬ ‫قال الإِ َمام ال َمالِكً‪ ،‬ابن عبد ال َب ِّر‪ :‬قٌل معناه النهً عن السجود على‬‫‪ -‬أث‪ٛ‬ػجلالله ِؾّل ثٓ ‪ٍٛ٠‬ف إٌَ‪ ٍٟٛ‬اٌ َّبٌِى‪ ٟ‬اٌؾَٕ‪ّ ،ٟ‬وػ ٕغو‪ ٜ‬اٌٖغو‪ ٜ‬ف‪ ٟ‬ػٍُ اٌز‪ٛ‬ؽ‪١‬ل‪ِ ،‬ىزجخ ِٖطف‪ٝ‬‬ ‫اٌجبٔ‪ ٟ‬اٌؾٍج‪ِٖ ،ٟ‬و‪ ،‬اٌطجؼخ الأف‪١‬وح‪. 28ٓ ،َ1953 ،‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌز‪ٛ‬ثخ ا‪٠٢‬خ ‪. 31‬‬ ‫‪ٕ -‬بٌؼ ثٓ ِؾّل ثٓ ؽَٓ الأٍّو‪ ،ٞ‬ئفبكح اٌَّزف‪١‬ل ثْوػ وزبة اٌز‪ٛ‬ؽ‪١‬ل‪ِ ،‬طبثغ اٌّل‪ٕ٠‬خ إٌّ‪ٛ‬هح ‪. 57ٓ ،‬‬ ‫‪ِٛٛ -‬أ ال ِإ َِبَ َِبٌِه‪ ،‬ه‪ٚ‬ا‪٠‬خ اٌؾلصبٔ‪ ،ٟ‬رؾم‪١‬ك‪ -‬ػجل اٌّغ‪١‬ل اٌزوو‪. 159ٓ،ٟ‬‬ ‫‪129‬‬

‫قبور الأنبٌار‪ ،‬وقٌل معناه النهً عن اتخاذها قبلة ٌصلى إلٌها‪ ،‬ولذلك‬ ‫نقل الإِ َمام أشهب الرواٌة عن َمالِك‪ ،‬أنه كره أن ٌدفن فً المسجد‪،‬‬ ‫ونقلت الرواٌة كذلك عن َمالِك‪ ،‬الكراهٌة فً طلب شجرة بٌعة‬ ‫الرضوان‪ ،‬مخالفة للٌهود وال َّنصرى ( ) ‪.‬‬‫وٌذكر الإِ َمام ابن عبد ال َب ِّر أٌضاً فً كتابه ال ُمس َّمى‪ (:‬التمهٌد‪ ،‬لما فً‬ ‫الموطإ من المعانً والأسانٌد) فً تفسٌر قول النبً صلى الله علٌه‬ ‫وسلم ‪ :‬اللَّهم لا تجعل قبري وثناً‪...‬الحدٌث)‪ ،‬كلبماً مفٌداً مط َّولاً نجمل‬ ‫منه قوله‪ :‬الوثن الصنم‪ ،‬وهو الصورة من ذهب أو من فض ٍة‪ ،‬أو ؼٌر‬‫ذلك من التمثال‪ ،‬وكل ما ٌعبد من دون الله فهو وثن‪ ،‬صنماً كان أو ؼٌر‬ ‫َصنم‪ ،‬وكانت العرب تصلً إلى الأصنام وتعبدها‪ ،‬فخشً رسول الله‬‫صلى الله علٌه وسلم على أمته أن تصنع كما صنع بعض من مضى من‬ ‫الأمم‪ ،‬كانوا إذا مات لهم نب ًٌّ عكفوا على قبره كما ٌُفعل بال َّصنم‪ ...‬إلى‬ ‫أن قال وكان صلى الله علٌه وسلم‪ٌ ،‬حب مخالفة أهل الكتاب وسابر‬ ‫الكفار‪ ،‬وكان ٌخاؾ على أمته اتباعهم‪ ،‬ألا ترى إلى قوله صلى الله‬ ‫علٌه وسلم‪ :‬على جهة ال َّتع ٌٌِر وال َّتو ِبٌخ( لتتبع َّن سنن من قبلكم‪ ،‬الذٌن‬ ‫كانوا قبلكم حذو ال َّنعل بال َّنعل‪ ،‬حتى إ َّن أحدهم لو دخل جحر ضب‬ ‫لدخلتموه)( ) ‪.‬‬ ‫ثم قال‪ :‬قد احتج بعض من لا ٌرى الصلبة فً المقبرة بهذا الحدٌث‪،‬‬ ‫ولا حجة له فٌه‪ ،‬ثم أورد حدٌث عابشة رضً الله عنها‪ ،‬وهو فً‬ ‫الصحٌحٌن‪ ،‬أن نسار النبً صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬تذاك ْر َن عنده فً‬ ‫‪ّ -‬وػ اٌيهلبٔ‪ ٟ‬ػٍ‪ ٝ‬اٌّ‪ٛٛ‬أ‪ ،‬ط‪. 497 ٓ1‬‬ ‫‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ ،ٞ‬ط‪ٕٚ ،571 ٓ6‬ؾ‪١‬ؼ ٍَُِ ط‪. 335 ٓ ،16‬‬ ‫‪130‬‬

‫مرضه كنٌس ًة رأٌنها بؤرض الحبشة‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله علٌه‬ ‫وسلم‪ ( :‬أولبك قوم إذا مات ال َّرجل ال َّصالح عندهم‪ ،‬بنوا على قبره‬ ‫مسجداً‪ ،‬ثم صوروا فٌه تلك ال ُّصور‪ ،‬فؤولبك شرار الخلق عند الله)( )‪،‬‬ ‫ث َّم ساق الحدٌث بسنده‪ ،‬عن عابشة رضً الله عنها قالت‪ :‬قال رسول الله‬ ‫صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬فً مرضه الذي لم ٌقم منه‪( :‬لعن الله الٌهود‬ ‫والنصارى‪ ،‬اتخذوا قبور أنبٌابهم مساجد‪ ،‬قالت‪ :‬ولولا ذلك أبرز قبره‪،‬‬ ‫ؼٌر أن خشً علٌه أن ٌُتخذ مسجداً)( ) ‪.‬‬ ‫لذلك فإن ما ٌفعله بعض العا َّمة والؽوؼار من الطواؾ على القبور‪،‬‬ ‫والتم ُّسح بها‪ ،‬والتوجه إلٌها‪ ،‬كان ٌراه َمالِك من مظاهر ال ِّشرك‪ ،‬ومن‬ ‫المخالفة لهدٌه علٌه الصلبة والسلبم‪ ،‬وهو أٌضاً مخال ٌفؾ لقوله صلى الله‬ ‫علٌه وسلم‪(:‬لا تجلسوا على القبور‪ ،‬ولا تصلوا إلٌها)( )‪ ،‬فالطواؾ لم‬ ‫ٌشرع إلا بالكعبة المش َّرفة‪ ،‬وهو من هدي الإسلبم‪ ،‬ولٌس تق ُّرباً أو‬ ‫تزلفاً إلى الكعبة‪ ،‬فالمسلم ٌطوؾ بالكعبة امتثالاً لأمر ربه ع َّز وجل‬ ‫حٌث قال‪َ ( :‬و ْل ٌَ َّط َّو ُفوا ِبا ْل َب ٌْ ِت ا ْل َعتٌِ ِق )( ) ‪.‬‬ ‫تنبٌه‪:‬‬ ‫لا ٌدخل تحت هذا النوع من ال ِّشرك‪ ،‬الزٌارة ال َّشرعٌة لقبور‬ ‫المسلمٌن‪ ،‬والدعار لهم‪ ،‬والتر ُّحم على الأولٌار‪ ،‬ومحبة الرسول صلى‬ ‫الله علٌه وسلم‪ ،‬ولا محبة سنته‪ ،‬ولا محبة ؼٌره من الأنبٌار‪ ،‬ولا محبة‬ ‫‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ ٞ‬ط‪ٕٚ ،633 ٓ 1‬ؾ‪١‬ؼ ٍَُِ ط‪. 15 ٓ 5‬‬‫‪ -‬ال ِإ َِبَ اٌؾبفع اٌ َّبٌِى‪ ،ٟ‬أث‪ ٟ‬ػّو ‪ٍٛ٠‬ف ثٓ ػجل اٌ َج ِّو‪ ،‬اٌزّ‪١ٙ‬ل ٌّب ف‪ ٟ‬اٌّ‪ٛٛ‬ا ِٓ اٌّؼبٔ‪ٚ ٟ‬الأٍبٔ‪١‬ل‪ ،‬رؾم‪١‬ك‪ -‬أٍبِخ‬ ‫ثٓ ئثوا٘‪ ،ُ١‬إٌبّو اٌفبه‪ٚ‬ق اٌؾل‪٠‬ضخ ٌٍطجبػخ ‪ٚ‬إٌْو‪ ،‬اٌطجؼخ اٌضبٔ‪١‬خ ‪ ،َ2001‬ط‪. 178 ٓ 5‬‬ ‫‪ ٍَُِ -‬ثٓ اٌؾغبط اٌمْ‪١‬و‪ٕ، ٞ‬ؾ‪١‬ؼ ٍَُِ‪ ،‬رؾم‪١‬ك ِؾّل فإاك ػجل اٌجبل‪ ،ٟ‬كاه ئؽ‪١‬بء اٌزواس ‪،‬ط‪. 38 ٓ 7‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌؾظ ا‪٠٢‬خ ‪. 29‬‬ ‫‪131‬‬

‫أولٌار الله الصالحٌن‪ ،‬فمحبتهم‪ ،‬من محبة الله تعالى‪ ،‬شرٌطة أن لا ٌبالػ‬ ‫المحبوب‪ ،‬فٌجعلهم مربوبٌن من دون الله‪ ،‬وٌعتقد أن بٌدهم ض ّراً أو‬ ‫نفعاً( )‪ ،‬بل إ َّن محبته علٌه الصلبة والسلبم‪ ،‬ومحبة الأولٌار‬‫والصالحٌن من عباد الله‪ ،‬مطلوب فٌة‪ ،‬وقد حثت النصوص على ذلك‪ ،‬وهً‬ ‫من علبمات الإٌمان‪ ،‬ولك َّن ال َّنهً عن المجاوزة فً المح َّبة‪ ،‬وإنزالهم‬ ‫فً ؼٌر المنزلة التً أنزلهم الله إٌاها ‪.‬‬ ‫ال الاً ‪ :‬توحٌد الأسماء والصفات ‪:‬‬ ‫ٌقصد بتوحٌد الأسمار والصفات‪ ،‬الإٌمان بؤسمار الله الحسنى‪،‬‬‫وصفاته العلب‪ ،‬كما جار ْت فً القرآن الكرٌم‪ ،‬وعلى لسان الرسول صلى‬ ‫الله علٌه وسلم‪ ،‬من دون البحث عن كن ِه َها‪ ،‬وعدم التكلُّؾ والتحلٌل‬ ‫لل َّذات العل ٌَّة‪ ،‬فلِلَّه الأسمار الحسنى‪ ،‬وهو المستحق لكل كما ٍل‪ ،‬والمن َّزه‬ ‫والمتعالً عن كل نقص‪ ،‬وٌنبؽً أن ٌُعلم أن الخوض فً الأسمار‬ ‫والصفات‪ ،‬مما أمسك عنه السلؾ الصالح رضوان الله علٌهم أجمعٌن‪،‬‬ ‫والمعروؾ عند جمهور علمار المسلمٌن كما ٌقول محمد بن أحمد‬ ‫ال َمالِكً القرطبً‪ :‬أن لا َمدخل للقٌاس فً أسمار الله تعالى‪ ،‬بل هً‬ ‫توقٌفٌ ٌفة‪ ،‬من وحً الله تعالى‪ ،‬سوا ٌفر منها ما جار فً كتاب الله جل‬ ‫وعلب‪ ،‬أو ما كان على لسان رسوله صلى الله عالله علٌه وسلم ( ) ‪.‬‬ ‫ولتوضٌح هذه المسؤلة سنذكر آرار المتكلمٌن فً تقسٌمهم لآٌات‬ ‫الصفات‪ ،‬ونتبعها بذكر تقسٌم علمار السلؾ فً إثبات ما أثبته الله عز‬ ‫‪ّ -‬وػ لَُ اٌؼمبئل ِٓ هٍبٌخ أث‪ ٟ‬ى‪٠‬ل اٌم‪١‬و‪ٚ‬أ‪ِ ،ٟ‬ؾّل ػي اٌل‪ ٓ٠‬اٌغو‪٠‬بٔ‪. 78ٓ ،ٟ‬‬‫‪ -‬أث‪ ٛ‬ػجل الله ِؾّل ثٓ أؽّل الأٖٔبه‪ ٞ‬اٌ َّبٌِى‪ ٟ‬اٌمو‪ٛ‬ج‪ ،ٟ‬الإٍٔ‪ ٝ‬ف‪ّ ٟ‬وػ أٍّبء الله اٌؾَٕ‪ ،ٝ‬رؾم‪١‬ك اٌلوز‪ٛ‬ه‪-‬‬ ‫ٕبٌؼ ػط‪١‬خ اٌؾطّبٔ‪ ،ٟ‬عّؼ‪١‬خ اٌلػ‪ٛ‬ح الإٍلاِ‪١‬خ‪ٛ ،‬واثٌٍ‪١ٌ ،‬ج‪١‬ب‪. 34ٓ، َ2001 ،‬‬ ‫‪132‬‬

‫وجل لنفسه من صفات الكمال والجمال‪ ،‬مع ذكر آرار علمار السلؾ‬‫وموقفهم من آٌات الصفات‪ ،‬ثم نتبعها بذكر رأي الإِ َمام َمالِك خاص ًة فً‬ ‫كٌفٌة التعامل مع آٌات الصفات التً ذكرت فً القرآن الكرٌم‪ ،‬أو‬ ‫جارت على لسان النبً صلى الله علٌه وسلم ‪.‬‬ ‫أولاالً ‪ :‬تقسٌم الصفات عند المتكلمٌن ‪:‬‬ ‫لقد اختار علمار الكلبم الذٌن أثبتوا الصفات لله تعالى‪ ،‬أن ٌقسموا‬ ‫الصفات إلى أربعة أقسام وهً ‪:‬‬‫‪ - 1‬الصفات النفسٌة‪ :‬وهً الحالة الواجبة للذات مادامت الذات قابمة‬ ‫بعلة الوجود ‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الصفات السلبٌة‪ :‬وعرفوها بؤنها التً سلبت أمراً لا ٌلٌق بالله‬‫تعالى‪ ،‬وهً عندهم خمس صفات‪ :‬القدم‪ ،‬البقار‪ ،‬مخالفة الحوادث‪ ،‬القٌام‬ ‫بالنفس‪ ،‬الوحدانٌة ( )‪.‬‬ ‫‪ - 3‬صفات المعانً‪ :‬وهً كل صفة قابمة بموصوؾ زابد على‬ ‫الذات وموجبة له حكماً وهً سبعة‪ :‬القدرة‪ ،‬الإرادة‪ ،‬العلم‪ ،‬الحٌاة‪،‬‬ ‫السمع‪ ،‬البصر‪ ،‬الكلبم‪ ،‬وهً أٌضاً تسمى بالصفات الوجودٌة ‪.‬‬ ‫‪ - 4‬الصفات المعنوٌة‪ :‬وعر ُّفوها بؤنها الحالة الواجبة للذات مادامت‬ ‫المعانً قابمة بها‪ ،‬وهً ملبزمة لصفات المعانً السابقة ‪.‬‬ ‫انٌاالً ‪ :‬تقسٌم الصفات عند السلف ‪:‬‬ ‫‪ -‬ؽّل ثٓ ػط‪١‬خ اٌغبِل‪ ،ٞ‬اٌج‪ٙ١‬م‪ِٛٚ ٟ‬لفٗ ِٓ الإلا٘‪١‬بد‪ِ،‬ىزجخ اٌؼٍ‪ٚ َٛ‬اٌؾىُ‪،‬اٌّل‪ٕ٠‬خ إٌّ‪ٛ‬هح‪،‬اٌطجؼخ‬ ‫اٌضبٌضخ‪149 (:ٓ َ1992 ،‬ـ ‪.)150‬‬ ‫‪133‬‬

‫لقد ذهب السلؾ إلى تقسٌم الصفات إلى قسمٌن اثنٌن لا ثالث‬ ‫لهما( )‪ ،‬وهما على النحو التالً‪:‬‬ ‫‪ - 1‬صفات ذاتٌة‪ :‬هً التً لا تنفك عن الذات‪ ،‬بل هً لازمة لها‪،‬‬ ‫ومنها ما هو عقلً‪ ،‬ومنها ما هو خبري ‪.‬‬ ‫‪ - 2‬صفات فعلٌة‪ :‬تتعلق بالمشٌبة والقدرة‪ ،‬ومنها أٌضاً ما هو‬ ‫عقلً‪ ،‬ومنها ما هو خبري ‪.‬‬ ‫الصفات الذاتٌة تنقسم إلى قسمٌن ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬صفات ذاتٌة عقلٌة‪ :‬وهً الصفات التً ٌستدل علٌها بواسطة‬ ‫العقل مثل صفة الحٌاة‪ ،‬العلم‪ ،‬القدرة‪ ،‬الإرادة‪ ،‬والسمع وؼٌرها ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬صفات ذاتٌة خبرٌة‪ :‬أي أن الاستدلال علٌها لا ٌمكن إلا عن‬ ‫طرٌق النص كصفة الٌدٌن ‪.‬‬ ‫الصفات الفعلٌة تنقسم إلى قسمٌن أٌضاالً ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬عقلٌة‪ :‬كصفة‪ -‬الخلق‪ ،‬والرزق‪ ،‬وتعرؾ بالسماع من‬ ‫النصوص‪ ،‬وكذلك بواسطة العقل ‪.‬‬‫‪ -‬اٌَّبئً ‪ٚ‬اٌوٍبئً اٌّو‪٠ٚ‬خ ػٓ ال ِإ َِبَ أؽّل ثٓ ؽٕجً ف‪ ٟ‬اٌؼم‪١‬لح‪ ،‬رؾم‪١‬ك‪ :‬ػجل الإٌٗ ثٓ ٍٍ‪ّ١‬بْ الأؽّل‪ ،ٞ‬كاه‬ ‫‪١ٛ‬جخ‪ ،‬اٌو‪٠‬بٗ‪ ،‬اٌطجؼخ اٌضبٔ‪١‬خ‪٘1416 ،‬ـ‪ ،‬ط‪. 280 ٓ1‬‬ ‫‪134‬‬

‫ب ‪ -‬خبرٌة‪ :‬مثل الاستوار‪ ،‬والنزول‪ ،‬والإتٌان‪ ،‬والمجًر‪ ،‬وهذه‬ ‫لاتعرؾ إلا بالسماع من كتاب وسنة‪ ،‬وهذا هو تقسٌم ال َّسلؾ للصفات‪،‬‬ ‫ولم ٌعرؾ له مخالؾ منهم( ) ‪.‬‬ ‫ومما لا شك فٌه أن تقسٌم السلؾ لآٌات الصفات هو التقسٌم الأصح‬ ‫والأشمل‪ ،‬لأنه ٌشمل جمٌع الصفات‪ ،‬ولأن هذا التقسٌم موافق لنصوص‬ ‫الكتاب والسنة‪ ،‬فقد وردت النصوص بإثبات صفا ٍت لازمة للذات‬ ‫العل ٌَّة‪ ،‬وصفا ٍت أخرى تتعلق بمشٌبته سبحانه وتعالى ‪.‬‬ ‫أما التقسٌم الذي ذهب إلٌه المتكلمون فهو تقسٌم ناقص لأنه ٌثبت‬ ‫بعض الصفات‪ ،‬وٌفوض فً البعض الآخر‪ ،‬وٌإولون بعضها الآخر‬ ‫تنزٌهاً لله تعالى عن مشابهة الحوادث( ) ‪.‬‬ ‫ومن هنا ٌتبٌن أن عامة السلؾ وقفوا من الأسمار والصفات موقؾ‬ ‫المإمن بها على الوصؾ الذي ذكره الله عز وجل‪ ،‬أو ذكره نبٌه محمد‬ ‫صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬مدركٌن حقٌقة المعنى الدال علٌه اللفظ‪ ،‬مفوضٌن‬ ‫علم الكٌفٌة لله سبحانه وتعالى‪ ،‬جار فً كتاب العقٌدة لابن أبً زٌد‬ ‫القٌروانً شٌخ ال َمالِكٌة فً زمانه‪( :‬الإٌمان بالقلب والنطق باللسان بؤن‬ ‫الله إله واحد لا إله ؼٌره‪ ،‬ولا شبٌه له ولا نظٌر له‪ ،‬ولا ولد له ولا والد‬ ‫له‪ ،‬ولا صاحبة له‪ ،‬ولا شرٌك له‪ ،‬لٌس لأولٌته ابتدار‪ ،‬ولا لآخرٌته‬ ‫انقضار‪ ،‬ولا ٌبلػ كنه صفته الواصفون‪ ،‬ولا ٌحٌط بؤمره المتف ِّكرون‪،‬‬ ‫ٌعتبر المتف ِّكرون بآٌاته‪ ،‬ولا ٌتفكرون فً ماهٌة ذاته‪ ،‬ولا ٌحٌطون‬‫‪ٍ -‬ؼلػجلالله ػبّ‪ٛ‬ه‪ِٕٙ،‬ظ اٌٍَف ف‪ ٟ‬ئصجبد اٌٖفبد الإٌ‪١ٙ‬خ‪ ،‬وٍ‪١‬خ إٔ‪ٛ‬ي اٌل‪ ،ٓ٠‬اٌغبِؼخ الإٍلاِ‪١‬خ‪ِ،‬غٍخ اٌغبِؼخ‬ ‫الإٍلاِ‪١‬خ‪،‬اٌّغٍل اٌؼبّو‪ ،‬اٌؼلك الأ‪ٚ‬ي‪ ،‬غيح‪،‬فٍَط‪. 187 ٓ،َ2002 ٓ١‬‬ ‫‪ -‬اٌّوعغ اٌَبثك‪. 189 ٓ ،‬‬ ‫‪135‬‬

‫بشًر من علمه إلا بما شار وسع كرسٌه السماوات والأرض‪ ،‬ولا‬ ‫ٌإوده حفظهما‪ ،‬وهوالعلً العظٌم‪ ،‬العالم الخبٌر‪ ،‬المدبر القدٌر‪ ،‬السمٌع‬ ‫البصٌر‪ ،‬العلً الكبٌر)( ) ‪.‬‬ ‫هذا هو منهج السلؾ فً توحٌد الأسمار والصفات‪ ،‬وهو المذهب‬ ‫الأسلم‪ ،‬والطرٌق الأحكم‪ ،‬الذي ٌسلكه كل مرٌد للحق‪ ،‬ملتمس آثار‬ ‫النبوة‪ ،‬وما كان علٌه الصحابة الأطهار الذٌن قضوا بالحق وبه كانوا‬ ‫ٌعدلون ‪.‬‬ ‫ٌقول القاضً الباقلبنً فً كتابه (ال َّذب عن أبً الحسن الأشعري)‪:‬‬ ‫كذلك قولنا فً جمٌع المروي عن الرسول صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬فً‬ ‫صفات الله إذا ص َّح من إثبات الٌدٌن‪ ،‬والوجه‪ ،‬العٌنٌن‪ ،‬وٌقولون إنه‬ ‫ٌؤتً ٌوم القٌامة فً ُظ َل ٍل من الؽمام‪ ،‬وأنه ٌنزل إلى السمار الدنٌا كما‬ ‫فً الحدٌث‪ ،‬وأنه مست ٍو على عرشه‪ ،‬ثم قال‪ :‬وقد بٌ َّنا ِدٌن الأبمة‪ ،‬وأهل‬ ‫السنة‪ ،‬أ َّن هذه الصفات ُتمر كما جارت‪ ،‬بؽٌر تكٌٌ ٍؾ ولا تحدٌ ٍد‪ ،‬ولا‬ ‫تجنٌ ٍس‪ ،‬ولا تصوٌ ٍر‪ ،‬كما ُر ِو َي عن ال ُّزهري‪ ،‬وعن َمالِك فً الاستوار‪،‬‬ ‫فمن تجاوز هذا‪ ،‬فقد تعدى وابتدع وض َّل( ) ‪.‬‬ ‫وبهذا ٌقرر الباقلبنً‪ ،‬أن عقٌدته فً الأسمار والصفات‪ ،‬وكذا عقٌدة‬ ‫شٌخه ومعلمه أبو الحسن الأشعري‪ ،‬إنما هً مستمد ٌةف من أقوال َمالِك‪،‬‬ ‫وكؤن الأثر الوارد عن َمالِك فً مسؤلة الاستوار‪ ،‬صار قاعد ًة‪ -‬بل هو‬ ‫‪ -‬أبومحمدعبدالله بن أبي زيدالقيرواني الممقب ب َماِلك الصغير‪،‬العقيدة القيروانية‪،‬دارالبصائر‪،‬الج ازئر‪(،‬بدون تاريخ‬ ‫طباعة)‪.7ٓ ،‬‬‫‪-‬أث‪ٛ‬ػجلالله ِؾّل ثٓ اؽّل ثٓ ل‪ّ١‬بى اٌن٘ج‪ ،ٟ‬اٌؼٍ‪ٌٍ ٛ‬ؼٍ‪ ٟ‬اٌغفبه‪ ،‬رمل‪ -ُ٠‬ؽَٓ ثٓ ػٍ‪ ٟ‬اٌَمبف‪ ،‬كاه ال ِإ َِبَ إٌ‪،ٞٚٛ‬‬ ‫اٌطجؼخ الأ‪.541 ٓ،َ1998 ،ٌٝٚ‬‬ ‫‪136‬‬

‫بالفعل‪ -‬القاعدة التً جعلها علمار السلؾ مقٌاس التعامل فً الحدٌث عن‬ ‫أسمار‪ ،‬وصفات‪ ،‬ال َّرب جل وعلب‪ ،‬بحٌث وصؾ كل من خالؾ َمالِكاً‬ ‫فً مسابل الاعتقاد المتعلقة بؤسمار الله تعالى‪ ،‬وصفاته‪ -،‬بؤنه متجاو ٌفز‪،‬‬ ‫وضا ٌّل‪ ،‬ومبتد ٌفع‪ ،‬وم َتع ٍّد‪.‬‬ ‫أما العلمار المتكلمون الأوابل‪ ،‬الذٌن تؤ َّثروا بمنهج بعض شٌوخهم‪،‬‬ ‫ولك َّنهم ما لبثوا أن رجعوا إلى منهج السلؾ‪ ،‬ما كان علٌه النبً‬ ‫وأصحابه فً القرن الأول‪ ،‬وما كان علٌه الأبمة الأوابل‪ ،‬ك َمالِك‪،‬‬ ‫والشافعً‪ ،‬وأحمد بن حنل‪ ،‬وؼٌرهم‪ ،‬مثل ما حدث مع إمام المتكلمٌن‬ ‫فً زمانه‪ ،‬أبو الحسن الأشعري‪ ،‬كما مر عٌنا من كلبم تلمٌذه الباقلبنً‬ ‫‪.‬‬ ‫وقد ُن ِقل عنه أٌضاً‪ ،‬فً كتابه الإبانة قوله‪ :‬وجملة قولنا‪ :‬أ َّنا نقر بالله‬ ‫وملببكته وكتبه ورسله‪ ،‬وبما جاروا به من عند الله‪ ،‬وما رواه ال ِّثقات‬ ‫عن رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬لا نرد من ذلك شٌبا‪ ،‬وأن الله عز‬‫وجل إله واحد لا إله إلا هو‪ ،‬فرد صمد‪ ،‬لم ٌتخذ صاحبة ولا ولداً ‪ ،‬وأن‬ ‫محمداً عبده ورسوله‪ ،‬أرسله بالهدى ودٌن الحق وأن الجنة والنار حق‪،‬‬‫وأن الساعة آتٌة لا رٌب فٌها‪ ،‬وأن الله ٌبعث من فً القبور ‪ ،‬وأن الله‬‫تعالى استوى على العرش على الوجه الذي قاله‪ ،‬وبالمعنى الذي أراده‪،‬‬‫استوار منزها عن الممارسة ‪ ،‬والاستقرار‪ ،‬والتمكن‪ ،‬والحلول ‪،‬‬‫والانتقال‪ ،‬لاٌحمله العرش‪ ،‬بل العرش وحملته محمولون بلطؾ قدرته‪،‬‬ ‫ومقهورون فً قبضته‪ ،‬وهو فوق العرش‪ ،‬وفوق كل شًر‪ ،‬إلى تخوم‬‫الثرى‪ ،‬فوقٌة لا تزٌده قربا إلى العرش والسمار‪ ،‬بل هو رفٌع الدرجات‬ ‫‪137‬‬

‫على ا لعرش‪ ،‬كما أنه رفٌع الدرجات عن الثرى‪ ،‬وهو مع ذلك قرٌب‬ ‫من كل موجود‪ ،‬وهو أقرب إلى العبد من حبل الورٌد‪ ،‬وهو على كل‬ ‫شًر شهٌد ) ( ) ‪.‬‬ ‫والأشعري كما هو مقرر فً الدٌباج وؼٌره‪ ،‬من علمار المذهب‬ ‫ال َمالِكً‪ ،‬ولما برع فً علم الكلبم‪ ،‬وتص َّدر للرد على المبتدعة‬ ‫والزنادقة من أرباب الأفكار المنحرفة‪ ،‬صار ٌشار إلٌه بالبنان‪ ،‬وصار‬ ‫عالماً كبٌراً من علمار السنة والجماعة‪ ،‬وهو ٌقرر فً أصول عقٌدته‬ ‫أنه على طرٌقة الإِ َمام َمالِك فً الأسمار والصفات‪ ،‬كما ذكر ذلك فً‬ ‫كتابه الإبانة‪ ،‬ورسالة إلى أهل الثؽر( )‪.‬‬ ‫وجار فً مواهب الجلٌل على مختصر خلٌل‪ :‬فمذهب الشٌخ أبً‬ ‫الحسن الأشعري‪ ،‬وعامة أهل السنة‪ ،‬أنه لا ٌجوز أن ٌسمى الله تعالى‪،‬‬ ‫إلا بما سمى به نفسه‪ ،‬أو أجمعت الأمة علٌه ( ) ‪.‬‬ ‫ومذهب أهل الحدٌث والأبمة الذٌن ٌقتدى بهم‪َ ،‬مالِك‪ ،‬والشافعً‪،‬‬ ‫وأحمد‪ ،‬واصحاب الكتب الستة‪ ،‬وؼٌرهم أنهم ٌإمنون بهذه الصفات كما‬ ‫ذكرها الله عز وجل‪ ،‬وكما هً فً سنة رسوله صلى الله علٌه وسلم من‬ ‫دون تحرٌ ٍؾ للكلبم عن مواضعه‪ ،‬ولا تعطٌ ٍل للآٌات‪ ،‬ومن دون تشبٌ ٍه‬ ‫للرب ج َّل وعلب‪ ،‬أو تص ُّور لكنهه ج َّل جلبله‪ ،‬فهو سبحانه لا شبٌه له‬ ‫ولا مثٌل‪ ،‬وهو الجلٌل الجمٌل‪ ،‬وهم كما قال الحافظ الإسماعٌلً‪:‬‬‫‪-‬أث‪ ٛ‬اٌؾَٓ الأّؼو‪،ٞ‬الإثبٔخ ػٓ إٔ‪ٛ‬ي اٌل‪٠‬بٔخ‪ِ ،‬ىزجخ كاه اٌج‪١‬بْ‪ ،‬كِْك‪ٍٛ،‬ه‪٠‬ب‪ ،‬اٌطجؼخ اٌضبٌضخ‪-43ٓ،1996 ،‬‬ ‫‪. 44‬‬ ‫‪ -‬الإثبٔخ ػٓ إٔ‪ٛ‬ي اٌل‪٠‬بٔخ ( ٓ‪ ) 121 -113‬اٌل‪٠‬جبط اٌّن٘ت ٌّؼوفخ أػ‪١‬بْ ػٍّبء اٌّن٘ت ٓ ‪. 194‬‬ ‫‪ِٛ -‬ا٘ت اٌغٍ‪ ً١‬ػٍ‪ِ ٝ‬قزٖو فٍ‪،ً١‬ط‪. 30ٓ 1‬‬ ‫‪138‬‬

‫ٌعتقدون أن الله تعالى مدعو بؤسمابه الحسنى ‪ ،‬وموصوؾ بصفاته التً‬ ‫سمى ووصؾ بها نفسه ‪ ،‬ووصفه بها نبٌه صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬خلق‬ ‫آدم بٌده‪ ،‬وٌداه مبسوطتان ٌنفق كٌؾ ٌشار‪ ،‬بلب اعتقاد كٌؾ‪ ،‬وأنه عز‬ ‫وجل استوى على العرش‪ ،‬بلب كٌؾ‪ ،‬فإن الله تعالى انتهى من ذلك إلى‬ ‫أنه استوى على العرش‪ ،‬ولم ٌذكر كٌؾ كان استواإه ( )‪.‬‬ ‫‪ ِٓٚ‬اٌ ُّ َؾ ِّذص‪ ٓ١‬الأ‪ٚ‬ائً‪ ،‬اٌز‪ ٓ٠‬الزف‪ٛ‬ا أصش ال ِإ َِبَ َِبٌِه‪ ،‬ف‪ِ ٟ‬غؤٌخ‬ ‫الأعّبء ‪ٚ‬اٌصفبد‪ ،‬ػٍ‪ ٝ‬اٌشغُ ِٓ و‪ ٗٔٛ‬ؽٕجٍ‪ ٟ‬اٌفمٗ ‪ٚ‬اٌّز٘ت‪ٌٚ ،‬ىٕٗ‬ ‫وبْ ‪٠‬غزؾ‪ٙ‬ذ ثآساء َِبٌِه ف‪ِ ٟ‬غبئً اٌصفبد‪ ،‬وّب ف‪ِ ٟ‬غؤٌخ الاعز‪ٛ‬اء‪،‬‬‫‪ٚ‬سأ‪ ٗ٠‬ف‪ ٟ‬اٌمذس‪٠‬خ‪ٚ ،‬اٌغ‪١ّٙ‬خ‪ٚ ،‬غ‪١‬شُ٘‪ -،‬اٌؾبفع ثٓ ِٕذٖ‪ ،‬اٌز‪ ٞ‬ػبػ ف‪ٟ‬‬‫اٌمشْ اٌشاثغ اٌ‪ٙ‬غش‪ٚ – ٞ‬لذ أٌف وزبثبً أعّبٖ ( وزبة اٌز‪ٛ‬ؽ‪١‬ل )‪ ،‬حٌث‬ ‫قال فٌه‪ :‬إن الأخبار فً صفات الله عز وجل جارت متواتر ًة عن النبً‬ ‫صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬موافق ًة لكتاب الله عز وجل‪ ،‬نقلها الخلؾ عن‬ ‫السلؾ قرناً بعد قرن‪ ،‬من لدن الصحابة الأوابل‪ ،‬والتابعٌن‪ ،‬كابن‬ ‫سٌرٌن‪ ،‬والحسن البصري‪ ،‬و َمالِك‪ ،‬والأوزاعً‪ ،‬وسفٌان الثوري‪،‬‬ ‫وأبوحنٌفة‪ ،‬والشافعً‪ ،‬وؼٌرهم‪ ،‬إلى عصرنا هذا‪ ،‬على سبٌل إثبات‬ ‫الصفات لله عز وجل‪ ،‬والمعرفة والإٌمان بها والتسلٌم لها ( ) ‪.‬‬ ‫ونذكر ما ورد عن بعض أبمة السنة‪ ،‬وأخص منهم أبمة المذاهب‬‫كؤبً حنٌفة‪ ،‬والشافعً‪ ،‬وأحمد بن حنبل‪ ،‬فً مسابل الأسمار وال ِّصفات‪،‬‬ ‫وسٌتبٌن من خلبل سرد أقوالهم أن الأبمة لم ٌختلفوا فً قضاٌا الإٌمان‬‫‪ -‬أث‪ٛ‬ثىو أؽّل ثٓ ئثوا٘‪ ُ١‬الإٍّبػ‪ ،ٍٟ١‬ئػزمبك أئّخ اٌؾل‪٠‬ش‪ ،‬رؾم‪١‬ك ِؾّل ػجلاٌوؽّٓ اٌقّ‪ ،ٌ١‬كاه اٌؼبّٕخ‪،‬‬ ‫اٌو‪٠‬بٗ‪،‬اٌطجؼخ الأ‪.3ٓ،ٌٝٚ‬‬ ‫‪ -‬أث‪ ٟ‬ػجل الله ِؾّل ثٓ ئٍؾبق ثٓ ِٕلٖ‪ ،‬وزبة اٌز‪ٛ‬ؽ‪١‬ل‪ ،‬رؾم‪١‬ك ( ك‪ِ .‬ؾّل ثٓ ػجلالله اٌ‪١٘ٛ‬ج‪ ،ٟ‬ك‪ ٍِٝٛ .‬ثٓ‬ ‫ػجلاٌؼي‪٠‬ي اٌغٖٓ ) كاه اٌ‪ٙ‬ل‪ ٜ‬إٌج‪ِٖ ،ٞٛ‬و‪. 28ٓ ، َ2007 ،‬‬ ‫‪139‬‬

‫الجوهرٌة‪ ،‬كالتوحٌد‪ ،‬والقدر‪ ،‬وؼٌرها من مسابل الإٌمان الحساسة‪،‬‬ ‫ومن ذلك قول أبً حنٌفة‪ -‬رحمه الله‪( : -‬لله عز وجل ٌد ووجه ونفس‪،‬‬ ‫كما ذكره الله تعالى فً القرآن‪ ،‬فما ذكره الله تعالى فً القرآن‪ ،‬من ذكر‬ ‫الوجه والٌد والنفس‪ ،‬فهو له صفات بلب كٌؾ‪ ،‬ولا ٌقال إن ٌده قدرته أو‬ ‫نعمته‪ ،‬لأن فٌه إبطال الصفة‪ ،‬وهو قول أهل القدر والاعتزال )( ) ‪.‬‬ ‫وبمثل هذا قال الشافعً رحمه الله تعالى‪ ،‬فقد نقل ابن القٌم فً كتابه‬ ‫اجتماع الجٌوش الإسلبمٌة الرواٌة عن الإِ َمام الشافعً بن إدرٌ ٍس أنه‬ ‫قال‪ (:‬القول فً ال ُّسنة التً أنا علٌها ورأٌت أصحابنا علٌها‪ ،‬أهل‬ ‫الحدٌث الذٌن رأٌتهم وأخذت عنهم مثل سفٌان‪ ،‬و َمالِك‪ ،‬وؼٌرهما‬ ‫الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله‪ ،‬وأن محمداً رسول الله‪ ،‬وأن الله تعالى‬ ‫على عرشه فً سمابه ٌَق ُرب من خلقه كٌؾ شار‪ ،‬وأن الله تعالى ٌنزل‬ ‫إلى السمار الدنٌا كٌؾ شار) ( ) ‪.‬‬ ‫و ٌدلِّ ُل الشافعً هنا‪ -‬دلال ًة واضح ًة‪ -‬على أن رأٌه فً ُمج َمل قضاٌا‬‫الاعتقاد‪ ،‬وخ َّص منها مسؤلة الأسمار والصفات‪ ،‬كان موافقاً لرأي الإِ َمام‬ ‫َمالِك‪ ،‬بل كان ٌنقل رأٌه‪ ،‬وٌعتقد أنه الأعلم والأحكم فً مسابل العقٌدة ‪.‬‬ ‫وكذلك الإِ َمام أحمد بن حنبل‪ -‬رحمه الله‪ -‬لم ٌكن رأٌه مخالفاً لمن‬ ‫سبقه من أبم ٍة كؤمثال‪ -‬أبً حنٌفة‪ ،‬و َمالِك‪ ،‬والشافعً – بل كان رأٌه‬ ‫موافقاً لهم فً مسابل الاعتقاد‪ ،‬فقد ُنقل عنه قوله‪ ( :‬نحن نإمن بؤن الله‬ ‫على العرش كٌؾ شار‪ ،‬وكما شار‪ ،‬بلب ح ّد ولا صفة ٌبلؽها واصؾ‪ ،‬أو‬‫‪ِ -‬ؾّل ػجل اٌوؽّٓ فّ‪،ٌ١‬اػزمبك الأئّخ الأهثؼخ‪ ،‬كاه ‪١ٛ‬جخ‪ ،‬اٌّل‪ٕ٠‬خ إٌّ‪ٛ‬هح‪ ،‬اٌطجؼخ الأ‪٘1422 ،ٌٝٚ‬ـ‪. 6 ٓ ،‬‬ ‫‪ -‬اثٓ ل‪ ُ١‬اٌغ‪ٛ‬ى‪٠‬خ‪،‬اعزّبع اٌغ‪ ُٛ١‬الإٍلاِ‪١‬خ ٓ‪. 165‬‬ ‫‪140‬‬

‫ٌحده أحد‪ ،‬فصفات الله منه وله وهو كما وصؾ نفسه لا تدركه الأبصار‬ ‫)( ) ‪.‬‬ ‫وقال أبو ٌعلى الفرار وهو من أصحاب أحمد‪ :‬روي عن شٌخنا‬ ‫وإمامنا أحمد بن حنبل‪ ،‬وؼٌره من أبمة أصحاب الحدٌث‪ ،‬أنهم قالوا فً‬ ‫هذه الأخبار‪ :‬أ ِّمروها كما جارت‪ ،‬فحملوها على ظاهرها‪ ،‬أي أنها‬ ‫صفا ٌفت لله تعالى‪ ،‬لا تشبه سابر الموصوفٌن ( ) ‪.‬‬ ‫ومن هنا ٌتبٌن لنا أنهم‪ -‬رحمهم الله جمٌعاً‪ -‬كانوا حذرٌن فً مثل هذه‬ ‫المسابل‪ ،‬وتقٌدوا بظاهر النصوص‪ ،‬وآمنوا بها على ظاهرها‪ ،‬وتركوا‬ ‫علم الكٌفٌة لله وحده‪ ،‬لذلك نقول لمن أراد السلبمة فً توحٌد الأسمار‬ ‫والصفات‪ ،‬علٌه أن ٌتقٌد بما ٌلً‪:‬‬ ‫‪ -‬أن ٌنزه اللهَ تعالى‪ ،‬وصفا َته وأسما َره عن كل نقص‪ ،‬وأنه تعالى‬ ‫مستح فٌق لصفات الكمال والجمال‪ ،‬منزه عن كل نقٌص ٍة‪ ،‬ولا ٌجري علٌه‬ ‫تعالى ما ٌجري على خلقه من نقص‪ ،‬كالموت والفنار‪ ،‬والنسٌان‪،‬‬ ‫والؽفلة‪ ،‬والظلم‪ ،‬والحاجة‪ ..‬إلى ؼٌر ذلك من الأوصاؾ التً تجري‬ ‫على الحوادث ‪.‬‬ ‫قال شٌخ الإسلبم ابن تٌمٌة‪ِ ( :‬م َن الإٌمان بالله‪ -‬ما وصؾ به نفسه‪،‬‬ ‫وبما وصفه به رسولُه‪ ،‬من ؼٌر تحرٌ ٍؾ ولا تعطٌ ٍل‪ ،‬ومن ؼٌر تكٌٌ ٍؾ‬ ‫ولا تمثٌ ٍل‪ ،‬فلب ٌنفون عنه ما وصؾ به نفسه‪ ،‬ولا ٌحرفون الكلبم عن‬‫‪ِ -‬ؾّل ػجل اٌوؽّٓ اٌقّ‪ ،ٌ١‬اػزمبك الأئّخ الأهثؼخ ٓ ‪ٚ ،22‬أظو‪ٍ-‬ؼ‪ٛ‬ك ػجل الله اٌلػغبْ‪ِٕٙ ،‬ظ ال ِإ َِبَ َِب ٌِه ف‪ٟ‬‬ ‫ئصجبد اٌؼم‪١‬لح‪،‬كاه ا‪٢‬صبه‪ ،‬اٌمب٘وح‪ ،‬اٌطجؼخ الأ‪٘1427،ٌٝٚ‬ـ ‪. 233 ٓ ،‬‬‫‪ -‬أث‪٠ ٛ‬ؼٍ‪ِ ٝ‬ؾّل ثٓ اٌؾَ‪ ٓ١‬اثٓ ِؾّل اٌفواء‪ ،‬ئثطبي اٌزأ‪ ً٠ٚ‬لأفجبه اٌٖفبد‪ِ ،‬ؾّل ثٓ ؽّل ثٓ ِؾّل إٌغل‪ ،ٞ‬كاه‬ ‫ئ‪٠‬لاف ‪ ،‬اٌى‪٠ٛ‬ذ‪(،‬ثل‪ ْٚ‬ربه‪٠‬ـ ‪ٛ‬جبػخ) ط‪. 44ٓ 1‬‬ ‫‪141‬‬

‫مواضعه‪ ،‬ولا ٌلحدون فً أسمار الله وآٌاته‪ ،‬ولا ٌمثلون صفاته بصفات‬ ‫خلقه‪ ،‬لأنه سبحانه لا سم ًَّ له‪ ،‬ولا ك ْؾ َر له ولا ن َّد له )( ) ‪.‬‬ ‫ومعلو فٌم أن شٌخ الإسلبم بن تٌمٌة‪ -‬رحمه الله‪ -‬كانت له آراإه‬ ‫المتمٌزة التً ٌخالؾ فٌها أحٌاناً ًَ أبمة المذاهب‪ ،‬وذلك فٌما ٌتعلق‬ ‫بالعبادات‪ ،‬وبعض قضاٌا المعاملبت‪ ،‬ولكنه فً مسابل العقابد‪ ،‬لم ٌكن‬ ‫لٌخالفهم‪ ،‬بل كان ٌستشهد بآرابهم‪ ،‬وٌذكر أقوالهم‪ ،‬وبالأخص كان ٌقدم‬ ‫آرار َمالِك على ؼٌره من الأبمة‪ ،‬لذلك لما سبل عن صحة أصول أهل‬ ‫المدٌنة‪ ،‬أجاب إجابة مطول ًة‪ ،‬جمعت على هٌبة كتاب عنون له بقوله‪:‬‬ ‫(صحة أصول مذهب أهل المدٌنة)‪ ،‬وٌقصد بهذا مذهب الإِ َمام َمالِك‬‫حٌث ٌقول فً مقدمتة‪ :‬الحمد لله‪ ،‬مذهب أهل المدٌنة النبوٌة‪ ،‬دار السنة‪،‬‬ ‫ودار الهجرة‪ ،‬ودار ال ُّنصرة ‪ ،‬إ ْذ فٌها َس َّن الله لرسوله محمد صلى الله‬‫علٌه وسلم سنن الإسلبم وشرابعه ‪ ،‬وإلٌها هاجر المهاجرون إلى الله‬‫ورسوله‪ ،‬وبها كان الأنصار الذٌن تبوروا الدار والإٌمان من قبلهم ‪،‬‬ ‫مذهبهم فً زمن الصحابة والتابعٌن وتابعٌهم ‪ ،‬أصح مذاهب أهل‬ ‫المدابن الإسلبمٌة شرقا وؼربا‪ ،‬فً الأصول والفروع ( ) ‪.‬‬ ‫لذلك كانت آراإه وأقواله فً مسابل العقابد‪ ،‬وقضاٌا الأسمار‬ ‫والصفات‪ ،‬إنما هً شرح لأقوال الأبمة الأوابل‪ ،‬كؤمثال َمالِك‪،‬‬ ‫والشافعً‪ ،‬وأحمد وؼٌرهم ‪.‬‬ ‫‪ -‬اثٓ ر‪١ّ١‬خ – اٌؼم‪١‬لح اٌ‪ٛ‬اٍط‪١‬خ ‪. 17ٓ ،‬‬ ‫‪١ّ -‬ـ الإٍلاَ اثٓ ر‪١ّ١‬خ‪ٕ ،‬ؾخ إٔ‪ٛ‬ي ِن٘ت أً٘ اٌّل‪ٕ٠‬خ‪. 3ٓ ،‬‬ ‫‪142‬‬

‫‪ -‬عدم الخوض‪ ،‬والبحث فً كنه الله عز وجل( فلب ٌجوز أن ٌسؤل‬ ‫كٌؾ ٌسمع الله تعالى؟ وكٌؾ هو سمعه؟ أو كٌؾ ٌتكلم؟ لأن معرفة‬ ‫الصفات تتوقؾ على معرفة الموصوؾ‪ ،‬ومعرفة كنه الذات الإلهٌة‬ ‫محال على العبد( )‪ ،‬وع َّد الشٌخ محمد البؽدادي‪ :‬من عناصر العقٌدة‪،‬‬ ‫عدم التعرض للحقٌقة والماهٌة فً الذات أو الصفات ( )‪.‬‬ ‫ذكر الطبري فً تفسٌره عند قوله تعالى‪ُ ( :‬ث َّم ا ْست َوى َع َلى‬‫ا ْل َع ْر ِش)( ) لقد كان السلؾ الأول رضً الله عنهم لا ٌقولو ن بنفً‬ ‫الجهة‪ ،‬ولا ٌنطقون بذلك‪ ،‬بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى كما‬ ‫نطق كتابه‪ ،‬وأخبرت رسله‪ ،‬ولم ٌنكر أح فٌد من السلؾ أنه استوى على‬ ‫عرشه حقٌق ًة‪ ،‬وخص العرش بذلك‪ ،‬لأنه أعظم مخلوقاته‪ ،‬وإنما جهلوا‬ ‫كٌفٌة الاستوار‪ ،‬لأنه لا تعلم حقٌقته )( ) ‪.‬‬‫وللمقارنة بٌن عقٌدة الإِ َمام َمالِك وؼٌره من أبمة السلؾ‪ ،‬سنتكلم عن‬‫عقٌدته ‪ -‬رحمه الله‪ -‬فً الأسمار والصفات‪ ،‬لٌكون الأمر أكثر وضوحاً‬ ‫عند إٌراد أقواله بِ َش ْك ٍل خاص ‪.‬‬ ‫عقٌدة الإِ َمام َمالِك فً الأسماء والصفات ‪:‬‬‫لزم الإِ َمام َمالِك فً الأسمار والصفات طرٌق السلؾ الصالح‪ ،‬وكان‬ ‫ٌقؾ على مدلول النص‪ ،‬ولا ٌتجاوز المعنى الواضح فً كتاب الله أو‬ ‫‪-‬ػجل اٌغٕ‪١ّ ٟ‬جٗ‪ِ ،‬جبؽش ف‪ ٟ‬إٔ‪ٛ‬ي اٌؼم‪١‬لح الإٍلاِ‪١‬خ ‪. 79،‬‬ ‫‪ِ-‬ؾّ‪ٛ‬ك ٕبٌؼ اٌجغلاك‪ ،ٞ‬ئهّبك الأٔبَ ف‪ ٟ‬ػمبئل الإٍلاَ‪ ،‬كاه اٌ َج ِّواء‪ ،‬اٌطجؼخ الأ‪. 11 ٓ ،َ1985 ،ٌٝٚ‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح الأػواف ا‪٠٢‬خ ‪. 54‬‬‫‪-‬ػجل الله ِؾّل ثٓ أؽّل الأٖٔبه‪ ، ٞ‬رفَ‪١‬و ال ِإ َِبَ اٌطجو‪ ٞ‬اٌ َُّ َّّ‪ ،ٝ‬اٌغبِغ لأؽىبَ اٌموآْ‪ ،‬رؾم‪١‬ك ػجل اٌوىاق‬ ‫اٌّ‪ٙ‬ل‪ ،ٞ‬كاه اٌىزبة اٌؼوث‪ ، ٟ‬ث‪١‬و‪ٚ‬د‪ٌ ،‬جٕبْ ‪،‬اٌطجؼخ اٌضبٔ‪١‬خ ‪( َ1999‬ط‪. ) 196 ٓ -7‬‬ ‫‪143‬‬

‫سنة المصطفى صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬ولم ٌسلك طرٌق المشبهة‬ ‫أوالمعطلة أو ؼٌرهم من أهل الأهوار والفرق‪ ،‬وكان كما قال أبو طالب‬ ‫الم ِّكً‪ (:‬كان َمالِك أبعد الناس من مذاهب المتكلمٌن وألزمهم لسنة‬ ‫السالفٌن من الصحابة والتابعٌن)( )‪.‬‬ ‫جار فً الفواكه الدوانً ‪ -‬وهً شرح لرسالة أبً زٌد القٌروانً‪،‬‬ ‫الملقب ب َمالِك الصؽٌر‪ ،‬وهو من جهابذة المذهب ال َمالِكً‪ ،‬وقد عاش فً‬ ‫القرن الرابع الهجري‪ ،‬و ُع ِر َؾ بعلو سنده فً الرواٌة عن َمالِك‪ -‬حٌث‬ ‫قال شارحها الإِ َمام النفراوي ال َمالِكً‪( :‬وطرٌق السلؾ كابن شها ٍب‪،‬‬ ‫و َمالِك الإِ َمام‪ ،‬ومن وافقهما من السلؾ الصالح تمنع تؤوٌلها على‬ ‫التفصٌل والتعٌٌن‪ ،‬فٌإمنون بها إجمالاً‪ ،‬وأن المراد منها حتماً لٌس‬ ‫تشبٌه الله بخلقه‪ ،‬تن َّزه الباري جل وعلب عن ذلك‪ ،‬وٌقولون أن لله تعالى‬ ‫استوا ًر وٌداً وؼٌر ذلك كما ٌقول تعالى‪ ،‬مما ورد به الشرع‪ ،‬من كتا ٍب‬ ‫وسن ٍة‪ ،‬ولكن المعنى على التفصٌل لا ٌعلمه إلاَ الله تعالى)( )‪.‬‬ ‫وروي أن َمالِكاً كان فً مجلسه‪ ،‬فجاره رجل‪ ،‬فقال‪ٌ :‬ا أبا عبد الله‪،‬‬ ‫(ال َّر ْح َم ُن َع َلى ا ْل َع ْر ِش ا ْس َت َوى )( )كٌؾ استوى؟ فما وجد َمالِك من‬ ‫شًر ما وجد من مسؤلته‪ ،‬فنظر إلى الأرض‪ ،‬وجعل ٌنكت بعود فً‬ ‫ٌده‪ ،‬حتى علبه الرحضار ( ‪ٌ )‬عنً العرق‪ ،‬ثم رفع رأسه‪ ،‬ورمى‬ ‫بالعود‪ ،‬وقال‪ :‬الاستوار ؼٌر مجهول‪ ،‬والكٌؾ ؼٌر معقول‪ ،‬والإٌمان به‬ ‫‪ِ -‬ؾّل أث‪ ٛ‬ى٘وح ‪َِ ،‬بٌِه ؽ‪١‬برٗ ‪ٚ‬ػٖوٖ آهاؤٖ ‪ٚ‬فم‪.193 ٓ ، ٗٙ‬‬‫‪ -‬أؽّل ثٓ غٕ‪ ُ١‬إٌفوا‪ ٞٚ‬اٌ َّبٌِى‪ - ٟ‬اٌف‪ٛ‬اوٗ اٌل‪ٚ‬أ‪ ٟ‬ػٍ‪ ٝ‬هٍبٌخ أث‪ ٟ‬ى‪٠‬ل اٌم‪١‬و‪ٚ‬أ‪ ،ٟ‬كاه اٌّؼوفخ‪ ،‬ث‪١‬و‪ٚ‬د‪ٌ ،‬جٕبْ‬ ‫‪،‬ط‪. 59ٓ 1‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح ‪ ٗٛ‬ا‪٠٢‬خ ‪. 5‬‬ ‫‪ - ‬اٌوؽ‪ٚ‬بء ف‪ ٟ‬اٌٍغخ ػو ٌق ‪٠‬غًَ اٌغٍل وضوحً‪ ،‬هاعغ ِقزبه اٌمبِ‪. 242 ٓ ًٛ‬‬ ‫‪144‬‬

‫واجب‪ ،‬والسإال عنه بدعة‪ ،‬وأ ُظ ُّنك صاحب بدعة‪ ،‬وأمر به‪ ،‬فؤخرج‪،‬‬ ‫وفً رواٌة‪ ،‬قال له َمالِك‪ :‬وإنً لأظنك ضالاً‪ ،‬فناداه الرجل‪ٌ ،‬ا أبا عبد‬ ‫الله‪ ،‬والله الذي لا إله إلا هو‪ ،‬لقد سؤلت عن هذه المسؤلة أهل البصرة‪،‬‬ ‫والكوفة والعراق‪ ،‬فلم أجد أحداً وفق لما وفقت إلٌه)( )‪.‬‬ ‫ٌقول الأستاذ‪ ،‬محمد عز الدٌن الؽرٌانً‪ ،‬وهو من الدارسٌن‬ ‫والباحثٌن فً المذهب ال َمالِكً‪ ،‬وقد ذكر هذا بالنقل عن كتاب‬ ‫(الإشارات إلى معانً الأسماء والصفات‪ ،‬للأنصاري) حٌث قال‪ :‬إن‬ ‫َمالِكاً ٌقصد بقوله‪( :‬والكٌؾ ؼٌر معقول)‪ ،‬أي كٌؾ صفة ال ُملك أو‬ ‫ال َقهر‪ ،‬أو ؼٌرها ؼٌر معقول‪ ،‬لأن الكلبم فً الصفات فرع عن الكلبم‬ ‫فً الذات‪ ،‬والذات الإلهٌة لا كٌؾ لها‪ ،‬ولقد جار فً بعض الرواٌات‬ ‫عن َمالِك‪ ( ،‬ولا ٌقال كٌؾ‪ ،‬وكٌؾ عنه مرفوع ) ثم استشهد بقول‬ ‫عل ًٍّ‪ -‬رضً الله عنه‪ -‬حٌث قال‪( :‬سبحانه وتعالى عن تكٌٌؾ‬ ‫الصفات)( )‪.‬‬ ‫هكذا كانت عقٌدة الإِ َمام َمالِك ‪ -‬رحمه الله‪ -‬فً مسؤلة الأسمار‬ ‫والصفات‪ ،‬ونستنبط مما سبق من الآثار‪ -‬أ َّن موقؾ الإِ َمام َمالِك فً هذه‬ ‫المسؤلة ٌتب ٌَّن بوضو ٍح‪ ،‬وذلك من خلبل النقاط التالٌة ‪:‬‬ ‫‪ -‬كان الإِ َمام َمالِك‪ -‬رحمه الله‪ٌ -‬تعاظم الخوض‪ ،‬فً مسابل الأسمار‬ ‫والصفات‪ ،‬والحدٌث عن الذات العلٌة‪ ،‬وك ْن ِه الله سبحانه وتعالى‪ ،‬مما‬ ‫‪ -‬أث‪ ٛ‬ثىو أؽّل ثٓ اٌؾَ‪ ٓ١‬اٌج‪ٙ١‬م‪،ٟ‬الأٍّبء ‪ٚ‬اٌٖفبد‪،‬رؾم‪١‬ك ػجل الله ثٓ ِؾّل اٌؾبّل‪ِ ،ٞ‬ىزجخ اٌَ‪ٛ‬اك‪ٞ‬‬ ‫ٌٍز‪ٛ‬ى‪٠‬غ‪،‬علح‪،‬اٌطجؼخ الأ‪ٚ‬ي‪-َ1993 ،ٜ‬ط‪ٚ ،306 ٓ2‬أظو‪ِ -‬ؾّل أث‪ ٛ‬ى٘وح ‪َِ ،‬بٌِه ؽ‪١‬برٗ ‪ٚ‬ػٖوٖ ٓ‪. 193‬‬‫‪ِ -‬ؾّل ػي اٌل‪ ٓ٠‬اٌغو‪٠‬بٔ‪ٍٍٍَ ،ٟ‬خ اػزلاي اٌزٖ‪ٛ‬ف( ا‪٠٢‬بد اٌّزْبث‪ٙ‬خ ث‪ ٓ١‬اٌزأ‪ٚ ،ً٠ٚ‬اٌزف‪ٚ ،٘٠ٛ‬الإصجبد) ِطبثغ‬ ‫‪ٛ‬واثٌٍ‪. 88ٓ ،2001 ،‬‬ ‫‪145‬‬

‫أم َسك عنه السلؾ الصالح رضوان الله علٌهم‪ ،‬قال بن حجر‪ ( :‬وممن‬ ‫كره التحدٌث ببعض دون بعض أحمد فً الأحادٌث التً ظاهرها‬ ‫الخروج على السلطان‪ ،‬و َمالِك فً أحادٌث الصفات‪ ،‬وأبو ٌوسؾ فً‬ ‫الؽرابب)( )‪.‬‬‫ومما ٌإكد كراهٌة َمالِك الحدٌث فً مسابل الصفات‪ ،‬وأنه كان ٌمتنع‬ ‫من القول فً قضاٌا الؽٌبٌات‪ ،‬رواٌة ابن رشد عن سحنون‪ ،‬فقد قال‬ ‫سحنون‪ :‬أخبرنً بعض أصحاب َمالِك أنه كان قاعداً عند َمالِك‪ ،‬فؤتاه‬ ‫رجل فقال‪ٌ :‬ا أبا عبد الله‪ :‬مسؤل فٌة‪ ،‬فسكت عنه‪ ،‬ثم عاد علٌه‪ ،‬فرفع إلٌه‬ ‫َمالِك رأسه كالمجٌب له‪ ،‬فقال له السابل‪ٌ :‬ا أبا عبد الله‪( :‬الرحمن على‬ ‫العرش استوى) كٌؾ كان استواإه؟ قال‪ :‬فطؤطؤ َمالِك رأسه ساعة ثم‬‫رفع‪ ،‬فقال سؤلت عن ؼٌر مجهول‪ ،‬وتكلمت فً ؼٌر معقول‪ ،‬ولا أراك‬ ‫إلا امرر سو ٍر أخرجوه ( ) ‪.‬‬ ‫ولٌس أبٌن من هذه الرواٌة لسحنون‪ ،‬فً توضٌح موقؾ َمالِك من‬ ‫الحدٌث فً قضاٌا الاعتقاد‪ ،‬التً مرد علمها الحقٌقً لله وحد ‪.‬‬ ‫ومع هذا فإننا نقول‪ :‬أن َمالِكاً‪ -‬رحمه الله‪ -‬ما كان لٌسكت عن بٌان‬ ‫كذب المفترٌن‪ ،‬وتوضٌح زٌؾ الضالٌن‪ ،‬من أهل البدع والأهوار‪ ،‬قال‬ ‫الإِ َمام ابن عبد ال َب ِّر‪ :‬الجماعة على ما قال َمالِك‪ -‬رحمه الله‪ -‬إلا أن‬ ‫‪ -‬فزؼ اٌجبه‪ ٞ‬ط‪. 200 ٓ 1‬‬ ‫‪-‬ال ِإ َِبَ َِب ٌِه ِفَواً‪ ،‬ؽّ‪١‬ل ٌؾّو‪. 274ٓ ،‬‬ ‫‪146‬‬

‫ٌضطر أحد إلى الكلبم‪ ،‬فلب ٌسعه السكوت إذا طمع فً رد الباطل‪،‬‬ ‫وصرؾ صاحبه عن مذهبه‪ ،‬وخشً ضلبل ًة عامة‪ ،‬أو نحو ذلك( ) ‪.‬‬ ‫‪ -‬المعرفة بالله تعالى لا تتوقؾ‪ ،‬على المعرفة بكنهه ولا بكنه صفاته‬ ‫التً حجبها عن خلقه‪ ،‬وقد ذكر هذا القاضً أبوٌعلى محمد بن الحسٌن‬ ‫الفرار الذي كان رأٌه فً مسؤلة الأسمار والصفات موافقاً لرأي الإِ َمام‬ ‫َمالِك‪ ،‬وهو حنبلً المذهب‪ ،‬وقد عاش فً القرن الرابع الهجري‪ ،‬ومن‬ ‫جملة ما ذكره فً هذه المسؤلة‪ :‬فً جمٌع ما وصؾ الله به نفسه‪ ،‬أو‬ ‫وصفه به رسوله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬فإن جمٌع ذلك صفات لله عز‬ ‫وجل ُتم ُّر كما جارت‪ ،‬من ؼٌر زٌادة ولا نقصان‪ ،‬وقال أٌضاً‪ :‬إنما هو‬ ‫إثبات وجود‪ ،‬لا إثبات حدود‪ ،‬لها حقٌقة فً علمه‪ ،‬لم ٌُطلع الباري‬ ‫سبحانه على ُكنه معرفتها أحداً من إنس ولا جا ّن( )‪.‬‬ ‫‪ -‬إن هذه المسابل توقٌف ٌَّه‪ ،‬ولٌست تحلٌلٌة‪ ،‬ومن ادعى أنه ٌمكنه أن‬ ‫ٌتكلم فٌها برأٌه‪ ،‬فقد قال على الله بؽٌر بصٌر ٍة‪ ،‬وقفا ما لٌس له به عل ٍم‪،‬‬ ‫وقد قال الله تعالى ( َولاَ َت ْق ُؾ َما لَ ٌْ َس لَ َك ِب ِه ِع ْل ٌفم إِ َّن ال َّس ْم َع َوا ْل َب َص َر‬ ‫َوا ْلفُ َإا َد ُك ُّل أُولـبِ َك َكا َن َع ْن ُه َم ْس ُإولاً )( ) ‪.‬‬ ‫‪ -‬إن توحٌد الله تبارك وتعالى بؤسمابه الحسنى وصفاته العلى‪،‬‬ ‫ٌستلزم الإٌما َن بها كما أتت فً كتاب الله‪ ،‬وعلى لسان رسوله صلى الله‬ ‫علٌه وسلم‪ -‬من ؼٌر تحرٌ ٍؾ‪ ،‬ولا تؤوٌ ٍل‪ ،‬ولا تمثٌ ٍل‪ ،‬ولا تعطٌ ٍل ‪.‬‬ ‫‪ -‬عبِغ ث‪١‬بْ اٌؼٍُ‪ ،‬لاثٓ ػجل اٌ َج ِّو ٓ‪. 364‬‬‫‪ -‬اٌمب‪ ٟٙ‬أث‪٠ ٟ‬ؼٍ‪ِ ٝ‬ؾّل ثٓ اٌؾَ‪ ٓ١‬اثٓ ِؾّل ثٓ اٌفواء‪ ،‬ئثطبي اٌزأ‪ ً٠ٚ‬لأفجبه اٌٖفبد‪ ،‬رؾم‪١‬ك ‪ٚ‬كهاٍخ ‪ :‬أث‪ ٟ‬ػجل‬ ‫الله ِؾّل ثٓ ؽّل اٌؾّ‪ٛ‬ك إٌغل‪ ،ٞ‬كاه ئ‪٠‬لاف اٌل‪١ٌٚ‬خ ٌٍْٕو‪ ،‬اٌى‪٠ٛ‬ذ‪( ،‬ثل‪ ْٚ‬ربه‪٠‬ـ ‪ٛ‬جؼخ) ط‪. 18ٓ1‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح الإٍواء ا‪٠٢‬خ ‪. 36‬‬ ‫‪147‬‬

‫‪ -‬إن َمالِكاً رحمه الله‪ٌ ،‬عتبر الكلبم فً أسمار الله وصفاته‪ ،‬علبم ٌفة‬ ‫على الضلبل والؽ ًِّ‪ ،‬وهو من الابتداع فً الدٌن‪ ،‬والزٌػ فً العقٌدة‪،‬‬ ‫قال تعالى‪ ( :‬قُ ْل إِ َّن الَّ ِذٌ َن ٌَ ْف َت ُرو َن َع َلى ال ّل ِه ا ْل َك ِذ َب لاَ ٌُ ْفلِ ُحو َن ) ( )‪.‬‬‫‪ -‬إن عقٌدة َمالِك فً الأسمار والصفات تتوافق تماماً مع عقٌدة ؼٌره‬‫من أبمة السلؾ‪ ،‬على الرؼم من كونه كان ٌتعاظم الخوض فً ذات الله‬ ‫عز وجل كما مر علٌنا‪ ،‬ولهذا ٌقول الأستاذ‪ -‬سعود الدعٌجان‪ :‬وكان‬ ‫َمالِك ٌمسك عن هذا الباب‪ ،‬من قبٌل التعظٌم لله تعالى‪ ،‬فقد كان الأبمة‬ ‫المعتبرٌن‪ ،‬ومن َسارعلى منهج السلؾ الأول‪ٌ ،‬رون أن البحث فً‬ ‫مسؤلة الصفات‪ ،‬لا ٌوصل إلى شًر‪ ،‬وهذا هومذهب َمالِك فً هذه‬ ‫المسؤلة ( )‪.‬‬ ‫وهو القول الأسلم‪ ،‬والمذهب الأحوط‪ ،‬ولهذا ٌقول ابن كثٌر ‪ -‬رحمه‬ ‫الله‪ ،-‬وهو من أرباب المدرسة الشافعٌة فً الفقه والمذهب‪ ،‬ولك َّنه كما‬ ‫سبق وأشرنا‪ ،‬كان معتقده فً الأسمار والصفات‪ ،‬موافقاً لمنهج الإِ َمام‬ ‫َمالِك‪ ،‬ولم ٌخالفه فً هذه المسؤلة‪ ،‬وقد كان الإِ َمام َمالِك متقدماً علٌه‬‫بفترة طوٌل ٍة‪ ،‬حٌث كان مجٌبه بعد الإِ َمام َمالِك بؤكثر من خمسة قرون‪،‬‬‫جار فً تفسٌره لقول الله تعالى‪ ( :‬ال َّر ْح َم ُن َعلَى ا ْل َع ْر ِش ا ْس َت َوى )‪ :‬قوله‪:‬‬‫وإنما نسلك فً هذا المقام مذهب السلؾ الصالح – َمالِك‪ ،‬والأوزاعً‪،‬‬ ‫والثوري‪ ،‬واللٌث بن سعد‪ ،‬والشافعً‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وإسحاق بن راهوٌه‪،‬‬ ‫وؼٌرهم من الأبمة‪ ،‬قدٌماً وحدٌثاً‪ ،‬وهو إمرارها كما جارت من ؼٌر‬‫‪٘1427‬ـ ‪،‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح ‪. 69 ٌٔٛ٠‬‬ ‫‪ٍ -‬ؼ‪ٛ‬ك ػجل الله اٌلػ‪١‬غبْ‪ِٕٙ ،‬ظ ال ِإ َِبَ َِبٌِه ف‪ ٟ‬ئصجبد اٌؼم‪١‬لح‪،‬كاه ا‪٢‬صبه‪ ،‬اٌمب٘وح‪ ،‬اٌطجؼخ الأ‪،ٌٝٚ‬‬ ‫ٓ ‪. 156‬‬ ‫‪148‬‬

‫تكٌٌ ٍؾ‪ ،‬ولا تشبٌ ٍه‪ ،‬ولا تعطٌ ٍل‪ ،‬والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهٌن‬ ‫منف ًٌّ عن الله‪ ،‬فإن الله لا ٌشبهه شً ٌفر من خلقه فالله تعالى‪( :‬لٌس كمثله‬ ‫شً فٌر وهو السمٌع البصٌر) بل الأمر‪ ،‬كما ذكر الأبمة منهم‪ ،‬نعٌ فٌم ابن‬ ‫حماد الخزاعي شٌخ البخاري‪ ،‬حٌث قال‪ :‬من ش َّبه الله بخلقه كفر‪ ،‬ومن‬ ‫جحد ما وصؾ الله به نفسه فقد كفر‪ ،‬ولٌس فٌما وصؾ الله به نفسه‪،‬‬‫ولا ما وصفه به رسوله تشبٌ ٌفه‪ ،‬فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآٌات‬‫الصرٌحة‪ ،‬والأخبار الصحٌحة‪ ،‬على الوجه الذي ٌلٌق بجلبل الله‪ ،‬ونفى‬ ‫عن الله تعالى النقابص‪ ،‬فقد سلك سبٌل الهدى ( ) ‪.‬‬ ‫والح ُّق إن هذا الكلبم كلب ٌفم ف ْص فٌل‪ٌ ،‬وضح ما كان علٌه سلؾ هذه‬ ‫الأمة فً القرن الأول‪ ،‬ثم الذٌن ٌلونهم‪ ،‬ومن جار بعدهم ِمن التابعٌن‪،‬‬ ‫ثم َمن تبعهم بإحسان إلى ٌوم الدٌن ‪.‬‬ ‫وعلى هذا نقول‪ :‬إن هذا هو منهج الإِ َمام َمالِك‪ -‬رحمه الله‪ -‬فً‬ ‫الأسمار والصفات‪ ،‬وهو حقٌق ًة المنهج الأعقل فً الدعوة إلى الله‪ ،‬فلو‬ ‫أراد أي داعٌ ٍة أوعال ٍم مسلم‪ -‬أن ٌدعو إلى الإسلبم‪ ،‬فإنه مطال ٌفب‬‫بنصوص الشرٌعة الإسلبمٌة‪ ،‬وأوامرالدٌن أن ٌبٌن الحق‪ ،‬وٌبلػ رسالة‬ ‫الإسلبم بتوضٌح تعالٌمه‪ ،‬وبٌان ما افترضه الله تعالى على عباده‪،‬‬ ‫وتبٌان ما أعده الله ع َّز وج َّل للطابعٌن من الثواب العظٌم‪ ،‬وأن ٌحذر‬ ‫ال َّناس من سخطه و عذابه‪ ،‬وأ َّن الدابرة على من عصاه‪ٌ ،‬قول بن‬ ‫‪ -‬ئٍّبػ‪ ً١‬ثٓ ػّو ثٓ وض‪١‬و‪ ،‬رفَ‪١‬و اٌموآْ اٌؼظ‪ٌ ُ١‬جٓ وض‪١‬و‪،‬اٌطجؼخ الأ‪ِ،ٌٝٚ‬ىزجخ إٌ‪ٚٙ‬خ‬ ‫اٌؾل‪٠‬ضخ‪،‬اٌمب٘وح‪ِٖ،‬و‪1965 ،‬ط‪.238 ٓ -2‬‬ ‫‪149‬‬

‫خزٌمة فً كتاب التوحٌد‪ :‬فنحن نإمن بخبر الله جل وعلب‪ ،‬أ َّن خالقنا‬ ‫مست ٍو على عرشه‪،‬لا نبدل كلبم الله الذي قٌل لنا( )‪.‬‬ ‫وإنما قصد بهذا‪ -‬تتبع أثر الإِ َمام َمالِك الوارد فً مسؤلة الاستوار‪،‬‬ ‫كما سبق وذكرنا ذلك فً مطلع حدٌثنا عن رأي الإِ َمام َمالِك فً مسابل‬ ‫الأسمار والصفات‪ ،‬وقد وصؾ الله عز وجل نفسه الكرٌمة بؤوصاؾ‬ ‫الكمال والجمال‪ ،‬وأنه سبحانه له الأسمار الحسنى‪ ،‬والصفات العلى‪،‬‬ ‫حٌث قال جل شؤنه‪َ ( :‬و ِل ّلهِ الاَ ْس َمار ا ْل ُح ْس َنى َفا ْد ُعوهُ بِ َها َو َذ ُرو ْا الَّ ِذٌ َن‬ ‫ٌُ ْل ِح ُدو َن فًِ أَ ْس َمآ ِب ِه َس ٌُ ْج َز ْو َن َما َكا ُنو ْا ٌَ ْع َملُو َن)( ) ‪.‬‬ ‫وتح ُّفظ َمالِك عن الخوض فً قضاٌا الأسمار والصفات‪ ،‬هو الذي‬ ‫ٌف ِّسر قلَّة الآثار الواردة عنه فً هذا الباب‪ ،‬حتى صار هذا دٌدن‬‫تلبمذته‪ ،‬ومن أصول مذهبه‪ ،‬مما جعل التصانٌؾ فً المذهب ال َمالِكً‪،‬‬‫ت َّتجه إلى الكتابة فً أبواب الفقه والعبادات‪ ،‬أكثر منها فً جانب العقابد‬ ‫()‪.‬‬‫وهذا الرأي الذي ٌراه َمالِك‪ -‬رحمه الله تعالى‪ -‬فً إجرار النصوص‬ ‫الواردة فً الأسمار والصفات على ظاهرها‪ ،‬والتفوٌض فً علم‬‫حقٌقتها لله وحده‪ٌ ،‬دل علٌه قول الله تعالى‪َ (:‬و ِل ّل ِه الاَ ْس َمار ا ْل ُح ْس َنى َفا ْد ُعو ُه‬‫بِ َها َو َذ ُرو ْا الَّ ِذٌ َن ٌُ ْل ِح ُدو َن فًِ أَ ْس َمآ ِب ِه َس ٌُ ْج َز ْو َن َما َكا ُنو ْا ٌَ ْع َملُو َن)( )‪ ،‬قال‬ ‫الإِ َمام الفخر الرازي‪ -‬رحمه الله‪ -‬عند تفسٌر هذه الآٌة‪( :‬معنى الإلحاد‬ ‫‪ -‬ثٓ في‪ّ٠‬خ ‪ ،‬وزبة اٌز‪ٛ‬ؽ‪١‬ل‪ِ ،‬ىزجخ اٌىٍ‪١‬بد الأى٘و‪٠‬خ‪ ،‬اٌمب٘وح‪. 101 ٓ َ1988 ،‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح الأػواف ا‪٠٢‬خ ‪.‬‬ ‫‪ِٕٙ -‬ظ ال ِإ َِبَ َِبٌِه ف‪ ٟ‬ئصجبد اٌؼم‪١‬ل‪ ،‬اٌلػغبْ‪. 384ٓ ،‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح الأػواف ا‪٠٢‬خ ‪. 180‬‬ ‫‪150‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook