Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore Imam Malik's Doctrine of Faith and Practice

Imam Malik's Doctrine of Faith and Practice

Published by salemfaraj1971, 2017-05-19 12:01:29

Description: This book studies the belief of imam Malik, particularly his concept of faith and the external expression thereof. It examines the first two eras of Islam, that of the Companions and Followers, which preceded him and their influence on his methodology of formulating his theological and legal views. It further looks at his approach to the textual evidences and his attitude towards speculative reasoning (kalam) regarding theological issues.

Keywords: Imam Malik's Doctrine

Search

Read the Text Version

‫تراوده وتستقر بباله فهً الخاطر( )‪ ،‬وهما أي الهاجس والخاطر لا‬ ‫تؤثٌر لهما‪ ،‬فلب ٌعدوا كونهما أفكاراً عابر ًة لا تستقر فً النفس‪ ،‬كما قال‬‫الله تعالى‪َ (:‬وإِ َّما ٌَن َز َؼ َّن َك ِم َن ال َّش ٌْ َطا ِن َن ْز فٌغ َفا ْس َت ِع ْذ ِبال ّل ِه إِ َّن ُه َس ِمٌ ٌفع َعلٌِ ٌفم )‬‫( )‪ ،‬فالهواجس والخواطر الردٌبة لا تعدوا كونها وساوس ونزؼا فٌت من‬ ‫الشٌطان‪ ،‬قال الإِ َمام الرازي‪\":‬اعلم أن نزغ الشٌطان عبار فةٌ عن‬‫وساوسه ونخسه فً القلب‪ ،‬مما ٌسول للئنسان من المعاصً( ) فهً لا‬ ‫تعتبر من الأعمال ولا تكتب فً خانة الحسنات ولا فً باب السٌبات‪.‬‬ ‫حدٌث النفس‪ :‬وهو مما ٌؤتً فً المرتبة الثانٌة بعد الهاجس‬ ‫والخاطر‪ ،‬وهو أمكن فً التؤثٌرعلى القلب من حٌث تمنً حصوله‪،‬‬ ‫بحٌث تكون تلك الخواطر والهواجس من قبٌل حدٌث النفس الذي ٌمنٌه‬ ‫به الشٌطان‪ ،‬كؤن تحدث الإنسان نفسه بفعل معصٌ ٍة‪ ،‬وٌتم ّناها من ؼٌر‬ ‫أن ٌه َّم بها أو ٌستقبلها بقلبه‪ ،‬ولك ّن إلحاح النفس منه متمك فٌن‪ ،‬بحٌث ٌجد‬‫صعوب ًة فً صرفه‪ ،‬ؼٌر أ َّنه لا أثر له حٌث أنه لا ٌستقر فً النفس‪ ،‬ولم‬ ‫تقتنع به‪ ،‬وٌتمكن الإنسان من الانتهار عنه‪ ،‬وهذا المعنى موجود فً‬‫حدٌث النبً صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬وهو فً صحٌح مسلم َع ْن أَبًِ‬‫ُه َر ٌْ َر َة رضً الله عنه َقال‪َ :‬قا َل َر ُسو ُل ال َّل ِه َصلَّى ال َّلهُ َعلَ ٌْ ِه َو َسلَّ َم‪ (:‬إِ َّن ال َّلهَ‬ ‫َت َجا َو َز لأُ َّم ِتً َما َح َّد َث ْت بِ ِه أَ ْنفُ َس َها َما لَ ْم ٌَ َت َكلَّ ُموا أَ ْو ٌَ ْع َملُوا بِ ِه)( ) ‪.‬‬ ‫فمن رحمة الله عز وجل أن لا ٌإاخذنا بحدٌث النفس هذا‪ ،‬طالما لم‬ ‫ٌتمكن فً القلب ولم ٌكن له عظٌم أث ٍر على النفس ‪.‬‬ ‫‪ِ -‬قزبه اٌٖؾبػ ٓ‪ِ ، 180‬قزبه اٌمبِ‪. 184ٓ ًٛ‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح الأػواف ا‪٠٢‬خ ‪. 200‬‬‫‪ -‬اٌزفَ‪١‬و اٌىج‪١‬و ‪ٌ ،‬لإِبَ اٌفقو اٌواى‪ ، ٞ‬اٌّطجؼخ اٌج‪١ٙ‬خ‪ ،‬اٌمب٘وح‪ِٖ ،‬و‪ ،‬اٌطجؼخ الأ‪ َ1938 ،ٌٝٚ‬ط‪. 97 ٓ 15‬‬ ‫‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ ٍَُِ‪،‬ط‪. 315 ٓ 1‬‬ ‫‪251‬‬

‫‪ - 2‬الهـ ُّم‪ :‬للة‪ :‬له عدة معا ٍن– ٌؤتً اله ُّم بمعنى الحزن وتجمع على‬ ‫هموم\"( )‪ ،‬وفً البخاري من حدٌث عمرو بن أبً عمرو قال ‪ :‬سمعت‬ ‫أَنساً‪-‬رضً الله عنه‪ -‬قال كان النبً صلى الله علٌه وسلم ٌقول‪ \" :‬اللهم‬ ‫إنً أعوذ بك من الهم والحزن‪ ،‬والعجز والكسل‪ ،‬والجبن ‪ ،‬والبخل‪،‬‬ ‫وضلع الدٌن‪ ،‬وؼلبة الرجال \" ( ) وتؤتً ه َّم بمعنى أذاب وأقعد‪ ،‬فٌقال‬ ‫ه َّم السقم جسمه – أي أذابه وأقعده( ) ‪.‬‬ ‫وٌؤتً اله ُّم بمعنى إرادة الشًر‪ ،‬والإقبال علٌه‪ ،‬وال ِه َّمة بكسر الهار‬ ‫ما ُه َّم به من أم ٍر ل ٌُفعل‪ ) ( ،‬وه ّمام بمعنى ف َّعال‪ ،‬وفً الحدٌث – أحب‬ ‫الأسمار إلى الله عبد الله وعبد الرحمن‪ ،‬وأصدقها حار فٌث وه َّما ٌفم\"( )‪،‬‬ ‫وهذا المعنى الذي نرٌده من المعانً اللؽوٌة لله ِّم ‪.‬‬ ‫والمعنى الاصطلاحً للهم ‪ :‬مؤخو فٌذ من المعنى اللؽوي‪ ،‬فهو إرادة‬ ‫الشًر من ؼٌر عز ٍم علٌه ‪ ،‬ومنه قولهم‪:‬‬ ‫هممت ولم أفعل‪ ،‬وكدت ولٌتنً** تركت على عثمان‪ ،‬تبكً حلببله‬ ‫( )‪ ،‬ومنه قولك لا أفعل ذلك‪ ،‬لا كٌداً ولاه ّماً ( ) ‪.‬‬ ‫‪ِ -‬قزبه اٌٖؾبػ ٓ‪. 698‬‬ ‫‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ ،ٞ‬وزبة اٌلػ‪ٛ‬اد‪ ،‬ثبة الاٍزؼبمح ِٓ اٌغجٓ ‪ٚ‬اٌىًَ ط‪. 367 ٓ3‬‬ ‫‪ِ -‬قزبه اٌمبِ‪639 ٓ ًٛ‬‬ ‫‪ِ -‬قزبه اٌٖؾبػ ٓ‪ٚ ،699‬هاعغ اٌّٖله اٌَبثك ٍٓ‪. 639‬‬‫‪ٌَ -‬بْ اٌؼوة‪ ،‬لاثٓ ِٕظ‪ٛ‬ه‪ٛ ،‬جؼخ عل‪٠‬لح ِٕمؾخ‪ ،‬كاه ٕبكه ث‪١‬و‪ٚ‬د ‪،‬اٌطجؼخ الأ‪ ،َ2000 ،ٌٝٚ‬ط ‪،96 ٓ 15‬‬ ‫‪ٚ‬اٌؾل‪٠‬ش ف‪ ٍٕٓ ٟ‬أث‪ ٟ‬كا‪ٚٚ‬ك‪َِٕٚ ،‬ل ال ِإ َِبَ أؽّل‪ٚ ،‬غ‪١‬وٖ‪ :ٖٗٔٚ ،‬لبي هٍ‪ٛ‬ي الله ٍٕ‪ ٝ‬الله ػٍ‪ :ٍٍُٚ ٗ١‬رَّ‪ٛ‬ا‬ ‫ثأٍّبء الأٔج‪١‬بء‪ٚ ،‬أؽت الأٍّبء ئٌ‪ ٝ‬الله‪ -‬ػجل الله ‪ٚ‬ػجل اٌوؽّٓ‪ٚ ،‬إٔلل‪ٙ‬ب‪ -‬ؽبهس ‪ّ٘ٚ‬بَ‪ٚ ،‬ألجؾ‪ٙ‬ب‪ -‬ؽوة‬ ‫‪ِٚ‬وح‪َِٕ(.،‬ل ال ِإ َِبَ أؽّل ط‪.)134 ٓ ،12‬‬ ‫‪ِ -‬ؾّل ثٓ ػّو اٌيِقْو‪ ،ٞ‬اٌىْبف‪ِ ،‬ىزجخ اٌجبٔ‪ ٟ‬اٌؾٍج‪ِٖ ،ٟ‬و‪ ،‬اٌطجؼخ الأف‪١‬وح ‪. 311 ٓ َ1966 ،‬‬ ‫‪ -‬اٌّٖله اٌَبثك ٓ ‪. 311‬‬ ‫‪252‬‬

‫ولقد ذكرت كلمة اله ِّم فً القرآن الكرٌم بمعنى إرادة الفعل‪ ،‬ؼٌر أنها‬ ‫كما جارت فً سٌاقها تتفاوت فً الدرجة والرتبة من حٌث حركة‬‫القلب‪ ،‬وترتب الفعل علٌها‪ ،‬وأفادت عدة معانً كما فًِ قوله تعالى‪( :‬إ ْذ‬ ‫َه َّمت َّطآبِ َف َتا ِن ِمن ُك ْم أَن َت ْف َشلبَ )( )‪ ،‬أي قربت أن ترجعا‪ ،‬و َت ْج ُب َنا(تخافا‬ ‫من القتال) لولا تثبٌت الله لهما‪ ،‬وهما قبٌلتا(بنوسلمة وبنوحارثة)( )‪.‬‬‫‪ -‬وقوله تعالى‪َ ( :‬ولَ ْولاَ َف ْض ُل ال ّلهِ َع َل ٌْ َك َو َر ْح َم ُت ُه لَ َه َّمت َّطآبِ َف فٌة ُّم ْن ُه ْم أَن‬‫ٌُ ِضلُّو َك َو َما ٌُ ِضلُّو َن إِلاُّ أَنفُ َس ُه ْم َو َما ٌَ ُض ُّرو َن َك ِمن َش ًْ ٍر )( ) والمعنى‬ ‫أنهم ٌكٌدون لرسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬وقد عصمه الله تعالى‪،‬‬ ‫وحفظه‪ ،‬فهم لا ٌضرون إلا أنفسهم)( )‪ ،‬ونلبحظ هنا أن الله تعالى‬ ‫استعمل اله َّم كناٌ ًة عن الفعل‪ ،‬ف ُه ْم قد كادوا حقٌق ًة لرسول الله صلى الله‬ ‫علٌه وسلم‪ ،‬فتع َّدى الأمر من كونه إرادةُ الفعل إلى كونه فعلبً حقٌقٌاً‪،‬‬ ‫واستعمل لفظ اله َّم إشار ًة إلى ما كانوا ٌعتقدونه من استطاعتهم إضلبل‬ ‫رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬وتلبٌس الح ِّق علٌه‪ ،‬ولكن هٌهات‪،‬‬ ‫فبحفظ الله له ٌُحفظ‪ ،‬وهداٌة الله له ٌُهدى‪ ،‬فلذلك قال الله عز وجل‪(:‬وما‬‫ٌضلون إلا أنفسهم) وقوله تعالى‪َ ( :‬و َل َق ْد َه َّم ْت بِ ِه َو َه َّم بِ َها َل ْولا أَن َّرأَى‬ ‫ُب ْر َها َن َر ِّب ِه َك َذلِ َك لِ َن ْص ِر َؾ َع ْن ُه ال ُّسو َر َوا ْل َف ْح َشار إِ َّن ُه ِم ْن ِع َبا ِد َنا‬ ‫ا ْل ُم ْخلَ ِصٌ َن)( ) ‪.‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح آي ػّواْ ا‪٠٢‬خ ‪. 122‬‬ ‫‪ -‬اثٓ وض‪١‬و اٌطجؼخ الأ‪. 417 ٓ َ1965 ،ٌٝٚ‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح إٌَبء ا‪٠٢‬خ ‪. 113‬‬‫‪ -‬اٌزفَ‪١‬و اٌ‪ٛ‬ا‪ٙ‬ؼ‪ِ ،‬ؾّل ِؾّ‪ٛ‬ك ؽغبى‪ ،ٞ‬كاه إٌٖو‪ ،‬اٌمب٘وح‪ِٖ ،‬و‪ ،‬اٌطجؼخ اٌَبكٍخ‪ َ1972 ،‬ط‪. 60ٓ 5‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح ‪ٍٛ٠‬ف ا‪٠٢‬خ ‪. 24‬‬ ‫‪253‬‬

‫إ َّن كلمة اله َّم الأولى‪ :‬كما ٌذكر المفسرون‪ ،‬لها معن ًى ٌختلؾ عنه فً‬ ‫الثانٌة‪ ،‬فهً قد ه َّمت به حقٌق ًة كما ذكر الله عز وجل‪ ،‬و كما ف َّصلَت‬ ‫الآٌات‪ ،‬فقد (ق َّدت قمٌصه من دبر) وجذبته وقالت(هٌت لك) ودعته‬ ‫للفاحشة‪ ،‬وؼلَّقت علٌه الأبواب‪ ،‬وقد س َّمى الله تعالى ك َّل ذلك ه ّماً‪ ،‬مع‬ ‫أنه أفعا ٌفل فً واقع الأمر‪.‬‬ ‫واله ُّم‪ :‬الثانٌة‪ :‬لا تعدو كونها خطرات حدٌث النفس‪ ،‬كما ذكره ابن‬ ‫عباس‪ ،‬ومجاهد وسعٌد بن جبٌر‪ ،‬وابن جرٌر‪ ،‬وؼٌره‪ ،‬كما جار فً‬ ‫الحدٌث (إذا ه َّم عبدي بحسن ٍة فاكتبوها له حسن ًة ‪ .. ،‬الحدٌث)( ) ‪.‬‬ ‫وقد تعددت آرار المفسرٌن فً ذلك‪ ،‬فمن قاب ٍل‪ :‬رأى آٌا ٍت صرفته‬ ‫عن الفاحشة‪ ،‬كرإٌته صورة ٌعقوب علٌه السلبم ‪ ،‬ومن قال أنه رأى‬ ‫مكتوباً على الحابط آٌة‪َ ( :‬ولاَ َت ْق َر ُبو ْا ال ِّز َنى إِ َّن ُه َكا َن َفا ِح َش ًة َو َسار‬ ‫َسبٌِلبً)( ) وأقوال كثٌر فٌة وهذه الأقوال كما قال ابن كثٌ ٍر‪ ( :‬لا حجة‬ ‫قاطعة على تعٌٌن شً ٍر منها)( )‪.‬‬‫والذي ٌظهر فً هذه المسؤلة (والله أعلم)‪ ،‬أن ٌوسؾ علٌه السلبم‪ ،‬لو‬ ‫أُ ْسلِ َم للحالة البشرٌة التً تعتري الناس فً مثل هذه المواقؾ‪ ،‬له َّم‬ ‫بالفاحشة‪ ،‬ولقارؾ المعصٌة‪ ،‬ولكن الله ع َّز وج َّل ث َّبـ َته‪ ،‬فلم ٌعد كون‬ ‫الفاحشة عرضت على سٌدنا ٌوسؾ علٌه السلبم‪ ،‬ولكن الله ع َّز وج َّل‬ ‫ث َّبت قلبه‪ ،‬وصرؾ فإاده عنها‪ ،‬وزكاه من التهمة والافترار‪ ،‬فما أشبه‬ ‫موقفه هنا‪ -‬بالآٌة الأولى فً سورة النسار‪ ،‬فً قوله تعالى‪( :‬إذ همت‬ ‫‪ -‬ثٓ وض‪١‬و اٌطجؼخ الأ‪ ، ٌٝٚ‬ط‪. 510 ٓ 2‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح الإٍواء ا‪٠٢‬خ ‪. 32‬‬ ‫‪ -‬اثٓ وض‪١‬و اٌطجؼخ الأ‪ ٌٝٚ‬ط‪. 511 ٓ 2‬‬ ‫‪254‬‬

‫طابف ٌفة منهم أن ٌضلوك) فإنه قال بعدها‪( :‬وما ٌضلون إلا أنفسهم)‬‫فرسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬لم ٌه َّم بالضلبلة‪ ،‬وحاشاه علٌه الصلبة‬ ‫والسلبم‪ ،‬فالله تعالى حافظه‪ ،‬بل ه ُّموا بإضلبله‪ ،‬وتزٌٌؾ الحق علٌه‪،‬‬ ‫وقد فعلوا كٌدهم‪ ،‬ومكروا مكرهم‪ ،‬ولكن الله مانعه‪ ،‬وأبان له الح َّق‪،‬‬‫لذلك قال بعدها‪( :‬وعلَّمك ما َل ْم ت ُكن َت ْع َل ْم) فمهما فعلوا فهو لاٌعدو كونه‬‫حدٌث أنفسهم‪ ،‬وما تسوله لهم‪ -‬وكذلك ٌوسؾ علٌه السلبم‪ ،‬فمهما فعلت‬‫امرأة العزٌز‪ ،‬فإن الله تعالى قال‪(:‬كذلك لنصرؾ عنه السور والفحشار)‬ ‫فلب ٌعدو كونه حدٌث نفسها بؤن تؽوٌه‪ ،‬لأنه ‪ -‬علٌه السلبم‪ -‬لن تإثر‬ ‫علٌه من هذا الجانب‪ ،‬فالله تعالى قد صرفها عنه‪ ،‬فقد قال‪(:‬لنصرؾ‬ ‫عنه السور والفحشا) والمعنى كما ذكر الزمخشري فً قوله‪( :‬هممت‬‫بقتله لولا أ ِّنً خفت الله) فمخافة الله حالت بٌنه وبٌن القتل( ) بدلٌل قوله‬ ‫قبلها‪َ (:‬قا َل َم َعا َذ ال ّل ِه إِ َّن ُه َر ِّبً أَ ْح َس َن َم ْث َوا َي إِ َّن ُه لاَ ٌُ ْفلِ ُح ال َّظالِ ُمو َن)( )‪.‬‬ ‫قوله تعالى‪َ ( :‬و َه َّم ْت ُك ُّل أُ َّم ٍة ِب َر ُسولِ ِه ْم لِ ٌَؤْ ُخ ُذوهُ َو َجا َدلُوا بِا ْل َبا ِط ِل‬‫لِ ٌُ ْد ِح ُضوا ِب ِه ا ْل َح َّق َفؤَ َخ ْذ ُت ُه ْم َف َك ٌْ َؾ َكا َن ِع َقا ِب )( )والمعنى أنهم حرصوا‬‫على قتل أنبٌابهم بكل ممكن‪ ،‬ومنهم من قتلوا أنبٌارهم فعلبً ( )‪ ،‬فه َّم‬ ‫بهذا المعنى تفٌد أنهم ه ُّموا بجمٌع الوسابل‪ ،‬وولجوا جمٌع الطرق التً‬ ‫استطاعوا بها محاربة الله تعالى فماذا كانت النتٌجة؟ قال تعالى‪:‬‬ ‫(فؤخذتهم فكٌؾ كان عقاب ) ‪.‬‬‫‪،َ1988‬ط‬ ‫‪ -‬اٌىْبف‪ ،‬اٌطجؼخ الأف‪١‬وح‪. 311 ٓ َ1966 ،‬‬ ‫‪ٍٛ-‬هح ‪ٍٛ٠‬ف ا‪٠٢‬خ ‪. 23‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح غبفو ا‪٠٢‬خ ‪.5‬‬ ‫‪ -‬رفَ‪١‬و اثٓ وض‪١‬و‪،‬افزٖبه ‪ٚ‬رؾم‪١‬ك ِؾّل ػٍ‪ ٟ‬اٌٖبث‪ ،ٟٔٛ‬كاه اٌٖبث‪ٌٍ ٟٔٛ‬طجبػخ‪ ،‬اٌمب٘وح‪ِٖ ،‬و‪،‬‬ ‫‪. 235 ٓ3‬‬ ‫‪255‬‬

‫مما سبق نستنتج‪ :‬أن اله َّم استعمل فً القرآن الكرٌم دلال ًة على إرادة‬ ‫الفعل تار ًة‪ ،‬ودلال ًة على الفعل نفسه تار ًة أخرى‪ ،‬ولكنه مع هذا كله‪،‬‬ ‫كان علبم ًة على فع ٍل قلب ًٍّ‪ ،‬أرٌد به الإشارة‪ ،‬إلى ثلبثة أشٌار‪ ،‬وهً‪:‬‬ ‫‪ -‬الهم بالفعل فقط‪ ،‬وإرادته من دون القٌام به ‪.‬‬ ‫‪ -‬القٌام به مع إرادته عن سبق ترص ٍد وإصرا ٍر‪ ،‬كما فعلت امرأة‬ ‫العزٌز مع ٌوسؾ علٌه السلبم‪ ،‬وكما فعل الذٌن ك َّذبوا الرسل كعا ٍد‬ ‫وثمود‪ ،‬وؼٌرهم‪ ،‬وكما فعل من أراد التلبٌس على رسول الله صلى الله‬ ‫علٌه وسلم‪.‬‬ ‫‪ -‬حدٌث النفس العارض الذي لا ٌترتب علٌه تحرك القلب‪ ،‬ولا‬ ‫تمنً الفعل‪ ،‬كما حصل لٌوسؾ علٌه السلبم‪ ،‬وعصمة الله له‪ ،‬وتزكٌته‬ ‫إٌاه ‪.‬‬ ‫وبعد التمعن فً كل ما سبق‪ ،‬فإنه ٌتبٌن لنا أن اله َّم ٌحتمل كل ما‬‫ذكر‪ ،‬ولكنه استعمل ؼالباً فً اله ِّم الذي هو بمعنى إرادة الفعل‪ ،‬من دون‬ ‫العزم علٌه والإقبال على فعله‪ ،‬وٌعتبر آخر مراحل حدٌث النفس التً‬ ‫ٌتوصل المرر بعدها إلى قرار الفعل‪ ،‬إما المضً فً الأمر والعزم‬ ‫علٌه‪ ،‬أو تركه والإعراض عنه‪ ،‬ومن رحمة الله تعالى‪ ،‬أنه لا ٌإاخذ‬‫على هذا اله ِّم بهذه الدرجة من إقبال النفس علٌه‪ ،‬إذا لم ٌترتب علٌه فع ٌفل‬ ‫مقصو فٌد‪ ،‬وهذا من عظٌم فضله ع َّز وج َّل ‪.‬‬‫‪ - 3‬العزم‪ :‬لل اًلة‪ :‬مصدر عزم‪ ،‬أي إرادة الفعل والقطع به‪ ،‬والعزٌمة‬ ‫كذلك‪ \"،‬وعزم على الأمر ٌعزم عزماً‪ ،‬أراد فعله‪ ،‬قال اللٌث‪ :‬العزم ما‬ ‫‪256‬‬

‫) قال تعالى‪ ( :‬ول ْم َن ِج ْد َل ُه‬ ‫عقد علٌه قلبه من أم ٍر أنك فاعله\" (‬ ‫َع ْزماً)( ) ‪.‬‬ ‫والمضً فً العزٌمة من الصفات التً اتصؾ بها العرب قبل‬ ‫الإسلبم‪ ،‬فإذا عزموا على شًر ٌرون فٌه المجد والافتخار‪ ،‬فلب‬‫ٌصرفهم عنه صارؾ وٌخاطرون من أجله‪ ) (،‬ولو كان فٌه هلبكهم‪،‬‬ ‫لأنهم ٌرون أن الرجوع عنه س َّب ٌفة ومهان فٌة ‪.‬‬ ‫والعزم الذي ٌقصد هنا‪ ،‬هو إرادة فعل الشًر بنٌ ٍة عن إلحاح فً‬‫النفس وإصرا ٍر‪ ،‬بحٌث أن المرر سٌنفذ ما استق َّر فً نفسه وٌمضٌه‪ ،‬إلا‬ ‫أن ٌحول بٌنه وبٌنه حاب فٌل لا ٌملك دفعه ‪.‬‬ ‫وهذه المرتبة من إرادة الشًر فً النفس‪ ،‬هً التً ٌإاخذ علٌها‬‫المرر‪ ،‬لأنه فً هذه الحال أراد فعل الشًر‪ ،‬وأخذ بؤسبابه المإدٌة إلٌه‪،‬‬ ‫ونواه عن قص ٍد وإلحا ٍح‪ ،‬وما وصل لهذه المرحلة‪ ،‬حتى م َّر بالمراحل‬‫الأولى التً سبقت‪ ،‬فهو إذاً قد فكر فٌه‪ ،‬ونظر فً عواقبه‪ ،‬وما سٌإول‬ ‫إلٌه حاله من بعده‪ ،‬ومن رحمة الله ‪-‬جل وعلب‪ ،-‬أنه لا ٌإاخذ فً باب‬‫السٌبات إلا بهذه الحالة من مراتب التدرج فً أعمال القلوب‪ ،‬فً حٌن‬ ‫ٌكتب فً باب الحسنات مجرد الهم والتفكٌر فً فعل الصالحات‪ ،‬كما‬ ‫جار فً الحدٌث‪( :‬إذا ه َّم عبدي بحسن ٍة فاكتبوها له حسنة‪ ،‬فإن عملها‬ ‫‪ٌَ -‬بْ اٌؼوة ػ‪. 139 ٓ 10‬‬ ‫‪ِ -‬قزبه اٌٖؾبػ ٓ ( ‪. ) 431 – 439‬‬ ‫‪ -‬اٌوؽ‪١‬ك اٌّقز‪. 46 ٓ َٛ‬‬ ‫‪257‬‬

‫فاكتبوها له بعشر أمثالها‪ ،‬وإن هم بسٌب ٍة فلم ٌعملها فاكتبوها حسن ًة‪،‬‬ ‫فإنما تركها من جرابً‪ ،‬فإن عملها فاكتبوها بمثلها)( ) ‪.‬‬ ‫وهذا إن د َّل على شًر‪ ،‬فإنما ٌدل على تمام رحمة الله‪-‬جل وعلب‪،‬‬ ‫وفضله فالهم لا ٌحسب فً باب السٌبات‪ ،‬ولكنه ٌحسب فً باب‬ ‫الحسنات‪ ،‬والفعل فً السٌبات ٌكون بمثلها‪ ،‬وقد ٌؽفرها الله برحمته‪،‬‬ ‫فهو سبحانه كتب على نفسه الرحمة‪ ،‬والحسنة تكتب بمجرد الهم بها‬‫ونٌتها‪ ،‬فإن عملها كتبت بعشر حسنات‪ ،‬وهذا أم فٌر لا خلبؾ علٌه‪ ،‬ومنه‬ ‫قوله تعالى‪َ ( :‬من َجار بِا ْل َح َس َن ِة َفلَ ُه َع ْش ُر أَ ْم َثالِ َها َو َمن َجار ِبال َّس ٌِّ َب ِة َفلبَ‬ ‫ٌُ ْج َزى إِلاَ ِم ْث َل َها َو ُه ْم لاَ ٌُ ْظلَ ُمو َن )( ) ‪.‬‬ ‫خلاصة‪ :‬من كل ما سبق نخلص إلى القول أ َّن مراتب تعلق القلب‬ ‫بالفعل‪ ،‬خمسة مراتب‪ ،‬وهً لاتعدوا كونها أحادٌث النفس‪ ،‬سوى ما‬ ‫كان من المرتبة الأخٌرة وهً العزم على القٌام بالفعل‪ ،‬ولقد جمع‬‫أحدهم هذه المراتب من تحرك القلوب‪ ،‬ومقاصدها فً الأعمال‪ ،‬وتعلق‬ ‫الفعل بها مرتب ًة فً هذٌن البٌتٌن‪ ،‬ولقد كان مشاٌخنا ٌرددونهما‪،‬‬ ‫وٌستشهدون بهما فً هذا الباب وهما ‪:‬‬ ‫مراتب القصد خم ٌفس هاج فٌس ذكروا* فخاط فٌر فحدٌث النف ِس فاستم َعا‬ ‫ٌلٌ ِه ه ٌّم فعز فٌم كل َها رفع ْت سـ َوى* الأخٌ ُر ففٌ ِه الأخـ ُذ قد وق َعا‬ ‫‪ -‬ثٓ وض‪١‬و ط‪. 510 ٓ2‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح الأٔؼبَ ا‪٠٢‬خ ‪. 160‬‬ ‫‪258‬‬

‫قال صاحب الفواكه الدوانً على شرح رسالة أبً زٌد القٌروانً‪:‬‬‫وأَما ما ٌ َق ُع ِمن النف ِس علَى َق ْص ِد ا ْلمعصٌة‪ ،‬هؾو على خم ِس مرات َب‪:‬‬‫ا ْل َهاجس وهو ما ٌُلقى فٌها‪َ ،‬وا ْلخاط ُر وهو ما ٌج ِري فٌها‪ ،‬وحدٌ ُث‬‫ال َّن ْفس وهو ال َّتر ُّدد هل ٌفعل أَو ٌترك‪ ،‬واله ُّم وهو أن ٌترجح عنده َقصد‬‫الفع ِل‪ ،‬والعزم وهو ُقوة القصد والجزم بِه‪ ،‬فالهاجس لا ٌإخذ به‬‫إجما ًعا‪ ،‬لاَنه ٌطرقُه َقه ًرا ع َلٌ ِه‪ ،‬وك َذا ما بعدهُ من الخا ِط ِر‪ ،‬وحدٌ ُث‬‫ال َّن ْف ِس وإِ ْن َقدر على دفعهما‪ ،‬لا ٌإخذ بهما ِل ًَحدٌث‪( :‬إ َّن ال َّلهَ تجاوز‬‫لأُم ِتً ما ح َّدثت بِه أَ ْنفسها ما لم تتكلّم أَو ت ْعمل به)‪ ...‬إلى أن قال‪ :‬وأما‬ ‫الع ْزم على المعصٌة فال ُمح ِّققون على المإاخذ ِة هب ( ) ‪.‬‬ ‫تفاوت الأعمال فً الأجر وال واب ‪:‬‬ ‫مما لا شك فٌه أن عرى الإسلبم ٌتمٌز بعضها على بعض من حٌث‬ ‫المنزلة فً دٌن الله‪ ،‬فمنها ما ٌوصؾ بؤنه أعلى وأوثق عرى الإسلبم‪،‬‬‫كالنطق بالشهادتٌن‪ ،‬ثم الصلبة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬وؼٌرها‪ ،‬كما جار فً صحٌح‬ ‫مسلم‪ ،‬الإسلبم بضع وسبعون شعبة‪ ،‬أو بضع وستون شعبة‪ ،‬فؤفضلها‬‫قول لا إله إلا الله‪ ،‬وأدناها إماطة الأذى عن الطرٌق‪ ،‬والحٌار شعب فٌة من‬ ‫الإٌمان) ( )‪.‬‬ ‫فبقول‪( :‬لا إله إلا الله) ٌدخل المرر فً الإسلبم‪ ،‬ثم تتوالى الشرابع‬ ‫من مثل الصلبة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والحج‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وهذا لا ٌعنً التقلٌل من‬ ‫شؤن بعض شعابر الإسلبم ولكن هذا ٌقسمها إلى الأهم‪ ،‬فالمهم‪ ،‬إلى ما‬ ‫‪ -‬اٌف‪ٛ‬اوٗ اٌل‪ٚ‬أ‪ ٟ‬ػٍ‪ّ ٝ‬وؿ هٍبٌخ أث‪ ٟ‬ى‪٠‬ل اٌم‪١‬و‪ٚ‬أ‪،ٟ‬ط‪. 294 ٓ1‬‬ ‫‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ ٍَُِ ِقزٖو إٌّنه‪. 25ٓ ٞ‬‬ ‫‪259‬‬

‫هو أدنى فً الأهمٌة‪ ،‬وهو ما ٌسمٌه الفقهار الأركان‪ ،‬ثم الفرابض‬ ‫فالواجبات‪ ،‬ثم السنن والفضابل‪ ،‬وٌكمل إٌمان المرر بقدر محافظته على‬ ‫هذه الشعابر ‪.‬‬ ‫وقد عبر القاضً ِع ٌَاض الٌحصبً ال َمالِكً(‪ )‬عن هذا المعنى فذكر‪:‬‬ ‫أن أصل الإٌمان فً اللؽة التصدٌق‪ ،‬وفً الشرع‪ :‬تصدٌق القلب‬ ‫واللسان‪ ،‬وظواهر الشرع تطلقه على الأعمال كما وقع هنا‪ -‬أفضلها لا‬ ‫إله إلا الله‪ ،‬وآخرها إماطة الأذى عن الطرٌق‪ ،‬وإ َّن كمال الإٌمان‬ ‫بالأعمال وتمامه الطاعات‪ ،‬وقد جار فً الحدٌث أن أفضلها التوحٌد‬ ‫المتعٌن على كل أحد‪ ،‬ولا ٌصلح أي من شعب الإٌمان من دونه‪،‬‬ ‫وأدناها ما ٌتحقق به رفع الأذى عن المسلمٌن‪ ،‬ورفع الأذى من طرٌقه‪،‬‬ ‫وبٌن ذلك شعب كثٌر فةٌ‪ ،‬لو تكلؾ المجتهد تحصٌلها بؽلبة الظن وشدة‬ ‫التتبع لأمكنه)( ) انتهى كلبمه مختصراً‪.‬‬ ‫ومن فضل الله وكرمه‪ ،‬تعدد هذه ال ِّش َع ْب وكثرتها‪ ،‬بحٌث ٌحصل‬ ‫الإنسان من الخٌر ما وفقه الله إلٌه‪ ،‬وٌؤخذ من جماع الخٌر ما ٌطٌق‪،‬‬ ‫والله تعالى ٌجازي كلبًّ بما عمل‪ ،‬دون أن ٌنقص من أجره شٌباً‪ ،‬وذلك‬ ‫كما قال تعالى‪( :‬إِ َّن الَّ ِذٌ َن آ َم ُنوا َو َع ِملُوا ال َّصالِ َحا ِت إِ َّنا لاَ ُن ِضٌ ُع أَ ْج َر َم ْن‬ ‫أَ ْح َس َن َع َملبً)( ) وقال أٌضاً‪( :‬إِ َّن الَّ ِذٌ َن آ َم ُنو ْا َو َع ِملُو ْا ال َّصالِ َحا ِت َوأَ َقا ُمو ْا‬ ‫‪ ٛ٘ - ‬أث‪ ٛ‬اٌف‪ِ ًٚ‬ػ‪َ١‬بٗ ثٓ ِ‪ ٍٝٛ‬ثٓ ِػ‪َ١‬بٗ اٌ‪١‬ؾٖج‪ ٟ‬اٌ َّب ٌِى‪١ّ ،ٟ‬ـ الإٍلاَ ف‪ ٟ‬ػٖوٖ ِٓ ِإٌفبرٗ‪ ،‬رور‪١‬ت‬‫اٌّلاهن‪ ،‬وّبي اٌّؼٍُ ّوػ ٍَُِ ‪،‬اٌْفب ٌٍزؼو‪٠‬ف ثؾم‪ٛ‬ق اٌّٖطف‪ٚ ،ٝ‬غ‪١‬و٘ب ِٓ اٌىزت اٌّف‪١‬لح اٌز‪ ٟ‬لا ‪َ٠‬زغٕ‪ ٟ‬ػٕ‪ٙ‬ب‬ ‫‪ٛ‬بٌت اٌؼٍُ ‪ٌٚ‬ل ٍٕخ ‪– 476‬ر‪ٛ‬ف‪ٍٕ ٟ‬خ ‪٘544‬ـ ‪ّ(.‬غوح إٌ‪ٛ‬ه اٌيو‪١‬خ ٓ‪. ) 140‬‬ ‫‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ ٍَُِ ثْوػ إٌ‪، ٞٚٛ‬ط‪. 280 ٓ 1‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌى‪ٙ‬ف ا‪٠٢‬خ ‪. 30‬‬ ‫‪260‬‬

‫ال َّصلبَ َة َوآ َت ُو ْا ال َّز َكا َة َل ُه ْم أَ ْج ُر ُه ْم ِعن َد َر ِّب ِه ْم َولاَ َخ ْو ٌفؾ َعلَ ٌْ ِه ْم َولاَ ُه ْم‬ ‫ٌَ ْح َز ُنو َن)( ) ‪.‬‬ ‫فهذا م ُّن الله وكرمه‪ ،‬و ِم ْن َم ِّن الله وكرمه‪ ،‬بحٌث أنه ٌعطً الثواب‬ ‫بقدرالعمل‪ ،‬بل وٌضاعفه أضعافاً كثٌر ًة‪ ،‬ولكن هذه الأعمال كما سبق‬ ‫تتفاوت‪ ،‬وأن هذا التفاوت قد ٌكون فً الرتبة والمكانة من الدٌن كما‬‫مرعلٌنا من حدٌث النبً صلى الله علٌه وسلم‪( :‬أعلبها لا إل ه إلا الله)‬ ‫وقوله‪(:‬أدناها) إذاً فهناك ما هو أعلى وما هو أدنى‪ ،‬أٌضاً فهً تتفاوت‬ ‫فً الأجر من حٌث هذه المكانة فشهادة التوحٌد مثلبً لا تقارن بإماطة‬ ‫الأذى عن الطرٌق‪ ،‬أو بالحٌار مثلبً‪ ،‬فهً أعلى وأوثق عرى الإسلبم‪،‬‬‫ولا ٌصح إسلبم امر ٍئ من دونها‪ ،‬كذلك الصلبة وما لها من مكان ٍة عالٌ ٍة‬ ‫فً الدٌن‪ ،‬لا تقارن بؽٌرها من الفضابل والمستحبات‪ ،‬فالفرابض‬ ‫والأركان لها المكانة الأعلى والثواب فٌها أجزل‪ ،‬وهذا لا ٌعنً التقلٌل‬ ‫من شؤن ِش َعاب الإٌمان الأخرى‪ ،‬ولكن هذا من قبٌل الإتٌان بالأهم‪،‬‬ ‫فالمهم‪ ،‬فالأقل أهمٌ ًة وهكذا‪ ،‬وهذا لا ٌلؽً أهمٌته‪ ،‬وأنه قد ٌكون من‬ ‫الأعمال التً ٌنال بها رضى الله تبارك وتعالى‪ ،‬كما قال عز وجل‪:‬‬ ‫( َولِ ُك ٍّل َد َر َجا ٌفت ِّم َّما َع ِملُو ْا َو َما َر ُّب َك بِ َؽافِ ٍل َع َّما ٌَ ْع َملُو َن) ( ) ‪.‬‬‫جار فً إرشاد المرٌد فً الفقه ال َمالِكً‪ :‬واعلم أن الإٌمان على خمسة‬ ‫أقسام‪ :‬إٌمان عن تقلٌد وإٌمان عن علم وإٌمان عن عٌان‪ ،‬وإٌمان عن‬ ‫ٌقٌٌن‪ ،‬وإٌمان عن حقٌقته‪ ،‬فالتقلٌد للعوام‪ ،‬والعلم لأصحاب الأدلة‪،‬‬ ‫والعٌان لأهل المشاهدة‪ ،‬والحق للعارفٌن‪ ،‬ثم قال إن أ ْعلى الناس إٌمانا‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌجموح ا‪٠٢‬خ ‪. 277‬‬ ‫‪ٍٛ - .‬هح الأٔؼبَ ا‪٠٢‬خ ‪. 132‬‬ ‫‪261‬‬

‫وتصدٌقاً‪ -‬الصحابة على اختلبؾ طبقاتهم‪ ،‬ثم من ٌإمن بالؽٌب على‬ ‫الكمال كؤهل زماننا ( ) ‪.‬‬ ‫ومقصده (والله أعلم) تفاوت الناس فً درجات الإٌمان بحسب‬ ‫أعمالهم‪ ،‬وقوة ٌقٌنهم‪ ،‬فمن الناس من ٌكون دٌنه قابماً على تقلٌد العلمار‬ ‫ومن ٌثق فً علمهم وفً دٌانتهم‪ ،‬من جماعة المسلمٌن‪ ،‬ومن الناس من‬ ‫ٌكون على بصٌر ٍة من دٌنه وعلى دراٌة بالحلبل والحرام‪ ،‬وعلى علم‬ ‫بالقواعد العامة فً العقابد والعبادات‪ ،‬وذلك كحال بعض طلبة العلم‬ ‫والدارسٌن المتنورٌن بؤنوار العلم‪ ،‬بمعرفة الحلبل والحرام والتزام‬ ‫الشرع فً عباداتهم ومعاملبتهم‪ ،‬وهم مع هذا ُم َسلِّ ُمون بالأمور الؽٌب ٌَّة‬ ‫لله تبارك وتعالى‪ ،‬مصدقٌن بعالم الؽٌب الذي أخبر به الصادق‬ ‫المعصوم‪ ،‬من الإٌمان بالله‪ ،‬وملببكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬والٌوم الآخر‬ ‫والإٌمان بالقدر خٌره وشره‪ ،‬حلوه ومره ‪.‬‬ ‫وأما الدرجة الأعلى والمكانة المثلى لشخصٌة المإمن الجامع‪ ،‬لكل‬ ‫ما سبق من درجة الإسلبم والإٌمان‪ ،‬واتصافه بالعبادة الحقٌقٌة لله‬ ‫تبارك تعالى‪ ،‬عن قوة ٌقٌن‪ ،‬وكؤنما ٌشاهده رأى عٌان‪ ،‬كما مر علٌنا‬ ‫من حدٌث جبرٌل‪ ،‬وهو قوله علٌه الصلبة والسلبم ‪ (:‬كؤنك تراه ) وها‬ ‫هنا تطرح علٌنا المسؤلة التالٌة‪ :‬هل َمن كانت درجته أقل فً الأٌمان لا‬ ‫ٌعبد الله حقا ؟ وما هو المقصود من قول المصطفى صلى الله علٌه‬ ‫وسلم‪ ( :‬كؤنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه ٌراك) ؟ وكٌف ٌتؤ ر العمل‬ ‫بهذا المعتقد؟ (اعتقاد رإٌة المولى تبارك وتعالى) اعتقاداً جازما‬‫‪ -‬ػٍ‪ ٟ‬ثٓ ػجل اٌٖبكق اٌطواثٍَ‪ ٟ‬اٌ َّب ٌِى‪، ٟ‬ئهّبك اٌّو‪٠‬ل‪ ،‬رؾم‪١‬ك اٌَبئؼ ػٍ‪ ٟ‬ؽَ‪ ،ٓ١‬عّؼ‪١‬خ اٌلػ‪ٛ‬ح الإٍلاِ‪١‬خ‬ ‫‪ٛ،‬واثٌٍ ٌ‪١‬ج‪١‬ب‪ -2001 ،‬ط‪. 71 ٓ 1‬‬ ‫‪262‬‬

‫ومراقبته فً العمل‪ ،‬والعلم الٌقٌنً هو أن الله ٌراك‪ ،‬ومطلع علٌك‪،‬‬ ‫وكؤنك تراه وهو ٌراك‪ ،‬ومع أن رإٌة الله تبارك وتعالى مستحٌلة فً‬ ‫الدنٌا‪ ،‬ولكنه عز وجل ٌرانا ومطلع علٌنا‪ ،‬والمراد قوة الٌقٌن فً‬ ‫مراقبة الله تبارك وتعالى ومن هذا أخلُص إلى ما ٌلً‪:‬‬ ‫أولاالً ‪ :‬علمنا أن الناس ٌتفاوتون فً مراتب الأٌمان كل بحسب عمله‬ ‫وقربه من الله تعالى ولكن الجمٌع عبٌد لله تبارك وتعالى وهم عنده‬ ‫سوار‪ ،‬لا فرق بٌنهم إلا بقدر تفاوتهم فً المعتقدات وأعمال الإٌمان‪،‬‬ ‫فكل مسلم موحد لله عز وجل موقن بربوبٌته‪ ،‬وألوهٌتة‪ ،‬هو عابد لله‬ ‫تبارك وتعالى ‪.‬‬‫وٌبقى بعد ذالك‪ ،‬الكٌفٌة التً تكون علٌها العبادة‪ ،‬ودرجة الإخلبص‬ ‫لله‪ ،‬والصدق فً النٌة ومتابعة الرسول صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬قال‬ ‫تعالى‪ٌَ (:‬اأَ ٌُّ َها ال َّنا ُس ا ْع ُب ُدو ْا َر َّب ُك ُم الَّ ِذي َخلَ َق ُك ْم َوالَّ ِذٌ َن ِمن َق ْبلِ ُك ْم َل َعلَّ ُك ْم‬ ‫َت َّت ُقو َن )( )‪.‬‬ ‫انٌاًال‪ :‬المقصود بقول النبً صلى الله علٌه وسلم‪( :‬كؤنك تراه) دوام‬‫المراقبة‪ ،‬والحذر من معصٌتة واتقار ؼضبه كما قال تعالى‪َ ( :‬و ٌُ َح ِّذ ُر ُك ُم‬ ‫ال ّلهُ َن ْف َس ُه َوإِلَى ال ّلهِ ا ْل َم ِصٌ ُر )( ) ‪.‬‬‫ال اًال ‪ٌ :‬تؤثر العمل بدوام المراقبة والخشٌة من الله تعالى‪ ،‬بحٌث ٌتبوأ‬‫من الإخلبص أعلبه‪ ،‬ومن المتابعة والجد ؼاٌة منتهاه‪ ،‬إذ بدوام المراقبة‬ ‫‪ٍٛ-‬هح اٌجموح ا‪٠٢‬خ ‪. 21‬‬ ‫‪ٍٛ-‬هح آي ػّواْ ا‪٠٢‬خ ‪. 28‬‬ ‫‪263‬‬

‫ٌكون صلبح العمل‪ ،‬وبالخشٌة ٌكون علو الهمة‪ ،‬وبالٌقٌن ٌقبل القلب‬ ‫بصدق ونٌة‪.‬‬ ‫‪ -‬تؤ ـُّر الأعمال بدوام المراقبــة ‪:‬‬‫إن كمال العبودٌة لله تبارك وتعالى‪ٌ ،‬كون بدوام المراقبة له عز وجل‬ ‫والخوؾ منه‪ ،‬والحذر من معصٌته ومخالؾ ة أمره‪ ،‬وٌكون منه على‬‫متابع ٍة‪ ،‬حتى ٌختم له بالسلبمة فً الدارٌن‪ ،‬فإن العبرة بالخواتٌم‪ ،‬ودوام‬ ‫المراقبة لله لها تؤثٌر بال ٌفػ على الأعمال‪ ،‬لذالك جار فً صحٌح مسلم‪،‬‬ ‫من حدٌث عبد الله بن عمرو بن العاص رضً الله عنهما‪ ،‬أنه سمع‬ ‫رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ٌ ،‬قول‪( :‬إن قلوب بنً آدم بٌن أصبعٌن‬ ‫من أصابع الرحمن‪ ،‬كقلب واحد ٌص ٍّرفه حٌث ٌشار) ثم قال رسول الله‬ ‫صلى الله علٌه وسلم‪ ( :‬اللهم مصرؾ القلوب صرؾ قلوبنا على‬ ‫طاعتك )( )‪ ،‬إذاً فالثبات على طاعة الله أم ٌفر عظٌم وؼاٌ ُة سامٌة لذلك‬ ‫كان رسول الله صلى الله علٌه وسلم ٌسؤل ربه الثبات‪ ،‬وٌعلِّم أمته ذلك‪،‬‬ ‫وبرواٌات متعددة فقد جار أٌضاً فً سنن الترمذي عن أنس بن َمالِك‬‫رضً الله عنه قال‪ :‬كان رسول الله صلى الله علٌه وسلم ٌكثر من قول‪:‬‬ ‫(ٌا مقلب القلوب ثبت قلبً على دٌنك) فقلت ٌارسول الله آمنا بك وبما‬‫جبت به‪ ،‬فهل تخاؾ علٌنا ؟ قال نعم إن القلوب بٌن أصبعٌن من أصابع‬ ‫الله ٌقلبها كٌؾ ٌشار (‪. )2‬‬ ‫‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ ٍَُِ ثْوػ إٌ‪،ٞٚٛ‬ط‪154. ٓ16‬‬ ‫‪ ٍٕٓ -2‬اٌزوِن‪ ( ٞ‬وزبة اٌمله‪ ،‬ثبة ِبعبء أْ اٌمٍ‪ٛ‬ة ث‪ ٓ١‬إٔجؼ‪ ِٓ ٓ١‬إٔجؼ‪ ٟ‬اٌوؽّٓ )ط‪. 201 ٓ 4‬‬ ‫‪264‬‬

‫لكً ٌعلم الأمة‪ ،‬أن الإنسان مهما بلػ من قدر‪ ،‬فإنه لا ٌستؽنً عن‬ ‫الله‪ ،‬وأنه دابماً فً حاج ٍة له سبحانه‪ ،‬وأنه لا ٌقدر على شً ٍر من دون‬‫توفٌقه وتٌسٌره‪ ،‬وذلك كما قال الله عز وجل‪َ ( :‬والَّ ِذٌ َن ٌُ ْإ ُتو َن َما آ َتوا‬ ‫َّو ُقلُو ُب ُه ْم َو ِج َل فٌة أَ َّن ُه ْم إِ َلى َر ِّب ِه ْم َرا ِج ُعو َن )( )‪ ،‬جار فً تفسٌر هذه الآٌة‬ ‫عن عابشة رضً الله عنها قالت‪ٌ :‬ارسول الله ( الذٌن ٌإتون ما آتوا‬ ‫وقلوبهم وجلة) هو الذي ٌسرق وٌزنً وٌشرب الخمر وهو ٌخاؾ الله‬‫عز وجل ؟ قال‪( :‬لا بنت أبً بك ٍر ٌا بنت الصدٌق‪ ،‬ولكنه الذي ٌصلًِّ‪،‬‬ ‫وٌصوم‪ ،‬وٌتص َّدق‪ ،‬وهو ٌخاؾ الله عز وجل )( ) ‪.‬‬ ‫فانظر إلى كلبم النبً صلى الله علٌه وسلم وهو ٌشرح هذه الآٌة‪،‬‬‫فهذا بٌان واضح لحقٌقة المإمن الصادق‪ ،‬فهو مع عمله الذي ٌقدمه بٌن‬‫ٌدي ربه من صلبة‪ ،‬وصدق ٍة‪ ،‬وصٌام‪ ،‬ولكنه ٌخاؾ ألا ٌتقبل منه‪ٌ ،‬حذر‬ ‫من مكر الله‪ٌ ،‬عرض قلبه على مرآة الإخلبص‪ٌ ،‬خشى من سور‬ ‫الخاتمة ‪.‬‬‫وفً الحقٌقة‪ ،‬إن هذا ما جبل علٌه المجتهدون دابماً‪ ،‬وهذا الإحساس‬ ‫ٌم ُّر به كل حرٌص‪ ،‬فالطالب المجد مثلبً‪ -‬مع ما ٌتحصل علٌه من‬‫علبمات متفوق ًة ًٍ فً الامتحانات والاختبارات الجزبٌة‪ -‬ومع هذا تجده‬ ‫فً الامتحان النهابً خابفاً مترقباً‪ٌ ،‬تطلع إلى النتٌجة بقلق شدٌد‪ ،‬وقلبه‬ ‫خاب ٌفؾ وج ٌفل‪ٌ ،‬رتجً العلبمات العالٌة‪ ،‬ولكنه ٌخاؾ الرسوب‪ ،‬أو‬ ‫الحصول على علبمات أقل من المعدل المطلوب‪ ،‬بعكس المهمل‬ ‫والمفرط‪ ،‬فتجده لا ٌحرك ساكناً ٌرضى بؤقل القلٌل‪ ،‬والرسوب نتٌج ٌفة‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌّإِٕ‪ ْٛ‬ا‪٠٢‬خ ‪. 60‬‬ ‫‪ -‬ثٓ وض‪١‬و‪ ،‬اٌطجؼخ الأ‪،ٌٝٚ‬ط‪. 260 ٓ 3‬‬ ‫‪265‬‬

‫متوقع فٌة لا ٌهابها‪ ،‬فهذا فً امتحان الدنٌا‪ ،‬فما بالك بامتحان الآخرة‪ ،‬وإذا‬‫علمت أن امتحان الدنٌا فٌه ما فٌه‪ ،‬فلٌست النتٌجة نهابٌ ًة فهناك دور ثان‬ ‫لاستدراك مواد الرسوب‪ ،‬وهناك الترحٌل لمن طال أمده وتكرر‬‫رسوبه‪ ،‬أما فً الآخرة‪ ،‬فلعمري إن الرسوب مهلك ٌفة‪ ،‬لا منجاة منها‪ ،‬إن‬ ‫لم تتدارك الهالكٌن رحمة أرحم الراحمٌن ‪.‬‬‫فكٌؾ تجد المشمرٌن لل َّدار الآخرة ألٌسوا فً قلق ووجل وخوؾ من‬‫الله تعالى ؟ لذلك قال الله بعدها‪( :‬أولبك ٌ َسا ِر ُعو َن ِفً ال َخ ٌْ َرا ِت و ُه ْم َل َها‬ ‫َسابِ ُقو َن)( )‪.‬‬ ‫وذلك كما حصل لسٌدنا عمر بن الخطاب عندما سؤل حذٌفة بن‬ ‫الٌمان ‪-‬رضً الله‪ -‬عنهما عن اسمه هل هو فً المنافقٌن الذٌن ذكر‬ ‫رسول الله صلى الله علٌه وسلم أسمارهم لحذٌفة‪ ،‬حٌث كان حذٌفة‬ ‫ٌس ِّمى بكاتم س ِّر رسول الله صلى الله علٌه وسلم ‪.‬‬ ‫وعمر رضً الله عنه ه َو من ُهو‪ ،‬فً ورعه وتقواه‪ ،‬ولكنه حرٌ فٌص‬ ‫خاب ٌفؾ وج فٌل‪ ،‬فكان كما قال الله ‪ٌ (:‬إتون ما آتوا وقلوبهم وجل فٌة ) ‪.‬‬ ‫ومن الأمثلة على الورع والتقوى‪ ،‬والخوؾ من الله عز وجل‪،‬‬ ‫والحذر من سخطه‪ ،‬ودوام المراقبة‪ ،‬ما كان علٌه َمالِك رحمه الله من‬‫التحري والدقة فً تبلٌػ العلم‪ ،‬حتى إنه أثر عنه ‪ -‬رحمه الله‪ -‬وكما قال‬ ‫الشافعً‪( :‬قٌل ل َمالِك‪ :‬عند بن عٌٌنة أحادي ث لٌست عندك‪ ،‬فقال‪ :‬إذاً‬ ‫أحدث بكل ما سمعت‪ ،‬إنً إذاً أحمق‪ ،‬إنً أرٌد أن أضلهم إذاً‪ ،‬ولقد‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌّإِٕ‪. 61 ْٛ‬‬ ‫‪266‬‬

‫خرجت منً أحادٌث لوددت أنً ضربت بكل حدٌ ٍث منها سوطاً ولم‬ ‫أحدث به )( )‪.‬‬ ‫فسبحان الله كم كانت خشٌته ‪ -‬رحمه الله‪ ،-‬وهم مع هذا معذورون‬‫عند الله‪ ،‬فقد اقتضت حكمة الله أن لا ٌعذب مجتهداً على اجتهاده‪ ،‬فالعالم‬ ‫إذا اجتهد فؤصاب فله أجران‪ ،‬وإذا اجتهد فؤخطؤ فله أج فٌر‪ ،‬ولكنه الورع‬‫الذي منعهم من التحدٌث بكل ما ٌعلمون‪ ،‬إنها المراقبة لله تعالى‪ ،‬وانظر‬ ‫إلى قوله‪ -‬رحمه الله‪( -‬ولقد خرجت منً أحادٌث) فع َّبر بقوله خرجت‪،‬‬ ‫وكؤنه ما أراد أن تخرج‪ ،‬ولكن قد ٌكون قالها فً وق ٍت كان ٌرى أنها‬ ‫صحٌح فٌة‪ ،‬أو لثقته فٌمن نقلها عنه‪ ،‬أو قد ٌكون قالها فً زمن كان ٌرى‬‫الحاجة إلٌها ملح ًة لإخماد فتن ٍة‪ ،‬أو إحٌار س َّن ٍة ‪ -‬ثم تبٌن له الحق خلبفها‪،‬‬ ‫فقال‪( :‬لوددت أنً ضربت بكل حدٌ ٍث منها سوطاً) ‪.‬‬ ‫وهذا ما جعل كثٌراً من علمار ال َمالِكٌة الٌوم‪ٌ ،‬تح َّرزون من ال ُولُو ِج‬ ‫فً الفتن‪ ،‬والبدع المعاصرة‪ ،‬والتً كانت لها جذو ٌفر من أقوال أهل‬ ‫البدع والأهوار‪ ،‬كالخوارج الذٌن كانوا ٌك ِّفرون المإمنٌن بالمعاصً‪،‬‬‫وهذ ما قاله الدكتور الصادق الؽرٌانً‪ ،‬فً كتابه(فً العقٌدة والمنهج)‪،‬‬ ‫وهو فً هذا ٌُع ِّبر عن كثٌ ٍر من شٌوخ ال َمالِك ٌَّة فً زماننا‪ ،‬ثم قال‬ ‫ُمستنكراً‪ :‬فؤٌن المتصدرون للفتوى الٌوم‪ ،‬الذٌن ٌفتون فً كل شًر‪،‬‬ ‫ولا ٌتو َّرعون من شً ٍر‪ ،‬مع قلَّة علمهم وتقواهم‪ ،‬وضعؾ ٌقٌنهم‪ ،‬فما‬ ‫أجرأهم على الفتٌا‪ ،‬وما أصبرهم على القول على الله بؽٌر علم‪ ،‬حتى‬ ‫إنهم تكلموا فً مسابل ما كان واح فٌد من علمار ال َّسلؾ ٌجرإ على‬ ‫‪ -‬رور‪١‬ت اٌّلاهن ٓ ‪. 164‬‬ ‫‪267‬‬

‫الخوض فٌها‪ ،‬كمسابل التكفٌر‪ ،‬واستباحة دمار الأبرٌار الآمنٌن من‬ ‫المسلمٌن‪ ،‬فٌك ِّفر بمجرد أن تخالفه الرأي‪ ،‬وٌ َبـ ِّدع وٌ َف ِّسـق بمجرد الخطؤ‬ ‫وال َّزلل‪ ،‬ولا ٌفعل ذلك إلا متعص فٌب ٌرٌد من جمٌع الناس أن ٌكونوا‬ ‫على رأٌه‪ ،‬ومذهبه فً الفهم ( ) ‪.‬‬ ‫فٌالله أٌن هإلار من سٌدنا عل ًٍّ رضً الله عنه‪ ،‬حٌن سبل عن حكمه‬ ‫فً الخوارج وهم الذٌن ناصبوه العدار وآذوه وقاتلوه؟ ماذا قال عنهم‬ ‫حٌنما قٌل له‪ :‬أمشركون هم؟ فقال‪ :‬من الشرك ف ُّروا‪ ،‬قٌل‪ :‬أفمنافقون هم‬ ‫؟ قال إن المنافقٌن لا ٌذكرون الله إلا قلٌلبً‪ ،‬قٌل‪ :‬فما هم ٌا أمً ر‬ ‫المإمنٌن؟ قال‪ :‬إخواننا بؽوا علٌنا فقاتلناهم ببؽٌهم علٌنا( ) ‪.‬‬ ‫هكذا كان عل ًٌّ رضً الله عنه‪ ،‬مع هذه الزمرة من الخوارج الذٌن‬ ‫جاهروا بالعصٌان‪ ،‬وبارزوا الله بالمعاصً‪ ،‬معتقدٌن أنهم على الحق‪،‬‬ ‫وفً سبٌل الله ٌجاهدون‪ ،‬ولكن مع هذا كله‪ ،‬ورؼم أنهم ناصبوه العدار‪،‬‬ ‫ولكنه كان منصفاً معهم‪ ،‬وما تج َّرأ‪-‬رضً الله عنه‪ -‬على تكفٌرهم‪ ،‬فهم‬ ‫ٌشهدون (أن لاَ إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) ‪.‬‬ ‫وعل ًٌّ‪ -‬رضً الله‪ -‬عنه ٌعرؾ ما لشهادة التوحٌد من المكانة فً دٌن‬ ‫الله‪ ،‬فسبحان الله كٌؾ تج َّرأ أقوا فٌم على استباحة الدمار بؽٌر ح ٍّق‪ ،‬وتكفٌر‬ ‫الناس بالباطل‪ ،‬وإشعال الفتنة بٌن المسلمٌن‪ ،‬بفتاوى باطلة‪ ،‬تفتقر إلى‬ ‫الدلٌل الواضح‪ ،‬والقٌاس الصحٌح‪ ،‬وإدراك المسابل على حقٌقتها‪ ،‬كم ا‬ ‫ٌفعل بعض المتشددٌن فً زماننا‪ ،‬من تكفٌر الأمة كلها‪ ،‬وتبدٌع‪،‬‬ ‫‪ -‬اٌٖبكق ػل اٌوؽّبْ اٌغو‪٠‬بٔ‪ ،ٟ‬ف‪ ٟ‬اٌؼم‪١‬لح ‪ٚ‬إٌّ‪ٙ‬ظ‪. 43ٓ ،‬‬‫‪ -‬ئٍّبػ‪ ً١‬ثٓ وض‪١‬و اٌموّ‪ ،ٟ‬اٌجلا‪٠‬خ ‪ٚ‬إٌ‪ٙ‬ب‪٠‬خ‪ (،‬ف َّوط أؽبك‪٠‬ضٗ أؽّل ثٓ ّؼجبْ ‪ ٓ٠‬أؽّل ‪ِ ،‬ؾّل ثٓ ػ‪١‬بك‪ ٞ‬ثٓ ػجل‬ ‫اٌؾٍ‪ِ ) ُ١‬ىزجخ اٌٖفب ‪ ،-‬اٌمب٘وح ‪ِٖ ،‬و‪ ،‬اٌىجؼخ الأ‪ َ 2002 ٌٝٚ‬ط‪. 236 ٓ 7‬‬ ‫‪268‬‬

‫وتفسٌق كل من ٌخالفهم‪ ،‬وتكفٌر الحكومات التً تحكم القوانٌن‬ ‫الوضعٌة‪ ،‬وٌبٌحون قتالها‪ ،‬وقتال المدنٌٌن‪ ،‬والأبرٌار من العامة‬ ‫والخاصة ‪.‬‬ ‫وللؤسؾ الشدٌد ارتكبت أفظع الجرابم التً لم تر البشرٌة لها نظٌراً‬ ‫باسم الإسلبم‪ ،‬وأقٌمت مذابح لم ٌعرؾ التارٌخ لها مثٌلبً‪ ،‬باطلبً وزوراً‬ ‫وبهتاناً‪ ،‬باسم نصرة الدٌن‪ ،‬م َّما لا ٌَش ُّك فٌه عاق ٌفل أنها مكٌد فةٌ مدسوس ٌفة‪،‬‬ ‫لتشوٌه صورة الإسلبم( ) ال َّناصعة البٌاض‪ ،‬التً ملؤت العالم عدلاً‬ ‫ونوراً وبهار وضٌا ًر‪َ ،‬ف َس ْل الأندلس وأهلها عن عدل الإسلبم وسماحته‪،‬‬ ‫هل أكره واح ٌفد من أهل الأندلس على دخول الإسلبم ؟ كٌؾ كانت‬ ‫معاملة النصارى فً بلبد المسلمٌن؟ كٌؾ تعاٌشت كل الدٌانات‬ ‫والمجتمعات مع المسلمٌن ؟ كٌؾ انتشر الإسلبم فً شرق آسٌا ؟ ألم‬ ‫ٌعرؾ الشرق والؽرب قدٌماً وحدٌثاً سماحة الإسلبم! وكرامة أهل ه‪،‬‬ ‫وصدقهم وأمانتهم ؟؟‬ ‫لذلك‪ ،‬فإن َمالِكاً ‪ -‬رحمه الله‪ -‬عرؾ أن أمر الفتوى حم فٌل ثقٌل تنور‬ ‫بحمله الجبال‪ ،‬وتقشعر منه جلود الأبطال‪ ،‬وتثقل من عواقبه قلوب‬ ‫الرجال‪ ،‬فإذا كان هذا حال َمالِك الذي عرؾ بعلمه وورعه‪ ،‬وقٌل عنه‬ ‫لا ٌفتى و َمالِك فً المدٌنة‪ ،‬إذا كانت هذه حاله فلٌتق الله المتج ِّر ُر ًُون‬ ‫على القول فً الدٌن بؽٌر علم‪ ،‬و ْلٌتحلَّوا بدوام المراقبة لله تعالى‪ ،‬فهً‬ ‫خٌر علبج من دار ال َّتجرئ على الفتوى ‪.‬‬‫‪ -‬اٌٖبكق ػجل اٌوؽّبْ اٌغو‪٠‬بٔ‪، ٟ‬اٌغٍ‪ ٛ‬ف‪ ٟ‬اٌل‪ِ ،ٓ٠‬طبثغ اٌغّب٘‪١‬و‪٠‬خ ‪ٍ ،‬ج‪ٙ‬ب ‪١ٌ ،‬ج‪١‬ب ‪،‬اٌطجؼخ الأ‪، َ2000 ، ٌٝٚ‬‬ ‫ٓ‪. 6‬‬ ‫‪269‬‬

‫ولٌنظروا إلى مصالح المسلمٌن‪ ،‬فالشرٌعة إنما جارت بحفظ‬ ‫المصالح‪ ،‬وصٌانة الأعراض‪ ،‬وإخماد الفتن‪ ،‬وحقن الدمار‪ ،‬قال‬ ‫الشافعً رحمه الله‪ :‬لقد كان َمالِك ٌحفظ كل ما ٌلقى علٌه‪ ،‬وٌدونه فً‬ ‫مذكرا ٍت خاصة‪ ،‬ولا ٌلقً على تلبمٌذه منه إلا ما ٌرى فٌه مصلح ًة‬ ‫للناس‪ ،‬وما ٌستقٌم من مقاٌٌس نقده فً الفحص‪ ،‬وتمٌٌز الصحٌح من‬ ‫ؼٌر الصحٌح‪ ،‬حتى إنهم وجدوا بعد موته صندوقٌن كان الإِ َمام َمالِك‬ ‫رحمه الله‪ ،‬قد دونها ولم ٌعلنها‪ ،‬ولقد قال أحد أبنار تلبمٌذه‪ :‬وجدنا فً‬ ‫تركة َمالِك صندوقٌن فٌها كتب‪ ،‬فجعل أبً ٌقرإها وٌبكً وٌقول‪:‬‬ ‫رحمك الله إن كنت ترٌد بعلمك وجه الله تعالى‪ ،‬لقد جالسته الدهر‬ ‫الطوٌل‪ ،‬وما سمعته ٌحدث بشًر مما قرأناه )( ) ‪.‬‬ ‫فما أحوجنا الٌوم لعلمار ٌتحلون بدوام المراقبة لله تعالى‪ ،‬وٌإثرون‬‫مرضاته على مرضاة الناس‪ ،‬ورضاه على رضى العام والخاص‪ ،‬والله‬ ‫المستعان وعلٌه التكلبن ‪.‬‬ ‫المبحث ال الث‪ :‬فهم الممارسة وممارسة الفهم ‪:‬‬ ‫إن هذا المبحث من أهم المباحث فً هذا الفصل‪ ،‬حٌث سنقؾ فٌه‬ ‫على ما كان ٌتمتع به الإِ َمام َمالِك‪ -‬رحمه الله‪ ،-‬من نظ ٍر ثاقب‪ ،‬وفهم‬ ‫صحٌح للشرٌعة الإسلبمٌة‪ ،‬وما كان للعقٌدة الإسلبمٌة من ؼاٌات‬‫سامٌ ًة ًٍ تتعدى كونها عقٌد ًة جامد ًة تقتصر على الأوامر والنواهً‪ ،‬إلى‬ ‫كونها رسال ٌفة سامٌ فٌة‪ ،‬خالد فةٌ جارت لإسعاد الإنسان أٌنما كان‪ ،‬واهتمت‬ ‫‪ -‬رور‪١‬ت اٌّلاهن ٓ‪. 164‬‬ ‫‪270‬‬

‫بالمعنى قبل المبنى‪ ،‬وعنٌت بالداخل قبل الخارج‪ ،‬وراعت المصالح‬ ‫العامة قبل الخاصة‪.‬‬ ‫والفهم الصحٌح للعقٌدة الإسلبمٌة ٌفك كثٌراً من الرموز والطلبسم‬ ‫التً بات ٌبثها أعدار الإسلبم حول الإسلبم‪ ،‬وتنفثها عقارب الؽدر‪،‬‬ ‫وأفاعً الدس التً خرجت من جحورها تر ِّوج الإشاعات والأؼالٌط‬‫التً تب َّرأ منها الإسلبم ون َبذها‪ ،‬وع َّدها من البدع والأهوار‪ ،‬وكذلك ٌتبٌن‬ ‫من خلبل ذلك أن ال َّسبب الربٌسً لما نراه فً وقتنا الحاضر من‬ ‫حملبت التشوٌه المتكررة التً تشن على الإسلبم‪ ،‬ونبً الإسلبم من‬ ‫حٌ ٍن لآخر‪ ،‬سببها عدم فهم الإسلبم بصورته الحقٌقٌة‪ ،‬وعدم إظهاره‬ ‫بوجهه الصحٌح‪ ،‬والعلة قلة الفهم‪ ،‬وإنما دوار العً السإال ‪.‬‬ ‫إرتباط الفهم بالممارسة ‪:‬‬‫أولاًلا‪ :‬الفهم للة‪ :‬مرداؾ للعلم‪ ،‬فتقول فهم الشًر بمعنى(علمه)( )‬ ‫قال تعالى‪َ ( :‬ف َف َّه ْم َنا َها ُسلَ ٌْ َما َن َو ُكلّبً آ َت ٌْ َنا ُح ْكماً َو ِع ْلماً)( )أي علمناها له‪.‬‬‫وفً الاصطلاح‪ :‬الفهم أعم وأوسع من مجرد العلم‪ -‬فٌطلق الفهم على‬‫إدراك الأمور على حقٌقتها‪ ،‬والإلمام بجمٌع جوانبها‪ ،‬فلٌس كل من علم‬‫فهم فً حٌن أن الفهم لا ٌكون إلا عن علم‪ ،‬فقد ٌعلم الإنسان الحكم فً‬ ‫قضٌ ٍة ما عن طرٌق الإخبار بها أو الإطلبع على حكمها‪ ،‬فً حٌن أنه‬‫قد لا ٌكون فاهماً ومدركاً لجمٌع خباٌاها وفروعها‪ ،‬والأسباب التً أدت‬ ‫‪ِ -‬قزبه اٌٖؾبػ ‪. 513‬‬ ‫‪ٍٛ-‬هح الأٔج‪١‬بء ا‪٠٢‬خ ‪. 79‬‬ ‫‪271‬‬

‫إلى ذلك الحكم‪ ،‬بعكس الإنسان الذي ٌدرك الحكم عن فهم ودراٌة‬ ‫بجمٌع الفروع‪ ،‬والإلمام بجمٌع القضاٌا التً تتعلق بهذه المسؤلة ‪.‬‬‫ومن علمار اللؽة‪ ،‬من ٌطلق الفهم على الفقه( )‪ ،‬فالفقٌه فً الدٌن هو‬ ‫العالم العارؾ بالمسابل الفقهٌة المدرك لأحكامها وأصولها وفروعها‪،‬‬ ‫فك ُّل فقٌه عالم‪ ،‬فً حٌن أنه لٌس ك ُّل عال ٍم فقٌه‪ ،‬والله أعلم ‪.‬‬ ‫انٌالًا‪ :‬الممارسة لل الًة‪ :‬مصدر للفعل الرباعً ـ مارس ـ وهو مزٌد‬ ‫بالألؾ‪ ،‬والأصل‪ :‬مرس‪ ،‬وم ّرس وٌقال‪( :‬مر َس ال َّتم َر) إذا أنقعه فً‬ ‫المار‪ ،‬ومرسه وفركه بٌده مراراً‪ ،‬ومنه المرٌس‪ -‬أي الثرٌد‪ ،‬وتمرس‬ ‫بالشًر احت َّك به ( ) ‪.‬‬‫وفً الاصطلاح‪ :‬فالمعنى الاصطلبحً مشتق من المعنى اللؽوي فهً‬‫وإن كانت تعنً العمل المستم َّر والدروب‪ ،‬ولكن مدلول الممارسة أقوى‬ ‫فً الدلالة على معنى المشاركة والتطبٌق من مفهوم العمل‪ ،‬فكلمة‬ ‫العمل وحدها‪ ،‬لا تعنً بالضرورة قٌام شخ ٍص بعم ٍل ًً ما‪ ،‬فهً تع ِّبر‬ ‫عن العمل فً ح ِّد ذاته‪ ،‬بقطع ال َّنظر عن كونه عملبً مقوماً به أم لا ‪.‬‬ ‫فً حٌن الأمر ٌختلؾ فً مفهوم الممارسة‪ ،‬فالممارسة لا تطلق إلا‬ ‫على عم ٍل َمقُو ٍم به‪ُ ،‬مس َتم ٌّر علٌه‪ ،‬نات ٍج عن عل ٍم من العامل‪ ،‬فعندما‬ ‫نعطً إنساناً معلوم ًة ما‪ ،‬فإننا بعد ذلك نطلب منه أن ٌمارس هذه‬ ‫المعلوم َة واقعاً ًَ عمل ًٌّا‪ ،‬فلب ٌستطٌع أن ٌمارسها عن جه ٍل‪ ،‬فمصطلح‬ ‫‪ِ -‬قزبه اٌٖؾبػ ٓ ‪508‬‬ ‫اٌّٖله اٌَبثك ٓ ‪ٚ ، 621‬هاعغ ِقزبه اٌمبِ‪ٌٍ ، ًٛ‬يا‪571 ٓ ٞٚ‬‬ ‫‪272‬‬

‫الممارسة على هذا لا ٌكون إلا عن عل ٍم وفه ٍم من كثر ِة التكرار‬ ‫والمزاولة ‪.‬‬ ‫ومن هنا نستطٌع أن نقول إن إضافة مصطلح الممارسة للعقٌدة‬ ‫الإسلبمٌة ٌدل على ارتباط العقٌدة بالعمل عن طرٌق الفهم الصحٌح‬ ‫لهذه العقٌدة‪ ،‬وإذا علمنا أن العقٌدة مرتبط فٌة بالعمل‪ ،‬فٌجوز القول إن‬ ‫المإمن هو ذاك الشخص الممارس لعقٌدته واقعاً عملٌاً‪ ،‬حتى صارت‬ ‫العقٌد ُة مرآ ًة تتجلَّى فٌها شخصٌته‪ ،‬بحٌث لا ٌُرى إلا من خلبلها‪ ،‬فهو‬ ‫مإم ٌفن فً ك ِّل شً ٍر‪ ،‬مإم ٌفن فً أخلبقه‪ ،‬مإم فٌن فً معاملبته‪ ،‬مإم ٌفن فً‬‫عباداته‪ ،‬كما قال تعالى‪( :‬طس~ تلك آٌات الكتاب المبٌن ُه ًدى َو ُب ْش َرى‬‫لِ ْل ُم ْإ ِمنٌِ َن الَّ ِذٌ َن ٌُقٌِ ُمو َن ال َّصلبَ َة َو ٌُ ْإ ُتو َن ال َّز َكا َة َو ُهم بِا ْلآ ِخ َر ِة ُه ْم ٌُوقِ ُنو َن )‬ ‫( )‪.‬‬‫ُه ًدى َو َر ْح َم ًة‬ ‫وقال تعالى‪ ( :‬ألَ ِم ِت ْل َك آٌا ُت ال ِك َتا ِب ال َحكٌ ِم‬‫لِّ ْل ُم ْح ِس ِنٌ َن الَّ ِذٌ َن ٌُقٌِ ُمو َن ال َّصلبَ َة َو ٌُ ْإ ُتو َن ال َّز َكا َة َو ُهم ِبا ْلآ ِخ َر ِة ُه ْم ٌُو ِق ُنو َن‬ ‫أُ ْولَ ِب َك َعلَى ُه ًدى ِّمن َّر ِّب ِه ْم َوأُ ْولَبِ َك ُه ُم ا ْل ُم ْفلِ ُحو َن)( ) ‪.‬‬ ‫فهإلار هم أهل الممارسة للعقٌدة الإسلبمٌة‪ ،‬وهم أهل الصلبح‬‫والفلبح فً الدارٌن‪ ،‬فهم ٌواضبون على إقام الصلبة‪ ،‬وإٌتار الزكاة‪،‬‬ ‫وهم مع هذا كله ٌإمنون بالؽٌب‪ ،‬وما أخبر تعالى به عن أحوال‬ ‫‪ٍٛ-‬هح إًٌّ ا‪٠٢‬خ ( ‪) 3-1‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح ٌمّبْ ا‪٠٢‬خ ( ‪) 5 – 1‬‬ ‫‪273‬‬

‫الآخرة‪ ،‬وكما قال تعالى فً آٌ ٍة أخرى‪( :‬أولب َك ه ُم الم ْإم ُنو َن ح ًقّا ل ُه ْم‬ ‫د َر َج ٌفت عن َد ر ِّب ِه ْم و َمؽ ِفرةفٌ ورز فٌق كرٌ فٌم ) ( ) ‪.‬‬ ‫الفهم والممارسة عند َمالِك ‪:‬‬ ‫مما لا شك فٌه أن الإِ َمام َمالِك‪ ،‬كان من خٌرة علمار السلؾ الذٌن‬ ‫فهموا الدٌن فهماً صحٌحاً‪ ،‬على منهج السلؾ الصالح‪ ،‬من صحابة‬ ‫رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان‪ ،‬وهو من أولبك‬ ‫العلمار الذٌن تلقت الأمة علمهم بالقبول ‪.‬‬ ‫والفهم عند َمالِك‪ -‬رحمه الله‪ -‬لم ٌكن فهما متكلفاً ملفقاً‪ ،‬بحٌث لا‬ ‫ٌكون منسجماً مع روح الدٌن‪ ،‬وأصول العقٌدة‪ ،‬بل كان فهماً موضوعٌاً‬ ‫ٌستند على الأدلة الصحٌحة‪ ،‬والقٌاس والرأي السلٌم‪ ،‬وإجماع أهل‬ ‫المدٌنة‪ ،‬كٌؾ لا ٌكون كذالك وقد كان‪ -‬رحمه الله‪ -‬كما قال ٌحٌى بن‬ ‫معٌن‪َ ( :‬مالِك أمٌر المإمنٌن فً الحدٌث‪ ،‬و َمالِك من حجج الله على‬ ‫خلقه‪ ،‬إمام من أبمة المسلمٌن مجمع على فضله)( ) ف َمالِك لا ٌُختلؾ‬ ‫على فهمه‪ ،‬و ُحسن تت ُّبعه للؤدلة والأثر‪ ،‬أح فٌد من علمار الدٌن‪ ،‬ومجمع‬ ‫علٌه من الأبمة العاملٌن‪ ،‬وقد أثر عنه‪ -‬رحمه الله‪ -‬قوله \" لٌس الجدال‬ ‫فً الدٌن بشًر\"( ) ‪.‬‬ ‫فقد كان ٌإمن‪ -‬رحمه الله‪ -‬أن الفهم الحقٌقً للدٌن وأصوله‪ ،‬ولل َّشرع‬ ‫وأحكامه‪ٌ ،‬قتضً البعد عن الجدال وال ِمرار‪ ،‬فلٌس هذا دٌدن المتد ٌِّنٌن‪،‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح الأٔفبي ا‪٠٢‬خ ‪5‬‬‫‪ّ -‬وػ اٌيهلبٔ‪ ٟ‬ػٍ‪ِٛٛ ٝ‬أ َِبٌِه‪ِ،‬ؾّل ثٓ ػجل اٌجبل‪ ٟ‬ثٓ ‪ٍٛ٠‬ف اٌيهلبٔ‪-ٟ‬اٌّز‪ٛ‬ف‪٘1122 ٝ‬ـ‪ ،‬كاه اٌىزت اٌؼٍّ‪١‬خ‪،‬‬ ‫ث‪١‬و‪ٚ‬د‪ ،‬ط‪. 6ٓ 1‬‬ ‫‪ -‬الأزمبء لاثٓ ػجل اٌجَ ِّو ‪. 70ٓ ،‬‬ ‫‪274‬‬

‫ولا هو منهج المصلحٌن‪ ،‬فما دخل الجدل فً شًر إلا شانه وأفسده‪،‬‬‫ٌدخل الجدال بٌن الولد وأبٌه‪ ،‬فٌذهب مابٌنهما من و ٍّد واحترام‪ ،‬وٌكون‬ ‫بٌن الصدٌقٌن الحمٌمٌن فٌع ِّدي أحدهما على الآخر‪ ،‬وٌقلِّل من احترام‬‫ك ٍّل منهما للآخر‪ ،‬وإذا ما كان الجدال والمرار والمناقشات التافهة التً‬‫لا طابل من ورابها بٌن الزوجٌن‪ ،‬فاحكم على حٌاتهما بالانهٌار‪ ،‬وعلى‬ ‫زواجهما بالفشل‪ ،‬أما إذا كان الجدل والمنافحات الكلبمٌة بٌن التلمٌذ‬ ‫والمعلم‪ ،‬والمفتً والمستفتً‪ ،‬فلب تسؤل عن قبح ِه‪ ،‬فهو ٌقلِّل من هٌبة‬ ‫العالم‪ ،‬وٌحط من قدر المتعلم‪ ،‬وٌدلِّ ُل على قلة أدب التلمٌذ‪ ،‬وحمق‬ ‫المعلِّم‪ ،‬وٌصبح العلم الذي هو مفخرة أهله‪ ،‬زبالة للتصارع بٌن الدٌكة‬ ‫كما مر علٌنا من رأي َمالِك فً جدال العلمار( )‪.‬‬ ‫حتماً إن َمالِكاً إنما قصد بهذا الجدال المذموم‪ ،‬الذي لا ٌقصد منه‬ ‫العلم‪ ،‬ومناقشة المسابل بؤدلَّتها‪ ،‬ومذاكرة الطلبَب والرفقار من أهل‬‫العلم‪ ،‬بل هو الجدال الممقوت الذي لا طابل منه‪ ،‬ولا ٌبتؽى به وجه الله‬ ‫تعالى‪ ،‬بل هو للبنتصار للنفس‪ ،‬ولمماراة السفهار‪ ،‬وإؼوار العامة من‬‫الناس‪ ،‬فهذا هو الجدل المنهً عنه‪ ،‬الذي ٌُخشى على صاحبه الزٌػ فً‬ ‫الاعتقاد‪ ،‬والإحداث فً الدٌن‪ ،‬أما المحاورة بالحسنى واستبٌان الحق‬ ‫بؤدلته‪ ،‬فهذا لا ٌعتبر من الجدال المذموم‪ ،‬بل هو من قبٌل طلب العلم‬ ‫واستبٌان الحق‪ ،‬والأمر بالمعروؾ والنهً عن المنكر‪.‬‬ ‫هكذا كان فهمه للعلم والمجادلة بالحسنى‪ ،‬لأنه علم‪ -‬رحمه الله‪ -‬أن‬ ‫العالم مبلِّ فٌػ عن الله‪ ،‬فٌنبؽً أن ٌتج َّرد‪ ،‬وأن ٌتن َّزه من حظوظ النفس‪،‬‬ ‫‪ِ -‬و ػٍ‪ٕ١‬ب ِٓ ولاَ َِبٌِه ِغ أِ‪١‬و اٌّإِٕ‪٘ ٓ١‬به‪ ْٚ‬اٌوّ‪١‬ل‪ ،‬اٌفًٖ الأ‪ٚ‬ي‪،‬ػٕل اٌؾل‪٠‬ش ػٓ ٍّزٗ ‪ٚ‬أفلالٗ‪.‬‬ ‫‪275‬‬

‫وأن ٌجعل ؼاٌته ومبتؽاه مرضاة الله تبارك وتعالى‪ ،‬أما الجدل الذي لا‬ ‫طابل منه فهو لٌس من الدٌن فً شًر ‪.‬‬ ‫الفهم عند َمالِك ‪:‬‬ ‫علمنا فً الفصل الأول فً الحدٌث عن منهج َمالِك فً الفتوى‪ ،‬أن‬ ‫َمالِكاً ‪-‬رحمه الله‪ -‬كان لا ٌتعدى النصوص إلى ما سواها‪ ،‬وإذا صح‬ ‫الحدٌث فهو مذ هبه‪ ،‬وهو كما علمنا مذهب ال َّسلؾ الصالح حٌث كانت‬ ‫نظرته‪ -‬رحمه الله‪ -‬أن ال َّسلؾ هم خٌر من فهم الدٌن فهماً صحٌحاً ‪.‬‬ ‫وقد كان َمالِك‪ٌ ،‬قدم فهم أهل مدٌنة رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪،‬‬‫على فهم ؼٌرهم‪ ،‬وقد روى عنه‪ -‬رحمه الله‪ -‬أن أمٌر المإمنٌن أبوجعفر‬ ‫المنصور قال ل َمالِك‪ :‬ضع هذا العلم ودون كتاباً وجنب فٌه شدابد ابن‬ ‫عمر‪ ،‬ورخص ابن عباس وشواذ بن مسعود‪ ،‬واقصد أوسط الأمور‪،‬‬ ‫وما أجمع علٌها الصحابة والأبمة‪ ،‬ثم إنه قال له مرة أخرى‪ٌ :‬ا َمالِك‬ ‫اجعل هذا العلم علماً واحداً‪ ،‬أراد أبو جعفر أي علماً واحداً‪ ،‬وفتاوى‬ ‫موحدة لٌجمع علٌها الناس قصراً‪ ،‬ففهم ذالك َمالِك‪ ،‬فقال له‪ :‬إن‬ ‫أصحاب رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬تفرقوا فً البلبد‪ ،‬فؤفتى كل‬‫فً مصره بما رأى‪ ،‬فلؤهل المدٌنة قول‪ ،‬ولأهل العراق قول‪ ،‬تع َّد ْوا فٌه‬ ‫طورهم‪ ،‬فقال أبو جعفر أما أهل العراق فلب أقبل منهم صرفاً ولاعدلاً‪،‬‬ ‫وإنما العلم علم أهل المدٌنة فضع للناس العلم( )‪.‬‬ ‫‪ -‬اٌّ‪ٛٛ‬أ ثْوػ اٌيهلبٔ‪ ، ٟ‬ط‪13ٓ 1‬‬ ‫‪276‬‬

‫وأعتقد أن هذه المحاورة بٌن َمالِك وأبً جعفر‪ ،‬وردود أبً جعفر‬ ‫على الإِ َمام‪ ،‬وتبرٌراته لل ُّنزوع إلى علم أهل المدٌنة‪ ،‬تصلح أن تكون‬ ‫أساساً ننطلق منه لتؽطٌة هذه الجزبٌه من مبحث الفهم والممارسة عند‬ ‫َمالِك‪ -‬رحمه الله‪ ،-‬وطرٌقه فهمه للنصوص‪ ،‬وكٌؾ أن المنهج الذي‬ ‫اعتمده َمالِك فً ذلك الوقت لم ٌكن معتمداً عنده فقط‪ ،‬بل كان هو‬ ‫المنهج المقدم عند الأمرار وولاة الأمر‪ ،‬ناهٌك عن عامة الناس الذٌن‬ ‫كانوا ٌرتضون علم أهل المدٌنة وٌقدمونه على ما سواه ‪.‬‬ ‫سبب اختٌار فهم أهل المدٌنة ‪:‬‬‫لقد اجتهد كثٌ ٌفر من العلمار فً ذكر الأسباب التً أدت ب َمالِك لاعتماد‬ ‫عمل أهل المدٌنة فً فهم ال ُّن ُصوص أساساً فً مذهبه‪ ،‬وأصلبً من‬ ‫أصوله‪ ،‬ومنهم أبو زهرة‪ ،‬ومن قبله القاضً ِع ٌَاض‪ ،‬والإِ َمام ابن‬ ‫عبدال َب ِّر‪ ،‬وؼٌرهم‪ ،‬وجملة ما قالوه ما ٌلً ‪:‬‬ ‫إن َمالِكاً كان ٌقول إن إجماعهم حج ًة‪ ،‬وهو قول مجمع علٌه عند‬‫ال َمالِكٌة‪ ،‬ودلٌلهم على ذلك الحدٌث الذي رواه البخاري بسنده عن جاب ٍر‬‫رضً الله عنه قال‪( :‬جار أعراب ٌفً إلى النبً صلى الله علٌه وسلم فباٌعه‬ ‫على الإسلبم‪ ،‬فجار من الؽد محموماً‪ ،‬فقال‪ :‬أقلنً‪ ،‬فؤبى ثلبث مرات‪،‬‬‫فقال المدٌنة كالكٌر‪ ،‬تنفً خبثها وٌنصع طٌبها )( )‪ ،‬و جار فً صحٌح‬ ‫البخاري من حدٌث أبً هرٌرة رضً الله عنه أن رسول الله صلى الله‬ ‫‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ ،ٞ‬ثّقزٖو اٌيث‪١‬ل‪. 203ٓ ،ٞ‬‬ ‫‪277‬‬

‫علٌه وسلم قال‪ ( :‬إن الإٌمان لٌؤرز إلى المدٌنة كما تؤرز الحٌة إلى‬ ‫جحرها )( ) ‪.‬‬ ‫وقد كان َمالِك رحمه الله ٌقول‪ ( :‬فإنما الناس تب فٌع لأهل المدٌنة‪ ،‬إلٌها‬ ‫كانت الهجرة وبها نزل القرآن وأحل الحلبل وحرم الحرام‪ ،‬إ ْذ كان‬ ‫رسول الله صلى الله علٌه وسلم بٌن أظهرهم ٌحضرون الوحً‬‫والتنزٌل‪ ،‬وٌؤمرهم فٌطٌعونه‪ ،‬وٌسن لهم فٌتبعونه حتى توفاه الله واختار‬ ‫له ما عنده‪ ،‬صلوات الله علٌه ورحمته وبركاته) ( ) ‪.‬‬ ‫وأعتقد أن من الأسباب كذلك ‪:‬‬ ‫‪ -1‬نظرة َمالِك لمفهوم الممارسة أنها أبلػ فً الدلالة من مفهوم‬‫الن ِّص‪ ،‬خاص ًة إذا علمنا أنه لم ٌنقل ذلك عن أي واحد من أهل المدٌنة‪،‬‬ ‫بل عن الصفوة منهم حتى إنه كان ٌقول‪( :‬أدركت سبعٌن من أهل‬ ‫المدٌنة وما من واحد منهم إلا لو ابتمن على مال بٌت المسلمٌن لكان‬ ‫أمٌناً‪ ،‬ولكنهم لم ٌكونوا من أهل ذالك الشؤن) بل راعى إجماع أهل‬ ‫المدٌنة‪ ،‬وما كان علٌه أهل الورع والتقوى منهم ‪.‬‬ ‫‪ -2‬كان رحمه الله ٌجمع ما بٌن الممارسة والفهم من جه ٍة‪ ،‬وال َّنص‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬حٌث كان ٌنظر إلى العمل‪ ،‬ثم ٌسؤل وٌناقش عن‬ ‫السبب لإثبات رأٌه على هذا الوجه‪ ،‬دون ؼٌره وكٌفٌة تطبٌقه ‪.‬‬ ‫‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ ،ٞ‬وزبة ف‪ٚ‬بئً اٌّل‪ٕ٠‬خ‪ ،‬ثبة الإ‪ّ٠‬بْ ْ ‪٠‬أهى ئٌ‪ ٝ‬اٌّل‪ٕ٠‬خ‪،‬ط‪ 409 ٓ 1‬هلُ اٌؾل‪٠‬ش ‪. 1876‬‬ ‫‪ -‬رور‪١‬ت اٌّلاهن ٌٍمب‪ِ ٟٙ‬ػ َ‪١‬بٗ ط‪. 42 ٓ 1‬‬ ‫‪278‬‬

‫مثل قوله فً طلبق السكران أنه ٌقع‪ -‬كما نقل ذالك عن التابعً‬ ‫الجلٌل‪ -‬سعٌد بن المس ٌِّب‪ ،‬وسلٌمان بن ٌسار‪ ،‬واستشهد بفعل عمر‬ ‫رضً الله عنه‪ ،‬فقد جلد ال ُم َّطلب بن أبً البختري‪ ،‬الذي طلق زوجته‬ ‫وهو سكران جلده عمر بن الخطاب الحد‪ ،‬وأجاز طلبقه( )‪ ،‬وؼٌرها‬ ‫من الأحداث والقضاٌا‪ ،‬حٌث كان الإِ َمام‪ -‬رحمه الله‪ٌ -‬تش َّبث بعمل أهل‬ ‫المدٌنة‪ ،‬و ٌقارنه بالأحادٌث ال ِّصحاح والمعتمدة عنده ‪.‬‬ ‫كذلك ما جار فً الموطإ‪ :‬عن َمالِك عن نافع أن عبد الله بن عمر بن‬ ‫الخطاب كان ٌقول‪( :‬إذا فاتتك الركعة‪ ،‬فقد فات ْتك السجدة ) وأٌضاً فً‬ ‫نفس الباب من الموطإ حدٌث َمالِك‪ ،‬أنه بلؽه أ َّن عبد الله بن عمر‪ ،‬وزٌد‬ ‫بن ثابت‪ ،‬كانا ٌقولان‪( :‬من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة)( )‪.‬‬ ‫فلم ٌكن َمالِك ٌعت ُّد بعمل أي واحد من أهل المدٌنة‪ ،‬ما لم ٌكن من‬‫أهل الرأي والعلم‪ ،‬وم َّمن لا ٌُش ُّك فً أن فعله هذا كان موافقاً لفعل النبً‬ ‫صلً الله علٌه وسلم‪ ،‬لما علمه من شدة حرصهم على دوام المتابعة ‪.‬‬ ‫ففً مسؤلة كهذه لاٌعقل أن تخفى على عموم الصحابة والتابعٌن‪-‬‬ ‫لكثرة ورودها‪ ،‬باعتبار الصلبة من الأعمال الٌومٌة‪ ،‬وهو حك ٌفم لا ٌخفى‬ ‫لتعلُّقه بؤم ٍر مه ٍّم ج ّداً فً مسؤلة إدراك صلبة الجماعة‪ ،‬والتً كانوا‪-‬‬ ‫رضً الله عنهم‪ -‬معروفٌن بحرصهم علٌها والمواظبة على حضورها‬ ‫مع رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬واحتمال ورود التؤخر على الصلبة‬ ‫‪ -‬اٌّل‪ٔٚ‬خ اٌىجو‪ٍ،ٜ‬ؾٕ‪ ْٛ‬ثٓ ٍؼ‪١‬ل اٌزٕ‪ٛ‬ف‪ٙ،ٟ‬ج‪ٚ ٜ‬رقو‪٠‬ظ‪ِ -‬ؾّل ِؾّل ربِو‪ِ ،‬ىزجخ اٌضمبفخ اٌل‪١ٕ٠‬خ‪ ،‬اٌمب٘وح‪،‬‬ ‫ِٖو‪،‬ط‪.87ٓ 2‬‬‫‪ِٛٛ -‬أ َِب ٌِه‪ ،‬ه‪ٚ‬ا‪٠‬خ ٍ‪٠ٛ‬ل ثٓ ٍؼ‪١‬ل اٌؾلصبٔ‪ ،ٟ‬رؾم‪١‬ك ػجل اٌّغ‪١‬ل روو‪، ٟ‬كاه اٌغوة الإٍلاِ‪ ، ٟ‬ث‪١‬و‪ٚ‬د ‪ٌ ،‬جٕبْ ‪،‬‬ ‫اٌطجؼخ الأ‪ٚ‬ي‪. 46ٓ َ1994 ، ٜ‬‬ ‫‪279‬‬

‫وارد‪ ،‬وقد ترد فٌها أقوال عن كثٌ ٍر من الصحابة والتابعٌن‪ ،‬ولكن مع‬ ‫هذا كان متتبعاَ لأقوال الفقهار منهم‪ ،‬كؤبً هرٌرة‪ ،‬وزٌد بن ثابت‪ ،‬وابن‬ ‫عمر رضً الله عنهما‪ ،‬ومن التابعٌن كسعٌد بن المسٌب‪ ،‬و الزهري‬ ‫وؼٌرهما ‪.‬‬ ‫قال محمد بن الحسن الحجوي‪ ،‬فً الفكر السامً‪ :‬والأخذ بقول‬ ‫الصحابً وفتواه عند َمالِك‪ ،‬إنما َقٌـَّده بكونه من أعلبم الصحابة‬ ‫المفتٌن‪ ،‬كالخلفار‪ ،‬ومعاذ‪ ،‬وأُ َبً‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬ونظرابهم‪،‬‬ ‫كما ٌشترط أن لا ٌخالؾ المرفوع الصالح للبحتجاج ( ) ‪.‬‬ ‫ومن هنا نستنبط أن َمالِكاً كان ٌذكر الأحكام بعناٌ ٍة‪ ،‬وتتب ٍع‪،‬‬ ‫واستقرا ٍر لعمل أهل المدٌنة‪ ،‬وقـ َّدم منهم عمل فقهار الصحابة كما سبق‪،‬‬ ‫ولٌس هذا فحسب‪ ،‬بل كان ٌنظر إلى النصوص الصحٌحة‪ ،‬وٌقدمها‬ ‫على عمل أهل المدٌنة إذا كان من الأخبار المتواترة المقطوع بصحتها‬ ‫)( )‪ ،‬وذلك لشدة حرصه وورعه فً تنقٌح الأحكام ومتابعتها للس َّنة‪،‬‬ ‫واقتفار هدي المصطفى صلى الله علٌه وسلم‪.‬‬ ‫فتجده ٌورد فً المسؤلة الواحدة أكثر من حدٌ ٍث وأث ٍر كما م َّر علٌنا‪،‬‬ ‫ومن الأمثلة على ذلك كما فً هذه المسؤلة‪ ،‬فهو ٌورد أٌضاً‪ -‬حدٌث أبً‬ ‫هرٌر َة رضً الله عنه‪ ،‬حٌث كان ٌقول‪ ( :‬من أدرك الركعة‪ ،‬فقد أدرك‬‫‪-‬اٌؾغ‪ِ ٞٛ‬ؾّل ثٓ اٌؾَٓ‪ ،‬اٌفىو اٌَبِ‪ ،ٟ‬ف‪ ٟ‬ربه‪٠‬ـ اٌفمٗ الإٍلاِ‪ ،ٟ‬اٌّىزجخ اٌؼٍّ‪١‬خ‪ ،‬اٌّل‪ٕ٠‬خ إٌّ‪ٛ‬هح‪٘1396 ،‬ـ ‪،‬‬ ‫ط‪. 391 ٓ 1‬‬‫‪ِ -‬ؾّل أؽّل ثوأك‪ ،‬ػ‪ٙ‬ل الأئّخ اٌّغز‪ٙ‬ل‪ ،ٓ٠‬ئّواف ٌغٕخ ِٓ الأٍبرنح‪ ،‬كاه اٌّؼبهف‪ ،‬ث‪١‬و‪ٚ‬د‪ٌ ،‬جٕبْ‪،َ1978 ،‬‬ ‫ٓ‪. 8‬‬ ‫‪280‬‬

‫السجدة(‪ ،)‬ومن فاتته قرارة أم القرآن‪ ،‬فقد فاته خٌ ٌفر كثٌ ٌفر )( )‪ ،‬فقد‬ ‫وردت فً هذه المسؤلة ثلبثة أقوال وهً كما ٌلً ‪:‬‬ ‫الأثر الأول‪ :‬فعل ابن عمر رضً الله عنهما‪ ،‬وهو مذكو ٌفر فً‬ ‫الصحٌحٌن‪ ،‬عن َمالِك‪ ،‬عن نافع‪ ،‬عن بن عمر‪ ،‬الأثر الثانً‪ِ :‬فع ُل ابن‬ ‫عمر‪ ،‬وزٌد بن ثابت‪ ،‬الأثر الثالث‪ :‬القول المؤثور عن أبً هرٌرة‬ ‫رضً الله عنه ‪.‬‬ ‫إذاً فهذه ثلبثة آثا ٍر استشهد بها فً مسؤل ٍة واحدة فقط‪ ،‬وهذا إن د َّل‬ ‫على شً ٍر فإنما ٌد ُّل على حرص َمالِك‪ ،‬ود َّقته فً استنباط الأحكام من‬ ‫التتبع والاستقرار لعمل أهل المدٌنة‪ ،‬فهإلار كلهم من الصحابة‬‫الأقحاح‪ ،‬الذٌن ٌحتج بقولهم‪ ،‬ومع هذا لم ٌُعلم لهم مخال فٌؾ من الصحابة‬‫فً هذا الفعل الذي ٌقطع بشٌوعه عند عامة الصحابة‪ ،‬وعلمهم به لكونه‬ ‫من الأعمال التً لاؼنى عنها‪،‬‬ ‫سبب أخذ َمالِك بؤقوال الصحابة‪:‬‬ ‫إن َمالِكاً‪ -‬رحمه الله‪ٌ -‬عتبر أصحاب رسول الله صلى الله علٌه وسلم‬ ‫كلهم عدول‪ ،‬حٌث كان ٌقدم قولهم على الاجتهاد‪ ،‬والقٌاس‪ ،‬وٌرى أن‬ ‫رأٌهم حج ًة‪ ،‬ف ُهم أقرب الناس لرسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬وعلى‬ ‫أكتافهم حملت مشاعل راٌة التوحٌد‪ ،‬وقد كانوا لرسول الله صلى الله‬ ‫علٌه وسلم ‪ -‬العون والسند‪ ،‬فهم الذٌن آووه ونصروه‪ ،‬وجاهدوا لرفع‬‫راٌة الإسلبم‪ ،‬وكانوا ٌقدمونه على ال َّنفس والوالد والولد‪ ،‬وهذا هو قول‬ ‫‪ - ‬اٌّؼٕ‪ - ٝ‬اٌٖلاح ‪٘ٚ ،‬نا ِٓ لج‪ ً١‬موو اٌىً ثبٌجؼ٘ ‪.‬‬ ‫‪ِٛٛ -‬أ َِبٌِه ‪ ،‬ثو‪ٚ‬ا‪٠‬خ اٌؾلصبٔ‪ ، ٟ‬رؾم‪١‬ك ػجل اٌّغ‪١‬ل روو‪. 46ٓ ،ٟ‬‬ ‫‪281‬‬

‫جمهور علمار السلؾ‪ ،‬والخلؾ‪ ،‬فهم عدول بمزٌد ثنار ال َّله عز وجل‬‫علٌهم ( )‪ ،‬وصدق الله عز وجل حٌث قال فٌهم ‪ ( :‬لِ ْلفُ َق َرار ا ْل ُم َها ِج ِرٌ َن‬ ‫الَّ ِذٌ َن أُ ْخ ِر ُجوا ِمن ِدٌا ِر ِه ْم َوأَ ْم َوالِ ِه ْم ٌَ ْب َت ُؽو َن َف ْضلبً ِّم َن ال َّلهِ َو ِر ْض َواناً‬ ‫َو ٌَن ُص ُرو َن ال َّل َه َو َر ُسولَ ُه أُ ْو َل ِب َك ُه ُم ال َّصا ِدقُو َن َوالَّ ِذٌ َن َت َب َّو ُإوا ال َّدا َر‬ ‫َوا ْلإٌِ َما َن ِمن َق ْبلِ ِه ْم ٌُ ِح ُّبو َن َم ْن َها َج َر إِ َل ٌْ ِه ْم َولاَ ٌَ ِج ُدو َن فًِ ُص ُدو ِر ِه ْم‬‫َحا َج ًة ِّم َّما أُو ُتوا َو ٌُ ْإ ِث ُرو َن َع َلى أَنفُ ِس ِه ْم َو َل ْو َكا َن بِ ِه ْم َخ َصا َص فٌة َو َمن ٌُو َق‬ ‫ُش َّح َن ْف ِس ِه َفؤُ ْو َلبِ َك ُه ُم ا ْل ُم ْفلِ ُحو َن ًَالَّ ِذٌ َن َجا ُإوا ِمن َب ْع ِد ِه ْم ٌَ ُقولُو َن َر َّب َنا‬‫ا ْؼ ِف ْر لنا ولإخواننا الَّ ِذٌ َن َس َبقُو َنا ِبا ْلإٌِ َما ِن ولا تجعل ِفً قُلُو ِب َنا ِؼلّبً لِّلَّ ِذٌ َن‬ ‫آ َم ُنوا َر َّب َنا إِ َّن َك َر ُإو ٌفؾ َّر ِحٌ فٌم)( ) ‪.‬‬ ‫سماهم الله ‪-‬عز وجل – بالصادقٌن‪ ،‬فصدقهم فً الله ولدٌن الله لا‬ ‫حدود له‪ ،‬وصدقهم مع سول الله منقطع النظٌر‪ ،‬أخرج ابن جرٌر فً‬ ‫تفسٌره بسنده عن أبً هرٌرة رضً الله عنه‪ ،‬قال‪:‬جار رج فٌل إلى النبً‬ ‫صلى الله علٌه وسلم لٌضٌفه‪ ،‬فلم ٌكن عنده ما ٌضٌفه‪ ،‬فقال‪( :‬ألا رج فٌل‬ ‫ٌضٌؾ هذا رحمه الله‪ ،‬فقال رج فٌل من الأنصار‪ٌ ،‬قال له أبو طلحة‪،‬‬ ‫فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته أكرمً ضٌؾ رسول الله صلى الله‬ ‫علٌه وسلم‪ ،‬ن ِّومً الصبٌة وأطفبً المصباح‪ ،‬وأرٌه بؤنك تؤكلٌن معه‪،‬‬ ‫واتركٌه لضٌؾ الرسول الله صلى الله علٌه وسلم ففعلت‪ ،‬فنزلت‬ ‫وٌإثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)( ) ‪.‬‬‫‪ ،َ1999‬ط ‪2‬‬ ‫‪ِ -‬ؾّل ػٍ‪ ٟ‬اٌٖبث‪ ،ٟٔٛ‬رفَ‪١‬و آ‪٠‬بد الأؽىبَ‪ ،‬كاه اٌٖبث‪ ،ٟٔٛ‬اٌمب٘وح‪ِٖ ،‬و‪ ،‬اٌطجؼخ الأ‪،ٌٝٚ‬‬ ‫ٓ ‪. 350‬‬ ‫‪ٍٛ-‬هح اٌؾْو ا‪٠٢‬خ (‪. )10 -8‬‬‫‪ِ -‬ؾّل ثٓ عو‪٠‬و اٌطجو‪ ،ٞ‬عبِغ اٌج‪١‬بْ ف‪ ٟ‬رفَ‪١‬و اٌموآْ‪ ،‬كاه اٌّؼوفخ ث‪١‬و‪ٚ‬د‪ٌ ،‬جٕبْ‪،َ1980،‬ط‪. 29 ٓ 12‬‬ ‫‪282‬‬

‫فؤي إخلب ٍص أبلػ من هذا؟ وأي صد ٍق أصدق من هذا؟ أن ٌنام بٌ فٌت‬ ‫كامل أهله جٌاعاً‪ ،‬الزوج والزوجة والصبٌة الصؽار‪ ،‬فً مقابل أن‬ ‫ٌكرم ضٌؾ رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬إن هذا الصدق هو الذي‬‫بلػ بهم ما بلػ‪ ،‬وهذه الهمة العالٌة‪ ،‬وهذا الإٌثار‪ ،‬هو الذي جعلهم حج ًة‬‫لا ٌتسرب إلٌها الشك فً الورع والتقوى والحرص على دٌن الله‪ ،‬وهذا‬ ‫مثل واح فٌد فقط من أمثلة هإلار الصادقٌن ‪ ،‬وهً أكثر من أن تحصى‪.‬‬‫فمن أجل هذا كان‪ -‬رحمه الله‪ٌ -‬رى أن عمل الصحابً وقوله‪ ،‬أقرب‬‫إلى السنة من قول ؼٌره‪ ،‬هذا إذا لم ٌستند إلى ن ٍّص‪ ،‬أو سن ٍة عن رسول‬ ‫الله صلى الله علٌه وسلم‪ -‬ولكن مع هذا فإن عمله أقرب إلى السنة من‬‫ؼٌره‪ ،‬بحكم معرفتهم العمٌقة بمراد الله تعالى‪ ،‬ومراد رسوله صلى الله‬ ‫علٌه وسلم بطول صحبتهم له‪ ،‬وملبزمتهم له ‪.‬‬ ‫اجتهاد َمالِك فً النص ‪:‬‬ ‫إن اجتهاد َمالِك فً النص‪ ،‬كان لا ٌعدوا كونه اجتهاداً فً تلقى‬ ‫الحدٌث من طرقه‪ ،‬وعمن ٌؤخذه‪ ،‬فإذا صح عنده الحدٌث فإنه لا ٌتعداه‬ ‫إلى ما سواه‪ ،‬وكثٌراً ما كان ٌستشهد على كلبمه‪ ،‬بحدٌ ٍث صحٌ ٍح أو‬ ‫فعل صحاب ًٍّ أو بمن ٌعتد برأٌه من التابعٌن كسعٌد بن المسٌب‪ ،‬وابن‬ ‫شهاب الزهري ‪ ،‬ونافع ‪ ،‬وؼٌرهم ‪.‬‬ ‫‪ -‬كما فً مسؤلة رفع الٌدٌن عند تكبٌره الإحرام‪ ،‬والركوع‪ ،‬والرفع‬ ‫منه‪ ،‬فقد جار فً الموطإ من حدٌث ابن عمر رضً الله عنهما‪ ،‬أن‬ ‫رسول صلى الله علٌه وسلم إذا افتتح الصلبة رفع ٌدٌه حذو منكبٌه‪،‬‬ ‫‪283‬‬

‫وإذا رفع رأسه من الركوع‪ ،‬رفعهما كذلك‪ ،‬وقال‪ :‬سمع الله لمن حمده‬ ‫ربنا ولك الحمد وكان لا ٌفعل ذالك فً السجود ( ) ‪.‬‬ ‫قال ابن عبد ال َب ِّر‪ :‬إن معنى رفع الٌدٌن تعظٌم لله وتسلٌم وابتهال له ‪،‬‬ ‫وكان بن عمر رضً الله عنهما ٌقول لكل شً ٍر زٌن ٌفة‪ ،‬وزٌن ُة الصلبة‬ ‫التكبٌر ورفع الٌدٌن ( ) ‪.‬‬ ‫وجار فً صحٌح مسلم فً باب ‪ -‬إثبات التكبٌر فً كل خف ٍض ورف ٍع‬ ‫فً الصلبة حدٌثان‪ -‬الأول‪ :‬من حدٌث أبً هرٌرة رضً الله عنه أنه‪( :‬‬ ‫كان ٌكبر كلما خفض ورفع‪ ،‬وٌحدث أن رسول الله صلى الله علٌه وسلم‬ ‫كان ٌفعل ذلك) الثانً‪ :‬حدٌث مط ِّر ٍؾ‪ ،‬قال صلٌت أنا وعمران بن‬ ‫حصٌن خلؾ على بن أبً طالب فكان إذا سجد ك َّبر‪ ،‬وإذا رفع رأسه‬ ‫ك َّبر‪ ،‬وإذا نهض من الركعتٌن ك َّبر‪ ،‬فلما انصرفنا من الصلبة قال‪ :‬أخذ‬ ‫عمران بٌدي ثم قال‪ :‬لقد صلى بنا هذا‪ ،‬صلبة محمد صلى الله علٌه‬ ‫وسلم‪ ،‬أو قال ذ َّك َرنً هذا‪ ،‬صلبة محمد صلى الله علٌه وسلم) ( )‪.‬‬ ‫هذا وقد علمنا أن َمالِكا ‪ -‬رحمه الله‪ -‬كان مذهبه ما صح من حدٌث‬ ‫رسول الله صلى علٌه وسلم وما كان علٌه العمل فً المدٌنة ‪.‬‬ ‫وما نقل من المد َّونة من أ َّن َمالِكاً‪ -‬رحمه الله‪ -‬كان لا ٌرفع إلا عند‬ ‫تكبٌرة الإحرام ( ) ٌحتاج إلى تفصٌل( )‪ ،‬حٌث أنه من ؼٌر المعقول‬ ‫‪ِٛٛ -‬أ َِبٌِه ‪ ،‬ه‪ٚ‬ا‪٠‬خ اٌؾلصبٔ‪ ، ٟ‬رؾم‪١‬ك اٌزوو‪. 81ٓ ، ٟ‬‬ ‫‪ّ -‬وػ اٌيهلبٔ‪ ٟ‬ػٍ‪ ٝ‬اٌّ‪ٛٛ‬أ ‪. 228ٓ ،‬‬ ‫‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ ٍَُِ ثّقزٖو إٌّنه‪.67ٓ ٞ‬‬ ‫‪ -‬اٌّل‪ٔٚ‬خ اٌىجو‪.107 ٓ ٜ‬‬‫‪٠‬نوو ّ‪١‬ـ الإٍلاَ ثٓ ر‪١ّ١‬خ رؼٍ‪١‬مبً ػٍ‪ ٝ‬اٌّل‪ٔٚ‬خ فمبي ‪ِٚ :‬ؼٍ‪ َٛ‬أْ ِل‪ٔٚ‬خ اثٓ اٌمبٍُ إٍٔ‪ٙ‬ب َِبئً أٍل ثٓ اٌفواد‬‫اٌز‪ ٟ‬فوػ‪ٙ‬ب أً٘ اٌؼواق‪ ،‬صُ ٍأي ػٕ‪ٙ‬ب أٍل اثٓ اٌمبٍُ فأعبثٗ ثبٌٕمً ػٓ َِب ٌِه‪ٚ ،‬ربهح ثبٌم‪١‬بً ػٍ‪ ٝ‬أل‪ٛ‬اٌٗ‪ ،‬صُ أ ٍَٕ‪ٙ‬ب‬ ‫‪284‬‬

‫أن ٌكون َمالِك ‪-‬رحمه الله‪ -‬قد ترك هذه الس َّنة عن قص ٍد‪ ،‬أو مخالفاً‬ ‫لهدي المصطفى صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬فهذا لا قائل به‪ ،‬ولا ٌرد أي ش ٍّك‬ ‫فً كون الإِ َمام َمالِك‪ -‬رحمه الله‪ -‬كان متقٌداً بالسنة‪ ،‬عاملبً بما صح من‬ ‫حدٌث رسول الله صلى الله علٌه وسلم ‪.‬‬ ‫والأمر لا ٌخلو إما أن تكون الرواٌة التً نقلت عن الإِ َمام‪ ،‬كان‬ ‫قد استند فٌها لعمل واح ٍد من الصحابة‪ ،‬أو أ َّن الحدٌث لم ٌصح عنده فً‬ ‫مبدإ الأمر‪ ،‬ثم بعد ذالك ثبت عنده‪ ،‬وقد مر علٌنا حدٌث ابن عمر فً‬ ‫الموطإ‪ -‬فكٌؾ ٌروي الإِ َمام هذا الحدٌث ثم ٌخالفه ؟ الأمر لٌس كذلك ‪-‬‬ ‫والمسؤلة أراها والله أعلم‪ ،‬كما ذكرها ابن عبد ال َب ِّر وص َّححها‪ ،‬فقد نقلت‬ ‫عن جماعة منهم ابن وهب‪ ،‬وابن القاسم‪ ،‬وابن نافع‪ ،‬وأثبتوها فً‬ ‫الموطإِ‪ ،‬وقد استفاض ال َّنقل عن َمالِك بال َّرفع فً الركوع‪ ،‬وال َّرفع منه‪،‬‬ ‫وبه قال الأوزاعً‪ ،‬والشافعً‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬والطبري‪ ،‬وجماعة‬ ‫الحدٌث‪ ،‬فً حٌن لم ٌنقل أحد عن َمالِك ترك ال َّرفع إلاَ ابن القاسم‪ ،‬وهو‬ ‫ما سبب الإشكال فً هذه المسؤلة( ) ‪.‬‬ ‫والحق أن‪َ -‬مالِكاً‪ -‬رحمه الله‪ -‬ما كان لٌترك س َّن ًة ثبتت عن رسول الله‬ ‫صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬وه َو م ْن ُه َو فً التمسك بال ُّس َّنة‪ ،‬واحترامها‬ ‫وتعظٌمه لفعل رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ -‬أو قد ٌكون‪ -‬رحمه الله‬ ‫‪ -‬كان لا ٌرفع فً بادئ الأمر ثم بعد أن ص َّح عنده الحدٌث واظب علٌه‬ ‫(والله اعلم)‪.‬‬‫ف‪ ٟ‬ه‪ٚ‬ا‪٠‬خ ٍؾٕ‪ٌٙ ،ْٛ‬نا ‪٠‬مغ ف‪ ٟ‬ولاَ ثٓ اٌمبٍُ ‪ٛ‬بئفخ ِٓ اٌّ‪ ً١‬ئٌ‪ ٝ‬أل‪ٛ‬اي أً٘ اٌؼواق‪ٚ ،‬ئْ ٌُ ‪٠‬ىٓ مٌه ف‪ ٟ‬إٔ‪ٛ‬ي أً٘‬ ‫اٌّل‪ٕ٠‬خ‪ٕ( .‬ؾخ إٔ‪ٛ‬ي أً٘ اٌّل‪ٕ٠‬خ ٓ‪. .)38‬‬ ‫‪ّ -‬وػ اٌيهلبٔ‪ٌٍّٛٛ ٟ‬ا ‪. 229ٓ ،‬‬ ‫‪285‬‬

‫‪ -‬تقدٌم العمل على ال َّنص فً أمور المستحبات والفضابل‪ -‬كما فً‬ ‫حدٌث العقٌقة‪ ،‬فقد َو َر َد عن َمالِك‪ ،‬عن نافع‪ ،‬عن عبد الله بن عمر‬ ‫رضً الله عنهما \"لم ٌكن ٌسؤله أح ٌفد من أهله عقٌق ًة إلا أعطاه إٌاها‪،‬‬ ‫وكان ٌع ُّق عن ولده بشا ٍة شا ٍة عن الذكور والإناث\" وهو المشهور عن‬‫َمالِك أنه ٌُ َع ُّق عن المولود بشا ٍة شا ٍة الذكر والأنثى‪ ،‬وروي كذلك أن أبا‬‫عروة بن الزبٌر كان ٌع ُّق عن بنٌه الذكور والإناث‪ ،‬بشاة شاة ‪ ،‬قال‬‫َمالِك‪ :‬الأمر عندنا فً العقٌقة أن من ع َّق‪ ،‬فإنما ٌعق عن ولده بشاة شاة‪،‬‬‫الذكور والإناث ‪ ،‬ولٌست العقٌقة بواجب ٍة ‪ -‬ولكنها ٌستحب العمل بها ‪،‬‬ ‫وهً من الأمر الذي لم ٌزل علٌه الناس عندنا ‪ -‬فمن ع َّق عن ولده‬‫فإنما هً بمنزلة النسك والضحاٌا‪ ،‬لا ٌجوز فٌها عورار ولا عجفار ولا‬ ‫مكسورة ولا مرٌض ٌفة ‪ ،‬ولا ٌباع من لحمها شًر‪ ،‬ولاجلدها‪ ،‬وٌكسر‬ ‫عظامها‪ ،‬وٌؤكل أهلها من لحمها ‪ ،‬وٌتصدقون منها ‪ ،‬ولا ٌمس الصبً‬ ‫بشًر من دمها \"( ) ‪.‬‬‫وح َّج ُة من احتج بؤن للذكر شاتٌن‪ ،‬وللؤنثى شاةٌف‪ ،‬لما ص َّححه الترمذي‬ ‫من حدٌث عابشة رضً الله عنها أنه صلى الله علٌه وسلم أمر أن ٌعق‬ ‫عن الؽلبم بشاتٌن متكافبتٌن‪ ،‬وعن الجارٌة بشا ٍة‪ ،‬وقد أجاب عنه َمالِك‬‫ومن وافقه‪ -‬أنه لما اختلفت الرواٌة فٌما ع َّق عن الحسنٌن تر َّجح تساوي‬ ‫الذكور والإناث بالعمل‪ ،‬والقٌاس ( ) ‪.‬‬ ‫ومن هنا تبٌن لنا أن َمالِكاً ‪-‬رحمه الله‪ -‬ما كان لٌجتهد مع الن ِّص‪،‬‬ ‫وهذه هً فً الواقع القاعدة الفقهٌة المق َّر َرة (لا اجتهاد مع النص )‪،‬‬ ‫‪ -‬اٌّ‪ٛٛ‬أ ثْوػ اٌيهلبٔ‪ ٟ‬ط‪. 131 ٓ 3‬‬‫‪ -‬اٌّٖله اٌَبثك ط‪ٚ /130 ٓ3‬أظو اٌف‪ٛ‬اوٗ اٌل‪ٚ‬أ‪ّ ٟ‬وػ هٍبٌخ أث‪ ٟ‬ى‪٠‬ل اٌم‪١‬و‪ٚ‬أ‪ ٟ‬اٌ َّبٌِى‪، ٟ‬ط‪. 460 ٓ 1‬‬ ‫‪286‬‬

‫ولكنه ‪ -‬رحمه الله‪ -‬كان ٌقدم العمل أحٌاناً‪ ،‬فٌما ٌرى أنه ترجح العمل به‬ ‫عند فقهار الصحابة‪ ،‬وأبمة التابعٌن ‪.‬‬ ‫مسؤلة أخرى من المستحبات‪ :‬وهً وضع الٌدٌن إحداهما على‬ ‫الأخرى فً الصلبة‪ ،‬وهً من المسابل التً ٌذهب أؼلب ال َمالِكٌة إلى‬ ‫أن الإرسال هو المقدم فً الصلبة‪ ،‬وذلك لأنها كذلك نقلت عن ابن‬ ‫القاسم عن َمالِك‪ ،‬ولكن المقرر فً المذهب ؼٌر ذالك لعدم موافقتها‬ ‫لل َّنص‪ ،‬وما علٌه الجمهور ولأن َمالِكاً ‪-‬رحمه الله‪ -‬ما كان لٌروي‬ ‫حدٌثا عن رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬ثم ٌخالفه‪ ،‬وفً هذه المسؤلة‬ ‫حدٌثان فً الموطإ‪ ،‬وهما كما ٌلً‪:‬‬ ‫‪ -‬الأول‪ :‬حدٌث ابن المخارقة البصري‪ ،‬قال‪\":‬من كلبم النبوة إذا لم‬ ‫تستح فافعل ما شبت‪ ،‬ووضع الٌدٌن إحداهما على الأخرى فً الصلبة‪،‬‬ ‫ٌضع الٌمنى على الٌسرى‪ ،‬وتعجٌل الفطر‪ ،‬والاستٌنار بالسحور\"( ) ‪.‬‬ ‫‪ -‬الثانً‪ :‬حدٌث سهل بن سعد قال‪ \" :‬كان الناس ٌإمرون أن ٌضع‬ ‫ال َّرجل الٌد ال ٌُمنى على ذراعه ال ٌُسرى فً الصلبة \" قال ابن حزم‪ :‬لا‬ ‫أعلم إلاَ أنه ٌَ ْنمً(‪ )‬ذلك\" ‪.‬‬ ‫وٌذكر بعض العلمار أ ّن الحكمة من هذه الهٌبة‪ ،‬أنها صفة السابل‬ ‫الذلٌل‪ ،‬وأنها أبعد عن العبث‪ ،‬وأقرب للخشوع‪ ،‬وهو الواقع حقٌقة‪ ،‬إ ْذ‬ ‫هً أظهر فً التؤدب مع الله تبارك وتعالى‪ ،‬فلو أردنا المقارنة‪ :‬أٌهما‬ ‫أولى‪ ،‬وأخشع فً التؤدب مع الله تبارك وتعالى‪ ،‬قبض الٌدٌن ووضع‬‫‪ِٛٛ -‬أ َِب ٌِه ‪ ،‬رؾم‪١‬ك‪ -‬ؽبِل أؽّل ‪ٛ‬ب٘و‪ ،‬كاه اٌفغو ٌٍزواس ‪ ،‬فً اٌغبِغ الأى٘و‪ ،‬اٌمب٘و‪ِٖ ،‬و‪. 107 ٓ 2005 ،‬‬ ‫‪ ّٟٕ٠ - ‬مٌه‪٠ ،‬ؼٕ‪٠ -ٟ‬وفؼٗ ٌوٍ‪ٛ‬ي الله ٍٕ‪ ٝ‬ػٍ‪. ٍٍُٚ ٗ١‬‬ ‫‪287‬‬

‫الٌمنى على الٌسرى‪ ،‬كما وردت السنة بها‪ ،‬أو إسدال الٌدٌن‪ -‬فلب شك‬ ‫أ َّن الأفضل والأحسن هو القبض‪ ،‬وهو المروي عن َمالِك‪ ،‬كما رواه‬ ‫ابن عبد ال َب ِّر وؼٌره ‪.‬‬ ‫قال ابن عبد ال َب ِّر‪ \" :‬لم ٌؤت عن النبً صلى الله علٌه وسلم فٌه خلبؾ‬ ‫وهو قول جمهور الصحابة‪ ،‬والتابعٌن‪ ،‬ولم ٌحك عن َمالِك ؼٌره\" ( )‪.‬‬ ‫وع َّد ابن رشد(‪ )‬من مستح َّبات الصلبة \"وضع الٌمنى على الٌسرى‬‫فً الصلبة \"( ) – أما رواٌة ابن القاسم‪ ،‬الإسدال عن َمالِك فمن العلمار‬ ‫من ٌحملها على النافلة عند طول القٌام‪ ،‬كما فً صلبة التهجد‬ ‫والتراوٌح‪ ،‬كذلك منهم من علَّلَه بؤن ذالك بعد مرور َمالِك بالمحنة على‬ ‫أٌدي العباسٌٌن‪ ،‬وتعرضه للتعذٌب والأذى بعد أ ْن أفتى الإِ َمام بعدم‬ ‫وقوع طلبق المكره( )‪ ،‬أما الإسدال بدون عذر‪ ،‬فقد نقل عن َمالِك‬ ‫كراهته ( )‪ ،‬والمشهور فً المذهب أن القبض مستح فٌب إذا قصد به‬ ‫اتباع السنة‪ ،‬وفً بلؽة السالك لأقرب المسالك لمذهب َمالِك قال \" فإن‬ ‫لم ٌقصد به الاعتماد‪ ،‬وإنما قصد ال َّت َس ُّن َن فمندوب( ) ‪.‬‬ ‫وأعتقد أن فً قولهم‪ -‬الاعتماد‪ٌ -‬حتاج إلى تد ّب ٍر‪ -‬إذ الأولى الإسدال‬ ‫لمرٌد الراحة من اعتماده على الٌدٌن‪ ،‬ففً وضعهما بذل وجهد‪ ،‬فلب‬ ‫‪ّ -‬وػ اٌيهلبْ‪ٌٍّٛٛ ٞ‬أ ط‪. 454 ٓ 1‬‬ ‫‪٠ٚ - ‬ؼزجو ثٓ هّل ِٓ ع‪ٙ‬بثنح‪ ،‬ػٍّبء اٌ َّب ٌِى‪١‬خ ٌٗ ػلح ِإٌفبد ِٕ‪ٙ‬ب‪ -‬اٌّملِبد ‪ٚ‬اٌّّ‪ٙ‬لاد‪ ،‬ر‪ٛ‬ف‪ٍٕ ٟ‬خ‪. 520‬‬‫‪ِ -‬ؾّل ثٓ أؽّل اٌّؼو‪ٚ‬ف ثٓ هّل‪ ،‬اٌّملِبد اٌّّ‪ٙ‬لاد لاثٓ هّل‪ِ،‬ىزجخ اٌضمبفخ اٌل‪١ٕ٠‬خ‪ ،‬اٌمب٘وح‪ِٖ ،‬و ٓ‪. 78‬‬ ‫‪ٚ -‬وبْ َِب ٌِه لل عٍل ‪ٚ‬ػنة ػٍ‪ ٝ‬أ‪٠‬ل‪ ٞ‬أؽل اٌ‪ٛ‬لاح اٌؼجبٍ‪ ،ٓ١١‬ثَجت فز‪ٛ‬اٖ ف‪ٚ ٟ‬ل‪ٛ‬ع ‪ٛ‬لاق اٌّىوٖ‪ ،‬ثَجت ‪ّٚ‬ب‪٠‬خ‬ ‫‪ّٚ‬ب٘ب ثٗ أؽل اٌؾَبك‪،‬اٌّل‪ٔٚ‬خ ط‪ٚ ،10 ٓ1‬أظو‪ِٛ -‬ا٘ت اٌغٍ‪ٌْ ً١‬وػ ِقزٖو فٍ‪ ،ً١‬ط‪. . 29ٓ1‬‬ ‫‪ّ -‬وػ اٌيهلبٔ‪ ٟ‬ط‪. 454 ٓ 1‬‬‫‪ -‬أؽّل ثٓ ِؾّل اٌٖب‪ ٞٚ‬اٌ َّب ٌِى‪ ،ٟ‬ثٍغخ اٌَبٌه لألوة اٌَّبٌه ٌّن٘ت ال ِإ َِبَ َِب ٌِه‪،‬ػٍ‪ّ ٝ‬وػ أؽّل ثٓ ِؾّل ثٓ‬ ‫أؽّل اٌله ك‪ٞ‬ه ‪ ،‬كاه إٌ‪ٚٙ‬خ‪ ،‬اٌمب٘وح‪ِٖ ،‬و‪ ،‬اٌطجؼخ الأف‪١‬وح‪ َ1952 ،‬ط‪. 118 ٓ 1‬‬ ‫‪288‬‬

‫معنى لقوله‪( :‬لم ٌقصد به الاعتماد) فلم ٌب َق إلا ال َّتس ُّنن‪ ،‬وإلٌه ذهب‬ ‫َمالِك لما سبق من أدلة‪.‬‬‫‪ -‬وأحٌاناً ٌكون اجتهاد َمالِك فً تفسٌر ال َّنص‪ ،‬وحمله على العلَّة التً‬ ‫من أجلها قال به الشارع‪ ،‬إذا ُوجد أصل لتؤوٌله على علَّته‪ ،‬كما فً‬‫حدٌث الوضور من لحم الجزور‪ ،‬ومسؤلة الوضور م َّما مست ال َّنار‪ ،‬ولم‬‫ٌخ ِؾ الأستاذ عبد المجٌد التركً إعجابه ب َمالِك فً استنباط الأحكام من‬ ‫النصوص‪ ،‬مستشهداً بهذه المسؤلة بالتحدٌد‪ ،‬حٌث قال‪ :‬ورأي َمالِك فً‬ ‫هذه المسؤلة بالذات‪ٌ ،‬ب ٌِّن أنه‪ -‬رحمه الله‪ -‬كان له نظ فٌر فً مسابل الفقه‬ ‫لا ٌضاها‪ ،‬ومقدرةفٌ عالٌ فٌة على تق ِّصً خفاٌا المسابل على نح ٍو لم ٌسبق‬ ‫إلٌه‪ ،‬فقد جار فً الموطإ عن عبد الله بن عبا ٍس رضً الله عنهما أن‬ ‫رسول الله صلى الله علٌه وسلم \" أكل كتؾ شا ٍة‪ ،‬ثم صلَّى ولم ٌتوضؤ‬ ‫\"( )‬ ‫والحدٌث ذكره َمالِك فً باب‪( :‬الوضور مما مست النار) ثم قال‪-‬‬ ‫رحمه الله‪ ،-‬عن ضمرة بن سعٌد عن أبان بن عثمان أن عثمان أكل‬ ‫خبزاً ولحماً‪ ،‬ثم مضمض وؼسل ٌدٌه ومسح بهما وجهه‪ ،‬ثم صلّى ولم‬ ‫ٌتو ّضؤ ( ) ‪.‬‬‫وحدٌ ٌفث آخر فً الموطإ هو حدٌث‪ :‬سوٌد بن النعمان‪ ،‬أنه أخبره أنه‬ ‫خرج مع رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬عام خٌبر حتى إذا كانوا‬ ‫بالصهبار‪ ،‬وهً من أدنى خٌبر‪ ،‬نزل رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪،‬‬ ‫‪ِٛٛ-‬أ َِب ٌِه ‪ ،‬رؾم‪١‬ك ػجل اٌّغ‪١‬ل روو‪. 56ٓ ، ٟ‬‬ ‫‪ -‬اٌّٖله اٌَبثك ٓ‪. 26‬‬ ‫‪289‬‬

‫فصلى العصر ثم دعا بالأزواد‪ ،‬فلم ٌإت إلا بالسوٌق‪ ،‬فؤمر به فثري ‪،‬‬ ‫فؤكل رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬وأكلنا ثم قام إلى المؽرب‬ ‫ف َم ْض َمض‪ ،‬و َم ْض َمضنا‪ ،‬ثم صلى ولم ٌتو ِّضؤ \"( ) وذلك أنه جار فً‬ ‫صحٌح مسل ٍم من حدٌث جابر بن سمرة أن رجلبً سؤل النبً صلى الله‬ ‫علٌه وسلم‪ ،‬أتوضؤ من لحم الؽنم ؟ قال‪ :‬إن شبت فتوضؤ وإن شبت فلب‬ ‫تتوضؤ \" قال‪ :‬أَأَتوضؤ من لحم الإبل ؟ قال‪ :‬نعم توضؤ من لحوم الإبل\"‬ ‫وقال‪ :‬لقد حمل ذلك على ؼسل الٌدٌن والمضمضة لزٌادة دسومته‪،‬‬ ‫وزهومته‪ ،‬ثم قال‪ :‬وقد أومؤ مسل ٌفم إلى النسخ بكونه ذكر أحادٌث‬ ‫الوضور مما مست النار أولاً‪ ،‬ثم ث ّنى بحدٌث ابن عبا ٍس فرواه عن‬ ‫القعنبً والبخاري‪ ،‬عن ابن ٌوسؾ‪ ،‬وكلبهما عن َمالِك‪ ،‬وال َبا َبان فً‬‫صحٌح مسل ٍم على هذا الترتٌب‪ ،‬قال رحمه الله تعالى \"باب الوضور من‬ ‫لحوم الإبل \" ثم قال باب \" نسخ الوضور مما مست النار \" ( ) ‪.‬‬‫ولقد ذكرت هذه المسؤلة مف َّصلة فً شرح الزرقانً على المو ّطإ مبٌناً‬ ‫فٌها رأي َمالِك‪ ،‬وفً مسؤلة الوضور مما مست النار بالتحدٌد‪ ،‬وخ َّص‬‫لحم الإبل بالذكر‪ ،‬ثم قال‪ :‬ذكر بن المهلب‪ :‬أن أهل الجاهاٌة قد ألفوا قلَّة‬ ‫النظافة‪ ،‬فؤمروا بالوضور مما م َّست النار‪ ،‬ولما تقررت النظافة فً‬ ‫الإسلبم‪ ،‬وشاعت نسخ الوضور تٌسٌر ٍا على المسلمٌن ( )‪.‬‬ ‫وجار فً متن العشماوٌة فً الفقه ال َمالِكً‪ ،‬وشرحه الموسع التحفة‬ ‫ال َّرضٌة فً فقه السادة ال َمالِكٌة‪ ،‬وذلك فً الحدٌث عن مالا ٌنقض‬ ‫‪ - -‬اٌّ‪ٛٛ‬أ ثْوػ اٌيهلبٔ‪. 88ٓ ٟ‬‬ ‫‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ ٍَُِ ثّقزٖو إٌّنه‪ ، 62 ٓ ٞ‬هلُ اٌؾل‪٠‬ش ‪. 148‬‬ ‫‪ -‬اٌّ‪ٛٛ‬أ ثْوػ اٌيهلبٔ‪. 87ٓ ٟ‬‬ ‫‪290‬‬

‫الوضور‪ -‬ما نصه \"ولا بؤكل لحم جزو ٍر\" ثم قال فً الشرح ولا ٌنقض‬‫الوضور أٌضاً بؤكل لحم الجزور أي الإبل لأنه لٌس بحد ٍث ولا سبباً له‪،‬‬ ‫ولا مظ َّنة حدوثه \" ثم قال وما ورد من أكل لحم الجزور‪ ،‬بقوله علٌه‬ ‫الصلبة والسلبم‪ \":‬توضؤ منها \" وكان قد سبل عن الوضور من لحم‬ ‫الإبل– منسو ٌفخ بحدٌث جابر رضً الله عنه \" ( ) ‪.‬‬ ‫ومن الأمثلة كذلك على فهم َمالِك للنصوص‪ ،‬ووقوفه على مدلول‬ ‫الآٌة‪ ،‬دون أن ٌتجاوزها قٌد أنمل ٍة‪ ،‬وتمسكه بالحدود والقصاص‪ ،‬حتى‬ ‫لا ٌتساهل الأمرار ولا العا َّمة مع النصوص‪ ،‬ما رواه القاضً ِع ٌَاض‬ ‫عن عبد الجبار بن عمر قال‪ :‬حضر ُت َمالِكاً وقد أحضره الوالً فً‬‫جماعة من أهل العلم‪ ،‬فسؤلهم عن رجل ع َد ا على أخٌه‪ ،‬حتى إذا أدركه‬ ‫دفعه فً ببر وأخذ رداره ‪ ،‬وأَبوا الؽلبمٌن حاضر ان‪ ،‬فقال جماعة من‬‫أهل العلم ‪ :‬الخٌار للؤبوٌن فً العفو أوالقصاص‪ ،‬فقال َمالِك أرى أن‬ ‫تضرب عنقه الساعة ‪ ،‬فقال الأبوان ٌقتل ابن لنا بالأمس‪ ،‬ونفجع فً‬‫الآخر الٌوم؟ نحن أولٌار الدم وقد عفونا ‪ ،‬فقال الوالً ‪ٌ :‬ا أبا عبد الله ‪،‬‬‫لٌس ثم طالب ؼٌرهما‪ ،‬وقد عفوا‪ ،‬فقال َمالِك‪ :‬والله الذي لا إله إلا هو لا‬‫تكلمت فً العلم أبداً أو تضرب عنقه‪ ،‬وسكت ‪ ،‬ف ُكلم فلم ٌتكلم‪ ،‬فارتجت‬‫المدٌنة وصاح الناس إذا سكت َمالِك فمن ٌُسؤل ؟ ومن ٌُجٌب ؟ وكثر‬ ‫اللؽط وقالوا لا أحد بمصر من الأمصار مثله‪ ،‬ولا ٌقوم مقامه فً العلم‬ ‫والفضل‪ ،‬فلما رأى الوالً عزمه على السكوت ‪ ،‬قدم الؽلبم فضرب‬ ‫عنقه‪ ،‬فلما سقط رأسه التفت َمالِك إلى من حضر ‪ ،‬وقال‪ :‬إنما قتلته‬ ‫‪ -‬اٌزؾفخ اٌو‪١ٙ‬خ ف‪ ٟ‬فمٗ اٌَبكح اٌ َّب ٌِى‪١‬خ‪ّ ،‬وػ ِزٓ اٌؼّْب‪٠ٚ‬خ ‪ِٖ ،‬طف‪ ٝ‬ك‪٠‬ت اٌجُغب‪. 83ٓ ،‬‬ ‫كاه اثٓ وض‪١‬و ‪ ،‬كِْك ث‪١‬و‪ٚ‬د ‪ ،‬اٌطجؼخ الأ‪. 53 ٓ1992 ،ٌٝٚ‬‬ ‫‪291‬‬

‫بالحرابة حٌن أخذ ثوب أخٌه ‪ ،‬ولم أقتله قوداً ‪ ،‬إذ عفا أبواه‪ ،‬فانصرؾ‬‫الناس وقد طابت نفوسهم ‪ ،‬حٌن رأوه بر ه فً ٌمٌنه ‪ ،‬إذ كان ٌعلم أنه لا‬ ‫ٌحنث( )‪.‬‬ ‫قال حفص ابن غٌاث‪ :‬كان َمالِك ٌجلس عند الوالً فٌعرض علٌه‬‫أهل السجن فٌقول اقطع هذا‪ ،‬واضرب هذا مابة أومابتٌن‪ ،‬واصلب هذا‬‫كؤنه أنزل علٌه كتاب ‪ ،‬وقال أشهب‪ :‬دعا بعض الأمرار َمالِكاً ٌستشٌره‬‫فً شًر فدخل علٌه وأشار بقطع قوم ‪ ،‬وقتل قوم ‪ ،‬وخرج علٌنا وهو‬ ‫ٌبتسم‪ ،‬وٌقرأ‪ :‬ولكم فً القصاص حٌاة ٌا أولً الألباب ( )‪.‬‬ ‫ومن هذا نقول إن َمالِكاً‪ -‬رحمه الله‪ -‬لم ٌكن لٌجتهد مع النص‪ ،‬ولكن‬ ‫مع ذلك كله‪ ،‬فقد كان ٌوازن ما بٌن النصوص والأدلة‪ ،‬وٌقٌس على‬ ‫عمل أهل المدٌنة‪ -‬أما إذا صح الحدٌث فهو مذهبه‪ ،‬وهو الذي نقل عنه‬ ‫قوله‪ :‬ك ٌّل ٌإخذ وٌرد علٌه إلا صاحب هذا القبر‪ ،‬وٌشٌر إلى قبر النبً‬ ‫صلى الله علٌه وسلم ( ) فمذهبه هو مذهب أهل الحدٌث‪ ،‬ومنهجه هو‬ ‫منهج أهل الأثر‪ ،‬وهكذا كان تعامله مع مختلؾ القضاٌا‪ ،‬سوار منها ما‬ ‫ٌتعلق بالجوانب العملٌة‪ ،‬أو ما له علبقة بقضاٌا الإٌمان المختلفة‪ ،‬أو‬‫بمسابل الاعتقاد‪ ،‬كما سٌؤتً بٌانه فً الفصل التالً‪ ،‬من تعامل َمالِك مع‬ ‫أرباب الفرق والطوابؾ الكلبمٌة المختلفة‪.‬‬ ‫‪ -‬رور‪١‬ت اٌّلاهن ٌٍمب‪ِ ٟٙ‬ػ َ‪١‬بٗ ٓ‪. 98‬‬ ‫‪ -‬اٌّٖله اٌَبثك ٓ‪. 99‬‬ ‫‪-‬اٌّن٘ت اٌ َّبٌِى‪ِ ،ٟ‬ؾّل ٍىؾبي‪. 380ٓ ،‬‬ ‫‪292‬‬

‫الفصـل الرابع‬ ‫الطوائف والفرق‬‫المبحث الأول‪ :‬أهم الفرق والطوائف فً عصر ال ِإ َمام َمالِك ‪:‬‬ ‫‪ -‬المطلب الأول‪ :‬تعرٌؾ بالطوابؾ و الفرق المختلفة ‪.‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثانً‪ :‬أهم الآرار التً ذهبت إلٌها هذه الفرق ‪.‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثالث‪ :‬نشؤة علم الكلبم ‪.‬‬ ‫المبحث ال انً ‪ :‬رأي َمالِك فً الفرق المختلفة ‪:‬‬ ‫‪ -‬المطلب الأول‪ :‬تقٌٌم للفرق على ضور الكتاب والسنة ‪.‬‬ ‫‪293‬‬

‫‪ -‬المطلب الثانً‪ :‬منهجٌة َمالِك فً التعامل مع الفرق ‪.‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثالث‪ :‬برارة المذهب ال َمالِكً من أهل الأهوار‪.‬‬ ‫المبحث ال الث ‪ :‬تؤملات فً المذهب ال َمالِكي ‪:‬‬ ‫‪ -‬المطلب لأول‪ :‬أعلبم المذهب ال َمالِكً ‪: .‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثانً‪ :‬تدوٌن المذهب ال َمالِكً ‪.‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثالث‪ :‬تطور المذهب ال َمالِكً فً شمال أفرٌقٌا والمؽرب ‪.‬‬ ‫الفصــل الــرابع‬ ‫الطـوائف والـفرق‬ ‫المبحث الأول‪ :‬التعرٌف بالطوائف والفرق المختلفة‪:‬‬ ‫كانت حٌاة َمالِك‪ -‬رحمه الله‪ ،-‬حافل ًة بظهور فرق وطوابؾ مختلفة‪،‬‬ ‫فقد عاش عمراً مدٌ ًدا‪ ،‬وعاصر خلبفتٌن مختلفتٌن‪ ،‬الخلبفة الأموٌة‪،‬‬‫والعباسٌة‪ ،‬ولم ُتج ِمع هاتان الخلبفتان على إما ٍم كإجماعهما على َمالِك‪،‬‬ ‫ورؼم أن ال ِفرق والطوابؾ فً ذلك الزمن‪ ،‬كانت تنزع إلى القدح‪،‬‬‫والتجرٌح‪ ،‬والطعن فً العلمار‪ ،‬وذلك بحكم المٌول إلى مناصر ِة الآرار‬ ‫واتباع الأهوار‪ ،‬إلا أنها مع ذلك‪ ،‬ورؼم اختلبؾ الإِ َمام مع أكثرها‪،‬‬ ‫‪294‬‬

‫وتخطٌبه لكثٌ ٍر منها‪ ،‬بل وتحذٌره علناً من آرار الفرق الضالة‪،‬‬ ‫والمبتدعة التً قد ابتدعت بدعاً فً العقابد‪ ،‬ونالت من أصول الدٌن‪،‬‬ ‫رؼم أن َمالِكاً لم ٌكن ٌُخفً آراره فٌها‪ ،‬بل وكان ٌقوله بكل جرأ ٍت‬ ‫وشجاع ٍة‪ ،‬إلا أنه لم ٌنقل أ َّن واحد ًة من هذه الطوابؾ قد طعنت فً‬ ‫الإِ َمام‪ ،‬أو فً علمه‪ ،‬أو ناصبته العدار‪ -‬مما ٌدلِّل على ما كان ٌتمتع به‬‫من عل ٍم ؼزٌ ٍر‪ ،‬وأد ٍب رفٌع‪ ،‬ومجادل ٍة بالحسنى‪ ،‬وإعرا ٍض عن الجاهل‪،‬‬ ‫وتنبٌ ٍه للؽافل‪ ،‬ور ِّده على المسابل بؤصولها من دون انتقا ٍم للنفس‪ ،‬أو‬ ‫مراعا ٍة لمدح الم َّداحٌن‪ ،‬وهذا دأب العلمار ال َّر َّبانٌٌن ‪.‬‬ ‫وهذه الطوابؾ كانت على قد ٍر كبٌ ٍر من الاختلبؾ‪ ،‬فلك ٍّل مذه ُبه‬ ‫وطرٌقته‪ ،‬ومنهم من التبس علٌه الحق بالباطل‪ ،‬فكانت الحاجة ملح ًة‬ ‫إلى استبٌان هذه الفرق وآرابها عن قرب‪ ،‬واستٌضاح رأي الإِ َمام ماك‬ ‫فٌها‪ ،‬وما كان له من دو ٍر‪ ،‬فً محاربة الأفكار ال َّضالة‪ ،‬والأهوار‬ ‫المنحرفة‪ ،‬نصحاً للؤمة‪ ،‬وكشفاً للؽ َّمـة‪ ،‬عمـلبً بقول الحق تبـارك‬ ‫وتعالى‪َ ( :‬وأَ َّن َهـ َذا ِص َرا ِطً ُم ْس َت ِقٌماً َفا َّت ِب ُعو ُه َولاَ َت َّت ِب ُعو ْا ال ُّس ُب َل َف َت َف َّر َق‬ ‫بِ ُك ْم َعن َسبٌِلِ ِه َذلِ ُك ْم َو َّصا ُكم ِب ِه لَ َعلَّ ُك ْم َت َّت ُقو َن ) ( ) ‪.‬‬ ‫وقد ظهرت هذه الطوابؾ والفرق مع ظهور بدعة الكلبم فً أسمار‬ ‫الله وصفاته التً لاٌزال علمار السلؾ ٌحذرون من الخوض فٌها‪،‬‬ ‫والانجرار نحو ضلبلات أصحابها وؼواٌاتهم‪ ،‬سبل الإِ َمام ابن خزٌمة‬ ‫عن الكلبم فً الأسمار والصفات‪ ،‬فقال‪ :‬بدع ٌفة ابتدعوها ولم ٌكن أبمة‬ ‫المسلمٌن وأرباب المذاهب وأبمة الدٌن‪ ،‬مثل َمالِك‪ ،‬وسفٌان‪،‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح الأٔؼبَ ا‪٠٢‬خ ‪. 153‬‬ ‫‪295‬‬

‫والأوزاعً‪ ،‬والشافعً‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وٌحٌى بن ٌحى‪ ،‬وابن‬ ‫المبارك‪ ،‬ومحمد بن ٌحٌى‪ ،‬وأبً حنٌفة‪ ،‬ومحمد بن الحسن‪ ،‬وأبً‬ ‫ٌوسؾ‪ٌ ،‬تكلمون فً ذلك‪ ،‬وٌنهون عن الخوض فٌه‪ ،‬وٌدلُّون أصحابهم‬ ‫على الكتاب والسنة‪ ،‬فإٌاك والخوض فٌه والنظر فً كتبهم بحال \"( )‪.‬‬ ‫ومن هذه الطوابؾ من كان سبب نشؤته سٌاس ٌّاً محضاً‪ ،‬ثم بعد ذلك‬‫أخذت طابعاً دٌنٌاً‪ ،‬وفق ما افترضته علٌهم الظروؾ فً جزٌرة العرب‬ ‫فً ذلك الوقت‪ ،‬كؤمثال الخوارج‪ ،‬والمعتزلة‪ ،‬ومنهم من كانت نشؤته‬ ‫عقابدٌ ًة ًً مثل الشٌعة ( ) ‪.‬‬ ‫ثم إننا لابد أن نعلم أن من الطوابؾ والفرق من ظهر قبل عصر‬ ‫الإِ َمام َمالِك‪ ،‬ولكنه نما وترعرع‪ ،‬وصار له أتبا فٌع وفر ٌفق مختلفة أثنار‬‫وبعد عهد الإِ َمام‪ ،‬كالشٌع ِة مثلبً‪ ،‬والخوارج‪ ،‬ومنها ما تؤثر بؤفكار الإِ َمام‬ ‫َمالِك‪ ،‬بمعنى‪ -‬أن منها ما كان للئمام فض ٌفل بعد فضل الله تعالى‪ ،‬بر ِّد‬ ‫بعض أتباعها إلى جادة الصواب‪ ،‬ومنها من استمر فً ؼ ٌِّه‪ ،‬بل وإن‬ ‫من الطوابؾ والفرق ما هو موجو ٌفد إلى زماننا هذا‪ ،‬ومنهم من انتهوا‬‫كطابف ٍة وفرق ٍة‪ ،‬ولكن أفكارهم قد بقت فً أزمان متفاوتة ومتعاقبة‪ ،‬تار ًة‬ ‫تظهر وتار ًة تختفً‪ ،‬بحسب الظروؾ الملببمة لتروٌج ظهور هذه‬ ‫الأفكار المنحرفة‪ ،‬والله نسؤل أن ٌقً الأمة ش َّر التف ُّرق وال َّتشرذم ‪.‬‬ ‫المطلب الأول ‪ :‬تعرٌف الطوائف والفرق ‪:‬‬‫‪١ّ -‬ـ الإٍلاَ اثٓ ر‪١ّ١‬خ‪ ،‬الاٍزمبِخ ‪،‬ػٍك ػٍ‪ ،ٗ١‬أّوف ػٍ‪ ٟ‬ؽٕف‪ ، ٟ‬كاه اٌجٖ‪١‬وح ‪ ،‬الاٍىٕله‪٠‬خ‪ِٖ ،‬و‪ٛ ،‬جؼخ‬ ‫ِٖؾؾخ ِللمخ‪. 66ٓ َ2004 ،‬‬ ‫‪ِ - -‬ؾب‪ٙ‬وح‪ٌ ،‬ؼٖبَ اٌجْ‪١‬و‪. َ2007 / 6 / 22 ،‬‬ ‫‪296‬‬

‫أولاً ‪ :‬الطوابؾ‪ :‬لؽ ًة‪ :‬جمع طابفة‪ ،‬وهً القطعة من الشًر‪ ،‬قال ابن‬‫عباس رضً الله عنهما‪( :‬الواحد فما فوق )( ) وقد ذكرت كلمة طابفة‬ ‫فً القرآن الكرٌم‪ -‬ست مرات ‪ -‬وهً تذكر الجماعة من الناس بِ َش ْك ٍل‬‫عام الطٌبٌن منهم والأشرار‪ ،‬فتار ًة ٌؤتً على ذكر الطابفة بؤنها مإمنة‪،‬‬‫كما فً قوله تعالى‪َ ( :‬و ْل ٌَ ْش َه ْد َع َذا َب ُه َما َطا ِئ َف ٌة ِّم َن ا ْل ُم ْإ ِم ِنٌ َن )( ) وأٌضاً‬‫كما فً قوله تعالى‪َ ( :‬قا َل ا ْل َح َوا ِر ٌُّو َن َن ْح ُن أَن َصا ُر ال َّل ِه َفآَ َم َنت ط ّ َ ائِ َف ٌة‬ ‫ِّمن َبنًِ إِ ْس َرا ِبٌ َل ) ( ) ‪.‬‬ ‫وتارة ٌؤتً مس َّمى الطابفة لذكر جماعة من الكفار‪ ،‬وأخرى من‬‫المنافقٌن‪ ،‬فؤ َّما جماعة الكفار‪ ،‬كما فً قوله تعالى ‪َ (:‬و َك َف َرت َّطائِ َف ٌة )‬‫( )‪ ،‬والمنافقٌن‪ ،‬كما قال تعالى‪َ ( :‬وإِ ْذ َقا َلت َّطائِ َف ٌة ِّم ْن ُه ْم ٌَا أَ ْه َل ٌَ ْث ِر َب لاَ‬ ‫ُم َقا َم َل ُك ْم َفا ْر ِج ُعوا)( )‪.‬‬ ‫وتار ًة لذكر الضعفار من الناس كما فً حال بنً إسرابٌل الذٌن‬ ‫عذبهم فرعون وجنوده‪ ،‬قال تعالى‪َ ( :‬و َج َع َل أَ ْهلَ َها ِش ٌَعاً ٌَ ْس َت ْض ِع ُؾ‬ ‫َطائِ َف الًة ِّم ْن ُه ْم ٌُ َذ ِّب ُح أَ ْب َنار ُه ْم َو ٌَ ْس َت ْح ًٌِ نِ َسار ُه ْم) ‪.‬‬ ‫وأحٌاناً ٌذكر الله عز وجل جماع ًة من صفوة الناس‪ ،‬وهم من‬ ‫أصحاب رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬وٌمدحهم بإخلبصهم‬ ‫وعبادتهم‪ ،‬وقٌامهم الَّلٌل مع رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬وٌس ِّمٌهم‬‫بالطابفة‪ ،‬قال تعالى‪) :‬إِ َّن َر َّب َك ٌَ ْعلَ ُم أَ َّن َك َت ُقو ُم أَ ْد َنى ِمن ُثلُ َثًِ اللَّ ٌْ ِل َونِ ْص َف ُه‬ ‫‪ِ -‬قزبه اٌٖؾبػ ٓ ‪. 400‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح إٌ‪ٛ‬ه ا‪٠٢‬خ ‪. 2‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌٖف ا‪٠٢‬خ ‪. 14‬‬ ‫‪ -‬اٌَ‪ٛ‬هح ’ ‪ٚ‬ا‪٠٢‬خ اٌَبثمخ ‪.‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح الأؽياة ا‪٠٢‬خ ‪. 13‬‬ ‫‪297‬‬

‫َو ُثلُ َث ُه َو َطا ِئ َف ٌة ِّم َن الَّ ِذٌ َن َم َع َك َوال َّلهُ ٌُ َق ِّد ُر اللَّ ٌْ َل َوال َّن َها َر (( )‪ ،‬جار فً‬‫تفسٌر هذه الآٌة‪ :‬قوله طائف ٌة من الذٌن معك‪ٌ -‬عنً من أصحاب رسول‬ ‫الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬الذٌن كانوا مإمنٌن بالله حٌن فرض علٌهم‬ ‫القٌام( ( ) ‪.‬‬ ‫والذي ٌظهر من خلبل النظر فً آي القرآن الكرٌم (والله أعلم)‪ :‬أن‬ ‫كلمة طابفة تستعمل فً الجماعة من الناس‪ ،‬قد تقل وقد تكثر‪ ،‬ولكنها‬ ‫تشترك فٌما بٌنها فً صفات محدد ٍة‪ ،‬تمٌزها عن ؼٌرها ‪.‬‬ ‫انٌااًل‪ :‬ال ِفـــ َرق ‪:‬‬ ‫لؽ ًة ‪ :‬جمع ِفرقة‪ ،‬وهً الجماعة من الناس‪ ،‬قال صاحب االصحاح‪:‬‬‫\"والفرقة الطابفة من الناس\" وتجمع على أفاريق‪ ،‬وأفراق ( ) والأصل‬ ‫َف َرق و َف َر ًَ ًّق بال َّتشدٌد‪ ،‬وهو ضد التماسك والاجتماع‪ ،‬وقد جار ذكر‬ ‫التفرق فً القرآن الكرٌم على سبٌل ذم التفرق والتحذٌر منه فً ثمانٌة‬‫مواضع منها قوله تعالى ‪َ ) :‬وا ْع َت ِص ُمو ْا بِ َح ْب ِل ال ّلهِ َج ِمٌعاً َولاَ َت َف َّرقُو ْا )‬ ‫( ) وقال أٌضاً‪ ( :‬إِ َّن الَّ ِذٌ َن َف َّرقُو ْا ِدٌ َن ُه ْم َو َكا ُنو ْا ِش ٌَعاً لَّ ْس َت ِم ْن ُه ْم ِفً‬ ‫َش ًْ ٍر)( )‪.‬‬ ‫وفً الحدٌث المشهور\"افتراق الٌهود على إحدى وسبعٌن فرقة‪،‬‬ ‫وافتراق النصارى إلى اثنٌن وسبعٌن فرقة‪ ،‬وافتراق هذه الأمة إلى‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌّيًِ ا‪٠٢‬خ ‪. 20‬‬ ‫‪ -‬رفَ‪١‬و ثٓ عو‪٠‬و ط‪. 88ٓ 12‬‬ ‫‪ِ -‬قزبه اٌٖؾبػ ٓ‪ٚ 501‬أظو ‪ٛ -‬ب٘و اٌيا‪ِ ، ٞٚ‬قزبه اٌمبِ‪. 475ٓ ًٛ‬‬ ‫‪ٍٛ-‬هح آي ػّواْ ا‪٠٢‬خ ‪. 103‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح الأٔؼبَ ا‪٠٢‬خ ‪. 159‬‬ ‫‪298‬‬

‫ثلبث وسبعٌن فرقة‪ ،‬وأن الناجٌة منها واحدة‪ ،‬وهً التً كانت على ما‬‫كان علٌه النبً صلى الله علٌه وسلم وأصحابه \"( ) وعلى هذا فكلمة‬ ‫فرقة‪ ،‬تعنً أٌضاً الجماعة من الناس‪ ،‬وقد تق ُّل‪ ،‬وقد َتك ُثر‪ ،‬وكثر‬ ‫استعمال كلمة فِرق عند العلمار‪ ،‬للدلالة على الفرق الضالة والمنحرفة‬ ‫عن الدٌن‪.‬‬ ‫المطلب ال انً ‪ :‬نبذه عن ظهور الفرق والطوائف ‪:‬‬‫إن علمار الشرٌعة‪ ،‬استخدموا مصطلح الطوابؾ‪ ،‬والفرق الإسلبمٌة‪،‬‬‫للدلالة على الفِرق الإسلبمٌة التً ظهرت بعد رسول الله صلى الله علٌه‬ ‫وسلم‪ ،‬وبعد ظهور الفتنة بمقتل عثمان‪ ،‬رضً الله عنه‪ ،‬وأثنار خلبفة‬ ‫عل ًٍّ أمٌر المإمنٌن‪ -‬رضً الله عنه‪( -‬واختلؾ الناس بٌن مباٌ ٍع لعل ًٍّ‬ ‫على السمع والطاعة‪ ،‬وبٌن خار ٍج علٌه مشتر ٍط الثؤر لأمٌر المإمنٌن‬ ‫عثمان‪ ،‬المقتول ظلماً)( ) ‪.‬‬‫وفً بادئ الأمر انقسم الناس إلى فرٌقٌن‪ ،‬ك ٌّل ٌرى أن الصواب معه‪،‬‬ ‫فمعاوٌ ُة رأى ألاَ ٌُباٌع عل ٌّاً حتى ٌثؤر من قتلة عثمان أولاً‪ ،‬وعل ًٌّ ٌرى‬ ‫أن ٌدخلوا فً الطاعة أولاً‪ ،‬ثم بعد ذلك تؤتً المطالبة بدم عثمان عن‬‫طرٌق ولاة دمه أولاً‪ ،‬حٌث كان ٌرى رضً الله عنه‪ ( :‬أن القصاص لا‬ ‫ٌكون إلا بإقامة الدعوى‪ ،‬ولا تكون الدعوى إلا ببٌن ٍة وهذا هو ما أمر‬ ‫‪ -‬أ‪ٛٙ‬اء اٌج‪١‬بْ ‪ٌٍْٕ ،‬م‪١‬ط‪ ، ٟ‬ط‪. 179 ٓ 7‬‬ ‫‪ -‬البداية والنياية لابن كثير ج‪7‬ص‪. 207‬‬ ‫‪299‬‬

‫به الكتابة والسنة )( )‪ ،‬وما ٌعتقد أنه صوا ٌفب‪ ،‬وهذا ما كان علٌه الحال‬ ‫فً الزمن الأول‪ ،‬فلم ٌكن اختلبفهم عن هو ًى م َّت َبـ ٍع‪ ،‬ولا إعجا ٍب برأيٍ‪،‬‬ ‫والخلبؾ الذي دار بٌنهم كما ٌذكر أهل ال ِّسٌر‪ ،‬إنما كان فً مسؤلة الثؤر‬ ‫من قتلة عثمان الذٌن خرجوا على أمٌر المإمنٌن‪ ،‬وناصبوه العدار بؽٌر‬ ‫وجه ح ٍّق‪ ،‬والمسؤلة كما ذكرها شٌخ الإسلبم بن تٌمٌة حٌث قال‪ \" :‬وما‬ ‫جرى بٌن معاوٌة وعل ًٍّ رضً الله عنهما إنما صدر عن اجتها ٍد‬ ‫وتؤوٌ ٍل‪ ،‬لكن لا ش َّك أن عل ًٌّا أقرب إلى الصواب من معاوٌة‪ ،‬والدلٌل‬ ‫على ذلك حدٌث‪( :‬وٌح ع َّمار تقتله الفبة الباؼٌة )( ) ‪.‬‬ ‫فكان الذي قتله أصحاب معاوٌة‪ ،‬ولكنهم متؤولون‪ ،‬والله تعالى لا‬ ‫ٌعاقب مجتهداً على اجتهاده‪ ،‬لحدٌث‪( :‬إذا اجتهد الحاكم فؤصاب‪ ،‬فله‬ ‫أجران‪ ،‬وإذا حكم فاجتهد فؤخطؤ فله أج ٌفر )( )‪ ،‬والصواب مع عل ًٍّ إما‬ ‫قطعاً وإ َّما ظ ًّنا( ) والخلبفات التً ظهرت زمن الصحابة كانت عن‬ ‫اجتها ٍد‪ ،‬وكلهم إنما قصد الخٌر والنصح لدٌن الله‪ ،‬والصحابة كلهم‬ ‫عدول‪ ،‬كما هو مقر فٌر عند جمهور الأمة ‪.‬‬‫‪ -‬حسن إب ارىيم حسن‪ ،‬تاريخ الإسلام‪ ،‬دار الجيل بيروت‪ ،‬ومكتبة النيضة المصرية القاىرة‪ ،‬الطبعة الثالثة عشر‪،‬‬ ‫‪1991‬م ص ‪. 280‬‬ ‫‪ -‬صحيح البخاري ‪،‬بمختصر الزبيدي‪ ،‬ص ‪ ،80‬وبوب لو البخاري باباً سماه‪ ،‬باب التعاون في بناء المسجد‪،‬‬‫والحديث رواه البخاري بسنده عن أبي سعيٍد الخدري رضي الله عنو أنو‪ :‬يحدث يوماً حتى أتى عمى ذكر بناء المسجد‬‫فقال‪ :‬كنا نحمل لبن ًة‪ ،‬لبن ًة‪ ،‬وعمار لبنتين‪ ،‬لبنتين‪ ،‬فرآه النبي صمى الله عميو وسمم‪،‬فجعل ينفض التراب عنو‪ ،‬ويقول‬ ‫ويح( بمعنى الترحم‪ ،‬والتوجع ) عمار تقتمو الفئة الباغية‪ ،‬يدعوىم إلى الجنة‪ ،‬ويدعونو إلى النار‪ ،‬قال‪ :‬يقول عمار‬ ‫أعوذ بالله من الفتن‪.‬والحديث رواه مسمم‪ ،‬وغيره ‪.‬‬ ‫‪ -‬المصدر السابق ص‪. 508‬‬ ‫‪ -‬شيخ الإسلام ابن تيمية‪ ،‬العقيدة الواسطية‪ ،‬تحقيق بن عثيمين‪ ،‬ج‪2‬ص‪. 264‬‬ ‫‪300‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook