Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore Imam Malik's Doctrine of Faith and Practice

Imam Malik's Doctrine of Faith and Practice

Published by salemfaraj1971, 2017-05-19 12:01:29

Description: This book studies the belief of imam Malik, particularly his concept of faith and the external expression thereof. It examines the first two eras of Islam, that of the Companions and Followers, which preceded him and their influence on his methodology of formulating his theological and legal views. It further looks at his approach to the textual evidences and his attitude towards speculative reasoning (kalam) regarding theological issues.

Keywords: Imam Malik's Doctrine

Search

Read the Text Version

‫رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬وفً دٌن الله‪ ،‬وتج ُّر ًإا على الله بالباطل‬ ‫)( ) ‪.‬‬ ‫وٌمكن أن ُنج ِمل المحاذٌرالتً ٌقع فٌها من ٌنال من صحابة رسول‬ ‫الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬فٌما ٌلً ‪:‬‬ ‫‪ -‬قد ٌفح فً الصحابة‪ ،‬وتقلٌ فٌل من شؤنهم وهم الذٌن نصروا الإسلبم‪،‬‬ ‫وجاهدوا بؤموالهم وأنفسهم فهذا أم فٌر واض فٌح لا لبس فٌه ‪.‬‬ ‫‪ -‬طع فٌن فً رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬حٌث إ َّنه علٌه الصلبة‬ ‫والسلبم‪ -،‬وحاشاه ذلك‪ -‬لم ٌصاحب خٌاراً من الناس‪ ،‬بل صاحب‬ ‫أشراراً لا عهد لهم ولا أمان ٌفة‪ ،‬ولم ٌكن صادقاً فً مدحه لهم‪ ،‬وثنابه‬ ‫علٌهم‪ ،‬بؤنهم خٌر الأمة وأفضلها‪ ،‬وحاشاه علٌه الصلبة والسلبم ‪.‬‬ ‫‪ -‬وهو كذلك طع ٌفن فً دٌن الله‪ ،‬فما نقل إلٌنا هذا الدٌن‪ ،‬وما بلؽتنا‬‫شعابره إلا على أٌدي أولبك الأطهار‪ -‬رضوان الله علٌهم أجمعٌن‪ -‬فإذا‬ ‫كانوا كذلك كما وصفهم ؼلبة المبتدعة من الروافض والنواصب‬ ‫وؼٌرهم‪ ،‬فهم لٌسوا بؤمنار على هذا الدٌن ولٌسوا أهلب لنقل الشعابر‬ ‫والسنن‪ ،‬وهذا كلب فٌم باط فٌل جمل ًة وتفصٌلبً ‪.‬‬ ‫‪ -‬ومن جه ٍة أخرى أدهى وأمر‪ ،‬فهو طع فٌن فً الله ج َّل وعلب‪ ،‬حٌث‬ ‫إن الله تعالى امتدحهم فً القرآن العظٌم‪ ،‬وترضى عنهم وز َّكاهم‬‫وطه َّرهم تطهٌراً‪ ،‬حٌث قال تعالى‪(َ :‬و ال َّسابِ ُقو َن الاَ َّولُو َن ِم َن ا ْل ُم َها ِج ِرٌ َن‬ ‫‪ -‬اٌؼم‪١‬لح اٌ‪ٛ‬اٍط‪١‬خ ‪١ٌْ ،‬ـ الإٍلاَ ثٓ ر‪١ّ١‬خ‪ ،‬ثْوػ ثٓ ػض‪ ،ٓ١ّ١‬ط‪. 261 ٓ 2‬‬ ‫‪201‬‬

‫َوالاَن َصا ِر َوالَّ ِذٌ َن ا َّت َب ُعو ُهم بِإِ ْح َسا ٍن َّر ِض ًَ ال ّلهُ َع ْن ُه ْم َو َر ُضو ْا َع ْن ُه َوأَ َع َّد‬‫لَ ُه ْم َج َّنا ٍت َت ْج ِري َت ْح َت َها الاَ ْن َها ُر َخالِ ِدٌ َن ِفٌ َها أَ َبداً َذلِ َك ا ْل َف ْو ُز ا ْل َع ِظٌ ُم)( )‪.‬‬ ‫وقال أٌضاً‪(:‬لقْد َر ِض ًَ ال َّلهُ َع ِن ا ْل ُم ْإ ِم ِنٌ َن إِ ْذ ٌُ َباٌِ ُعو َن َك َت ْح َت ال َّش َج َر ِة‬ ‫َف َعلِ َم َما ِفً ُقلُوبِ ِه ْم َفؤَن َز َل ال َّس ِكٌ َن َة َع َل ٌْ ِه ْم َوأَ َثا َب ُه ْم َف ْتحاً َق ِرٌباً )( ) ‪.‬‬‫وقال تعالى‪ُّ ( :‬م َح َّم ٌفد َّر ُسو ُل ال َّل ِه َوالَّ ِذٌ َن َم َع ُه أَ ِش َّدار َعلَى ا ْل ُك َّفا ِر ُر َح َمار‬ ‫َب ٌْ َن ُه ْم َت َرا ُه ْم ُر َّكعاً ُس َّجداً ٌَ ْب َت ُؽو َن َف ْضلبً ِّم َن ال َّلهِ َو ِر ْض َواناً ِسٌ َما ُه ْم ِفً‬ ‫ُو ُجو ِه ِهم ِّم ْن أَ َث ِر ال ُّس ُجو ِد َذلِ َك َم َثلُ ُه ْم ِفً ال َّت ْو َرا ِة َو َم َثلُ ُه ْم فًِ ا ْلإِن ِجٌ ِل‬ ‫َك َز ْر ٍع أَ ْخ َر َج َش ْطؤَهُ َفآ َز َر ُه َفا ْس َت ْؽ َل َظ َفا ْس َت َوى َع َلى ُسو ِق ِه ٌُ ْع ِج ُب ال ُّز َّرا َع‬ ‫لِ ٌَ ِؽٌ َظ ِب ِه ُم ا ْل ُك َّفا َر َو َع َد ال َّلهُ الَّ ِذٌ َن آ َم ُنوا َو َع ِملُوا ال َّصالِ َحا ِت ِم ْن ُهم َّم ْؽفِ َر ًة‬ ‫َوأَ ْجراً َع ِظٌماً) ( ) ‪.‬‬ ‫إلى ؼٌر ذلك من الآٌات التً نزلت فً ذكر فضلهم و ِر َضى الله‬ ‫عنهم‪ ،‬وٌقتضً كلبم هإلار الضلبَل من ؼلبة المبتدعة والمستشرقٌن‬ ‫وؼٌرهم‪ ،‬وجهً‪ ،‬أو وجهاً من وجهٌن ‪:‬‬ ‫‪ -‬إما أنه تعالى رض ًَ عن أنا ٍس أشرا ٍر‪ ،‬لٌسوا أهلبً لذلك‪ ،‬وهذا‬ ‫محا ٌفل فً حقه تعالى‪ ،‬فهو الذي ٌحكم بالقسط‪ ،‬وٌؤمر بالعدل ‪.‬‬‫‪ -‬أوأنه تعالى أخبر بما لٌس واقعا وخلبفاً للحقٌقة‪ ،‬ومدحهم بما‬ ‫لٌس فٌهم‪ ،‬حٌث ذكر أنهم من صفوة الخلق بعد الأنبٌار‪ ،‬قد نالوا‬ ‫رضوانه ومؽفرته ورحمته‪ ،‬وهم لٌسوا كذلك‪ ،‬وهذا كلب فٌم باط ٌفل ٌؽنً‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌز‪ٛ‬ثخ ا‪٠٢‬خ ‪. 100‬‬ ‫‪ٍٛ-‬هح اٌفزؼ ا‪٠٢‬خ ‪. 18‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌفزؼ ا‪٠٢‬خ ‪. 29‬‬ ‫‪202‬‬

‫بطلبنه عن إبطاله‪ ،‬وفساده عن إفساده‪ ،‬وكذبه عن تكذٌبه‪ ،‬فالصحابة‬ ‫كما أخبر عز وجل ورسوله عنهم‪ ،‬من أحسن الناس بعد رسل الله‬ ‫وأنبٌابه سمتاً‪ ،‬وأكرمهم خلقاً‪ ،‬وأؼٌرهم على دٌن الله‪ ،‬وإذا كان قد جرى‬ ‫بٌنهم خلبؾ‪ ،‬فهذا لكونهم بشراً ٌخطبون وٌصٌبون‪ ،‬والله تعالى لا‬ ‫ٌعذب مجتهداً على اجتهاده إن هو أخطؤ‪ ،‬وهذا من تمام رحمته عز‬ ‫وجل ‪.‬‬ ‫موقف َمالِك من بدعة سب الصحابة ‪:‬‬ ‫لقد تصدى َمالِك ‪ -‬رحمه الله‪ -‬لهذه البدعة المنكرة – ورأى أن أهلها‬ ‫لاحظ لهم فً الإسلبم ورأى أنه من المنكر الذي لا ٌجوز السكوت عنه‬ ‫‪ ،‬وقال إن المدٌنة التً ٌشٌع فٌها سب أصحاب رسول الله صلى الله‬ ‫علٌه وسلم‪ ،‬وجب الخروج منها‪ ،‬فقد أثر عنه قوله ( لا ٌنبؽً الإقامة‬ ‫فً أرض ٌكون العمل فٌها بؽٌر الحق وال َّسب للسلؾ) ( )‪.‬‬ ‫وقد كان موقفه‪ -‬رحمه الله‪ -‬من هذه النقطة حازماً‪ ،‬بل وعلبو ًة على‬ ‫ذلك فقد قال بحرمانهم من الفٌا‪ ،‬حٌث نقل بن عبد ال َب ِّر عنه قوله‪:‬‬ ‫(لٌس لمن س َّب أصحاب رسول الله صلى الله علٌه وسلم فً الفٌا ح ٌّق‪،‬‬ ‫قد قسم الله الفٌا على ثلبثة أصناؾ‪ ،‬فقال‪ ( :‬لِ ْل ُف َق َرار ا ْل ُم َها ِج ِرٌ َن الَّ ِذٌ َن‬ ‫أُ ْخ ِر ُجوا ِمن ِدٌا ِر ِه ْم َوأَ ْم َوالِ ِه ْم ٌَ ْب َت ُؽو َن َف ْضلبً ِّم َن ال َّل ِه َو ِر ْض َواناً‬‫‪ -‬أث‪ ٟ‬ػّو ‪ٍٛ٠‬ف ثٓ ػجل اٌجَ ِّو‪ ،‬الأزمــبء ف‪ ٟ‬ف‪ٚ‬بئــً الأئّخ اٌضلاصخ اٌفم‪ٙ‬بء‪ ،‬ػٕب‪٠‬خ‪،‬ػجل اٌفزبػ أث‪ ٛ‬غوكح ‪ِ ،‬ىزجخ‬ ‫اٌّطج‪ٛ‬ػبد الإٍــلاِ‪١‬خ ‪،‬ؽــٍت‪ٍ ،‬ـ‪ٛ‬ه‪٠‬ب‪،‬اٌطجؼخ الأ‪. 72ٓ، َ1997 ،ٌٝٚ‬‬ ‫‪203‬‬

‫َوالَّ ِذٌ َن َت َب َّو ُإوا ال َّدا َر‬ ‫َو ٌَن ُص ُرو َن ال َّلهَ َو َر ُسو َل ُه أُ ْو َلبِ َك ُه ُم ال َّصا ِدقُو َن‬ ‫َوا ْلإٌِ َما َن ِمن َق ْبلِ ِه ْم)( )‪.‬‬ ‫وقال أٌضاً‪َ :‬والَّ ِذٌ َن َجا ُإوا ِمن َب ْع ِد ِه ْم ٌَ ُقولُو َن َر َّب َنا ا ْؼفِ ْر َل َنا َو ِلإِ ْخ َوا ِن َنا‬‫الَّ ِذٌ َن َس َب ُقو َنا بِا ْلإٌِ َما ِن) فمن عدا هإلار فلب حق له فٌه( )‪ ،‬وبالطبع فإن‬ ‫من ٌسب الصحابة لٌس من هإلار‪ ،‬ولا ٌجري علٌه ما ٌجري علٌهم‪،‬‬ ‫هذا إذا كان له ح ٌّظ فً الإسلبم أصلبً‪ ،‬كما ٌرى َمالِك‪ -‬رحمه الله‪.-‬‬ ‫ولأن مكانة الصحابة عظٌمة فً الإسلبم‪ ،‬بل وورد ذكرهم‪،‬‬ ‫واالتبشٌر بهم‪ ،‬حتى فً الأمم السابقة‪ ،‬قال الإِ َمام َمالِك‪ :‬بلؽنً أن‬‫النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة – رضً الله عنهم – الذٌن فتحوا‬ ‫الشام ٌقولون‪ :‬والله لهإلار خٌر من الحوارٌٌن فٌما بلؽنا‪ ،‬وصدقوا فً‬ ‫ذلك‪ ،‬فإن هذه الأمة معظمة فً الكتب المتقدمة‪ ،‬وأعظمها وأفضلها‬ ‫أصحاب رسول الله صلى الله علٌه وسلم( ) ‪.‬‬ ‫ذكر القاضً ِع ٌَاض‪ -‬أن هارون الرشٌد سؤل َمالِكاً ع َّمن ٌسب‬ ‫الصحابة‪ ،‬هل له من الفًر شً ٌفر ؟ قال‪ :‬لا‪ ،‬ولا كرامة له‪ ،‬فقال‬‫هارون‪ :‬من أٌن قلت ذلك ؟ قال‪ :‬قال الله تعالى‪( :‬لٌؽٌظ بهم الكفار )‬ ‫فمن عاداهم‪ ،‬فهو كافر( ) ‪.‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌؾْو ا‪٠٢‬خ ( ‪. ) 9 -8‬‬ ‫‪ -‬هاعغ الأزمبء لاثٓ ػجل اٌ َج ِّو ‪. 73ٓ ،‬‬‫‪ِ -‬ؾّل ثٓ ػجل الله اٌ‪١٘ٛ‬ج‪ ،ٟ‬ئػزمبك أً٘ إٌَخ ف‪ ٟ‬اٌٖؾبثخ‪ٚ ،‬ىاهح اٌْإ‪ ْٚ‬الإٍلاِ‪١‬خ ‪ٚ‬الأ‪ٚ‬لبف ‪ٚ‬اٌلػ‪ٛ‬ح‬ ‫‪ٚ‬الإهّبك‪ ،‬ااٌٍّّىخ اٌؼوث‪١‬خ اٌَؼ‪ٛ‬ك‪٠‬خ ‪٘1428 ،‬ـ ٓ‪. 8‬‬ ‫‪ –-‬رور‪١‬ت اٌّلاهن ٓ ‪ٚ 200‬أظو‪ -‬أث‪ ٛ‬ى٘وح ٓ‪. 203‬‬ ‫‪204‬‬

‫ومن هنا ٌتبٌن لنا ما للبدعة من خط ٍر عظٌ ٍم‪ ،‬وما لها من تؤثٌ ٍر بال ٍػ‬ ‫على الدٌن‪ ،‬فمن أراد السلبمة فً دٌنه فلٌبتعد عن الابتداع‪ ،‬وعلٌه‬ ‫بالس َّنة والاتباع‪ ،‬فهما النجاة لمن أراد النجاة‪ ،‬ولقد اتبع قو فٌم هواهم‪،‬‬ ‫فضلُّوا وأضلُّوا‪ ،‬ولم ٌسلم لهم من دٌنهم شً ٌفر‪ ،‬إلا من أدرك الله‬‫برحمته‪ ،‬فلٌتق الله المبتدعة والقابلٌن فً دٌن الله بؽٌر ما أنزل الله‪ ،‬فهم‬ ‫على شفا جر ٍؾ ها ٍر‪ ،‬وهم الهلكة لا محالة‪ ،‬وٌاسعادة من تمسك بسنة‬ ‫نبٌه المصطفى‪ ،‬وق َّدم اتباعه على اتباع ؼٌره‪ ،‬وأنارت السنة طرٌقه‪،‬‬ ‫لٌسلم له دٌنه والله نسؤل أن ٌجعلنا منهم ‪.‬‬ ‫هكذا كان فهم َمالِك‪ -‬رحمه الله‪ -‬للعقٌدة الإسلبمٌة‪ ،‬جملة واحدة لا‬ ‫تبدٌل فٌها ولا تحرٌؾ‪ ،‬ولا ٌَفصل بٌن العبادات والعقابد‪ ،‬ولابٌن‬‫العبادات والمعاملبت‪ ،‬بل الدٌن عنده كل لا ٌتج َّزأ‪ ،‬وهو قاب ٌفم على اتباع‬ ‫منهج المصطفى صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬فهو خٌر مبلػ عن الله‪ ،‬لأنه‬ ‫رسول الله‪ ،‬وهو أعرؾ العباد بربه وبما ٌرضٌه‪ ،‬وهو الذي أُنزل‬‫علٌه‪ ،‬قول الحق تبارك وتعالى‪ ( :‬ا ْل ٌَ ْو َم أَ ْك َم ْل ُت لَ ُك ْم ِدٌ َن ُك ْم َوأَ ْت َم ْم ُت َعلَ ٌْ ُك ْم‬ ‫ِن ْع َم ِتً َو َر ِضٌ ُت َل ُك ُم الإِ ْسلبَ َم ِدٌناً )( ) فلب وحً بعد رسول الله ولا‬ ‫شرع إلا ماشرعه علٌه الصلبة والسلبم مبلؽاً عن ربه ‪.‬‬‫والأسبلة التً تطرح بإلحا ٍح الآن‪ ،‬كٌف فهم َمالِك‪ -‬رحمه الله‪ -‬مجمل‬ ‫نصوص العقٌدة؟ وكٌف مارسها واقعاًال عملٌاَ ًال ؟ وكٌف كانت نظرته‬‫لمفهومً العمل والتطبٌق بِ َش ْك ٍل عام ؟ والفصل القادم سٌكون محاول ًة‬ ‫للئجابة عن هذه الأسبلة إن شار الله تعالى ‪.‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌّبئلح ا‪٠٢‬خ ‪. 3‬‬ ‫‪205‬‬

‫الفصـــل ال الث‬‫فهم الإِ َمام َمالِك للعقٌدة الإسلامٌة ممارسة وتطبٌقالًا‬ ‫المبحث الأول‪:‬علاقة العقٌدة بالعمل ‪:‬‬ ‫‪ -‬المطلب الأول‪ :‬المفهوم العام للعبادة ‪.‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثانً‪ :‬أقسام العمل من حٌث حكمه ‪.‬‬ ‫المبحث ال انً‪ :‬تؤ ٌر العمل فً الإٌمان ‪:‬‬ ‫‪ -‬المطلب الأول‪ :‬تؤثٌر الذكر فً الإٌمان ‪.‬‬ ‫من أفضل الأعمال قول لا إله إلا الله‬ ‫‪ -‬المطلب الثانً‪ :‬تقسٌم العمل من حٌث ماهٌته ‪.‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثالث‪ :‬زٌاد العمل فً الإٌمان ونقصانه ‪.‬‬ ‫مسؤلة اعتبار حدٌث النفس من قبٌل الأعمال ‪.‬‬ ‫‪ -‬المطلب الرابع ‪ :‬تفاوت الأعمال فً الأجر والثواب ‪.‬‬ ‫تؤثر الأعمال بدوام المراقبــة‬ ‫المبحث ال الث‪ :‬فهم الممارسة وممارسة الفهم ‪:‬‬ ‫‪206‬‬

‫‪ -‬المطلب الأول ‪ :‬ارتباط الفهم بالممارسة‪.‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثانً‪ :‬الفهم والممارسة عند َمالِك‪.‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثالث‪ :‬اجتهاد ال ِإ َمام َمالِك فً النص ‪.‬‬ ‫الفصـــل ال الث‬ ‫فهم الإِ َمام َمالِك للعقٌدة الإسلامٌة ممارسة وتطبٌقااًل‬ ‫إن الأعمال الصالحة هً ترجمان العقٌدة‪ ،‬فإذا كانت عقٌدة المإمن‬‫صحٌح ًة سلٌم ًة‪ ،‬فإن العمل لابد وأن ٌكون هو الآخر صالحاً‪ ،‬ولا ٌمكن‬ ‫أن ٌكون العبد مإمناً من دون عم ٍل صال ٍح‪ ،‬وقد عبر القرآن الكرٌم عن‬ ‫بعض الأعمال الصالحة بصٌؽة الإٌمان قال تعالى‪( :‬وما كان الله‬ ‫لٌضٌع إٌمانكم) ( )أي صلبتكم إلى بٌت المقدس( ) ‪.‬‬ ‫وكثٌراً ما قرن العمل الصالح بالإٌمان فً العدٌد من الآٌات كما فً‬‫قوله تعالى‪َ ( :‬و َب ِّش ِر الَّ ِذٌن آ َم ُنو ْا َو َع ِملُو ْا ال َّصالِ َحا ِت أَ َّن َل ُه ْم َج َّنا ٍت َت ْج ِري‬ ‫ِمن َت ْح ِت َها الاَ ْن َهار ( )‪ ،‬وقوله‪َ ( :‬فؤَ َّما الَّ ِذٌ َن آ َم ُنو ْا َو َع ِملُو ْا ال َّصالِ َحا ِت‬‫َف ٌُ َو ِّفٌ ِه ْم أُ ُجو َر ُه ْم َو ٌَزٌ ُد ُهم ِّمن َف ْضلِه )( )‪ ،‬وقوله أٌضاً‪( :‬ل ٌَ ْج ِز َي الَّ ِذٌ َن‬‫آ َم ُنو ْا َو َع ِملُو ْا ال َّصالِ َحا ِت ِبا ْل ِق ْس ِط)( )‪ ،‬وقوله كذلك‪َ (:‬فالَّ ِذٌ َن آ َم ُنوا َو َع ِملُوا‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌجموح ا‪٠٢‬خ ‪. 143‬‬ ‫‪ -‬ثٓ وض‪١‬و اٌطجؼخ الأ‪ ٌٝٚ‬ط‪. 197 ٓ1‬‬ ‫‪ -‬اٌجموح ا‪٠٢‬خ ‪. 25‬‬ ‫‪ -‬إٌَبء ا‪٠٢‬خ ‪. 173‬‬ ‫‪ ٌٔٛ٠ -‬ا‪٠٢‬خ ‪. 4‬‬ ‫‪207‬‬

‫ال َّصالِ َحا ِت َل ُهم َّم ْؽفِ َر فةٌ َو ِر ْز ٌفق َك ِرٌ ٌفم )( )‪ ،‬وقد قرن العمل الصالح مع‬ ‫الإٌمان فً أكثرمن خمسٌن موضعاً فً كتاب الله‪ ،‬وهذا ٌدلل على‬ ‫مكانة العمل الصالح فً الدٌن‪ ،‬وأنه أصل من أصوله لا ٌستقٌم الدٌن‬ ‫بدونه‪ ،‬ولا ٌستوي الإسلبم من ؼٌره ‪.‬‬‫والأسبلة التً ٌمكن طرحها فً هذا الصدد هً‪ :‬ما علاقة العقٌدة‬ ‫بالعمل؟ وما تؤ ٌر الأعمال على المعتقد؟ وكٌف ومتى ٌصبح العمل‬ ‫صالحالًا؟ هذه الأسئلة جمٌعها‪ ،‬تتطلب عدة مباحث للإجابة عنها‬ ‫بتفصٌ ٍل وإسها ٍب‪ ،‬وهً على النحو الآتً‪:‬‬ ‫المبحث الأول ‪:‬علاقة العقٌدة بالعمل ‪:‬‬‫سبق وتكلمنا عن مفهوم العقٌدة‪ ،‬وعرفنا ما للعقٌدة من مكان ٍة فً دٌن‬ ‫الإسلبم‪ ،‬حٌث هً قوام الدٌن‪ ،‬ومناط التكلٌؾ‪ ،‬وبصلبحها ٌصلح‬ ‫الإسلبم‪ ،‬وبفسادها ٌفسد الإسلبم‪ ،‬فما المقصود بالعمل إذاً ؟ وما هو‬ ‫مفهومه؟ وما هً منزلته فً دٌن الله تعالى؟‬‫العمل‪ :‬للة‪ :‬المهنة‪ ،‬والفعل‪ ،‬واستعمله بمعنى استؤجره‪ ،‬واعتمل أي‬ ‫عمل بنفسه ( )‪ ،‬وهً كلمة لا تإدي معناها المراد حقٌق ًة إلاَ بوصفها‬‫أو بإضافتها‪ ،‬فتقول ‪ :‬عمل صالح – عمل سٌا – وما أشبه ذلك‪ ،‬قال‬‫تعالى ( َوآ َخ ُرو َن ا ْع َت َرفُو ْا ِب ُذ ُنو ِب ِه ْم َخ َل ُطو ْا َع َملبً َصالِحاً َوآ َخ َر َس ٌِّباً َع َسى‬ ‫ال ّلهُ أَن ٌَ ُتو َب َع َل ٌْ ِه ْم إِ َّن ال ّلهَ َؼ ُفو ٌفر َّر ِحٌ فٌم)( ) ‪.‬‬ ‫‪ -‬اٌؾظ ا‪٠٢‬خ‪. 50‬‬ ‫‪ -‬اٌمبِ‪ ًٛ‬اٌّؾ‪ٌٍ ،ٜ١‬ف‪١‬و‪ٚ‬ىاثبم‪ ٞ‬ط‪ٚ ،314 ٓ3‬أظو ‪ِ -‬قزبه اٌمبِ‪. 438ٓ ،ًٛ‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌز‪ٛ‬ثخ ا‪٠٢‬خ ‪. 102‬‬ ‫‪208‬‬

‫وفً الاصطلاح ‪ :‬الأعمال التعبدٌة التً أمر الله بإقامتها وفعلها‪،‬‬ ‫وتكون بالأبدان كالصلبة والصٌام والحج والجهاد‪ ،‬وبالإنفاق كالزكاة‪،‬‬ ‫وقولٌة كالذكر وتلبوة القرآن والدعوة إلى الله وؼٌرها‪ ،‬وقد تكون‬ ‫أعمالاً أمر الله باجتنابها كالسرقة‪ ،‬والؽ ّش‪ ،‬وأكل مال الٌتٌم‪ ،‬والزنى‪،‬‬ ‫والكذب‪ ،‬وما أشبه ذلك‪ ،‬وقد اصطلح الفقهار على تسمٌتها بالعبادات‪ ،‬أو‬ ‫المعاملبت ‪.‬‬ ‫جار فً مدونة الفقه ال َمالِكً‪ ،‬للعلبمة الصادق الؽرٌانً( ‪ :)‬وقد‬ ‫جرى علٌه العمل عند الفقهار بتسمٌتها بهذا الاسم‪ ،‬حٌن قسموا أبواب‬ ‫الفقه إلى عبادات‪ ،‬ومعاملبت‪ ،‬والعبادات بهذاالمعنى تشمل بعد الإٌمان‬ ‫بالله‪ -‬أبواب الطهارة‪ ،‬والصلبة‪ ،‬والصٌام والحج‪ ،‬والاعتكاؾ‪ ،‬وؼٌرها‬ ‫()‪.‬‬ ‫إذاً فإذا قلنا الأعمال فً الإسلبم‪ ،‬فالمقصود بها أبواب العبادات‬ ‫المختلفة‪ ،‬سوار منها القلبٌة‪ ،‬أوالعملٌة‪ ،‬أواللفظٌة ‪.‬‬ ‫المفهوم العام للعبادة ‪:‬‬ ‫ٌشمل المفهوم العام للعبادة جمٌع الأعمال التً ٌقوم بها الإنسان‬ ‫لمعاشه‪ ،‬وما ٌنفعه ٌوم معاده وعرضه على ر ِّبه ( ) ‪.‬‬ ‫‪ ٛ٘ - ‬اٌؼلاِخ اٌٖبكق ثٓ ػجل اٌوؽّبْ اٌغو‪٠‬بٔ‪ ِٓ ،ٟ‬أػلاَ اٌفمٗ اٌ َّبٌِى‪ ٟ‬ل‪١ٌ ٟ‬ج‪١‬ب‪ ،‬ػبٌُ ِؼبٕو‪ٚ ،‬ػ‪ ٛٚ‬ف‪ٟ‬‬ ‫ِغّغ اٌفمٗ الإٍلاِ‪ ٟ‬ف‪ ٟ‬علح‪ِ ٌٗ ،‬إٌفبد ػل‪٠‬لح‪ِٕٙ ،‬ب ِل‪ٔٚ‬خ اٌفمٗ اٌ َّب ٌِى‪ٚ ،ٟ‬اٌؼجبكاد أؽىبَ ‪ٚ‬أكٌخ‪ٚ ،‬اٌؼم‪١‬لح‬ ‫‪ٚ‬إٌّ‪ٙ‬ظ‪ ،‬أٍبرن ثمَُ اٌلهاٍبد الإٍلاِ‪١‬خ‪ٚ ،‬هئ‪ ٌ١‬لَُ اٌلهاٍبد اٌؼٍ‪١‬ب ثمَُ اٌلهاٍبد الإٍلاِ‪١‬خ‪ ،‬ثغبِؼخ اٌفبرؼ‬ ‫ف‪ٛ ٟ‬واثٌٍ‪١ٌ ،‬ج‪١‬ب ‪.‬‬‫‪ -‬اٌٖبكق ثٓ ػجل اٌوؽّبْ اٌغو‪٠‬بٔ‪ِ ،ٟ‬ل‪ٔٚ‬خ اٌفمٗ اٌ َّبٌِى‪ِ (،ٟ‬ىزجخ ثٓ ؽّ‪ٛ‬كح‪ ،‬ىٌ‪١‬زٓ‪ ،‬رْبهو‪١‬خ اٌّمو‪ٛ ،ٞ‬واثٌٍ‪،‬‬ ‫ِىزجخ اٌْؼت ِٖوارٗ ٌ‪١‬ج‪١‬ب ) اٌطجؼخ اٌضبٌضخ ‪ َ2005‬ط‪. 11 ٓ1‬‬ ‫‪ -‬اٌّٖله اٌَبثك ط‪. 12ٓ 1‬‬ ‫‪209‬‬

‫وعلى هذا التعرٌؾ‪ ،‬فالعبادة تشمل جمٌع أمور الدٌن‪ ،‬العقدٌة القلبٌة‪،‬‬ ‫والتعبدٌة القولٌة والعملٌة‪ ،‬وتشمل المعاملبت والأخلبق أٌضاً‪ ،‬فالعبادة‬ ‫لا تتجزأ‪ ،‬فكل ما ٌُتعبد به إلى الله تعالى فهو عبادة ‪.‬‬ ‫وبنار علٌه تعتبر العبادات هً الدٌن كله‪ ،‬من فرابض وسنن‪،‬‬ ‫ومستحبات‪ ،‬واجتناب المنهٌات وؼٌرها‪ ،‬ومن هنا فإن كل عم ٍل ٌبتؽى‬ ‫به وجه الله تعالى‪ ،‬وٌكون له أص ٌفل فً الدٌن‪ ،‬بمعنى أنه مشرو فٌع‪،‬‬ ‫ولٌس من قبٌل البدعة‪ ،‬نستطٌع أن نطلق علٌه مصطلح العبادة ‪.‬‬ ‫والأصل أن العبادة توقٌفٌة لله‪ ،‬لا مجال للعقل فٌها‪ ،‬فالعقل مهما بلػ‬‫من قدر ٍة ومن تفكٌ ٍر لن ٌدرك المعنى الحقٌقً للعبادة‪ ،‬والسإال الذي‬ ‫ٌطرح نفسه هنا هو‪ :‬ما القٌمة الحقٌقٌة للعبادة؟ أو بعبارة أخرى‪ ،‬ما‬ ‫أهمٌة الأعمال الصالحة التً فرضها الله على عباده؟ وما هً جدوى‬ ‫هذه الأعمال ؟‬ ‫وللئجابة عن هذا نقول ‪:‬‬ ‫أولاًال‪ :‬اقتضت حكمة الله عز وجل ألا ٌدرك الإنسان بعقله الحكمة‬ ‫الحقٌقٌة للعبادة‪ ،‬ولا الحكمة من ورودها على كٌفٌات مخصوصة‪،‬‬‫فالعبادة توقٌفٌة لا مجال للعقل فٌها‪ ،‬فنحن لا نعرؾ لماذا كانت الصلبة‬‫مثلبً على هٌبة مخصوصة‪ ،‬بالكٌفٌة التً وردت عن الرسول صلى الله‬ ‫علٌه وسلم‪ ،‬ونحن لا نعلم أكثر من أن الله قد شرع لنبٌه صلى الله علٌه‬ ‫وسلم هذه الصلوات بهذه الكٌفٌة‪ ،‬وأمر نبٌه علٌه الصلبة والسلبم بها‪،‬‬ ‫وكذلك فإن العقل قاصر عن إدراك لماذا الظهر أربع ركعات ؟‬ ‫‪210‬‬

‫والعصر أربع ؟ فالعقل لا ٌدرك الحكمة من ذلك‪ ،‬أما السإال عن هذا‬ ‫فهو من قبٌل الخوض فً الجدال الذي لا طابل منه‪ ،‬ولن ٌصل العقل‬‫فٌه إلى نتٌجة‪ ،‬فلو قٌل مثلبً لماذا العصر أربع ركعات ولم ٌكن خمس‪،‬‬ ‫فٌقال مثلبً ولماذا خمساً ولٌس أربعاً‪ ،‬أو ثلبثاً‪ ،‬أو ستاً وهكذا ‪.‬‬ ‫انٌالًا‪ :‬قد ٌدرك العقل السلٌم بعض الحكم الظاهرة للعبادة‪ ،‬والتً ٌدل‬ ‫علٌها الإدراك الحقٌقً لما لهذه العبادة من عظٌم الأثر على نفسٌة‬ ‫المإمن‪ ،‬وتطهٌر قلبه مما قد ٌعلق فٌه من أدران الذنوب والمعاصً‪،‬‬‫وهذا تحسه الأنفس المطمبنة‪ ،‬والقلوب المإمنة‪ ،‬ومن آثاره الدالة علٌه‪-‬‬ ‫انشراح الصدر‪ ،‬وطمؤنٌنة النفس‪ ،‬وراحة الضمٌر‪ ،‬وعلى العكس من‬‫ذلك عند التفرٌط فً هذه العبادة ٌحس المفرط بانقباض صدره‪ ،‬وضٌق‬‫نفسه‪ ،‬وتؤنٌب الضمٌر له‪ ،‬وذلك كما ٌقول الله عز وجل‪َ ( :‬ف َمن ٌُ ِر ِد ال ّلهُ‬ ‫أَن ٌَ ْه ِد ٌَ ُه ٌَ ْش َر ْح َص ْد َر ُه لِل ِئ ْسلبَ ِم َو َمن ٌُ ِر ْد أَن ٌُ ِضلَّ ُه ٌَ ْج َع ْل َص ْد َر ُه َض ٌِّقاً‬ ‫َح َرجاً َكؤَ َّن َما ٌَ َّص َّع ُد ِفً ال َّس َمار َك َذلِ َك ٌَ ْج َع ُل ال ّلهُ ال ِّر ْج َس َع َلى الَّ ِذٌ َن لاَ‬‫ٌُ ْإ ِم ُنو َن)( ) عن ابن عباس رضً الله عنهما فً قوله ‪ \" :‬فمن ٌرد الله‬ ‫أن ٌهدٌه ٌشرح صدره للئسلبم\" ٌقول تعالى‪ٌ :‬وسع قلبه للتوحٌد‬ ‫والإٌمان به‪ ،‬و قال رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ \" :‬إذا دخل الإٌمان‬‫القلب انفسح له القلب وانشرح‪ ،‬قالوا ٌا رسول الله هل لذلك من أمارة ؟‬ ‫قال‪\" :‬نعم الإنابة إلى دار الخلود والتجافً عن دار الؽرور والاستعداد‬ ‫للموت قبل الموت)( ) ‪.‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح الأٔؼبَ ا‪٠٢‬خ ‪. 125‬‬ ‫‪ -‬رفَ‪١‬و ثٓ وض‪١‬و اٌطجؼخ الأ‪ ٌٝٚ‬ط‪. 188 ٓ 2‬‬ ‫‪211‬‬

‫ال ااًل‪ٌ :‬جد المسلم القابم بالعبادة فابد ًة تنعكس على بدنه نشاطاً وحٌوٌ ًة‬ ‫وقو ًة‪ ،‬لا ٌجدها من لا ٌقوم بهذه العبادات‪ ،‬وذلك انعكاس للطمؤنٌنة التً‬ ‫تحدثها العبادة فً قلوب المإمنٌن‪ ،‬فتثم ُر نشاطاً‪ ،‬وٌمتلا القلب حٌو ٌَّ ًة‪،‬‬ ‫وذلك مشاه ٌفد وملبح ٌفظ على حال كثٌ ٍر من المتع ِّبدٌن ‪.‬‬ ‫وكما جار فً موطإ الإِ َمام َمالِك‪ ،‬من حدٌث أبً هرٌرة رضً الله‬ ‫عنه‪ ،‬أن رسول الله صلى الله علٌه وسلم قال‪ٌ :‬عقد الشٌطان على قافٌة‬ ‫رأس أحدكم‪ ،‬إذا هو نام‪ ،‬ثلبث عقد ‪ٌ ،‬ضرب مكان كل عقدة‪ ،‬علٌك لٌل‬ ‫طوٌل‪ ،‬فارقد فإن استٌقظ فذكرالله انحلت عقدة‪ ،‬فإن توضؤ انحلت‬ ‫عقدة‪ ،‬فإن صلى انحلت عقدة ‪ ،‬فؤصبح نشٌطاً طٌب النؾس‪ ،‬وإلا أصبح‬ ‫خبٌث النفس كسلبن ( ) جار فً شرح الزرقانً للموطإ عند شرح هذا‬ ‫الحدٌث ما نصه \" فؤصبح نشٌطاً‪ ،‬لسروره بما وفقه الله له من الطاعة‪،‬‬ ‫وما ُوعد به من الثواب‪ ،‬وما زال عنه من ال ُعقد\" ( )‬ ‫رابعالاً‪ :‬إنجاد الله تبارك وتعالى ونجاته لأهل الطاعات‪ ،‬وإعانتهم فً‬ ‫الشدابد‪ ،‬وتفرٌج الكربات‪ ،‬كما حدث مع أصحاب الصخرة الذٌن أُقفل‬ ‫علٌهم فً الكهؾ‪ ،‬والحدٌث فً صحٌح البخاري( )‪ ،‬فماذا كانت‬ ‫‪ّ -‬وػ اٌيهلبٔ‪ ٟ‬ػٍ‪ ٝ‬اٌّ‪ٛٛ‬أ ط ‪ٚ ،508 ٓ 1‬اٌؾل‪٠‬ش ه‪ٚ‬اٖ اٌجقبه‪ ٞ‬ػٓ ػجل الله ثٓ ‪ٍٛ٠‬ف ػٓ َِب ٌِه‪ ،‬ثبة ػمل‬ ‫اٌْ‪١‬طبْ ػٍ‪ ٝ‬لبف‪١‬خ اٌوأً ئما ٌُ ‪ ًٖ٠‬ثبٌٍ‪ٕ (،ً١‬ؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ٚ )604 ٞ‬أظو‪ِ -‬قزٖو اٌيث‪١‬ل‪. 143ٓ ٞ‬‬ ‫‪ّ -‬وػ اٌيهلبٔ‪ ، ٟ‬ط‪. 510 ٓ 1‬‬‫‪ِٖ -‬طف‪ِ ٝ‬ؾّل ػّبهح ع‪ٛ‬ا٘و اٌجقبه‪ ٛ٘ٚ ، 242 ٓ ٞ‬ف‪ٕ ٟ‬ؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ ،ٞ‬من حدٌث بن عمر رضً الله عنهما‬ ‫عصنخارل ٌةنبقاًل ‪:‬صلفىقاالللهبععلضٌههمولبسعلم ٍ قضا‪:‬لا‪:‬دعخوراجاللهلاعةزٌومجشلو بنؤففؤضصلابعهمملالمعطملرت‪،‬مفوده‪،‬خلفوقاالف أًحدغاه ٍرم‪:‬ف اًللهجمب ٍلإن‪ً،‬فانكاحنط لتً أعلبٌواهمن‬ ‫شٌخان كبٌران فكنت أخرج فؤرعى م أجًء بالحلاب فآتً به أبوي فٌشربان م أسقً الصبٌة وأهلً وامرأتً‪،‬‬ ‫فاحتبست لٌلة فجئت فإذا هما نائمان‪ ،‬قال‪ :‬فكرهت أن أوقضهما والصبٌة ٌتضاغون عند رجلً فلم ٌزل ذلك دأبً‬ ‫ودأبهما حتى طلع الفجر‪ ،‬اللهم إن كنت تعلم أنً فعلت ذلك ابتلاء وجهك فافرج عنا فرجة نرى منها السماء‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ففرج عنهم‪ ،‬وقال الآخر‪ :‬اللهم إن كنت تعلم أنً أحب امرأة من بنات عمً كؤشد ما ٌحب الرجل النساء‪ ،‬فقالت لا‬ ‫تنال ذلك منها حتى تعطٌها مائة دٌنار فسعٌت فٌها حتى جمعتها فلما قعدت بٌن رجلٌها قالت‪ :‬اتق الله ولا تفض‬‫الخاتم إلا بحقه‪ ،‬فقمت وتركتها ‪ ،‬فإن كنت تعلم أنً فعلت ذلك ابتلاء وجهك فافرج عنا فرجة قال ففرج عنهم ال ل ٌن‬ ‫‪212‬‬

‫النتٌجة؟ أن فرج الله علٌهم كربتهم‪ ،‬بتوسلهم بالعمل الصالح‪ ،‬فسبحان‬ ‫الله‪ ،‬كم كان للعمل الصالح من عظٌم الأثر‪ ،‬حٌث أ ْن َجد الله الصالحٌن‬ ‫من عباده‪ ،‬وأنقذهم من المصابب‪ ،‬وصدق الله العظٌم إذ ٌقول‪َ ( :‬وتِ ْل َك‬ ‫الاَ ْم َثا ُل َن ْض ِر ُب َها لِل َّنا ِس َو َما ٌَ ْعقِلُ َها إِلاَ ا ْل َعالِ ُمو َن)( ) ‪.‬‬ ‫وقد جعل الإِ َمام َمالِك العمل مناط الثواب والعقاب‪ ،‬وهو السبٌل‬ ‫لخلبص العبد فً الآخرة‪ ،‬وجعله مقروناً بطاعة الله‪ ،‬لذلك عندما وعظ‬ ‫أحد الخلفار‪ ،‬وذ َّكره بالله‪ ،‬كان مما قال له‪ :‬ولو رأٌت أهل طاعة الله ‪،‬‬ ‫وما صاروا إلٌه من كرامة الله ‪ ،‬ومنزلتهم‪ ،‬مع قربهم من الله تعالى ‪،‬‬ ‫ونضرة وجوههم‪ ،‬ونور ألوانهم ‪ ،‬وسرورهم بالنظرإلٌه ‪ ،‬والمكانة منه‪،‬‬ ‫وا ْلجا ِه عنده ‪ ،‬مع قربه منهم لتقلل فً عٌنك عظٌم ما طلبت به الدنٌا‬ ‫( )‪.‬‬ ‫أقسام العمل من حٌث حكمه ‪:‬‬ ‫‪-1‬الجائز‪ :‬وهو الأمر المباح الذي أجازه الشارع‪ ،‬وأذن فٌه‪ ،‬دون‬ ‫حرج أوت ْث ِري ٍب‪( ،‬وٌسمى كذلك ال ِح ُّل وهو ما لًس ممنوعاً )( ) ‪.‬‬ ‫قال تعالى‪َ ( :‬ولاَ ُج َنا َح َعلَ ٌْ ُك ْم ِفٌ َما َع َّر ْض ُتم ِب ِه ِم ْن ِخ ْط َب ِة ال ِّن َسار أَ ْو‬ ‫أَ ْك َنن ُت ْم ِفً أَن ُف ِس ُك ْم )( ) ‪.‬‬‫وقال الآخر اللهم إن كنت تعلم أنً استؤجرت أجٌراًال بفرق من ذر ٍة فؤعطٌته فؤبى أن ٌؤخذ فعمدت الفرق فزرعته حتى‬ ‫اشترٌت منه بقرااًل وراعٌها م جاء فقال ٌا عبد الله أعطنً حقً فقلت انطلق إلى تلك البقر وراعٌها فإنها لك فقال‬‫أتستهزئ بً قال ‪ :‬فقلت ما أستهزئ بك ولكنها لك اللهم إن كنت تعلم أنً فعلت ذلك ابتلاء وجهك فافرج عنا فكشف‬ ‫عنهم) ‪.‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌؼٕىج‪ٛ‬د ا‪٠٢‬خ ‪. 43‬‬ ‫ٍجك رقو‪٠‬ظ ٘نا الأصو ػٓ ال ِإ َِبَ َِبٌِه‪ٚ ،‬لل أفوعٗ اٌمب‪ِ ٟٙ‬ػ‪َ١‬بٗ ف‪ ٟ‬رور‪١‬ت اٌّلاهن‪( ،‬ط‪. ) 107 -106 ٓ2‬‬ ‫‪ -‬ػجل اٌَلاَ اٌز‪ٔٛ‬غ‪ِ ،ٟ‬إٍَخ الإثبؽخ ف‪ ٟ‬اٌْو‪٠‬ؼخ الإٍلاِ‪١‬خ‪ ،‬عّؼ‪١‬خ اٌلػ‪ٛ‬ح الإٍلاِ‪١‬خ‪. 33ٓ ،َ2007 ،‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌجموح ا‪٠٢‬خ ‪. 235‬‬ ‫‪213‬‬

‫‪ -2‬الواجب‪ :‬وهو العمل الذي أمر به الشارع أمراً لازما‪ ،‬وعلَّق‬ ‫على فعله ثواباً‪ ،‬وتوعد على تركه عقاباً‪ ،‬وٌسمى كذلك المحتم‪،‬‬ ‫واللبَزم‪ ،‬والفرض‪ ،‬وقٌل الواجب‪( :‬هو الذي ٌُ َذ ُّم شرعاً تاركه مطلقاً)‬ ‫()‪.‬‬ ‫‪ -3‬المستحب أو المندوب‪ :‬وهو ماقلَّت درجته عن الواجب‪ ،‬حٌث لم‬ ‫ٌطلبه الشارع طلباً لازماً‪ ،‬ولكنه علَّق على فعله ثواباً‪ ،‬ولم ٌعلق على‬ ‫تركه عقاباً – وذلك كالاستنجار بالٌد الٌسرى ( )‪ ،‬وكالتسبٌح فً‬ ‫ال ُّركوع والسجود فً الصلبة‪ ،‬وكذلك بعض أعمال ال َب ِّر التً ندب‬ ‫الشارع إلٌها كصدقة ال َّتطوع وؼٌرها ‪.‬‬ ‫وبعض العلمار ٌجعلون المستحب والسنة‪ ،‬فً درجة واحدة‪ ،‬من‬ ‫حٌث أنهما لا ٌترتب علٌهما عقاب‪ ،‬وٌحصل بإٌقاع أ ٍّي منهما الثواب‬ ‫من الله تعالى‪ ،‬ومن العلمار من ٌف ِّرق بٌن المستحب والس َّنة‪ ،‬بحٌث‬ ‫ٌجعل الس َّنة فً درج ٍة أعلى من المستحب‪ ،‬ومنهم من ٌجعل المستحب‬ ‫والس َّنة فً مرتبة واحدة‪ ،‬وٌشترك الواجب والمستحب من حٌث‬ ‫حكمهما الشرعً فً وجهٌن‪ :‬من حٌث أن كلبً منهما قد علَّق علٌه‬ ‫الشارع ثواباً‪ ،‬وكذلك فإ َّن كلبً منهما طلب فع ٍل‪ ،‬أمر به الشارع الحكٌم‪،‬‬ ‫وٌختلفان من عدة وجوه وهً‪ :‬الواجب ٌتر َّتب على تركه عقاب‪،‬‬ ‫والمستحب لا ٌترتب على تركه عقاب‪ ،‬وقد ٌُع ُّد ترك الواجب كبٌر ًة من‬ ‫كبابر الذنوب‪ ،‬كترك الصلبة والزكاة‪ ،‬فً حٌن أن ترك المستحب لا‬‫‪-‬ػجل اٌّغ‪١‬ل ػجل اٌؾّ‪١‬ل اٌل‪٠‬جبٔ‪،ٟ‬إٌّ‪ٙ‬بط اٌ‪ٛ‬ا‪ٙ‬ؼ ف‪ ٟ‬ػٍُ إٔ‪ٛ‬ي اٌفمٗ‪ ،‬عبِؼخ لبه ‪،ً ْٛ٠‬ثٕغبى‪١ٌ ،ٞ‬ج‪١‬ب‪،‬اٌطجؼخ‬ ‫الأ‪.59ٓ َ1995 ٌٝٚ‬‬ ‫‪ -‬ػجل اٌوؽّبْ ثٓ ِؾّل اٌغي‪٠‬و‪ ،ٞ‬اٌفمٗ ػٍ‪ ٝ‬اٌّنا٘ت الأهثؼخ‪ ،‬كاه اٌىزبة اٌؼوث‪،ٟ‬ث‪١‬و‪ٚ‬د‪ٌ،‬جٕبْ‪ ،‬اٌطجؼخ الأ‪ٌٝٚ‬‬ ‫‪. 65 ٓ 2005‬‬ ‫‪214‬‬

‫ٌعد كبٌر ًة‪ ،‬بل لا ٌعد إثماً أصلبً‪ ،‬الواجب لا تبرأ ذ َّمة تاركه‪،‬‬ ‫والمستحب لا تعلُّ َق له بالذمة ‪.‬‬‫‪ -4‬الحرام‪ :‬هو ذلك العمل الذي نهى عنه الشارع نهٌاً جازماً‪ ،‬وؼلَّظ‬ ‫فٌه‪ ،‬ورتب على فعله عقوبة‪ ،‬بحٌث ٌؤثم فاعله‪ ،‬وٌسمى حظراً‬‫َوال َّسا ِر ُق‬ ‫وممنوعاً‪ ،‬وكذلك ُعلِّق على تركه ثوا فٌب‪ ،‬قال تعالى‪( :‬‬‫َوال َّسا ِر َق ُة َفا ْق َط ُعو ْا أَ ٌْ ِد ٌَ ُه َما َج َزار بِ َما َك َس َبا َن َكالاً ِّم َن ال ّل ِه َوال ّلهُ َع ِزٌ ٌفز َح ِكٌ فٌم‬ ‫)( ) ‪.‬‬ ‫‪ -5‬المكروه‪ :‬نه ًُ الشارع عن الشًر نهٌاً قل منعه عن الحرمة‪،‬‬‫بحٌث لا ٌعاقب فاعله ومن رحمة الله تعالى‪ -‬أن ٌُثٌب تاركه‪ ،‬ومن أمثلة‬ ‫المكروه‪ -‬الإسراؾ فً الوضور من ؼٌر حاجة‪ ،‬ومسح الرقبة فً‬ ‫الوضور( )‪.‬‬‫فــائدة‪ٌ :‬شترك المكروه والحرام‪ ،‬من وجهٌن‪ :‬من حٌث أ َّن كلٌهما‬ ‫ٌتضمن نهٌاً نهى عنه الشارع الحكٌم‪ ،‬وأٌضاً ٌثاب تاركهما‪.‬‬‫وجه الاختلبؾ بٌنهما أن‪ :‬المح َّرم ٌعاقب فاعله‪ ،‬والمكروه لا ٌعاقب‬ ‫فاعله‪ ،‬والحرام طلب ال َّترك طلباً لازماً‪ ،‬والمكروه طلب ال َّترك طلباً‬ ‫ؼٌرلاز ٍم ‪.‬‬ ‫خلاصة‪ :‬من هنا نخلص إلى القول‪ -‬إ َّن العمل الصالح هو ما لم ٌكن‬‫حراماً ولا مكروهاً‪ ،‬وهذا ٌعنً أن العمل الصالح هو تلك الأعمال التً‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌّبئلح ا‪٠٢‬خ ‪38‬‬‫‪ -‬هاعغ هأ‪ ٞ‬اٌ َّبٌِى‪١‬خ ف‪ِ ٟ‬ىو‪٘ٚ‬بد اٌ‪ٛٙٛ‬ء‪ ،‬ف‪ ٟ‬وزبة‪ ،‬اٌفمٗ ػٍ‪ ٝ‬اٌّنا٘ت الأهثؼخ‪ٌٍ ،‬غيه‪ ،ٞ‬اٌطجؼخ‬ ‫الأ‪.54ٓ ،َ2005 ،ٌٝٚ‬‬ ‫‪215‬‬

‫أحلها الله عز وجل‪ ،‬أو أمر بها أمراً لازماً‪ ،‬أو كان الأمر فٌها ؼٌر‬‫لاز ٍم‪ ،‬وهً فً عمومها من أجل إصلبح الناس وسعادتهم فً الدارٌن‪،‬‬ ‫فالله سبحانه وتعالى هو الخالق المص ِّور‪ ،‬وهو الذي ٌعلم سبحانه‪ ،‬ما‬ ‫ٌَصلح أن ٌكون عملبً صالحاً‪ٌُ ،‬صلِح البشرٌة جمعار‪ ،‬وما ٌكون عملبً‬ ‫سٌباً‪ٌ ،‬فسد الإنسان ظاهراً وباطناً ‪.‬‬ ‫المبحث ال انً ‪ :‬العمل وتؤ ٌره فً الإٌمان عند َمالِك ‪:‬‬ ‫م َّما لا شك فٌه أن الأعمال لها تؤثٌ فٌر بال فٌػ فً الإٌمان‪ ،‬وهً قوام‬ ‫الإٌمان وعلبمته‪ ،‬فلب ٌستقٌم إٌمان امر ٍئ حتى ٌستقٌم عمله‪ ،‬وكما أمر‬ ‫تعالى عباده بالتوحٌد الخالص‪ ،‬وجعله مناط الاعتقاد‪ ،‬وسبب قبول‬ ‫الأعمال‪ ،‬وقد أمر تعالى عباده‪ ،‬بإقام الصلبة‪ ،‬وإٌتار الزكاة‪ ،‬والحج‪،‬‬ ‫وصوم رمضان‪ ،‬والإحسان للناس‪ ،‬وجعل هذه الأعمال من علبمات‬‫الإٌمان قال تعالى‪( :‬إِ َّن َما ا ْل ُم ْإ ِم ُنو َن الَّ ِذٌ َن إِ َذا ُذ ِك َر ال ّلهُ َو ِجلَ ْت ُقلُو ُب ُه ْم َوإِ َذا‬‫ُتلِ ٌَ ْت َعلَ ٌْ ِه ْم آ ٌَا ُت ُه َزا َد ْت ُه ْم إٌِ َماناً َو َعلَى َر ِّب ِه ْم ٌَ َت َو َّكلُو َن الَّ ِذٌ َن ٌُ ِقٌ ُمو َن‬‫ال َّصلبَ َة َو ِم َّما َر َز ْق َنا ُه ْم ٌُن ِف ُقو َن أُ ْولَـبِ َك ُه ُم ا ْل ُم ْإ ِم ُنو َن َحقّاً لَّ ُه ْم َد َر َجا فٌت ِعن َد‬ ‫َر ِّب ِه ْم َو َم ْؽ ِف َرةٌف َو ِر ْز ٌفق َك ِرٌ ٌفم)( )‪.‬‬ ‫وكثٌراً ما ربط الإسلبم بٌن العمل الصالح والإٌمان‪ ،‬ومن الأحادٌث‬‫الدالة على ذلك‪ -‬ما رواه البخاري ومسلم من حدٌث أبً هرٌرة رضً‬ ‫الله عنه أن رسول الله صلى الله علٌه وسلم قال‪ :‬من كان ٌإمن بالله‬ ‫‪ٍٛ -‬هح الأٔفبي ا‪٠٢‬خ (‪. ) -4 -3-2‬‬ ‫‪216‬‬

‫والٌوم الآخر فلٌقل خٌراً أو لٌصمت‪ ،‬ومن كان ٌإمن بالله والٌوم الآخر‬ ‫فلٌكرم جار ُه‪ ،‬ومن كان ٌإمن بالله والٌوم الآخر فلٌكرم ضٌف ُه)( ) ‪.‬‬ ‫ذكر الإِ َمام محمد بن أبً زٌد‪ ،‬إمام ال َمالِكٌة فً زمانه‪( :‬جمٌع آداب‬ ‫الخٌر تتفرع من أربعة أحادٌث قول النبً صلى الله علٌه وسلم‪ :‬من‬ ‫كان ٌإمن بالله والٌوم الآخر فلٌقل خٌراً أو لٌصمت‪ ،‬وقول النبً صلى‬ ‫الله علٌه وسلم‪ :‬من أحسن إسلبم المرر تركه مالا ٌعنٌه ‪ ،‬وقوله صلى‬ ‫اله علٌه وسلم الذي اختصر له الوصٌة‪ :‬لا تؽضب وقوله‪ :‬لا ٌإمن‬ ‫أحدكم حتى ٌح َّب ِلأخٌ ِه مـَا ٌُ ِح ُّب لِ َن ْفسه) ( ) ‪.‬‬ ‫وإن المتد ِّبر لما ذكره ابن أبً زٌد ال َمالِكً‪ٌ ،‬جد فعلبً أن هذه‬ ‫الأحادٌث هً جماع الخٌر كله‪ ،‬وجماع الآداب العامة‪ ،‬حٌث اشتلمت‬ ‫على أسس الأخلبق مثل ك ِّؾ اللِّ َسان عن الخوض فً الباطل‪ ،‬وإمساكه‬ ‫إلا فً الحق والخٌر ‪.‬‬ ‫‪ -‬ترك الفضول مما لا طابل منه‪ ،‬ولا ٌرجع على الإنسان بؤمور‬ ‫نافعة فً الدنٌا والآخرة‪ ،‬وأٌضاً الحلم والتحكم فً النفس وعدم إمضار‬ ‫الؽضب ‪.‬‬ ‫‪ -‬اقتران الإٌمان بمح َّب ِة الخٌر للؤخ المسلم‪ ،‬وتم ِّنً ما ٌتم َّناه المرر‬ ‫لنفسه‪ ،‬كل هذا من جماع الخٌر‪ ،‬ومن الأصول التً ٌنبنً علٌها ال ُخلق‬‫‪ٕ-‬ؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ ،ٞ‬وزبة الأكة‪ ،‬ثبة ِٓ وبْ ‪٠‬إِٓ ثبلله ‪ٚ‬اٌ‪ َٛ١‬ا‪٢‬فو فلا‪٠‬إم عبهٖ ط ‪ ،142 ٓ ،3‬هلُ اٌؾل‪٠‬ش‬ ‫‪ٚ6019‬أظو ِقزٖو اٌيث‪١‬ل‪ٚ،468 ٓ،ٞ‬اٌؾل‪٠‬ش ف‪ٕ ٟ‬ؾ‪١‬ؼ ٍَُِ ِٓ ه‪ٚ‬ا‪٠‬خ أث‪٘ ٟ‬و‪٠‬وح أ‪ٚ٠‬بً‪ٕ(،‬ؾ‪١‬ؼ ٍَُِ‬ ‫ِقزٖو ال ِإ َِبَ إٌّنه‪. )2 ٓ ٞ‬‬ ‫‪ -‬ال ِإ َِبَ إٌ‪ّ ،ٞٚٛ‬وػ الأهثؼ‪٠ٚٛٔ ْٟ‬خ ‪،‬رمل‪ ُ٠‬ػٍ‪ ٟ‬ػجل اٌؼبٌ‪ ٟ‬اٌط‪ٙ‬طب‪ِ، ٞٚ‬ىزجخ اٌٖفب ‪،‬اٌمب٘وح ‪،‬اٌطجؼخ الأ‪ٌٝٚ‬‬ ‫‪. 35ٓ ،2001 ،‬‬ ‫‪217‬‬

‫الكرٌم‪ ،‬إن الكلبم الطٌب‪ ،‬وكؾ الأذى عن الآخرٌن‪ ،‬والحلم‪ ،‬والعفو‪،‬‬ ‫والصفح‪ ،‬ومحبة الخٌر لعباد الله‪ ،‬وعدم الأنانٌة وحب ال َّذات‪ ،‬كل هذا‬ ‫من أعمال الإٌمان التً ٌثٌب علٌها الحق تبارك وتعالى ‪.‬‬ ‫وعلى هذ ا فلب نستطٌع إلا أن نقول إن العمل الصالح مقترن‬ ‫بالإٌمان ومرتب فٌط به‪ ،‬وجمهور العلمار ٌقولون بذلك‪ ،‬وقد ذكر شٌخ‬ ‫الإسلبم بن تٌمٌة إجماع أهل السنة والحدٌث على أن الإٌمان قو فٌل‬ ‫وعم فٌل‪ ،‬وقال رحمه الله‪ :‬وأما سابر الفقهار من أهل الرأي والآثار‬ ‫بالحجاز‪ ،‬والعراق‪ ،‬والشام‪ ،‬ومصر‪ ،‬ومنهم َمالِك بن أنس‪ ،‬واللٌث بن‬ ‫سعد‪ ،‬وسفٌان الثوري( ‪ ،)‬والأوزاعً‪ ،‬والشافعً‪ ،‬وأحمد بن حنبل( ‪)‬‬ ‫وإسحاق بن راهوٌه‪ ،‬وأبو عبٌد القاسم بن سلبم‪ ،‬وداوود بن علً‪،‬‬ ‫والطبري‪ ،‬ومن سلك سبٌلهم فقالوا الإٌمان‪ -‬قول وعمل‪ -‬قو فٌل باللسان‬ ‫وهوالإقرار‪ ،‬واعتقادالقلب‪ ،‬وعمل بالجوارح‪ ،‬مع الإخلبص بالنٌة‬ ‫الصادقة ( ) ‪.‬‬ ‫ومن العلمار المعاصرٌن‪ ،‬من ٌجعل العمل من معانً الإٌمان حٌث‬ ‫ٌقول‪ :‬لا ٌجوز أن ننظر إلى الإٌمان والإسلبم بمعز ٍل عن العمل‪ ،‬إذ أن‬ ‫‪ٍ ٛ٘ - ‬ف‪١‬بْ ثٓ ٍؼ‪١‬ل ثٓ َِو‪ٚ‬ق اٌض‪ٛ‬ه‪ ، ٞ‬لبي ػجل اٌوؽّبْ ٌٓ ِ‪ٙ‬ل‪ ٞ‬الأئّخ أهثؼخ ٍف‪١‬بْ اٌض‪ٛ‬ه‪َِ ٚ ٞ‬بٌِه ‪ٚ‬ؽّبك‬‫ثٓ ى‪٠‬ل ‪ٚ‬اثٓ اٌّجبهن‪ٌٚ ،‬ل ف‪ ٟ‬فلافخ ٍٍ‪ّ١‬بْ ثٓ ػجل اٌٍّه‪ٍٕ،‬خ ‪٘96‬ـ ‪ِٚ ،‬بد ف‪ ٟ‬فلافخ اٌّ‪ٙ‬ل‪ٍٕ ،ٞ‬خ ‪٘161‬ـ ‪ ،‬لبي‬ ‫اثٓ اٌّجبهن‪:‬لا رؼٍُ أؽلاً ػٍ‪ٚ ٝ‬ؽٗ الأهٗ أػٍُ ِٓ ٍف‪١‬بْ ( ‪ٛ‬جمبد اٌفم‪ٙ‬بء ٌٍْ‪١‬واى‪. ) 84ٓ ٞ‬‬‫‪ ٛ٘ - ‬أث‪ ٛ‬ػجل الله أؽّل ثٓ ِؾّل ثٓ ؽٕجً اٌْ‪١‬جبٔ‪ ،ٟ‬ئِبَ اٌّن٘ت‪ٚ ،‬ػبٌُ اٌؾل‪٠‬ش‪ ،‬لبي أث‪ ٛ‬ص‪ٛ‬ه أؽّل ثٓ ؽٕجً أػٍُ‬ ‫‪ٚ‬أفمٗ ِٓ اٌض‪ٛ‬ه‪ٌٚ ،ٞ‬ل ٍٕخ ‪٘164‬ـ‪ٚ ،‬ر‪ٛ‬ف‪ٍٕ ٟ‬خ ‪٘412‬ـ‪ ،‬فوؽّٗ الله ‪ٚ‬ه‪ ٟٙ‬ػٕٗ ‪.‬‬‫‪ -‬أؽّل ثٓ ػجل اٌؾٍ‪ ُ١‬ثٓ ر‪١ّ١‬خ ‪،‬وزت الإ‪ّ٠‬بْ ‪،‬رؾم‪١‬ك ػٖبَ اٌل‪ ٓ٠‬اٌ‪ٚ‬جب ث‪ ، ٞ ٜ‬كاه اٌؾل‪٠‬ش‪،‬اٌمب٘وح‪،2003 ،‬‬ ‫ٓ ‪. 196‬‬ ‫‪218‬‬

‫مثل هذه النظرة قاصر ٌفة‪ ،‬وبعٌد ٌفة عن الفهم الصحٌح‪ -‬فؤن تإمن‪ٌ -‬عنً‬ ‫أن تعمل)( )‪.‬‬ ‫بل وأكثر من ذلك بوب البخاري‪ ،‬فً صحٌحه باباً سماه باب من‬ ‫قال‪( :‬إن الإٌمان هو العمل) ثم ذكر الحدٌث بسنده عن سعٌد بن‬ ‫المسٌب عن أبً هرٌرة رضً الله عنه‪ ،‬أن رسول الله صلى الله علٌه‬ ‫وسلم سبل أي العمل أفضل؟ فقال‪ :‬إٌمان بالله ورسوله‪ ،‬قٌل ثم ماذا؟ قال‬ ‫الجهاد فً سبٌل الله‪ ،‬قٌل ثم ماذا ؟ قال حج مبرور)( ) ومنسجماً مع‬ ‫هذا أٌضاً‪ -‬فإن الذنوب والأعمال السٌبة تإثر فً الإٌمان وتنقصه‪ ،‬كما‬ ‫تزٌده وتقوٌه الأعمال الصالحة‪ ،‬جار فً صحٌح مسلم من حدٌث‬ ‫حذٌفة(‪ )‬رضً الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله علٌه وسلم‬ ‫ٌقول‪ :‬تعرض الفتن كالحصٌر عوداً عوداً‪ ،‬فؤي قل ٍب أشربها‪ ،‬نكت فٌه‬ ‫نكت ٌفة سودار‪ ،‬وأ ُّي قل ٍب أنكرها‪ ،‬نكت فٌه نكت ٌفة بٌضار‪ ،‬حتى تصٌر على‬ ‫قلبٌن‪ :‬على أبٌض مثل الصفا‪ ،‬فلب تضره فتن فٌة مادامت السماوات‬ ‫والأرض‪ ،‬والآخر أسود مرباداً ( ‪ ،)‬كالكوز مجخٌاًّ ( ‪ ،)‬لا ٌعرؾ‬ ‫معروفاً ولا ٌنكر منكراً‪ ،‬إلا ما أشرب من هواه)( )‪.‬‬‫‪ٍٛ -‬ؼذ ِؾّ‪ٛ‬ك ٍم‪١‬و‪ ،‬الإٍلاَ ك‪ ٓ٠‬اٌؼًّ‪ ،‬عّؼ‪١‬خ اٌلػ‪ٛ‬ح الإٍلاِ‪١‬خ ‪ٛ ،‬واثٌٍ‪١ٌ ،‬ج‪١‬ب‪ ،‬اٌطجؼخ اٌضبٔ‪١‬خ ‪َ1999 ،‬‬ ‫ٓ‪. 65‬‬ ‫‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ ،ٞ‬وزبة الإ‪ّ٠‬بْ‪ ،‬ثبة ِٓ لبي الإ‪ّ٠‬بْ ل‪ٛ‬ي ‪ٚ‬ػًّ‪ ،‬ط‪ ،17 ٓ 1‬ؽل‪٠‬ش هلُ ‪. 26‬‬ ‫‪ٚ‬أظو فزؼ اٌجبه‪ ٞ‬ػٍ‪ٕ ٝ‬ؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪،ٞ‬ط‪. 93ٓ 1‬‬‫‪ ٛ٘ - ‬ؽن‪٠‬فخ ثٓ اٌ‪ّ١‬بْ ثٓ عبثو ثٓ ػّو‪ ٚ‬الأٖٔبه‪ ، ٞ‬وبرُ ٍو هٍ‪ٛ‬ي الله ٍٕ‪ ٝ‬الله ػٍ‪ ِٓ ، ٍٍُٚ ٗ١‬وجبه اٌٖؾبثخ‬ ‫ه‪ ٟٙ‬الله ػٕ‪ّٙ ، ُٙ‬ل أؽل ‪ِٚ‬ب ثؼل٘ب ‪ ٛ٘ ،‬اٌن‪ ٞ‬أّبه ػٍ‪ ٝ‬ػضّبْ ه‪ ٟٙ‬الله ػٕٗ ثَٕـ اٌّٖؾف ‪ ،‬ر‪ ٌٝٛ‬اٌّلائٓ‬ ‫‪ٚ‬ثم‪ ٟ‬ث‪ٙ‬ب ؽز‪. ٝ‬‬ ‫ِبد ثؼل ِمزً ػضّبْ ‪ٍٕ ،‬خ ‪٘ 36‬ـ ‪ّ ( .‬غوح إٌ‪ٛ‬ه اٌيو‪١‬خ اٌززّخ ٓ ‪. )84‬‬ ‫‪ّ - ‬لح اٌج‪١‬بٗ ف‪ٍٛ ٟ‬اك ‪.‬‬ ‫‪ - ‬اٌّؼٕ‪ ٝ‬اٌّواك ِٕى‪ٍٛ‬بً ‪.‬‬ ‫‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ ٍَُِ ِقزٖو ػجل اٌؼظ‪ ُ١‬ثٓ ػجل اٌم‪ ٞٛ‬إٌّنه‪ ،ٞ‬رؾم‪١‬ك ِؾّل ثٓ ػجبك‪ ٞ‬ثٓ ػجل اٌؾٍ‪ِ، ُ١‬ىزجخ اٌٖفب‬ ‫‪.37 ٓ،َ2005‬‬ ‫‪219‬‬

‫إذاً فم َّما لاشك فٌه أن الذنوب لها تؤثٌر على القلوب التً هً مودع‬ ‫الإٌمان‪ ،‬وبها تكون المعتقدات ‪.‬‬ ‫وفً حقٌقة الأمر‪ ،‬إن هذا مشاهد من الواقع‪ ،‬وبالتجربة‪ ،‬فكم سمعنا‬‫عن أناس ُعلم صلبحهم‪ ،‬و َظهر نقاإهم‪ ،‬فكم كان ذلك مإثراً فً سمتهم‬ ‫وخلقهم‪ ،‬بحٌث ٌشهد لهم الناس بالإٌمان والثبات‪ ،‬وذلك نتٌج ًة ًَ‬ ‫لل َّصلبح والتـُّ َقى‪ ،‬وعلى العكس من ذالك‪ ،‬الذٌن ٌقترفون المنكرات‪،‬‬ ‫وٌؤتون المحذورات ما ظهر منها وما بطن‪ ،‬حتى صاروا لا ٌُ ْإ َم ُنو َن‬ ‫َعلى شً ٍر‪ ،‬ولا ٌَؤْلُون على شً ٍر‪ ،‬فهم كالخشب المسندة‪ ،‬كما قال‬ ‫تعالى‪َ (:‬كؤَ َّن ُه ْم ُخ ُش ٌفب ُّم َس َّن َد ٌةف ٌَ ْح َس ُبو َن ُك َّل َص ٌْ َح ٍة َعلَ ٌْ ِه ْم\"( ) ‪.‬‬ ‫و ٌشترط للعمل الإٌمانً لكً ٌكون صالحاً طٌباً مشروعاً شرو ٌفط‬ ‫نجملها فٌما ٌلً ‪:‬‬ ‫‪ - 1‬النٌة‪ ،‬وهً شر فٌط فً جمٌع الأعمال‪ ،‬وقد جار فً حدٌث عمر‬ ‫بن الخطاب رضً الله عنه قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله علٌه‬‫وسلم‪ٌ ،‬قول‪( :‬إنما الأعمال بالنٌات‪ ،‬وإنما لكل امر ٍئ مانوى‪ ،‬فمن كانت‬ ‫هجرته إلى دنٌا ٌصٌبها‪ ،‬أو امرأة ٌنكحها‪ ،‬فهجرته إلى ما هاجر‬ ‫إلٌه)( ) فلب عبرة للعمل من دون النٌة‪ ،‬فلب ٌثاب المرر إلا على نٌته‪،‬‬ ‫ولذلك ٌص ُّح أن نقول إن مناط الأعمال‪ ،‬وروحها هو‪( :‬الإخلبص) ‪.‬‬‫‪ - 2‬أن ٌكون م َّما أمر الشا ِر ُع به وجعله سبباً فً مرضاته‪ ،‬كما قال‬‫تعالى‪( :‬الَّ ِذٌ َن ٌُ ِقٌ ُمو َن ال َّصلبَ َة َو ِم َّما َر َز ْق َنا ُه ْم ٌُن ِف ُقو َن أولبك هم المإمنون‬ ‫‪ٍٛ -‬هح إٌّبفم‪ ْٛ‬ا‪٠٢‬خ ‪. 4‬‬ ‫‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ِ ،ٞ‬قزٖو اٌيث‪١‬ل‪. 21 ٓ ،ٞ‬‬ ‫‪220‬‬

‫حقاً)( ) وقال أٌضاً‪ ( :‬إِ َّن الَّ ِذٌ َن آ َم ُنوا َو َع ِملُوا ال َّصالِ َحا ِت أُ ْولَبِ َك ُه ْم‬ ‫َخ ٌْرال َب ِّر ٌَّ ِة )( ) ‪.‬‬ ‫‪ - 3‬أن ٌكون مما أذن الشارع فٌه وجعله مباحاً‪ ،‬سوار كان فً‬ ‫المعاملبت الخاصة أوالعامة‪ ،‬كما قال تعالى‪َ ( :‬ل ٌْ َس َع َل ٌْ ُك ْم ُج َنا فٌح أَن‬‫َتؤْ ُكلُوا َج ِمٌعاً أَ ْو أَ ْش َتاتاً)( ) وفً موطإ َمالِك من حدٌث عطار بٌن ٌسار‬ ‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ( :‬ألا أخبركم بخٌر الناس‬ ‫منزلاً؟ رج ٌفل أخذ بعنان فرسه جاهد فً سبٌل الله‪ ،‬ألا أخبركم بخٌر‬‫الناس منزلا بعده؟ رجل معتزل فً ؼنٌمته ٌقٌم الصلبة‪ ،‬وٌإتً الزكاة‪،‬‬ ‫وٌعبد الله لا ٌشرك به شٌباً)( )‪.‬‬‫جار فً شرح الزرقاني للموطإ ما نصه‪( :‬ففٌه فضل العزلة لما فٌها‬ ‫من السلبمة من الؽٌبة واللؽو وؼٌره‪ ،‬وٌذكر الجمهور أن مح َّل ذلك‬ ‫وقت وقوع الفتن‪ ،‬وجار فً الحدٌث ٌؤتً على الناس زمان ٌكون خٌر‬ ‫الناس فٌه منزل ًة من أخذ بعنان فرسه فً سبٌل الله ٌطلب الموت فً‬‫مظانه‪ ،‬ورجل فً شعب من الشعاب ٌقٌم الصلبة‪ ،‬وٌإتً الزكاة‪ ،‬وٌدع‬ ‫الناس إلا من خٌر)( ) ‪.‬‬ ‫ومن خلبل التؤمل فً هذا الحدٌث ٌتبٌن فضل العزلة فً زمن‬ ‫الفتن‪ ،‬وظهورالخلبؾ وال ِّشقاق‪ ،‬ومدى ارتباط الأعمال بتوحٌد الله‬ ‫‪ٍٛ -‬هح الأٔفبي ا‪٠٢‬خ ‪. 3‬‬ ‫‪ٍٛ-‬هح اٌج‪ٕ١‬خ ا‪٠٢‬خ‪. 7‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح إٌ‪ٛ‬ه ا‪٠٢‬خ ‪. 61‬‬ ‫‪ِٛٛ-‬أ َِب ٌِه – رؾم‪١‬ك ‪ ،‬ؽبِل أؽّل اٌطب٘و‪. 293ٓ ،‬‬‫‪ِ -‬ؾّل ثٓ ػجل اٌجبل‪ ٟ‬ثٓ ‪ٍٛ٠‬ف اٌيهلبٔ‪ّ ، ٟ‬وػ اٌيهلبٔ‪ ٟ‬ػٍ‪ِٛٛ ٝ‬أ َِبٌِه ‪،‬كاه اٌىزت اٌؼٍّ‪١‬خ‪،‬ث‪١‬و‪ٚ‬د ‪ٌ،‬جٕبْ‬ ‫‪،‬ط‪. 11 ٓ2‬‬ ‫‪221‬‬

‫والإٌمان به وعدم الإشراك به‪ ،‬ومدى ارتباط العقٌدة حقٌق ًة بالصلبة‬ ‫والزكاة‪ ،‬وؼٌرها من الأعمال كالجهاد‪ ،‬وك ِّؾ الأذى عن الناس‪ ،‬فلب‬ ‫إٌمان من دون عمل‪ ،‬والعمل من دون الإٌمان مردود على صاحبه ‪.‬‬ ‫تؤ ٌر الذكر فً الإٌمان ‪:‬‬‫قال تعالى‪َ ( :‬وا ْل َبا ِق ٌَا ُت ال َّصالِ َحا ُت َخ ٌْ ٌفر ِعن َد َر ِّب َك َث َواباً َو َخ ٌْ فٌر أَ َملبً )( )‬ ‫جار فً موطإ َمالِك من حدٌث سعٌد بن المسٌب قوله فً الباقٌات‬ ‫الصالحات‪ :‬إنها قول العبد‪ :‬الله أكبر وسبحان الله والحمد الله ولا إله إلا‬ ‫الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ( ) ‪.‬‬ ‫إن لهذا الذكر أثراً عظٌماً فً الإٌمان‪ ،‬بل وفً حٌاة المإمن بؤكملها‬‫حٌث إن الله تعالى ذكر فً كتابه (الباقٌات الصالحات) بعد الحدٌث عن‬‫الأموال والأولاد حٌث قال عز وجل (ا ْل َما ُل َوا ْل َب ُنو َن ِزٌ َن ُة ا ْل َح ٌَا ِة ال ُّد ْن ٌَا)‪،‬‬ ‫ثم ثنى بذكر الباقٌات الصالحات‪ ،‬وهً كما مر علٌنا من حدٌث سعٌد‬ ‫بن المسٌب‪( ،‬قول المسلم‪ ،)..‬إذاً فهً أقوال‪ ،‬ولكن مع هذا ُع َّدت من‬ ‫أعمال الإٌمان‪ ،‬بل ومن أعظمها‪ ،‬فهذه الأذكار من الباقٌات‪ ،‬وقد قابلها‬ ‫تعالى بالفانٌات الزابلبت‪ ،‬ولكنها أعظم فً الأجر عند الله من هذه‬‫الزابلبت الفانٌات ‪،‬أي قول المإمن ‪ :‬الله اكبر والحمد الله ولا إله إلا الله‬‫( ولا حول ولا قوة) أي لا تحول عن المعصٌة ولا قوة على الطاعة إلا‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌى‪ٙ‬ف ا‪٠٢‬خ ‪. 46‬‬ ‫‪ّ -‬وػ اٌيهلبٔ‪ ٟ‬ػٍ‪ ٝ‬اٌّ‪ٛٛ‬أ ط‪. 39ٓ -2‬‬ ‫‪222‬‬

‫بالله وهو قول ابن عمر وعطار بن أبى رباح وأكثر العلمار‪ ،‬فهً جماع‬ ‫الذكـر( ) ‪.‬‬ ‫وفً فوابد الذكر وفضله وتؤثٌره على أعمال القلوب‪ٌ ،‬ذكر الإِ َمام‬‫َمالِك الرواٌة عن عٌسى بن مرٌم علٌه السلبم‪ ،‬حٌث قال رحمه الله‪ :‬إِ َّن‬‫عٌسى ابن مرٌ َم كان ٌقول‪ :‬لا تك ِثروا الكلبم بؽٌ ِر ذكر ال َّله ف َت ْق ُسوا‬‫قلوبكم فإِ َّن القل َب القا ِسً بعٌ ٌفد من ال َّله‪ ،‬ولك ْن لا تعلمون‪ ،‬ولا تنظروا فً‬‫ذنوب ال َّناس كؤنكم أرباب‪ ،‬وانظروا فً ذنوبِكم كؤنكم عبٌِد‪ ،‬فإِنما ال َّناس‬ ‫ُمبتلى و ُمعافى فارحموا أهل ا ْلبلب ِر واحم ُدوا ال َّله على الع ِا ٌؾة( )‪.‬‬‫والإِ َمام َمالِك رحمه الله‪ ،‬إنما استشهد بكلبم عٌسى علٌه السلبم‪ ،‬لٌدلل‬ ‫على حقٌق ٍة مهم ٍة جداً‪ ،‬وهً أن القلوب تتؤثر بالأقوال‪ ،‬وأن كلبم‬ ‫اللسان‪ٌ ،‬إثر فً الجنان‪ ،‬لذلك قال سٌدنا عٌسى علٌه السلبم‪( :‬فتقسوا‬‫قلوبكم) وهل كانت قسوة القلب هذه إلا بكثرة الكلبم بؽٌر ذكر الله تعالى‬ ‫‪.‬‬ ‫من أعظم العمل قول لا اله إلا الله ‪:‬‬ ‫لا ٌخفى أن قول‪( :‬لا إله إلا الله ) هً جماع الخٌر كله‪ ،‬وهً‬ ‫الفٌصل بٌن الإسلبم والكفر‪ ،‬وهً من أعظم الذكر بل ومن أفضل‬‫الأعمال‪ ،‬وهً توحٌد خالص لله تعالى‪ ،‬قال العلبمة الزركشً‪\" :‬قول لا‬ ‫إله إلا الله\" ف هً خاصٌتان ‪:‬‬ ‫‪ّ -‬وػ اٌيهلبٔ‪، ٟ‬ط‪39ٓ 2‬‬ ‫‪ِٛٛ -‬أ َِب ٌِه‪. 372 ،‬‬ ‫‪223‬‬

‫إحداهما‪ :‬أن جمٌع حروفها جوفٌة‪ ،‬لٌس فٌها شًر من الحروؾ‬ ‫الشفهٌة للئشارة إلى الإتٌان بها من خالص جوفه‪ ،‬وهو القلب‪ ،‬لا من‬ ‫الشفتٌن فحسب ‪.‬‬ ‫ال انٌة‪ :‬إنه لٌس فٌها حرؾ معجم‪ ،‬بل جمٌعها متجردة عن النقط‪،‬‬ ‫إشارة إلى التجرد عن كل معبود سوى الله تعالى ( ) ‪.‬‬ ‫جار فً الموطإ من حدٌث أبً هرٌرة رضً الله عنه‪ ،‬أن رسول الله‬ ‫صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬قال‪ :‬من قال لا إله إلا الله وحده لا شرٌك له‬‫الملك وله الحمد وهو على كل شٌ ٍا قدٌ فٌر مابة مرة كانت له عدل عشر‬ ‫رقاب‪ ،‬وكتبت له مابة حسنة‪ ،‬ومحٌت عنه مابة سٌبة وكانت له حرزاً‬ ‫من الشٌطان ٌومه ذلك حتى ٌمسى ولم ٌؤت أحد بؤفضل مما جار له إلا‬ ‫أحد عمل أكثر من ذلك ( ) ‪.‬‬ ‫إن ترتٌب هذا الأجر العظٌم‪ ،‬والثواب المضاعؾ من الله تبارك‬ ‫وتعالى على هذا الذكر المحدود بعدد معٌن‪ ،‬ولا ٌستؽرق كثٌراً من‬ ‫الوقت‪ ،‬إن تعلٌق هذا الثواب الجزٌل من الله تبارك وتعالى‪ ،‬لدلٌل على‬‫عظم هذا الذكر‪ ،‬وماله من فضل ومكانة‪ ،‬عند الله تبارك وتعالى – ثم‬ ‫إن النبً صلى الله علٌه وسلم س َّماه عملبً‪ ،‬حٌث قال‪( :‬إلا أح ٌفد ع ِم َل)‬‫وهو علٌه الصلبة والسلبم ما ٌنطق عن الهوى إن هو إلا وح ٌفً ٌوحى–‬‫وكل كلمة ٌقولها‪ ،‬لها مدلولها ومعناها المقصود‪ ،‬فهذا الذكر من أعمال‬ ‫الإٌمان التً ٌثٌب الحق تبارك وتعالى علٌها‪ ،‬بل وٌعطً علٌها عظٌم‬ ‫‪ -‬هٍبٌخ ( ِؼٕ‪ ٝ‬لا ٌٗ ئلا الله ) ٌٍؼلاِخ اٌيهوْ‪ ، ٟ‬كاه اٌزواس الإٍلاِ‪ ، ٟ‬اٌمب٘وح ‪. 3ٓ ، 1975 ،‬‬ ‫‪ -‬اٌّ‪ٛٛ‬أ ثْوػ اٌيهلبٔ‪ ، ٟ‬ط‪. 35 ٓ2‬‬ ‫‪224‬‬

‫الأجر‪-‬عدل عتق عشر رقاب‪ -‬وثواب مابة حسنة‪ -‬ومحو مابة سٌبة‪-‬‬‫والحرز من الشٌطان‪ ،‬بل وزٌادة على ذلك لم ٌؤت أحد بؤفضل من عمله‬ ‫إلا من عمل مثل عمله أو زاد علٌه ‪.‬‬ ‫ومن هنا نقول‪ :‬إن الأقوال اعتبرها الشارع من الأعمال‪ ،‬وهً من‬ ‫الدلابل على ما فً القلوب من الإٌمان‪ ،‬فلب ٌنطق اللسان إلا بما ق َّر فً‬ ‫الجنان‪ ،‬ولا تتحرك الشفاه إلأ بما اقتنعت به الأنفس‪ ،‬فإذا كان اللسان‬ ‫دلال ًة على مافً القلوب‪ ،‬وهو عم ٌفل على كل حال‪ ،‬والعلبقة بٌنه وبٌن‬ ‫باقً الجوارح وثٌق ٌفة جداً‪ ،‬بل هو ترجمانها ودلٌلها‪ ،‬إذاً فالتنسٌق بٌنهما‬ ‫ضرور ٌّي ولابد من تلبزم العمل الصالح مع الإٌمان‪ ،‬ولا إٌمان بدون‬‫عمل‪ ،‬ولا عمل مقبول من دون الإٌمان قال تعالى‪ ( :‬أَ ْم َن ْج َع ُل الَّ ِذٌ َن‬ ‫آ َم ُنوا َو َع ِملُوا ال َّصالِ َحا ِت َكا ْل ُم ْف ِس ِدٌ َن فًِ الاَ ْر ِض أَ ْم َن ْج َع ُل ا ْل ُم َّت ِقٌ َن‬‫َكا ْلفُ َّجا ِر)( )‪ ،‬وحتى ٌكون الأمر أكثر وضوحاً‪ ،‬فً باب الأعمال‪ ،‬فلببد‬‫أن نعرؾ العمل من حٌث ماهٌته ووصفه‪ ،‬وبنا ًر علٌه ٌمكننا تقسٌم‬ ‫العمل من حٌث ماهٌته إلى ما ٌلً‪:‬‬ ‫‪ -1‬عمل خبٌث ٌفسد صاحبه‪ ،‬وٌبعده عن الله‪ ،‬وهذا عمل المفسدٌن‬‫فً الأرض‪ ،‬قال تعالى‪ً( :‬أ ْم َح ِس َب الَّ ِذٌ َن ا ْج َت َر ُحوا ال َّس ٌِّ َبا ِت أّن َّن ْج َع َل ُه ْم‬ ‫َكالَّ ِذٌ َن آ َم ُنوا َو َع ِملُوا ال َّصالِ َحا ِت َس َوار َّم ْح ٌَا ُهم َو َم َما ُت ُه ْم َسار َما‬ ‫ٌَ ْح ُك ُمو َن) ( ) ‪.‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح ٓ ا‪٠٢‬خ ‪. 28‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌغبص‪١‬خ ا‪٠٢‬خ ‪. 21‬‬ ‫‪225‬‬

‫‪-2‬عمل صالح طٌب‪ٌ ،‬كون سبباً فً سعادة صاحبه وٌنور قلبه‬ ‫وٌرٌح باله‪ ،‬وٌنقسم إلى قسمٌن ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬عمل صالح لا ٌثاب علٌه فاعله‪ ،‬لأنه افتقد شرط الإٌمان‪ ،‬وذلك‬ ‫كما جار فً حدٌث عابشة رضً الله عنها قالت‪ :‬قلت‪ٌ :‬ارسول الله(ابن‬ ‫جدعان كان فً الجاهلٌة ٌصل الرحم وٌطعم المسكٌن‪ ،‬فهل ذاك نافعه‬ ‫؟ قال‪ :‬لا ٌنفعه‪ ،‬إنه لم ٌقل ٌوماً‪ ،‬رب اؼفر لً خطٌ َبتًِ ٌوم الدٌن )( )‬ ‫‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬عمل صالح ٌثاب فاعله‪ ،‬وهو ما كان عن نٌ ٍة وقص ٍد‪ ،‬وهو ما‬ ‫ٌوصؾ بالإخلبص لله تبارك وتعالى‪ ،‬والحقٌقة أن الإنسان المسلم ٌثاب‬ ‫بقدر إخلبصه لله‪ ،‬وتتفاوت أعماله بحسب إخلبصه‪ ،‬قال تعالى‪َ (:‬و َما‬ ‫أُ ِم ُروا إِلاَ لِ ٌَ ْع ُب ُدوا ال َّلهَ ُم ْخلِ ِصٌ َن َل ُه ال ِّدٌ َن ُح َن َفار َو ٌُقٌِ ُموا ال َّصلبَ َة َو ٌُ ْإ ُتوا‬ ‫ال َّز َكا َة َو َذلِ َك ِدٌ ُن ا ْل َق ٌِّ َم ِة)( )‪.‬‬ ‫وهذا العمل الصالح من الأنفس المإمنة‪ٌ -‬ثاب علٌه فاعله‪ ،‬وهم أهل‬ ‫الفوز فً الدارٌن‪ ،‬وأهل الرضى والهداٌة قال تعالى‪َ (:‬و َع َد ال َّلهُ الَّ ِذٌ َن‬ ‫آ َم ُنوا ِمن ُك ْم َو َع ِملُوا ال َّصالِ َحا ِت لَ ٌَ ْس َت ْخلِ َف َّن ُهم ِفً الاَ ْر ِض َك َما ا ْس َت ْخ َل َؾ‬ ‫الَّ ِذٌ َن ِمن َق ْبلِ ِه ْم َو َل ٌُ َم ِّك َن َّن َل ُه ْم ِدٌ َن ُه ُم الَّ ِذي ا ْر َت َضى لَ ُه ْم َو َل ٌُ َب ِّدلَ َّن ُهم ِّمن َب ْع ِد‬ ‫َخ ْوفِ ِه ْم أَ ْمناً ٌَ ْع ُب ُدو َننًِ لاَ ٌُ ْش ِر ُكو َن ِبً َش ٌْباً َو َمن َك َف َر َب ْع َد َذلِ َك َفؤُ ْو َل ِب َك ُه ُم‬‫‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ ٍَُِ‪ِ ،‬قزٖو‪-‬ػجل اٌؼظ‪ ُ١‬ثٓ ػجل اٌم‪ ٞٛ‬إٌّنه‪ ،ٞ‬رقو‪٠‬ظ ِؾّل ثٓ ػجبك ثٓ ػجل اٌؾٍ‪ِ ،ُ١‬ىزجخ اٌٖفب ‪،‬‬ ‫اٌطجؼخ الأ‪. 47 ٓ 2007 ،ٌٝٚ‬‬ ‫‪ٍٛ-‬هح اٌج‪ٕ١‬خ ا‪ ٢‬ح‪. 5 ٞ‬‬ ‫‪226‬‬

‫ا ْل َفا ِسقُو َن)( )وٌمكن أن نصؾ العمل الصالح بِ َش ْك ٍل عام‪ :‬أ َّنه ما تطمبن‬ ‫إلٌه النفس المإمنة‪ ،‬ولا ٌتعارض مع سعادة الإنسان ‪.‬‬ ‫إذاً فالأعمال من علبمات الإٌمان‪ ،‬ودلٌل علٌه‪ ،‬والسإال الوجٌه هنا‪:‬‬ ‫هل ٌزٌد العمل فً الإٌمان أو ٌنقصه ؟‬ ‫للئجابة عن هذا السإال لابد أن نعلم أن العلمار قدٌماً‪ ،‬وحدٌثاً‪ ،‬قد‬ ‫تناولوا هذه المسؤلة بالبحث والتحلٌل‪ ،‬ولهم فٌها آرار متعددة نوردها‬ ‫على هذا النحو‪:‬‬ ‫أ‪ -‬رأي الأشاعرة والماتردٌة‪ٌ :‬رى المتؤخرون من الأشاعرة‬ ‫والماتردٌة‪ :‬أن الأعمال تإثر فً الإٌمان سلباً وإٌجاباً‪ ،‬فالطاعة تزٌد‬ ‫فً الإٌمان‪ ،‬والمعصٌة تنقصه‪ ،‬واستدلوا بقول الله تبارك وتعالى‪( :‬وإذا‬ ‫تلٌت علٌهم آٌاته زاد ته م إٌماناً )( )‪ ،‬أما الأشاعرة المتقدمون فٌرون‬ ‫أ َّن مفهوم الإٌمان مسا ٍو للتصدٌق‪ ،‬وٌرى الأشعري كذلك ومعه كثٌ ٌفر‬ ‫من علمار الأشاعرة أن الأعمال لا تدخل فً مس َّمى الإٌمان ( )‪.‬‬ ‫ب‪ -‬رأى الإِ َمام أبً حنٌفة وك ٌ ٌر من المتكلمٌن‪ :‬أن الأعمال لا تزٌد‬ ‫الإٌمان ولا تنقصه‪ ،‬ودلٌلهم فً ذلك أن الإٌمان اسم للتصدٌق البالػ إلى‬ ‫حد الجزم والإذعان‪ ،‬وهذا لا ٌتصور فٌه زٌادة لأنه لٌس هناك درج فٌة‬ ‫‪ٍٛ -‬هح إٌ‪ٛ‬ه ا‪٠٢‬خ ‪. 55‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح الأٔفبي ا‪٠٢‬خ ‪. 3‬‬‫‪1- Frank, Richard M. Knowledge and Taqlid: The Foundations of Religious Belief In‬‬‫‪Classical Ash‘arism in Journal of the American Oriental Society, vol. 109, no. 1‬‬‫)‪(1989),p.38 (my translation‬‬ ‫‪227‬‬

‫للتصدٌق أعلى منه‪ ،‬وإذا نقص عن هذا القدر سمً شكاًّ‪ ،‬والشك ٌنافً‬ ‫الإٌمان ( ) ‪.‬‬ ‫وفً هذه المسؤلة بالذات وهً مسؤلة تؤثٌر العمل فً الإٌمان‪ ،‬خالؾ‬ ‫فٌها الإِ َمام أبوحنٌفة باقً الأبمة الأربعة( ) ‪.‬‬ ‫ج – المرجئة‪ٌ :‬قولون‪ :‬الإٌمان لا ٌزٌد ولا ٌنقص‪ ،‬فهو إقرار‬ ‫بالقلب‪ ،‬وٌستوي على هذا عندهم إٌمان أهل المعاصً مع إٌمان أهل‬ ‫الطاعة‪ ،‬ما دامت المعصٌة لا تخرج صاحبها من الملَّة‪ ،‬ومن دابرة‬ ‫الإٌمان وكذلك من أقوالهم‪ ،‬كما ٌذكر الشٌخ الراجحً‪ ،‬وكذا قول من‬ ‫قال‪ :‬لا كفر إلا باعتقاد‪ ،‬فهذا قول المرجبة‪ ،‬وذهبت طابفة منهم إلى‬ ‫التسوٌة بٌن إٌمان الملببكة وإٌمان أهل الكبابر)( ) ‪.‬‬ ‫وإن انقسم المرجبة إلى طوابؾ متعددة‪ ،‬لكن مذهبهم فً العموم‪،‬‬ ‫ٌدعو إلى فصل الإٌمان عن العمل‪ ،‬ولقد اعتبر الإِ َمام َمالِك الآٌة من‬ ‫سورة البقرة‪ ،‬أعظم ر ٍّد على المرجبة‪ ،‬وهً قول الحق جل وعلب‪( :‬و َما‬ ‫كا َن اللهُ لٌ ِضٌ َع إٌما َن ُك ْم ) ( )‪ ،‬حٌث ف َّسر َمالِك الصلبة بالإٌمان‪ ،‬ثم قال‪:‬‬‫ٌعنً صلبتكم إلى بٌت المقدس‪ ،‬وإنً لأذكر بهذه الآٌة قول المرجبة‪:‬إن‬ ‫الصلبة لٌست من الإٌمان( )‪ ،‬وهذا بٌان واضح من الإِ َمام َمالِك بنفسه‪،‬‬ ‫إلى أن من أخص أصول المرجبة‪ ،‬أنهم ٌفصلون الأعمال على الإٌمان‪،‬‬ ‫‪ِ -‬نووح اٌز‪ٛ‬ؽ‪١‬ل ‪ٚ‬اٌفوق‪ ،‬ؽَٓ اٌَ‪١‬ل ِز‪ ،ٌٟٛ‬اٌّىزجخ الأى٘و‪٠‬خ‪ ،‬ثل‪ ْٚ‬ربه‪٠‬ـ ‪ٛ‬جبػخ‪. 53ٓ ،‬‬‫‪ِ -‬ؾّل ػجل اٌوؽّٓ فّ‪،ٌ١‬ئػزمبك الأئّخ الأهثؼخ‪ ،‬كاه ‪١ٛ‬جخ‪ ،‬اٌّل‪ٕ٠‬خ إٌّ‪ٛ‬هح‪ ،‬اٌطجؼخ الأ‪٘1422 ،ٌٝٚ‬ـ‪. 7 ٓ ،‬‬ ‫‪-‬أٍئٍخ ‪ٚ‬أع‪ٛ‬ثخ ف‪ ٟ‬الإ‪ّ٠‬بْ ‪ٚ‬اٌىفو ‪،‬ػجل اٌؼي‪٠‬ي ثٓ ػجل الله اٌواعؾ‪ ٟ‬ـ ٓ‪. 6‬‬ ‫‪ٍٛ-‬هح اٌجموح ا‪٠٢‬خ ‪. 143‬‬ ‫‪-‬ال ِإ َِبَ َِب ٌِه ِفَواً‪ ،‬ؽّ‪١‬ل ٌؾّو‪. 209ٓ ،‬‬ ‫‪228‬‬

‫وهذا بطلبنه واضح كما ذكر َمالِك‪ ،‬وبقول َمالِك‪ ،‬أخذ كثٌ فٌر من علمار‬ ‫السلؾ ممن جاروا بعد َمالِك ‪.‬‬ ‫ٌقول‪ Izutsu Toshihik :‬فً مناقشته لمفهوم الإٌمان وعلبقته‬ ‫بالعمل‪ ،‬ناقلبً وجهة نظر بن تٌمٌة فً المرجبة‪ ،‬حٌث قال‪ :‬إنهم‬ ‫ٌحصرون الإٌمان فً قول اللسان وإقرار القلب فقط‪ ،‬ثم أضاؾ قابلبً‬ ‫إنهم بهذا ٌثبتون تعرٌفاً آخر للئٌمان مفاده‪ ،‬أن أهم ركن فً الإٌمان هو‬ ‫الإقرار القلبً الذي ٌجعل الأعمال لا قٌمة لها‪ ،‬وقال إن هذا ما اعتبره‬ ‫ابن تٌمٌة كفراً ( )‪ ،‬وٌذهب بعض العلمار والباحثٌن من أهل السنة فً‬ ‫عصرنا الحاضر‪ ،‬إلى تقسٌم المرجبة إلى أربعة أقسام( ) ‪.‬‬ ‫القسم الأول‪ :‬الجهمٌة‪ -‬الذٌن قالوا إن الإٌمان مجرد المعرفة‪ ،‬معرفة‬ ‫الرب بالقلب والكفر هو جهل الرب بالقلب‪ ،‬فعندهم المإمن هو الذي‬ ‫عرؾ ربه بقلبه‪ ،‬والكافر هو الذي جهل ربه بقلبه‪ ،‬وهذا من أفسد وأقبح‬ ‫المعتقدات على الإطلبق‪ ،‬وهذا ماٌسمٌه العلمار بمرجبة الجهمٌة‪ ،‬وعلى‬ ‫هذا‪ ،‬فإن ابلٌس ٌعتبر مإمناً على قول هإلار‪ -‬فهو ٌعرؾ ربه‪ ،‬بدلٌل‬ ‫قوله لله تعالى‪ (:‬قا َل ر ِّب أَنؾ ِظ ْرنًِ إِلَى ٌَ ْو ِم ٌُ ْب َع ُثو َن )( ) وفرعون أٌضا‬ ‫من المإمنٌن على قولهم‪ -‬فإن الله قال عنه وعن قومه ‪َ (:‬و َج َح ُدوا بِ َها‬ ‫َوا ْس َت ٌْ َق َن ْت َها أَن ُف ُس ُه ْم ُظ ْلماً َو ُعلُ ّواً َفان ُظ ْر َك ٌْ َؾ َكا َن َعاقِ َب ُة ا ْل ُم ْف ِس ِدٌ َن)( ) ‪.‬‬‫‪1-Izutsu,Toshihiko,The Concept of Belief in Islamic Theology,p172 .( my translation ).‬‬ ‫‪-‬إٔ‪ٛ‬ي إٌَخ ٌلإِبَ أؽّل ثٓ ؽٕجً‪ّ ،‬وػ اٌْ‪١‬ـ‪ :‬ػجل اٌؼي‪٠‬ي ثٓ ػجلالله اٌواعؾ‪ٔ،ٟ‬ملا ػٓ ِ‪ٛ‬لغ اٌؼم‪١‬لح ‪ٚ‬الأك‪٠‬بْ‬ ‫اٌّؼبٕوح‪.www.alaqidah.com َ2008 -19 -10.‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح ٓ ا‪٠٢‬خ ‪. 79‬‬ ‫‪ٍٛ-‬هحإًٌّ الاآ‪٠‬خ‪. 14‬‬ ‫‪229‬‬

‫القسم ال انً‪ :‬الكرامٌة‪ -‬ومإسس هذه الجماعة هو‪ :‬محمد بن ك َّرام‪،‬‬ ‫وهم ٌعتقدون أن الإٌمان هو النطق باللسان أن من قال‪ :‬لا إله إلا الله‪،‬‬ ‫فهو مإمن ولو كان لا ٌعتقد الإٌمان فً قلبه‪ ،‬فقط ٌقول هذا بلسانه فهو‬ ‫مإمن‪ ،‬كامل الإٌمان عند الكرامٌة‪ ،‬وٌقولون بخلوده فً النار‪،‬لأنه لٌس‬ ‫مإمناً من قلبه‪ ،‬وهو مإمن لأنه نطق بلسانه‪ ،‬فهم بهذا ٌجمعون بٌن‬ ‫المتناقضٌن‪.‬‬ ‫القسم ال الث‪ :‬مجموعة من المتقدمٌن من الماترٌدٌة‪ ،‬والأشاعرة‪ ،‬فقد‬ ‫ذهبوا إلى أن الإٌمان هو مجرد التصدٌق‪ ،‬ولو لم ٌنطق بلسانه‪ ،‬وهذه‬ ‫إحدى الرواٌات التً روٌت عن الإِ َمام أبً حنٌفة‪ ،‬حٌث ٌرى أن‬ ‫الإٌمان هو التصدٌق بالقلب‪ ،‬من دون إقرار اللسان ( )‪.‬‬ ‫القسم الرابع‪ :‬مرجبة الفقهار‪ ،‬وهإلار ٌع ِّرفون الإٌمان بؤنه تصدٌق‬ ‫بالقلب‪ ،‬وإقرار باللسان‪ ،‬وأما الأعمال فمستقل فٌة عن مسمى الإٌمان‪،‬‬ ‫وهذه هً الرواٌة الثانٌة عن الإِ َمام أبً حنٌفة وعلٌها أكثر أصحابه‪،‬‬ ‫وسماهم بعض أهل العلم بمرجبة الفقهار‪ ،‬وهم أهل الكوفة‪ ،‬وأول من‬ ‫قال بهذا النوع من الإرجار حماد بن سلٌمان‪ ،‬شٌخ الإِ َمام أبً حنٌفة ( )‬ ‫وٌلبحظ أن طوابؾ مرجبة الأعمال التً سبق ذكرها‪ ،‬تشترك جمٌعها‬ ‫فً أن الأعمال لا تزٌد فً الإٌمان ولا تنقصه‪ ،‬وعلى التقسٌم السابق‬ ‫فإننا نصور المرجبة بجمٌع فرقها على نحو هذا الجدول‪ ،‬وهو شكل‬ ‫رقم (‪: )1‬‬ ‫‪ -‬إٔ‪ٛ‬ي إٌَخ ٌلإِبَ أؽّل ثٓ ؽٕجً‪ّ ،‬وػ اٌْ‪١‬ـ‪ :‬ػجل اٌؼي‪٠‬ي ثٓ ػجلالله اٌواعؾ‪www.alagidah.comٟ‬‬‫‪ِ -‬ؾّل ثٓ ِؾّ‪ٛ‬ك آٌق‪١ٚ‬و‪،‬الإ‪ّ٠‬بْ ػٕل اٌٍَف ‪ٚ‬ػلالزٗ ثبٌؼًّ ‪ٚ‬وْف ّج‪ٙ‬بد اٌّؼبٕو‪ٔ 2008 -2-8 ،ٓ٠‬مل ًا ػٓ‬ ‫ِ‪ٛ‬لغ ‪www.alagidah.com‬‬ ‫‪230‬‬

‫ؽىً سلُ (‪)1‬‬ ‫د‪ -‬الخوارج والمعتزلة‪ٌ :‬قولون‪ :‬إن الإٌمان ٌزٌد بالطاعة‪ ،‬وٌنقص‬ ‫بالمعصٌة‪ ،‬كما ٌرون أن من ٌعمل معصٌ ًة من كبابر الذنوب ٌخرج من‬ ‫الإٌمان‪ ،‬وٌقولون بؤنه كاف ٌفر‪ ،‬ؼٌر أن المعتزلة ٌنفون عنه الإٌمان ولا‬ ‫ٌصفونه بالكفر‪ ،‬بل ٌقولون هو فً منزل ٍة بٌن المنزلتٌن‪ ،‬وٌرى بعض‬ ‫الباحثٌن كؤمثال‪ Wensinck -‬أن المعتزلة قد خالفوا بقولهم هذا‬ ‫جمهور المسلمٌن‪ ،‬وأضاؾ‪ -‬وهم مع هذا كله ٌطلقون على أنفسهم لقب‪-‬‬ ‫أهل العدل والتوحٌد‪ ،‬وٌسمون أنفسهم أٌضاً أهل الوعٌد‪ ،‬وهم بهذا‬ ‫ٌرسخون مذهبهم الذي ٌقول بؤن أهل الكبابر لا شفاعة لهم ( )‪.‬‬‫‪1- Wensinck, A.J., The Muslim Creed: Its Genesis and Historical Development, India:‬‬‫‪Delhi, Munshiram Manoharlal Publishers Pvt. Ltd. New Delhi, India 1979.P.60,6.(my‬‬‫‪translation).‬‬ ‫‪231‬‬

‫هـ‪ -‬الشٌعة‪ٌ :‬ذهب الشٌعة إلى أن مرتكب المعاصً با ٍق على أصل‬ ‫الإٌمان‪ ،‬وترى الإِ َمامٌة من أهل الشٌعة أن مرتكب الكبٌرة مإم ٌفن‬ ‫فاسق‪ ،‬وهذا ما ذهب إلٌه الطوسً‪ ،‬والسبحانً‪ ،‬وهم من أبمة الشٌعة‬ ‫الإِ َمامٌة( ) ‪.‬‬ ‫و‪ -‬أهل السنة‪ :‬وهم عموم الأمة من لدن رسول الله صلى الله علٌه‬ ‫وسلم وصحابته الكرام‪ ،‬والتابعون لهم بإحسان‪ ،‬وعلى رأسهم كبار‬ ‫التابعٌن وأبمتهم كسعٌد بن المسٌب‪ ،‬وابن سٌرٌن‪ ،‬والحسن البصري‬ ‫وسفٌان بن عٌٌنة‪ ،‬و َمالِك‪ ،‬والشافعً بن ادرٌس‪ ،‬وأحمد بن حنبل‬‫وؼٌرهم‪ ،‬فقد كان رأٌهم فً هذه المسؤلة متمشٌاً مع صرٌح النصوص‪،‬‬‫والتً تدل على أن الإٌمان ٌزٌد وٌنقص بالأعمال‪ ،‬فؤعمال ال َب ِّر تزٌده‪،‬‬ ‫وأعمال الفجور تنقصه‪ ،‬وهذا رأي عموم أهل السنة وعلمار السلؾ‪،‬‬ ‫قال شٌخ الإسلبم بن تٌمٌة فً هذا المضمار‪\":‬ومن أصول أهل السنة‬ ‫والجماعة أن الدٌن والإٌمان قو فٌل وعم ٌفل‪ ،‬وأن الإٌمان ٌزٌد بالطاعة‪،‬‬ ‫وٌنقص بالمعصٌة\"( ) ‪.‬‬ ‫إ َّن هذا الذي ذكره شٌخ الإسلبم‪ ،‬كلبم وا ٍؾ ومختصر‪ ،‬لخص فٌه‬‫عقٌدة أهل السنة والجماعة فً تؤثٌر الأعمال على الإٌمان‪ ،‬وهذا الذي‬‫ذكره شٌخ الإسلبم قو ٌفل مجم ٌفع علٌه عندهم‪ ،‬لم ٌذكر له مخال فٌؾ عند من‬‫ٌعتد برأٌه من علمار السلؾ‪ ،‬وابن تٌمٌة فً هذا إنما هو ٌستشهد بقول‬ ‫‪ -‬عؼفو اٌَجؾبٔ‪ ،ٟ‬ثؾ‪ٛ‬س ف‪ ٟ‬اًٌٍّ ‪ٚ‬إٌؾًٍ‪ِ،‬إٍَخ إٌْو الإٍلاِ‪ ،ٟ‬اٌطجؼخ اٌضبٌضخ‪٘1417 ،‬ـ‪. 277 ٓ ،‬‬ ‫‪١ّ -‬ـ الإٍلاَ ثٓ ر‪١ّ١‬خ‪ ،‬اٌؼم‪١‬لح اٌ‪ٛ‬اٍط‪١‬خ‪ّ ،‬وػ ِؾّل ٕبٌؼ اٌؼض‪ ،ٓ١ّ١‬كاه اٌجٖ‪١‬وح‪ ،‬الاٍىٕله‪٠‬خ‪ِٖ ،‬و‪،‬‬ ‫‪ َ1998‬ط‪. 211 ٓ 2‬‬ ‫‪232‬‬

‫هإلار الأبمة الأعلبم‪ ،‬وعلى رأسهم الإِ َمام َمالِك‪ ،‬الذي ُنقل عنه قوله (‬ ‫الإٌمان قول وعمل ٌزٌد وٌتنفص) كما سٌؤتً بٌان قول َمالِك مف َّصلبً ‪.‬‬ ‫قال الإِ َمام النووي‪( :‬أجمع أهل الحق على أن الزانً‪ ،‬والسارق‪،‬‬ ‫والقاتل‪ ،‬وؼٌرهم من أصحاب الكبابر لاٌكفرون بذلك‪ ،‬بل هم مإمنون‬ ‫ناقصوا الإٌمان‪ ،‬إن تابوا سقطت عقوبتهم‪ ،‬وإن ماتوا مصرٌن على‬ ‫الكبابر كانوا فً المشٌبة‪ ،‬فإن شار الله عز وجل أدخلهم الجنة‪ ،‬وإن شار‬ ‫عذبهم ثم أدخلهم الجنة )( ) ‪.‬‬ ‫تنبٌه‪ :‬الإِ َمام النووي أحد الأبمة الأوابل الثقات‪ ،‬صاحب الشرح‬ ‫المشهور على صحٌح مسلم‪ ،‬وهو من أتباع المذهب الشافعً‪ ،‬ومعلوم‬ ‫أن المدرسة الشافعٌة‪ ،‬تعتبر متطابق ًة مع المدرسة ال َمالِكٌة‪ ،‬من حٌث‬ ‫الاعتقاد فً مسابل الإٌمان المختلفة‪ ،‬ونحن إذ نستشهد بقوله‪ ،‬أو بقول‬ ‫واحد من علمار السلؾ‪ ،‬كؤمثال ابن تٌمٌة‪ ،‬أو ابن حجر‪ ،‬أو ؼٌرهم‬ ‫ممن انتسبوا لؽٌر المذهب ال َمالِكً فً الفقه‪ ،‬فنحن إنما نورد آرارهم‬ ‫خاص ًة فً مسابل الاعتقاد‪ ،‬لاتفاقها مع المذهب ال َمالِكً‪ ،‬فمن رحمة الله‬ ‫بهذه الأمة أن علمارها الأوابل لم ٌختلفوا فً مسابل الأصول والاعتقاد‪،‬‬ ‫إنما كان اختلبفهم‪ ،‬فً الفروع وقضاٌا الفقه التً تحتمل الآرار‬ ‫المتعددة‪ ،‬والاختلبؾ فٌها إنما هو من قبٌل التن ِّوع فً الاجتهاد‪.‬‬‫‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ ٍَُِ ثْوػ إٌ‪ ( ،ٞٚٛ‬رؾم‪١‬ك ِؾّل اٌمجبثط‪ –ٟ‬ؽبىَ ِؾّل – ػّبك ػبِو)‪ -‬كاه اٌؾل‪٠‬ش ‪،‬اٌمب٘وح ‪،‬اٌطجؼخ‬ ‫اٌواثؼخ‪ َ2001 ،‬ط‪. 319 ٓ1‬‬ ‫‪233‬‬

‫و ُنقل عن الإِ َمام ال َمالِكً المشهور‪ ،‬ابن عبد ال َب ِّر‪ ،‬فً شرحه للموطؤ‬ ‫ال ُمس َّمى‪ -‬التمهٌد‪ ) (،-‬قوله‪ :‬أجمع أهل الفقه‪ ،‬والحدٌث على أن الإٌمان‬ ‫قو ٌفل وعم فٌل‪ ،‬ولا عمل إلا بن ٌَّة‪ ،‬والإٌمان عندهم ٌزٌد بالطاعة وٌنقص‬ ‫بالمعصٌة‪ ،‬والطاعات كلها عندهم إٌمان‪ ،‬إلا ما كان من أبً حنٌفة‬ ‫وأصحابه‪ ،‬فإنهم ذهبوا إلى أن الطاعة لا تسمى إٌماناً‪ ،‬وقالوا إنما‬ ‫الإٌمان التصدٌق والإقرار ‪.‬‬ ‫وٌذهب ‪ Wilferd‬إلى أن‪ -‬الطوابؾ على مختلؾ مس َّمٌاتها‬ ‫وانقسامها فً مسؤلة الإٌمان وتؤثره بالأعمال‪ ،‬لا تخرج عن رأٌٌن‪،‬‬ ‫الفرٌق الأول‪ٌ ،‬رى أ َّن الإٌمان ٌشمل الإخلبص لله بالقلب‪ ،‬والشهادة‬ ‫باللسان‪ ،‬وعمل الجوارح‪ ،‬أما الفرٌق الثانً كما ٌذكر ‪ ،Wilferd‬وهو‬ ‫فً هذا ٌنقل كلبم أبً عبٌد القاسم بن سلبم‪ ،‬فٌقول ٌرى أصحاب الرأي‬ ‫الثانً أن الإٌمان فً القلوب والألسنة‪ ،‬أما العمل فهو عبارة عن التقوى‬ ‫وال َب ِّر‪ ،‬ولٌس داخلبً فً مسمى الإٌمان‪ ،‬وأضاؾ أٌضاً‪ ،‬وعلى هذا ووفقاً‬ ‫لأبً عبٌد‪ ،‬فإن القرآن والسنة ٌإكدان قول الفرٌق الأول ( )‪ ،‬وفً بٌان‬ ‫رجحان ما ذهب إلٌه أهل السنة من اعتقاد فً زٌادة الإٌمان ونقصانه‪،‬‬ ‫ٌقول الإِ َمام إبراهٌم اللَّقانً صاحب الجوهرة‪:‬‬‫‪ -‬كتاب فرٌد فً بابه‪ ،‬موسوعة شاملة فً الفقه والحدٌث وهو كتاب شرح فٌه ابن عبد ال َب ِّر كتاب الموطأ للإمام‬ ‫َمالِك ولكنه رتبه ترتٌبا آخر ٌختلف عن ترتٌب ال ِإ َمام َمالِكحٌث أنه رتبه بطرٌقة الإسناد على أسماء شٌوخ ال ِإ َمام‬‫َمالِك‪،‬الذٌن روى عنهم ما فً الموطأ من الأحادٌث‪ ،‬فلقد جمع أحادٌث كل راو فً مسند على حدة معتمدا فً ترتٌبهم‬‫على حروف المعجم وترجم للرواة وخرج الأحادٌث وشرحها لغوٌا وفقهٌا‪ ،‬وذكر آراء أهل العلم والفقه ‪ ،‬وقد اقتصر‬ ‫فٌه على ما ورد عن الرسول صلى الله علٌه وسلم من الحدٌث‪ ،‬متصلا‪ ،‬أو منقطعا‪،‬أو موقوفا‪ ،‬أو مرسلا‪ ،‬دون ما‬‫فً الموطأ من الآراء والآثار‪ ،‬لأن هاته أفردها بكتاب آخر سما ه الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار‪ ،‬فٌما نظمه‬ ‫الموطأ من معانً الرأي والآثار \" وقد قضى فً تألٌف كتاب التمهٌد أكثر من ثلاثٌن سن ة‪ٌ ،‬قول بن حزم عن‬ ‫التمهٌد‪ :‬كتاب لا أعلم فً الكلام على فقه الحدٌث مثله أصل ًا فكٌف أحسن منه‪.،‬توفً ابن عبد ال َب ِّر سنة‬ ‫‪463‬هـ(اصطلاح المذهب عند ال َمالِكٌة ص‪. )297‬‬‫‪1- Madelung, Wilferd, Early Sunni Doctrine Concerning Faith as Reflected in the‬‬‫‪Kitab al-Iman of Abu ‘Ubayd al-Qasim B. Sallam (d. 224/438) in Studia Islamica, no.‬‬‫‪32 (1970), pp 233-254.( my translation ).‬‬ ‫‪234‬‬

‫و ُرج َحت زٌادةُ الإٌمان ** بما َتزٌد طاع ُة الإنسان‬ ‫و َنقصه ٌن ِق ُص ُه وقٌ َل لاَ ** وقٌ َل لاَ ُخل َؾ ك َذا َق ْد ُنقِلبَ( ) ‪.‬‬ ‫ولهذا ٌقول العلبمة الصاوي ال َمالِكً فً شرحه لهذه الأبٌات‪ :‬إن‬ ‫عمل الجوارح من كمال الإٌمان‪ ،‬فمن ص َّدق بقلبه‪ ،‬ونطق بلسانه‪ ،‬ولم‬ ‫ٌعمل بجوارحه‪ ،‬فهو مإمن ناقص الإٌمان( )‪ ،‬وٌمكن أن نل ِّخص أقوال‬ ‫العلمار فً هذه المسؤلة‪ ،‬ونجملها فً الجدول الآتً‪ :‬شكل رقم(‪. )2‬‬ ‫ّىً هلُ (‪. )2‬‬ ‫ِمبهٔخ ث‪ ٓ١‬ولاَ ال ِإ َِبَ َِبٌِه‪ٚ ،‬أث‪ ٟ‬ؽٕ‪١‬فخ ‪ٚ‬غ‪١‬وٖ ف‪َِ ٟ‬أٌخ الإ‪ّ٠‬بْ‪:‬‬‫‪-‬أؽّل ثٓ ِؾّل اٌ َّب ٌِى‪ ٟ‬اٌٖب‪ّ ،ٞٚ‬وػ اٌٖب‪ ٞٚ‬ػٍ‪ ٝ‬ع‪٘ٛ‬وح اٌز‪ٛ‬ؽ‪١‬ل‪ ،‬رؾم‪١‬ك ‪ٚ‬رؼٍ‪١‬ك‪ -‬ػجل اٌفزبػ اٌجيَ‪،‬كاه اثٓ‬ ‫وض‪١‬و (كِْك‪ -‬ث‪١‬ود) اٌطجؼخ الأ‪. 136 ٓ ، َ1997 ،ٌٝٚ‬‬ ‫‪ّ -‬وػ اٌٖب‪ ٞٚ‬ػٍ‪ ٝ‬ع‪٘ٛ‬وح اٌز‪ٛ‬ؽ‪١‬ل‪. 143ٓ ،‬‬ ‫‪235‬‬

‫ٌطلق بعض العلمار على الإِ َمام أبً حنٌفة وأصحابه اسم مرجبة‬‫الفقهار‪ ،‬وقد ذكر هذا الشٌخ الراجحً‪ ،‬فً كتابه‪ ( :‬أسئلة وأجوبة فً‬‫الإٌمان والكفر) ‪ ،‬حٌث قال‪ :‬إنه ث َّمة فرق بٌن اعتقاد جمهور الأبمة‬‫َمالِك والشافعً وأحمد فً هذه المسؤلة‪ ،‬واعتقاد أبً حنٌفة وأصحابه‬‫( )‪ ،‬وٌرى بعض الباحثٌن فً هذا المجال أن هذا الاسم لم ٌكن مصدره‬‫‪،Pessagno‬‬ ‫أهل السنة بل على العكس من ذلك‪ ،‬وهذا ما ذكره‬‫وأضاؾ أٌضاً إن الشرستانً ٌذكر فً كتابه (الملل والنحل)‪ :‬أن سبب‬‫هذه التسمٌة كون أبً حنٌفة خالؾ القدرٌة والمعتزلة‪ ،‬والمعتزلة دابماً‬‫ٌسمون مخالفٌهم فً القدر مرجبة‪ ،‬وأٌضاً كما ٌفعل العبادٌة‪ ،‬وهم فرقة‬ ‫من الخوارج ( ) ‪.‬‬‫وسوار أطلقت هذه التسمٌة على مرجبة الفقهار من أهل السنة أو من‬ ‫ؼٌرهم‪ ،‬فالح ُّق أن هذا اسم صاروا ٌعرفون به‪ ،‬على الرؼم من الجدل‬ ‫القابم حول ص َّحة وصفهم بهذا الوصؾ‪ ،‬وعلى كل حال‪ٌ -‬مكن أن‬‫نجمل المسابل التً أتاها مرجبة الفقهار‪ ،‬وما خالفوا فٌها أهل السنة فٌما‬ ‫ٌلً‪:‬‬ ‫‪ - 1‬أن جمهورأهل السنة وافقوا الكتاب والسنة فً اللفظ والمعنى‪،‬‬ ‫فتؤدبوا مع النصوص‪ ،‬ومرجبة الفقهار وافقوا الكتاب والسنة معن ًى‬ ‫وخالفوهما لفظاً‪ ،‬ولا ٌجوز للمسلم أن ٌخالؾ النصوص لا لفظاً ولا‬ ‫معنى قال الله تعالى‪ (:‬إِ َّن َما ا ْل ُم ْإ ِم ُنو َن الَّ ِذٌ َن إِ َذا ُذ ِك َر ال َّلهُ َو ِجلَ ْت ُقلُو ُب ُه ْم‬ ‫‪ -‬ػجل اٌؼي‪٠‬ي ثٓ ػجل الله اٌواعؾ‪ ،ٟ‬الأٍزبم اٌّْبهن ثمَُ اٌؼم‪١‬لح ‪ٚ‬الأك‪٠‬بْ اٌّؼبٕوح‪ ،‬أٍئٍخ ‪ٚ‬أع‪ٛ‬ثخ ف‪ ٟ‬الإ‪ّ٠‬بْ‬ ‫‪ٚ‬اٌىفو‪ ،‬عبِؼخ ال ِإ َِبَ ِؾّل ثٓ اٍؼ‪ٛ‬ك الإٍلاِ‪١‬خ ثبٌو‪٠‬بٗ‪٘1422 ،‬ـ ٓ‪. 8‬‬‫‪-J.Meric pessagno,The Murji`a,Iman and Abo Ubayd . Jounral of‬‬ ‫‪American,Oriental socaity, vol. 95 ,no.3,1975, pp.382-294.( my translation ).‬‬ ‫‪236‬‬

‫َوإِ َذا ُتلِ ٌَ ْت َعلَ ٌْ ِه ْم آ ٌَا ُت ُه َزا َد ْت ُه ْم إٌِ َماناً َو َع َلى َر ِّب ِه ْم ٌَ َت َو َّكلُو َن الَّ ِذٌ َن ٌُقٌِ ُمو َن‬ ‫ال َّصلب َة َو ِم َّما َر َز ْق َنا ُه ْم ٌُ ْن ِف ُقو َن أُو َل ِب َك ُه ُم ا ْل ُم ْإ ِم ُنو َن َحقّاً)( ) فبٌن الله‬ ‫تعالى أن هذه الأعمال كلها من الإٌمان‪ ،‬فوجل القلب عند ذكر الله‪ ،‬هذا‬ ‫عمل قلبً‪ ،‬وزٌادة الإٌمان عند تلبوة القرآن‪ ،‬عمل قلبً أٌضاً‪َ ( ،‬و َعلَى‬ ‫َر ِّب ِه ْم ٌَ َت َو َّكلُو َن) عمل قلبً‪ ،‬وٌشمل أٌضاً أعمال الجوارح من فعل‬‫الأسباب والإنفاق م َّما رزقهم الله‪ ،‬كل هذه الأشٌار سماها إٌماناً( )‬ ‫وٌشهد لذلك أٌضاً حدٌث النبً صلى الله علٌه وسلم‪(،‬الإٌمان بضع‬ ‫وستون شعبة)‪ ،‬وهذا من أقوى الأدلة فً دحض كلبم مرجبة الفقهار‪.‬‬ ‫‪ - 2‬أن خلبؾ مرجبة الفقهار مع جمهور أهل السنة فتح باباً‬ ‫للمرجبة المحضة الؽلبة فإن مرجبة الفقهار بقولهم‪( :‬إن الأعمال لٌست‬ ‫من الإٌمان‪ ،‬وإن كانت واجبة) فتحوا باباً للمرجبة المحضة فقالوا‪:‬‬ ‫الأعمال لٌست واجبة ولٌست مطلوبة‪ ،‬ولهذا قالوا‪ :‬الصلبة‪ ،‬والصوم‪،‬‬ ‫والزكاة‪ ،‬والحج‪ ،‬هذه كلها لٌست بواجبة‪ ،‬ومن عرؾ ربه بقلبه‪ ،‬فهو‬ ‫مإمن كامل الإٌمان‪ ،‬وٌدخل الجنة‪ ،‬والأعمال لٌست مطلوبة‪ ،‬والذي‬ ‫فتح لهم هذا الباب‪ ،‬وشجعهم على هذا القول‪ ،‬هم مرجبة الفقهار‪.‬‬ ‫‪ - 3‬هذا الرأي لمرجبة الفقهار‪ ،‬فتح الباب على مصراعٌه للفساق‪،‬‬ ‫والجهلة‪ ،‬والزنادقة‪ ،‬ولجمٌع العصاة‪ ،‬للتمادي فً ؼ ٌِّهم وفسادهم‪،‬‬ ‫فالقول بؤن الإٌمان ثابت ٌج ِّر ُئ هإلار على المعاصً‪ ،‬إذاً فلٌفعل‬‫العاصً ما ٌشار من الذنوب والمعاصً‪ٌ ،‬سرق وٌنهب وٌقتل‪ ،‬وهذا لا‬ ‫ٌإثر فً أصل إٌمانه‪ ،‬وهذا ٌنذر بمفسدة عظٌمة لا ٌعلم مداها إلا الله ‪.‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح الأٔفبي ا‪٠٢‬خ ‪. 4‬‬ ‫‪ -‬أٍئٍخ ‪ٚ‬أع‪ٛ‬ثخ ف‪ ٟ‬الإ‪ّ٠‬بْ ‪ٚ‬اٌىفو‪ ،‬اٌواعؾ‪. 10ٓ ،ٟ‬‬ ‫‪237‬‬

‫‪ - 4‬إن مرجبة الفقهار ٌمنعون الاستثنار فً الإٌمان‪ ،‬بقول القابل‪ :‬أ َنا‬ ‫مإمن إن شار الله‪ ،‬وٌسمون المستثنٌن بؤنهم المتش ِّك ُكون فً إٌمانهم‪،‬‬ ‫على خلبؾ أهل السنة‪ ،‬فإنهم ٌف ِّصلون فً المسؤلة فٌقولون إذا قال هذا‬ ‫على سبٌل الشك فً أصل الإٌمان فممنوع‪ ،‬أما إذا قالها من قبٌل عدم‬‫تزكٌة النفس‪ ،‬وأ َّن عرى الإسلبم متعددة‪ ،‬والإنسان ٌخشى من التقصٌر‬ ‫فً جنب الله‪ ،‬وأنه لا ٌعلم العاقبة‪ ،‬فلب بؤس به‪ ،‬كذلك لو قالها من قبٌل‬ ‫ال َّت َب ُّرك باسم الله‪ ،‬فٌجوز ( )‪.‬‬ ‫ومع هذا‪ ،‬فإنه لا ٌستطٌع أح ٌفد أن ٌخرج أبا حنٌفة ومذهبه من طلٌعة‬ ‫علمار أهل السنة والجماعة‪ ،‬ولقد تب َّرأ الإِ َمام أبوحنٌفة ممن نسب إلٌه‬‫الإرجار؛ فقال فً رسال هت المشهورة إلى الب ِّتً‪ :‬وأ َّما ما ذكرت من اسم‬ ‫المرجبة‪ ،‬فما ذنب قوم تكلَّموا بعدل‪ ،‬وسماهم أهل البدع بهذا الاسم‪،‬‬‫ولكنهم أهل عدل ‪ ،‬وأهل الس َّنة ‪ ،‬وإنما هذا اسم سماهم به أهل ال َّشن آ ِن‬‫( )‪ ،‬وإنما قال ذلك بنار على تعرٌؾ الإرجار عنده‪ ،‬وهو مذهب ؼلبة‬‫المرجبة الذٌن ٌجعلون الإٌمان‪ :‬هو المعرفة فقط‪ ،‬فلب ٌض ُّر معه ذنب ‪،‬‬‫والأمر لٌس كذلك عند أبً حنٌفة‪ ،‬فالعمل معتب ٌفر من حٌث أن للحسنات‬ ‫والسٌبات حسابها‪ ،‬ولها تؤثٌرها على مصٌر العبد فً الآخرة‪ ،‬وكفة‬ ‫مٌزانه ٌوم ٌقوم الناس لرب العالمبن‪ ،‬وٌفرقون بٌنهما بالثواب‬‫والعقوبة‪ ،‬ولٌست المرجبة المحضة كذلك‪ ،‬وبالرؼم من هذا‪ -‬فإن‬‫المسابل الخلبفٌة بٌن مرجبة الفقهار ‪ ،‬وبٌن بقٌة أهل الس َّنة ترجع إلى‬‫خلبؾ لفظً‪ ،‬فً بعض المسابل المتنازع فٌها ‪ٌ -‬قول شٌخ الإسلبم ابن‬ ‫‪ -‬أٍئٍخ ‪ٚ‬أع‪ٛ‬ثخ ف‪ ٟ‬الإ‪ّ٠‬بْ‪ ،‬اٌْ‪١‬ـ اٌواعؾ‪ (12ٓ ،ٟ‬ثزٖوف وض‪١‬و) ‪.‬‬ ‫‪ -‬أ‪ ٞ‬أً٘ اٌقٖ‪ِٛ‬بد ‪ٚ‬اٌؾ ََّبك ‪.‬‬ ‫‪238‬‬

‫تٌمٌة‪\" :‬إنه لم ٌك ِّفر أح فٌد من ال َّسلؾ مرجبة الفقهار‪ ،‬بل جعلوا هذا من‬‫بدع الأقوال والأفعال‪ ،‬لا بدع العقابد‪ ،‬فإن كثٌراً من النزاع فٌها لفظً‪،‬‬‫لكن اللَّفظ المطابق للكتاب والس َّنة هو الصواب ‪ ،‬ومما ٌنبؽً أن ٌعرؾ‬ ‫أن أكثر التنازع ب ٌِّن ( ) ‪.‬‬ ‫ولهذا كان للئما ِم َمالِك مع أبً حنٌفة وأصحابه موق فٌؾ مختل ٌفؾ‪ ،‬ولم‬‫ٌعتبر شبهة الإرجار التً وقع فٌها أبوحنٌفة ومن سار على مذهبه‪ ،‬من‬ ‫الإرجار المحض الذي ٌض ُّر بالعقٌدة ‪.‬‬‫ولقد ذكر الأستاذ – الأعظ ِم ًُّ‪ -‬هذه المسؤلة فقال‪ :‬لقد ؼ ٌَّر الإِ َمام‬ ‫َمالِك موقفه من مدرسة الكوفة وأتباعها فٌما ُر ُموا به من تهمة‬ ‫الإرجار( ) لأن‪ -‬جهم بن صفوان ( ) ٌقول‪ :‬لا ٌضر مع الإٌمان‬‫معصٌة‪ ،‬ولا مع الكفر طاعة‪ ،‬وحٌن استبان نو ُع إرجا ِر تلك المدرسة‪،‬‬ ‫وهو إرجار الفقهار الذي ٌوافق معانً النصوص وٌستند إلى قوله‬ ‫تعالى‪َ ( :‬وآ َخ ُرو َن ُم ْر َج ْو َن لاَ ْم ِر ال ّل ِه إِ َّما ٌُ َع ِّذ ُب ُه ْم َوإِ َّما ٌَ ُتو ُب َعلَ ٌْ ِه ْم َوال ّلهُ‬ ‫َعلٌِ ٌفم َح ِكٌ ٌفم)( )‪.‬‬‫ثم إ هن قد وقع كثٌر من الأبمة بسبب ال َّنقل المش َّوه ضح ٌَّة الإنكار‬ ‫الشدٌد من قبل أقرانهم من العلمار‪ ،‬وحٌن ٌستبٌن الأمر لهم فإنهم‬‫ٌرجعون إلى الحق‪ ،‬وهذا دلالة علمهم وتؤكٌد إمامتهم فً الناس‪ ،‬فحٌن‬‫‪ -‬أل‪ٛ‬اي ٌْ‪١‬ـ الإٍلاَ اثٓ ر‪١ّ١‬خ ‪ٚ‬ثؼ٘ اٌؼٍّبء الأ‪ٚ‬ائً ؽ‪ٛ‬ي ػم‪١‬لح ال ِإ َِبَ أث‪ ٟ‬ؽٕ‪١‬فخ عّؼ‪ٙ‬ب ‪ :‬أث‪ٛ‬ئثوا٘‪ ُ١‬اٌو‪ٌ٠‬‬‫‪/23‬هث‪١‬غ اٌضبٔ‪ٔ ،1423 /ٟ‬ملا ػٓ ِ‪ٛ‬لغ‬ ‫اٌؾٕف‪ِ ،ٟ‬مبٌخ ثؼٕ‪ٛ‬اْ( ثواءح اٌؾٕف‪١‬خ ِٓ اٌفوق اٌّجزلػخ )‪،‬‬ ‫‪. www.islamonline.com .‬‬‫‪ِ-‬ؾّل ِؾو‪ ًٚ‬اٌّلهً الأػظّ‪ّٚ،ٟ‬بئظ اٌٍٖخ اٌّزّ‪١‬يح ث‪ِ ٓ١‬ن٘ج‪ ٟ‬ال ِإ َِبِ‪ ٓ١‬أث‪ ٟ‬ؽٕ‪١‬فخ ‪َِ ٚ‬ب ٌِه‪ ،‬اٌغبِؼخالإٍلاِ‪١‬خ‬ ‫‪ِ،‬بٌ‪١‬ي‪٠‬ب‪ ،‬وٍ‪١‬خ ِؼبهف اٌ‪ٛ‬ؽ‪،ٟ‬لَُ اٌفمٗ ‪ٚ‬الإٔ‪ٛ‬ي‪(،‬ثل‪ ْٚ‬ربه‪٠‬ـ)‪. www.almoodares.net‬‬‫ع‪ ُٙ‬ثٓ ٕف‪ٛ‬اْ ‪ِ :‬زىٍُ ظ‪ٙ‬و ثزوِن‪ٚ ،‬لزٍٗ آفو فٍفبء ثٕ‪ ٟ‬أِ‪١‬خ ‪ ِٓ ٛ٘ٚ ،‬اٌغجو‪٠‬خ اٌقبٌٖخ‪ ،‬هاعغ ‪ :‬اًٌٍّ ‪ٚ‬إٌؾً‬‫اٌْ‪ٙ‬وٍزبٔ‪، ٟ‬ط‪ٚ ، 190 / 1‬وبْ ‪٠‬م‪ٛ‬ي أْ الإَٔبْ ِغجو ػٍ‪ ٝ‬أفؼبٌٗ ‪ٚ ،‬أٔٗ لا اٍزطبػخ ٌٗ ‪.‬‬ ‫‪ٍٛ-‬هح اٌز‪ٛ‬ثخ ‪ ،‬ا‪٠٢‬خ ‪. 106‬‬ ‫‪239‬‬

‫أنكر الإِ َمام الأوزاعً على أبً حنٌفة‪ ،‬وصرح بذلك لعبد الله بن‬ ‫المبارك– التابعً المشهور‪ -‬قام ابن المبارك بعمل ذك ًٍّ ‪ ،‬فجار بمسابل‬ ‫عوٌصة من مسابل أبً حنٌفة وأجوبتها‪ -‬من ؼٌر تصرٌ ٍح بقابلها‪-‬‬ ‫فسؤله الأوزاعً‪ :‬لمن هذه المسابل ؟ قال ابن المبارك‪ :‬هً لشٌ ٍخ فً‬ ‫العراق اسمه النعمان بن ثابت‪ ،‬فقال الأوزاعً‪ :‬هذا نبٌل من المشاٌخ!‬ ‫اذهب واستكثر منه! فقال له‪ :‬هذا أبوحنٌفة الذي نهٌت عنه! ولما اجتمع‬ ‫الأوزاعً بؤبً حنٌفة فً مكة‪ ،‬كشؾ له أبوحنٌفة تلك المسابل بؤكثر‬ ‫مما عرفه منها ابن المبارك‪ ،‬فلما افترقا‪ ،‬قال الأوزاعً لابن المبارك‪:‬‬ ‫ؼبطت الرجل بكثرة علمه ووفور عقله‪ ،‬واستؽفر الله لقد كنت فً ؼل ٍط‬ ‫ظاهر‪ ،‬إلزم الرجل فإنه بخلبؾ ما بلؽنً عنه ( ) ‪.‬‬ ‫رأي الإِ َمام َمالِك‪:‬‬ ‫كان ٌقول بتؤثٌر الأعمال سلباً وإٌجاباً فً العقٌدة‪ ،‬فالإٌمان ٌزٌد‬ ‫بؤعمال ال َب ِّر وٌنقص بؤعمال الفجور والآثام‪ ،‬وعلٌه فإن الك َّؾ عن‬ ‫المعصٌة من أعمال ال َب ِّر وهً تزٌد فً الإٌمان كما قال تعالى‪ ( :‬إِن‬ ‫َت ْج َت ِن ُبو ْا َك َبآبِ َر َما ُت ْن َه ْو َن َع ْن ُه ُن َك ِّف ْر َعن ُك ْم َس ٌِّ َباتِ ُك ْم َو ُن ْد ِخ ْل ُكم ُّم ْد َخلبً‬ ‫َك ِرٌماً)( )‪.‬‬ ‫ولقد كان رأي الإِ َمام َمالِك فً هذه المسالة كما ُع ِرؾ عنه دابماً‬ ‫موافقاً لأهل السنة والجماعة‪ ،‬ولكن مع هذا فقد كان رأٌه ممٌزاً بٌنهم‪،‬‬‫‪ .-‬أ‪ٚ‬عي اٌَّبٌه ئٌ‪ِٛٛ ٝ‬أ َِب ٌِه ٌٍْ‪١‬ـ ِؾّل ىوو‪٠‬ب اٌىبٔلٍ٘‪ ٞٛ‬ط‪ 174 ٓ 1‬رؾم‪١‬ك أ‪ٕ ّٓ٠‬بٌؼ‪ ،‬اٌطجؼخ الأ‪،ٌٝٚ‬‬ ‫‪. 1999‬‬ ‫‪ٍٛ-‬هح إٌَبء ا‪٠٢‬خ ‪. 31‬‬ ‫‪240‬‬

‫حٌث التزم بما جار به القراَن الكرٌم ن ًّصا وحرفاً‪ ،‬ولم ٌتعداه إلى ما‬ ‫سواه‪ ،‬حتى أنه نقل عنه‪ -‬رحمه الله‪ -‬تمام المتابعة لكتاب الله فً هذا‪.‬‬ ‫وكثٌراً ما كان َمالِك ٌستشهد بآثار عمر بن عبد العزٌز‪ ،‬ومن أقواله‬ ‫فً هذا الباب رضً الله عنه‪ :‬كتب عمر بن عبد العزٌز إلى عدي بن‬ ‫عدي‪ :‬إن للئٌمان فرابض وشرابع وحدودا وسنناً‪ ،‬فمن استكملها‬ ‫استكمل الإٌمان‪ ،‬ومن لم ٌستكملها لم ٌستكمل الإٌمان‪ ،‬فإن أعش‬‫فسؤب ٌِّنها لكم حتى تعلموا بها‪ ،‬وإن أمت فما أنا على صح تبكم بحرٌص‬ ‫( )‪.‬‬ ‫وقد كان َمالِك ٌنهى عن أن ٌصؾ المإمن نفسه بؤوصاؾ ٌفهم منها‬ ‫عدم طمؤنٌنة القلب بالإٌمان‪ ،‬ومن ذلك مانقل عنه فً قوله لزهٌر بن‬ ‫عباد‪ ،‬حٌث قال َمالِك‪ :‬أنا مإم فٌن والحمدلله ‪.‬‬ ‫قال زهٌر بن عباد‪ :‬قلت ل َمالِك‪ :‬ما قولك فً صنفٌن عندنا‪ ،‬بالشام‬ ‫اختلفوا فً الإٌمان‪ ،‬فقالوا ٌزٌد وٌنقص ؟‬ ‫قال‪ :‬ببس ما قالوا‪ ،‬قال زهٌر‪ ،‬قلت‪ :‬قالوا‪ :‬إنا نخاؾ على أنفسنا‬ ‫النفاق‪ ،‬قال َمالِك ‪ :‬ببس ما قالوا ‪.‬‬ ‫قال زهٌر قلت‪ :‬فإن قالوا نحن مإمنون إن شار الله‪ ،‬قالت الأخرى‬ ‫الإٌمان واحد‪ ،‬وإٌمان أهل الأرض كإٌمان أهل السمار ‪.‬‬‫‪ -‬عبدالرحمن بن علً بن محمد بن الجوزي‪ ،‬مناقب عمر بن عبد العزٌز‪ ،‬دار المنار‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة‬ ‫الأولى‪2000 ،‬م‪ ،‬ص‪.27‬‬ ‫‪241‬‬

‫قال َمالِك‪ :‬لا تقولوا‪ ،‬قلت‪ :‬نحن مإمنون حقّاً؟ قال‪ :‬لا تقولوا‪ ،‬قلت‪:‬‬ ‫فما ٌنبؽً للطابفتٌن أن ٌقولوا؟ قال َمالِك‪ٌ :‬قولوا‪ :‬نحن مإمنون‪ ،‬ثم‬ ‫ٌك ُّفوا عما سوى ذلك من الكلبم‪ ،‬فإن النبً صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫(أمرت أن أقاتل الناس حتى ٌقولوا‪ :‬لا إله إلا الله‪ ...‬الحدٌث ) قال الله‬ ‫تعالى( َولاَ َت ُقولُوا لِ َم ْن أَ ْل َقى إِلَ ٌْ ُك ُم ال َّسلَ َم َل ْس َت ُم ْإ ِمناً )( )( ) ‪.‬‬‫ومن هنا نلبحظ أن الإِ َمام َمالِك‪ ،‬كان ٌرى أن الأعمال لها تؤثٌر بالػ‬ ‫فً الأٌمان‪ ،‬فهً تزٌد فً الأٌمان وتنقصه‪ ،‬ؼٌر أنه‪ -‬رحمه الله‪ -‬كؾ‬ ‫عما لم ٌذكر فً كتاب الله من نقصان الإٌمان فقد أثر عنه قوله‪:‬‬ ‫\"الإٌمان قول وعمل ‪ٌ ،‬زٌد وٌنقص ‪ ،‬وبعضه أفضل من بعض\"‪ ،‬قال‬‫أبو القاسم‪ \" :‬كان َمالِك ٌقول الإٌمان ٌزٌد وتوقؾ عن النقصان‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫ذكر الله زٌادته فً ؼٌر موضع‪ ،‬فدع الكلبم فً نقصانه‪ ،‬وكؾ عنه‬ ‫\"( ) ‪.‬‬ ‫وقال ابن عبد ال َب ِّر‪ -‬رحمه الله‪ \": -‬سبل َمالِك بن أنس عن الإٌمان‬‫فقال قول وعمل‪ ،‬قٌل‪ :‬أٌزٌد وٌنقص‪ ،‬فقال‪ :‬ذكر الله سبحانه فً ؼٌرآي‬‫من القرآن أن الإٌمان ٌزٌد‪ ،‬قٌل له أٌنقص‪ ،‬قال‪ :‬دع الكلبم فً نقصانه‬ ‫وك َّؾ‪ ،‬قٌل فبعضه أفضل من بعض؟ قال‪ :‬نعم\" ( )‪.‬‬ ‫وم ّما سبق من الآثار ٌتبٌن لنا‪ -‬أن َمالِكاً كان ٌقصد أن الإٌمان‬‫متداخ فٌل فً الأعمال‪ ،‬بل هو جزر منها‪ ،‬ولاَ ح َّظ للمرر فً الإٌمان من‬ ‫‪ٍٛ -‬هح إٌَبء ا‪٠٢‬خ ‪. 94‬‬ ‫‪ -‬ال ِإ َِبَ َِب ٌِه ِفَواً‪ ،‬ؽّ‪١‬ل ٌؾّو‪. 208ٓ ،‬‬ ‫‪ -‬رور‪١‬ت اٌّلاهن ٌٍمب‪ِ ٟٙ‬ػ َ‪١‬بٗ ٓ‪. 202‬‬ ‫‪ -‬الأزمبء لاثٓ ػجل اٌ َج ِّو ٓ‪. 32‬‬ ‫‪242‬‬

‫دون العمل‪ ،‬ولذلك نجده‪ -‬رحمه الله‪ -‬قال‪ :‬فً الرواٌة الأولى‪( :‬وبعضه‬ ‫أفضل من بعض)‪ ،‬وفً الرواٌة ال انٌة‪ٌ :‬قرر للسابل أن الإٌمان بعضه‬ ‫أفضل من بعض‪ ،‬ونحن نتسابل ع َّما كان ٌقصده الإِ َمام بقوله‪( :‬بعضه‬ ‫أفضل من بعض) ؟ هل قصد الإٌمان الذي هو بمعنى العقٌدة؟ أم قصد‬ ‫الأعمال التً ٌتفاوت بعضها من حٌث الأجر والثواب‪ ،‬والمكانة من‬ ‫الإسلبم‪ ،‬كالصلبة مثلبً‪ ،‬والتً تعتبر عماد هذا الدٌن‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والحج‪،‬‬ ‫والصوم‪ ،‬وؼٌرها من سابر العبادات ‪.‬‬ ‫و لهذا ٌتبٌن من خلال التمعن فً أقوال َمالِك ماٌلً ‪:‬‬ ‫‪ - 1‬زٌادة الإٌمان ونقصانه حقٌق فٌة لا جدال فٌها عند َمالِك‪ ،‬تإٌدها‬ ‫النصوص الصحٌحة‪ ،‬وال َّنظر والتص ُّور السلٌم‪ ،‬إ ْذ لا معنى للؤعمال ولا‬ ‫فرق فً المعتقدات إذا لم تتحقق هذه الحقٌقة‪ ،‬وٌ ْستوى على هذا إٌمان‬ ‫عامة الناس بإٌمان الملببكة والمرسلٌن‪ -‬وٌصبح كذلك إٌمان آحاد الأمة‬ ‫المنهمكٌن على الفسق والمعاصً مساوٌاً لإٌمان الأنبٌار والملببكة‪،‬‬ ‫والخلفار الراشدٌن( ) ولهذا نجد فً رواٌات أخرى ُنقلت عن َمالِك‪ ،‬أنه‬ ‫قال إن الإٌمان ٌزٌد وٌنقص‪ ،‬أخرج ابن عبدال َب ِّر فً رواٌة أخرى‪ ،‬عن‬ ‫عبدالرزاق بن همام قال‪ :‬سمعت ابن جرٌج( ) وسفٌان الثوري‪ ،‬ومعمر‬ ‫بن راشد‪ ،‬وسفٌان بن عٌٌنه‪ ،‬و َمالِك بن أنس ٌقولون‪( :‬الإٌمان قول‬ ‫وعمل ٌزٌد وٌنقص ) ( )‪.‬‬ ‫‪ -‬ؽَٓ اٌَ‪١‬ل ِز‪ِ ،ٌٟٛ‬نووح اٌز‪ٛ‬ؽ‪١‬ل ‪ٚ‬اٌفوق‪،‬اٌّىزجخ الأى٘و‪٠‬خ ٌٍزواس‪ ،‬اٌطجؼخ الأ‪ َ1998 ،ٌٝٚ‬ط‪. 52 ٓ1‬‬‫‪ -‬هو عبدالملك بن عبدالعزٌز بن جرٌج الرومً الأموي مولاهم المكً‪ ،‬قال عنه الذهبً ( الإِ َمام الحافظ فقٌه الحرم‬ ‫أبو الولٌد) مات سنة ‪150‬هـ ‪.‬‬ ‫‪ -‬اثٓ ػجل ااٌ َج ِّو‪ ،‬الأزمبء ٓ ‪ٚ ،37‬أظو‪ِ -‬ؾّل ػجل اٌوؽّٓ اٌقّ‪ ،ٌ١‬اػزمبك الأئّخ الأهثؼخ‪. 17 ،‬‬ ‫‪243‬‬

‫‪ - 2‬إن َمالِكاً‪ -‬رحمه الله‪ -‬كان ٌنظر للئٌمان جمل ًة واحد ًة فبقدر قوة‬‫الإٌمان‪ ،‬وتمكن الاعتقاد فً قلب المسلم‪ \"-‬بقدر ما ٌتم َّسك المرر بؤعمال‬ ‫الإٌمان وٌواظب( ) علٌها\"‪ ،‬وبقدر ما ٌتمسك بالأعمال الإٌمانٌة ‪-‬‬ ‫التعبدٌة‪ٌ \"-‬زداد إٌمانه‪ ،‬وتصفو عقٌدته\"‪ -‬فقد كان َمالِك ٌنظر إلى‬‫العلبقة بٌن الإٌمان والأعمال‪ ،‬على أ َّنها‪( :‬علاق ٌة تناسبٌة) ‪ ،‬والمعنى‪:‬‬ ‫أنه إذا زادت نسبة الأعمال الصالحة‪ ،‬زادت نسبة الإٌمان‪ ،‬وإذا زاد‬ ‫الإٌمان‪ ،‬زادت نسبة الأعمال الصالحة‪ ،‬ونقصت الأعمال السٌبة‪،‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬وذلك كما قال تعالى‪َ ( :‬والَّ ِذٌ َن َجا َه ُدوا فٌِ َنا َل َن ْه ِد ٌَ َّن ُه ْم ُس ُبلَ َنا َوإِ َّن‬ ‫ال َّلهَ َل َم َع ا ْل ُم ْح ِسنٌِ َن )( ) ‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الإمساك عما سكت الله عنه فً مثل هذه المسابل‪ ،‬أفضل من‬ ‫الاجتهاد الذي ٌعتبره َمالِك نوعاً من ال َّتكلؾ ؼٌر المحمود فً قضاٌا‬ ‫الإٌمان والاعتقاد‪ ،‬فكما علمنا أن َمالِكاً مذهبه مذهب السلؾ الصالح‪،‬‬ ‫وهم‪ -‬رضوان الله علٌهم‪ٌ -‬إثرون التفوٌض فً مثل هذه القضاٌا‪ ،‬أو‬ ‫لأنه‪ -‬رحمه الله‪ -‬جعلها من قبٌل البدٌهً الذي ٌؽنً وضوحه عن‬ ‫إٌضاحه‪ ،‬فكل ما ٌزٌد قاب فٌل للنقصان‪ ،‬والإٌمان لٌس مستثن ًى من هذه‬‫القاعدة‪ ،‬ولكن ال َّرجار فً فضل الله وكرمه فً الزٌادة على الأعمال بما‬ ‫هو أعظم وأجزل فً الأجر بتقوٌة الإٌمان وتزكٌة النفس‪ ،‬أرجى عنده‬ ‫من المعاملة بالمثل بتنقٌص الإٌمان‪ ،‬وتثبٌط العزٌمة‪ ،‬وهذا من فضل‬ ‫‪ٚ -‬اظت ػٍ‪ٚ ٗ١‬ظ‪ٛ‬ثبً‪ :‬كاَ ‪ٚ‬رؼ‪ٙ‬ل‪ِ ،‬قزبه اٌمبِ‪. 662ٓ ،ًٛ‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌؼٕىج‪ٛ‬د ا‪٠٢‬خ ‪. 69‬‬ ‫‪244‬‬

‫الله وكرمه‪ ،‬كما قال تعالى‪َ ( :‬من َجار بِا ْل َح َس َن ِة َف َل ُه َع ْش ُر أَ ْم َثالِ َها َو َمن‬ ‫َجار ِبال َّس ٌِّ َب ِة َفلبَ ٌُ ْج َزى إِلاَ ِم ْثلَ َها َو ُه ْم لاَ ٌُ ْظ َل ُمو َن) ( ) ‪.‬‬ ‫‪ - 4‬تذكر بعض الرواٌات أن َمالِكاً إنما توقؾ عن القول بنقصان‬‫الإٌمان خشٌة أن ٌتوهم البعض أنه ٌقؾ موقؾ الخوارج الذٌن ٌكفرون‬ ‫أهل المعاصً من أهل القبلة( )‪ ،‬والمعروؾ أن َمالِكاً ‪ -‬رحمه الله‪ -‬لا‬ ‫ٌرى ذلك‪ ،‬بل إنه ٌقول بؤن أهل المعاصً حتى أصحاب الكبابر إذا‬ ‫ماتوا على التوحٌد‪ ،‬فإنهم ٌرجى أن ٌؽفر الله لهم‪ ،‬وأن ٌدخلهم فسٌح‬‫جنانه‪ ،‬وذلك لعموم قوله تعالى‪ ( :‬إ َّن ال ّل َه لاَ ٌَ ْؽفِ ُر أَن ٌُ ْش َر َك ِب ِه َو ٌَ ْؽفِ ُر َما‬ ‫ُدو َن َذلِ َك لِ َمن ٌَ َشا ُر) ( ) ‪.‬‬‫َمالِك ُم ْش ِك ٌفل‪،‬‬ ‫وقد جار فً حاشٌة العدوي ما نصه‪ :‬وفٌما قاله‬‫وا ْل َج َوا ُب ع ْنه ما َقاله ا ْل َقسطلب ِنً‪َ ،‬و َن ّص ُه‪ :‬وأَ َّما َتو ُّقؾ َمالِك َعن ا ْل َقو ِل‬‫ِب ُن ْقصانه َفخشٌ َة أ ْن ٌُ َتؤَ َّو َل علٌَه موا َف َق ُة الخوا ِر ِج‪ ،‬و ا ْلمراد منه‪ ،‬فقد‬‫َذهبت الخوارج إلى أَ َّن الإٌِمان هو ال َّطاعات بؤسرها‪ ،‬فرضاً كانت أَو‬‫نفلبً‪ ،‬و ٌُ َك ِّف ُرو َن أهل المعاصً من المإمنٌن با ّلذنو ِب( )‪ ،‬وهذا ما لا‬‫ٌراه َمالِك‪ ،‬بل كان ٌرى أن أهل المعاصً مإمنون‪ ،‬باقون على أصل‬ ‫الإٌمان‪.‬‬ ‫‪ - 5‬كذلك ٌنبؽً علٌنا أن لا ننسى أن َمالِكاً من أبمة الحدٌث‪ ،‬ومن‬‫أبرز علمار الأمة‪ ،‬وأبمة المذاهب‪ ،‬وكان حرٌصاً على موافقة كلب ِم الله‬ ‫‪ٍٛ -‬هح الأٔؼبَ ا‪٠٢‬خ‪160‬‬ ‫‪ -‬أٔظو ٕؾ‪١‬ؼ ٍَُِ ثْوػ إٌ‪ ، ٞٚٛ‬ط‪183 ٓ 1‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح إٌَبء ا‪٠٢‬خ ‪116‬‬ ‫حاشية العدوي عمى شرح كفاية الطالب الرباني‪،‬ج‪1‬ص‪. 299‬‬ ‫‪245‬‬

‫وسنة رسوله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬وإذا علمنا كذلك‪ ،‬أنه مإ ِّسس‬‫مدرسة الحدٌث والأثر التً كانت تؤخذ بالنصوص من كتاب وسنة‪ ،‬وقد‬ ‫أطبقت الأدلة على القول بزٌادة الإٌمان ونقصانه ‪.‬‬ ‫نذكر من هذه النصوص على سبٌل المثال لا الحصر قول الحق جل‬ ‫وعلب‪ُ ( :‬ه َو الَّ ِذي أَن َز َل ال َّس ِكٌ َن َة فًِ قُلُو ِب ا ْل ُم ْإ ِمنٌِ َن لِ ٌَ ْز َدا ُدوا إٌِ َماناً َّم َع‬ ‫إٌِ َما ِن ِه ْم )( ) وهذه الآٌة من سورة الفتح قد نزلت فً حق الصحابة‬‫الذٌن كانوا مع رسول الله صلى الله علٌه وسلم فً الحدٌبٌة‪ ،‬والمعروؾ‬ ‫أن الصحابة رضوان الله علٌهم‪ ،‬من أب ِّر هذه الأمة قلوباً ومن أزكاها‬ ‫أنفساً‪ ،‬ومن أقواها إٌماناً‪ ،‬وأكثرها خشٌ ًة وقرباً من الله تعالى بعد‬ ‫رسوله علٌه الصلبة والسلبم‪ ،‬ومع هذا قال الله تعالى فً حقهم(‬ ‫لٌزدادوا إٌماناً) معنى هذا‪ -‬أن هناك زٌادة للئٌمان‪ ،‬وفً المقابل هناك‬‫نق ٌفص‪ ،‬وهذا ٌقرر الحقٌقة التً ما كان للئمام َمالِك‪ -‬رحمه الله‪ -‬وهو من‬ ‫قد َعرفنا من حٌث التزامه بالنصوص‪ ،‬فما كان له أن ٌتجاوز هذا‬ ‫النص القرآنً‪.‬‬ ‫ثم إن حدٌث النبً صلى الله علٌه وسلم أٌضاً دلٌل واضح‪ٌُ -‬ذ َكر أنه‬ ‫من أقوى الأدلة فً هذا الباب‪ ،‬وهو قوله علٌه الصلبة والسلبم‪( :‬أكمل‬ ‫المإمنٌن إٌماناً أحسنهم خلقاً)‪ ،‬وهذا ٌبٌن أن هناك مإمن ناقص‬‫الإٌمان‪ ،‬ومإمن كامل الإٌمان‪ ،‬ومإمن أكمل منه‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وبنا ًر على‬ ‫ما تقدم‪ ،‬فإنه ٌتبٌن لنا أن هذا هو الصواب وهوما ٌترجح من قول‬ ‫َمالِك‪ ،‬وهو المقبول نقلبً وعقلبً فً مسؤلة زٌادة الإٌمان ونقصانه‪ ،‬وهو‬ ‫‪ٍٛ-‬هح اٌفزؼ ا‪٠٢‬خ ‪. 4‬‬ ‫‪246‬‬

‫الثابت عن أصحاب رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬كما ذكر شٌخ‬ ‫الإسلبم بن تٌمٌة‪ -‬رحمه الله‪ -‬حٌث قال‪ :‬إن ذلك مما ثبت عن أصحاب‬ ‫رسول الله صلى الله علٌه وسلم قاطبة‪ ،‬فروى الناس من وجوه كثٌرة‪،‬‬‫عن حماد بن سلمة‪ ،‬عن أبً جعفر‪ ،‬عن جده عمٌر بن حبٌب الخطمً‪،‬‬ ‫وهو من أصحاب رسول الله صلى الله علٌه وسلم قال‪ :‬الإٌمان ٌزٌد‬ ‫وٌنقص‪ ،‬قٌل له‪ :‬وما زٌادته‪ ،‬وما نقصانه ؟ قال‪ :‬إذا ذكرنا الله وحمدناه‬‫وسبحناه‪ ،‬فتلك زٌادته‪ ،‬وإذا ؼفلنا ونسٌنا فتلك نقصانه‪ ،‬وروى إسماعٌل‬‫بن عٌاش عن جرٌر بن عثمان عن الحارث بن محمد عن أبً الدردا ر‬ ‫قال‪ :‬الإٌمان ٌزٌد وٌنقص ( ) ‪.‬‬ ‫إذا كانت الأعمال تزٌد فً الإٌمان وتنقصه‪ ،‬على رأي أهل السنة‬ ‫والجماعة‪ ،‬وقد عرفنا أن الأعمال تشمل الأقوال والأفعال وما تعتقده‬ ‫القلوب‪ ،‬من هنا ٌمكننا أن نطرح سإالاً مه ًّما ٌستوجب منا الإجابة عنه‬ ‫بإسها ٍب وتفصٌ ٍل‪ :‬هل ٌعتبر ما تحدث به النفس صاحبها‪ ،‬وما ٌنتابها‬ ‫من وساو َس َ ‪ ،‬من الأعمال التً ٌحاسب علٌها المرء ؟ وما اعتبار‬ ‫النٌة فً باب الحسنات والسٌئات ؟‬ ‫الإجابة عن هذا السإال تتطلب منا النظر فً عدة معا ٍن‪،‬‬ ‫والتفصٌل فً العدٌد من المسابل‪ ،‬خاص ًة إذا علمنا أن النٌة معتبرةفٌ عند‬ ‫الإِ َمام َمالِك‪ ،‬ولها تؤثٌ ٌفر بال ٌفػ فً الأعمال الإعتقادٌة والعملٌة‪ ،‬ومما نقل‬ ‫فً هذا الباب عن َمالِك فً موطبه أنه كان ٌعتبر ال ِّنٌة جزراً مه ًّما فً‬ ‫العمل‪ ،‬بل علٌها المع َّول فً أخص العبادات وهً الصلبة‪ ،‬قوله رحمه‬ ‫‪ -‬الإ‪ّ٠‬بْ ٌْ‪١‬ـ الإٍلاَ ثٓ ر‪١ّ١‬خ ‪. 136ٓ،‬‬ ‫‪247‬‬

‫الله‪( :‬إِذا أدرك ال َّرج ُل الركعة فك َّبر تكبٌِر ًة واحد ًة أجزأَ ْت عنه تلك‬ ‫ال ّتكبٌِرة قال َمالِك‪ :‬وذلك إذا نوى بتلك ال ّتكبٌرة افتتاح الصلاة)( ) ‪.‬‬ ‫وعلى هذا فال ِّنٌة لها أث ٌفر كبٌ ٌفر فً أعمال الإٌمان‪ ،‬و َتح ُّرك القلب‪،‬‬ ‫وقصده‪ ،‬سوا فٌر فً إرادة الفعل‪ ،‬أو إرادة ال َّترك‪ ،‬وقد كان السلؾ‬ ‫الصالح‪-‬رضوان الله علٌهم أجمعٌن‪ٌ -‬هتمون بالنٌة فً جمٌع الأعمال‪،‬‬‫ودلٌل حرصهم على النٌة وأعمال القلوب‪ ،‬ماجار فً قول الله تعالى فً‬ ‫كتابه العزٌز‪ِّ ( :‬ل َّلهِ ما ِفً ال َّس َماوا ِت َو َما فًِ الاَ ْر ِض َوإِن ُت ْب ُدو ْا َما ِفً‬ ‫أَنفُ ِس ُك ْم أَ ْو ُت ْخفُوهُ ٌُ َحا ِس ْب ُكم ِب ِه ال ّلهُ َف ٌَ ْؽفِ ُر لِ َمن ٌَ َشا ُر َو ٌُ َع ِّذ ُب َمن ٌَ َشا ُر َوال ّلهُ‬ ‫َع َلى ُك ِّل َش ًْ ٍر َق ِدٌ ٌفر)( )‪.‬‬ ‫فقد نزلت هذه الآٌة أول ما نزلت‪ ،‬على رسول الله صلى الله علٌه‬‫وسلم‪ ،‬وقرأها على أصحابه فخافوا جمٌعاً‪ ،‬وقالوا ٌا رسو ل الله من م َّنا‬‫لا تحدثه نفسه‪ ،‬وقد ذكرت رواٌات عدة‪ ،‬فً كتب التفسٌر بٌنت ما كان‬ ‫علٌه أصحاب رسول الله صلى الله علٌه وسلم من القلق الشدٌد‪،‬‬‫والخوؾ البالػ من هذه الآٌة‪ ،‬و من هذه الرواٌات ما ذكره ابن كثٌ ٍر فً‬‫تفسٌره‪ ،‬عن مجاهد قال‪ :‬دخلت على ابن عباس‪ ،‬فقلت ٌا أب ا عباس‪،‬‬‫كنت عند بن عمر فقرأ هذه الآٌة فبكى‪ ،‬قال‪ :‬أَ ٌَّـ ُة آٌ ٍة ؟ قلت‪( :‬وإن تبدوا‬ ‫ما فً أنفسكم أو تخفوه) قال ابن عباس‪ :‬إن هذه الآٌة حٌن أنزلت‪،‬‬ ‫ؼ َّمت أصحاب رسول الله صلى الله علٌه وسلم ؼ ّماً شدٌداً‪ ،‬وؼاظتهم‬‫ؼٌظاً شدٌداً‪ٌ ،‬عنً‪ -‬وقالوا‪ٌ :‬ا رسو ل الله هلكنا إن ك َّنا نإاخذ بما تكلمنا‪،‬‬‫وبما نفعل‪ ،‬فؤما قلوبنا فلٌست بؤٌدٌنا‪ ،‬فقال لهم رسول الله صلى الله علٌه‬ ‫‪ِٛٛ -‬أ َِب ٌِه‪. 59ٓ،‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌجموح ا‪٠٢‬خ ‪. 284‬‬ ‫‪248‬‬

‫وسلم‪( :‬قولوا سمعنا وأطعنا )‪ ،‬فقالوا سمعنا وأطعنا‪ ،‬قال فنسختها الآٌة‪:‬‬ ‫( آ َم َن ال َّر ُسو ُل بِ َما أُن ِز َل إِ َل ٌْ ِه ِمن َّر ِّب ِه َوا ْل ُم ْإ ِم ُنو َن ُك ٌّل آ َم َن ِبال ّل ِه َو َملآ ِب َكتِ ِه‬ ‫َو ُك ُتبِ ِه َو ُر ُسلِ ِه لاَ ُن َف ِّر ُق َب ٌْ َن أَ َح ٍد ِّمن ُّر ُسلِ ِه َو َقالُو ْا َس ِم ْع َنا َوأَ َط ْع َنا ُؼ ْف َرا َن َك‬ ‫َر َّب َنا َوإِلَ ٌْ َك ا ْل َم ِصٌ ُر لاَ ٌُ َكلِّ ُؾ ال ّلهُ َن ْفساً إِلاَ ُو ْس َع َها لَ َها َما َك َس َب ْت َو َع َل ٌْ َها َما‬ ‫ا ْك َت َس َب ْت )( ) فتج ِّوز لهم عن حدٌث ال َّنفس وأخذوا بالأعمال ( ) ‪.‬‬ ‫وعلى هذا فإن حدٌث النفس لا ٌعتبر من الأعمال‪ ،‬ولكن ٌرد علٌنا‬ ‫إشكا فٌل وهو‪ -‬إذا كان حدٌث النفس لا ٌعتبر عملبً‪ ،‬ولا ٌإاخذ المرر به‪،‬‬ ‫فبماذا نجٌب عن حدٌث النبً صلى الله علٌه وسلم الذي أخرجه‬ ‫البخاري بسنده عن أبً هرٌرة رضً الله عنه أن رسول الله صلى الله‬ ‫علٌه وسلم‪ُ :‬سبِل أي العمل أفضل ؟ فقال‪( :‬إٌما ٌفن بالله ورسوله‪ ،‬قٌل‪ :‬ثم‬ ‫ماذا ؟ قال الجهاد فً سبٌل الله‪ ،‬قٌل ثم ماذا ؟ قال ح فٌج مبرور)( )‪.‬‬ ‫والإٌمان المقصود هنا‪ :‬الاعتقاد‪ ،‬والنطق بالشهادتٌن‪ ،‬والمعروؾ أ َّن‬ ‫الاعتقاد محله القلب‪ ،‬إذاً فهو مما لا ٌتعلق بعمل الجوارح‪ ،‬بل هو عم فٌل‬ ‫قلبً‪ ،‬ولكن النبً صلى الله علٌه وسلم اعتبره عملبً‪ ،‬وقد سبق فً الآٌة‬ ‫تجاوز الله عز وجل وعفوه عما تحدث به النفس‪ ،‬وعدم اعتبارها من‬ ‫الأعمال التً ٌإاخذ علٌها المرر‪ ،‬فكٌؾ ٌتم الجمع بٌنهما‪ ،‬وكذلك النٌة‬ ‫– كما م َّر علٌنا‪ ،‬وهً معلق ٌفة بالأعمال‪ ،‬علماً بؤنها من أعمال القلوب‪،‬‬ ‫ودواخل الأنفس‪ ،‬وهناك أعمال لا ٌإاخذ علٌها الشرع‪ ،‬ما لم تكن‬ ‫مقصود ًة‪ ،‬مع أن الإنسان قد ٌعملها حقٌق ًة من دون قص ٍد‪ ،‬فً حٌن‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌجموح ا‪٠٢‬خ ( ‪. )286 - 285‬‬ ‫‪ -‬اثٓ وض‪١‬و ط‪. 601 ٓ 1‬‬‫‪١ٕ -‬ؼ اٌجقبه‪ ، ٞ‬ثفزؼ اٌجبه‪،ٞ‬ط‪ٚ ،93 ٓ 1‬أفوعٗ ٍَُِ ف‪ٕ ٟ‬ؾ‪١‬ؾٗ ِٓ ؽل‪٠‬ش أث‪ ٟ‬مه ه‪ ٟٙ‬الله ػٕٗ لبي‪ :‬لٍذ‬ ‫‪٠‬بهٍ‪ٛ‬ي الله‪ -‬أ‪ ٞ‬الأػّبي أف‪ًٚ‬؟ لبي‪:‬ئ‪ّ٠‬بْ ثبلله ‪ٚ ،‬اٌغ‪ٙ‬بك ‪ ...‬اٌؾل‪٠‬ش )‬ ‫‪249‬‬

‫ٌإاخذ علٌها بِ َش ْك ٍل كام ٍل إذا كانت مقصود ٍة‪ ،‬كما فً القتل الخطإ‪،‬‬‫وطلبق المكره‪ ،‬وؼٌرها‪ ،‬فما هو القول الفصل فً هذه المسؤلة ؟ وهل‬ ‫هناك فر ٌفق فً أعمال القلوب ؟‬ ‫فً حقٌقة الأمر إن هذا موضو ٌفع كبٌ ٌفر‪ ،‬وفٌه آرا فٌر متعدد ٌةف للعلمار‪،‬‬ ‫وللئجابة عنه نحتاج إلى معرفة بعض المصطلحات التً لها علبق فٌة‬ ‫بؤعمال القلوب حتى ٌتس َّنى لنا التفرٌق بٌنها بِ َش ْك ٍل دقٌق‪ ،‬ومن هنا فإننا‬ ‫نقول إ َّن أعمال القلوب تنقسم إلى ما ٌلً ‪:‬‬‫‪ - 1‬الهاجس ( الخاطر )‪ :‬فً اللؽة حدٌث فً النفس ابتدا ًر‪ ،‬وٌسمى‬‫الحدس( ) وهناك من ٌنزل الهاجس منزلة الخاطر العابر وفً الحدٌث‬‫\"ما ٌهجس فً الضمابر\" أي ما ٌخطر بها وما ٌدور فٌها من الأحادٌث‬ ‫والأفكار( ) بحٌث لا ٌملك المرر دفعه‪ ،‬ولٌس له أي أث ٍر بمعنى أن‬ ‫النفس فٌه على حٌا ٍد‪ ،‬من حٌث تم ِّنً حصوله أو عدمه‪ ،‬والهواجس‬ ‫تعتري الأنفس البشرٌة ؼالباً‪ ،‬وهً لا تعدو كونها أفكاراً عابر ٌةف لا‬‫تش ِّكل شٌباً‪ ،‬وقد تكون أفكاراً وخواطر صالح ٌفة طٌب فٌة‪ ،‬وقد تكون خواطر‬ ‫وأفكاراً ردٌب ٌفة خبٌثة ‪.‬‬ ‫ومن العلمار من ٌفرق بٌن‪ -‬الخاطر‪ ،‬والهاجس‪ -‬فمن ٌجعل الهاجس‬ ‫‪ -‬أقل تؤثٌراً فً النفس من الخاطر‪ ،‬فؤول ما تبتدأ الفكرة فً النفس‬ ‫بالهاجس‪ ،‬ثم إذا ما كان لها وق ٌفع فً النفس‪ ،‬وتـؤ َّثر القلب بها وصارت‬ ‫‪ِ -‬قزبه اٌٖؾبػ ٓ ‪. 691‬‬ ‫‪ٌَ -‬بْ اٌؼوة ‪ ،‬لاثٓ ِٕظ‪ٛ‬ه ‪ ،‬ط‪. 27 ٓ 15‬‬ ‫‪250‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook