Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore Imam Malik's Doctrine of Faith and Practice

Imam Malik's Doctrine of Faith and Practice

Published by salemfaraj1971, 2017-05-19 12:01:29

Description: This book studies the belief of imam Malik, particularly his concept of faith and the external expression thereof. It examines the first two eras of Islam, that of the Companions and Followers, which preceded him and their influence on his methodology of formulating his theological and legal views. It further looks at his approach to the textual evidences and his attitude towards speculative reasoning (kalam) regarding theological issues.

Keywords: Imam Malik's Doctrine

Search

Read the Text Version

‫والاستٌفار‪ ،‬وابن برد‪ -‬بشار بن برد العقٌلً‪ -‬المتوفى سنة ‪167‬ه ـ‪ ،‬وله‬ ‫مخطوطة شعرٌة فً المكتبة الآصفٌة بالهند ( ) ‪.‬‬‫ومنهم كذلك الفراهٌدي الخلٌل بن احمد‪ -‬المتوفى سنة ‪180‬ه ـ‪ ،‬وله‬ ‫كتاب العروض ‪ ،‬وكتاب الشواهد والاٌقاع ‪ ،‬وأبو ٌوسؾ ٌعقوب بن‬‫إبراهٌم‪ -‬المتوفى سنة ‪182‬هـ‪ ،‬وله كتاب الخراج ‪ ،‬وعالم‬‫النحوالمعروؾ‪ -‬سٌبوٌه عمرو ابن عثمان‪ -‬المتوفى سنة ‪183‬ه ـ‪ ،‬وله‬ ‫كتاب سٌبوٌه( )‪.‬‬ ‫انٌالاً ‪ :‬تنظٌم العلوم الإسلامٌة ‪:‬‬‫وصلت العلوم الإسلبمٌة درجة عالٌة من الدقة والتنظٌم ‪ ،‬والاهتمام‬ ‫والمتابعة‪ ،‬فً العصر العباسً الأول ‪ ،‬حٌث ظهرت فٌه علوم متنوعة‬‫وممٌزة‪ ،‬فقد شهد هذا العصر مٌلبد علم جدٌد هو علم تفسٌر القرآن‬ ‫الكرٌم‪ ،‬و َف ْصله عن علم الحدٌث ‪ ،‬حتى صار ك ٌّل منهما علماً مستقلبًّ‬ ‫بقواعد ِه وأصول ِه‪ ،‬ومن ممٌزات هذا العصر ما ٌلً‪:‬‬‫‪ ‬عاش فً هذا العصر أبمة الفقه الأربعة ‪:‬أبوحنٌفة النعمان‬ ‫المتوفى سنة (‪150‬هـ ) و َمالِك بن أنس الأصبحً المتوفى سنة‬‫(‪179‬هـ) ومحمد بن إدرٌس الشافعً المتوفى سنة (‪ 204‬هـ) وأحمد‬ ‫بن حنبل المتوفى سنة (‪241‬هـ) ( ) ‪.‬‬ ‫‪ -‬ؽَٓ ئثوا٘‪ ُ١‬ؽَٓ‪ ،‬ربه‪٠‬ـ الإٍلاَ‪.َ1991 ،‬ط‪. 123 ٓ2‬‬ ‫‪ -‬اٌّوعغ اٌَبثك ط‪. 128 ٓ 2‬‬ ‫‪ِ -‬ؾّل ٔبك‪ ٞ‬ػج‪١‬لاد ‪َِ ،‬بٌِه ‪ٚ‬أصوٖ ف‪ ٟ‬ػٍُ اٌؾل‪٠‬ش ‪ ،‬هٍبٌخ كوز‪ٛ‬هاح ‪ ،‬وٍ‪١‬خ إٔ‪ٛ‬ي اٌل‪ ، ٓ٠‬الأى٘و اٌْو‪٠‬ف ‪،‬‬ ‫‪. 6ٓ ،1972‬‬ ‫‪51‬‬

‫‪ ‬ظهرت فً الفقه الإسلبمً مدرستان علمٌتان كبٌرتان ‪ ،‬هما‬ ‫مدرسة أهل الرأي فً العراق فً الكوفة والبصرة ‪ ،‬ومدرسة أهل‬ ‫الحدٌث فً المدٌنة المنورة ‪.‬‬‫‪ ‬اشتهر كذلك فً هذا العصر أبمة النحو ‪ ،‬وظهرت من علوم‬ ‫اللؽة مدرستان مشهورتان عرفتا فً ذلك العصر وحتى زماننا هذا‬‫هما‪ :‬مدرسة البصرة ‪ ،‬ومدرسة الكوفة فً العراق ‪ ،‬وكان فً هذا‬‫العصر من أبمة النحاة البصرٌٌن ‪:‬عٌسى بن عمر الثقفً المتوفى سنة‬‫(‪149‬هـ )‪ ،‬و الخلٌل بن احمد المتوفى سنة (‪175‬هـ )‪ ،‬و الأخفش‬ ‫المتوفى سنة (‪177‬هـ)‪ ،‬وسٌبوٌه المتوفى سنة (‪180‬هـ ) ( )‪.‬‬ ‫المبحث ال الث – تعرٌف بالإِ َمام َمالِك وسٌرته ‪:‬‬ ‫نسبه ومولده ‪:‬‬‫هو أبو عبد الله المدنً‪َ ،‬مالِك بن أنس بن َمالِك بن أبً عامر بن عمر‬ ‫بن الحارث بن ؼٌمان بن خثل بن عمر بن الحارث‪ ،‬وهو من عابل ٍة‬ ‫عربٌ ٍة عرٌق ٍة‪ ،‬تسمى ذي إصبح‪ ،‬من قبٌل ِة حمٌر بن سبؤ‪ ،‬فهو من‬ ‫العرب الأصلٌٌن‪.‬‬ ‫ونسبه الذي اشتهر به‪ ،‬هو َمالِك بن أنس بن َمالِك بن أبً عامر‬ ‫الأصبحً الٌمنً‪ ،‬نسبة إلى قبٌلة ذي إصبح‪ ،‬ومن الجدٌر بالذكر أ َّن‬ ‫أصحاب هذه التسمٌة كانوا من ملوك الٌمن ( )‪.‬‬ ‫‪ -‬ؽَٓ ئثوا٘‪ ُ١‬ؽَٓ ‪ ،‬ربه‪٠‬ـ الإٍلاَ ‪.َ1991 ،‬ط‪. 131 ٓ2‬‬ ‫‪ -‬ػجل اٌؾٍ‪ َٟ‬اٌغٕل‪َِ ٞ‬ب ٌِه ثٓ أٌٔ ئِبَ كاه اٌ‪ٙ‬غوح ٓ ‪. 51‬‬ ‫‪52‬‬

‫وأمه هً العالٌة بنت شرٌك الأزدٌة‪ ،‬وعلى هذا فإن أباه وأمه‬ ‫عربٌان ٌمنٌان‪ ،‬ولقد أوضح العلبمة محمد أبو زهرة فقال رحمه الله‪:‬‬ ‫فً المسؤلة التً أثٌرت حول والدي َمالِك‪ ،‬أنهما كانا مملوكٌن‪ ،‬ولٌسا‬ ‫من العرب الاقحاح‪ ،‬ما ٌلً ‪:‬‬‫الرواٌة الأولى‪ٌ :‬ذكر القاضً ِع ٌَاض فً كتابه ترتٌب المدارك‪ :‬أ ّن‬ ‫أم َمالِك كانت مولا ًة‪ ،‬وأن اسمها طلٌحة‪ ،‬وكانت مولاة لعبد الله بن‬ ‫معمر‪ ،‬وأجاب عن هذا‪ ،‬أن هذه الرواٌة قد ذكرت من طرٌ ٍق ضعٌؾ‬ ‫ٌدل على أن المشهور ؼٌرها‪ ،‬وهً الرواٌة الأولى‪ ،‬وهً أصح من‬ ‫هذه الرواٌة أي أنها ٌمنٌة أزدٌة‪ ،‬وهذا ما رجحه‪ ،‬فكٌؾ نترك ما هو‬‫مشهور وصحٌح ونؤخذ بالرواٌة الضعٌفة‪ ،‬ولم ٌقم دلٌ فٌل على رجحانها؟‬ ‫!‬ ‫الرواٌة ال انٌة‪ :‬ما ذكره البعض من أن َمالِكاً وأسرته كانوا من‬ ‫الموالً‪ ،‬وٌذكرون أن جده الأعلى أبا عامر كان من موالً بنً تٌ ٍم‪،‬‬‫وهم العابلة التً ٌنتمً إلٌها أبو بكر الصدٌق رضً الله عنه‪ ،‬فهو على‬ ‫هذا الادعار قرشً بالولار( ) وقد ورد ذكر عمه أبً سهٌل على أنه‬ ‫من الموالً– وأجٌب عن هذا بؤن َمالِكا ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬قد أنكر ذلك‪،‬‬ ‫وبٌن أن نسبه عربً ق ٌّح لٌس فٌه ولار ‪.‬‬ ‫وذكر كذلك أن من الأسباب التً ساعدت فً تروٌج هذه الشابعات‬‫أوالادعارات إذا صح التعبٌر‪ ،‬أنه كان بٌن َج ِّد َمالِك وبٌن عبد الرحمن‬ ‫بن عثمان بن عبد الله‪ِ ،‬حل ٌفؾ‪ ،‬ولٌس ولا ٌفر‪ ،‬وال ِحلؾ ٌكون بٌن العرب‬ ‫‪ -‬اٌ‪ٛ‬لاء ػٕل اٌؼوة ‪٠‬ى‪ ْٛ‬ث‪ ٓ١‬اٌؼجل اٌّؼزك ‪ ِٓٚ‬أػزمٗ ‪-‬‬ ‫‪53‬‬

‫الأحرار‪ ،‬والولار لا ٌكو ن إلا بٌن عربً ومولى‪ ،‬ولقد قال أبو سهٌل‬ ‫عم َمالِك فً بٌان نسبهم‪ ،‬نحن قوم من بنً إصبح‪ ،‬قدم جدنا المدٌنة‪،‬‬ ‫فتزوج من التٌمٌٌن‪ ،‬فكان معهم ونسبنا إلٌهم‪.‬‬ ‫ومهما ٌكن الأمر فؽاٌة ما هنالك‪ ،‬أن الحلؾ الذي عقد كان نتٌج ًة‬‫طبٌعٌ ًة للعلبقة التً ربطت العابلتٌن بعلبقة المصاهرة التً أثمرت ذلك‬ ‫التناصر الذي توثقت عروته( ) ‪.‬‬ ‫و ٌُذكر كذلك أن َمالِكاً بن أبً عام ٍر جار من الٌمن‪ ،‬وقٌل إن عامراً‬‫هو الذي قدم إلى المدٌنة من الٌمن ٌشكو من الوالً‪ ،‬فلقً عبد الرحمن‬ ‫بن عثمان بن عبٌد الله التٌمً‪ ،‬فصار بٌنهما حل فٌؾ أو ولار وعبد‬ ‫الرحمن هو ابن أخً طلحة بن عبٌد الله التٌمً‪ ،‬أحد العشرة المبشرٌن‬ ‫بالجنة‪ ،‬وقبٌلة بنو تٌم هً القبٌلة التً ٌنتمً إلٌها الصحابً الجلٌل‬‫صاحب رسول الله‪ ،‬وثانً اثنٌن إذ هما فً الؽار‪ ،‬أب و بكر الصدٌق‬ ‫رضً الله عنه ( )‪.‬‬‫وتذكر الرواٌات أن جد الإِ َمام َمالِك هو التابعً َمالِك بن عمر‪ ،‬الذي‬ ‫كان ٌروي الحدٌث عن عابشة وعمر وطلحة وأبً هرٌرة وعثمان‬ ‫رضً الله عنهم أجمعٌن‪.‬‬ ‫وٌذكر بعض العلمار أنه من بٌن الك َّتاب الذٌن كانوا ٌكتبون‬ ‫المصاحؾ للخلٌفة عثمان رضً الله عنه ( )‪ ،‬وكان شاباً فً ذلك‬ ‫‪ِ -‬ؾّل أث‪ٛ‬ى٘وح ‪َِ ،‬بٌِه ؽ‪١‬برٗ ‪ٚ‬ػٖوٖ ‪. 27 ٓ ،‬‬ ‫‪ -‬ػجل اٌؾٍ‪ ُ١‬اٌغٕل‪َِ ، ٞ‬بٌِه ثٓ أٌٔ ٓ‪ 51‬ئِبَ كاه اٌ‪ٙ‬غوح ‪.‬‬ ‫‪ -‬ػجل اٌؾٍ‪ ُ١‬اٌغٕل‪َِ ،ٞ‬ب ٌِه ثٓ أٌٔ ئِبَ كاه اٌ‪ٙ‬غوح ٓ ‪. 50‬‬ ‫‪54‬‬

‫الوقت‪ ،‬بحٌث كان له جلد وصبر على تلقً العلم من فقهار الصحابة‪،‬‬‫ومن له بسط فٌة فً العلم منهم‪ ،‬وطال عمر جد الإِ َمام َمالِك حتى بعد وفاة‬ ‫الخلٌفة عثمان رضً الله عنه سنة ‪35‬هـ‪ ،‬وامتدت حٌاته إلى عام‬‫‪112‬هـ‪ ،‬حٌث إنه حضر ولادة َمالِك وترعرع فً أحضانه‪ ،‬ورأى بؤم‬‫عٌنٌه نشؤ َته وهو شاب‪ ،‬ونبوؼه ؾي العلم‪ ،‬وهو حدث فً السن‪ ،‬وتمٌزه‬ ‫على أقرانه ‪.‬‬ ‫مولده ‪:‬‬‫ولد َمالِك‪ -‬رحمه الله ‪ -‬سنة \" ‪ 93‬هـ\"بالمدٌنة المنورة‪ ،‬ولقد رو ي أن‬ ‫َمالِكاً قال‪( :‬ولدت سنة ثلبث وتسعٌن)‪ ،‬ولقد جارت عدة رواٌا ٍت فً‬‫ذكر تاريخ ولادته‪ -‬فمن قول أنه ولد سنة ‪ 95‬هـ‪ ،‬وقٌل سنة ‪ 96‬هـ‪،‬‬‫ومن قال إنه ولد سنة ‪ 98‬هـ‪ ،‬ولكن المشهور والصحًح وهو ما اختاره‬‫العلبمة محمد أبوزهرة ‪ -‬رحمه الله‪ -‬أ َّن َمالِكاً ولد فً المدٌنة سنة‪93-‬هـ‬ ‫الموافق‪715 -‬م‪ ،‬وهً الرواٌة المنسوبة للئمام نفسه‪ ،‬وأكثر الرواٌات‬ ‫على ذلك‪ ،‬و ٌذكر أن الإِ َمام َمالِكاً قال‪ :‬ولدت فً العام الذي عزل فٌه‬ ‫عمر بن عبد العزٌز عن ولاٌة المدٌنة( ) ‪.‬‬ ‫وقد كانت ولادته بالمدٌنة‪ ،‬وبها ترعرع ونشؤ‪ ،‬ومن معٌنها الصافً‬ ‫شرب‪ ،‬وبها تعلم الفقه والعلم‪ ،‬وعلى ٌد شٌوخها وجهابذتها صقلت‬ ‫عبقرٌته‪ ،‬ونمت وترعرعت‪ ،‬وتفتحت بصٌرته للعلم ‪.‬‬ ‫نشـؤته ‪:‬‬ ‫‪ -‬ػجل اٌؾٍ‪ ُ١‬اٌغٕل‪َِ ،ٞ‬ب ٌِه ثٓ أٌٔ ئِبَ كاه اٌ‪ٙ‬غوح ٓ‪47‬‬ ‫‪55‬‬

‫نشؤ َمالِك فً بٌت اشتهر بالعناٌة بعلم السلؾ والاهتمام بحفظ‬ ‫الآثار‪ ،‬والأحادٌث النبوٌة الشرٌفة‪ ،‬فج ُّد َمالِك بن أبً عامر كان من‬‫كبار التابعٌن وعلمابهم‪ ،‬روى عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان‪،‬‬‫وطلحة بن عبٌد الله‪ ،‬وعابشة أم المإمنٌن‪ ،‬وقد روى عنه بنوه‪ -‬أنس أبو‬ ‫َمالِك‪ ،‬وربٌع‪ ،‬ونافع المكنى بؤبً سهٌل( ) ‪.‬‬ ‫و مما ٌنبؽً الإشارة إلٌه هنا ـ أ َّن من الأشٌار التً أ َّث َرت فً الإِ َمام‬ ‫َمالِك وأ ْث َر ْت علمه‪ ،‬البٌبة التً عاش فٌها وأظلَّته سماإها‪ ،‬والجو الذي‬‫كان ٌتقلب فٌه‪ ،‬فهً مهبط الوحً‪ ،‬ودوحة الإٌمان‪ ،‬وموطن المهاجرٌن‬ ‫والأنصار من الصحابة‪ ،‬والمواقؾ التً م َّرت بالإسلبم والمسلمٌن فً‬ ‫عهد النبوة وفً عهد الخلبفة الراشدة وما بعدها‪ ،‬حتى كان عمر بن‬ ‫عبد العزٌز رضً الله عنه ٌكتب إلى الأمصار ٌعلِّ ُمهم الس َّنة والفقه‪،‬‬ ‫وٌكتب إلى أهل المدٌنة ٌسؤلهم ع َّما مضى‪ ،‬وٌعمل بما عندهم‪ ،‬وقد‬ ‫ساهمت هذه الأمور مجتمعة فً صقل شخصٌة الإِ َمام َمالِك‪ ،‬وجعلتها‬ ‫مستعدة لخوض ؼمار مٌادٌن الفقه والفتوى‪ ،‬وهً والله لخٌر أرض‬ ‫لخٌر نبت ٍة ترعرعت فً بٌت الإٌمان والتقوى ( ) ‪.‬‬ ‫َمالِك وطلبه للعلم وانتقاإه للمشاٌخ ‪:‬‬ ‫بدأ الإِ َمام َمالِك ٌطلب العلم صؽٌراً‪ ،‬وقد أ َّثرت فٌه البٌبة التً نشؤ‬ ‫فٌها‪ ،‬وتبعاً لتوجٌه أمه له‪ ،‬فقد ُحكً أنه كان ٌرٌد أن ٌتعلم الؽنار‪،‬‬ ‫‪ -‬اٌّوعغ اٌَبثك‪. 29 ٓ ،‬‬ ‫‪َِ -‬ب ٌِه ثٓ أٌٔ‪ٌ ،‬ؼجل اٌؾٍ‪ ُ١‬اٌغٕل‪. 31 ٓ ،ٞ‬‬ ‫‪56‬‬

‫فوجهته أمه إلى طلب العلم‪ٌ ،‬قول الإِ َمام َمالِك‪ :‬حٌنما بلؽت س َّن التعلٌم‬ ‫جارت أمً فع َّم َم ْتنً وقالت‪ :‬اذهب فاكتب‪ -‬ترٌد الحدٌث ‪.‬‬ ‫فكان ٌنطلق‪ٌ ،‬لتمس العلم‪ ،‬و قد حرص على جمعه‪ ،‬و تفرغ له‪،‬‬‫ولازم العدٌد من كبار العلمار‪ ،‬لعل أشدهم أثراً فً تكوٌن عقلٌته العلمٌة‬ ‫التً عرؾ بها‪ -‬أبو بكر بن عبد الله بن ٌزٌد‪ ،‬المعروؾ بابن هرمز‪-‬‬‫المتوفى سنة ‪148‬هـ‪ ،‬فقد روي عن َمالِك أنه قال‪ :‬كنت آتً ابن هرمز‬ ‫من بكرة فما أخرج من بٌته إلا لٌلبً‪ ،‬وكذلك ٌعد َمالِك أكثر وأشهر‬ ‫الفقهار والمحدثٌن الذٌن لازموا التابعً الكبٌر‪ ،‬والعالم الجلٌل‪ ،‬نافع‬ ‫مولى ابن عمر‪ ،‬وحفظ عنه راوٌته‪ ،‬وذلك أ َّنه كان ٌقضً معه الٌوم‬ ‫كله‪ ،‬من الصباح حتى المسار ٌتدارس معه العلم‪ ،‬والحدٌث‪ ،‬لمدة تزٌد‬ ‫عن سبع سنوات‪ ،‬ومن المعروؾ أن نافعاً ٌعتبر العمدة فً نقل تراث‬ ‫عمر بن الخطاب رضً الله عنه‪ ،‬فقد خدم نافع عبد الله بن عمر ثلبثٌن‬ ‫عاماً‪ ،‬ومات سنة ‪117‬هـ‪ ،‬وكان ٌروي الحدٌث‪ ،‬والعلم عن أمهات‬ ‫المإمنٌن كؤمثال عابشة‪ ،‬وأم سلمة‪ -‬رضً الله عنهما‪ ،-‬و وكذلك عن‬ ‫كبار الرواة من الصحابة كؤبً هرٌرة‪ ،‬وعبد الله بن عمر بن الخطاب‪،‬‬ ‫ومما ٌشهد لفقهه وعلمه‪ -‬أن عمر بن عبد العزٌز كان قد أرسله إلى‬ ‫مصر لٌعلم المصرٌٌن السنن ( ) ‪.‬‬ ‫ومما ٌد ُّل على تمٌزه‪ ،‬و ِحرصه على العلم‪ ،‬وما كان ٌتم َّتع به من‬ ‫حافظ ٍة ق َّل نظٌرها‪ ،‬ما رواه بنفسه‪ ،‬فذكر الإِ َمام َمالِك ذلك عن نفسه‬‫مر ًة‪ ،‬فقال‪ :‬شهدت العٌد فقلت‪ :‬هذا ٌوم ٌخلو فٌه ابن شهاب ‪ ،‬فانصرفت‬ ‫‪ -‬ػجل اٌؾٍ‪ ُ١‬اٌغٕل‪َِ . ٞ‬بٌِه ثٓ أٌٔ ٓ‪. 55‬‬ ‫‪57‬‬

‫من المصلى حتى جلست على بابه فسمعته ٌقول لجارٌته‪ :‬انظري من‬‫بالباب فسمعتها تقول له‪ :‬هو ذاك الأشقر َمالِك ‪ ،‬قال‪ :‬أدخلٌه ‪ ،‬فدخلت‬‫فقال‪ :‬ما أراك انصرفت بعد إلى منزلك؟ قلت‪ :‬لا‪ ،‬قال‪ :‬هل أكلت شٌبا ؟‬ ‫قلت‪ :‬لا ‪ ،‬قال‪ :‬أترٌد طعاما ؟ قلت‪ :‬لا حاجة لً فٌه ‪ ،‬قال‪ :‬فما ترٌد ؟‬‫قلت‪ :‬تحدثنً‪ ،‬قال‪ :‬هات فؤخرجت ألواحً فحدثنً بؤربعٌن حدٌثا فقلت‪:‬‬‫زدنً قال‪ :‬حسبك إن كنت روٌت هذه الأحادٌث فؤنت من الحفاظ‪ ،‬قلت‪:‬‬ ‫قد روٌتها فجذب الألواح من ٌدي ثم قال‪ :‬ح ِّدث فحدثته بها فر َّدها إل ًَّ‬ ‫وقال‪ :‬قم أنت من أوعٌة العلم( ) ‪.‬‬ ‫ومع هذا فلم ٌكن لٌنقل عن كل من ه َّب ود َّب‪ ،‬بل كان ل َمالِك مٌزا فٌن‬ ‫ٌزن به العلمار الذٌن ٌؤخذ عنهم العلم‪ ،‬فلب ٌؤخذ العلم من كل من ٌسمع‬ ‫منه‪ ،‬ولكنه وضع ضوابط شامل ًة للفضل والمكانة‪ ،‬والتقوى والكمال‪،‬‬ ‫لمن ٌإخذ عنهم العلم وقد نقل عنه قوله‪ :‬لا ٌإخذ العلم من أربع ٍة‪،‬‬ ‫وٌإخذ م َّمن سواهم‪ ،‬لا ٌإخذ من سفٌ ٍه‪ ،‬ولا ٌإخذ من صاحب هو ًى‬ ‫ٌدعو إلى بدعته‪ ،‬ولا من كذا ٍب ٌكذب فً أحادٌث الناس‪ ،‬وإن كان‬ ‫لا ٌُـ َّتهم على حدٌث رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬ولا من شٌ ٍخ له‬ ‫فض فٌل وصلب ٌفح وعبادةٌف‪ ،‬إذا كان لا ٌعرؾ ما ٌحمل وما ٌحد ُث به( ) ‪.‬‬‫إن هذه الشروط التً وضعها َمالِك – لمن ٌإخذ عنهم العلم– توضح‬ ‫لنا حقٌقة الرجل العلمٌة‪ ،‬وما هً ضوابط الشٌوخ الذٌن ٌُروى عنهم‬ ‫حسب رأٌه ووجهة نظره‪ ،‬ولو تم َّع َّنا فً هذه الضوابط لرأٌناها تشتمل‬ ‫على ما ٌلً ‪:‬‬ ‫‪-‬ئثوا٘‪ ُ١‬اٌ‪١‬ؼم‪ٛ‬ث‪ ٟ‬اٌؾَٕ‪،ٟ‬فمٗ اٌؼجبكاد‪ِ ،‬طبثغ اٌْبَ‪،‬كِْك‪٘1405،‬ـ‪.15ٓ،‬‬ ‫‪ -‬الأزمبء لاةْ ػجل اٌ َج ِّو ٓ‪. 46‬‬ ‫‪58‬‬

‫ضرورة أن ٌتصؾ الشٌخ والمعلم وراوي الحدٌث‪ ،‬بالحلم الذي‬‫ٌنافً ال َّس َفاهة‪ ،‬قال صاحب مختار القاموس‪ :‬والسفاهة خف ُة الحل م‬ ‫والجهل( )‪ ،‬والحلم خل ٌفق ٌطالب به العالم والإِ َمام والمفتً‪ ،‬وكذلك‬ ‫مطلو ٌفب من عامة الناس‪ ،‬ولكنه ٌتؤكد عند العالم والفقٌه أكثر من‬ ‫ؼٌرهما‪ ،‬إذ أن العالم لو كان ؼضوباً سفٌهاً‪ ،‬لما عرؾ كٌؾ ٌتصرؾ‬ ‫فً المسابل الصعبة‪ ،‬والأوقات الحرجة‪ ،‬التً قد ٌتجرأ فٌها الجاهل‪،‬‬ ‫وٌتعدى فٌها الأحمق‪ ،‬وكذلك قد تصدر من العالم زل ٌفة أثنار ؼضبه‪،‬‬ ‫تكون بها الطام ُة الكبرى‪ ،‬فٌقتدي به الناس ظا ِّنٌن موافقتها للحق وهً‬ ‫لٌست كذلك‪ ،‬وإنما هً زل فٌة من العالم لإرضار نفسه وإمضار ؼضبه‪،‬‬ ‫فلذلك كان الإِ َمام َمالِك حرٌصاً فً تلقً العلم بالبحث فً أوصاؾ أهله‬ ‫وأخلبقهم ‪.‬‬ ‫الأمر الآخر الذي حذر منه َمالِك‪ ،‬ونهى عنه ألاَ ٌإخذ العلم‪ ،‬من‬ ‫صاحب بدع ٍة ٌدعو إلى بدعته‪ ،‬وهذا أم فٌر فً ؼاٌة الخطورة‪ ،‬لأن‬ ‫المبتدع لاعهد له ولا أمانة‪ ،‬ولاه َّم له إلا نشر بدعته والانتصار لهواه‪،‬‬ ‫فصاحب البدعة المص ُّر على بدعته‪ ،‬لا إخلبص له‪ ،‬فهو لا ٌبحث عن‬ ‫الح ِّق‪ ،‬ولٌس ؼرٌباً أن ٌضع أحادٌث‪ ،‬تناص ُر بدعته‪ ،‬وٌضٌفها زوراً‬ ‫وبهتاناً إلى رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬أو إلى واح ٍد من صحابته‪،‬‬ ‫لٌنصر بدعته‪ ،‬وٌقٌم حجته بالباطل‪.‬‬ ‫ولقد اشتهر أكثرالوضاعٌن بالبدع‪ ،‬ومنهم من ٌ ُر ُّد ال ُّنصوص‬‫المجمع علٌها‪ ،‬والواجب الإٌمان بها‪ ،‬وذلك اتباعاً لهواه ونصراً لبدعته‪،‬‬ ‫‪ -‬اٌطب٘و أؽّل اٌيا‪ِ .ٞٚ‬قزبه اٌمبِ‪. 302 ًٛ‬‬ ‫‪59‬‬

‫كالمنكرٌن لعذاب القبر‪ ،‬والصراط‪ ،‬والمٌزان‪ ،‬ورإٌة الله عز وجل‬ ‫( )‪.‬‬ ‫كذلك من الصفات التً لا ٌإتمن صاحبها على حدٌث رسول الله‬‫صلى الله علٌه وسلم‪ -‬صف ُة الكذب إ ْذ مجرد الاتصاؾ بهذه الصفة ٌسقط‬‫العدالة‪ ،‬والإِ َمام َمالِك‪ -‬رحمه الله‪ -‬ذكر ذلك بقوله \" وإن كان لا ٌتهم فً‬ ‫حدٌث رسول الله \" فكونه ٌكذب على عباد الله‪ ،‬ووصفه أنه \" ك ّذاب \"‬ ‫هذا ٌجعله ساقط العدالة‪ ،‬منعدم المرورة‪ ،‬فكٌؾ ٌإخذ حدٌث رسول الله‬ ‫صلى الله علٌه وسلم من شخص ك َّذاب! ‪.‬‬ ‫ولا ٌفهم من تعلٌل الإِ َمام َمالِك بقوله ‪\" :‬وإن كان لا ٌتهم فً حدٌث‬ ‫رسول الله\" لا ٌفهم منه أنه ٌُإ َمن على حدٌث رسول الله‪ ،‬ولكن الإِ َمام‬ ‫أومؤ إلى أن هذا لا ٌإتمن على حدٌث المصطفى‪ ،‬وإن ادعى ذلك‪ ،‬فهو‬‫من قبٌل‪ ،‬التنفٌر من الصفة بذكر ضدها‪ ،‬كما ٌقال‪ ،‬للتلمٌذ البلٌد الذي لا‬‫ٌرجى نجاحه‪\" :‬هو راس فٌب وإن ذاكر\" فهو أولاً لا ٌرتجى منه المذاكرة‪،‬‬ ‫لأنه بلٌ ٌفد لا ٌفهم شٌباً‪ ،‬وعلى فرض أنه ذاكر فإنه لن ٌنجح‪ ،‬لعدم‬‫إدراكه ما ٌذاكره وٌدرسه‪ ،‬فكذلك الكذاب لا تقبل رواٌته‪ ،‬وإن أمن عدم‬ ‫كذبه‪ ،‬فإن مجرد اتصافه به لا ٌُ ْض َم ُن جانبه ‪ -‬فالمقصود إذاً أنه لا‬ ‫ٌإمن كذبه ‪.‬‬ ‫أبرز شٌوخه‪:‬‬ ‫‪ -‬أث‪ ٛ‬ئٍؾبق اٌْب‪ٛ‬ج‪ ،ٟ‬ئثوا٘‪ ُ١‬ثٓ ِ‪ ٍٝٛ‬اٌٍقّ‪ ٟ‬اٌ َّب ٌِى‪،ٟ‬الاػزٖبَ ‪،‬رؾم‪١‬ك ٘بٔ‪ ٟ‬اٌؾبط‪ ،‬اٌّىزجخ‬ ‫اٌز‪ٛ‬ف‪١‬م‪١‬خ‪،‬اٌمب٘وح‪ِٖ ،‬و‪،‬ػ‪. . 231 ٓ،1‬‬ ‫‪60‬‬

‫ومن أبرز شٌوخ الإِ َمام َمالِك‪ ،‬والمإثرٌن فً شخصٌته‪ ،‬شٌخه ربٌعة‬‫بن أبً عبد الرحمن فروخ المتوفى سنة ‪136‬هـ‪ ،‬وهو فارس ًُّ الأصل‪،‬‬ ‫وكان مول ًى للتٌمٌٌن‪ ،‬وكانت أم َمالِك قد بعثت به إلٌه وقالت له‪ :‬تعلم‬ ‫أدبه قبل علمه‪ ،‬وقد اشتهر ربٌعة بسعة علمه‪ ،‬وذٌوع صٌته بٌن‬‫العلمار‪ ،‬وشهدوا له بذلك قال سوار بن عبد الله المتوفى سنة‪157‬هـ‪ ،‬ما‬ ‫رأيت أحداً أعلم من ربٌعة‪ ،‬قٌل ولا الحسن البصري؟ قال‪ :‬ولا الحسن‬‫ولا ابن سٌرٌن‪ ،‬وقال القاسم بن محمد بن أبً بك ٍر‪\" :‬لو تمنٌت أحداً تلده‬ ‫أمً لتم َّنٌت ربٌعة\"( ) ‪.‬‬ ‫ولقد سمى فقهار العصر‪ \"،‬ربٌعة \"ربٌعة الرأي‪ ،‬لاجتهاده بالرأي‪،‬‬ ‫فؤخذ عنه َمالِك هذا الاتجاه فً بداٌة حٌاته ( ) ‪.‬‬ ‫وكان ابن هرمز ٌج ُّل َمالِكاً‪ ،‬وٌخ ُّصه بما لا ٌخ ُّص به ؼٌره لكثرة‬ ‫ملبزمته له‪ ،‬ولما ربط بٌنهما من حب وتآلؾ وود‪ ،‬و أخذ الإِ َمام َمالِك‬‫عن الإِ َمام ابن شهاب الزهري وهو أول من دون الحدٌث‪ ،‬و من أشهر‬‫شٌوخ المدٌنة المنورة‪ ،‬وقد روى عنه الإِ َمام َمالِك فً موطبه ‪132‬‬ ‫حدٌثا‪ ،‬بعضها مرسل‪ ،‬كما أخذ عن الإِ َمام جعفر الصادق‪ ،‬من آل‬‫البٌت‪ ،‬وأخرج له فً موطبه تسعة أحادٌث‪ ،‬منها خمس فٌة متصلة مسندة‪،‬‬ ‫أصلها حدٌث واحد طوٌل هو حدٌث جابر فً الحج‪ ،‬والأربعة منقطعة‬ ‫‪.‬‬ ‫‪ -‬ػجل اٌؾٍ‪ ُ١‬اٌغٕل‪َِ .،ٞ‬بٌِه ثٓ أٌٔ‪53ٓ ،‬‬ ‫‪ -‬اٌّوعغ اٌَبثك ٓ‪52‬‬ ‫‪61‬‬

‫وكذلك روى عن هشام بن عروة‪ ،‬ومحمد بن المنكدر‪ ،‬وٌحى بن‬‫سعٌد الأنصاري‪ ،‬وسعٌد بن أبً سعٌد المقبري‪ ،‬وؼٌرهم‪ ،‬وتذكر بعض‬ ‫الرواٌات أن شٌوخ َمالِك قد بلػ عددهم‪ -‬ثلبثماب ٍة من التابعٌن‪ -‬وستماب ٍة‬ ‫من أتباع التابعٌن( )‪.‬‬ ‫طلبه للعلم ‪:‬‬‫بدأ الإِ َمام َمالِك طلب العلم من حداثة سنه ‪ ،‬قال الزبٌري‪ :‬رأٌت َمالِكا‬ ‫فً حلقة ربٌعة ‪ ،‬وفً أذنه شنؾ(أي قرط )‪ ،‬وقال السبتً‪ :‬وهذا ٌدل‬ ‫على ملبزمته الطلب من صؽره ‪.‬‬ ‫وقال َمالِك أٌضا‪ :‬كانت أمً تع ِّم ُمنً وتقول لً‪ :‬اذهب إلى ربٌعة‬ ‫فتعلم من أدبه قبل علمه ‪.‬‬ ‫ولقد كان ٌإثر طلب العلم على ما سواه‪ ،‬قال ابن القاسم‪ :‬أفضى‬ ‫ب َمالِك طلب العلم إلى أن نقض سقؾ بٌته فباع خشبه‪ ،‬ثم مالت علٌه‬ ‫الدنٌا ‪.‬‬‫وقد بلػ من صبر الإِ َمام َمالِك‪ ،‬وتحمله المشقة فً ذلك أنه قال‪ :‬كنت‬ ‫آتً نافعاً نصؾ النهار ‪ ،‬وما تظلنً الشجرة من الشمس‪ ،‬أتح ٌَّن‬‫خروجه‪ ،‬فإذا خرج أدعه ساعة كؤنً لم أره‪ ،‬ثم أتع َّرض له ‪ ،‬فؤسلم‬‫علٌه‪ ،‬وأدعه حتى إذا دخل البلبط أقول له‪ ،‬كٌؾ قال ابن عمر فً كذا‬‫– ػجل اٌّغ‪١‬ل اٌؾَ‪ٟٕ١‬‬ ‫‪ٔ / http://ar.wikipedia.org /wiki‬ملا ػٓ وزبة أئّخ اٌؾل‪٠‬ش ٌٍلوز‪ٛ‬ه‬ ‫‪. 2006 /2/25‬‬ ‫‪62‬‬

‫وكذا؟ فٌجٌبنً ثم أحبس عنه‪ ،‬وكان فٌه ح ّدة‪ ،‬وكنت آتً ابن هرمز‬ ‫بكرة فما أخرج من بٌته حتى اللٌل ( )‪.‬‬ ‫منهج الإِ َمام َمالِك ‪:‬‬ ‫إن الأصول التً بنى علٌها الإِ َمام َمالِك منهجه هً‪ :‬كتاب الله ج ّل‬ ‫وع ّز‪ ،‬وسنة رسول الله ‪ ،‬صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬وعمل أهل المدٌنة‬‫الفضلبر‪ ،‬وكان ٌحرص‪ -‬رحمه الله‪ -‬على الاتباع‪ ،‬وٌشنع من الابتداع‪،‬‬‫وكان شدٌد الرجوع إلى كتاب الله تعالى‪ ،‬قال خالد بن نزار الأٌلً‪ :‬ما‬‫رأٌت أحدا أنزع (‪ )‬بكتاب الله عز وجل من َمالِك بن أنس ‪ ،‬وقال عبد‬‫الله بن وهب‪ :‬سمعت َمالِك بن أنس ٌقول‪ :‬ألزم ما قال رسول الله صلى‬ ‫الله علٌه وسلم فً حجة الوداع‪( :‬أمران تركتهما فٌكم ‪ ،‬لن تضلوا ما‬ ‫تمسكتم بهما؛ كتاب الله‪ ،‬وسنة نبٌه صلى الله علٌه وسلم) ‪.‬‬ ‫وعن عبد الرحمن بن مهدي قال‪ :‬سبل َمالِك بن أنس عن السنة؛‬ ‫قاؾل‪ :‬ما لا اسم له ؼٌر السنة‪ ،‬وتلب ‪َ ( :‬وأَ َّن َه َذا ِص َرا ِطً ُم ْس َت ِقٌماً‬ ‫َفا َّت ِب ُعوهُ َولاَ َت َّتبِ ُعو ْا ال ُّس ُب َل َف َت َف َّر َق ِب ُك ْم َعن َس ِبٌلِ ِه َذلِ ُك ْم َو َّصا ُكم بِ ِه َل َعلَّ ُك ْم‬ ‫َت َّت ُقو َن )( ) ‪.‬‬ ‫وعن حمٌد الأسود بن الأشقر البصري قال‪ :‬قال رجل ل َمالِك بن‬‫أنس‪ :‬أَأُحرم من مسجد النبً صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬أومن ذي الحلٌفة؟‬‫فقال له‪ :‬بل من ذي الحلٌفة‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬فإن أحرمت من مسجد رسول‬ ‫‪ -‬اٌمب‪ِ ٟٙ‬ػ‪َ١‬بٗ ‪- ،‬رتيب المدارك‪. (1/130-132-1‬‬ ‫‪ - ‬اٌّواك ‪َ٠ :‬زلي ثٗ ‪٠ٚ‬وك اٌؾغخ ئٌ‪. ٗ١‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح الأٔؼبَ ا‪٠٢‬خ ‪.. 153‬‬ ‫‪63‬‬

‫الله صلى الله علٌه وسلم ؟ قال‪ :‬فقال َمالِك‪َ ( :‬ف ْل ٌَ ْح َذ ِر الَّ ِذٌ َن ٌُ َخالِ ُفو َن َع ْن‬ ‫أَ ْم ِر ِه أَن ُت ِصٌ َب ُه ْم فِ ْت َن فٌة أَ ْو ٌُ ِصٌ َب ُه ْم َع َذا ٌفب أَلٌِ ٌفم ( )‪.‬‬ ‫الأصول التً بنى علٌها َمالِك مذهبه‪:‬‬‫لقد ع َّد بعض العلمار الأدلّة والأصول التً بنى علٌها َمالِك مذهبه ‪-‬‬ ‫عشرين‪ -‬وهً كما ٌلً ‪:‬‬‫الأول‪ -‬ن ّص الكتاب العزٌز ‪ ،‬ال انً ‪ -‬ظاهره وهو عموم دلالة اللفظ‬‫القرآنً‪ ،‬ال الث‪ -‬دلٌله وهو مفهوم المخالفة ‪ ،‬الرابع‪ -‬مفهوم الموافقة ‪،‬‬‫الخامس‪ :‬التنبٌه على العلّة ‪ ،‬ومن السنة‪ -‬أٌضا‪ -‬مثل هذه الخمسة؛ فهذه‬‫عشرة‪ ،‬الحادي عشر‪ -‬الإجماع ‪ ،‬ال انً عشر ‪ -‬القٌاس ‪ ،‬ال الث عشر‪-‬‬‫عمل أهل المدٌنة ‪ ،‬الرابع عشر‪ -‬العرؾ‪ ،‬الخامس عشر‪ -‬الاستحسان‪،‬‬‫السادس عشر‪ -‬الحكم بس ّد الذرابع ‪ ،‬السابع عشر‪ -‬المصالح المرسلة ‪،‬‬‫ال امن عشر‪ :‬قول الصحابً ‪ ،‬التاسع عشر‪ -‬شرع من قبلنا شر ٌفع لنا‪،‬‬ ‫العشرون‪ :‬مراعاة الخلبؾ( )‪.‬‬ ‫وقال الإِ َمام السبكً فً الطبقات‪ :‬إن أصول مذهب َمالِك تزٌد على‬ ‫الخمسمابة وهو بهذا ٌشٌر إلى القواعد التً استخرجت من فروعه‬ ‫المذهبٌة‪ ،‬فقد أنهاها القرافً فً فروقه إلى خمسمابة وثمانٌة وأربعٌن‪،‬‬‫وؼٌره أنهاها إلى الألؾ والمابتٌن كال َمق ّري وؼٌره‪ ،‬لكنها فً واقع‬‫الأمر تف ّرعت عن هذه الأصول ‪ ،‬والإِ َمام َمالِك‪ -‬رحمه الله‪ -‬لم ٌن ّص‬ ‫‪ٍٛ-‬هح إٌ‪ٛ‬ه ا‪ ٢‬ح‪. 63 ٞ‬‬ ‫‪ِ -‬ؾّل ثٓ اٌؾَٓ اٌفبٍ‪ ، ٟ‬اٌفىو اٌَبِ‪ِ ، ٟ‬طبثغ اٌلاه اٌج‪ٚ١‬بء ‪ ،‬اٌّغوة ‪، 1999 ،‬ط ‪. 387 ٓ ،1‬‬ ‫‪64‬‬

‫علٌها قاعد ًة قاعد ًة‪ ،‬وإنما أخذ ذلك من طرٌقته وطرٌقة أصحابه فً‬ ‫الاستنباط ( )‪.‬‬ ‫وقد عد العلبمة أحمد بن أبً كؾ‪ ،‬فً منظومتة أصول المذهب‬ ‫ال َمالِكً ستة عشر حٌث قال ‪:‬‬ ‫أدلة المذهب مذهب الأؼر ** َمالِك الإِ َمام ستة عشر‬ ‫نص الكتاب ثم نص السنة ** سنة من له أتم المنة‬ ‫وقد جمع فٌها الأصول مع الفروع‪ ،‬بحٌث أنه ع َّد دلٌل الخطاب من‬ ‫الكتاب والسنة‪ ،‬وهو ما ٌسمٌه العلمار بمفهوم المخالفة‪ ،‬وهوحجة عند‬ ‫َمالِك والشافعً‪ ،‬وأنكره أبوحنٌفة‪ ،‬وهو ٌجري فً الشرط والؽاٌة‬ ‫والحصر والعدد والعلة والوصؾ والظرؾ ‪.‬‬ ‫وعد أٌضاً منها تنبٌه الخطاب‪ ،‬من كتاب وسنة‪ ،‬وهو ما ٌسمٌه‬ ‫العلمار مفهوم الموافقة‪ ،‬وإنما ُس ِّم ًَ مفهوم الموافقة لكون المعنى‬ ‫المسكوت عنه موافقاً للمعنى المنطوق به فً الحكم ( )‪.‬‬ ‫وٌمكن ترتٌب أهم الأصول التً بنى علٌها َمالِك مذهبه ِب َش ْك ٍل مجم ٍل‬ ‫دون التفرٌعات التً ذكرها أبو ك ٍّؾ وؼٌره‪ ،‬على النحو الآتً ‪:‬‬ ‫‪ - 1‬القرآن الكرٌم ‪.‬‬ ‫‪ - 2‬السنة النبوٌة المطهرة ‪.‬‬ ‫ا‪ -‬اٌل‪٠‬جبط اٌّنٖة ‪ ،‬ط‪. 133 ٓ 1‬‬‫‪ -‬ئ‪ٖ٠‬بي اٌَبٌه ف‪ ٟ‬إٔ‪ٛ‬ي َِب ٌِه ِؾّل ‪٠‬ؾ‪ ٝ١‬ثٓ ػّو ثٓ ِقزبه اٌ‪ٛ‬لار‪ ٟ‬إٌْم‪١‬ط‪ ، ٟ‬ر‪ ، ٌٔٛ‬اٌّطجؼخ اٌز‪١َٔٛ‬خ ‪،‬‬ ‫‪. 7ٓ َ1928‬‬ ‫‪65‬‬

‫‪ - 3‬قول الصحابً وعمله ٌعتبر حجة عند َمالِك لا سٌما كبار‬ ‫الصحابة وفقهابهم كؤبً بكر وعمر وعثمان وعلً وعبد الله بن عمر‬ ‫وبن عباس وؼٌرهم ‪ ،‬رضً الله عنهم أجمعٌن‪ ،‬جار فً الوجٌز‬ ‫المٌسر‪( :‬وكان إمامنا ٌؤخذ بفتاوى الصحابة وأقضٌتهم وقد أثبت كثٌراً‬ ‫منها فً مو ّطبه مع الأحادٌث المرفوعة لأنه ٌرى أنهم إما أن ٌكونوا قد‬ ‫سمعوها أو شاهدوها من النبً صلى الله علٌه وسلم أو فهموها من‬ ‫كتاب الله عز وجل )( )‪.‬‬ ‫وقال الإِ َمام علً بن المدٌنً شٌخ البخاري‪ :‬كان َمالِك ٌذهب إلى قول‬ ‫سلٌمان بن ٌسار‪ ،‬وسلٌمان بن ٌسار ٌذهب إلى قول عمر بن‬ ‫الخطاب( )‪.‬‬ ‫‪ - 4‬القٌاس‪ ،‬وقد كان َمالِك ٌقول به‪ ،‬وتبعه أصحابه فً هذا ‪.‬‬ ‫‪ - 5‬كما قٌل‪ :‬إن َمالِكاً كان ٌؤخذ بالاستحسان والاستصحاب‬ ‫وبالمصالح المرسلة‪ ،‬كما ذكر هذاؼٌر واحد من أهل العلم حٌث قال‬ ‫الدكتورالمطٌرات‪ :‬وجماع أصول مذهب َمالِك الكتاب‪ ،‬والسنة‪،‬‬ ‫والإجماع‪ ،‬وإجماع أهل المدٌنة‪ ،‬والقٌاس‪ ،‬وقول الصحابً‪ ،‬والمصلحة‬ ‫المرسلة‪ ،‬والعرؾ والعادات‪ ،‬وسد الذرابع‪ ،‬والاستحسان‪،‬‬ ‫والاستصحاب ( )‪.‬‬ ‫‪-‬اٌ‪ٛ‬ع‪١‬ي اٌّ‪َ١‬و ف‪ ٟ‬إٔ‪ٛ‬ي اٌفمٗ اٌ َّبٌِى‪ِ، ٟ‬ؾّل ػجل اٌغٕ‪ ٟ‬اٌجبعمٕ‪ ، ٟ‬اٌطجؼخ الأ‪ِ ، ٌٝٚ‬ىزجخ ا‪٢‬صبه اٌمب٘وح ‪،‬‬ ‫‪. 14 ٓ ،1968‬‬‫‪ -‬ػبكي اٌّط‪١‬واد ‪ ،‬الأئّخ الأهثؼخ ‪ٚ‬إٔ‪ٛ‬ي ِن٘ج‪ ، ُٙ‬كاه الاػزٖبَ ‪ ،‬اٌو‪٠‬بٗ ‪ ،‬اٌطجؼخ الأ‪٘،1422 ، ٌٝٚ‬ـ ‪19 ٓ ،‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪ -‬اٌّوعغ اٌَبثك‪. 19ٓ ،‬‬ ‫‪66‬‬

‫‪ - 6‬عمل أهل المدٌنة‪ ،‬وإجماع أهلها وذلك فً القرون المفضلة‬ ‫ٌعتبر حجة عند َمالِك‪ ،‬قال شٌخ الإسلبم بن تٌمٌة‪ :‬واشتهر عن َمالِك‬ ‫وأصحابه أن إجماع أهل المدٌنة حجة‪ ،‬وإن كان بقٌة الأبمة ٌنازعونهم‬ ‫فً ذلك ( ) وٌقال إن المسابل التً بناها َمالِك على عمل أهل المدٌنة‪،‬‬ ‫ثلبثمابة وثلبث مسابل‪ ،‬وأوصلها بعضهم إلى ثلبثمابة وأربع وثلبثٌن‬ ‫مسؤلة ( ) ‪.‬‬ ‫مكانة الإِ َمام َمالِك العلمٌة ‪:‬‬ ‫لقد تجلت مكانة الإِ َمام َمالِك العلمٌة فً انتقار الشٌوخ‪ ،‬وقد كان‬ ‫رحمه الله حرٌصا فً توحٌد المشرب فً الطلب ‪ ،‬فلب ٌؤخذ العلم إلا‬ ‫عمن عرؾ بالعدالة والضبط والدٌانة ‪ ،‬وهو من أفقه علمار عصره‪،‬‬ ‫وأعلمهم بكتاب الله‪ ،‬وأدراهم بالحدٌث والسنة وشهد له بذلك العامة‬ ‫والخاصة‪ ،‬والفقهار والأبمة – قال الشافعً رحمه الله‪ :‬قال لً بن‬ ‫الحسن(‪ )‬أٌهما أعلم‪ :‬صاحبكم أو صاحبنا‪ٌ ،‬عنً أبوحنٌفة صاحبه‪،‬‬ ‫و َمالِك شٌخ الشافعً وصاحبه‪ ،‬قال الشافعً قلت‪ :‬على الإنصاؾ؟ قال‬ ‫نعم‪ ،‬قلت‪ :‬فؤنشدك الله من أعلم بالقرآن‪ :‬صاحبنا أو صاحبكم ؟ قال‪:‬‬ ‫اللهم صاحبكم‪ ،‬قال‪ :‬فؤنشدك الله من أعلم بالسنة‪ :‬صاحبنا أوصاحبكم؟‬ ‫‪ٕ -‬ؾخ إٔ‪ٛ‬ي ِن٘ت أً٘ اٌّل‪ٕ٠‬خ ‪١ّ ،‬ـ الإٍلاَ ثٓ ر‪١ّ١‬خ ‪ِ ،‬طجؼخ ال ِإ َِبَ ‪ِٖ ،‬و ‪. 20ٓ ،‬‬‫‪٠ -‬بٍو ثٓ ػغ‪ ً١‬إٌّْ‪ ،ٟ‬هٍبٌخ ِبعَز‪١‬و ف‪ ٟ‬إٔ‪ٛ‬ي اٌفمٗ ‪ ،‬رؾم‪١‬ك‪ٌْ -‬وػ ئ‪ٖ٠‬بي اٌَبٌه ئٌ‪ ٝ‬إٔ‪ٛ‬ي ال ِإ َِبَ َِبٌِه‪،‬‬ ‫ٌَ‪١‬ل أؽّل اٌ‪ٛ‬لار‪ ،ٟ‬وٍ‪١‬خ اٌْو‪٠‬ؼخ ‪ٚ‬اٌلهاٍبد الإٍلاِ‪١‬خ‪ ،‬عبِؼخ اٌى‪٠ٛ‬ذ‪. 214 ٓ َ2002 ،‬‬ ‫‪ ٛ٘ - ‬أث‪ ٛ‬ػجل الله ِؾّل ثٓ اٌؾَٓ اٌْ‪١‬جبٔ‪ ِٓ ، ٟ‬أعً ػٍّبء اٌؾٕف‪١‬خ ‪ْٔ ِّٓٚ ،‬و‪ٚ‬ا ػٍُ أث‪ ٟ‬ؽٕ‪١‬فخ ‪ ،‬لبي ػٕٗ‬ ‫اٌْبفؼ‪ِ ٟ‬ب هأ‪٠‬ذ أؽلا ٍئً ف‪َِ ٟ‬أٌخ ف‪ٙ١‬ب هأ ٌ‪ ٞ‬ئلا ػوف ف‪ٚ ٟ‬ع‪ ٗٙ‬اٌىوا٘خ ئلا ِؾّل ثٓ اٌؾَٓ ‪ ،‬ر‪ٛ‬ف‪ ٟ‬هؽّٗ الله‬ ‫ػبَ ‪٘187‬ـ ‪ٚ ،‬ػٕلٖ ‪ 58‬ػبِبً (‪ٛ‬جمبد اٌفم‪ٙ‬بء ٌٍْ‪١‬واى‪. )135ٓ ٞ‬‬ ‫‪67‬‬

‫قال‪ :‬اللهم صاحبكم‪ ،‬قال فؤنشدك الله من أعلم بؤقاوٌل أصحاب رسول‬ ‫الله صلى الله علٌه وسلم المتقدمٌن‪ :‬صاحبنا أو صاحبكم ؟ قال‪ :‬اللهم‬ ‫صاحبكم‪ ،‬قال الشافعً‪ :‬فلم ٌبق إلا القٌاس‪ ،‬والقٌاس لاٌكون إلا على‬ ‫هذه الأشٌار‪ ،‬فعلى أي شً ٍر ٌقٌس! ( ٌعنً أبا حنٌفة )( ) ‪.‬‬ ‫ومن هنا ٌتبٌن لنا مكانة َمالِك العلمٌة‪ ،‬حتى بٌن الفقهار والأبمة‬ ‫المبرزٌن كؤمثال أبً حنٌفة النعمان إمام المذهب الحنفً‪ ،‬والشافعً بن‬ ‫إدرٌ ٍس صاحب المذهب المشهور‪ ،‬وهذا الخبر قد اشتهر عند الفقهار‪،‬‬ ‫كالقاضً ِع ٌَاض‪ ،‬وابن عبد ال َب ِّر( ‪ )‬وهما من فقهار وعلمار ال َمالِكٌة‬ ‫فً زمانهما‪ ،‬وأورده أبونعٌم فً الحلٌة‪ ،‬وابن تٌمٌة وؼٌرهم وهما‪-‬‬ ‫أعنً الشافعً وابن الحسن‪ -‬رحمهما الله‪ -‬لم ٌقصدا المقارنة بٌن‬ ‫الرجلٌن‪ ،‬كما ٌفعل من أراد أن ٌبرز المفاخرة بٌن عال ٍم وآخر فً‬ ‫زماننا هذا‪ ،‬وإنما قصدا رحمهما الله تبٌان المدارس التً كان ٌنتمً‬ ‫إلٌها ك ٌّل منهما فالشافعً رحمه الله كان ٌنتمً إلى مدرسة أهل الاثر فً‬ ‫الحجاز‪ ،‬أما ابن الحسن فكان ٌؤخذ علمه عن أبً حنٌفة‪ ،‬والذي ٌعتبر‬ ‫رحمه الله أستاذ مدرسة الرأي‪ ،‬وكلبهما رحمهما الله من أج ِّل علمار‬ ‫السلؾ وك ٌّل منهما له علمه وفضله ‪.‬‬ ‫وك ًل ٌفً من أبمة المذاهب ٌعرؾ للآخر قدره ومكانته‪ ،‬نقل القاضً‬ ‫ِع ٌَاض الرواٌة عن اللٌث بن سعد‪ :‬أنه لقً َمالِكاً فً المدٌنة ٌمسح‬‫‪ -‬أث‪ ٟ‬ئٍؾبق اٌْ‪١‬واى‪ ٞ‬اٌْبفؼ‪ٛ ،ٟ‬جمبد اٌفم‪ٙ‬بء‪ ،‬رؾم‪١‬ك ئؽَبْ ػجبً‪ ،‬كاه اٌوائل اٌؼوث‪ ، ٟ‬ث‪١‬و‪ٚ‬د ٌجٕبْ ‪ ،‬اٌطجؼخ‬ ‫اٌضبٔ‪١‬خ‪ / 68ٓ َ1981 ،‬الأزمبء لاثٓ ػجل اٌجَ ِّو ٓ‪. 57‬‬ ‫‪ ٛ٘ - ‬أث‪ ٛ‬ػّو ‪ٍٛ٠‬ف ثٓ ػجل الله ثٓ ِؾّل ثٓ ػجل اٌجَ ِّو ّ‪١‬ـ ػٍّبء الأٔلٌٌ ‪ٚ‬اٌّغوة ف‪ ٟ‬ىِبٔٗ ‪ ِٓٚ ،‬أوبثو‬ ‫اٌّؾلص‪ِ ٌٗٚ ، ٓ١‬إٌفب ٌد ‪ٚ‬وز ٌت لا رقف‪ ٝ‬ػٍ‪ ٝ‬أً٘ اٌؼٍُ ‪ ٌٗٚ ،‬ف‪ّ ٟ‬وػ اٌّ‪ٛٛ‬ا فبٕخ وز ٌت ِف‪ٌ ١‬ل ‪ ،‬وىزبة اٌزّ‪١ٙ‬ل ‪،‬‬‫‪ٚ‬وزبة الاٍزنوبه ‪ٌٚ ،‬ل ٍٕخ ‪٘ 368‬ـ ‪ٚ‬ر‪ٛ‬ف‪ ٟ‬ثْب‪ٛ‬جخ ٍٕخ ‪ِ (463‬ؾّل ثٓ ِؾّل ِقٍ‪ٛ‬ف ‪ ،‬كاه اٌفىو ٌٍطجبػخ ‪ٚ‬إٌْو‬ ‫‪ّ ،‬غوح إٌ‪ٛ‬ه اٌيو‪١‬خ ف‪ٛ ٟ‬جمبد اٌ َّبٌِى‪١‬خ ٓ‪)119‬‬ ‫‪68‬‬

‫العرق من جبٌنه‪ ،‬فقال له‪ :‬إنً أراك تمسح العرق عن جبٌنك‪ ،‬قال‪:‬‬‫عرقت مع أبً حنٌفة‪ ،‬إنه لفقٌ ٌفه ٌا مصري‪ ،‬قال ثم لقٌت أبا حنٌفة وقلت‬‫له‪ :‬ما أحسن قول ذلك الرجل فٌك‪ ،‬فقال أبوحنٌفة‪ :‬والله ما رأٌت أسرع‬ ‫منه بجوا ٍب صادق‪ ،‬ونق ٍد تا ٍم \"ٌعنً َمالِكاً( )‪.‬‬ ‫فهذا هو أدب العلمار الرفٌع‪ ،‬ومجادلتهم بالحسنى‪ ،‬وحسن الظ ِّن فً‬ ‫أخٌه العالم‪ ،‬ومعرفة الحق لأهله‪ ،‬والاهتدار على الرجال بالح ِّق‪ ،‬فإنما‬ ‫ٌعرؾ الرجال بال َح ِّق‪ ،‬ولا ٌعرؾ الح ُّق بهم‪ ،‬فلم ٌكونوا رحمهم الله‬‫لٌتش َّفوا من بعضهم‪ ،‬أو لٌتصٌد ك ٌّل منهم سقطات أخٌه‪ ،‬وإنما كان همهم‬ ‫الوحٌد هوالعلم ونشر السنة‪ ،‬والاهتدار للح ِّق ‪.‬‬ ‫سٌرته العلمٌة ‪:‬‬‫هو عالم المدٌنة ومإسس المذهب ال َمالِكً‪ ،‬قال عنه سفٌان بن عٌٌنة‪:‬‬‫\" َمالِك عالم أهل الحجاز\"‪ ،‬وقال الشافعً‪\" :‬إذا ذكر العلمار ف َمالِك النجم\"‬ ‫‪.‬‬‫وكان‪ -‬رحمه الله‪ -‬حافظا للحدٌث الشرٌؾ‪ ،‬وعالما به‪ ،‬إماماً فً نقد‬‫الرجال‪ ،‬لاٌروي إلا عمن هو ِـثق ٌفة عنده‪ ،‬وكان بارعاً فً الفقه ‪ ،‬حٌث‬ ‫لم ٌكن بالمدٌنة عالم من بعد التابعٌن ٌشبهه ‪.‬‬ ‫وقد كان للبٌبة التً عاش فٌها َمالِك أثر فً تكوٌنه العلمً؛ فالمدٌنة‬‫المنورة موطن رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬ومج متع الصحابة‬‫والتابعٌن من بعده الذٌن اهتموا بما سن الله لرسوله من سنن الإسلبم‬ ‫‪ -‬رور‪١‬ت اٌّلاهن ‪ٌٍ ،‬مب‪ِ ٟٙ‬ػ‪َ١‬بٗ ط‪152 ٓ1‬‬ ‫‪69‬‬

‫وشرٌعته وأحكامه‪ ،‬وإلٌها كانت الهجرة إلى الله‪ ،‬وبها كان كبار‬ ‫الصحابة من الأنصار والمهاجرٌن وهم أكثرهم عددا ‪ ،‬وأوسعهم علما‪،‬‬ ‫وأعلمهم بسلوك نبٌهم ‪ ،‬فتؤثر َمالِك بآرابهم وأفكارهم‪ ،‬وحفظ فتاوٌهم‬ ‫ومسابلهم‪ ،‬وتعرؾ أقضٌتهم وأحكامهم‪ ،‬وٌعتبر أول شٌخ تلقى عنه العلم‬ ‫هو‪ :‬ربٌعة(‪ )‬الرأي‪ ،‬الفقٌه المدنً المعروؾ‪ ،‬الذي سبق وتكلمنا عنه ‪،‬‬ ‫ثم لزم ابن هرمز (‪ )‬سبع سنٌن أو ثمان‪ ،‬لم ٌخلطه بؽٌره‪ ،‬فؤخذ عنه‬ ‫علم الحدٌث‪ ،‬ثم أحب علم ابن شهاب الزهري (‪ ،)‬كما أخذ أٌضاً عن‬ ‫نافع مولى بن عمر‪ ،‬لما له من عل ٍم واس ٍع‪ ،‬وابن المنكدر‪ ،‬وعبد الله بن‬ ‫دٌنار‪ ،‬وصالح بن كٌسان‪ ،‬وسعٌد المقبري‪ ،‬وؼٌرهم كثٌر ممن أخذ‬ ‫عنهم َمالِك‪ ،‬حتى قٌل إن عدد شٌوخه فاق تسعمابة شٌخ‪ ،‬منهم ثلبثمابة‬ ‫من التابعٌن‪ ،‬وستمابة من تابعً التابعٌن‪.‬‬ ‫وقد كان حرٌصاً ورعاً‪ -‬رحمه الله‪ -‬ؼٌر متجر ٍئ على الفتوى ؾ لم‬ ‫ٌجلس َمالِك تلدرٌس العلم حتى شهد له شٌوخه بؤنه أهل لذلك‪ ،‬وهو‬ ‫نفسه ٌحدث بذلك فٌقول‪ :‬لٌس كل من أحب أن ٌجلس فً المسجد‬ ‫للحدٌث والفتٌا جلس‪ ،‬حتى ٌشاور فٌه أهل الصلبح والفضل والجهة من‬ ‫المسجد‪ ،‬إؾن رأوه لذلك أهلب جل َس ‪ ،‬وما جلست حتى شهد لً سبعون‬ ‫شٌخاً من أهل العلم أنً موضع لذلك‪ ،‬وكان ٌقول‪ :‬ما أجبت فً الفتوى‬ ‫‪ ٛ٘ ‬أث‪ ٛ‬ػضّبْ هث‪١‬ؼخ ثٓ أث‪ ٟ‬ػجل اٌوؽّٓ‪٠ٚ ،‬ؼف ثوث‪١‬ؼخ اٌوأ‪ ،ٞ‬لبي ػٕٗ ٍ َّ‪ٛ‬اه ثٓ ػجل الله اٌؼٕجو‪ِ :ٞ‬ب هأ‪٠‬ذ أؽلاً‬ ‫أػٍُ ِٓ هث‪١‬ؼخ اٌوأ‪ ، ٞ‬ل‪ٚ :ٌٗ ً١‬لا اٌؾَٓ‪ٚ ،‬اثٓ ٍ‪١‬و‪ٓ٠‬؟ لبي‪ٚ :‬لا اٌؾَٓ ‪ٚ‬اثٓ ٍ‪١‬و‪ ،ٓ٠‬ر‪ٛ‬ف‪ٍٕ ٟ‬خ ‪٘136‬ـ ( ‪ٛ‬جمبد‬ ‫اٌفم‪ٙ‬بء ٌٍْ‪١‬واى‪.)65ٓ ٞ‬‬‫‪ٛ٘ ‬ػجل الله ثٓ ‪٠‬ي‪٠‬ل ثٓ ٘وِي ‪ ،‬ػٕٗ أفن َِب ٌِه اٌؼٍُ‪ٚ ،‬اٌفمٗ‪ٚ ،‬لبي ػٕٗ َِبٌِه ‪( :‬وبْ أػٍُ إٌبً ثّب افزٍف ف‪ ٗ١‬إٌبً‬ ‫ِٓ ٘نٖ الأ٘‪ٛ‬اء) (‪ٛ‬جمبد اٌفم‪ٙ‬بء ٓ‪. )66‬‬‫‪ِ ٛ٘ ‬ؾّل ثٓ ٍَُِ ثٓ ّ‪ٙ‬بة اٌي٘و‪ ٞ‬اٌموّ‪ٚ ،ٟ‬وبْ ِٓ وجبه فم‪ٙ‬ب اٌّل‪ٕ٠‬خ‪ ،‬ه‪ ٜٚ‬ػٕٗ َِب ٌِه‪ ،‬اٌَف‪١‬بٔبْ‪ٚ ،‬وزت ػّو‬ ‫ثٓ ػجل اٌؼي‪٠‬ي ف‪ ٟ‬الأِٖبه ػٍ‪١‬ىُ ثبثٓ ثبثٓ ّ‪ٙ‬بة فأىُ لارغل‪ ْٚ‬أػٍُ ِٕٗ ثبٌَٕخ )ٌٗ ف‪ ٟ‬اٌّ‪ٛٛ‬ا ِبئخٌ ‪ٚ‬صلاص‪ْٛ‬‬ ‫ؽل‪٠‬ضبً ‪ٍٚ،‬ئً ثٓ ػ‪ٕ١١‬خ أ‪ّٙ٠‬ب أػٍُ ئثوا٘‪ ُ١‬إٌقؼ‪ ٟ‬أ‪ ٚ‬اٌي٘و‪ ٞ‬؟ لبي لاأثب ٌه‪ ،‬اٌي٘و‪ٚ. ٞ‬ر‪ٛ‬ف‪ٍٕ ٟ‬خ ‪٘ 125‬ـ( ّغوح‬ ‫إٌ‪ٛ‬ه اٌيو‪١‬خ ف‪ٛ ٟ‬جمبد اٌ َّبٌِى‪١‬خ ٓ‪ٛ / 46‬جمبد اٌفم‪ٙ‬بء ٌٍْ‪١‬واى‪. ) 64ً ٞ‬‬ ‫‪70‬‬

‫حتى سؤلت من هو أعلم منً‪ :‬هل ترانً موضعاً لذلك؟ سؤلت ربٌعة ‪،‬‬ ‫وٌحٌى بن سعٌد‪ ،‬فؤمرانً بذلك ‪ ،‬وقد كان من منهجه فً التدرٌس أن‬ ‫ٌهتم بالمسابل الواقعة‪ ،‬ولم ٌفترض المتوقعات‪ ،‬ولا ٌحب أن ٌسؤل‬ ‫عنها‪ ،‬على خلبؾ أهل العراق الذٌن شؽفوا بالفقه التقدٌري( )‪.‬‬ ‫لقد صار َمالِك رحمه الله عالماً فذاًّ وعلماً بارزاً‪ٌ ،‬ؤتٌه من مشارق‬ ‫الأرض ومؽاربها طلبة العلم والعلمار المتقنون‪ ،‬من أجل تؤصٌل‬ ‫علمهم‪ ،‬والتق ِّوى برأي الإِ َمام علٌه رحمة الله ‪.‬‬ ‫ومما ورد فً هذا الشؤن‪ ،‬حدٌث أبً هرٌرة عن رسول الله صلى الله‬ ‫علٌه وسلم أنه قال‪ٌ ( :‬وشك أن ٌضرب الرجل أكباد الإبل فً طلب‬ ‫العلم فلب ٌجد عالما أعلم من عالم المدٌنة ) قال إسحاق بن موسى‪:‬‬ ‫فبلؽنً عن ابن جرٌج أنه كان ٌقول‪ :‬نرى أنه َمالِك بن انس( )‪ ،‬وقد‬ ‫قال الأسٌوطً‪ -‬رحمه الله‪ -‬أبٌاتاً تتناول معنى هذا الحدٌث‪:‬‬ ‫قال نبً الهدى حـدٌثاً * * من ح َّفه الله بالسكٌنـة‬ ‫ٌخرج من شرقها وؼرباً * * من طالبً الحكمةالمبٌنة( )‬ ‫فلب ٌرون عـالماً إمـاماً* * أعلم من عـالم المدٌنة ( ) ‪.‬‬ ‫‪، www.habous.gov.ma/ ar/detail.asp -‬رملاً ػٓ ِمبٌخ ٌ‪ٛ‬ىاهح الأ‪ٚ‬لبف ‪ٚ‬اٌْإ‪ ْٚ‬الإٍلاِ‪١‬خ اٌٍّّىخ‬ ‫اٌّغوث‪ٟ‬ح ‪.2006 /4/18 -‬‬ ‫‪ -‬الأزمبء لاثٓ ػجل اٌ َج ِّو ٓ‪ٕ / 51‬ؾ‪١‬ؼ ثٓ ؽجبْ‪،‬ط‪. 52ٓ -9‬‬‫اٌج‪ٕ١‬خ اٌ‪ٛ‬ا‪ٙ‬ؾخ‪ٚ ،‬اٌّؼٕ‪ ٝ‬أٔ‪٠ ُٙ‬طٍج‪ ْٛ‬اٌؼٍُ ػٍ‪ ٝ‬إٔ‪ٚ ٌٗٛ‬ل‪ٛ‬اػلٖ‪ ،‬فلا ‪٠‬غل‪ ٗٔٚ‬وأث‪ِ ٓ١‬ب ‪٠‬ى‪ٚ ْٛ‬أ‪ٙٚ‬ؼ ِب ‪٠‬و‪٠‬ل‪ْٚ‬‬ ‫ػٕل ال ِإ َِبَ َِبٌِه هؽّٗ الله رؼبٌ‪. ٝ‬‬ ‫‪ -‬علاي اٌل‪ ٓ٠‬اٌَ‪ ،ٟٛٛ١‬ري‪ ٓ١٠‬اٌّ َّبٌِه ثّٕبلت َِب ٌِه ِىزجخ اٌلاه اٌج‪ٚ١‬بء‪ ،‬اٌّغوة‪٘ 1426 ،‬ـ ‪. .8ٓ -‬‬ ‫‪71‬‬

‫قال القاضً أبو محمد عبد الوهاب‪ :‬أما أنه لا ٌنازعنا فً هذا‬ ‫الحدٌث أحد من أرباب المذاهب‪ ،‬إذ لٌس منهم من له إمام من أهل‬ ‫المدٌنة فكان ٌقول إنه المراد بقوله إمام المدٌنة‪ ،‬ومن هذا ٌتبٌن أنه‬‫َمالِك بلب خلبؾ‪ ،‬وقد تعارؾ السلؾ الصالح فً ذلك العصر إذا أطلق‬ ‫بٌن أهل العلم عالم المدٌنة وإمام دار الهجرة ‪ ،‬فالمراد به َمالِك دون‬ ‫ؼٌره من علما ر المدٌنة‪ ،‬كما إذا قٌل قال الكوفً فالمراد به أبوحنٌفة‬ ‫دون سابر فقهار الكوفة ‪.‬‬ ‫والصحٌح أن هذا الحدٌث ٌترجح حمله على الإِ َمام َمالِك‪ ،‬وٌتؤكد‬‫حمله على الإِ َمام َمالِك من عدة أوجه‪ ،‬وهذا قول كثٌر من العلمار وهً‬ ‫تحصر فٌما ٌلً‪:‬‬‫الوجه الأول‪ :‬قال القاضً أبوالفضل ِع ٌَاض‪ -‬رحمه الله‪ : -‬فوجه‬‫احتجاجنا بهذا الحدٌث من أن المقصود بالحدٌث‪ ،‬الإِ َمام َمالِك من ثلبثة‬ ‫نقاط‪:‬‬‫‪ -‬أولااًل‪ :‬قول كثٌر من أبمة السلؾ بؤن ‪ -‬المراد البحدٌث هو َمالِك‬‫حسبما ن ـقل عنهم‪ ،‬ولا ٌمكن أن ٌقولوا ذلك إلا عن تحقق ودراٌ ٍة‪ ،‬ولا‬ ‫لٌنشروه وٌتكلموا به‪ ،‬عن اتباع هو ًى‪ ،‬أو انتصا ٍر لمذه ٍب أو إؼذا ٍر‬‫لعصبٌ ٍة‪ ،‬وهم المبررون من هذه الصفات‪ ،‬مع تنافس العلمار والطلبب‬ ‫فً ذلك‪ ،‬وما جبلت علٌه قلوب الناس من قلة الإنصاؾ‪ ،‬لمن ٌفضلهم‬ ‫فً العلم والفضل ‪.‬‬ ‫‪72‬‬

‫‪ -‬انٌاًال‪ :‬إنا لو اعتبرنا ما جار من شهادة السلؾ الصالح بؤنه أعلم من‬ ‫على ظهر الأرض ‪ ،‬وأعلم من بقً ‪ ،‬وأعلم الناس ‪ ،‬وإمام الناس‪ ،‬وعالم‬ ‫المدٌنة‪ ،‬وإمام دار الهجرة ‪ ،‬وأمٌر المإمنٌن فً الحدٌث‪ ،‬وأعلم علمار‬ ‫المدٌنة‪ ،‬وتعوٌلهم على رواٌته‪ ،‬واقتدابهم به وإجماعهم على تقدٌمه ‪.‬‬ ‫‪ -‬ال ااًل‪ :‬ما نبه علٌه بعض العلمار‪ ،‬والمشابخ‪ ،‬بؤن طلبة العلم لم‬ ‫ٌضربوا أكباد الإبل من مشارق الأرض ومؽاربها‪ ،‬ولا رحلوا إلٌه فً‬ ‫ذلك الزمان مع وجود أبمة وعلمار ٌشهد لهم بالفضل والدٌن‪ ،‬وهو كما‬ ‫ٌقول العلبمة الطاهرالزاوي‪ -‬رحمه الله‪ (: -‬ولم ٌرحلوا إلٌه إلاَ لما‬ ‫اعتقدوا فٌه من تق ُّدمه على سابر علمار عصره‪ ،‬ولو اعتقدوا ذلك فً‬ ‫ؼٌره لما رحلوا إلٌه فالناس أكٌس من أن ٌحمدوا رجلبً من ؼٌر أن‬ ‫ٌجدوا آثار إحسانه ونبوؼه( )‪.‬‬ ‫الوجه ال انً‪ :‬أن المعتمد فٌه تقلٌد السلؾ وأبمة المسلمٌن وعلمابهم‬ ‫فً هذه المسؤلة‪ ،‬وبالاعتراؾ ل َمالِك‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ -‬بؤنه أعلم أعلبم‬ ‫عصره وإمامهم‪ ،‬وأنه أعلم علمار المدٌنة ‪ ،‬وأشباه هذا من شهادتهم له‬ ‫بذلك‪ ،‬واعترافهم به ‪ ،‬وتقلٌدهم إٌاه‪ ،‬واقتدابهم به مع رسوخ كثٌر منهم‬ ‫فً العلم‪.‬‬‫ااٌطب٘و أؽّل اٌيا‪ ،ٞٚ‬اٌغ‪ٛ‬ا٘و الإوٍ‪١ٍ١‬خ ف‪ ٟ‬موو أػ‪١‬بْ ٌ‪١‬ج‪١‬ب ِٓ اٌ َّبٌِى‪١‬خ‪ ،‬كاه اٌج‪١‬بهق‪ ،‬ث‪١‬و‪ٚ‬د‪ٌ ،‬جٕبْ‪، َ1991 ،‬‬ ‫ٓ ( ‪.)16 -15‬‬ ‫‪73‬‬

‫ومناقبه كما قال سحنون(‪ )‬أكثر من أن تحصى‪ ،‬وسنورد هنا بعض‬ ‫الآثارالمنببة إلى ما ورارها إن شار الله تعالى و منها ‪ :‬ما قاله ابن‬ ‫هرمز شٌخ َمالِك وأستاذه‪ ،‬قال‪( :‬هو) ٌعنً َمالِكاً( عالم الناس )‪ ،‬وقال‬ ‫سفٌان بن عٌٌنة(‪ )‬لما بلؽه وفا هت‪( :‬ما ترك على الأرض مثله)‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫َمالِك إمام ‪ ،‬و َمالِك عالم أهل الحجاز‪ ،‬و َمالِك حجة فً زمانه و َمالِك‬ ‫سراج الأمة‪ ،‬وما نحن و َمالِك إنما كنا نتبع آثار َمالِك ‪.‬‬ ‫وقال الشافعً (‪َ :)‬مالِك أستاذي ‪ ،‬وعنه أخذنا العلم ‪ ،‬وما أحد أ َم ُّن‬ ‫عل ًَّ من َمالِك ‪ ،‬وجعلت َمالِكاً حجة بٌنً وبٌن الله تعالى‪ ،‬وإذا ذكر‬ ‫العلمار ف َمالِك النجم الثاقب ‪ ،‬ولم ٌبلػ أحد مبلػ َمالِك فً العلم لحفظه‬ ‫وإتقانه‪ ،‬وقال الشافعً أٌضاً‪ :‬العـلم ـيدور على ثلبثة َمالِك واللٌث(‪،)‬‬ ‫‪ ٛ٘- ‬أث‪ٍ ٛ‬ؼ‪١‬ل ػجل اٌَلاَ ثٓ ٍؼ‪١‬ل اٌزٕ‪ٛ‬ف‪ ٟ‬اٌم‪١‬و‪ٚ‬أ‪ ِٓ ،ٟ‬ػٍّبء اٌ َّبٌِى‪١‬خ الأ‪ٚ‬ائً‪ ٛ٘ٚ ،‬اٌن‪ْٔ ٞ‬و ػٍُ َِب ٌِه ف‪ٟ‬‬ ‫ّّبي أفول‪١‬ب‪ٕ ٛ٘ٚ ،‬بؽت اٌّل‪ٔٚ‬خ اٌّْ‪ٛٙ‬هح ‪ٚ‬ها‪ٙ٠ٚ‬ب ػٓ اثٓ اٌمبٍُ ‪ٌٚ،‬ل ٍٕخ ‪٘160‬ـ ‪ -‬ر‪ٛ‬ف‪ ٟ‬ثبٌم‪١‬و‪ٚ‬اْ ٍٕخ‬ ‫‪٘240‬ـ ( ّغوح إٌ‪ٛ‬ه اٌيو‪١‬خ ف‪ٛ ٟ‬جمبد اٌ َّب ٌِى‪١‬خ ‪.) 70ٓ ،‬‬ ‫‪ ٛ٘ - ‬ال ِإ َِبَ اٌؼبٌُ‪ ،‬اٌّؼو‪ٚ‬ف‪ٍ ،‬ف‪١‬بْ ثٓ ػ‪ٕ١١‬خ‪ ،‬ر‪ٛ‬ف‪ٍٕ ٟ‬خ ‪٘198‬ـ لبي اٌْبفؼ‪َِ ٟ‬ب ٌِه ‪ٚ‬اثٓ ػ‪ٕ١١‬خ اٌمو‪ٕ٠‬بْ‪ٌٛٚ ،‬لا‬ ‫َِبٌِه ‪ٚ‬ثٓ ػ‪ٕ١١‬خ ٌن٘ت ػٍُ اٌؾغبى‪،‬أظو‪ٛ( -‬جمبد اٌفم‪ٙ‬ب ٌٍْ‪١‬واى‪. )98ٓ ٞ‬‬ ‫‪ ٛ٘ - ‬ال ِإ َِبَ اٌؼبٌُ‪ٌّ ،‬ؼو‪ٚ‬ف‪ٍ ،‬ف‪١‬بْ ثٓ ػ‪ٕ١١‬خ‪ ،‬ر‪ٛ‬ف‪ٍٕ ٟ‬خ ‪٘198‬ـ لبي اٌْبفؼ‪َِ ٟ‬بٌِه ‪ٚ‬اثٓ ػ‪ٕ١١‬خ اٌمو‪ٕ٠‬بْ ‪ٌٛٚ ،‬لا‬ ‫َِبٌِه ‪ٚ‬ثٓ ػ‪ٕ١١‬خ ٌن٘ت ػٍُ اٌؾغبى‪،‬أظو‪ٛ( -‬جمبد اٌفم‪ٙ‬ب ٌٍْ‪١‬واى‪. )98ٓ ٞ‬‬ ‫‪ِ - ‬ؾّل ثٓ ئكه‪ ٌ٠‬ثٓ اٌؼجبً ثٓ ّبفغ – ل‪ ً١‬ئْ َٔجٗ ‪٠‬وعغ ػٍ‪ ٝ‬ثٓ ْ٘بَ ثٓ اٌّطٍت ‪ ،‬اٌموّ‪ٌٚ ٟ‬ل ٍٕخ ‪، 150‬‬ ‫ثؼل ئوّبي َِب ٌِه ِ‪ٛٛ‬أٖ ثؼْو ٍٕ‪ٕ ٛ٘ٚ ، ٓ١‬بؽت اٌّن٘ت اٌّْ‪ٛٙ‬ه ‪ٚ ،‬ثٍغ ِٓ اٌؼٍُ للهاً ػظ‪ّ١‬بً ؛ ؽز‪ٕ ٝ‬به ‪ٚ٠‬وة‬ ‫ثٗ اٌّضً ف‪ ٟ‬ؽفظٗ ‪ٚ ،‬ف‪ ، ّٗٙ‬لبي ػٓ ٔفَٗ ٌم‪ ٍَُِ ٟٕ١‬ثٓ فبٌل اٌئغ‪ ، ٟ‬فمبي ‪٠ :‬بفز‪ ِٓ ٝ‬أ‪ ٓ٠‬أٔذ ؟ لٍذ ِٓ أً٘‬ ‫ِىخ ‪ ،‬لبي أ‪ِٕ ٓ٠‬يٌه ث‪ٙ‬ب ؟ لٍذ ّؼت اٌق‪١‬ف ‪ ،‬لبي ‪ ِٓ :‬أ‪ ٞ‬لج‪ٍ١‬خ أٔذ ؟ لٍذ ِٓ ‪ٌٚ‬ل ػجل ِٕبف ‪ ،‬لبي ثـ ثـ ٌمل‬ ‫ّوفه الله ف‪ ٟ‬اٌلٔ‪١‬ب ‪ٚ‬ا‪٢‬فوح ‪ٚ ،‬لبي للِذ ػٍ‪َِ ٝ‬ب ٌِه ‪ٚ ،‬لل ؽفظذ اٌّ‪ٛٛ‬أ فمبي ٌ‪ : ٟ‬أؽ‪ٚ‬و ِٓ ‪٠‬موأ ٌه ‪ ،‬فمٍذ ‪ :‬أٔب‬ ‫لبهب ‪ ،‬فموأد ػٍ‪ ٗ١‬اٌّ‪ٛٛ‬أ ؽفظبً ‪ ،‬فمبي ‪ :‬ئْ ‪٠‬ه أؽ ٌل ‪٠‬فٍؼ ف‪ٙ‬نا اٌغلاَ ‪ٚ ،.‬لبي ‪٠‬ؾ‪ ٝ١‬ثٓ ِؼ‪ : ٓ١‬وبْ أؽّل ثٓ ؽٕجً‬‫‪ٕٙ٠‬بٔب ػٓ اٌْبفؼ‪ ٟ‬صُ اٍزمجٍزٗ ‪ِٛ٠‬بً ‪ٚ‬اٌْبفؼ‪ ٟ‬هاو ٌت ثغٍزٗ ‪ ّْٟ٠ ٛ٘ٚ‬فٍفٗ فمٍذ ‪٠ :‬ب أثب ػجل الله رٕ‪ٙ‬بٔب ػٕٗ ‪ٚ‬رزجؼٗ ؟‬ ‫فمبي اٍىذ ٌ‪ٌ ٛ‬يِذ اٌجغٍخ لأزفؼذ ‪ ،‬ر‪ٛ‬ف‪ ٟ‬هؽّٗ الله ف‪ ٟ‬آفو هعت ٍٕخ ‪٘204‬ـ ػٓ ‪ٍٕ 54‬خ ( ‪ٛ‬جمبد اٌفم‪ٙ‬ب لأث‪ٟ‬‬ ‫ئٍؾبق اٌْ‪١‬واى‪. )104 ٓ ٞ‬‬ ‫‪ :ٛ٘ - ‬أث‪ ٛ‬اٌؾبهس اٌٍ‪١‬ش ثٓ ٍؼل ثٓ ػجل اٌوؽّٓ ‪ٌٚ‬ل ٍٕخ ‪٘ 94‬ـ لبي ػٕٗ اٌْبفؼ‪ ٟ‬اٌٍ‪١‬ش أفمٗ ِٓ َِبٌِه ئلا أْ‬‫إٔؾبثٗ ٌُ ‪٠‬م‪ِٛٛ‬ا ثٗ ‪ ،‬ر‪ٛ‬ف‪ٍٕ ٟ‬خ ‪٘175‬ـ ‪ٚ‬كفٓ ‪ َٛ٠‬اٌغّؼخ لبي ػٕٗ اثٓ ‪٘ٚ‬ت ‪ٚ‬الله اٌن‪ ٞ‬لائٌٗ ئلا٘‪ِٛ‬ب هأ‪ٕ٠‬ب أؽلاً ل‪ٜ‬‬ ‫أفمٗ ِٓ اٌٍ‪١‬ش ( ‪ٛ‬جمبد اٌفم‪ٙ‬بء ٌٍْ‪١‬واى‪. )78ٓ ٞ‬‬ ‫‪74‬‬

‫وسفٌان بن عٌٌنة‪ ،‬وحكً عن الأوزاعً(‪ )‬أنه كان إذا ذكره قال‪ :‬عالم‬ ‫العلمار وعالم أهل المدٌنة ومفتً الحر مٌن‪ ،‬وقال أبو ٌوسؾ (‪ :)‬ما‬ ‫رأٌت أعلم من ثلبثة‪ ،‬وذكر َمالِكاً‪ ،‬وأبا حنٌفة‪ ،‬وابن أبً لٌلى‪ ،‬وقال ابن‬ ‫مهدي‪ :‬و قد سبل عن َمالِك ‪ ،‬وأبً حنٌفة ‪َ :‬مالِك أعلم من أستاذي أبي‬ ‫حنٌ ةؾ( )‪.‬‬ ‫عرؾ عن الإِ َمام َمالِك أنه كان قوي الحافظة‪ ،‬وجٌد التحري فً‬ ‫رواٌة الحدٌث مدققا فً ذلك كل التدقٌق‪ ،‬لاٌنقل إلا عن متثب ٍت من‬ ‫حاله‪ ،‬عار ٍؾ بسٌرته‪ ،‬فهو لا ٌؽتر بمظهر الراوي أو هٌبته‪ ،‬وقال له‬ ‫شٌخه وأستاذه ابن شهاب الزهري‪( :‬أنت من أوعٌة العلم أوإنك لنِعم‬ ‫مستو َدع العلم )( ) ‪.‬‬ ‫قال الإِ َمام َمالِك‪(:‬لقد أدركت فً هذا المسجد \"مسجد المدٌنة المنورة\"‬ ‫سبعٌن ممن ٌقول‪ :‬قال فلبن( ) قال رسول الله صلى الله علٌه وسلم فما‬ ‫أخذت عنهم شٌبا‪ ،‬وإن أحدهم لو أإتمن على بٌت مال المسلمٌن لكان‬ ‫أمٌنا علٌه‪ ،‬إلا أنهم لم ٌكونوا من أهل هذا الشؤن)( ) ‪.‬‬‫‪ ٛ٘ - ‬أث‪ ٛ‬ػّو‪ ٚ‬ػجل اٌوؽّٓ ثٓ ػّو‪ ٚ‬الأ‪ٚ‬ىاػ‪ٌٚ ٟ‬ل ٍٕخ ‪٘ 121‬ـ ‪ٚ‬وبْ ‪َ٠‬أي ف‪ ٟ‬اٌفمٗ ‪ٚ‬ػّوٖ ‪ٍٕ 13‬خ ‪ ،‬لبي ػجل‬ ‫اٌؾّٓ ثٓ ِ‪ٙ‬ل‪ِ ٞ‬ب وبْ أؽل ثبٌْبَ أػٍُ ِٓ الأ‪ٚ‬ىاػ‪ِٚ، ٟ‬بد ٍٕخ ‪٘ 187‬ـ ‪ٚ‬ػّوٖ ‪ٍٕ 60‬خ ( ‪ٛ‬جمبد اٌفم‪ٙ‬بء‬ ‫ٌٍْ‪١‬واى‪. )76ٓ ٞ‬‬‫‪ ٛ٘ ‬اٌمب‪ ٟٙ‬أث‪ٍٛ٠ ٛ‬ف‪٠ ،‬ؼم‪ٛ‬ة ثٓ ئثوا٘‪ٌٚ ، ُ١‬ل ٍٕخ ‪٘ 110‬ـ ‪ِٚ ،‬بد ٍٕخ ‪٘ 158‬ـ‪،‬أفن اٌفمٗ ػٓ أث‪ ٟ‬ؽٕ‪١‬فخ‪،‬‬‫‪ ِٓ ٛ٘ٚ‬ع‪ٙ‬بثنح اٌّن٘ت‪ٚ ،‬وبْ ِٓ إٔؾبة اٌؾل‪٠‬ش صُ غٍت ػٍ‪ ٗ١‬اٌوأ‪٠ٚ ٞ‬مبي ٌٗ ل ّ‪١‬بً إٔؾبة أث‪ ٟ‬ؽٕ‪١‬فخ‪ٛ (.‬جمبد‬ ‫اٌفم‪ٙ‬بء ٌٍْ‪١‬واى‪. ) 134 ٓ ٞ‬‬ ‫‪ -‬اٌمب‪ِ ٟٙ‬ػ َ‪١‬بٗ‪ ،‬رور‪١‬ت اٌّلاهن ط‪. ) 25 - 24 ( ٓ،1‬‬ ‫‪ -‬اٌمب‪ِ ٟٙ‬ػ‪َ١‬بٗ‪ ،‬رور‪١‬ت اٌّلاهن ‪.‬ط‪. 148 ٓ 1‬‬ ‫‪٠ -‬ؼٕ‪ ٟ‬أٔ‪ ِٓ ُٙ‬اٌزبثؼ‪ ،ٓ١‬فٍ‪ ٌ١‬ث‪ٚ ُٕٙ١‬ث‪ ٓ١‬هٍ‪ٛ‬ي الله ٍٕ‪ ٝ‬الله ػٍ‪ ٍٍُٚ ٗ١‬ئلا ‪ٛ‬جمخ ‪ٚ‬اؽلح ‪.‬‬‫‪ٔ / http://ar.wikipedia.org /wiki -‬ملا ػٓ وزبة أئّخ اٌؾل‪٠‬ش ٌٍلوز‪ٛ‬ه – ػجل اٌّغ‪١‬ل اٌؾَ‪/5 / 8 / ٟٕ١‬‬ ‫‪. َ2005‬‬ ‫‪75‬‬

‫لم ٌرحل الإِ َمام َمالِك فً طلب الحدٌث‪ ،‬مع أن الرحلة فً ذلك الوقت‬ ‫كانت من سمت طلبة العلم والمشابخ‪ ،‬ولكنه ظل ملبزماً المدٌنة‪ ،‬لأنه‬ ‫كان ٌرى أن‪ -‬مدٌنة رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬هً أفضل مكان‬ ‫ٌمكن أن ٌجد فٌه ضالته‪ ،‬من أث ٍر صحٌ ٍح‪ ،‬أو سن ٍة ماضٌ ٍة‪ ،‬كانت على‬‫عهد رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬وأقوال الصحاب ِة كؤبً بك ٍر وعمر‬ ‫وعلًٍ‪ ،‬وأبً هرٌرة‪ ،‬وعابشة أم المإمنٌن‪ ،‬رضً الله عنهم أجمعٌن‪،‬‬‫ومن سلؾ من شٌوخ التابعٌن وعلمابهم كابن شهاب الزهري‪ ،‬وهرمز‪،‬‬ ‫ونافع مولى بن عمر ‪ ،‬وابن المنكدر‪ ،‬وعبد الله بن دٌنار‪ ،‬وصالح بن‬ ‫كٌسان‪ ،‬وسعٌد المقبري‪ ،‬وؼٌره م ‪.‬‬ ‫جلوسه للتدرٌس والإفـتاء ‪:‬‬ ‫جارت الرواٌات أن َمالِكاً جلس للتدرٌس وهو فً السابعة عشر‬ ‫من العمر( وقد كانت المدٌنة زهرة الإسلبم‪ ،‬ودوحة الدٌن‪ ،‬ونبع السنة‬ ‫الصافً‪ ،‬ومعٌن العلم الشرعً المستند إلى النقل الصحٌح‪ ،‬عن‬‫الصحابة ومن جار بعدهم من التابعٌن)( ) ولم ٌجلس للئفتار حتى شهد‬ ‫له سبعون من فقهار المدٌنة أنه أهل لذلك ‪.‬‬ ‫وهو مع ذلك كان فً تدرٌسه وإفتابه شدٌد الإخلبص للكتاب‬‫والسنة‪ٌ ،‬تحرز من أن ٌقول هذا حلبل وهذا حرام من ؼٌر ن ٍّص منهما‪،‬‬ ‫‪ -‬ػجل اٌؾٍ‪ ُ١‬اٌغٕل‪َِ ،ٞ‬ب ٌِه ثٓ أٌٔ‪ ،‬كاه اٌّؼبهف‪،‬اٌطجؼخ اٌضبٌضخ‪. 60ٓ ،1993 ،‬‬ ‫‪76‬‬

‫وأما ما ٌراه من ؼٌر الكتاب والسنة‪ ،‬فٌذكر رأٌه من ؼٌر أن ٌقطع‬ ‫بحرم ٍة‪ ،‬وكثٌرا ما كان ٌعقب كلبمه بقوله‪ :‬إن نظن إلا ظناًّ وما نحن‬ ‫بمستٌقنٌن ‪.‬‬ ‫ولقد روي عنه أنه قال فً اقتفار خط السلؾ‪ ،‬واستنكار صنٌع فقهار‬‫عصره‪ :‬ما شً فٌر أشد عل ًَّ من أن أسال عن مسؤل ٍة فً الحلبل والحرام‪،‬‬ ‫فإن هذا هو القطع حكم الله‪ ،‬ولقد أدركت أهل العلم والفقه ببلدنا‪ ،‬وإن‬‫أحدهم إذا سبل عن مسؤلة فكان الموت أشرؾ علٌه‪ ،‬ورأٌت أهل زماننا‬ ‫هذا ٌشتهون الكلبم والفتٌا‪ ،‬ولو وقفوا على ما ٌصٌرون إلٌه ؼداً لقلَّلوا‬ ‫من هذا‪ ،‬وإن عمر بن الخطاب وعلٌاً وخٌار الصحابة كانت تتردد‬ ‫علٌهم المسابل‪ ،‬وهم خٌر القرون الذٌن بعث فٌهم النبً صلى الله علٌه‬‫وسلم‪ ،‬وأهل زماننا هذا قد صا ر همهم الفتٌا‪ ،‬فبقدر ذلك ٌفتح له م من‬ ‫العلم‪ ،‬ولم ٌكن من أمر الناس‪ ،‬ولا من مضى من سلفنا الذٌن ٌقتدى‬ ‫بهم‪ ،‬وٌعول أهل الإسلبم علٌهم أن ٌقولوا هذا حلب فٌل وهذا حرا فٌم‪ ،‬ولكن‬ ‫ٌقال أنا أكره كذا‪ ،‬وأما حلب فٌل وحرام فهذا افترار على الله‪ ،‬وقد قال‬‫تعالى‪ ( :‬قُ ْل أَ َرأَ ٌْ ُتم َّما أَن َز َل ال ّلهُ لَ ُكم ِّمن ِّر ْز ٍق َف َج َع ْل ُتم ِّم ْن ُه َح َراماً َو َحلبَلاً‬‫ُق ْل آل ّلهُ أَ ِذ َن َل ُك ْم أَ ْم َع َلى ال ّلهِ َت ْف َت ُرو َن)( ) لأن الحلبل ما أحله الله ورسوله‬ ‫( )‪.‬‬ ‫ومن شدة إخلبص وورع الإِ َمام‪ -‬رحمه الله‪ -‬فً الفتوى‪ ،‬أنه كان‬ ‫ٌقول‪ :‬لا أحسن ولا أدري‪ -‬إذا أعمل فكره ولم ٌصل إلى شً ٍر‪ ،‬وقد‬ ‫اشتهر ذلك عنه‪ ،‬وقد سبل عن اثنٌن وعشرٌن مسؤل ًة‪ ،‬فؤجاب عن اثنٌن‬ ‫‪ٍٛ -‬هح ‪ ٌٔٛ٠‬ا‪٠٢‬خ ‪. 59‬‬ ‫‪ -‬الأزمبء لاثٓ ػجل اٌ َج ِّو ٓ‪. 57‬‬ ‫‪77‬‬

‫فقط‪ ،‬وأعلن فً الباقً أنه لا ٌحسنها‪ ،‬وما أحسن ما ٌصفه به بعض‬ ‫تلبمٌذه فً امتناعه عن الفتوى أحٌاناً وهو الفقٌه‪ ،‬العالم حٌث كان‬ ‫ٌقول‪( :‬إن الفقه ممال ٌفة(‪)‬وما رفعه الله إلا بالتقوى)( ) ‪.‬‬ ‫ومما ٌذكر فً هذا الباب‪ ،‬ما ُنقل فً مواهب الجلٌل على مختصر‬ ‫خلٌل‪ ،‬عن ورعه وعدم الاستهانة بؤمور الفتوى‪ ،‬أنه قال‪ :‬إن المسؤلة إذا‬ ‫سبل عنها الرجل فلم ٌجب واندفعت عنه فإنما هً بلٌ فٌة فًٌ صرفها الله‬ ‫عنه ( ) ‪.‬‬ ‫ومما ٌنبؽً أن نشٌر إلٌه فً هذا الصدد‪ ،‬تلقً مجتمع المدٌنة فً ذلك‬ ‫العصر لآرار الإِ َمام َمالِك وفتاوٌه بالقبول‪ ،‬حتى أنه اشتهر بٌنهم فً‬ ‫ذلك الوقت قولهم‪( :‬لا ٌفتى و َمالِك فً المدٌنة)( )‪ ،‬بل نكاد نجزم أ َّن‬ ‫الأمة بؤسرها فً ذلك العهد قد تلقت آراره وفتاواه بالقبول‪ ،‬بل صاروا‬ ‫ٌقصدونه من مختلؾ الأمصار‪ ،‬وٌشدون الرحال إلٌه للبستفادة منه‬ ‫ومن علمه ‪.‬‬ ‫سمته وأخلاقه ‪:‬‬ ‫إن عالماً بارزاً كالإِ َمام َمالِك‪ -‬رحمه الله‪ ،-‬لم ٌبلػ ما بل غ من قدر‬ ‫وإجلب ٍل فً أعٌن الناس‪ ،‬ولم ٌتبوأ هذه المكانة العلمٌة الرفٌعة‪ ،‬إلا‬ ‫بخلق حسن وسمت كرٌم‪ ،‬وتواضع‪ ،‬وورع وتقوى‪ ،‬وحر ٍص على‬ ‫‪ٚ - ‬اٌّمٖ‪ٛ‬ك صمٍٗ ‪ٚ‬ػظُ أِوٖ ‪ٚ‬أْ اٌَلاِخ ف‪ ٗ١‬رى‪ ْٛ‬ثزم‪ ٜٛ‬الله ػي ‪ٚ‬عً‪ ،‬صُ ثبٌزضجذ ف‪ ٟ‬اٌفز‪ٚ ،ٜٛ‬ػلَ اٌزَوع‬ ‫‪ٚ‬رف‪ ٘٠ٛ‬اٌؼٍُ لله ٍجؾبٔٗ ف‪ّ١‬ب ‪ْ٠‬ىً ِٓ َِبئٍٗ ‪.‬‬ ‫‪ِ -‬ؾّل أث‪ٛ‬ى٘وح ‪َِ ،‬ب ٌِه ؽ‪١‬برٗ ‪ٚ‬ػٖوٖ ‪. 95 ٓ ،‬‬‫‪ -‬أث‪ ٟ‬ػجلالله ِؾّل ثٓ ِؾّل ثٓ ػجلاٌوؽّٓ اٌّغوث‪ ٟ‬اٌّؼو‪ٚ‬ف ثبٌؾطبة‪ِٛ،‬ا٘ت اٌغٍ‪ٌْ ً١‬وػ ِقزٖو فٍ‪ٙ ،ً١‬جطٗ‬ ‫فوط آ‪٠‬برٗ ‪ٚ‬أؽبك‪٠‬ضٗ‪-‬اٌْ‪١‬ـ ىوو‪٠‬بء ػّ‪١‬واد‪ ،‬كاه اٌىزت اٌؼٍّ‪١‬خ‪ ،‬ث‪١‬و‪ٚ‬د‪ ، َ1995 ،‬ط‪41ٓ1‬‬ ‫‪ِٛٛ -‬أ َِبٌِه‪ ،‬رؾم‪١‬ك‪ -‬ؽبِل أؽّل اٌطب٘و ‪ ،‬كاه اٌفغو ٌٍزواس ‪،‬اٌمب٘وح ‪ِٖ ،‬و‪. 3ٓ ، َ2005 ،‬‬ ‫‪78‬‬

‫طلب العلم‪ ،‬واحترا ٍم لشٌوخه وتر ُّإ ٍؾ بتلبمذته‪ ،‬وإخلب ٍص فً تبلٌػ‬‫العلم‪ ،‬والذود عن حٌاض الدٌن‪ ،‬ودوحة الإسلبم‪ ،‬و َمعٌن السنة الصافً‪،‬‬ ‫فقد أخلص‪ -‬رحمه الله‪ -‬فً طلب العلم إ ْذ طلبه لذات الله تعالى‪ ،‬لا ٌرٌد‬ ‫به علواً ولا استكباراً‪ ،‬كما ٌفعل بعض المنتسبً ن للعلم الذٌن ٌرٌدون‬ ‫بعلمهم الدنٌا‪ ،‬وأن ٌصرفوا وجوه الناس إلٌهم‪ ،‬فلم ٌكن الإِ َمام َمالِك‬ ‫كذلك‪ ،‬بل كان ٌرٌد بعلمه إلا وجه الله‪ -‬عز وجل‪ -‬وهو فً هذا ٌتقرب‬ ‫بعلمه إلى ربه‪ ،‬وقد أ َّثر هذا الإخلبص فً نفسٌته حٌث إنه لم ٌؤخذ هذا‬ ‫العلم عن كل من ه َّب ود َّب‪ ،‬بل كان ٌقول‪( :‬إن هذا العلم دٌ ٌفن فانظروا‬ ‫عمن تؤخذون دٌنكم ) ( )‪.‬‬ ‫وكان صبوراً ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬ومثابراً فً طلب العلم حتى ٌروى أنه‬ ‫احتاج مر ًة فباع سقؾ بٌته فً سبٌل العلم‪ ،‬وكان ٌؽالب الصعاب‬ ‫وٌكافح الفقر‪ ،‬وكان رحمه الله ٌجلس على باب شٌوخه فً شدة ال َب ِّرد‪،‬‬ ‫وٌتقً برد المجلس بوسادة ٌجلس علٌها‪ ،‬وكان ٌصبر على ما ٌبدر من‬ ‫حدة الشٌوخ‪ ،‬وٌتلقاها بصدر رحب‪ ،‬وكؤنه ٌرى أ َّن المجاهدة فً طلب‬ ‫العلم مما ٌثبته وٌم ِّكنه فً النفس‪ ،‬وقد كان ‪-‬رضً الله عنه‪ٌ -‬قول‪:‬‬ ‫(لاٌبلغ أح ٌفد ما ٌرٌد من هذا العلم‪ ،‬حتى ٌضربه الفقر وٌإثر على حاله‬ ‫)( )‪.‬‬ ‫وهذا الإخلبص هو الذي دفعه إلى التزام ما كان علٌه سلؾ هذه‬‫الأمة‪ ،‬وأٌضا جعله ٌنآى بنفسه عما لا ٌلً ق بالعلم وأهله‪ ،‬وكان ٌطلب‬ ‫العلم لذاته‪ ،‬وللـَّه وفً اللـَّه‪ ،‬وقد ابتعد كل البعد عن الجدال‪ ،‬لأن‬ ‫‪ِ -‬ؾّل أث‪ٛ‬ا ى٘وح‪َِ ،‬بٌِه ؽ‪١‬برٗ ‪ٚ‬ػٖوٖ‪. 93 ٓ ،‬‬ ‫‪ِ -‬ؾّل أث‪ ٛ‬ى٘وح‪َِ ،‬بٌِه ؽ‪١‬برٗ ‪ٚ‬ػٖوٖ‪. 92 ٓ ،‬‬ ‫‪79‬‬

‫المجادلة نوع من المنازلة‪ ،‬ودٌن الله أعلى من أن ٌكون موضعاً لنزال‬ ‫المسلمٌن‪ ،‬ولأن الجدل ٌدفع فً كثٌر ٍمن الأحٌان إلى التعصب لفكرة أو‬ ‫لقضٌ ٍة ما‪ ،‬قد تكون خاطب ًة! فالمجادل مندفع فً الؽالب للبنتصار‬ ‫لرأٌه‪ ،‬والمتعصب لا ٌرى إلا بعٌ ٍن واحدة ‪.‬‬ ‫وكان ٌرى رحمه الله‪ :‬أن العلم لا ٌكون موضع جدا ٍل ولامسا بقة‪،‬‬ ‫لأنه فً هذه الحال قد ٌكون الؽرض منه أن ٌنال إعجاب السامعٌن ‪.‬‬ ‫ومما لاشك فٌه أن‪ -‬من ٌدفعه إلى القول فً العلم‪ ،‬والتج ُّرإ على‬ ‫الفتوى الرؼبة فً الإعجاب ومدح الناس‪ٌ -‬قول الحق والباطل‪،‬‬ ‫والصدق والكذب‪ ،‬ثم إن َمالِكاً‪ -‬رحمه الله‪ -‬كان ٌرى أن الجدل لا ٌلً ق‬ ‫بكرامة العلمار‪ ،‬لأن السامعٌن ٌنظرون إلٌهم وهم ٌتؽـالبون فً القـول‪،‬‬ ‫كمــا ٌنظرون إلً الدٌكة وهً تتشابك مع بعضها‪ ،‬وتتصاٌح على حد‬ ‫وصؾ َمالِك‪ ،‬ولقد أجاب بهذه الحقٌقة الخلٌفة هارون الرشٌد وأبا‬ ‫ٌوسؾ‪ ،‬عندما قال له الرشٌد ناظر أبا ٌوسؾ‪ ،‬فرد علً ه بحج ٍة قو ٌّ ٍة‬ ‫مفحمة‪ -‬إن دلَّت على شًر‪ -‬فإنما تدل على مكانة العالم ومهابته‬ ‫وشخصٌته حٌث قال‪ -‬رحمه الله‪ٌ( :-‬اأمً ر المإمنٌن‪ ،‬إن العلم لٌس‬ ‫كالتحرٌش بٌن البهابم والدٌكة)( ) ‪.‬‬‫‪ -‬اٌمب‪ِ ٟٙ‬ػ‪َ١‬بٗ ‪ ،‬رور‪١‬ت اٌّلاهن اٌّلاهن ط‪ٚ 119 ٓ2‬أظو ‪ِ -‬ؾّل أث‪ ٛ‬ى٘وٖ َِبٌِه ؽ‪١‬برٗ ‪ٚ‬ػٖوٖ ‪96 ٓ،‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪80‬‬

‫ولقد دفعه إخلبصه للعلم والفقه كذلك إلى‪ -‬أن ٌبتعد عن الإكثار من‬ ‫التحدٌث‪ ،‬فقد كان لا ٌحد ث بكل ما ٌعلم‪ ،‬وكان ٌعد من ٌكثر من‬ ‫ال َّتح ِدٌث‪ ،‬ومن ٌح ِّدث بكل ما‪ٌ -‬علم أحمق( ) ‪.‬‬ ‫تنبٌه ‪ :‬حتماً إن الإِ َمام‪ -‬رحمه الله‪ -‬لم ٌكن ٌقصد بذلك كتمان العلم‪،‬‬ ‫أو تسفٌه من ٌحدث بما ٌعلم‪ ،‬من أمثال العلما َر ومصنفٌن فً عصره‪،‬‬ ‫أو من ٌؤتون من بعده‪ ،‬وإنما قصد‪ -‬رحمه الله‪ -‬التحذٌر والتنفٌر من‬ ‫الفتوى بؽٌر علم‪ ،‬والمقصود بالعلم هو التحقق من المسؤلة ومعرفة‬ ‫فروع أدلتها‪ ،‬ومناقشتها مناقشة ضافٌ ًة‪ ،‬بحٌث تنتفً الجهالة بمعرفة‬ ‫الأصول التً بن ًَ علٌها الحكم‪ ،‬ولٌس مقصوداً بكلبمه نفً الاجتهاد‬ ‫عن العالم‪ ،‬فذلك منصوص علٌه شرعاً بؤن المجتهد إذا أصاب فله‬ ‫أجران‪ ،‬وإن أخطؤ فله أج ٌفر‪ ،‬كما جار فً الصحٌح عن النبً صلى الله‬ ‫علٌه وسلم أنه قال لمعاذ حٌن بعثه إلى الٌمن قاضٌاً‪ :‬بم تحكم ؟ قال‬‫بكتاب الله قال‪ :‬فإن لم تجد قال‪ :‬فبسنة رسول الله‪ ،‬قال فإن لم تجد؟ قال‪:‬‬ ‫أجتهد لها رأًٌ فقال له الرسول صلى الله علٌه وسلم‪ :‬الحمد لله الذي‬ ‫وفق رسول رسول الله لما ٌحبه الله ورسوله( )‪.‬‬ ‫فقول العالم المبنً على دلٌ ٍل صحٌ ٍح‪ ،‬أو اجتهاد له أصل شرع ًٌّ‪،‬‬ ‫ٌعتبر قولاً له وزنه‪ ،‬وحتماً إن الإِ َمام َمالِك لم ٌكن ٌقصد العلمار‬ ‫الربانٌٌن الذٌن ٌفتون على بصٌر ٍة وعلم ودراٌ ٍة ‪.‬‬ ‫‪ -‬اٌمب‪ِ ٟٙ‬ػ‪َ١‬بٗ ‪ ،‬رور‪١‬ت اٌّلاهن اٌّلاهن ط‪ِ ، 119 ٓ2‬ؾّل أث‪ ٛ‬ى٘وٖ َِب ٌِه ؽ‪١‬برٗ ‪ٚ‬ػٖوٖ ٓ‪. 72‬‬‫‪ -‬ػجل اٌؼظ‪ّ ُ١‬وف اٌل‪ ،ٓ٠‬ربه‪٠‬ـ اٌزْو‪٠‬غ الإٍلاِ‪،ٟ‬ػجل اٌؼظ‪ّ ُ١‬وف اٌل‪َِْٕٛ ،ٓ٠‬هاد عبِؼخ لبه‪،ٌٔٛ٠‬‬ ‫ثٕغبى‪.َ1989 ،ٞ‬‬ ‫‪81‬‬

‫وكان من إخلبصه أٌضاً أنه كان لا ٌتعرض لأحكام القضاة و ٌقول‪:‬‬‫هذا من متاع السلطان لأن‪ -‬التعرض لأحكام القضاة بالنقد على ملؤ من‬‫التلبمذة والأصحاب‪ٌ ،‬ج ِّرئ الناس على عصٌانها‪ ،‬أو على الأقل ٌذهب‬‫بما تستحقه من مهاب ٍة وإجلب ٍل‪ ،‬وكان ٌرى عدم منازعة القضاة‪ ،‬وذلك ‪-‬‬‫لتجت َّث المنازعات من جذورها‪ ،‬ولكٌلب تفتح على الناس باب المنازعات‬ ‫بالحق وبالباطل ( ) ‪.‬‬‫وكان رحمه الله بعٌداً عن العجب‪ٌ ،‬سؤل عن المسؤلة – فلب ٌتحرج‬ ‫من قول لا أدري إذا لم ٌترجح عنده رأ ٌفي‪ٌ ،‬ستد ُّل علٌه وٌتب ٌَّنه عن ثق ٍة‬‫وٌقٌن‪ ،‬قال ابن أبً حسان‪ :‬سبل َمالِك عن اثن ٌتن وعشرٌن مسؤلة ‪ ،‬فما‬‫أجاب إلا فً اثنتٌن‪ ،‬بعد أن أكثر من قول‪( :‬لا حول ولا قوة إلا بالله )‪،‬‬‫وكان الرجل ٌسؤله عن المسؤلة فٌقول‪ :‬العلم أوسع من هذا ‪ ،‬قؾال‬‫بعضهم إذا قلت أنت ٌا أبا عبد الله لا أدري ‪ ،‬فمن ٌدري ؟‪ ،‬قال‪ :‬وٌحك‬‫ما عرفتنً؟ وم ن أنا؟ وأي شًر منزلتً حتى أد ري ما لا تدرون ؟‪ ،‬ثم‬‫أخذ ٌحتج بحدٌث ابن عمر ‪ ،‬حٌث ٌقول‪ :‬لا أدري فمن أنا ؟ وإنما أهلك‬ ‫الناس العجب( )‪.‬‬ ‫ومن المزاٌا التً حبا الله عز وجل بها الإِ َمام َمالِك‪ ،‬تلك المهابة فً‬ ‫قلوب الخلق‪ ،‬فقد تواترت الرواٌات وكثرت عن مهابته‪ ،‬فقد كان‬ ‫تلبمذته ٌهابونه ‪ -‬حتى إن الرجل ٌؤتً إلى درس َمالِك‪ ،‬وٌدخل على‬‫تلبمٌذه وهـم فً حلقة الدرس مع الإِ َمام فٌلقً علٌهم السلبم‪ ،‬فلب ٌردون‬ ‫علٌه إلا همهم ًة أو إشارة‪ ،‬وٌشٌرون إلٌه ألا ٌتكلم مهاب ًة وإجلبلاً‪،‬‬ ‫‪ِ -‬ؾّل أث‪ ٛ‬ى٘وح‪َِ ،‬بٌِه ؽ‪١‬برٗ ‪ٚ‬ػٖوٖ‪. 100 ٓ ،‬‬ ‫‪ -‬رور‪١‬ت اٌلاهن ٌٍمبٗ ِػ َ‪١‬بٗ ‪. 79ٓ ،‬‬ ‫‪82‬‬

‫فٌستنكر علٌهم أن ٌكونوا كذلك‪ ،‬ولكنه ما إن ٌملؤ عٌنٌه من َمالِك‬ ‫وٌرى سمته‪ ،‬وإلقابه الدرس‪ ،‬وطرٌقته فً الكلبم‪ ،‬وقوة ألفاظه‪،‬‬ ‫ونظراته الثاقبة‪ ،‬حتى ٌؤخذه ما أخذه م‪ ،‬وٌجلس معهم كؤن على رأسه‬ ‫الطٌر( )‪.‬‬‫وأخرج أبو نعًم عن ابن أبً أوٌس قال‪ :‬كان َمالِك إذا أراد أن ٌحدث‬ ‫توضؤ‪ ،‬وجلس على صدر فراشه‪ ،‬وسرح لحٌته‪ ،‬وتمكن فً الجلوس‬ ‫بوقار وهٌبة ثم حدث‪ ،‬فقٌل له فً ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬أحب أن أعظم حدٌث‬ ‫رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬فلب أحدث به إلا على طهارة متمكنا‪،‬‬‫وكان ٌكره أن ٌحدث فً الطرٌق وهو قابم أو مستعجل‪ ،‬فقال‪ :‬أحب أن‬ ‫أتفهم ما أحدث به عن رسول الله صلى الله علٌه وسلم ( )‪.‬‬‫وٌذكر عبد الرحمن بن مهدي عن عقله وهٌبته فٌقول‪ :‬لقٌت أربعة‪:‬‬‫َمالِكاً‪ ،‬وسفٌان‪ ،‬وشعبة‪ ،‬وابن المبارك‪ ،‬فكان َمالِك أشدهم عق ـلاً‪ ،‬وقال‬‫أٌضاً‪ :‬ما رأت عٌناي أحداً أهٌب من هٌبة َمالِك‪ ،‬ولا أتم عقلبً‪ ،‬ولا أشد‬ ‫تقوى‪ ،‬ولا أوفر دماؼاً‪ ،‬من َمالِك ‪.‬‬‫وقال عنه أمٌر المإمنٌن هارون الرشٌد ما رأٌت أعقل منه ‪ ،‬وقال‬‫ابن وهب‪ :‬الذي تعلمنا من أدب َمالِك ‪ ،‬أكثر مما تعلمنا من علمه ‪ ،‬وفً‬ ‫فضله ووقاره ٌقول الإِ َمام أحمد بن حنبل محد َّثا عنه ‪ :‬قال َمالِك ما‬ ‫‪ -‬رور‪١‬ت اٌّلاهن ط‪. 101 ٓ - 1‬‬ ‫‪ -‬ري‪ ٓ١٠‬اٌّ َّبٌِه ثّٕبلت َِبٌِه ‪ ،‬اٌَ‪. 24ٓ ، ٟٛٛ١‬‬ ‫‪83‬‬

‫جالست سفٌهاً قط ‪ ،‬وهذا أمر لم ٌسلم منه ؼٌره ‪ ،‬قال أحمد ‪ :‬لٌس فً‬ ‫فضابل العلمار أجل من هذا ( ) ‪.‬‬ ‫وبلػ قدراً عظٌما فً قلوب الناس‪ ،‬وكبرت مهابته فً النفوس حتى‬‫صار الناس ٌجلونه وٌهابونه كهٌبتهم للملوك أو أكثر‪ ،‬قال سعٌد بن هند‬ ‫الأندلسً‪ :‬ماهبت أحداً هٌبتً عبد الرحمن بن معاوٌة‪ٌ ،‬قصد‪ -‬عبد‬ ‫الرحمن الداخل‪ ،‬فدخلت على َمالِك فهبته هٌب ًة شدٌد ًة‪ ،‬صؽرت معها‬ ‫هٌبة ابن معاوٌة ( ) ‪.‬‬ ‫وفاته ومآ ره رحمه الله ‪:‬‬‫بعد أكثر من سبع و ثمانٌن سن ًة‪ ،‬قضاها الإِ َمام‪ -‬رحمه الله‪ -‬فً طلب‬‫العلم‪ ،‬وتدرٌسه وتبٌٌن الحق‪ ،‬والذود عن حٌاض الإسلبم‪ ،‬والدعو ِة إلى‬‫الله على بصٌر ٍة توفً‪ -‬رحمه الله‪ -‬فً ربٌع الأول سنة\" ‪\" 179‬هـ‬‫الموافق\" ‪ 796‬م\"‪ ،‬حٌث صلى علٌه أمٌر المدٌنة‪ ،‬عبد الله بن محمد بن‬ ‫إبراهٌم العباسً‪ ،‬وشٌع جنازته‪ ،‬واشترك فً حمل نعشه ودفن‪ ،‬فً‬ ‫البقٌع‪ -‬رضً الله عنه وأرضاه‪ -‬وأسكنه فسٌح جناته‪ ،‬آمٌن‪.‬‬ ‫ذكر بعض آ اره ‪:‬‬ ‫‪ -‬اٌمب‪ِ ٟٙ‬ػ َ‪١‬بٗ‪ ،‬رور‪١‬ت اٌّلاهن ط‪. 43ٓ2‬‬ ‫‪ -‬اٌّٖله اٌَبثك ط‪. 103 ٓ 1‬‬ ‫‪84‬‬

‫أهم مإلفاته وأجل آثاره كتابه الشهٌر الموطؤ‪ -‬وهو الكتاب الذي‬ ‫طبقت شهرته الآفاق‪ ،‬واعترؾ الأبمة له بالسبق على كل كتب الحدٌث‬ ‫فً عهده‪ ،‬وبعد عهده إلى عهد الإِ َمام البخاري ‪.‬‬ ‫قال الإِ َمام الشافعً‪ :‬ما ظهر على الأرض كتاب بعد كتاب الله أصح‬ ‫من كتاب َمالِك‪ ،‬وفً رواٌة أكثر صواباً‪ ،‬وفً رواٌة أنفع‪ ،‬وهذا القول‬ ‫قبل ظهور صحٌح البخاري ‪.‬‬ ‫قال البخاري \" أصح الأسانٌد كلها‪َ -‬مالِك عن نافع عن ابن عمر \"‬ ‫وكثٌرا ما ورد هذا الإسناد فً الموطؤ‪ ،‬قال القاضً أبو بكر بن العربً‬ ‫فً شرح الترمذي‪ -‬الموطؤ هو الأصل واللُّ َباب‪ ،‬وكتاب البخاري هو‬ ‫الأصل الثانً فً هذا الباب‪ ،‬وعلٌهما بنى الجمٌع كمسلم والترمذي( )‪.‬‬ ‫وللئمام كت فٌب أخرى لم ترق لدرجة الموطإ منها‪ :‬كتاب فً\"القدر\"‬ ‫رواه عنه ابن وهب وإسناده صحٌح‪ ،‬وللئمام رسال فٌة فً\"الأقضٌة\"‬ ‫وهو‪ -‬مجلد رواه عنه محمد بن ٌوسؾ بن وطروح‪ ،‬ورسالته إلى اللٌث‬ ‫بن سعد‪ ( :‬فً إجماع أهل المدٌنة) ‪ ،‬وله أٌضاً كتاب \"المجالس\" نقله‬ ‫عنه ابن وه ًب أٌضاً‪ ،‬وهو كتا ٌفب قل مثٌله‪ ،‬مشتم ٌفل على آدا ٍب وآثا ٍر‬ ‫وفٌه فوابد جم فٌة‪ ،‬وله عدة كت ٍب ولكنها لم تنقل ولم ٌعتن بها كما عنً‬ ‫بالموطؤ ( ) ‪.‬‬‫‪َِ ar.wikipedia.org/wiki/‬بٌِه ثٓ أٌٔ ‪ٔ- 32k‬ملا ػٓ وزبة أئّخ اٌؾل‪٠‬ش ٌٍلوز‪ٛ‬ه ػجل اٌّغ‪١‬ل اٌؾَ‪- 15- ٟٕ١‬‬ ‫‪. 2006 -7‬‬ ‫اٌّل‪ٔٚ‬خ اٌىجو‪ ، ٜ‬ط‪ٚ ، 12ٓ 1‬أظو ِؾّل أث‪ٛ‬ى٘وح ‪َِ ،‬بٌِه ؽ‪١‬برٗ ‪ٚ‬ػٖوٖ ‪. 215ٓ ،‬‬ ‫‪85‬‬

‫وهو كما قال قال القاضً ِع ٌَاض‪ ( :‬اعلموا ‪ -‬وفقكم الله تعالى ‪ -‬أ ّن‬ ‫ل َمالِك أوضاعاً شرٌفة مرو ٌّة عنه‪ ،‬أكثرها بؤسانٌد صحٌحة فً ؼٌر َف ٍّن‬‫من العلم‪ ،‬لكنه لم ٌشتهر عنه منها‪ ،‬ولا وا ظب على إسماعه ورواٌته‬‫ؼٌر\"الموطؤ\"‪ ،‬مع حذفه منه وتلخٌصه له شٌبا بعد شًر‪ ،‬وسابر توالٌفه‬ ‫إنما رواها عنه من كتب بها إلٌه‪ ،‬أو سؤله إ ٌّاها أحد من أصحابه‪ ،‬ولم‬ ‫تروها الكافة)( ) ‪.‬‬ ‫ومن هنا تبٌن لنا ما لهذا الإِ َمام من مكانة عالٌ ٍة رفٌع ٍة‪ ،‬جعلت منه‬‫مدرس ًة من مدارس أهل السنة والجماعة‪ ،‬وسٌتبٌن لنا فً مبحث العقٌدة‬ ‫ومدلولاتها‪ ،‬ومدلولات الأعمال الصالحة‪ ،‬وعلبقتها بؤعمال الإٌمان‪،‬‬ ‫ومباحث الفرق والطوابؾ وموقؾ الإِ َمام َمالِك منها‪ ،‬أننا أمام صر ٍح‬ ‫علمً من صروح العلم‪ ،‬ومدرس ٍة من مظاهرالثقافة الإسلبمٌة ٌع ُّز‬ ‫وجوده‪ ،‬لا سٌما وقد عرفنا من الحدٌث عن نشؤته وعلمه وورعه‬ ‫وتقواه‪ ،‬ما جعلنا نوقن أننا إن شار الله سنجنً من خلبل دراستنا لهذا‬‫العالم الجلٌل وسٌرته وعقٌدته ثماراً سترجع بالأمة إلى جذورها‪ ،‬عقٌدة‬‫السلؾ‪ ،‬بعٌداً عن التطرؾ والؽلو‪ ،‬والتنطع والتب ُّدع‪ ،‬وإنما شرعنا شرع‬ ‫من اتبع‪ ،‬والله نسؤل أن ٌقٌنا ش َّر ك َّل ؼا ٍل ومبتدع‪.‬‬ ‫‪ -‬أظو‪ :‬رور‪١‬ت اٌّلاهن ط‪ٚ ،204 ٓ1‬اٌل‪٠‬جبط اٌّن٘ت ط‪. 124 ٓ1‬‬ ‫‪86‬‬

‫الفصل ال انً‬ ‫العقٌدة الإسلامٌة ومدلولاتها‬ ‫المبحث الأول ‪ :‬مفهوم العقٌدة الإسلامٌة ‪:‬‬ ‫‪ -‬المطلب الأول ‪ :‬الفرق بٌن العقٌدة والدٌن ‪.‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثانً‪ :‬خصابص العقٌدة الإسلبمٌة ‪.‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثالث‪ :‬التوحٌد ‪.‬‬‫المبحث ال انً‪ :‬شمولٌة الدٌن الإسلامً عند الإِ َمام َمالِك ‪:‬‬ ‫‪ -‬المطلب الأول‪ :‬العلبقة بٌن الإٌمان والإسلبم ‪.‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثانً‪ :‬الشرابع والعقابد فً الإسلبم ‪.‬‬ ‫المبحث ال الث‪ :‬البدعة وموقف الشرٌعة الإسلامٌة منها ‪:‬‬ ‫‪87‬‬

‫‪ -‬المطلب الأول‪ :‬حكم البدعة ‪.‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثانً‪ :‬أسباب البدعة ‪.‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثالث‪ :‬فضل التمسك بالسنة و ترك البدعة ‪.‬‬ ‫‪ -‬المطلب الرابع‪:‬موقؾ َمالِك من البدع وأهلها ‪.‬‬ ‫الفصل ال انً ‪ :‬العقٌدة الإسلامٌة ومدلولاتها‬ ‫العقٌدة‪ :‬لل ًالة‪ :‬مشتقة من العقد‪ ،‬وهو الربط المحكم‪ٌ ،‬قال\"عقد العهد‬ ‫والٌمٌن ‪ -‬أ َّك َدهما( )‪ ،‬قال تعالى‪( :‬وال ِذٌ َن َع َق َد ْت أَ ٌْ َما ُن ُك ْم )( )‪ٌ ،‬عقد‬ ‫عق ًدا‪ ،‬إذا باشر الربط بنفسه‪ ،‬وجارت مادة عقد فً لسان العرب وأفادت‬ ‫حالات وهٌآت متنوعة‪ ،‬وكلها تدور حول معنى\" الربط ‪ ،‬والإلصاق‪،‬‬ ‫والإلحاق \" ‪.‬‬ ‫ومنه قول‪ :‬أبو خراش الهذلً ‪:‬‬ ‫كم من عقٌ ٍد وجا ٍر ح َّل عندهم ** ومن مجا ٍر بعهد الله قد قتلوا ( )‪.‬‬ ‫‪ٌَ -‬بْ اٌؼوة ‪ ،‬لاثٓ ِٕظ‪ٛ‬ه الإفو‪٠‬م‪،ٟ‬كاه ٕبكه ث‪١‬و‪ٚ‬د ‪،َ2000،‬ط‪.221 ٓ 10‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح إٌَبء ا‪٠٢‬خ ‪33‬‬‫‪ٌَ -‬بْ اٌؼوة ط ‪ٚ 221 ٓ 10‬أظو‪ ،‬فبرؼ ِؾّل ىللاَ ‪،‬اٌؼم‪١‬لح ٌٍَٕخ اٌضبٔ‪١‬خ ثّؼب٘ل اٌؼٍ‪ َٛ‬اٌْوػ‪١‬خ ‪ٛ ،‬واثٌٍ‬ ‫‪١ٌ،‬ج‪١‬ب ‪. 17ٓ َ2000 ،‬‬ ‫‪88‬‬

‫واصطلاحا ًال ‪ٌ :‬دورمعناها حول الإٌمان بالؽٌبٌات‪ ،‬والتسلٌم‬‫بالأخبارالصادقة من دون المشاهدة والحس‪ ،‬ولقد كان الإِ َمام َمالِك ٌطلق‬ ‫علٌها مس َّمى الدٌن لعظم مكانتها وما تمثله من قد ٍر فً رسالة الإسلبم‬‫فقد صح عنه‪ -‬رحمه الله‪ -‬قوله‪ ( :‬الكلبم فً الدٌن أكرهه‪ ،‬ولم ٌزل أهل‬‫بلدنا ٌكرهون القدر ورأي جه ٍم وكل ما أشبه ذلك)( )‪ ،‬فالشاهد قوله‪:‬‬ ‫(الكلبم فً الدٌن)‪ ،‬فقد كان َمالِك ٌقصد العقٌدة والإٌمانٌات‪ ،‬بدلٌل‬ ‫قوله‪ٌ (:‬كرهون القدر ورأي جه ٍم)‪ ،‬وهذه الفرق الضالة كانت تتكلم فً‬ ‫العقابد ‪.‬‬ ‫وأُثر عن َمالِك أٌضاً أنه كان ٌتمثل بقول القابل ‪:‬‬ ‫وخٌر أمور الدٌن ما كان سن ًة * وشر الأمور المحدثات البدابع ( )‪.‬‬ ‫وكلبم َمالِك هذا ٌدلل على أن مصطلح العقٌدة لم ٌكن قد ظهر كعل ٍم‬‫مستق ٍّل‪ ،‬بل كان ٌطلق علٌها مسمى الدٌن‪ ،‬والمقصود الإٌمان بالؽٌبٌات‪،‬‬ ‫وما ٌتبع ذلك من الأوامر والنواهً‪ ،‬فقد كان الإِ َمام َمالِك ٌنظر للئٌمان‬ ‫جمل فٌة واحدةٌف وقد أثر عنه قوله‪ ( :‬الإٌمان قو ٌفل وعم ٌفل) ( ) ‪.‬‬ ‫ومن العلمار من عرفها بؤنها‪ \":‬الإقرار بالله‪ ،‬وملببكته‪ ،‬وكتبه‪،‬‬ ‫ورسله‪ ،‬وما جار من عنده‪ ،‬وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله‬ ‫علٌه وسلم‪ ،‬لا نرد من ذلك شٌباً \" ( ) ‪.‬‬ ‫‪ -‬الأزمبء لاثٓ ػجل اٌجَ ِّو ٓ‪. 69‬‬ ‫‪ -‬الأزمبء لاثٓ ػجل اٌ َج ِّو ٓ‪. 46‬‬ ‫‪ -‬الأزمبء لاثٓ ػجل اٌ َج ِّو ٓ ‪َِ ،69‬ب ٌِه ؽ‪١‬برٗ ‪ٚ‬ػٖو لأث‪ ٟ‬ى٘وح ٓ‪. 195‬‬ ‫الإثبٔخ ػٓ إٔ‪ٛ‬ي اٌل‪٠‬بْ ‪ ،‬لأث‪ ٟ‬اٌؾَٓ الأّؼو‪. 43ٓ ، ٞ‬‬ ‫‪89‬‬

‫وٌطلق لفظ العقٌدة بالمعنى العام على مجموعة من الأفكار‪،‬‬‫والقضاٌا‪ ،‬التً ٌسلم بها الناس بحٌث تصبح من البدٌهٌات المعروؾ ة‬‫فطر ًة‪ ،‬بحٌث ٌصبح العقل مجبوراً على التسلٌم بها والاقتناع بها‪ ،‬حتى‬ ‫وإن كانت ؼابب ًة عن بعض الحواس‪ ،‬ولكن ٌستدل علٌها بالتجربة‪،‬‬ ‫والخبرة‪ ،‬والإخبار‪ ،‬بحٌث ٌعقد الإنسان علٌها قلبه جازماً بصحتها‪،‬‬‫قاطعاً بوجودها‪ ،‬وذلك كاعتقاده بوجود خالقه عز وج ل‪ ،‬وقدرته‪،‬‬‫والموت‪ ،‬والبعث بعد الموت‪ ،‬والحسا ب‪ ،‬والعقاب‪ ،‬والثواب‪ ،‬ووجود‬ ‫الملببكة‪ ،‬والجن‪ ،‬وإرسال المرسلٌن ( ) ‪.‬‬ ‫وٌدخل تحت مفهوم العقٌدة والبدٌهٌات أٌضاً‪ -‬علم الإنسان بوجود‬ ‫التٌار فً أسلبك الكهربار دون أن ٌراه‪ ،‬وكعلمه بحصول الجوع عند‬ ‫عدم الأكل‪ ،‬والظمؤ عند عدم الشرب‪ ،‬والألم بسبب المرض‪ ،‬والعافٌة‬ ‫بسبب الصحة‪ ،‬إلى ؼٌر ذلك من القضاٌا التً لا ٌمكن إنكارها ‪.‬‬ ‫وقد تكون العقابد اقتصادٌة‪ ،‬واجتماعٌة‪ ،‬وأخلبقٌة‪ ،‬ودٌنٌة‪ ،‬فهً‬ ‫تختلؾ باختلبؾ موضوعها‪ ،‬وباختلبؾ الشخص الذي ٌإمن بها ( )‪.‬‬ ‫وٌشترط لصحة المعتقد شرطان أساسٌان ‪:‬‬ ‫‪ -1‬العلم التام‪ ،‬والمعرفة بالشًر الذي نعتقده علماً جازماً ٌنفً‬ ‫الجهالة عنه‪ ،‬والمعرفة هً الجزم المطابق للواقع عن دلٌ ٍل‪ ،‬وٌس َّمى‬ ‫الٌقٌن‪ ،‬وهو إما عل فٌم كمعرفة العلمار‪ ،‬أواعتقاد صحٌح‪ ،‬كاعتقاد عامة‬ ‫‪ -‬أث‪ ٛ‬ثهه عبثو اٌغيائو‪، ٞ‬ػم‪١‬لح اٌّإِٓ ‪، 18ٓ،‬كاه إٌّبه ‪. َ1990 -‬‬ ‫‪ -‬فبرؼ ِؾّل ىللاَ ‪،‬اٌؼم‪١‬لح ٌٍَٕخ اٌضبٔ‪١‬خ ثّؼب٘ل اٌؼٍ‪ َٛ‬اٌْوػ‪١‬خ ‪. 18ٓ،‬‬ ‫‪90‬‬

‫المإمنٌن المقلدٌن للعلمار( )‪ ،‬وٌفسد الاعتقاد المبنً على الجهل‬ ‫أوالشك‪ ،‬وذلك كما أخبر الله عز وجل عن الكافرٌن وحالهم ٌوم القٌامة‪،‬‬ ‫قال تعالى‪َ ( :‬وأَ َّما الَّ ِذٌ َن َك َف ُروا أَ َفلَ ْم َت ُك ْن آ ٌَا ِتً ُت ْت َلى َعلَ ٌْ ُك ْم َفا ْس َت ْك َب ْر ُت ْم‬ ‫َو ُكن ُت ْم َق ْوماً ُّم ْج ِر ِمٌ َن َوإِ َذا قٌِ َل إِ َّن َو ْع َد ال َّلهِ َح ٌّق َوال َّسا َع ُة لاَ َر ٌْ َب فٌِ َها قُ ْل ُتم‬ ‫َّما َن ْد ِري َما ال َّسا َع ُة إِن َّن ُظ ُّن إِلاَ َظ ّناً َو َما َن ْح ُن ِب ُم ْس َت ٌْ ِقنٌِ َن)( ) ‪.‬‬ ‫‪ -2‬قناعة النفس بهذه العقٌدة‪ ،‬واطمبنان القلب لها‪ ،‬والإقرار بهذه‬ ‫العقٌدة والتسلٌم بها‪ ،‬فلب تكفً المعرفة وحدها‪ ،‬من دون التسلٌم‬ ‫والرضا‪ ،‬فاعتقاد الإنسان أن الله واح فٌد‪ ،‬وأنه سٌحاسبنا على ما عملنا‬ ‫من خٌ ٍر أو ش ٍر‪ ،‬وبنا ًر على هذا الاعتقاد فلب ٌصدر م َّنا إلا ما ٌرض ي‬ ‫الله تبارك وتعالى‪ ،‬لأننا نجزم بؤن الله تعالى مطل فٌع علٌنا‪ ،‬أما إذا كانت‬ ‫عقٌدتنا مبنٌ فٌة على قناع ٍة ؼٌر تام ٍة‪ ،‬ولم تقتنع النفس بها‪ ،‬ولم ٌطمبن‬ ‫القلب إلٌها– فهً عقٌد فٌة باطل ٌفة ‪.‬‬ ‫وعند البخاري من حدٌث أبً هرة رضً الله عنه‪ ،‬أن رسول الله‬ ‫صلى الله علٌه وسلم قال (أسعد الناس بشفاعتي ٌوم القٌامة‪ ،‬من قال لا‬ ‫إله إلا الله خالصاً من نفسه‪ ،‬أو من قلبه )( ) ‪.‬‬ ‫فلببد إذاً لصحة الاعتقاد من الإخلبص‪ ،‬ولا تكون العقٌدة عقٌد ًة إلا‬ ‫إذا كانت عن ٌقٌ ٍن‪ ،‬وقناع ٍة‪ ،‬وقبو ٍل ‪.‬‬‫‪ -‬ػجل اٌ‪ٙ‬بك‪ ٞ‬ئكه‪ ٌ٠‬أث‪ ٛ‬ئٕتع‪ ،‬اٌْوػ اٌّج‪ّ ، ٓ١‬وػ ِزٓ اثٓ ػبّو ف‪ ٟ‬اٌفمٗ اٌ َّبٌِى‪١ٌ ،ٟ‬ج‪١‬ب‪ ،‬ثٕغبى‪، ٞ‬كاه اٌىزت‬ ‫اٌ‪١ٕٛٛ‬خ‪ ،‬اٌطجؼخ الأ‪.19ٓ َ1999 ٌٝٚ‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌغبص‪١‬خ ا‪٠٢‬خ( ‪. 31-30‬‬‫‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ٌ ٞ‬لإِبَ ِؾّل ثٓ ئٍّبػ‪ ً١‬ثٓ ئثوا٘‪ ُ١‬ثٓ ثوكىثخ اٌغؼف‪ ٟ‬اٌجقبه‪ٛ ،ٞ‬جؼخ عل‪٠‬لح ِٕمؾخ‪ِٛ ،‬افمخ‬‫ٌزول‪ ُ١‬اٌْ‪١‬ـ ِؾّل فإاك ػجل اٌجبل‪،ٟ‬ػٕب‪٠‬خ ِؾّ‪ٛ‬ك ثٓ اٌغّ‪ِ ،ً١‬ىبرجخ اٌٖفب‪ ،‬وزبة اٌولبق‪ ،‬ثبة ٕفخ اٌغٕخ‪ ،‬ط ‪3‬‬ ‫ٓ ‪ ،259‬هلُ اٌؾل‪٠‬ش‪. 6570 ،‬‬ ‫‪91‬‬

‫قال ابن مسعود( ‪ )‬رضً الله عنه‪( :‬الٌقٌن الإٌمان كله )‪ ،‬ومراده‬ ‫رضً الله عنه أن الٌقٌن هو أصل الإٌمان‪ ،‬فإذا أٌقن القلب انبعثت‬ ‫الجوارح كلها للقار الله بالأعمال الصالحة‪ ،‬حتى إن سفٌان الثوري‬ ‫ٌقول‪ :‬لو أن الٌقٌن وقع فً القلب كما ٌنبؽً لطار اشتٌاقاً إلى الجنة‬ ‫وهرباً من النار( )‪ ،‬وٌمكن أن نجمل الحدٌث عن العقٌدة الإسلبمٌة‪،‬‬ ‫ومقتضٌاتها‪ ،‬وخصابصها‪ ،‬والإٌمان بصوره المتعددة‪ ،‬وآرار َمالِك‬ ‫وؼٌره من علمار السلؾ‪ ،‬ومن سار على نهجهم فً مسابل الاعتقاد‬ ‫المختلفة‪ ،‬فً المباحث الآتٌة‪:‬‬ ‫المبحث الأول‪ :‬مفهوم العقٌدة الإسلامٌة‪ ،‬ومقتضٌاتها‪ ،‬ولوازمها‪:‬‬ ‫العقٌدة الإسلامٌة‪ :‬هً التصدٌق بالقضاٌا والأخبار الحقٌقٌة الصادقة‬ ‫التً أخبر بها المعصوم صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬عن الله تبارك وتعالى‪،‬‬ ‫وتشمل‪( :‬التوحٌد‪ ،‬وعالم الؽٌب‪ ،‬والٌوم الآخر‪ ،‬وكذلك أخباره عن الأمم‬ ‫السابقة‪ ،‬والأنبٌار والمرسلٌن‪ ،‬وكل ما أوحً إلٌه من القرآن والحكمة‪،‬‬ ‫وما ٌتبع ذلك من الأوامر والنواهً‪ ،‬والثواب والعقاب والجنة‬ ‫والنار)( )‪ ،‬ومصطلح العقٌدة الإسلبمٌة ٌتكون من كلمتٌن – صف فٌة‪،‬‬ ‫وموصوؾ– والمعروؾ أن الصفة ملبزمة للموصوؾ فً جمٌع‬ ‫‪ ٛ٘ ‬اٌٖؾبث‪ ٟ‬اٌغٍ‪ ً١‬ػجل الله ثٓ َِؼ‪ٛ‬ك ثٓ غبفً ثٓ ؽج‪١‬ت‪،‬فم‪ ٗ١‬الأِخ‪ ،‬لاىَ هٍ‪ٛ‬ي الله ٍٕ‪ ٝ‬الله ػٍ‪ٍٍُٚ ٗ١‬‬ ‫وض‪١‬واً‪ ،‬لبي ف‪ ٗ١‬اٌّٖطف‪ ٍٕٝ ٝ‬الله ػٍ‪ٍ ِٓ( :ٍٍُٚ ٗ١‬وٖ أْ ‪٠‬موأ اٌموءاْ غ‪ٚ‬بً ‪ٛ‬و‪٠‬بً وّب أٔيي‪،‬فٍ‪َّ١‬ؼٗ ِٓ اثٓ‬ ‫َِؼ‪ٛ‬كه‪ 840 ٜٚ‬ؽل‪٠‬ضبً ػٓ هٍ‪ٛ‬ي الله ٍٕ‪ ٝ‬الله ػٍ‪ ،ٍٍُٚ ٗ١‬ثؼ‪ٙٚ‬ب ف‪ ٟ‬اٌٖؾ‪١‬ؾ‪،ٓ١‬ر‪ٛ‬ف‪ ٟ‬ثبٌّل‪ٕ٠‬خ ٍٕخ‪٘32‬ـ ‪.‬‬‫‪ -‬فزؼ اٌجبه‪ ٞ‬ثْوػ ٕؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ ٞ‬لاثٓ ؽغواٌؼَملأ‪ ٟ‬رؾم‪١‬ك ػجل اٌؼي‪٠‬ي ثٓ ػجل الله ثٓ ثبى هلُ الإ‪٠‬لا ع‬ ‫‪ِٖ/2000 /20570‬و اٌّىزجخ الإٍلاِ‪١‬خ ‪،‬ط‪. 56ٓ1‬‬‫‪ -‬ػجل اٌَلاَ اٌز‪ٔ ٛ‬ظ ‪،ٞ‬اٌؼم‪١‬لح ف‪ ٟ‬اٌموآْ‪ٛ،‬واثٌٍ‪١ٌ،‬ج‪١‬ب‪ ،‬عّؼ‪١‬خ اٌلػ‪ٛ‬ح الإٍلاِ‪١‬خ‪ ،‬اٌطجؼخ الأ‪، َ1986 ٌٝٚ‬‬ ‫ٓ ‪..87‬‬ ‫‪92‬‬

‫أحواله‪ ،‬من تعرٌ ٍؾ و تنكٌ ٍر‪ ،‬وتذكٌر وتؤنٌ ٍث‪ ،‬وإفرا ٍد وتثنٌ ٍة وجمع‪،‬‬ ‫وفً المعنى كذلك‪ -‬لأن الصفة مب ٌِّن فٌة لهذا الموصوؾ ‪.‬‬ ‫فإذا قلنا مثلبً العقٌدة الوثنٌة‪ -‬فهذا ٌفٌد معن ًى فً نفس المستمع‪ٌ ،‬فٌد‬ ‫مفهوم الوثنٌٌن للبعتقاد‪ ،‬وإذا قلنا العقٌدة المسٌحٌة‪ -‬فهً أٌضاً تفٌد‬‫المفهوم العام للمعتقد عن المسٌحٌٌن‪ ،‬وهكذا فكلمة العقٌدة تعطً معناها‬ ‫بحسب ما تضاؾ إلٌه‪ ،‬وهذا المعنى ٌنسحب على العقٌدة الإسلبمٌة‬ ‫كذلك ‪.‬‬ ‫والإٌمان بالله تعالى هو أصل العقٌدة‪ ،‬وقد أوضح ذلك القرآن الكرٌم‬‫والسنة النبوٌة المطهرة‪ ،‬والإٌمان بالله تعالى ٌتضمن بالضرورة الإٌمان‬‫بوجوده تبارك وتعالى‪ ،‬والإٌمان بوحدانٌته سبحانه‪ ،‬فً ربوبٌت ه‪،‬‬‫وألوهٌته‪ ،‬والإٌمان بؤسمابه الحسنى وصفاته العلب ( )‪ ،‬قال تعالى (آ َم َن‬ ‫ال َّر ُسو ُل بِ َما أُن ِز َل إِ َل ٌْ ِه ِمن َّر ِّب ِه َوا ْل ُم ْإ ِم ُنو َن ُك ٌّل آ َم َن بِال ّل ِه َو َملآبِ َك ِت ِه َو ُك ُت ِب ِه‬ ‫َو ُر ُسلِ ِه لاَ ُن َف ِّر ُق َب ٌْ َن أَ َح ٍد ِّمن ُّر ُسلِ ِه َو َقالُو ْا َس ِم ْع َنا َوأَ َط ْع َنا ُؼ ْف َرا َن َك َر َّب َنا‬ ‫َوإِلَ ٌْ َك ا ْل َم ِصٌ ُر )( ) وقال تعالى‪( :‬إِ َّن ال ِّدٌ َن ِعن َد ال ّل ِه الإِ ْسلبَ ُم)( ) ‪.‬‬‫فلب عقٌدة صحٌحة إلا عقٌدة الإسلبم‪ ،‬ولادٌن بح ٍق ارتضاه الله لعباده‬ ‫إلا دٌن الإسلبم‪ ،‬قال تعالى‪( :‬أَ َف َؽ ٌْ َر ِدٌ ِن ال ّلهِ ٌَ ْب ُؽو َن َولَ ُه أَ ْسلَ َم َمن ِفً‬ ‫ال َّس َما َوا ِت َوالاَ ْر ِض َط ْوعاً َو َك ْرهاً َوإِ َل ٌْ ِه ٌُ ْر َج ُعو َن )( ) ‪.‬‬‫‪١ٌ ،17‬ج‪١‬ب ‪ٍ،‬ج‪ٙ‬ب ‪ِْٕٛ،‬هاد عبِؼخ ٍج‪ٙ‬ب‬ ‫‪ِٖ -‬طف‪ ٝ‬ػجل اٌغٕ‪١ّ ٟ‬جٗ‪ِ ،‬جبؽش ف‪ ٟ‬إٔ‪ٛ‬ي اٌؼم‪١‬لح الإٍلاِ‪١‬خ ‪ٓ،‬‬ ‫اٌطجؼخ الأ‪.َ2001 ٌٝٚ‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌجموح ا‪٠٢‬خ ‪.285.‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح آي ػّواْ ا‪٠٢‬خ‪.19‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح آي ػّواْ ا‪٠٢‬خ ‪. 83‬‬ ‫‪93‬‬

‫وقال تعالى‪َ ( :‬و َمن ٌَ ْب َت ِػ َؼ ٌْ َر الإِ ْسلبَ ِم ِدٌناً َف َلن ٌُ ْق َب َل ِم ْن ُه َو ُه َو ِفً‬ ‫الآ ِخ َر ِة ِم َن ا ْل َخا ِس ِرٌ َن)( ) ‪.‬‬‫وهكذا كانت نظرة السلؾ الصالح رضوان الله علٌهم أجمعٌن لمفهوم‬ ‫العقٌدة الإسلبمٌة‪ ،‬وهكذا فهموا مراد الله عز وج ل‪ ،‬فالدٌن عندهم هو‬ ‫العقٌدة‪ ،‬والعقٌدة مر ُّدها إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صلى الله علٌه‬ ‫وسلم‪ ،‬وهً مسابل ؼٌر قابل ٍة للبجتهادات والاستنباطات والتحلٌلبت‪،‬‬‫ولهذا قال الحق تبارك وتعالى لنبٌه صلى الله علٌه وسلم‪َ ( :‬فا ْع َل ْم أَ َّن ُه لاَ‬ ‫إِ َل َه إِلاَ ال َّلهُ َوا ْس َت ْؽ ِف ْر لِ َذن ِب َك َولِ ْل ُم ْإ ِمنٌِ َن َوا ْل ُم ْإ ِم َنا ِت َوال َّلهُ ٌَ ْع َل ُم ُم َت َقلَّ َب ُك ْم‬ ‫َو َم ْث َوا ُك ْم ) ( )‪.‬‬ ‫إذاً فالدٌن ومسابل الاعتقاد توقٌفٌة‪ ،‬نعم قد ٌحتاج الإنسان إلى أدل ٍة‬ ‫على الاعتقاد تهدي قلبه‪ ،‬وتزٌد بصٌرته‪ ،‬وذلك كضرب الأمثال للناس‬‫فً القرآن الكرٌم‪ ،‬كما قال الحق تبارك وتعالى فً الدلٌل على وحدانٌته‬ ‫فً الخلق والتدبٌر‪ ( :‬لَ ْو َكا َن فٌِ ِه َما آلِ َه فٌة إِلاَ ال َّلهُ َل َف َس َد َتا َف ُس ْب َحا َن ال َّلهِ َر ِّب‬ ‫ا ْل َع ْر ِش َع َّما ٌَ ِصفُو َن) ( ) ‪.‬‬ ‫وكضرب الأمثال فً إحٌار الله عز وجل الأموات بعد انتهار الحٌاة‪،‬‬‫وقٌام الناس لرب العالمٌن‪ ،‬بإحٌار الأرض بعد موتها قال تعالى‪َ (:‬و ُه َو‬ ‫الَّ ِذي ٌُ ْر ِس ُل ال ِّر ٌَا َح ُب ْشراً َب ٌْ َن ٌَ َد ْي َر ْح َمتِ ِه َح َّتى إِ َذا أَ َقلَّ ْت َس َحاباً ثِ َقالاً‬ ‫‪ٍٛ -‬هح آي ػّواْ ا‪٠٢‬خ‪. 85‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح ِؾّل ا‪٠٢‬خ‪. 19‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح الأٔج‪١‬بء ا‪٠٢‬خ‪. 22‬‬ ‫‪94‬‬

‫ُس ْق َنا ُه لِ َب َل ٍد َّم ٌِّ ٍت َفؤَن َز ْل َنا ِب ِه ا ْل َمار َفؤَ ْخ َر ْج َنا بِ ِه ِمن ُك ِّل ال َّث َم َرا ِت َ َذلِ َك ُن ْخ ِر ُج‬ ‫ا ْلم ْو َتى َل َعلَّ ُك ْم َت َذ َّك ُرو َن )( ) ‪.‬‬ ‫ومع هذا‪ ،‬فإن مذهب السلؾ أن الإنسان المسلم إذا اعتقد وآمن بالله‬‫رباً وبالإسلبم دٌناً‪ ،‬وبمحم ٍد صلى الله علٌه وسلم نبٌاً ورسولاً‪ ،‬فإنه لابد‬ ‫أن ٌإمن أن مسابل العقٌدة‪ ،‬مسابل توقٌفٌة‪ ،‬مردها لله ورسوله‪ ،‬ولا‬ ‫مجال للبجتهاد فٌها‪.‬‬ ‫وقد فهم أصحاب رسول الله صلى الله علٌه وسلم ذلك‪ ،‬حتى حدٌثوا‬ ‫العهد بالإسلبم منهم‪ ،‬بل وحتى من كان أول عهده بشهاده التوحٌد‪،‬‬ ‫وأول مناسب ٍة له ٌعلن فٌها إسلبمه بٌن ٌدي رسول الله صلى الله علٌه‬ ‫وسلم ‪.‬‬ ‫أخرج البخاري‪ -‬رحمه الله تعالى‪ -‬فً صحٌحه بسنده‪ ،‬عن أنس بن‬ ‫َمالِك رضً الله عنه‪ ،‬قوله‪ :‬بٌنما نحن جلو فٌس مع النبً صلى الله علٌه‬‫وسلم فً المسجد إذ دخل رج ٌفل على جم ٍل فؤناخه(‪ )‬فً المسجد ثم عقله‬ ‫ثم قال‪ :‬أٌكم محمد؟ والنبً صلى الله علٌه وسلم متكا بٌن ظهرانٌهم‬‫فقلنا‪ :‬هذا الرجل الأبٌض المتكا‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬ابن عبد المطلب ؟ فقال‬ ‫له النبً صلى الله علٌه وسلم قد أجبتك‪ ،‬فقال‪ :‬إنً سابلك‪ ،‬فمش ِّدد علٌك‬ ‫فً المسؤلة‪ ،‬فلب تجد عل َّى فً نفسك‪ ،‬فقال‪ :‬سل ما بدا لك‪ ،‬فقال‪ :‬أسؤلك‬ ‫بربك‪ ،‬ورب من قبلك‪ -‬آلله أرسلك إلى الناس كلهم ؟ فقال‪ :‬اللهم نعم‪،‬‬ ‫‪ٍٛ-‬هح الأػواف ا‪٠٢‬خ ‪. 57‬‬‫‪ - ‬اٌّواك ث َّووٗ‪ٚ ،‬أٔقذ اٌغًّ فبٍزٕبؿ أ‪ ٞ‬ثووزٗ فجون‪ ،‬أٔظو ِقزبه اٌٖؾبػ ‪ِ،‬ؾّل ثٓ أث‪ ٟ‬ثىو اٌواى‪ِٖ،ٞ‬و‬ ‫‪ِ،‬طجؼخ كاه اٌّؼبهف ‪. 684 ٓ َ1973‬‬ ‫‪95‬‬

‫قال‪ :‬أنش ُدك( ‪ )‬بالله‪ ،‬آلله أمرك أن نصلً الصلوات الخمس فً الٌوم‬ ‫واللٌلة ؟ قال‪ :‬اللهم نعم‪ ،‬قال‪ :‬أنش ُدك بالله‪ ،‬آلله أمرك أن تصوم هذا‬ ‫الشهر من السنة ؟ قال‪ :‬اللهم نعم‪ ،‬قال‪ :‬أنش ُدك بالله‪ ،‬آلله أمرك أ ْن تؤخذ‬ ‫هذه الصدقة من أؼنٌابنا فتقسمها على فقرابنا ؟ فقال النبً صلى الله‬‫علٌه وسلم‪ :‬اللهم نعم‪ ،‬فقال الرجل‪ ،‬آمنت بما جبت به‪ ،‬وأنا رسول من‬ ‫ورابً من قومً وأنا ضمام بن ثعلب َة أخو بنً سعد بن بكر )( ) ‪.‬‬ ‫وفً رواٌة مسلم قال‪( :‬والذي بعثك بالحق‪ ،‬لا أَ ِزٌ ُد علٌهن ولا‬‫أَنقُص‪ ،‬فقال النبً صلى الله علٌه وسلم‪( :‬لبن صدق لٌدخل َّن الجنة) ( )‪.‬‬ ‫وهذا الحدٌث من الآثار العظٌمة التً تبٌن بساطة الدٌن وسهولته‪،‬‬‫وأن عقٌدته محكمة وشرابعه تا َّم ٌفة لا لبس فٌها ولا مواربة‪ ،‬بل ال ِّصد ُق‬ ‫كل ال ِّصد ِق مع الله تعالى ومع رسوله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬وأٌضاً فً‬‫هذا الحدٌث أن العرب قبل الإسلبم كانوا ٌعرفون الله وٌإمنون بوجوده‬ ‫وقدرته‪ ،‬بدلٌل قول ضمام للنبً صلى الله علٌه وسلم‪( :‬أسؤلك بربك‪،‬‬ ‫ورب من قبلك ‪. )..‬‬ ‫ثم ماذا كانت النتٌجة ل َّما سؤل ضمام ما سؤل ! وأجابه النبً صلى‬ ‫الله علٌه وسلم‪ ،‬على تساإلاته‪ ،‬بجواب المعلم‪ ،‬وتبٌٌن المرشد‪ ،‬وماذا‬ ‫كان من ضمام‪ ،‬وهو الذي كان هذا أول عهده بالإسلبم‪ -‬ماذا كانت‬‫أسبلته؟ هل سؤل عن ذات الله تعالى؟ وكٌفٌة صفاته وأسمابه؟ هل صار‬‫‪ 26 ٓ 1‬هلُ اٌؾل‪٠‬ش ‪،63‬‬ ‫‪ٔ - ‬بّلره ‪ ،‬أْٔلره – أ‪ ٞ‬ثّؼٕ‪ٍ ٝ‬أٌزه ثبلله ‪ِ( ،‬قزبه اٌمبِ‪. )604ٓ ًٛ‬‬ ‫‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ ،ٞ‬وزبة اٌؼٍُ‪ ،‬ثبة ِب عبء ف‪ ٟ‬اٌؼٍُ \" ‪ٚ‬لً هة ىكٔ‪ ٟ‬ػٍّبً \" ط‬ ‫‪ٚ‬أظو‪ِ-‬قزٖو ٕؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ٌٍ ٞ‬يث‪١‬ل‪. 38ٓ، ٞ‬‬ ‫‪ -‬اثٓ ؽغو اٌؼَملأ‪ -ٟ‬فزؼ اٌجبه‪ٌٍ ٞ‬جقبه‪. 168ٓ، ٞ‬‬ ‫‪96‬‬

‫ٌناقش وٌجادل فً مسابل التوحٌد التً هً عقابد مسلَّ فٌم بها ؟ لٌست‬‫مسابل للتؤوٌلبت والتحلٌلبت ؟ إ َّن ضماماً‪ -‬عرؾ بفطرته ماذا علٌه أن‬ ‫ٌقول‪ ،‬وما هً الأمور التً تهمه وٌحتاج إلى السإال عنها‪،‬‬ ‫واستٌضاحها‪ ،‬وهو لا ٌمثل رأٌه فقط بل جار وزٌراً ومبعوثاً من قومه‬ ‫للسإال عن هذا الدٌن‪ ،‬والوقوؾ على حقٌقته ‪.‬‬‫لذلك جار عند أبً داوود من حدٌث ابن عبا ٍس رضً الله عنهما‪ :‬أنه‬ ‫قال‪ ( :‬فما سمعنا بوافد قو ٍم كان أفضل من ضمام‪ ،‬وكان عمر بن‬ ‫الخطاب ٌقول‪( :‬ما رأٌت أحسن مسؤل ًة ولا أوجز من ضمام )( ) ‪.‬‬ ‫هذه هً العقٌدة الإسلبمٌة دون تعقٌد أو تكلُّ ِؾ ما لم ٌكلفنا الله تعالى‬‫به‪ ،‬فالله ع َّز وجل لم ٌكلفنا أن نبحث عن ذاته‪ ،‬ولاعن كنه صفاته‪ ،‬لأنه‬ ‫سبحانه خلق الإنسان وٌعلم قدراته‪ ،‬ومحدود ٌَّة إدراكه‪ ،‬فهو سبحانه لم‬ ‫ٌكلفنا ما لا تطٌقه عقولنا‪ ،‬وحٌث إن إدراك حقٌقة صفاته ؼٌر متا ٍح لنا‬‫فً الدنٌا‪ ،‬والإحاطة به سبحانه مستحٌل فٌة‪ ،‬فلم ٌكلفنا معرفتها‪ ،‬ولم ٌوجب‬ ‫علٌنا إدراكها‪ ،‬وهذا من رحمته سبحانه‪ ،‬فهو لاٌكلؾ نفساً إلا وسعها‪،‬‬ ‫ولتوضٌح مسابل العقٌدة المختلفة والوقوؾ على كلبم السلؾ الصالح‬ ‫حول مقتضٌاتها‪ ،‬ومدلولات النصوص العقدٌة‪ ،‬والوقوؾ على رأي‬ ‫الإِ َمام َمالِك ِب َش ْك ٍل خاص‪ ،‬سؤتكلَّم عن عدة مطالب وهً كما ٌلً‪:‬‬ ‫‪-‬اثٓ ؽغو اٌؼَملأ‪، ٟ‬فزؼ اٌجبه‪ٌٍ ٞ‬جقبه‪. 186ٓ، ٞ‬‬ ‫‪97‬‬

‫المطلب الأول‪ :‬الفرق بٌن العقٌدة والدٌن ‪:‬‬ ‫عرفنا فٌما سبق أ َّن مصطلح (العقٌدة) لم ٌكن متداولاً عند السلؾ‬ ‫الصالح‪ ،‬بل كانوا ٌطلقون علٌها مس َّمى (ال ِّدٌن) ِب َش ْك ٍل عام‪ ،‬كما م َّر‬‫علٌنا من كلبم الإِ َمام َمالِك‪ ،‬وقوله‪( :‬الكلبم فً الدٌن أكرهه‪،) ()..‬‬ ‫فالدٌن ٌشمل العقٌدة‪ ،‬والعبادات‪ ،‬والمعاملبت‪ ،‬فلو أرا د أي عال ٍم من‬ ‫علمار السلؾ أن ٌتحدث عن العقٌدة‪ ،‬فإنه ٌس ِّمً هذا المصطلح باسم‬‫الدٌن أوالإٌمان‪ ،‬وهناك شواهد على ذلك من أقوال النبً صلى الله علٌه‬ ‫وسلم‪ ،‬ومن كلبم صحابته الأطهار‪ ،‬وكذلك من الأقوال المؤثورة عن‬‫الإِ َمام َمالِك وؼٌره من الأبمة الأعلبم‪ ،‬فنجد مثلبً فً أحادٌث المصطفى‬ ‫صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬جار ذكر ِشعب الإٌمان‪ ،‬والذي هو العقٌدة‬ ‫الإسلبمٌة‪ ،‬وعلٌها قوام الدٌن‪ ،‬ودعاماته‪ ،‬وقد سماها النبً صلى الله‬ ‫علٌه وسلم الإٌمان‪ ،‬فعند البخاري من حدٌث أبً هرٌرة‪ -‬رضً الله‬ ‫عنه‪ -‬عن النبً صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬قال‪( :‬الإٌمان بض ٌفع وستون‬ ‫شعب ًة(‪ )‬والحٌار شعب فٌة من الإٌمان ) وفً رواٌة مسلم بزٌادة‪( :‬أعلبها‬ ‫لا إ هل إلا الله‪ ،‬وأدناها إماطة الأذى عن الطرٌق )( )‪.‬‬ ‫وتار ًة ٌطلق لفظ الدٌن على العمل الذي هو من أخ ِّص أعمال الدٌن‬‫كالصلبة‪ ،‬فقد جار فً البخاري من حدٌث عابشة رضً الله عنها – أن‬ ‫النبً صلى الله علٌه وسلم دخل علٌها وعندها امرأة قال‪( :‬من هذه ؟‬‫‪13ٓ1‬هلُ اٌؾل‪٠‬ش ‪ٚ،9‬أظو‪ِ -‬قزٖواٌجقبه‪ٌٍ ٞ‬يث‪١‬ل‪ٞ‬‬ ‫‪ٍ-‬جك رقو‪٠‬غٗ‪ ،‬الأزمبء لاثٓ ػجل اٌ َج ِّو‪. 69ٓ ،‬‬ ‫‪ ‬لطؼخً أ‪ ٚ‬عيءاً ‪ ٚ‬اٌّواك فٍٖخ ‪.‬‬ ‫‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ ،ٞ‬وزبة الإ‪ّ٠‬بْ‪ ،‬ثبة أِ‪ٛ‬ه اٌل‪ ،ٓ٠‬ط‬ ‫ٓ‪. 27‬‬‫‪98‬‬

‫قالت‪ :‬فلبنة تذكر من صلبتها فقال‪َ :‬م ْه ( ‪)‬علٌكم بما تطٌقون‪ ،‬فواللهِ لا‬ ‫ٌم ُّل اللهُ حتى تملوا‪ ،‬وكان أحب الدٌن إلٌه مادام علٌه صاحبه )( )‪.‬‬ ‫كما أخرج ابن عبد ال َب ِّر عن مصعب بن عبد الله الزبٌر قال‪( :‬كان‬ ‫َمالِك بن أنس ٌقول‪ :‬الكلبم فً الدٌن أكرهه ‪ ،‬ولم ٌزل أهل بلدنا‬ ‫ٌكرهونه وٌنهون عنه‪ ،‬نحو الكلبم فً رأي جهم والقدر وكل ما أشبه‬ ‫ذلك‪ ،‬ولا ٌحب الكلبم إلا فٌما تحته عمل‪ ،‬فؤما الكلبم فً دٌن الله وفً‬ ‫الله ع ّز وجل فالسكوت أ َح ُّب إل ًَّ لأنً رأٌت أهل بلدنا ٌنهون عن الكلبم‬ ‫فً الدٌن إلا فٌما تحته عمل )( ) ‪.‬‬ ‫فالشاهد فً كلبم َمالِك قوله‪( :‬الكلبم فً الدٌن ) والمعلوم أنه ٌقصد‬ ‫العقابد والإٌمانٌات‪ ،‬م َّما خاض فٌه الجهمٌة والقدرٌة والمعتزلة وؼٌرهم‬ ‫‪.‬‬ ‫وقد كان الإِ َمام َمالِك‪ ،‬ومن عاصره من علمار السلؾ‪ٌ ،‬طلقون على‬ ‫العقٌدة مس َّمى الدٌن‪ ،‬فلم ٌكونوا ٌف ِّرقون بٌن الأعمال التعبدٌة‪ ،‬واعتقاد‬ ‫القلب‪ ،‬لذلك لما جار َن ْع ًُ َمالِك إلى حماد بن زٌد (‪ )‬بكى حتى جعل‬ ‫ٌمسح عٌنٌه بخرقة وٌقول‪ٌ :‬رحم الله َمالِكاً لقد كان من الدٌن بمكان ‪،‬‬ ‫وعنى‪ -‬رحمه الله‪ -‬بقوله‪ :‬الدٌن‪ -‬جمٌع ماشرع الله وأمر‪ ،‬وأٌضاً كان‬ ‫‪ - ‬إٍٔ‪ٙ‬ب ِب ٘نا ‪ ٟ٘ٚ‬رَزؼًّ ٌٍيعو ‪ٚ‬اٌّواك أوفف ‪ٚ ،‬ر‪ٛ‬لف ‪.‬‬ ‫‪ -‬فزؼ اٌجبه‪ ٞ‬ثْوػ ٕؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ ،ٞ‬لاثٓ ؽغو اٌؼَملأ‪ ،ٟ‬رؾم‪١‬ك ػجل اٌؼي‪٠‬ي ثٓ ػجل الله ثٓ ثبى –هلُ الإ‪٠‬لاع‬ ‫‪ِٖ /2000 /20570‬و‪ -‬اٌّىزجخ الإٍلاِ‪١‬خ ػ‪ ٌّّ ْٟ‬ط‪. 122ٓ 1‬‬ ‫‪ -‬اثٓ ػجل اٌ َج ِّو‪-،‬عبِغ اٌج‪١‬بْ ‪ٚ‬ف‪ ،ٍٗٚ‬اٌطجؼخ الأ‪،ٌٝٚ‬كاه اٌىزت الإٍلاِ‪١‬خ ‪ِٖ .‬و ‪. 415 ٓ 2002‬‬‫‪ ٛ٘ - ‬ال ِإ َِبَ اٌؼبٌُ‪ ،‬ؽّبك ثٓ ى‪٠‬ل ِٓ ألواْ َِب ٌِه‪ ٛ٘ٚ ،‬فم‪ ٗ١‬ػبٌُ‪ ٌٗ ،‬للهٖ‪ ،‬ه‪ ٜٚ‬ػٓ َِبٌِه ‪ٚ‬أث‪ ٟ‬ؽٕ‪١‬فخ أؽبك‪٠‬ش وض‪١‬وحً‬ ‫‪ ،‬لبي ػجل اٌوؽّبْ ثٓ ِ‪ٙ‬ل‪ : ٞ‬الأئّخ أهثؼخ‪ٍ :‬ف‪١‬بْ اٌض‪ٛ‬ه‪َِ ٚ ،ٞ‬ب ٌِه‪ٚ ،‬ؽّبك ثٓ ى‪٠‬ل‪ٚ ،‬اثٓ اٌّجبهن‪ ،‬ر‪ٛ‬ف‪ٍٕ ٟ‬خ‪،197‬‬ ‫‪ٚ‬أظو‪( -‬الأزمبء ٓ‪ ،66‬اٌطجمبد ٌٍْ‪١‬واى‪. ) 169ٓ ٞ‬‬ ‫‪99‬‬

‫ٌقصد ما كان للئمام َمالِك من مكانة بٌن علمار عصره‪ ،‬بالذود عن‬ ‫السنة‪ ،‬وقمع البدعة‪ ،‬وتنقٌة العقٌدة من الشوابب ‪.‬‬ ‫تنبٌه‪ :‬سنعرض بعض أقوال أهل العلم‪ ،‬فً مسابل وقضاٌا العقٌدة‬‫المختلفة‪ ،‬وحدٌثنا عنهم ونقل أقوالهم فً هذا ال َّصدد‪ ،‬إنما هو للبستشهاد‬ ‫على أقوال َمالِك فً قضاٌا العقٌدة ِب َش ْك ٍل خاص‪ ،‬فهم قد تؤ َّثروا بآرابه‬ ‫العقد ٌَّة وذلك لعدة اعتبارات ‪:‬‬ ‫أولااًل‪ :‬لأن الإِ َمام َمالِك‪ ،‬متقد ٌفم علٌهم‪ ،‬وقد جاروا بع َد ُه بعد ِة قرون‪،‬‬ ‫وهم فً هذا تبع له‪ ،‬وإنما الفضل لمن سبق ‪.‬‬ ‫انٌاًال‪ :‬لأنهم تؤ َّثروا بآرار الإِ َمام َمالِك‪ ،‬واعتبروها تمثل عمدة آرار‬ ‫علمار السلؾ‪ ،‬فقد كان‪ -‬رحمه الله‪ -‬بمثابة الم ْر ِجع‪ ،‬وكانت أقوالُه‬‫و ُح َج ُج ُه فً مسابل العقٌدة‪ ،‬دلٌلبً لهم ٌهتدون به‪ ،‬وأصلبً ٌحتكمون إلٌه‪،‬‬‫كما فً مسؤلة الاستوار‪ ،‬وقوله المشهور‪( :‬الاستواء معلوم‪ ،‬والكٌف‬‫مجهول‪ ،‬والإٌمان به واجب والسإال عنه بدعة ) ‪ ،‬فقد تناقل هذا الأثر‬ ‫علمار السلؾ على مختلؾ طبقاتهم‪ ،‬وق َّل أن تجد كتاباً من كتب العقٌدة‬ ‫والتفسٌر‪ -‬ال ُمعتبر ِة وال ُمعتمد ِة‪ -‬لا ٌَذكر هذا الأثر‪ ،‬فقد ذكره ابن جرٌر‬‫الطبري فً تفسٌره‪ ،‬وابن كثٌر فً كتابه ال ُمس َّمى تفسٌر القرآن العظٌم‪،‬‬ ‫والبٌهقً فً الأسمار والصفات‪ ،‬وابن حجر فً فتح الباري بشرح‬ ‫صحٌح البخاري‪ ،‬والنووي فً شرحه على صحٌح مسلم‪ ،‬وابن تٌمٌة‬ ‫فً العقٌدة الواسطٌة‪ ،‬وابن القٌم فً زاد المعاد‪ ،‬والصنعانً فً تطهٌر‬‫الاعتقاد‪ ،‬ناهٌك عن فقهار ال َمالِكٌة كابن أبً زٌد القٌروانً فً الرسالة‪،‬‬ ‫‪100‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook