Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore Imam Malik's Doctrine of Faith and Practice

Imam Malik's Doctrine of Faith and Practice

Published by salemfaraj1971, 2017-05-19 12:01:29

Description: This book studies the belief of imam Malik, particularly his concept of faith and the external expression thereof. It examines the first two eras of Islam, that of the Companions and Followers, which preceded him and their influence on his methodology of formulating his theological and legal views. It further looks at his approach to the textual evidences and his attitude towards speculative reasoning (kalam) regarding theological issues.

Keywords: Imam Malik's Doctrine

Search

Read the Text Version

‫المٌل عن القصد‪ ،‬وقٌل‪ :‬الملحد العادل عن الحق‪ ،‬المدخل فٌه ما لً س‬ ‫منه‪ ،‬وقٌل الإلحاد العدول عن الاستقامة)( ) وهو تعالى كما قال‪( :‬لاَ‬ ‫ُت ْد ِر ُك ُه الأب َصا ُر و ُهو ٌُد ِرك الأب َصا َر)( )‪ ،‬وقوله‪ْ ٌَ (:‬علَ ُم َخابِ َن َة الاَ ْع ٌُ ِن‬ ‫َو َما ُت ْخفًِ ال ُّص ُدو ُر)( )‪ ،‬وأنه سٌجازي كل إنسا ٍن بما عمل‪ ،‬ولٌس‬ ‫هنالك من حاج ٍة إلى الخوض فً ذات الله‪ ،‬وتبٌان كنهها‪ ،‬فالأمر أكبر‬ ‫من أن ٌدركه المدعو‪ ،‬فضلبً عن الداعٌة‪ ،‬لأنه تعالى‪( :‬لَ ٌْ َس َك ِم ْثلِ ِه‬ ‫َش ًْ ٌفر َو ُه َو ال َّس ِمٌ ُع ا ْل َب ِصٌ ُر )( ) ‪.‬‬‫والرأي فً آٌات الصفات عند السلؾ عموماً‪ ،‬إجراإها كما هً‪ ،‬قال‬ ‫الحافظ ابن خزٌمة‪ :‬قد بٌن الله ع َّزوج َّل فً محكم تنزٌله المثبت بٌن‬ ‫الدفتٌن‪ ،‬أن له وجهاً وصفه بالجلبل والإكرام‪ ،‬كما فً قوله تعالى‪( :‬‬ ‫َو ٌَ ْب َقى َو ْج ُه َر ِّب َك ُذو ا ْل َجلبَ ِل َوا ْلإِ ْك َرا ِم )( )‪ ،‬وابن خزٌمة شافعً‬ ‫المذهب‪ ،‬وهو من أصحاب التصانٌؾ المشهورة فً الحدٌث النبوي‬ ‫الشرٌؾ‪ ،‬وقد عاش فً القرن الثالث الهجري‪ ،‬ولك َّنه كان على عقٌدة‬ ‫الإِ َمام َمالِك‪ ،‬فً الأسمار والصفات‪ ،‬وكما عرفنا من قبل أ َّن الأبمة لم‬‫ٌختلفوا فً مسابل الاعتقاد‪ ،‬بل كان اختلبفهم فً فروع المسابل الفقهٌة‪،‬‬‫ولهذا كان قوله ‪ -‬رحمه الله‪ -‬موافقاً لرأي الإِ َمام َمالِك‪ ،‬ثم استشهد أٌضاً‬ ‫بقول الله تعالى‪( :‬كل شً ٍر هال فٌك إلا وجهه) ثم قال‪ -‬رحمه الله‪ : -‬زعم‬‫بعض الجهلة من الجهمٌة أ َّنما وصؾ فً هذه الآٌات نفسه التً أضاؾ‬ ‫إلٌها الجلبل‪ ،‬ثم قال‪ :‬إن هذه دعوةفٌ إنما ٌدعٌها من ٌجهل لؽة العرب‪،‬‬ ‫اٌفقو اٌواى‪، ٞ‬اٌزفَ‪١‬و اٌىج‪١‬و‪،‬اٌّطجؼخ اٌج‪١ٙ‬خ‪ِٖ ،‬و‪،‬اٌطجؼخ الأ‪ َ1938 ،ٌٝٚ‬ط ‪. 71 ٓ 15‬‬ ‫‪ٍٛ-‬هح الأٔؼبَ ا‪٠٢‬خ ‪.‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح غبفو ا‪٠٢‬خ ‪. 19‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌْ‪ٛ‬ه‪ ٜ‬ا‪٠٢‬خ ‪. 9‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌوؽّبْ ا‪٠٢‬خ ‪. 27‬‬ ‫‪151‬‬

‫لأن الآٌة ذكر ْت الوجه مضموماً‪ ،‬وذكر الرب بخفض البار بإضافة‬‫الوجه ولو كان قوله(ذو الجلبل والإكرام) مردوداً إلى ذكر الرب‪ ،‬لذكر‬ ‫الآٌة هكذا‪( :‬وٌبقى وجه ربك ذي) كما قال فً آخر السورة‪ ( :‬تبارك‬ ‫اسم ربك ذي الجلبل والإكرام ) فتفهموا ٌاذوي الحجا( )‪.‬‬‫وٌذكر الصابونً فً كتابه (عقٌدة السلف أصحاب الحدٌث)‪ ،‬ما كان‬ ‫قولاً واحداً مجمعاً علٌه عندهم‪ ،‬رحمهم الله جمٌعاً‪ ،‬ولم ٌنقل عن أي‬ ‫واح ٍد من السلؾ الصالح لهذه الأمة‪ ،‬قو فٌل ٌخالفه‪ ،‬فقد قال‪ -‬رحمه الله‪:-‬‬ ‫(وكذلك ٌقولون – وإنما ٌقصد أبمة السلؾ أبً حنٌفة و َمالِك والشافعً‬‫وؼٌرهم‪ -‬فً جمٌع الصفات التً ذكرها القرآن‪ ،‬ووردت بها الأحادٌث‬‫الصحاح من السمع ‪ ،‬والبصر ‪ ،‬والعٌن ‪ ،‬والوجه ‪ ،‬والعلم ‪ ،‬والقوة ‪،‬‬ ‫والقدرة‪ ،‬والعزة والعظمة ‪ ،‬والإرادة‪ ،‬والمشٌبة ‪ ،‬والقول‪ ،‬والكلبم‪،‬‬‫والرضا‪ ،‬والسخط‪ ،‬والحٌاة‪ ،‬والٌقظة‪ ،‬والفرح‪ ،‬والضحك‪ ،‬وغيرها‪ ،‬من‬ ‫ؼٌر تشبٌه لشًر من ذلك بصفات المربوبٌن المخلوقٌن‪ ،‬بل ٌنتهون‬‫فٌها إلى ما قاله الله تعالى‪ ،‬وقاله رسوله صلى الله علٌه وآل ه وسلم من‬ ‫ؼٌر زٌادة علٌه ‪ ،‬ولا إضافة إلٌه‪ ،‬ولا تكٌٌؾ له ‪ ،‬ولا تشبٌه‪ ،‬ولا‬ ‫تحرٌؾ ولا تبدٌل ولا تؽٌٌر‪ ،‬ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب‪،‬‬ ‫وتضعه علٌه بتؤوٌل منكر‪ ،‬وٌجرونه على الظاهر‪ ،‬وٌكلون علمه إلى‬ ‫الله تعالى‪ ،‬وٌقرون بؤن تؤوٌله لا ٌعلمه إلا الله ‪ ،‬كما أخبر الله عن‬‫الراسخٌن فً العلم أنهم ٌقولونه فً قوله تعالى‪َ ( :‬وال َّرا ِس ُخو َن فًِ ا ْل ِع ْل ِم‬ ‫ٌَقُولُو َن آ َم َّنا ِب ِه ُك ٌّل ِّم ْن ِعن ِد َر ِّب َنا َو َما ٌَ َّذ َّك ُر إِلاَ أُ ْولُو ْا الأ ْل َبا ِب)( ) ‪.‬‬ ‫‪ -‬اٌؾبفع ثٓ في‪ّ٠‬خ‪ ،‬وزبة اٌز‪ٛ‬ؽ‪١‬ل ‪ٚ‬ئصجبد ٕفبد اٌوة‪ِ ،‬ىزجخ اٌىٍ‪١‬بد الأى٘و‪٠‬خ‪ ،‬اٌمب٘وح‪. 22ٓ َ1988 ،‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح آي ػّواْ ا‪٠٢‬خ ‪. 7‬‬ ‫‪152‬‬

‫لذلك كان َمالِك‪ -‬رحمه الله‪َ ٌُ -‬ن ِّف ُر من الحدٌث فً الأسمار والصفات‬ ‫أش َّد ال َّتنفٌرة‪ ،‬و ُن ِقل عنه زجره للخابضٌن فً هذا الباب ‪.‬‬ ‫فلو كان الأمر مهماً‪ ،‬ولو كان علٌه المعول فً العقٌدة‪ ،‬لما سكت عنه‬ ‫الرسول صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬وأصحابه الأطهار ولنقل إلٌنا‪ ،‬إما‬ ‫بالتواتر‪ ،‬أو حتى بؤخبار الآحاد‪ ،‬ذلك لأن الرسول صلى الله علٌه وسلم‬ ‫قد بلَّػ ما أوحً إلٌه من ربه‪ ،‬ولم ٌبق شً فٌر مما ٌفترض أن ٌكون من‬ ‫أساسٌات الدٌن‪ ،‬ول ِّب العقٌدة‪ ،‬إلا وقد بلَّؽنا به وو َّضحه لنا‪ ،‬ومن ٌظن‬ ‫أن هناك فً الدٌن والعقٌدة شًر لم ٌوضحه رسول الله صلى الله علٌه‬ ‫وسلم‪ ،‬فقد اتهم رسول الله صلى الله علٌه وسلم بعدم البلبغ‪ ،‬واتهم دٌن‬‫الله بالنقص‪ ،‬وهذا اتها فٌم باطل ٌكف ُر صاحبه‪ ،‬لأن الله ٌقول ( ا ْل ٌَ ْو َم أَ ْك َم ْل ُت‬‫لَ ُك ْم ِدٌ َن ُك ْم َوأَ ْت َم ْم ُت َعلَ ٌْ ُك ْم نِ ْع َم ِتً َو َر ِضٌ ُت َل ُك ُم الإِ ْسلبَ َم ِدٌناً )( ) وكٌؾ‬ ‫ٌكون ذلك‪ ،‬وقد أكمل الله الدٌن‪ ،‬وبٌن الشرابع‪ ،‬وح َّكم العقابد ؟ وهو‬ ‫الذي قال عز من قاب ٍل ‪ (:‬ا ْل ٌَ ْو َم أَ ْك َم ْل ُت َل ُك ْم ِدٌ َن ُك ْم َوأَ ْت َم ْم ُت َعلَ ٌْ ُك ْم ِن ْع َم ِتً‬ ‫َو َر ِضٌ ُت َل ُك ُم الإِ ْسلبَ َم ِدٌناً )( ) ‪.‬‬ ‫ولم نسمع أن الصحابة رضوان الله علٌهم‪ ،‬خاضوا فً ذلك بل كانوا‬‫ٌكرهون الخوض فً ذلك‪ ،‬قال العلبمة الشنقٌطً‪ ( :‬اعلموا أن كثرة‬‫الخوض والتعمق فً البحث فً آٌات الصفات ‪ ،‬وكثرة الأسبلة فً ذلك‬ ‫الموضوع من البدع التً ٌكرهها السلؾ)( ) ‪.‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌّبئلح ا‪٠٢‬خ ‪. 3‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌّبئلح ا‪٠٢‬خ ‪. 3‬‬ ‫‪ِ -‬ؾّل الأِ‪ ٓ١‬إٌْم‪١‬ط‪ِٕٙ ،ٟ‬ظ ‪ٚ‬كهاٍبد ‪٠٢‬بد الأٍّبء ‪ٚ‬اٌٖفبد‪ِ ،‬طبثغ اٌّل‪ٕ٠‬خ إٌّ‪ٛ‬هح‪ ،‬اٌطجؼخ الأ‪،ٌٝٚ‬‬ ‫‪٘1410‬ـ‪. 2 ٓ ،‬‬ ‫‪153‬‬

‫وٌذكر الشاطبً أٌضاً وهو َمالِكً المذهب‪ ،‬فً كتابه‪ -‬الاعتصام‪-‬‬ ‫عن رأي َمالِك فً مثل هذه القضاٌا الحساسة‪ ،‬ما نصه‪ :‬قال ابن‬ ‫الماجشون(‪ )‬سمع ُت َمالِكاً ٌقول من أحدث فً هذه الأمة شٌ ًبا لم ٌكن‬ ‫علٌه سلفها‪ ،‬فقد زعم أن رسول الله صلى الله علٌه وسلم خان الرسالة‪،‬‬ ‫لأن الله ٌقول ‪ ( :‬ا ْل ٌَ ْو َم أَ ْك َم ْل ُت َل ُك ْم ِدٌ َن ُك ْم َوأَ ْت َم ْم ُت َع َل ٌْ ُك ْم نِ ْع َم ِتً َو َر ِضٌ ُت‬ ‫لَ ُك ُم الإِ ْسلبَ َم )( ) فما لم ٌكن ٌومبذ دٌنا فلب ٌكون الٌوم دٌنا )( ) ‪.‬‬ ‫وقال القاضً عبد الوهاب ال َمالِكً‪ :‬كان َمالِك لا ٌرى فً الأسمار‬ ‫والصفات إلاَ الإِمرار وال َّتسلٌم‪ ،‬وهذه هً طرٌقة ال َمالِكٌة فً فهم‬ ‫النصوص‪ ،‬و َفه ُم َمالِك لهذه النصوص بهذه الكٌفٌة‪ ،‬دلال ٌفة على ماذهب‬ ‫إلٌه السلؾ فً مثل هذه القضاٌا‪ ،‬فهم ٌنفون المماثلة‪ ،‬وٌنفون‬ ‫المشابهة‪ ...‬ثم قال‪ :‬واعلم أن الوصؾ له تعالى بالاستوار اتبا فٌع للن ِّص‪،‬‬ ‫وتسلٌم للشرع‪ ،‬وتصدٌق لما وصؾ نفسه تعالى به‪ ،‬ولا ٌجوز أن نثبت‬ ‫له كٌفٌ ًة‪ ،‬لأن الشرع لم ٌرد بذلك‪ ،‬ولا أخبر النبً صلى الله علٌه وسلم‪،‬‬ ‫فٌه بشً ٍر‪ ،‬ولا سؤلته الصحابة عنه‪ ،‬وهذا هو فهم َمالِك لهذه النصوص‬ ‫()‪.‬‬ ‫القول فً مسائل القدر وأفعال العباد ‪:‬‬‫‪ٛ٘-‬ػجل اٌٍّه ثٓ ػجل اٌؼي‪٠‬ياٌّبعْ‪ ِٓ،ْٛ‬وجبه فم‪ٙ‬بء اٌ َّب ٌِى‪١‬خ‪٠ٚ ،‬ؼزجوٖ اٌجؼ٘ ِٓ هفبق َِبٌِه لبي ف‪٠ ٗ١‬ؾ‪ ٝ١‬ثٓ‬‫أوضُ ػجل اٌٍّه ثؾ ٌو لا رىلهٖ اٌ ِّللاء‪ٚ ،‬لبي أؽّل ثٓ اٌّؼلي وٍّب رنوود أْ اٌزواة ‪٠‬أوً ٌَبْ ػجل اٌٍّه ٕغود اٌلٔ‪١‬ب‬ ‫ف‪ ٟ‬ػ‪ٚ ،ٟٕ١‬لبي ف‪ ٗ١‬أ‪ٚ٠‬بً وبْ ٌَبْ ػجل اٌٍّه ئما رؼب‪ ٝ٠‬أؽ‪١‬ب ِٓ ٌَبٔ‪ ٟ‬ئما رؾب‪ ،ٝ٠‬ر‪ٛ‬ف‪ ٟ‬هؽّٗ الله ٍٕخ‪٘ 213‬ـ ‪.‬‬ ‫‪ٍٛ-‬هح اٌّبئلح ا‪٠٢‬خ ‪. 3‬‬ ‫‪-‬أة‪ ٚ‬ئٍؾبق ئثوا٘‪ ُ١‬ثٓ ِ‪ ٍٝٛ‬ثٓ ِؾُ ك اٌغؤب‪ ، ٝٛ‬اٌ َّب ٌِى‪ ،ٟ‬الاػزٖبَ ٌٍْب‪ٛ‬ج‪ ،ٟ‬رؾم‪١‬ك ِؾّل ٘بٔ‪،ٟ‬اٌّىزجخ‬ ‫اٌز‪ٛ‬ف‪١‬م‪١‬خ‪،‬ط‪.365 ٓ 1‬‬ ‫‪ّ -‬وػ ػم‪١‬لح اثٓ أث‪ ٟ‬ى‪٠‬ل اٌم‪١‬و‪ٚ‬أ‪ ،ٟ‬اٌمب‪ ٟٙ‬ػجل اٌ‪٘ٛ‬بة اٌجغلاك‪ ٞ‬اٌ َّب ٌِى‪. 119ٓ ،ٟ‬‬ ‫‪154‬‬

‫إن مسؤلة القدر‪ ،‬وأفعال العباد‪ ،‬وقضاٌا الاختٌار فً الأعمال‪ ،‬من‬ ‫القضاٌا التً انقسم فٌها الناس قدٌماً وحدٌثاً‪ ،‬وشؽلت بال كثٌ ٍر من‬ ‫المتكلمٌن والعلمار‪ ،‬وسبب الخلبؾ‪ -‬التنازع فً وجهات النظر بٌن‬ ‫مسلَّ ٍم للنصوص من كتاب وسنة‪ ،‬وفرٌق آخر أشكلت علٌه النصوص‪،‬‬ ‫واشتبهت علٌه‪ ،‬فقال بالجبر فً الأعمال‪ ،‬وآخر منك ٌفر للقدرة الإلهٌة فً‬ ‫أفعال العباد‪ ،‬فؤفرط فً تفوٌض أمور الأعمال للعبد‪ ،‬صؽٌرها‪،‬‬ ‫وكبٌرها‪ ،‬وبٌن كل فرٌق وفرٌق جماعا فٌت تق ُّر بجزبٌات من المسإولٌة‬ ‫على العباد‪ ،‬وتنكر‪ ،‬والعلمار ٌقسمون التنازع فً مسابل القدر إلى ثلبثة‬ ‫فرق ربٌسٌة‪ ،‬سنتحدث عنها فٌما ٌلً بشً ٍر من التفصٌل‪ ،‬وهً على‬ ‫النحو الآتً ‪:‬‬ ‫‪ - 1‬الجبر فً الأعمال‪ :‬وقال بهذا طابفة اصطلحت الفقهار على‬ ‫تسمٌتهم بالجبرٌة‪ ،‬وأطلق علٌهم هذا الاسم من معتقدهم فً هذه‬ ‫المسؤلة‪ ،‬فهم ٌقولون‪ :‬إن العبد لا اختٌار له فً فعل الخٌرأوالشر‪ ،‬بل‬ ‫هو مجبر على كل ما ٌفعل‪ ،‬وحال الإنسان مع القدر كقش ٍة فً سٌل‬ ‫الوادي‪ٌ ،‬جرفها كٌؾ ٌشار‪ ،‬وٌقولون أٌضاً ألاَ فعل للعبد حقٌق ًة ولا‬ ‫مجازاً ( ) ‪.‬‬ ‫وجار فً شرح السمرقندي للفقه الأكبر للئمام أبً حنٌفة‪ ،‬وهو كتاب‬ ‫مشهور‪ ،‬جمع فٌه أبوحنٌفة‪ -‬رحمه الله‪ ،-‬مسابل متنوع ًة فً العقٌدة‪،‬‬ ‫وأورد فٌه كذلك أقواله‪ ،‬وأقوال علمار السلؾ فً قضاٌا الاعتقاد بِ َش ْك ٍل‬‫‪ -‬ؽَٓ ثٓ ػجل اٌؾَٓ ثٓ أث‪ ٟ‬ػنثٗ‪ ،‬اٌو‪ٙٚ‬خ اٌج‪١ٙ‬خ ف‪ّ١‬ب ث‪ ٓ١‬الأّبػوح ‪ٚ‬اٌّبروك‪٠‬خ‪ ،‬رؾم‪١‬ك‪ -‬ػٍ‪ ٝ‬فو‪٠‬ل ؽو‪ٚ‬ط‪ ،‬كاه‬ ‫ٍج‪ ً١‬اٌوّبك‪ ،‬اٌطجؼخ الأ‪. 79 ٓ ، 1996 ،ٌٝٚ‬‬ ‫‪155‬‬

‫عام‪ ،‬ومما َذكر فً تعرٌفه للجبرٌة‪ ،‬قوله‪( :‬وقالت المج ِّبر ُة‪ :‬لافعل‬ ‫للعبد‪ ،‬وله فعل على وجه المجاز لا على وجه الحقٌقة)( ) ‪.‬‬ ‫وكل من ٌعتقد هذا الاعتقاد فً مسابل القدر‪ ،‬وأفعال العباد‪ ،‬فهو من‬ ‫الجبرٌة‪ ،‬وإن كان ٌعتقد أي مع َت ًَق ٍد آخر فً ؼٌرها من المسابل‪،‬‬ ‫فعلى هذا ٌمكن أن ٌكون المعتزلً جبرٌاًّ‪ ،‬والجهمً جبرٌاَّ‪ ،‬وهكذا‪،‬‬ ‫وقال البؽدادي‪ :‬وأهم فرقها هم الجه م ةً الذٌن قالوا‪ :‬إن أفعال العباد‬ ‫مخلوقة والإنسان لٌس إلا كالرٌشة فً مهب الرٌح‪ ،‬لٌس له قدرة ولا‬ ‫اختٌار‪ ،‬وهذا هو الجبر المحض الذي أنكر هت سابر الطوابؾ( ) ‪.‬‬ ‫‪ - 2‬القائلون بالاختٌار المحض فً الافعال‪ :‬وٌطلق الفقهار على‬ ‫هإلار اسم القدرٌة‪ ،‬لإفراطهم فً استعمال العقل‪ ،‬ومقاٌستهم النصوص‬ ‫بعقولهم‪ ،‬معتقدٌن أن العبد حر فً كل ما ٌختار‪ ،‬وأن لا سلطان ِل َّله‬ ‫علٌه‪ ،‬ومنشؤ هذا القول من المعتزلة‪ ،‬لذلك ٌَ ُع ُّد بعض أهل العلم القدرٌة‬ ‫إحدى طوابؾ المعتزلة‪ ،‬وقد وصفهم َمالِك بقوله‪ :‬هم الذٌن ٌقولون ما‬ ‫خلق المعاصً‪ ،‬فٌنسبون القدرة لهم فً الأعمال والأفعال خٌرها‬ ‫وشرها صؽٌرها وكبٌرها( ) ‪.‬‬ ‫ولكن ومن خلبل تقٌٌمنا لأقوال القدرٌة بِ َش ْك ٍل عام‪ ،‬فإننا نقول ما قلناه‬ ‫فً الجبر‪ ،‬فلٌست فكرة القدرٌة مقصورة على فرقة بعٌنها‪ ،‬بل كل من‬‫‪ -‬أث‪ِٖٕٛ ٛ‬ه ِؾّل ثٓ ِؾّل ثٓ ِؾّ‪ٛ‬ك اٌؾٕف‪ ٟ‬اٌَّولٕل‪ّ ،ٞ‬وػ اٌفمٗ الأوجو اٌّزٓ إٌَّ‪ٛ‬ة ٌلإِبَ أث‪ ٟ‬ؽٕ‪١‬فخ‬ ‫إٌؼّبْ‪ ،‬هاعؼٗ‪ِ -‬ؾّل ثٓ ئثوا٘‪ ُ١‬الأٖٔبه‪ِ ،ٞ‬طجؼخ– ِغٌٍ كائوح اٌؼٍُ إٌظبِ‪١‬خ‪ ،‬اٌ‪ٕٙ‬ل ‪٘1321‬ـ ‪. 18ٓ ،‬‬‫‪ -‬ػجل اٌمبكه ثٓ ‪ٛ‬ب٘و ثٓ ِؾّل اٌجغلاك‪ ،ٞ‬اٌفوق ث‪ ٓ١‬اٌفوق‪ ،‬رؾم‪١‬ك‪ِ -‬ؾ‪ ٟ‬اٌل‪ ٓ٠‬ػجل اٌؾّ‪١‬ل‪ِ ،‬ىزجخ كاه اٌزواس‪،‬‬ ‫ّبهع اٌغّ‪ٛٙ‬ه‪٠‬خ‪ ،‬اٌمب٘وح‪ِٖ ،‬و‪( ،‬ثل‪ ْٚ‬ربه‪٠‬ـ ‪ٛ‬جبػخ ) ٓ‪. 199‬‬ ‫‪ِ -‬ؾّل ٍىؾبي اٌغيائو‪ ،ٞ‬اٌّن٘ت اٌ َّبٌِى‪ ،ٟ‬رؾم‪١‬ك ‪ِٚ‬واعؼخ‪ -‬اٌلوز‪ٛ‬ه‪ -‬ثل‪٠‬غ اٌَ‪١‬ل اٌٍؾبَ‪ ،‬كاه ا‪٢‬صبه اٌّٖو‪٠‬خ‪،‬‬ ‫اٌمب٘وح‪. 379 ٓ َ1988 ،‬‬ ‫‪156‬‬

‫ٌعتقد معتقدهم‪ ،‬وٌنحو نحوهم فً مسؤلة القدر‪ٌ ،‬مكن أن نسمٌه قدري‪،‬‬ ‫وٌمكن أن ٌكون جبر ًٌّـا من معتزلً الفكر‪ ،‬والمعتزلً قدري فً أفعال‬ ‫العباد‪ ،‬وٌقول الأشعري عنهم‪ :‬أجمعت المعتزلة على أن الله سبحانه لم‬ ‫يخلق الكفر‪ ،‬ولا المعاصً‪ ،‬ولا شٌباً من أفعال ؼٌر ه‪ ،‬إلا رجلبً منهم‪،‬‬ ‫إنؾه زعم أن الله خلقها بؤن خلق أسمارها وأحكامها ( ) ‪.‬‬ ‫واستدل القدرٌة بعدة نصوص منها‪ ،‬قول الحق جل وعلب‪ ( :‬ا ْل ٌَ ْو َم‬ ‫ُت ْج َز ْو َن َما ُكن ُت ْم َت ْع َملُو َن )( )‪ ،‬وأٌضاً بقوله تعالى‪َ ( :‬ف َمن اشر َف ْل ْيإ ِمن‬ ‫َو َمن َشار َف ْل ٌَ ْك ُف ْر)( )‪.‬‬ ‫وقد وقعوا فً بعض الشبهات العقلٌة‪ ،‬لأنهم وزنوا الأمور بعقولهم‬ ‫فقط‪ ،‬ولم ٌوازنوا بٌن الأدلة‪ ،‬ومن الحجج العقلٌة التً طرحوها ‪:‬‬ ‫‪ -‬قالوا‪ :‬لو كانت الأفعال مخلوق ًة من عند الله خٌرها وشرها‪ ،‬ولا‬ ‫مسإولٌة للئنسان فٌها‪ ،‬فكٌؾ ٌحاسبنا الله على عمل لا ذنب لنا فٌه ؟‬ ‫( )‪.‬‬ ‫‪ -‬إذا كانت جمٌع الأفعال من الله‪ ،‬فكٌؾ لك أن تعرؾ المحسن‬ ‫إلٌك من الناس‪ ،‬من المسًر ؟ فالمحسن لا ٌَ َد ًَ له فً عمله‪ ،‬والمسًر‬ ‫كذلك ٌصٌر مكرهاً على ما ٌقوم به‪ ،‬ولا اختٌار له ‪.‬‬ ‫‪ِ -‬مبلاد الإٍلاِ‪ٌ ٓ١١‬لأّؼو‪ٍّٛ٘ ، ٞ‬د ه‪٠‬زو ‪ ،‬كاه ئؽ‪١‬بء اٌزواس اٌؼوث‪، ٟ‬ث‪١‬و‪ٚ‬د‪،‬ااٌطجؼخ ا ٌضبٌضخ ( ثل‪ ْٚ‬ربه‪٠‬ـ‬ ‫‪ٛ‬جبػخ)ٓ ‪.227‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌغبص‪١‬خ ا‪٠٢‬خ ‪. 28‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌى‪ٙ‬ف ا‪٠٢‬خ ‪. 29‬‬‫‪ّ -‬وػ الإٔ‪ٛ‬ي اٌقَّخ ‪،‬اٌمب‪ ٟٙ‬ػجل اٌغجبه‪،‬رؾم‪١‬ك كػجل اٌىو‪ ُ٠‬ػضّبْ ‪ِ،‬ىزجخ ‪٘ٚ‬جٗ ‪ِٖ،‬و‪،‬الأ‪،1965 ٌٝٚ‬‬ ‫ٓ ‪. 355‬‬ ‫‪157‬‬

‫‪ -‬كٌؾ ٌؤمرنا الله أو ٌكلفنا بؤعما ٍل‪ ،‬أمر صناعتها فً ٌده وهو‬ ‫خالقها ؟‪ ،‬وهذا ٌتنافى مع الحكمة الإلهٌة ‪.‬‬ ‫‪ٌ -‬لزم من قولنا‪ – :‬إن الأعمال مخلوقة من الله – أن ٌكون‬ ‫الكافر مطٌعاً‪ ،‬لأنه ٌفعل ما خلقه الله له ( ) ‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الفرٌق الوسط بٌن الفرٌقٌن ‪:‬‬ ‫وهو الذي سلك المسلك الوسط‪ ،‬لا إفراط فٌه ولا تفرٌط‪ ،‬وهم أهل‬ ‫السنة والجماعة‪ ،‬وعموم الأمة‪ ،‬وٌقسم الشٌخ بن عثٌمٌن‪ -‬رحمه الله‪-‬‬ ‫معتقد أهل السنة والجماعة فً قضٌة القدر وأفعال العباد إلى قسمٌن ‪:‬‬ ‫القسم الأول‪ :‬ما ٌجرٌه الله‪ -‬تبارك وتعالى‪ -‬من فعله فً مخلوقاته‬ ‫فهذا لا اختٌار للعباد فٌه‪ ،‬فهو سبحانه وتعالى ٌنزل المطر‪ ،‬وٌنبت‬ ‫ال َّزرع‪ ،‬وٌحًٌ وٌمٌت‪ ،‬وٌمرض وٌشفً‪ ،‬وؼٌر ذلك من الأمور‬ ‫الكثٌرة التً تشاهد فً مخلوقات الله تعالى‪ ،‬وهً بلب شك‪ ،‬لٌس لأحد‬‫فٌها اختٌار‪ ،‬ولٌس لأحد فٌها مشٌبة‪ ،‬وإنما المشٌبة فٌها لله الواحد القهار‬ ‫‪.‬‬ ‫القسم ال انً‪ :‬ما تفعله الخلببق كلها من ذوات الإرادة‪ ،‬فهذه الأفعال‬‫تكون باختٌار فاعلٌها وإرادتهم‪ ،‬لان الله تعالى جعل ذلك إلٌهم( )‪ ،‬قال‬‫الله تعالى‪ِ ( :‬ل َمن َشار ِمن ُك ْم أَن ٌَ ْس َت ِقٌ َم )( ) وقال تعالى‪ِ ( :‬من ُكم َّمن ٌُ ِرٌ ُد‬ ‫‪ -‬اٌم‪ٚ‬بء ‪ٚ‬اٌمله ‪،‬ػجل اٌوؽّٓ اٌّؾّ‪ٛ‬ك‪ ،‬كاه اٌ‪، ٓٛٛ‬اٌو‪٠‬بٗ ‪ ،‬اٌضبٔ‪١‬خ‪. 235 ٓ ، َ1997 ،‬‬ ‫‪ِ -‬ؾّل ٕبٌؼ اٌؼض‪ ، ٓ١ّ١‬هٍبٌخ ف‪ ٟ‬اٌم‪ٚ‬بء ‪ٚ‬اٌمله‪ ،‬اٌّىزجخ اٌ‪ٛ‬لف‪١‬خ ‪ ،‬اٌّل‪ٕ٠‬خ إٌّ‪ٛ‬هح‪٘1422 ،‬ـ‪. 3ٓ ،‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌزى‪٠ٛ‬و ا‪٠٢‬خ ‪. 28‬‬ ‫‪158‬‬

‫ال ُّد ْن ٌَا َو ِمن ُكم َّمن ٌُ ِرٌ ُد الآ ِخ َر َة )( ) وقال تعالى‪َ ( :‬ف َمن َشار َف ْل ٌُ ْإ ِمن َو َمن‬ ‫َشار َف ْل ٌَ ْك ُف ْر)( ) ‪.‬‬ ‫وهذا القول‪ ،‬فً الواقع‪ ،‬هو القول الفصل فً هذه المسؤلة‪ ،‬وهو‬ ‫ماعلٌه أبمة السلؾ جمٌعاً فً مسؤلة القدر‪ ،‬والشبهات التً وقع فٌها‬ ‫الجبرٌة بجعل جمٌع الأفعال كلها مخلوقة‪ٌ ،‬تعارض مع صرٌح‬ ‫النصوص من كتاب وسنة‪ ،‬ومن ذلك قول الحق تبارك وتعالى‪( :‬لاَ‬ ‫ٌ َكلِّؾ الله نفساً إلا ُوس َع َها ) والقول بخلق أفعال العباد جمٌعافٌ‪ٌ ،‬ستلزم‬ ‫تكلٌؾ العباد ما لا ٌطٌقون ‪.‬‬ ‫والقدرٌة وقعوا فً شبهة تؤوٌل النصوص‪ ،‬على ؼٌر ما ورد فً‬ ‫تؤوٌل السلؾ لها‪ ،‬لذلك مالوا عن الحق‪ ،‬فاستشهادهم بقول الحق جل‬‫وعلب‪( :‬ا ْل ٌَ ْو َم ُت ْج َز ْو َن َما ُكن ُت ْم َت ْع َملُو َن )‪ ،‬لا ٌعنً بالضرورة أن ٌجازوا‬ ‫على كل الأعمال‪ ،‬بل هذا دلٌل ضدهم فً الواقع‪ ،‬لأن الجزار إنما‬‫ٌكون على أعمالهم الخاصة بهم‪ ،‬والتً سٌحاسبون علٌها فً الواقع‪ ،‬أما‬‫الأعمال الكونٌة‪ ،‬والمشٌبة الإلهٌة التً لا قدرة للئنسان على ردها‪ ،‬فلب‬ ‫ٌحاسب الإنسان علٌها‪ ،‬وهذا هو التؤوٌل الصحٌح لنصوص القرآن‬ ‫الكرٌم‪ ،‬إنما ٌكون بالجمع بٌن الأدلة‪ ،‬ولٌس باجتزابها ‪.‬‬‫وحول هذا المعنى ٌقول ابن القٌم‪ :‬فكل دلٌل صحٌح للجبرٌة ‪ ،‬إنما‬‫ٌثبت قدرة الرب تعالى ومشٌبته‪ ،‬و أنه لا خالق ؼٌره ‪ ،‬وأنه على كل‬‫شًر قدٌر‪ ،‬لا ٌُستث َنى من هذا العموم ف ْرد اً واح ًدا من أفراد الممكنات ‪،‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح آي ػّواْ ا‪٠٢‬خ ‪. 152‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌى‪ٙ‬ف ا‪٠٢‬خ ‪. 29‬‬ ‫‪159‬‬

‫وهذا حق ‪ ،‬ولكن لٌس معهم دلٌل صحٌح ٌنفً أن ٌكون العبد قادراً ‪،‬‬‫مرٌداً‪ ،‬فاعلبً‪ ،‬بمشٌبته وقدرته‪ ،‬وأنه هو الفاعل حقٌقة ‪ ،‬وأفعاله قابمة‬‫به‪ ،‬وأنها فعل له لا لله ‪ ،‬وأنها قابمة به لابالله ‪ ،‬وكل دلٌل صحٌح ٌقٌمه‬‫القدرٌة‪ ،‬فإنما ٌدل على أن أفعال العباد فعل لهم‪ ،‬قابم بهم‪ ،‬واقع بقدرتهم‬‫‪ ،‬ولا‬ ‫ومشٌبتهم وإرادتهم‪ ،‬وإنهم مختارون لها ؼٌر مضطرٌن‬‫مجبورٌن‪ ،‬ولٌس معهم دلٌل صحٌح ٌنفً أن ٌكون الله سبحانه قادراً‬ ‫على أفعالهم‪ ،‬وهو الذي جعلهم فاعلٌن( ) ‪.‬‬ ‫وذكر الإِ َمام أبً الحسن الحنبلً جامع ما ٌجب على المإمن اعتقاده‬‫فً مسؤلة القدر‪ ،‬وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة‪ ،‬فقال‪ ( :‬وٌجب‬‫الإٌمان بالقدر‪ :‬خٌره‪ ،‬وشره‪ ،‬وحلوه‪ ،‬ومره‪ ،‬وقلٌله‪ ،‬وكثٌره‪ ،‬وظاهره‪،‬‬ ‫وباطنه ومحبوبه ‪ ،‬ومكروهه ‪ ،‬وحسنه ‪ ،‬وسٌبه‪ ،‬وأوله وآخره من الله‪،‬‬ ‫ق َضى ق َضا َر ُه على عباده وق َّدر ق َدره علٌهم ‪ ،‬لا أحد ٌعدو منهم مشٌبة‬‫الله‪ -‬ع ّز وجل‪ -‬ولا ٌجاوز قضاره ‪ ،‬بل هم كلهم صابرون إلى ما خلقهم‬‫له‪ ،‬واقعون فٌما ق َّدر علٌهم لا محالة‪ ،‬وهو عدل من ربنا عز وجل ‪،‬‬‫فؤرا َد الطاع َة وشا َرها‪ ،‬ورضٌها وأحبها وأمر بها ‪ ،‬ولم ٌؤمر بالمعصٌة‪،‬‬‫ولا أحبها ولا رضٌها ‪ ،‬بل قضى به ا وق ّدرها وشارها وأرادها ‪،‬‬ ‫والمقتول ٌموت بؤجله)( )‪.‬‬‫هذه أهم الأقوال فً هذه المسؤلة‪ ،‬وسنتعرض لها بمزٌد من التوضٌح‬ ‫عند الحدٌث عنها فً مباحث الطوابؾ والفرق ‪.‬‬ ‫‪ّ -‬فبء اٌؼٍ‪، ً١‬لاثٓ اٌم‪، ُ١‬رؾم‪١‬ك ِؾّل ثله اٌل‪ ٓ٠‬إٌؼَبٔ‪، ٟ‬كاه اٌفىو ‪،‬ث‪١‬و‪ٚ‬د ‪٘1398،‬ـ‪. 51ٓ ،‬‬ ‫‪ -‬الاػزمبك‪،‬لأث‪ ٟ‬اٌؾَ‪ِ ٓ١‬ؾّل أث‪٠ ٟ‬ؼٍ‪ ٝ‬اٌؾٕجٍ‪ ،ٟ‬رؾم‪١‬ك ِؾّل أث‪ ٟ‬ػجل اٌوؽّٓ اٌقّ‪ِ،ٌ١‬طجؼخ‬ ‫الإلاه‪،‬اٌو‪٠‬بٗ‪٘،‬ـ ‪.16ٓ ،1422‬‬ ‫‪160‬‬

‫وبعد سرد طابف ٍة من أقوال المتكلمٌن فً مسابل القدر‪ ،‬نستعرض‬‫أقوال أبمة المذاهب‪ ،‬وسنقارنها بعد ذلك بؤقوال الإِ َمام َمالِك‪ ،‬وهً على‬ ‫النحو الآتً ‪:‬‬‫‪ ‬الإِ َمام أبوحنٌفة‪ :‬لقد ألَّؾ الإِ َمام أبوحنٌفة كتابه (الفقه الأكبر)‪،‬‬ ‫وسماه بهذا الاسم‪ -‬لتناوله أهم مسابل الدٌن‪ ،‬ألا وهً مسابل الاعتقاد‬ ‫المختلفة‪ ،‬ورد فٌه على المتكلمٌن الذٌن احترفوا بدعة الكلبم‪ ،‬فؤثاروا‬ ‫الشبهات المختلفة‪ ،‬وش ّك ًّـ ُكوا العوام فً أهم بدٌهٌات الدٌن‪ ،‬ألا وهً‬ ‫مسؤلة الإٌمان بالؽٌب ‪.‬‬‫وفً ر ِّد الإِ َمام أبً حنٌفة على القدرٌة عند َما عا َنده أحد المجادلٌن فً‬ ‫القدر‪ ،‬قال له‪( :‬أما علمت أن الناظر فً القدر كالناظر فً عٌنً‬ ‫الشمس كلما إزداد نظراً إزداد تحٌراً)‪ ،‬وقال أٌضاً فً هذه المسؤلة‬ ‫عندما كثر الجدال فٌها‪ ،‬مبٌناً أن مذهبه التفوٌض فً مثل هذه المسابل‬ ‫فقال‪( :‬إن العبد مع أعماله وإقراره ومعرفته‪ -‬مخلوق‪ ،‬فلما كان الفاعل‬ ‫مخلوقاً‪ ،‬فؤفعاله أولى أن تكون مخلوقة ) ( ) ‪.‬‬‫‪ ‬الإِ َمام الشافعً‪ :‬لقد كان الإِ َمام الشافعً‪ -‬رحمه الله‪ -‬إماماً علماً‪،‬‬ ‫وفٌلسوفاً‪ ،‬وأدٌباً‪ ،‬فهو الذي أ َّسس لأصول الفقه وق َّعد قواعده‪ ،‬وهو‬ ‫ضلٌ ٌفع فً العلم بمدلولات الألفاظ‪ ،‬ولكنه مع هذا كان مذهبه التسلٌم فً‬ ‫قضاٌا القدر‪.‬‬ ‫‪ِ -‬ؾّل ػجل اٌوؽّٓ اٌقّ‪،ٌ١‬اػزمبك الأئّخ الأهثؼخ‪،‬كاه‪١ٛ‬جخ‪ ،‬اٌّل‪ٕ٠‬خ إٌّ‪ٛ‬هح‪،‬اٌطجؼخالأ‪٘1422،ٌٝٚ‬ـ ٓ‪. 8‬‬ ‫‪161‬‬

‫ُنقل عن الشافعً – رحمه الله – قوله المشٌبة إرادة الله عز وجل‪،‬‬‫قال الله تعالى‪( :‬وما تشارون إلا أن ٌشار الله) فؤَ ْعلَم اللهُ خلقه أن المشٌبة‬ ‫له دون خلقه‪ ،‬وأن مشٌبتهم لا تكون إلا أن ٌشار )( ) ‪.‬‬ ‫وأورد البٌهقً فً مناقب الشافعً‪ ،‬أن الإِ َمام الشافعً قال‪( :‬إن‬ ‫مشٌبة العباد هً إلى الله تعالى‪ ،‬ولا ٌشارون إلا أن ٌشار الله ر ُّب‬ ‫العالمٌن‪ ،‬فإن الناس لم ٌخلقوا أعمالهم‪ ،‬وهً‪ -‬أي الأعمال‪ -‬خل فٌق من‬ ‫خل ِق الله تعالى‪ ،‬وإن القدر خٌره وشره من الله عز وجل‪ ،‬وإن عذاب‬ ‫القبر حق‪ ،‬ومسارلة القبور حق‪ ،‬والبعث حق‪ ،‬والحساب حق‪ ،‬والج َّنة‬ ‫وال َّنار حق‪ ،‬وؼٌر ذلك مما جارت به ال ُّسنن)( )‪.‬‬ ‫‪ ‬الإِ َمام أحمد بن حنبل‪ :‬جار فً كتاب السنة للئمام أحمد قوله‪:‬‬ ‫(القدر‪ ،‬خٌره وشره‪ ،‬وقلٌله وكثٌره‪ ،‬وظاهره وباطنه‪ ،‬وحلوه و ُم ّره‪،‬‬ ‫ومحبوبه ومكروهه‪ ،‬وحسنه وسٌبه‪ ،‬وأوله وآخره‪ ،‬من الله‪ ،‬قضا ٌفر‬‫قضاه على عباده وقد فٌر ق َّدره‪ ،‬ولا ٌع ُدو واح فٌد منهم مشٌبة الله ع ّز وجل‪،‬‬ ‫ولا ٌجاوز قضاره)( )‪.‬‬‫وكان ٌذهب إلى أن أفعال العباد مخلوقة لله عز وجل ‪ ،‬ولا ٌجوز أن‬‫ٌخرج شًر من أفعالهم عن خلقه ‪ ،‬لقوله عز وجل ‪( :‬اللهُ خالِ ُق ك ِّل‬ ‫َش ًْ ٍر) ‪.‬‬‫‪-‬أث‪ ٛ‬ثىو أؽّل ثٓ اٌؾَ‪ ٓ١‬اٌج‪ٙ١‬م‪ ،ٟ‬الاػزمبك ‪ٚ‬اٌ‪ٙ‬لا‪٠‬خ ئٌ‪ٍ ٝ‬ج‪ ً١‬اٌوّبك‪ ،‬رؾم‪١‬ك‪ -‬ػجلالله ِؾّل اٌله‪ِ ،ِ٠ٚ‬ىزجخ‬ ‫اٌ‪ّ١‬بِخ‪(،‬كِْك‪ -‬ث‪١‬و‪ٚ‬د) اٌطجؼخ الأ‪. 263 ٓ َ1999 ٌٝٚ‬‬ ‫‪ -‬أث‪ ٛ‬ثىو أؽّل ثٓ اٌؾَ‪ ٓ١‬اٌج‪ٙ١‬م‪ ،ٟ‬مناقب الشافعً‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪. 415‬‬ ‫‪ -‬اػزمبك الائّخ الأهثؼخ ‪ِ ،‬ؾّل اٌقّ‪. 35ٓ،ٌ١‬‬ ‫‪162‬‬

‫وروي عن الإِ َمام أبً محمد بن علبَق الأنصاري أنه قال‪ :‬قال أحمد‬ ‫بن حنبل‪ :‬ولو شار الله أن ٌزٌل فعل الفاعلٌن مما كرهه أزاله ‪ ،‬ولو شار‬ ‫أن ٌجمع خلقه على شًر واحد فعله ‪ ،‬إذ هو قادر على ذلك ‪ ،‬ولاٌلحقه‬ ‫عجز ولا ضعؾ‪ ،‬ولكنه كان من خلقه ما علم وأراد‪ ،‬فلٌس بمؽلوب ولا‬ ‫مقهور‪ ،‬ولا سفٌه ولا عاجز ‪ ،‬برير من لواحق التقصٌر ‪ ،‬وقرأ قوله‬ ‫تعالى‪ ( :‬ولو شبنا لآتٌنا كل نفس هداها ‪ ،‬ولو شار الله لجمعهم َعلى‬ ‫الهدى‪ ،‬ولو شار ربك لآمن من فً الأرض كلهم جمٌعاً )‪ ،‬وهو ‪ -‬عز‬ ‫وجل‪ -‬لا ٌوصؾ إذا منع بالبخل ‪ ،‬لأن البخٌل هو الذي ٌمنع ما وجب‬ ‫علٌه‪ ،‬أؾما من كان متفضلبً فله أن ٌفعل‪ ،‬وله ألاَ ٌفعل( )‪.‬‬ ‫‪ ‬أقوال الإِ َمام َمالِك فً مسائل القدر‪ :‬لم ٌخالؾ الإِ َمام َمالِك آرار‬ ‫ؼٌره من أبمة المذاهب فً مسابل القدر‪ ،‬بل الأمر كما م َّر علٌنا‪ ،‬فإن‬ ‫أبمة المذاهب لم ٌتنازعوا فً مسابل الاعتقاد‪ ،‬بل كان قولهم واحداً فً‬ ‫مثل هذه المسابل‪ ،‬وذلك لأنهم توافقوا فً فهم مقتضٌات النصوص‪،‬‬ ‫فتطابقت آراإهم فً الأصول‪ ،‬واختلفوا فً الفروع والجزبٌات‪ ،‬وذلك‬ ‫لتح ُّق ِق الؽاٌة من ثبات أصول هذا الدٌن‪ ،‬وتتجلى الرحمة فً فروعه‪،‬‬ ‫وما ذاك إلا لأنه صالح لكل زمان ومكان‪ ،‬وفٌما ٌخ ُّص الحدٌ َث عن‬ ‫رأي َمالِك فً مسابل القدر‪ ،‬ورأٌه فً القدرٌة بالتحدٌد‪ ،‬قال القاضً‬ ‫ِع ٌَاض‪( :‬س ُبل الإِ َمام َمالِك عن القدرٌة‪ ،‬فقال‪ :‬هم الذٌن ٌقولون إن‬ ‫الاستطاعة إلٌهم‪ ،‬إن شاروا أطاعوا وإن شاروا عصوا)( )‪.‬‬‫‪-‬اػزمبك ال ِإ َِبَ أؽّل ثٓ ؽٕجً‪ ،‬ه‪ٚ‬ا‪٠‬خ أث‪ ٟ‬اٌف‪ ًٚ‬ػجلاٌ‪ٛ‬اؽل ثٓ ػجل اٌؼي‪٠‬يثٓ اٌؾبهس اٌزّ‪ ،ّٟ١‬اٌّىزجخ الأى٘و‪٠‬خ‪،‬‬ ‫‪12 ٓ،1985‬‬ ‫‪ -‬ترتٌب المدارك‪ ،‬للقاضً ِع ٌَاض ‪،‬ج‪ ،2‬ص‪. 48‬‬ ‫‪163‬‬

‫وفً الحقٌقة‪ ،‬فإن هذه الآرار قد ظهرت زمن َمالِك‪ ،‬علبو ًة ع َّمـن‬ ‫جار بعده من الأبمة كما سبقت الإشارة إلٌهم‪ ،‬وقد كان َمالِك كما مر‬ ‫علٌنا ملبزماً لأقوال الصحابة والتابعٌن فً هذه المسؤلة‪ ،‬ذكر أبو نعٌم‬ ‫فً الحلٌة‪ :‬عن ابن وهب قوله‪ :‬سمعت َمالِكاً ٌقول لرجل سؤلتنً أمس‬‫عن القدر؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬إن الله تعالى ٌقول‪َ ( :‬ولَ ْو ِش ْب َنا لاَ َت ٌْ َنا ُك َّل َن ْف ٍس‬‫ُه َدا َها َو َل ِك ْن َح َّق ا ْل َق ْو ُل ِم ِّنً لاَ ْملبَ َّن َج َه َّن َم ِم َن ا ْل ِج َّن ِة َوال َّنا ِس أَ ْج َم ِعٌ َن )( )‬ ‫فلببد أن ٌكون ما قاله الله تعالى ( )‪ ،‬وفً هذا إشارةٌف إلى أن الإِ َمام‬‫َمالِك‪ -‬رحمه الله‪ -‬كان ٌفوض فً مسؤلة القدر‪ ،‬وما سٌكون علٌه مصٌر‬ ‫الإنسان فً الدنٌا والآخرة‪ ،‬وذلك بعلم مستقبله‪ ،‬وما سٌإول إلٌه‬ ‫مصٌره‪ ،‬وكٌؾ سٌكون حاله‪ ،‬من حٌث الشقار والسعادة‪ ،‬والجنة‬ ‫والنار‪ٌ ،‬ف ِّو ُض فً كل ذلك لله تعالى وحده ‪.‬‬ ‫ٌقول الإِ َمام ابن أبً زٌد القٌروانً ‪ -‬وهو من فضلبر ال َمالِكٌة‬‫وعلمابهم‪ ،‬صاحب الرسالة المشهورة‪ ،‬وكان ٌلقب ب َمالِك الصؽٌر لفهمه‬ ‫ومعرفته ودراٌته بالمذهب ال َمالِكً ( ) وقد ُنقل عنه قوله فً مسابل‬ ‫(القدر‪ ،‬والهداٌة‪ ،‬والإضلال) ‪ ،‬وأن كل ذلك من الله سبحانه وتعالى‪:‬‬ ‫(ٌضل من ٌشار فٌخذله بعدله‪ ،‬وٌهدي من ٌشار فٌوفقه بفضله‪ ،‬فك فٌل‬ ‫مٌس ٌفر بتٌسٌره إلى ما سبق علمه‪ ،‬وقدره من شق ًٍّ وسعٌ ٍد)( ) ‪.‬‬ ‫‪ٍٛ-‬هح اٌَغلح‪ ،‬ا‪٠٢‬خ ‪. 13‬‬ ‫أ‪-‬أث‪ٔ ٛ‬ؼ‪ ُ١‬أؽّل ثٓ ػجل الله الإٔف‪ٙ‬بٔ‪،ٟ‬ؽٍ‪١‬خ الأ‪١ٌٚ‬بء ‪ٛٚ‬جمبد الإٔف‪١‬بء‪،‬كاه اٌىزت اٌؼٍّ‪١‬خ‪،‬ث‪١‬و‪ٚ‬د‪،‬اٌطجؼخ‬ ‫الأ‪ ،َ 1988 ،ٌٝٚ‬ط‪.326 ٓ،6‬‬‫‪ ٛ٘ -‬أث‪ ٛ‬ػجلالله ثٓ أث‪ ٟ‬ى‪٠‬ل ػجل اٌوؽّٓ إٌفي‪ ٞ‬اٌم‪١‬و‪ٚ‬أ‪ ً١ٍٍ ،ٟ‬أٍوح ِٓ ٔفو الأٔلٌٌ‪ٌٚ ،‬ل ثبٌم‪١‬و‪ٚ‬اْ ٍٕخ ‪310‬‬‫٘ـ ‪ٚ ،‬ارفمذ ا‪٢‬هاء ػٍ‪ ٝ‬أْ أث‪ ٟ‬ى‪٠‬ل اٌم‪١‬و‪ٚ‬أ‪ ، ٟ‬وبْ ئِبَ اٌ َّب ٌِى‪١‬خ ف‪ ٟ‬ػٖوٖ‪ٚ ،‬عبِغ ِن٘ت َِب ٌِه ‪ّٚ‬بهػ أل‪ٛ‬اٌٗ‪ ،‬لبي‬ ‫ػٕٗ اٌمبثَ‪ ٛ٘ ٟ‬ئِبَ ِ‪ٛ‬ص‪ٛ‬ق ثٗ م‪ ٚ‬كها‪٠‬خ ‪ٚ‬ه‪ٚ‬ا‪٠‬خ ‪.‬ر‪ٛ‬ف‪ٍٕ ٟ‬خ ‪٘386‬ـ ( إطلاػ اٌّن٘ت ػٕل اٌ َّب ٌِى‪١‬خ ٓ‪) 238‬‬‫‪ - ELGA‬فبٌ‪١‬زب – ِبٌطب‪،َ1996 ،‬‬ ‫‪ِ -‬ؾّل ػياٌل‪ ٓ٠‬اٌغو‪٠‬بٔ‪ ،ٟ‬لَُ اٌؼمبئل ثوٍبٌخ ثٓ أث‪ ٟ‬ى‪٠‬ل اٌم‪١‬و‪ٚ‬أ‪،ٟ‬‬ ‫ٓ ‪. 141‬‬ ‫‪164‬‬

‫المبحث ال انً ‪ :‬شمولٌة الدٌن الإسلامً عند َمالِك ‪.‬‬ ‫سبق وعرفنا أن السلؾ الصالح رضوان الله علٌهم‪ٌ ،‬طلقون كلمة‬ ‫الدٌن‪ ،‬على العقابد‪ ،‬والعبادات‪ ،‬والمعاملبت‪ ،‬ولا ٌُف ِّرقون بٌنها‪ ،‬وم َّر‬ ‫علٌنا كذلك عند تعرٌفنا للعقٌدة أن الإِ َمام َمالِكاً‪ -‬رحمه الله‪ -‬كان ٌُطلق‬ ‫على ُمجمل الدٌن‪ ،‬الإٌمان‪ ،‬حٌث كان ٌقول ( الإٌمان قول وعمل ) ‪.‬‬ ‫فكل ما هو تعبد ٌّي لله تبارك وتعالى‪ٌ ،‬دخل تحت مس َّمى الدٌن‪،‬‬ ‫ومس َّمى الإٌمان‪ ،‬وعلى هذا فقد كان َمالِك ‪ -‬رحمه الله‪ٌ -‬عتبر التوحٌد‬ ‫دٌن‪ ،‬ولا ٌصح الدٌن من دونه‪ ،‬والصلبة دٌن‪ ،‬ولا ٌصح دٌن امر ٍئ‬ ‫مسل ٍم بدون الصلبة‪ ،‬ولها المرتبة العلٌا فً باب العبادات‪ ،‬والزكاة‬‫كذلك‪ ،‬وكذا الحج‪ ،‬والصوم‪ ،‬على الترتٌب الذي رتبها علٌه المصطفى‬ ‫صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬كما جار فً الحدٌث‪ ،‬عن ابن عمر رضً الله‬ ‫عنهما قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪( :‬بنً الإسلبم على‬ ‫خم ٍس‪ :‬شهادة أن لا إله إلا الله‪ ،‬وأن محمداً رسول الله‪ ،‬وإقام الصلبة‪،‬‬ ‫وإٌتار الزكاة‪ ،‬والحج‪ ،‬وصوم رمضان )( ) ‪.‬‬ ‫فهذا الحدٌث ٌعتبر أصلبً من أصول الدٌن‪ ،‬علٌه تنبنً أحكا ُم‬ ‫الإسلبم‪ ،‬وقد قال الله تعالى‪َ ( :‬فؤَقِ ْم َو ْج َه َك لِل ِّدٌ ِن ا ْل َق ٌِّ ِم ِمن َق ْب ِل أَن ٌَؤْتِ ًَ‬‫ٌَ ْو ٌفم لاَ َم َر َّد َل ُه ِم َن ال َّل ِه ٌَ ْو َم ِب ٍذ ٌَ َّص َّد ُعو َن َمن َك َف َر َف َع َل ٌْ ِه ُك ْف ُرهُ َو َم ْن َع ِم َل‬ ‫َصالِحاً َفلبَنفُ ِس ِه ْم ٌَ ْم َه ُدو َن لِ ٌَ ْج ِز َي الَّ ِذٌ َن آ َم ُنوا َو َع ِملُوا ال َّصالِ َحا ِت ِمن‬ ‫َف ْضلِ ِه إِ َّن ُه لاَ ٌُ ِح ُّب ا ْل َكا ِف ِرٌ َن )( ) ‪.‬‬ ‫‪ٍ -‬جك رقو‪٠‬غٗ ‪ٚ‬أظو اٌيث‪١‬ل‪ِ ، ٞ‬قزٖو ٕؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪. 27ٓ ،ٞ‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌو‪ َٚ‬ا‪٠٢‬بد ( ‪. )44،45 ،43‬‬ ‫‪165‬‬

‫وإذا كان الدٌن أعمالاً كامل ًة‪ٌ ،‬رتبط بعضها ببعض‪ ،‬فلببد أن ٌكون‬ ‫لهذا الترابط فابدته‪ ،‬بحٌث تتحقق شخصٌة المسلم‪ ،‬الذي ٌدٌن لله تعالى‬‫بدٌن الإسلبم‪ ،‬وٌرتقً فً هذا الدٌن مراتبه‪ ،‬وٌحافظ على عراه الوثقى‬ ‫‪.‬‬ ‫ونذكر هنا قو َل عمر ابن العزٌز‪ -‬رضً الله عنه‪ -‬الخلٌفة العادل‪،‬‬ ‫عندما بعث إلى عدي بن عدي( ‪()‬أما بعد‪ ،‬فإن للئٌمان (فرابض‬ ‫وشرابع ) قال الإِ َمام بن حجر‪(:‬فرابض) أي أعمالاً مفروضة‪،‬‬‫و(شرابع) أي عقابد دٌنٌة ( ) وقد كان الإِ َمام َمالِك‪ -‬كما علمنا من قبل‪-‬‬ ‫متؤثراً بآرار الخلٌفة العادل عمر بن عبد العزٌز رضً الله عنه‪.‬‬ ‫ولمزٌد من التوضٌح لشمولٌة الدٌن الإسلبمً للعقابد والعبادات‪،‬‬ ‫نتكلم عن مطلبٌن على النحو الآتً ‪:‬‬ ‫‪ -‬المطلب الأول‪ :‬العلاقة بٌن الإسلام والإٌمان ‪:‬‬ ‫أ َّولالاً‪ :‬الإسلام ‪:‬‬ ‫الإسلام لل الًة ‪ :‬الرضا والتسلٌم والقبول‪ٌ ،‬قال‪ :‬أسلم ٌسلم‪ ،‬إسلبماً‬ ‫وتسلٌماً( )‪ ،‬أي رضً وأذعن‪ ،‬وأسلم الر جل فً الطعام‪ ،‬أي أسلفه‬‫وأسلم أي دخل فً ال ِّسلم وهو الاستسلبم‪ ،‬وأسلم من الإسلبم( ) قال‬ ‫تعالى‪ُ (:‬ث َّم لاَ ٌَ ِج ُدو ْا ِفً أَنفُ ِس ِه ْم َح َرجاً ِّم َّما َق َض ٌْ َت َو ٌُ َسلِّ ُمو ْا َت ْسلٌِماً )( )‪.‬‬‫‪ - ‬ربثؼ‪ ِٓ ٟ‬أثٕبء اٌٖؾبثخ ‪ ،‬وبْ ػبًِ ػّو ثٓ ػجل اٌؼي‪٠‬ي ػٍ‪ ٝ‬اٌغي‪٠‬وح ل‪ ً١‬ػٕٗ أٔٗ ٍ‪١‬ل اٌغي‪٠‬وح ف‪ ٟ‬اٌؼٍُ ‪.‬‬ ‫‪ -‬اثٓ ؽغو اٌؼَملأ‪ ،ٟ‬فزؼ اٌجبه‪ ٞ‬ثْوػ ٕؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ ،ٞ‬ط‪. 55ٓ 1‬‬ ‫‪ِ -‬قزبه اٌٖؾبػ ٓ ‪ِٚ ، 311‬قزبه اٌمبِ‪. 309 ٓ ًٛ‬‬ ‫‪ٌَ -‬بْ اٌؼوة لاثٓ ِٕظ‪ٛ‬ه ط‪. 244 ٓ 7‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح إٌَبء ا‪٠٢‬خ ‪. 65‬‬ ‫‪166‬‬

‫واصطلاحااًل‪ :‬الدٌن الذي ارتضاه الله لعباده‪ٌ ،‬شتمل على أقوال‬ ‫وأعمال‪ ،‬وٌكون بشهادة أن لا إله إلا الله‪ ،‬وأن محمداً رسول الله‪،‬‬ ‫وصلب ٍة‪ ،‬وزكا ٍة‪ ،‬وصو ٍم‪ ،‬وح ٍج بكٌفٌ ٍة مخصوص ٍة‪ ،‬أمر الله بها على‬ ‫لسان رسوله محم ٍد صلى الله علٌه وسلم) ‪.‬‬ ‫تنبٌه‪ :‬مصطلح الإسلبم فً حال إطلبقه‪ٌ ،‬راد به الدٌن بِ َش ْك ٍل عام‪،‬‬ ‫فٌشمل الإسلبم بالمعنى الذي سبق‪ ،‬والإٌمان‪ ،‬وكذلك الإحسان الذي هو‬ ‫درج فٌة عالٌ ٌفة فً مراتب الإٌمان ‪.‬‬ ‫أما الإسلبم بمعناه الخاص‪ ،‬فٌقصد به المعنى الذي ذكر فً حدٌث‬ ‫النبً صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬فً قوله‪( :‬بنً الإسلبم على خم ٍس ‪)....‬‬ ‫وؼٌر ذلك من عرى الإسلبم‪ ،‬باقً العبادات والمعاملبت‪ ،‬ولكن هذه‬ ‫الخمس هً الأعمدة‪ ،‬والقواعد التً ٌنبنً علٌها الدٌن‪ ،‬وهذا لا‬ ‫ٌتعارض مع أنه ٌوجد فً الإسلبم خصا فٌل أخرى ٌنبؽً أن ٌتصؾ بها‬ ‫المسلم‪ ،‬وتعد من الدٌن‪ ،‬بل ومن صمٌم الإسلبم ‪.‬‬ ‫وٌذكر الأستاذ‪ Izutsu Toshihiko :‬فً تعرٌفه للئسلبم‪ ،‬وذلك من‬ ‫خلبل تحلٌله لأقوال شٌخ الإسلبم ابن تٌمة حول العلبقة بٌن الإسلبم‬ ‫والإٌمان فٌقول‪ :‬إن الإسلبم ٌمثل الأعمال الظاهرة من عبادات‪ ،‬كصلب ٍة‬ ‫وزكا ٍة وصٌا ٍم وح ٍّج‪ ،‬وؼٌرها‪ ،‬فهو على هذا شً ٌفر مرب ًٌّ ظاه ٌفر‪ ،‬وهذا‬ ‫هو المفهوم الخاص للئسلبم ( ) ‪.‬‬‫‪1 - Izutsu, Toshihiko, The Concept of Belief in Islamic Theology (reprint), New‬‬‫‪Hampshire, Salem: Ayer Company, publishers, Inc., 1988. P78 )my translation ) .‬‬ ‫‪167‬‬

‫جار فً حدٌث أبً بردة رضً الله عنه‪ ،‬أنه قال‪ ( :‬قالوا‪ٌ :‬ا رسو ل‬ ‫الله أي الإسلبم أفضل؟ قال‪( :‬من سلم المسلمون من لسانه وٌده)( ) ‪.‬‬ ‫‪ -‬الذي ٌظهر‪ ،‬والله أعلم‪ ،‬أن هذا سإا فٌل من الصحابة رضوان الله‬ ‫علٌهم للرسول صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬والسإال كان عن خصال الإسلبم‪،‬‬ ‫لأنه‪ ،‬وكما ٌذكرالحافظ ابن حجرالعسقلبنً‪ ،‬أي‪ -‬فً قولهم‪( :‬أي‬ ‫الإسلبم ) محذوؾ تقدٌره (أي ذوي الإسلبم أفضل ) وٌإٌد هذا رواٌة‬ ‫مسلم‪ :‬أي المسلمٌن أفضل؟ والجامع بٌن اللفظٌن أن‪ -‬أفضلٌة المسلم‬ ‫حاصلة بهذه الخصلة ( ) ‪.‬‬ ‫فائدة‪:‬‬ ‫إن فً حدٌث النبً صلى الله علٌه وسلم(بنً الإسلبم على خمس‪)..‬‬ ‫العقٌدة‪ ،‬والدٌن‪ ،‬والإسلبم‪ ،‬والإٌمان‪ ،‬وكل هذه المسمٌات بجمٌع‬ ‫صورها‪ ،‬وهذا المعنى ٌتجلى من خلبل النقاط التالٌة ‪:‬‬ ‫أولالاً‪ :‬قول النبً صلى الله عٌه وسلم‪( :‬بنً ) فٌه إشعار ببنا ٍر‪،‬‬ ‫والمعروؾ أن البنار ٌتكون من عدة أجزار‪ ،‬وهذه الأجزار ٌنبنً‬ ‫بعضها على بعض‪ ،‬فلب ٌكون البعض‪ ،‬من ؼٌر البعض‪ ،‬ولا ٌكون الكل‬ ‫من دون الجزر‪ ،‬ولا ٌستوي الثانً‪ ،‬من دون الأول وهكذا ‪..‬‬‫‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ ، ٞ‬وزبة الإ‪ّ٠‬بْ‪،‬ثبة‪،‬اٌٍَُّ ِٓ ٍٍُ اٌٍَّّ‪ٌَ ِٓ ْٛ‬بٔٗ ‪٠ٚ‬لٖ‪،‬ط‪ 14ٓ1‬ؽل‪٠‬ش هلُ ‪ٚ10‬أظو ـ‬ ‫ِقزٖو ٕؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ٌٍ ٞ‬يث‪١‬ل‪. 27 ٓ،ٞ‬‬ ‫‪ -‬اثٓ ؽغو اٌؼَملأ‪ ٟ‬فزؼ اٌجبه‪ٌٍ ٞ‬جقبه‪ ٞ‬ط‪. 65ٓ 1‬‬ ‫‪168‬‬

‫انٌاًال‪ :‬إن أوثق عرى هذا المبنى(الشهادتان ) فهً الأساس‪ ،‬وهً‬‫الأصل‪ ،‬والباقً أركان ودعامات لهذا الأصل‪ ،‬وتب فٌع‪ ،‬وتكمل ٌفة( ) ولا‬ ‫ٌتصور بٌ فٌت بدون أساسه‪ ،‬وأصله وقاعدته التً علٌها ٌُب َنى‪ ،‬كذلك إن‬ ‫لهذه القاعدة وهذا الأصل دعاما ٍت ٌتكا علٌها‪ ،‬فإذا لم توجد هذه‬ ‫الدعامات فإن بقار الأصل‪ ،‬صع فٌب‪ ،‬إن لم نقل إنه مستحٌ ٌفل‪ ،‬فإذا كان‬‫الأصل أن من ٌقول لا إله إلا الله ٌحكم له بالإسلبم‪ ،‬فإن هذا القول لابد‬ ‫له من حقٌق ٍة‪ ،‬وهذه الحقـٌقة تتجلى فً باقً الأعمال‪ ،‬وبدونها فإن‬ ‫الشهادتٌن تكون ناقص ًة ‪.‬‬ ‫ال الًا‪ :‬إن النبً صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬وهوالذي قال فٌه االحق تبارك‬‫وتعالى‪َ (:‬و َما ٌَن ِط ُق َع ِن ا ْل َه َوى إِ ْن ُه َو إِلاَ َو ْح فًٌ ٌُو َحى )( ) قد جمع فً‬ ‫الحدٌث ما بٌن الاعتقاد والذي هو أم ٌفر قلبً‪ ،‬والعمل الذي هو تطبٌق ًٌّ‪.‬‬ ‫فلو قدر أن شخصاً قال‪ :‬لا إله إلا الله بلسانه‪ ،‬ولم ٌعترؾ بها بقلبه‪،‬‬‫وفً داخله ٌإمن بآله ٍة أخرى سوى الله‪ ،‬فإن هذه الشهاد َة لا تنفعه‪ ،‬مهما‬‫عمل من عم ٍل‪ ،‬قال الحق تبارك وتعالى‪َ ( :‬ولَ َق ْد أُو ِح ًَ إِلَ ٌْ َك َوإِ َلى الَّ ِذٌ َن‬ ‫ِم ْن َق ْبلِ َك َلبِ ْن أَ ْش َر ْك َت َل ٌَ ْح َب َط َّن َع َملُ َك َولَ َت ُكو َن َّن ِم َن ا ْل َخا ِس ِرٌ َن ) ( )‪.‬‬ ‫وقد وافق علمار الشرٌعة قدٌماً وحدٌثا على هذا المعنى الذي ٌُدلِّـ ُل‬ ‫على أن الله تعالى لا ٌقبل عملبً من دون التوحٌد‪ ،‬مهما كان هذا العمل‬‫صالحاً‪ ،‬و َقصد به مرٌده الخٌر‪ ،‬وفً هذا ٌذكر العلبمة‪ -‬الزندانً‪ -‬وهو‬‫من العلمار المعاصرٌن‪ ،‬الذٌن ٌدٌنون بعقٌدة السلؾ‪ ،‬فً قضاٌا الاعتقاد‬ ‫‪ -‬اٌّٖله اٌَبثك‪ ،‬ط‪. 58ٓ 1‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح إٌغُ ا‪٠٢‬خ (‪) 4 -3‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌيِو ا‪٠٢‬خ ‪65‬‬ ‫‪169‬‬

‫المختلفة‪ ،‬وٌستشهدون برأي الإِ َمام َمالِك فً مسابله المتنوعة‪ ،‬حٌث‬ ‫ٌقول‪ :‬إن الذٌن لا ٌإمنون بالله ولا ٌرجون ثوابه ولا ٌخافون عقابه‪،‬‬ ‫ٌعملون أعمالهم وهم لا ٌرٌدون بها وجه الله‪ ،‬ولا ٌبتؽون بها رضاه‪،‬‬ ‫ولا ٌهمهم هل عملوا حلبلاً أم حراماً‪ ،‬فهم بهذا لا ٌستحقون الثواب على‬ ‫العمل وإن كان صالحاً‪ ،‬لأنهم كفار لا ٌقصدون به أن ٌنالوا ثواب‬ ‫ربهم‪ ،‬ولا ابتؽوا به رضا خالقهم )( ) ‪.‬‬ ‫وهذا هو الواقع‪ ،‬والمشاهد‪ ،‬والمقبول عقلبً‪ ،‬وال ُمتم ِّشً مع طبٌعة‬ ‫النفس البشرٌة التً خلقها الله على الفطرة السلٌمة‪ ،‬فالإعلبن بشهادة‬ ‫التوحٌد لٌس إعلبناً بسٌطاً عن معتقد ٌخرج من اللسان دون أن ٌكون له‬ ‫و ْقع فً النفس‪ ،‬وبهذا قال علماإنا فً العصرالحدٌث‪ ،‬ولم ٌخالفهم فٌه‬ ‫أح ٌفد من علمار أهل الس َّنة المعاصرٌن‪ ،‬نذكر منهم على سبٌل المثال‬ ‫قول الشٌخ القرضاوي عن حقٌقة الإسلبم‪ ،‬فقد قال‪ :‬إن الإسلبم لٌس‬ ‫فعل اللسان والجسم والعقل‪ ،‬لكنه حالة نفسٌة شامل ٌفة‪ ،‬تصل إلى أعماق‬ ‫النفس وتلبمس جمٌع أبعادها\"( )‪ ،‬وبهذا ٌمكن أن ٌقال إ َّن الإسلبم‬ ‫مدرس فٌة تربوٌ فٌة تتر َّبى فٌها النفس وتتهذب فٌها القلوب‪ ،‬بحٌث تصبح‬ ‫صافٌ ًة نقٌ ًة‪ ،‬فلب ٌنطق اللسان إلاَ بما وقر فً القلب‪ ،‬ولا تقوم الجوارح‬ ‫إلا بما سكن فً النفس‪ ،‬وعلى هذا المعنى فالإسلبم لله تعالى ٌعنً‬ ‫الإخلبص المنافً لل ِّنفاق‪ ،‬وقد ذم الله ال ِّنفاق والمنافقٌن بعدم إخلبصهم‬ ‫فقال تعالى‪َ ( :‬و ْل ٌَ ْعلَ َم الَّ ِذٌ َن َنا َفقُو ْا َوقٌِ َل لَ ُه ْم َت َعا َل ْو ْا َقاتِلُو ْا ِفً َسبٌِ ِل ال ّل ِه أَ ِو‬ ‫‪ -‬ػجل اٌّغ‪١‬ل ػي‪٠‬ي اٌئلأ‪،ٟ‬وزبة اٌز‪ٛ‬ؽ‪١‬ل‪ ،‬رمل‪ٚ ُ٠‬رؾم‪١‬ك‪ -‬اٌْ‪١‬ـ ِؾّل ٍّ‪١‬و اٌْب‪ ،ٞٚ‬كاه اٌؼّٖبء‪ ،‬كِْك‪،‬‬ ‫اٌطجؼخ الأ‪. 9ٓ ، َ2002 ٌٝٚ‬‬‫‪Psychology of personality - Islamic perspectives, eds. Amber Haque and Yasien‬‬‫‪Mohammed, Gengage learning, Singapore, 2009,.p222 )my translation ) .‬‬ ‫‪170‬‬

‫ا ْد َف ُعو ْا َقالُو ْا لَ ْو َن ْعلَ ُم قِ َتالاً لاَ َّت َب ْع َنا ُك ْم ُه ْم لِ ْل ُك ْف ِر ٌَ ْو َمبِ ٍذ أَ ْق َر ُب ِم ْن ُه ْم لِل ِئٌ َما ِن‬ ‫ٌَقُولُو َن ِبؤَ ْف َوا ِه ِهم َّما لَ ٌْ َس فًِ ُقلُو ِب ِه ْم َوال ّلهُ أَ ْع َل ُم ِب َما ٌَ ْك ُت ُمو َن)( ) ‪.‬‬ ‫وها هنا سإال ٌطرح نفسه‪ ،‬وهو‪ -‬هل الإسلام هو الإٌمان‪ ،‬أم أن‬ ‫الإٌمان أع ُّم من الإسلام أم العكس ؟‬ ‫وللئجابة عن هذا السإال‪ ،‬لابد أولاً من أن نع ِّرؾ الإٌمان ومدلولاته‪،‬‬ ‫وبعض ما ٌندرج تحت مسماه فنقول‪:‬‬ ‫الإٌمان‪ :‬للة ‪ :‬مصدر من آمن‪ ،‬فتقول آمن ٌإمن إٌماناً – والإٌمان‪:‬‬ ‫الثقة‪ ،‬وإظهارالخضوع‪ ،‬وقبول الشرٌعة‪ ،‬فهً بمعناها اللؽوي كلمة‬ ‫تدور حول التصدٌق‪ ،‬والثقة‪ ،‬والإقرار‪ ،‬والطمؤنٌنة( )‪ ،‬وقٌل الإٌمان‬ ‫هو الانقٌاد الباطنً ( )‪ ،‬وقد استعملت فً القرآن الكرٌم بعدة معان‪،‬‬ ‫منها ‪:‬‬ ‫‪ -‬بمعنى الأمن‪( :‬ا ْد ُخلُو َها ِب َسلبَ ٍم آ ِم ِنٌ َن)( ) ‪.‬‬ ‫‪ -‬بمعنى الأمانة‪ (:‬إِ َّنا َع َر ْض َنا الاَ َما َن َة َع َلى ال َّس َما َوا ِت َوالاَ ْر ِض‬ ‫َوا ْل ِج َبا ِل)( )‪.‬‬ ‫‪ -‬التصدٌق والتسلٌم لله‪ (:‬آ َم َن ال َّر ُسو ُل بِ َما أُن ِز َل إِلَ ٌْ ِه ِمن َّر ِّب ِه‬ ‫َوا ْل ُم ْإ ِم ُنو َن)( )‬ ‫‪ٍٛ -‬هح آي ػّواْ ا‪٠٢‬خ ‪. 167‬‬ ‫‪ -‬اٌمبِ‪ ًٛ‬اٌّؾ‪ٌٍ ، ٜ١‬ف‪١‬و‪ٚ‬ىاثبم‪ ،ٞ‬ط‪ٚ،183 ٓ 1‬أظو ِٖطف‪١ّ ٝ‬جخ – إٔ‪ٛ‬ي اٌؼم‪١‬لح الإٍلاِ‪١‬خ ٓ‪. 21‬‬‫‪ -‬ػجل اٌ‪ٙ‬بك‪ ٞ‬ئكه‪ ٌ٠‬أث‪ٛ‬إٔجغ‪ّ ،‬وػ ثٓ ػبّو ف‪ ٟ‬اٌفمٗ اٌ َّب ٌِى‪ ،ٟ‬كاه اٌىزت اٌ‪١ٕٛٛ‬خ ثٕغبى‪١ٌ ،ٞ‬ج‪١‬ب‪ ،‬اٌطجؼخ الأ‪ٌٝٚ‬‬ ‫‪. 1999‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌؾغو ا‪٠٢‬خ ‪. 46‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح الأؽياة ا‪٠٢‬خ ‪. 72‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌجموح ا‪٠٢‬خ ‪. 285‬‬ ‫‪171‬‬

‫واصطلاحالًا‪ :‬تصدٌق النبً صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬مع الإذعان‪،‬‬ ‫والقبول‪ ،‬والإقرار‪ ،‬والتسلٌم بما جار به من ؼٌر إنكار‪ ،‬ولا إبار‪ ،‬ولا‬ ‫تكبر‪ ،‬ولا عناد ( ) وتصدٌق النبً صلى الله علٌه وسلم‪ٌ ،‬تضمن كل ما‬ ‫أخبر به النبً المصطفى عن الله تبارك وتعالى‪ ،‬فهو إذاً الأساس الذي‬ ‫ٌنبنً علٌه الإٌمان (التصدٌق) وٌكون بالإٌقان بما أخبر به‪ ،‬وبما جار‬ ‫على لسانه‪ ،‬سوار ما جار به القرآن‪ ،‬أو بما ورد من السنة الصحٌحة‬ ‫المضبوطة بشروطها‪ ،‬والتً تلقتها الأمة بالقبول‪ ،‬ولا ٌجوز التفرٌق‬ ‫بٌنهما‪ ،‬فقد قال الله تعالى‪َ ( :‬وأَن َز ْل َنا إِ َل ٌْ َك ال ِّذ ْك َر لِ ُت َب ٌِّ َن لِل َّنا ِس َما ُن ِّز َل إِلَ ٌْ ِه ْم‬ ‫َو َل َعلَّ ُه ْم ٌَ َت َف َّك ُرو َن )( ) ‪.‬‬ ‫وال ِّذكر أي القرآن‪ ،‬لتب ٌِّن للناس ما ن ِّزل إلٌهم من ربهم‪ ،‬لعلمه صلى‬ ‫الله علٌه وسلم بمعنى ما أنزل الله علٌه‪ ،‬وحرصه واتباعه له( )‪ ،‬لأن‬ ‫رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬هو أولى الناس بالرواٌة عن الله‪ ،‬وهو‬ ‫ٌعلِّم بما أوح ًَ إلٌه من ربه‪ ،‬فٌبٌن ما أجمل‪ ،‬وٌخ ِّصص ما ع ِّمم‪ ،‬وهو‬ ‫الذي ما ٌنطق عن الهوى إن هو إلا وح فًٌ ٌوحى‪ ،‬وها هنا سإا فٌل ٌطرح‬ ‫أٌضاً‪ ،‬وهو‪ :‬ماحكم من آمن بالقرآن ولكنه لم ٌصدق بالسنة المطهرة‬ ‫؟ وللئجابة عن هذا السإال لابد أن نتكلم عن الموضوع التالً‪:‬‬ ‫حج ٌَّة الكتاب والسنة عند َمالِك‪ :‬جار فً الحدٌث قوله صلى الله علٌه‬ ‫وسلم‪( :‬ما من نبً من الأنبٌار إلا قد أعطً من الآٌات ما مثله آمن‬‫‪ِ -‬ؾّل ِفزبػ لو‪ّ، ٛ٠‬وػ ٌت اٌؼمبئل اٌٖغ‪١‬و‪ِ،‬ىزجخ اٌْؼت‪ِٖ ،‬وارٗ‪١ٌ ،‬ج‪١‬ب‪،‬هلُ الإ‪٠‬لاع ثلاه اٌىزت اٌ‪١ٕٛٛ‬خ‪،‬ثٕغبى‪ٞ‬‬ ‫‪. 21 ٓ 95/ 2101‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح إٌؾً ا‪٠٢‬خ ‪. 44‬‬ ‫‪ -‬رفَ‪١‬و اثٓ اٌىض‪١‬و‪ ،‬اٌطجؼخ الأ‪ َ1965 ،ٌٝٚ‬ط‪. 619 ٓ 2‬‬ ‫‪172‬‬

‫علٌه البشر‪ ،‬وإنما كان الذي أوتٌته وحٌاً أوحى الله إل ًَّ فؤرجو أن أكون‬ ‫أكثرهم تابعاً ٌوم القٌامة )( ) ‪.‬‬ ‫لقد كان الإِ َمام َمالِك‪ -‬رحمه الله‪ٌ ،-‬علم أن القرآن مشتم ٌفل على الدٌن‬ ‫اشتمالاً كلٌاً‪ ،‬وأن السنة مبٌن فٌة له‪ ،‬وأنه لا ٌإخذ على وجهه إلا إذا أخذ‬ ‫بٌان مب ٌِّنه‪ ،‬وهً السنة( ) ‪.‬‬ ‫لذلك كان َمالِك حرٌصاً‪ ،‬ومحافظاً على الس َّن ِة‪ ،‬لأنها المصدر الثانً‬‫للتشرٌع‪ ،‬وبدونها لا ٌعرؾ الدٌن‪ ،‬ولا قواعده‪ ،‬ولا دٌن بدون السنة‪ ،‬ثم‬ ‫إن النطق بالشهادتٌن ٌتضمن ‪:‬‬ ‫أولاالً‪ :‬الإقرار لله تعالى بالربوبٌة‪ ،‬والوحدانٌة فً عبادته‪ ،‬وأسمابه‬ ‫وصفاته‪.‬‬‫انٌالاً‪ :‬الإقرار لرسول الله صلى الله علٌه وسلم بالرسالة‪ ،‬وأنه رسول‬ ‫الله ال ُمبلِّػ عن الله‪ ،‬وأنه علٌه الصلبة والسلبم صاد ٌفق فٌما أخبر به عن‬ ‫ربه عز وجل‪ ،‬وبدون هذا لا ٌتحقق الإٌمان‪ ،‬بل‪ ،‬ولا ٌدخل العبد فً‬‫دابرة الإسلبم أصلبً وبنـا ًر علٌه‪ ،‬فإنه بجحود السنة لا ٌعرؾ الدٌن‪ ،‬ولا‬ ‫تعرؾ شعابره ولا شرابعه ‪.‬‬‫ثم نحن نسؤل بسإا ٍل ٌجٌب عن السإال الذي طرح‪ ،‬إذا لم تكن هناك‬ ‫سن ٌفة‪ ،‬وإذا لم ٌوضح لنا النبً صلى الله علٌه وسلم الدٌن‪ ،‬ولم تردنا‬ ‫أحادٌثه الصحٌحة التً تلقتها جموع الأمة بالقبول‪ ،‬فكٌؾ نفهم معنى‬ ‫‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ ٍَُِ ثْوػ إٌ‪،ٞٚٛ‬رؾم‪١‬ك ِغّ‪ٛ‬ػخ ػٍّبء‪،‬كاه اٌؾل‪٠‬ش اٌمب٘وح‪ِٖ،‬و‪،‬اٌّغٍل الأ‪ٚ‬ي‪،‬اٌطجؼخ‬ ‫اٌواثؼخ‪464 ٓ-َ2001 ،‬‬ ‫‪ِ -‬ؾّل أث‪ ٛ‬ى٘وح ‪. 278 ٓ،‬‬ ‫‪173‬‬

‫آٌة‪َ ( :‬وأَ ِقٌ ُمو ْا ال َّصلبَ َة َوآ ُتو ْا ال َّز َكا َة َوا ْر َك ُعو ْا َم َع ال َّرا ِك ِعٌ َن )( ) مثلبً ؟‬ ‫وكٌؾ نعرؾ الكٌفٌات المخصوصة لهذه الصلبة ؟ وما هً أوقاتها ؟‬ ‫وعدد ركعاتها ؟ والزكاة كذلك فً قوله تعالى‪ُ ( :‬خ ْذ ِم ْن أَ ْم َوالِ ِه ْم َص َد َق ًة‬ ‫ُت َط ِّه ُر ُه ْم َو ُت َز ِّكٌ ِهم بِ َها َو َص ِّل َع َل ٌْ ِه ْم إِ َّن َصلبَ َت َك َس َك فٌن لَّ ُه ْم َوال ّلهُ َس ِمٌ ٌفع‬ ‫َعلٌِ فٌم)( ) ‪.‬‬ ‫فكٌؾ تكون الزكاة ؟ وما هً أنصبتها ؟ ووقت إخراجها ؟ أسبل فٌة‬ ‫كثٌرةفٌ قد أجابت السنة عنها‪ ،‬وقد ف َّصلها رسول الله صلى الله علٌه‬ ‫وسلم‪ ،‬وبٌنها أ ٌُّما تبٌٌن‪ ،‬كقوله علٌه الصلبة والسلبم‪ ،‬كما جار فً‬ ‫حدٌث أبً هرٌرة رضً الله عنه (‪ ..‬مثل الصلوات الخمس ٌمحو الله‬ ‫بها الخطاٌا) ( ) ‪.‬‬ ‫وجار فً موطؤ َمالِك أحادٌث كثٌر فٌة‪ ،‬تبٌن أن الرسول صلى الله علٌه‬ ‫وسلم‪ ،‬بما ٌوحى إلٌه من ربه‪ ،‬قد بٌن للناس سننهم‪ ،‬ووضح لهم‬ ‫عباداتهم‪ ،‬ولم ٌكن هذا إلا من خلبل تعلٌمه علٌه الصلبة والسلبم ما‬ ‫ٌوحى إلٌه من ربه‪ ،‬لصحابته الذٌن نقلوا عنه شرابع الدٌن‪ ،‬وأحكامه‪،‬‬ ‫وتفاصٌله ‪.‬‬ ‫ونذكر من الموطؤ بعض الأم لة على ذلك منها ‪:‬‬ ‫‪ -‬مارواه اللَّ ٌْ ِث ًّ َع ْن َمالِك ْبن أَ َنس َع ْن ا ْب ِن ِش َها ٍب أَ َّن ُع َم َر ْب َن َع ْب ِد‬ ‫ا ْل َع ِزٌ ِز أَ َّخ َر ال َّصلبَ َة ٌَ ْو ًما َف َد َخ َل َعلَ ٌْ ِه ُع ْر َو ُة ْب ُن ال ُّز َب ٌْ ِر َفؤَ ْخ َب َرهُ أَ َّن‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌجموح ا‪٠٢‬خ ‪. 43‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌز‪ٛ‬ثخ ا‪٠٢‬خ ‪. 103‬‬‫‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ ، ٞ‬وزبة ِ‪ٛ‬ال‪١‬ذ اٌٖلاح ‪ ،‬ثبة اٌٍٖ‪ٛ‬اد اٌقٌّ ‪ ،‬ط‪ 126 ٓ 1‬ؽل‪٠‬ش هلُ ‪ٚ 528‬أظو ‪ِ،‬قزٖو‬ ‫اٌيث‪١‬ل‪ ٞ‬ػٍ‪ٕ ٝ‬ؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪. 90 ٓ ٞ‬‬ ‫‪174‬‬

‫ا ْل ُم ِؽٌ َر َة ْب َن ُش ْع َب َة أَ َّخ َر ال َّصلبَ َة ٌَ ْو ًما َو ُه َو بِا ْل ُكو َفة‪َ ،‬ف َد َخ َل َعلَ ٌْ ِه أَ ُبو َم ْس ُعو ٍد‬‫الاَ ْن َصا ِر ُّي َف َقا َل َما َه َذا ٌَا ُم ِؽٌ َرةُ أَلَ ٌْ َس َق ْد َعلِ ْم َت أَ َّن ِج ْب ِرٌ َل َن َز َل َف َصلَّى ‪-‬‬ ‫َف َصلَّى َر ُسو ُل ال َّلهِ َصلَّى ال َّلهُ َع َل ٌْ ِه َو َسلَّ َم ُث َّم َصلَّى ‪َ -‬ف َصلَّى َر ُسو ُل ال َّلهِ‬ ‫َصلَّى ال َّلهُ َع َل ٌْ ِه َو َسلَّ َم ‪ُ ،‬ث َّم َصلَّى ‪َ -‬ف َصلَّى َر ُسو ُل ال َّلهِ َصلَّى ال َّلهُ َع َل ٌْ ِه َو َسلَّ َم‬‫ُث َّم َصلَّى ‪َ -‬ف َصلَّى َر ُسو ُل ال َّلهِ َصلَّى ال َّلهُ َع َل ٌْ ِه َو َسلَّ َم ُث َّم َصلَّى ‪َ -‬ف َصلَّى‬ ‫َر ُسو ُل ال َّلهِ َصلَّى ال َّلهُ َع َل ٌْ ِه َو َسلَّ َم ُث َّم َقا َل ‪ِ :‬ب َه َذا أُ ِم ْر ُت َف َقا َل ُع َم ُر ْب ُن َع ْب ِد‬ ‫ا ْل َع ِزٌ ِز‪ :‬أَ ْع َل ْم َما ُت َح ِّد ُث بِ ِه ٌَا ُع ْر َوةُ أَ َو إِ َّن ِج ْب ِرٌ َل ُه َو الَّ ِذي أَ َقا َم لِ َر ُسو ِل‬ ‫ال َّل ِه َصلَّى ال َّلهُ َع َل ٌْ ِه َو َسلَّ َم َو ْق َت ال َّصلبَة ‪َ ،‬قا َل ُع ْر َو ُة َك َذلِ َك َكا َن َب ِشٌ ُر ْب ُن‬ ‫أَ ِبً َم ْس ُعو ٍد الاَ ْن َصا ِر ُّي ٌُ َح ِّد ُث َع ْن أَبٌِ ِه) ( )‪.‬‬ ‫فقد كان جبرٌل علٌه السلبم‪ٌ ،‬نزل على رسول الله‪ٌ ،‬علمه الشرابع‪،‬‬ ‫وٌوضح له الكٌفٌة التً تكون علٌها الصلبة ووقتها‪ ،‬ول ٌُ َعلِّم النبً صلى‬ ‫الله علٌه وسلم الأمة ‪.‬‬ ‫وكل هذا كان بوحًٍ من الله تبارك وتعالى‪ ،‬بل‪ ،‬وحتى امتداد‬ ‫وقت الصلبة من أول الوقت‪ ،‬وآخره‪ ،‬وهكذا كما فً هذا الحدٌث فً‬‫المو َّطؤ أٌضاً‪( :‬روي عن َمالِك َع ْن َز ٌْ ِد ْب ِن أَ ْس َل َم َع ْن َع َطا ِر ْب ِن ٌَ َسا ٍر أَ َّن ُه‬ ‫َقا َل َجا َر َر ُج فٌل إلى رسول ال َّلهِ َصلَّى ال َّلهُ َع َل ٌْ ِه َو َسلَّ َم َف َسؤَلَ ُه َع ْن َو ْق ِت‬ ‫َصلبَ ِة ال ُّص ْب ِح َقا َل َف َس َك َت َع ْن ُه َر ُسو ُل ال َّل ِه َصلَّى ال َّلهُ َعلَ ٌْ ِه َو َسلَّ َم َح َّتى إِ َذا‬ ‫َكا َن ِم ْن ا ْل َؽ ِد َصلَّى ال ُّص ْب َح ِحٌ َن َطلَ َع ا ْل َف ْج ُر ُث َّم َصلَّى ال ُّص ْب َح ِم ْن ا ْل َؽ ِد‬‫َب ْع َد أَ ْن أَ ْس َف َر ُث َّم َقا َل أَ ٌْ َن ال َّسابِ ُل َع ْن َو ْق ِت ال َّصلبَ ِة َقا َل َهؤَ َن َذا ٌَا َر ُسو َل ال َّلهِ‬ ‫‪ِٛٛ -‬أ َِب ٌِه‪ ،‬رؾم‪١‬ك ؽبِل أؽّل اٌطب٘و ‪ ،‬كاه اٌفغو فٍف اٌغبِغ الأى٘و ‪. 9ٓ َ2005،‬‬ ‫‪175‬‬

‫َف َقا َل َما َب ٌْ َن َه َذ ٌْ ِن َو ْق فٌت )( ) فمن ٌعلمهم هذه التفصٌل‪ ،‬إن لم ٌعلمها لهم‬‫رسول الله صلى الله علٌه وسلم ؟ وهكذا فً سابر العبادات والمعاملبت‬ ‫‪.‬‬‫‪ -‬فً الزكاة مثلبً‪ ،‬وهً ثالث الفرابض بعد الشهادتٌن‪ ،‬وإقام الصلبة‪،‬‬ ‫نجد أن أحادٌث النبً صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬هً التً بٌنت الأنصبة‪،‬‬ ‫وفصلت المقدار الواجب فً كل نصاب‪ ،‬ففً المو َّطؤ أٌضاً من حدٌث‬ ‫أبً سعٌ ٍد الخدري رضً الله عنه‪ :‬أن رسول الله صلى الله علٌه وسلم‬ ‫قال‪ ( :‬لٌس فٌما دون خمس ذو ٍد صدق ٍة‪ ،‬ولٌس فٌما دون خمس أوا ٍق‬ ‫صدق فٌة‪ ،‬ولٌس فٌما دون خمسة أوس ٍق صدق فٌة)( ) ‪.‬‬ ‫وقال َمالِك ‪( :‬الس َّنة التً لا اختلبؾ فٌها عندنا‪ :‬أن الزكاة تجب فً‬ ‫عشرٌن دٌناراً عٌناً‪ ،‬كما تجب فً مابتً دره ٍم )( ) ‪.‬‬ ‫خلاصة‪ :‬إن أي مسل ٍم عاقل متدب ٍر عار ٍؾ لمقاصد الشرٌعة‪ -‬لاٌمكن‬ ‫أن تحدثه نفسه بالتفرٌق بٌن السنة والقرآن من حٌث العمل‪ ،‬فالقرآن‬ ‫الكرٌم هو كلبم الله المنزل على عبده ورسوله محمد صلى الله علٌه‬ ‫وسلم‪ ،‬والسنة المطهرة التً هً وح فًٌ من الله تبارك وتعالى‪ ،‬لا ٌجوز‬‫التؽاضً عنها‪ ،‬والتساهل فً شؤنها‪ ،‬فالسنة مكملة للقرآن‪ ،‬وشارح ٌفة له‪،‬‬ ‫وموضح فٌة للمعانً المقصودة من آٌات العقابد والأحكام‪ ،‬و كذلك لما‬‫جار فٌه من القصص القرآنً الرابع الذي هو عبر ٌفة لمن ٌعتبر‪ ،‬وقد قال‬ ‫‪ِٛٛ -‬أ َِب ٌِه – ٓ‪. 10‬‬ ‫اٌّٖله اٌَبثك ٓ‪. 163‬‬ ‫‪ -‬اٌّٖله اٌَبثك ٓ ‪. 164‬‬ ‫‪176‬‬

‫الله تعالى‪َ ( :‬فلبَ َو َر ِّب َك لاَ ٌُ ْإ ِم ُنو َن َح َّت َى ٌُ َح ِّك ُمو َك فٌِ َما َش َج َر َب ٌْ َن ُه ْم ُث َّم لاَ‬ ‫ٌَ ِج ُدو ْا ِفً أَن ُف ِس ِه ْم َح َرجاً ِّم َّما َق َض ٌْ َت َو ٌُ َسلِّ ُمو ْا َت ْسلٌِماً ) ( )‪.‬‬ ‫الإسلام والإٌمان توأم ‪:‬‬ ‫إن الإسلبم والإٌمان توأم‪ ،‬فلب ٌكون أحدهما دون الآخر‪ ،‬فلو قلنا إن‬ ‫الإٌمان أخ ُّص من الإسلبم‪ ،‬وأن الإسلبم أع ُّم‪ ،‬فقد ٌقال‪ :‬إن كل مإم ٍن‬ ‫مسلم‪ ،‬ولٌس كل مسل ٍم مإمن ‪.‬‬ ‫ولكن هذا الكلبم ٌحتاج إلى نظر‪ -‬إذ قد ٌجاب بؤن المسلم لا ٌكون‬ ‫مسلماً إلا إذا آمن بالله تعالى رباًّ وخالقاً وإلهاً معبوداً‪ ،‬وهو ما تعنٌه‬ ‫شهادة التوحٌد‪ ،‬فإذا آمن‪ ،‬وصدق بالله تعالى‪ ،‬فلببد من التصدٌق‬ ‫بالأخبار التً ترد من الله‪ ،‬كالإخبار بعالم الؽٌب‪ ،‬والملبكة‪ ،‬والٌوم‬ ‫الآخر‪ ،‬إلى ؼٌر ذلك من القضاٌا الإٌمانٌة التً أخبر بها الحق تبارك‬ ‫وتعالى‪ ،‬ولعل فً حدٌث جبرٌل علٌه السلبم‪ ،‬بعض ما ٌوضح الفارق‬ ‫الذي هو فً واقع الأمر لٌس بفر ٍق‪ ،‬بل نعتبره خصوصٌ ًة لكل من‬‫المصطلحٌن إذا جاز التعبٌر‪ ،‬فإن لك ٍل من المصطلحٌن عند اجتماعهما‬ ‫معانً تخ ِّص ُصه عن الآخر‪ .‬والله أعلم‬‫‪ -‬جار فً صحٌح البخاري من حدٌث أَبًِ ُه َر ٌْ َر َة رضً الله عنه أنه‬‫َقا َل ‪َ :‬كا َن ال َّن ِب ًُّ َصلَّى ال َّلهُ َعلَ ٌْ ِه َو َسلَّ َم َبا ِر ًزا ٌَ ْو ًما لِل َّنا ِس ‪َ ،‬فؤَ َتاهُ ِج ْب ِرٌ ُل ‪،‬‬ ‫َف َقا َل َما الإٌِ َما ُن ؟ َقا َل الإٌِ َما ُن أَ ْن ُت ْإ ِم َن ِبال َّل ِه َو َملبَ ِب َك ِت ِه َو ُك ُتبِ ِه َوبِلِ َقابِ ِه‬ ‫َو ُر ُسلِ ِه َو ُت ْإ ِم َن ِبا ْل َب ْع ِث ‪َ ،‬قا َل َما الإِ ْسلبَ ُم ؟ َقا َل الإِ ْسلا ُم أَ ْن َت ْع ُب َد ال َّلهَ َولا‬ ‫‪ٍٛ -‬هح إٌَبء ا‪٠٢‬خ ‪. 65‬‬ ‫‪177‬‬

‫ُت ْش ِر َك ِب ِه َش ٌْ ًبا َو ُتقٌِ َم ال َّصلب َة َو ُت َإ ِّد َي ال َّز َكا َة ا ْل َم ْف ُرو َض َة َو َت ُصو َم‬ ‫َر َم َضا َن‪َ ،‬قا َل َما الإِ ْح َسا ُن ؟ َقا َل أَ ْن َت ْع ُب َد ال َّل َه َكؤَ َّن َك َت َرا ُه َفإِ ْن لَ ْم َت ُك ْن َت َرا ُه‬ ‫َفإِ َّن ُه ٌَ َرا َك‪َ ،‬قا َل َم َتى ال َّسا َع ُة؟ َقا َل َما ا ْل َم ْس ُبو ُل َع ْن َها ِبؤَ ْعلَ َم ِم ْن ال َّسابِ ِل ‪،‬‬ ‫َو َسؤُ ْخ ِب ُر َك َع ْن أَ ْش َرا ِط َها‪ ،‬إِ َذا َولَ َد ْت الاَ َم ُة َر َّب َها‪َ ،‬وإِ َذا َت َطا َو َل ُر َعا ُة الإِ ِب ِل‬ ‫ا ْل ُب ْه ُم فًِ ا ْل ُب ْن ٌَا ِن‪ِ ،‬فً َخ ْم ٍس لا ٌَ ْعلَ ُم ُه َّن إِلا ال َّلهُ ُث َّم َتلب ال َّن ِب ًُّ َصلَّى ال َّلهُ َع َل ٌْ ِه‬ ‫َو َسلَّ َم ( إِ َّن ال َّل َه ِع ْن َد ُه ِع ْل ُم ال َّسا َع ِة)( ) الآ ٌَ َة‪ُ ،‬ث َّم أَ ْد َب َر‪َ ،‬ف َقا َل‪ُ :‬ر ُّدوهُ َف َل ْم ٌَ َر ْوا‬ ‫َش ٌْ ًبا‪َ ،‬ف َقا َل َه َذا ِج ْب ِرٌ ُل َجا َر ٌُ َعلِّ ُم ال َّنا َس ِدٌ َن ُه ْم) ( )‪.‬‬ ‫ٌعتبر هذا الحدٌث الذي مر علٌنا أصلبً من أصول الدٌن‪ ،‬ودلٌلبً‬ ‫واضحاً للسالكٌن‪ٌ ،‬بٌن العلبقة الوثٌقة لهذا الدٌن‪ ،‬و أنه متٌن‬ ‫مكٌن‪َ (،‬ن َز َل ِب ِه ال ُّرو ُح الاَ ِمٌ ُن )( )(لا ٌَؤْتٌِ ِه ا ْل َبا ِط ُل ِمن َب ٌْ ِن ٌَ َد ٌْ ِه َولا ِم ْن‬ ‫َخ ْل ِف ِه َتن ِزٌ فٌل ِّم ْن َح ِكٌ ٍم َح ِمٌ ٍد ) ( ) ‪.‬‬ ‫علَّ َق الحافظ بن حجر العسقلبنً على هذا الحدٌث فقال‪ :‬باب سإال‬ ‫جبرٌل النبً صلى الله علٌه وسلم عن الإٌمان‪ ،‬والإسلبم‪ ،‬والإحسان‪،‬‬ ‫وعلم الساعة‪ ،‬وبٌان النبً صلى الله علٌه وسلم له‪ ،‬ثم قال‪ -‬رحمه الله‪:-‬‬ ‫مع بٌان أن الاعتقاد والعمل دٌ فٌن وقوله‪ :‬وماب ٌَّن ( ) وقد قال الله تعالى‪(:‬‬ ‫إِ َّن ال ِّدٌ َن ِعن َد ال ّل ِه الإِ ْسلبَ ُم)( ) ‪.‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح ٌمّبْ ا‪٠٢‬خ‪. 34‬‬ ‫‪ٕ-‬ؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ ،ٞ‬وزبة الإ‪ّ٠‬بْ ‪،‬ثبة ٍإاي عجو‪ ً٠‬إٌج‪ ٍٕٝ ٟ‬الله ػٍ‪ ٍٍُٚ ٗ١‬ػٓ الإ‪ّ٠‬بْ ‪ٚ‬الإٍلاَ ‪ٚ،‬الإؽَبْ‬ ‫‪ٚ‬ػٍُ اٌَبػخ‪ٚ،‬ث‪١‬بْ إٌج‪ ٍٕٝ ٟ‬الله ػٍ‪،ٍٍُٚ ٗ١‬صُ لبي عجو‪ ً٠‬عبء ‪٠‬ؼٍّىُ ك‪ٕ٠‬ىُ‪،‬فغؼً مٌه وٍٗ ك‪ٕ٠‬ب ‪ ،‬ط ‪22 ٓ 1‬‬ ‫عل‪٠‬ش هلُ ‪ٚ ،37‬أظو‪ِ -‬قزٖو اٌيث‪١‬ل‪ٌٖ ٞ‬ؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪. 34 ٓ ،ٞ‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌْؼواء ‪. 193‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح فٍٖذ ا‪٠٢‬خ ‪. 42‬‬‫ل‪ِٚ ٌٗٛ‬بث‪ ٓ١‬اٌّواك ثٗ أْ ث‪ ٕٗ١‬إٌج‪ ٍٕٝ ٟ‬الله ػٍ‪ّ ِٓ ٍٍُٚ ٗ١‬وائغ اٌل‪ٚ ٓ٠‬ػوا الاٍلاَ اٌز‪ ٟ‬لا‪٠‬زُ اٌل‪ ِٓ ٓ٠‬ك‪ٙٔٚ‬ب‬ ‫والبَ اٌٖلاح ‪ٚ‬اٌيوبح ‪ٚ‬اٌؾظ ‪ٚ‬اٌٖ‪ٚ َٛ‬الأِو ثبٌّؼو‪ٚ‬ف ‪ٚ‬إٌ‪ ٟٙ‬ػٓ إٌّىو‪،‬ئٌ‪ ٝ‬غ‪١‬و مٌه ِٓ اٌْوائغ اٌز‪ ٟ‬ثٕ‪ٙ‬ب‬ ‫اٌّٖطف‪ ٍٕٝ ٝ‬الله ػٍ‪. ٍٍُٚ ٗ١‬‬ ‫ٍ‪ٛ‬هح آي ػّواْ ا‪٠٢‬خ‪. 19‬‬ ‫‪178‬‬

‫وقال شٌخ الإسلبم ابن تٌمٌة‪ :‬إن ال َمبنى ؼٌر ال ُمبنى علٌه‪ ،‬بل جعل‬ ‫النبً صلى الله علٌه وسلم الدٌن ثلبث درجات‪ :‬أعلبها الإحسان‪،‬‬ ‫وأوسطها الإٌمان‪ ،‬وٌلٌه الإسلبم‪ ،‬فكل محسن مإمن‪ ،‬وكل مإمن مسلم‪،‬‬ ‫ولٌس كل مإمن محسن‪ ،‬ولا كل مسلم مإمن)( ) ‪.‬‬ ‫وابن تٌمٌة لا ٌقص د‪ -‬رحمه الله‪-‬انعدام الإٌمان فً كل من هذه‬ ‫المسمٌات‪ ،‬ولكن اختلبؾ مراتب الإٌمان ودرجاته‪ ،‬فدرجة الإحسان‬ ‫أعلى من درجة الإٌمان‪ ،‬ودرجة الإٌمان أعلى من درجة الإسلبم‬ ‫وهكذا‪ ،‬ولكن هذا لا ٌعنً تخلؾ صفة الإٌمان وهً الاعتقاد القلبً فً‬ ‫كل من هذه المصطلحات‪ ،‬فلك ٍّل إٌمانه المرتبط بالعمل الملبزم للئٌمان‪،‬‬ ‫والمسلم ٌترقى بحسب عمله وما ٌفتح الله علٌه‪ ،‬درج ًة درجة إلى مرتبة‬ ‫الإٌمان‪ ،‬ثم ٌعلو إٌمانه‪ ،‬وتقوى عقٌدته‪ ،‬وٌزداد تفرباً حتى ٌصل درجة‬ ‫الإحسان‪ ،‬وهكذا ‪.‬‬ ‫وٌعرؾ الشٌخ أبوأصبع ال َمالِكً‪ ،‬الإحسان فٌقول‪ :‬الإحسان فً‬ ‫العبادة له مرتبتان‪ :‬الأولى ‪ :‬أن تعبد الله كؤنك تراه‪ ،‬وذلك بؤن تؽلب‬ ‫علٌك مشاهدة الحق تبارك وتعالى بقلبك‪ ،‬وكؤنك تراه رأي العٌن‪،‬‬ ‫الثانٌة‪ :‬أن تعبد الله كؤنه ٌراك‪ ،‬وذلك بؤن تستحضر بقلبك أن الباري جل‬ ‫وعلب ٌراك ومطلع علٌك فً كل حركاتك وسكناتك‪ ،‬والمرتبة الأولى –‬ ‫أرفع من الثانٌة‪ ،‬وهناك مرتبة ثالثة وهً أن تعبد الله دون أن تستحضر‬‫‪-‬أؽّل ثٓ ػجل اٌؾٍ‪ ُ١‬ثٓ ر‪١ّ١‬خ‪ ،‬وزبة الإ‪ّ٠‬بْ ‪،‬رؾم‪١‬ك ػٖبَ اٌل‪ ٓ٠‬اٌٖجب ث‪،ٜٞ‬كاه اٌؾل‪٠‬ش‪ ،‬اٌمب٘وح‪. 7ٓ-2003 ،‬‬ ‫‪179‬‬

‫أنه مطلع علٌك‪ ،‬وهذه لٌست من مراتب الإحسان لأنها خالٌ فٌة من معرفة‬ ‫الله وخشٌته ( ) ‪.‬‬ ‫وقد دلت الآٌات على أن الإسلبم هو الدٌن‪ ،‬ودل علٌه خبر أبً‬ ‫سفٌان‪ ،‬أن الإٌمان هو الدٌن‪ ،‬فمقتضى ذلك أن الإسلبم والإٌمان أم ٌفر‬ ‫واحد‪ ،‬ونقل عن المزنً‪ ،‬صاحب الشافعً‪ ،‬الجزم بؤنهما عبارة عن‬ ‫معنى واحدة ( )فإذا قٌل إن الله تعالى ٌقول‪َ ( :‬قالَ ِت الاَ ْع َرا ُب آ َم َّنا ُقل لَّ ْم‬ ‫ُت ْإ ِم ُنوا َولَ ِكن قُولُوا أَ ْس َل ْم َنا َو َل َّما ٌَ ْد ُخ ِل ا ْلإٌِ َما ُن ِفً ُقلُو ِب ُك ْم َوإِن ُت ِطٌ ُعوا ال َّلهَ‬ ‫َو َر ُسولَ ُه لاَ ٌَلِ ْت ُكم ِّم ْن أَ ْع َمالِك ْم َش ٌْباً إِ َّن ال َّلهَ َؼفُو ٌفر َّر ِحٌ ٌفم )( ) ‪.‬‬ ‫فلٌس المراد بالأعراب عمومهم‪ ،‬بل المراد بعضهم الذٌن جاروا‬ ‫لرسول الله صلى الله علٌه وسلم ٌَ َّدعون الإٌمان‪ ،‬والمعروؾ أن الإٌمان‬ ‫هو التصدٌق بالقلب فرد الله ادعارهم وكذبهم فً ادعابهم الإٌمان‪ ،‬لأن‬ ‫الحاجة وحدها هً التً ألجؤتهم للئسلبم‪ ،‬فهم أسلموا وسلموا تسلٌماً‬ ‫ظاهرٌاًّ‪ ،‬ولم تدخل حقٌقة الإٌمان بعد فً قلوبهم ( ) ‪.‬‬ ‫وهذا لا ٌمنع أنه قد ٌطلق الإسلبم وٌراد به الإٌمان‪ ،‬أوعموم الدٌن‪،‬‬ ‫كما قال تعالى‪( :‬إِ َّن ال ِّدٌ َن ِعن َد ال ّلهِ الإِ ْسلبَ ُم )( ) وقد ٌطلق الإٌمان كذالك‬ ‫على عموم الدٌن‪ ،‬وٌمكن القول أن المصطلحان فً حال اجتماعهما فً‬ ‫‪ -‬اٌغ‪٘ٛ‬و اٌفو‪٠‬ل ف‪ ٟ‬ػٍُ اٌز‪ٛ‬ؽ‪١‬ل‪ ،‬ػجلاٌ‪ٙ‬بك‪ ٞ‬أث‪ٛ‬إٔجغ اٌ َّبٌِى‪. 346ٓ ،ٟ‬‬‫‪ -‬اثٓ ؽغو اٌؼَملأ‪ ،ٟ‬فزؼ اٌجبه‪ ٞ‬ثْوػ ٕؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪،ٞ‬اٌّىزجخ الإٍلاِ‪١‬خ ػ‪ ،ٌّّ ٓ١‬هلُ الإ‪٠‬لاع‪/20570 ،‬‬ ‫‪2000‬ط‪. 139 ٓ 1‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌؾغواد ا‪٠٢‬خ ‪.. 14‬‬ ‫‪ -‬ػف‪١‬ف ػجل اٌفزبػ ‪ٛ‬جبهح ‪،‬رفَ‪١‬و ه‪ٚ‬ػ اٌموآْ اٌىو‪،ُ٠‬كاه اٌؼٍُ ٌٍّلا‪٠،ٓ١٠‬و‪ٚ‬د‪ٌ،‬جٕبْ‪، َ 1987 ،‬ط الأؽمبف‬ ‫ٓ ‪. 126‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح آي ػّواْ ا‪٠٢‬خ ‪. 19‬‬ ‫‪180‬‬

‫جملة واحدة فإن لك ٍّل منهما المعنى الدال على مسماه بِ َش ْك ٍل خاص‪ ،‬أما‬ ‫فً حال افتراقهما فهما ٌدلان على معنى واحد‪ ،‬والله أعلم ‪.‬‬ ‫المطلب ال انً‪ :‬الشرائع فً الإسلام ‪:‬‬ ‫الشرائع لل اًلة ‪ :‬جمع شرٌعة‪ ،‬والشرٌعة ماشرع الله لعباده من الدٌن‪،‬‬ ‫وشرع لهم أي س َّن لهم‪ ،‬وال َّشارع‪ :‬العالم الربانً العامل المعلِّم ( ) ‪.‬‬ ‫و اصطلاحاالً‪ :‬هً مجموعة الأوامر والنواهً‪ ،‬التً تصدر عن‬ ‫الشارع سبحانه وتعالى‪ ،‬وتسمى كذلك بالأحكام الدٌنٌة‪ ،‬بحٌث تؤخذ‬ ‫القدسٌة من واضعها فلب حلبل ولا حرام إلا بشرع‪ ،‬وس َّنة‪ ،‬ولا شرع‬ ‫إلا ما شرعه الله ورسوله‪ ،‬ولا سنة إلا ما س َّنها الله ورسوله ‪.‬‬ ‫قال تعالى ‪:‬‬‫( َش َر َع لَ ُكم ِّم َن ال ِّدٌ ِن َما َو َّصى ِب ِه ُنوحاً َوالَّ ِذي أَ ْو َح ٌْ َنا إِ َل ٌْ َك َو َما َو َّص ٌْ َنا‬‫ِب ِه إِ ْب َرا ِهٌ َم َو ُمو َسى َو ِعٌ َسى أَ ْن أَقٌِ ُموا ال ِّدٌ َن َولاَ َت َت َف َّر ُقوا فٌِ ِه َك ُب َر َع َلى‬‫ا ْل ُم ْش ِر ِكٌ َن َما َت ْد ُعو ُه ْم إِ َل ٌْ ِه ال َّلهُ ٌَ ْج َتبًِ إِ َل ٌْ ِه َمن ٌَ َشا ُر َو ٌَ ْه ِدي إِلَ ٌْ ِه َمن‬ ‫ٌُ ِنٌ ُب)( ) ‪.‬‬ ‫والشرابع مستمد ًة من الله عز وجل‪ ،‬وأنها الدٌن القٌم‪ ،‬وأن دٌن الله‬‫واح ٌفد هو الإسلبم‪ ،‬وأن الله تعالى الذي أنزل الشرابع على الأمم السابقة‬ ‫من لدن آدم علٌه السلبم‪ ،‬ومن بعده نوح‪ ،‬وإبراهٌم‪ ،‬وداوود‪ ،‬وموسى‪،‬‬ ‫وعٌسى‪ ،‬إلى محم ٍد علٌهم الصلبة والسلبم جمٌعاً‪ ،‬وؼٌرهم من الأنبٌار‬ ‫‪ -‬اٌمبِ‪ ًٛ‬اٌّؾ‪ٌٍ ،ٜ١‬ف‪١‬و‪ٚ‬ىاثبم‪ ٞ‬ط‪ٚ 619 ٓ 2‬أظو‪ِ -‬قزبه اٌٖؾبػ ٓ ‪. 335‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌْ‪ٛ‬ه‪ ٜ‬ا‪٠٢‬خ ‪. 13‬‬ ‫‪181‬‬

‫والمرسلٌن‪ ،‬علٌهم الصلبة والسلبم جمٌعاً‪ ،‬وأن وصٌته هً إقامة الدٌن‪،‬‬ ‫وعدم التفرق فٌه‪ ،‬والتشرذم‪ ،‬واتباع الأهوار‪ ،‬وكذلك عدم الانحراؾ‬ ‫عن الدٌن القوٌم بالابتداع والقول فً دٌن الله من دون حكم‪ ،‬وبدون ما‬ ‫شرع‪ ،‬لأن هدؾ الدٌن هو الاستقامة وهذا هو الدٌن القٌم ‪.‬‬ ‫ومعلو ٌفم من الدٌن بالضرورة أن هناك أموراً محسوم ًة فً الدٌن ولا‬ ‫خلبؾ علٌها‪ ،‬كالعقابد‪ ،‬والعبادات‪ ،‬وهً لاتختلؾ باختلبؾ الزمان‬ ‫والمكان‪ ،‬ولا تختلؾ أو تتؽٌر على م ِّر العصور‪ ،‬ومهما تعاقبت‬ ‫الأجٌال( )‪ ،‬فدٌننا‪ ،‬دٌن اتباع ولٌس دٌن ابتداع‪ ،‬فمن أراد أن ٌعبد الله‬ ‫تعالى فإنه‪ -‬لن ٌجد أفضل م َّما كان علٌه المصطفى صلى الله علٌه‬ ‫وسلم وصحابته‪ ،‬فقد كان النبً صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬المبلِّػ الوحٌد عن‬ ‫الله‪ ،‬وهو المشرع بما ٌوحى إلٌه من ربه ‪.‬‬ ‫وقد كان صحابته من بعده متمسكٌن بهدٌه‪ ،‬سابرٌن على نهجه‪ ،‬لا‬ ‫ٌخالفونه فً صؽٌر ٍة أو كبٌر ٍة‪ ،‬لأنه علٌه الصلبة والسلبم أعلم الناس‬‫بالله وأتقاهم له‪ ،‬حٌث كان ٌقول علٌه الصلبة والسلبم‪ ،‬فٌما روته السٌدة‬ ‫عابشة رضً الله عنها‪ ،‬قالت‪ :‬كان رسول الله صلى الله علٌه وسلم إذا‬‫أمرهم‪ ،‬أمرهم من الأعمال بما ٌطٌقون‪ ،‬قالوا‪ :‬إنا لسنا كهٌبتك ٌا رسول‬ ‫الله‪ ،‬إن الله قد ؼفر لك ما تقدم من ذنبك وما تؤخر‪ ،‬فٌؽضب‪ ،‬حتى‬‫ٌعرؾ الؽضب فً وجهه‪ ،‬ثم ٌقول‪ ( :‬إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا )( ) ‪.‬‬ ‫‪ -‬ػجل اٌؼظ‪ّ ُ١‬وف اٌل‪ ،ٓ٠‬ربه‪٠‬ـ اٌزْو‪٠‬غ الإٍلاِ‪. 7 ٓ،ٟ‬‬ ‫‪ -‬فزؼ اٌجبه‪ ٞ‬ثْوػ ٕؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ ، ٞ‬ج‪. 83 ٓ1‬‬ ‫‪182‬‬

‫وهذا الحدٌث كما علمنا‪ ،‬هو من الأحادٌث المهمة‪ ،‬فً الجانب‬ ‫التشرٌعً‪ ،‬حٌث بٌن أن أمر مشروعٌة العمل‪ ،‬وبٌان مقداره‪ ،‬وهٌبته‪،‬‬‫ووقته‪ ،‬وهذا الأمر لا مجال للعقل فٌه‪ ،‬ولا للعاطفة‪ ،‬ولا للتحلٌل‪ ،‬بدلٌل‬‫أن الصحابة رضوان الله علٌهم كانوا ٌناقشون رسول الله صلى الله علٌه‬ ‫وسلم‪ ،‬وٌحاورونه فً هذا الأمر‪ٌ ،‬ا رسول الله‪ ،‬إنا لسنا مثلك‪ ،‬لسنا‬ ‫كهٌبتك‪ ،‬لأنه علٌه الصلبة والسلبم قد ؼفر له ما تقدم من ذنبه وما‬ ‫تؤخر‪ ،‬ثم هو أمر إٌمانً من الصحابة حٌث كان بدافع الحرص‪ ،‬فقد‬ ‫كانوا راؼبٌن فً الازدٌاد‪ ،‬وحرٌصٌن‪ -‬رحمهم الله‪ -‬على ألاَ ٌعبد الله‬ ‫تبارك وتعالى إلا بما شرع على لسان رسوله صلى الله علٌه وسلم‪،‬‬‫ولٌس لأح ٍد مخالفته‪ ،‬حتى وإن كان مراده خٌراً‪ ،‬فهو مهما بلػ فلن ٌبلػ‬ ‫بالقرب من الله تعالى ما بلؽه النبً صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬ولا حتى‬ ‫المنزلة التً أرادها لنا نبً الله صلى الله علٌه وسلم فً قربنا من الله‪،‬‬ ‫فهو علٌه الصلبة والسلبم أدرى بما ٌقربنا إلى الله‪ ،‬وهو أرأ ُؾ بؤمته‬ ‫من ؼٌره‪ ،‬وأعلم بحالهم وما ٌقربهم من ربهم‪ ،‬ولذلك قال (إن أتقاكم‬ ‫وأعلمكم بالله أنا ) وفً رواٌة( وأعلمكم بالله لأنا ) وفً رواٌ ٍة‬ ‫أخرى(إن أب َّركم وأتقاكم أنا )( ) ‪.‬‬‫ولقد كان الإِ َمام َمالِك‪ -‬رحمه الله‪ٌ -‬رى أن الخٌر كل الخٌر فً اتباع‬ ‫الشرٌعة‪ ،‬وأن الش َّر كله فً مخالفتها‪ ،‬ولذلك فقد بنى مذهبه على‬ ‫(الكتاب والسنة ) ‪ ،‬وهما المصدران الأساسٌان للشرٌعة الإسلبمٌة‪،‬‬ ‫وكان ٌرى أن مخالفة السنة من البدع التً ٌإدب فاعلها ‪.‬‬ ‫‪-‬اٌّٖله اٌَبثك ط‪. 84 ٓ 1‬‬ ‫‪183‬‬

‫روي عن عبد الرحمن بن مهدي( ‪ )‬قوله‪ :‬سبل َمالِك بن أنس عن‬ ‫السنة فقال‪ :‬هً مالا اسم له ؼٌر السنة وتلب‪َ ( :‬وأَ َّن َهـ َذا ِص َرا ِطً‬ ‫ُم ْس َت ِقٌماً َفا َّتبِ ُعو ُه َولاَ َت َّتبِ ُعو ْا ال ُّس ُب َل َف َت َف َّر َق ِب ُك ْم َعن َسبٌِلِ ِه )( )( ) ‪.‬‬ ‫فائدة‪ :‬إن هذا الأثر الوارد عن الإِ َمام َمالِك‪ ،‬فٌه إشارة مه َّمة إلى‬ ‫نظرة َمالِك إلى الاستقامة بِ َش ْك ٍل عام‪ ،‬وكذلك ٌدل على أن مفهوم َمالِك‬ ‫للصراط المستقٌم هو بالتمسك بالسنة‪ ،‬وأن من ترك الس َّنة فقد ترك‬ ‫صراط الله المستقٌم‪ ،‬ومن ترك صراط الله اتبع ال ُّسبل المضللة‪ ،‬ولهذا‬ ‫قال َمالِك‪( :‬الس َّنة مالا اسم له غٌر الس َّنة) ‪ ،‬والس َّنة الطرٌقة‪ ،‬فمن ترك‬ ‫طرٌق الس َّنة‪ ،‬فقد ترك طرٌق الرسول صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬ومن‬ ‫انحرؾ عن طرٌق الرسول فقد انحرؾ عن دٌن الله‪ ،‬ومن انحرؾ عن‬ ‫دٌن الله فقد ضل‪ ،‬ولهذا قال تعالى‪ ( :‬إِ َّن الَّ ِذٌ َن َف َّر ُقو ْا ِدٌ َن ُه ْم َو َكا ُنو ْا ِش ٌَعاً‬ ‫لَّ ْس َت ِم ْن ُه ْم ِفً َش ًْ ٍر إِ َّن َما أَ ْم ُر ُه ْم إِلَى ال ّلهِ ُث َّم ٌُ َن ِّب ُب ُهم بِ َما َكا ُنو ْا ٌَ ْف َعلُو َن )( )‪.‬‬ ‫وحول هذا المعنى أخرج ابن جرٌ ٍر فً تفسٌره عن أبً هرٌرة‬ ‫رضً الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله علٌه وسلم فً قوله تعالى‪:‬‬ ‫(إِ َّن الَّ ِذٌ َن َف َّر ُقو ْا ِدٌ َن ُه ْم َو َكا ُنو ْا ِش ٌَعاً لَّ ْس َت ِم ْن ُه ْم فًِ َش ًْ ٍر )‪ ،‬ولٌسوا منك‪،‬‬ ‫هم أهل البدع وأهل الشبهات وأهل الضلبلة من هذه الأمة)( ) ‪.‬‬‫‪ ٛ٘ - ‬ػجل اٌوؽّٓ ثٓ ِ‪ٙ‬ل‪ ٞ‬ثٓ ؽَبْ اٌؼٕج‪١‬و‪،ٞ‬ئِبَ ؽبفع‪ ِٓ ،‬اٌّزجؾو‪ ٓ٠‬ف‪ ٟ‬اٌؼٍُ ‪ ،‬ه‪ ٜٚ‬ػٓ َِب ٌِه آصبهاً وض‪١‬وح‪،‬‬ ‫‪ ٌٗٚ‬ػٍُ ‪ٚ‬ف‪ٌٚ ًٚ‬ل ٍٕخ ‪٘135‬ـ اٌّز‪ٛ‬ف‪ٍٕ ٟ‬خ ‪٘ 198‬ـ‪،‬أٔظوـ ‪ٛ‬جمبد اٌفم‪ٙ‬بء ٌٍْ‪١‬واى‪. 94 ٓ ْ ٞ‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح الأٔؼبَ ا‪٠٢‬خ ‪. 154‬‬ ‫‪-‬الاػزٖبَ ٌٍْب‪ٛ‬ج‪ ٟ‬ط‪. 63ٓ1‬‬ ‫ٍ‪ٛ‬هح الأٔؼبَ ا‪٠٢‬خ ‪. 159‬‬‫رفَ‪١‬و ثٓ وض‪١‬و – ٌغٕخ ِٓ اٌؼٍّبء ‪،‬كاه الأٔلٌٌ ٌٍطجبػخ ‪،‬ث‪١‬و‪ٚ‬د – ٌجٕبْ ‪،‬اٌطجؼخ اٌغل‪٠‬لح اٌّٖؾؾخ ‪، 135 ٓ،‬‬ ‫‪ٌٚ‬مل موو ثٓ وض‪١‬و ‪ ،‬ولاِبً ِ‪ّٙ‬بً ف‪٘ ٟ‬نا اٌجبة ‪ٚ‬فٍٔ ف‪ ٗ١‬ئٌ‪ ٝ‬أْ ا‪٠٢‬خ ػبِخ ف‪ ٟ‬وً ِٓ فبهق ك‪ٚ ٕٗ٠‬ارجغ غ‪١‬و ٍج‪ً١‬‬ ‫اٌّإِٕ‪. ٓ١‬‬ ‫‪184‬‬

‫وقد ذكر الإِ َمام القرطبً‪ -‬وهو من أبمة ال َمالِكٌة‪ -‬فً هذا الباب عند‬ ‫تفسٌر هذه الآٌة‪ -‬هذا الحدٌث قال‪ :‬هم أصحاب البدع‪ ،‬والأهوار‪،‬‬‫وأصحاب الضلبلات من هذه الأمة‪ ،‬ثم ذكر قوله علٌه الصلبة والسلبم‪:‬‬ ‫(ٌاعاب ةش‪ ،‬إن لك ِّل صاحب ذن ٍب توب فٌة ؼٌر أصحاب البدع وأصحاب‬ ‫الأهوار لٌس لهم توبة‪ ،‬وأنا برير منهم‪ ،‬وهم منً برآر) ( )‪.‬‬ ‫ومن البحث والتتبع لهذا الحدٌث نقول‪ :‬لقد ذكر ابن كثٌر وؼٌره أن‬ ‫هذه الأحادٌث فٌها ضع فٌؾ‪ ،‬ولكن مع هذا‪ ،‬فإن فً النصوص القطعٌة‬ ‫الدالة على عظم خطرالبدعة على الدٌن‪ ،‬والآثار السلبٌة للداعً إلى‬ ‫البدعة على شعابر الإسلبم‪ ،‬وما هو معرو ٌفؾ من السنة‪ -‬أم فٌر لا لبس‬ ‫فٌه‪ ،-‬فالبدعة خطرها واضح‪ ،‬ومفسدتها جلٌ فٌة لا تحتاج إلى دلٌل‪،‬‬ ‫فالأعمال قسمان‪ :‬عبادات‪ ،‬ومعاملبت‪ ،‬فما كان من العبادات خارجاً‬‫عن حكم الله ورسوله بالكلٌة‪ ،‬فهو مردو فٌد‪ ،‬وٌدخل تحت قوله تعالى‪ ( :‬أَ ْم‬ ‫َل ُه ْم ُش َر َكار َش َر ُعوا لَ ُهم ِّم َن ال ِّدٌ ِن َما َل ْم ٌَؤْ َذن ِب ِه ال َّلهُ )( ) ‪.‬‬ ‫ولا ٌستقٌم من المعاملبت إلا ما كان فً رضى المولى تبارك‬ ‫وتعالى‪ ،‬وللمرر أن ٌفعل ما ٌشار فٌما ٌتعلق بؤمور دنٌاه‪ ،‬شرٌطة ألا‬ ‫ٌكون فً ذلك فساد‪ ،‬أو مخالفة لشرع‪ ،‬أو سنة معلومة ٌفسد بمخالفتها‬‫الدٌن‪ ،‬كما جار فً الحدٌث الذي أخرجه البخاري‪( :‬من أحدث فً أمرنا‬ ‫‪ -‬ػجل الله ِؾّل ثٓ أؽّل الأٖٔبه‪ ٞ‬اٌمو‪ٛ‬ج‪، ٟ‬اٌغبِغ لأؽىبَ اٌموآْ ‪ ،‬رؾم‪١‬ك ػجل اٌواىق اٌّ‪ٙ‬ل‪، ٞ‬كاه اٌىزبة‬ ‫اٌؼوث‪ ، ٟ‬ث‪١‬و‪ٚ‬د ‪ٌ ،‬جٕبْ ‪، َ1999 ،‬ط‪. 132 ٓ، 7‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌْ‪ٛ‬ه‪ ٜ‬ا‪٠٢‬خ ‪. 21‬‬ ‫‪185‬‬

‫هذا ما لٌس منه فهو ر ٌّد)‪ ،‬وفً رواٌة مسلم‪( :‬من عمل عملبً لٌس علٌه‬ ‫أمرنا فهو ر ٌّد )( ) ‪.‬‬ ‫وعلٌه فإننا نخلص إلى القول‪ :‬إن الشرٌعة تضادها البدعة التً لا‬ ‫دلٌل على مشروعٌتها‪ ،‬وهً فً حقٌقتها اتهام للمش ِّرع بالنقص فً‬ ‫الدٌن بعد كماله‪ ،‬ومن هنا ٌجب أن نقؾ على تعرٌؾ البدعة‪ ،‬وحكمها‬ ‫فً الإسلبم‪ ،‬وموقؾ َمالِك من الابتداع فً الدٌن‪ ،‬وكٌؾ تصدى‬ ‫لمجموع البدع التً ظهرت فً زمانه ‪.‬‬ ‫المبحث ال الث ‪ :‬البدعة وموقف الشرٌعة منها ‪:‬‬ ‫ال ِب ِ ِ دعة لل اًلة‪ :‬بكسر البار‪ -‬الحدث فً الدٌن بعد الإكمال‪ ،‬أو ما‬ ‫استحدث بعد النبً صلى الله علٌه وسلم من الأهوار والأعمال( )‪،‬‬ ‫وتكون فً المعتقدات‪ ،‬والعبادات‪ ،‬وحتى فً المعاملبت ‪.‬‬ ‫قال تعالى‪ُ ( :‬ق ْل َما ُكن ُت بِ ْدعاً ِم َن ال ُّر ُس ِل )( ) أي ما كنت أول من‬ ‫جار بالرسالة من الله تعالى‪ ،‬بل هناك رس ٌفل قبلً أوحً إلٌهم من الله( )‪.‬‬ ‫واصطلاحا‪ :‬لا تختلؾ عن معناها اللؽوي‪ ،‬فهً مصطل فٌح قد اتفق‬ ‫علٌه‪ ،‬وتعارؾ علٌه علمار الشرٌعة قدٌماً وحدٌثاً‪ ،‬من حٌث دلالة‬ ‫البدعة على فع ٍل محد ٍث فً الدٌن‪ ،‬لم ٌكن من هدي النبً المصطفى‬‫‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ ٞ‬وزبة الاػزٖبَ ثبٌىزبة ‪ٚ‬إٌَخ ‪ ،‬ثبة ئما اعز‪ٙ‬ل اٌؼبًِ أ‪ ٚ‬اٌؾبوُ فأفطأ ؽل‪٠‬ش هلُ ‪2697‬‬ ‫‪ٚ،‬أظو‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ ٍَُِ وزبة الأل‪١ٚ‬خ‪ ،‬ثبة ٔم٘ الأؽىبَ اٌجب‪ٍٛ‬خ ‪ٚ‬هك ِؾلصبد الأِ‪ٛ‬ه‪ِ ٚ ،‬قزٖو إٌّنه‪ ٞ‬ػٍ‪ٝ‬‬ ‫ٕؾ‪١‬ؼ ٍَُِ ٓ ‪ٚ ،253‬ؽل‪٠‬ش هلُ ‪. 1718‬‬‫‪ -‬اٌمبِ‪ ًٛ‬اٌّؾ‪ٌٍ ، ٜ١‬ف‪١‬و‪ٚ‬ىاثبم‪ ،ٞ‬ؽّغ اٌطب٘و اٌيا‪،ٞٚ‬اٌلاه اٌؼوث‪١‬خ ٌٍىزبة‪،‬اٌطجؼخ اٌضبٌضخ ‪ ،َ1980‬ط‪230 ٓ1‬‬ ‫‪ٚ‬أظو‪ِ -‬قزبه اٌمبِ‪ٌٍ ًٛ‬ؼلاِخ اٌطب٘و اٌيا‪. .43ٓ ٞٚ‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح الأؽمبف ا‪٠٢‬خ ‪. 9‬‬ ‫‪ -‬الاػزٖبَ ٌٍْب‪ٛ‬ج‪ ،ٟ‬ط‪. 41 ٓ1‬‬ ‫‪186‬‬

‫صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬ولا من هدي صحابته الأطهار‪ ،‬وإن كان فً‬ ‫الؽالب أن مراد من ٌقوم به التعبد والتقرب إلى الله تعالى ‪.‬‬ ‫ومن العلمار من ع َّرفها‪ :‬أنها طرٌق ٌفة محدث فٌة فً الدٌن‪ ،‬تضاهً‬ ‫الشرٌعة‪ٌ ،‬قصد بفعلها المبالؽة فً التعبد لله سبحانه وتعالى( ) ‪.‬‬ ‫المطلب الأول‪ :‬حكم البدعة ‪:‬‬ ‫البدعة محرم ٌفة فً الشرٌعة‪ ،‬وقد كان جمهور علمار الس َّنة وعلى‬‫رأسهم ال َمالِكٌة‪ٌ ،‬قولون بتحرٌم البدعة‪ ،‬ومن ذلك ما ذكره العلبمة أحمد‬‫ال َّزروق‪ ،‬وهو من علمار ال َمالِكٌة فً القرن التاسع الهجري‪ ،‬وله شروح‬ ‫مه َّمة ومفٌدة‪ ،‬على رسالة ابن زٌد القٌروانً‪ ،‬علّل تحرٌم ال َمالِكٌة‬ ‫الأوابل للبدعة بقوله‪ :‬لأنها افتٌا ٌفت( )‪ ،‬على الشارع‪ ،‬وتجر فٌإ بٌن ٌدٌه‪،‬‬ ‫وتؽٌٌر أحكامه مع وجود شبه ٍة منه( ) ‪.‬‬ ‫وقد ذكر الدكتور الصادق الؽرٌانً‪ ،‬وهو من علمار ال َمالِكٌة‬ ‫المعاصرٌن‪ ،‬وله كتاب‪ -‬مدونة الفقه ال َمالِكً بؤدلته‪ ،‬وكتاب فً العقٌدة‬ ‫والمنهج‪ ،‬وكتاب العبادات أحكام وأدلة ‪ -‬وؼٌرها‪ ،‬حٌث قال‪ :‬إن‬ ‫ال َمالِكٌة الأوابل‪ ،‬ومن تبعهم‪ ،‬على منهج ال َّسلؾ‪ ،‬كانوا ٌرون أن‬ ‫الابتداع فً الدٌن‪ ،‬من أعظم المحرمات‪ ،‬وأعظمها‪ -‬بدعة الكلبم فً‬ ‫أسمار الله وصفاته‪ ،‬ثم أضاؾ مستشهداً بالأثر المنقول عن َمالِك عندما‬‫سبل عن أهل البدع‪ ،‬فقال‪ :‬أهل البدع الذٌن ٌتكلَّمون فً أسمار الله تعالى‬‫ح ‪١ٌ،‬ج‪١‬ب‬ ‫‪ -‬اٌّٖله اٌَبثك‪ ٓ ،‬ط‪. 42ٓ1‬‬ ‫‪ -‬اٌّؼٕ‪ ٝ‬افزواء ف‪ ٟ‬اٌل‪ ٓ٠‬ثغ‪١‬و ٘ل ً‪ ِٓ ٜ‬الله ‪.‬‬ ‫أؽّل ىه‪ٚ‬ق‪ ،‬ػلح اٌّو‪٠‬ل اٌٖبكق‪،‬رؾم‪١‬ك اٌٖبكق ػجل اٌوؽّٓ اٌغو‪٠‬بٔ‪ ،ٟ‬اٌطجؼخ الأ‪ ،ٌٝٚ‬كاه اٌغّب٘‪١‬و‪ٞ‬‬ ‫‪. 29ٓ ، َ1996 ،‬‬ ‫‪187‬‬

‫وصفاته‪ ،‬وكلبمه وعلمه وقدرته‪ ،‬ولاٌكفون عما سكت علٌه الصحابة‬ ‫والتابعون ( ) ‪.‬‬‫وإذاكانت البدع مما ٌإثر فً الاعتقاد كتقدٌم ال ُّنذور‪ ،‬والذبح لؽٌر الله‪،‬‬ ‫وإتٌان بعض القربات التً لا تكون إلا لله‪ ،‬كالدعار‪ ،‬والالتجار‪،‬‬ ‫والتضرع‪ ،‬والخوؾ‪ ،‬والرهبة‪ ،‬مما ٌفعله بعض المبتدعة عند‬‫القبور( )‪ ،‬فهذا من البدع التً تفسد العقٌدة‪ ،‬وتضعؾ التوحٌد‪ ،‬وٌخشى‬ ‫على صاحبها الخروج من الملَّ ِة المحمدٌة‪ ،‬والعٌاذ بالله‪ ،‬كما قال‬ ‫الؽرٌانً ال َمالِكً أٌضاً‪ٌ :‬جب على العلمار وعلى كل من أعطاه الله‬ ‫فهماً وعقلبً وعلماً‪ ،‬إنكاره صرؾ هذه القربات لؽٌر الله‪ ،‬وزجره قبل‬ ‫فوات الأوان‪ ،‬لأنه من المنكر العظٌم الذي ٌإدي إلى الذهاب بعقابد‬ ‫المسلمٌن‪ ،‬وٌناقض التوحٌد لرب العالمٌن ( ) ‪.‬‬ ‫المطلب ال انً‪ :‬أسباب البدعة ‪:‬‬ ‫‪ -1‬الجهل بالدٌن‪ ،‬المفضً إلى الاستهانة بالاستدلال على مشروعٌة‬ ‫العبادات‪ ،‬وأحكامها‪ ،‬وسننها‪ ،‬وما ٌتعلق بها من فضابل مؤذو ٍن فٌها‬ ‫شرعاً‪.‬‬ ‫‪ -‬اٌٖبكق اٌغو‪٠‬بٔ‪ ، ٟ‬ف‪ ٟ‬اٌؼم‪١‬لح ‪ٚ‬إٌّ‪ٙ‬ظ‪. 126ٓ ،‬‬ ‫‪ِٖ -‬طف‪ ٝ‬ػجل اٌغٕ‪١ّ ٟ‬جخ ‪ ،‬إٔ‪ٛ‬ي اٌؼم‪١‬لح الإٍلاِ‪١‬خ‪. 92ٓ ،‬‬ ‫‪-‬اٌٖبكق اٌغو‪٠‬بٔ‪ ،ٟ‬ف‪ ٟ‬اٌؼم‪١‬لح ‪ٚ‬إٌّ‪ٙ‬ظ‪. 225ٓ ،‬‬ ‫‪188‬‬

‫‪ -2‬عدم إدراك أهمٌة الاقتدار بالمصطفى صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬رؼم‬ ‫أ َّن الاقتدار به هو أساس قبول العمل‪ ،‬وأن ؼرام اتباع‪ ،‬خٌ ٌفر من قنطار‬ ‫ابتداع ‪.‬‬‫‪ -3‬الاستبداد بالرأي‪ ،‬والانتصار للنفس‪ ،‬وهذا سببه قلة الإخلبص لله‬ ‫تعالى فإن المخلص له سبحانه ه ُّمه الوحٌد وشؽله ال َّشاؼل هو رضوان‬‫الله عز وجل‪ ،‬وهذا ٌتنافى مع عمل المبتدع‪ ،‬قال الله تعالى‪َ ( :‬و َما أُ ِم ُروا‬ ‫إِلاَ لِ ٌَ ْع ُب ُدوا ال َّل َه ُم ْخلِ ِصٌ َن َل ُه ال ِّدٌ َن ُح َن َفار َو ٌُقٌِ ُموا ال َّصلبَ َة َو ٌُ ْإ ُتوا ال َّز َكا َة‬ ‫َو َذلِ َك ِدٌ ُن ا ْل َق ٌِّ َم ِة )( ) ‪.‬‬ ‫‪ -4‬استؽلبل بعض ذوي النفوذ والجاه‪ ،‬أو أصحاب الآرار ال ُمضلِّلة‪،‬‬ ‫عاطفة الناس ال ُبسطار‪ ،‬وذلك بتروٌج بعض البدع‪ ،‬والحركات المثٌرة‬‫للبنتباه‪ ،‬لاستمالة قلوبهم‪ ،‬كما ٌفعل بعض مدعً التصوؾ من شطحات‬ ‫وهٌامات لا تمت للدٌن بصل ٍة‪ ،‬ولو كانت كذلك لكان أولى بها رسول‬ ‫الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬وصحابته الأطهار‪ ،‬ولنقلت إلٌنا فً الكتب‬ ‫الصحاح التً لم تترك شارد ًة ولا وارد ًة مما كان علٌه‪ ،‬ومن سمته‪،‬‬ ‫وأخلبقه‪ ،‬وأفعاله علٌه الصلبة والسلبم إلا وقد ذكرته بالنقل الصحٌح ‪.‬‬ ‫المطلب ال الث‪ :‬فضل التمسك بالسنة و ترك البدعة ‪:‬‬‫إن التمسك بالسنة وترك البدع والابتداع فً الدٌن‪ ،‬خلق المإمن‬ ‫الحق‪ ،‬ودٌدن المسلم الصادق‪ ،‬فللمرر أن ٌتخٌل ما أحدثه المبتدعة من‬ ‫المحدثات‪ ،‬وكم ألصقوا بالدٌن ما لًس منه‪ ،‬حتى صار بعض الجهلة‪،‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌج‪ٕ١‬خ ا‪٠٢‬خ ‪.. 5‬‬ ‫‪189‬‬

‫وللؤسؾ‪ٌ ،‬ؤلفون البدعة‪ ،‬وٌؤنفون من السنة‪ ،‬حتى صارت السنة‬ ‫ؼرٌب ًة‪ ،‬والبدعة عندهم هً المشهورة ‪.‬‬ ‫عن انس رضً الله عنه ( ‪ )‬قال‪ :‬لو أن رجلب أدرك السلؾ الأول ‪،‬‬ ‫ثم بعث الٌوم ما عرؾ من الإسلبم شٌبا‪ ،‬ووضع ٌده على خده ‪ ،‬ثم قال‬ ‫إلا هذه الصلبة ‪ ،‬ثم قال أما والله على ذلك لمن عاش فً ال َّن َكر ولم‬ ‫ٌدرك ذلك السلؾ الصالح ‪ ،‬فرأى مبتدعا ٌدعو إلى بدعته ‪ ،‬ورأى‬ ‫صاحب دنٌا ٌدعو إلى دنٌاه ‪ ،‬فعصمه الله من ذلك ‪ ،‬وجعل قلبه ٌحن إلى‬ ‫ذلك السلؾ الصالح ٌسؤل عن سبلهم ‪ ،‬وٌقتص آثارهم وٌتبع سبٌلهم ‪،‬‬ ‫لٌعوض أجراً عظٌما‪ ،‬فكذلك فكونوا إن شار الله ( ) ‪.‬‬ ‫فلننظر إلى قول أنس رضً الله عنه‪ ،‬وهو الصحابً الفقٌه المحدث‪،‬‬ ‫وهو الذي عاش زمناً بعد وفاة رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬وقد‬ ‫روى علماً ؼزٌراً عن النبً صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬وعن كبار الصحابة‬ ‫وشٌوخهم‪ ،‬كؤبً بك ٍر وعمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وأسٌد بن الحضٌر وؼٌرهم‪،‬‬ ‫رضً الله عنهم أجمعٌن( ) ‪.‬‬ ‫فإذا كان هذا الصحابً الجلٌل قد أنكر ما أنكر من البدع التً أحدثت‬ ‫بعد وفاة رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬وسٌدنا أنس هو آخر‬ ‫الصحابة موتاً‪ ،‬ومعنى هذا أنه عاصر بعض الفتن التً حدثت بعد وفاة‬‫‪ ٛ٘-‬اٌٖؾبث‪ ٟ‬اٌغٍ‪ ً١‬أٌٔ ثٓ َِب ٌِه ثٓ إٌ‪ٚ‬و ثٓ ػل‪ ِٓ ٞ‬ثٕ‪ ٟ‬إٌغبه– ه‪ ٜٚ‬أؽبك‪٠‬ش وض‪١‬وح ػٓ هٍ‪ٛ‬ي الله ٍٕ‪ ٝ‬الله‬‫ػٍ‪ ٍٍُٚ ٗ١‬ػل٘ب ثؼ‪ ) 2286 (‘ ُٙٚ‬ؽل‪٠‬ضبً ارفك اٌجقبه‪ ٍَُِٚ ٞ‬ػٍ‪ 186 ٝ‬ؽل‪٠‬ضبً ِٕ‪ٙ‬ب ‪ٚ‬رفوك اٌجقبه‪ ٞ‬ة( ‪80‬‬‫)‪ ٍَُِٚ‬ة ( ‪ - ) 90‬ػ َّّو ‪٠ٛٛ‬ل ًا ؽ‪١‬ش رنوو اٌو‪ٚ‬ا‪٠‬بد أٔٗ ر‪ٛ‬ف‪ٍٕ ٟ‬خ ‪٘ 93‬ـ ‪ٌّٚ‬ب ِبد أٌٔ لبي ِإهق اٌؼغٍ‪ :ٟ‬اٌ‪َٛ١‬‬ ‫م٘ت ٖٔف اٌؼٍُ وٕب ئما فبٌفٕب اٌوعً لٍٕب‪ :‬رؼبي ئٌ‪ٍّ ِٓ ٝ‬ؼٗ ِٓ هٍ‪ٛ‬ي الله ٍٕ‪ ٝ‬الله ػٍ‪ِ، ٍٍُٚ ٗ١‬قزٖو اٌيث‪١‬ل‪ٞ‬‬ ‫رواعُ اٌو‪ٚ‬اح ‪ٛ / 518‬جمبد اٌفم‪ٙ‬بء ٌٍْ‪١‬واى‪.52ٓ ٞ‬‬ ‫‪ -‬الاػزٖبَ ٌٍْب‪ٛ‬ج‪ ٟ‬ط‪. 29ٓ 1‬‬ ‫‪ِ -‬قزٖو اٌيث‪١‬ل‪ ٞ‬ػٍ‪ٕ ٝ‬ؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ ،ٞ‬رواعُ اٌو‪ٚ‬اح‪. 518 ٓ ،‬‬ ‫‪190‬‬

‫عثمان رضً الله عنه‪ ،‬فانظر إلى قوله رضً الله عنه‪ ( :‬فٌرى مبتدعاً‬ ‫ٌدعو إلى بدعته) وقوله‪ ( :‬ما عرؾ من الإسلبم شٌباً) ‪.‬‬ ‫وهو ٌتكلم عن أنا ٍس فً القرن الأول تقام فٌهم الصلبة‪ ،‬وشعابر‬ ‫الإسلبم ظاهر ٌفة معلومة عندهم‪ ،‬وهم فً تمسك أقل واح ٍد منهم بدٌنه‬ ‫خٌ فٌر‪ ،‬من كثٌرٌن فً زماننا الٌوم‪ ،‬ولكن مع هذا قد أنكر علٌهم رضً‬ ‫الله عنه‪ ،‬عدم تمسكهم بالسنة‪ ،‬كما كان علٌه الأولون زمن النبً صلى‬ ‫الله علٌه وسلم‪ ،‬وهذا دلٌل قوي على فضل التمسك بالسنة‪ ،‬والنفور من‬ ‫الابتداع وأهله‪ ،‬وأنه المحك فً معرفة المسلم الحق‪ ،‬بل على المسلم‬ ‫الحقٌقً أن ٌترك حتى ما ٌشتبه أنه بدع ٌفة لٌسلم له دٌنه وٌقبل الله عمله‪.‬‬ ‫وفً فضل التمسك بالسنة والتحذٌر من البدعة‪ٌُ ،‬ذكر أن عبد الله بن‬ ‫مسعو ٍد رضً الله عنه‪ ،‬علم بؤنا ٍس ٌجلسون بعد المؽرب‪ ،‬فٌهم رج فٌل‬ ‫ٌقول‪ :‬كبروا الله كذا وكذا‪ ،‬وسبحوه كذا وكذا‪ ،‬واحمدوه كذا وكذا‪،‬‬ ‫فجارهم‪ ،‬فقال لهم‪ :‬أنا عبد الله بن مسعود‪ ،‬والله الذي لا إله ؼٌره‪ ،‬لقد‬ ‫جبتم ببدع ٍة ظلماً‪ ،‬ولقد فضلتم أصحاب رسول الله صلى الله علٌه وسلم‬ ‫علماً‪ ،‬فقال عمرو بن عتب‪ :‬أستؽفر الله‪ ،‬فقال ابن مسعو ٍد‪ :‬علٌكم‬ ‫بالطرٌق فالزموه ولبن أخذتم ٌمٌناً وشمالاً لتضلُّ َّن ضلبلاً بعٌداً ( ) ‪.‬‬ ‫وعلى هذا‪ ،‬فإن ال ُم َتم ِّسك بال ُّسنن‪ ،‬المتابع للرسول صلى الله علٌه‬ ‫وسلم وأصحابه‪ ،‬التارك للبدع‪ٌ ،‬ستفٌد أمو ًرا كثٌر ًة‪ ،‬منها ما ٌلً ‪:‬‬‫‪ -‬اثٓ اٌغ‪ٛ‬ى‪ ،ٞ‬رٍج‪ ٌ١‬ئثٍ‪ ،ٌ١‬رؾم‪١‬ك ؽبِل أؽّل ‪ٛ‬ب٘و‪،‬كاه اٌفغو ٌٍزواس‪ ،‬اٌمب٘وح‪ِٖ ،‬و‪ ،‬اٌطجؼخ الأ‪،2004 ،ٌٝٚ‬‬ ‫ٓ‪. 22‬‬ ‫‪191‬‬

‫‪ -‬سلبمة الاعتقاد‪ ،‬وصفار الإٌمان‪ ،‬وقوة الدٌن‪ ،‬حٌث تصفو‬ ‫عقٌدة الم َّتبع لسنة المصطفى صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬وٌتخلص من‬ ‫الشوابب‪ ،‬والمثالب التً طرأت على عقابد المبتدعة‪ ،‬من المشبهة‬ ‫والمعطلة وأهل الأهوار وؼٌرهم ‪.‬‬ ‫‪ -‬مشروعٌة العمل بموافقته لعمل النبً صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬وقد‬ ‫قال علٌه الصلبة والسلبم‪( :‬علٌكم بسنتً وسنة الخلفار الراشدٌن‬ ‫المهدٌٌن من بعدي عضوا علٌها بالنواجذ( ‪ )‬وإٌاكم ومحدثات الأمور‪،‬‬ ‫فإن كل بدع ٍة ضلبلة)( )‪ ،‬فلب تشرع الزٌادة على القدر الذي دلّت علٌه‬ ‫النصوص‪ ،‬حتى فً باب الطاعات‪ ،‬ذكر القرافً( ‪ ،)‬وهو من علمار‬ ‫ال َمالِكٌة الأوابل‪ :‬أ َّن من البدع المكروهة الزٌادة فً المندوبات المحدودة‬ ‫شرعاً‪ ،‬لأن شؤن العظمار إذا ح َّدد شٌباً إنما ٌكون لؽاٌ ٍة ولحكم ٍة‪،‬‬ ‫كالدوار ٌقدم للمرٌض بؤسباب محدودة‪ ،‬فإذا زاد عن حده‪ ،‬لربما أفضى‬ ‫إلى هلبك المرٌض‪ ،‬وتؤ ُّخ ِر شفا ِب ِه ‪.‬‬ ‫‪ -‬الشرب من حوض النبً صلى الله علٌه وسلم ٌوم القٌامة وذلك‬ ‫لما جار فً حدٌث‪ ،‬الحوض وهو من الأحادٌث المتواترة‪ ،‬وهً فً‬ ‫البخاري ومسلم وؼٌرهما‪ ،‬ومن ذلك ما رواه مسل فٌم من حدٌث أم سلمة‬ ‫رضً الله عنها وفٌه قال رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪( :‬إ ِّنً فرطكم‬ ‫‪ٛٔ - ‬اعن عّغ ٔبعن ‪ ٟ٘ٚ‬ألٖ‪ ٝ‬الأ‪ٙ‬واً‪ٚ،‬اٌّواك اٌزَّه ثبٌَٕخ ‪ٚ‬اٌمج٘ ػٍ‪ٙ١‬ب ‪ٚ‬اٌزْجش ث‪ٙ‬ب ف‪ ٟٙ‬اٌَلاِخ ِٓ‬ ‫اٌفزٓ ( ِقزبه اٌمبِ‪. )593 ٓ ًٛ‬‬ ‫‪ -‬أث‪ ٟ‬اٌفوط ػجل اٌوؽّبْ ثٓ ّ‪ٙ‬بة اٌل‪ ٓ٠‬اٌؾٕجٍ‪، ٟ‬عبِغ اٌؼٍ‪ٚ َٛ‬اٌؾىُ ف‪ّ ٟ‬وػ فَّ‪ ٓ١‬ؽل‪٠‬ضبً ِٓ ع‪ٛ‬اِغ‬‫اٌىٍُ‪،‬كاه اٌو‪٠‬بْ ٌٍزواس ‪،‬اٌمب٘وح‪ ،‬اٌطجؼخ الأ‪ ٚ،313 ٓ َ1987،ٌٝٚ‬اٌؾل‪٠‬ش ه‪ٚ‬اٖ أث‪ ٛ‬كا‪ٚٚ‬ك ‪ٚ‬اٌزوِن‪ ٞ‬ػٓ اٌؼوثبٗ‬ ‫ثٓ ٍبه‪٠‬خ ه‪ ٟٙ‬الله ػٕٗ ‪ٚ‬لبي اٌزوِن‪ ٞ‬ؽل‪٠‬ش ؽَٓ ٕؾ‪١‬ؼ ‪.‬‬‫‪-‬أؽّل ثٓ ئكه‪ ٌ٠‬ثٓ ػجل اٌوؽّٓ ّ‪ٙ‬بة اٌل‪ ٓ٠‬اٌ َّبٌِى‪ ٟ‬اٌمواف‪ٌٚ ،ٟ‬ل ٍٕخ ‪٘626‬ـ‪ٚ،‬وبْ ِٓ وجبه فم‪ٙ‬بءػٖوٖ ‪ ،‬وبْ‬ ‫ٍِّبً ثبٌٍغخ ‪ٚ‬ػٍ‪ِٙٛ‬ب‪٠ ،‬نوو أٔٗ اّز‪ٙ‬و ثٖٕبػخ اٌَبػبد ‪ ٌٗ ،‬ػلح ِإٌفبد ِٕ‪ٙ‬ب اٌنف‪١‬وح ف‪ ٟ‬اٌفمٗ اٌ َّبٌِى‪ ،ٟ‬إٌّ‪١‬خ ف‪ٟ‬‬ ‫ئكهان إٌ‪١‬خ ‪ٚ‬غ‪١‬و٘ب‪ ،‬ر‪ٛ‬ف‪ ٟ‬ثّٖو ٍٕخ ‪٘684‬ـ (هاعغ ثٓ فوؽ‪ ، ْٛ‬اٌل‪٠‬جبط اٌّن٘ت ) ‪.‬‬ ‫‪192‬‬

‫على الحوض‪ ،‬فإٌاي لا ٌؤتٌن أحدكم فٌذ ُّب ع ِّنً كما ٌذب البعٌر الضال‪،‬‬ ‫فؤقول فٌم هذا ؟ فٌقال‪ :‬إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك‪ ،‬فؤقول‪ :‬سحقاً( ) ‪.‬‬ ‫ولهذا قال محمد بن عبد الله الأندلسً ال َمالِكً‪ :‬فً نونٌته المعروفة‬ ‫بنونٌة القحطانً‪:‬‬ ‫وصراطنا ح ٌّق وحوض نب ٌِّنا ** صد ٌفق له عدد ال ُّنجوم أوا ِن‬ ‫ٌُسقى بها الس ِّن ًُّ أعذب شرب ٍة** وٌذاد كل مخال ٍؾ ف َّتا ِن ( ) ‪.‬‬ ‫هذا إذا استهان بؤمر السنة وناصر البدعة‪ ،‬قال ابن أبً زٌد‬ ‫القٌروانً‪( :‬والإٌمان بحوض النبً صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬ترده أمته لا‬ ‫ٌظمؤ من شرب منه‪ ،‬وٌذاد عنه من ب َّدل وؼ ٌَّر)( ) فالتبدٌل والتؽٌٌر فً‬ ‫الدٌن‪ ،‬مانع والعٌاذ بالله من ورود الحوض والشرب منه‪ ،‬أما أهل السنة‬ ‫والاتباع فهم إن شار الله من أهل الحوض الذٌن ٌشربون منه شربة‬ ‫هنٌب ًة لا ٌظمإون بعدها أبداً‪ ،‬نسؤل الله أن ٌجعلنا منهم ‪.‬‬ ‫ولقد كان هذا موقؾ الأبمة كؤبً حنٌفة والشافعً وأحمد بن حنبل‬ ‫وؼٌرهم فقد سبل أبوحنٌفة‪ :‬ما تقول فٌما أحدثه الناس فً الكلبم فً‬ ‫الأعراض والأجسام‪ ،‬فقال (مقالات الفلبسفة‪ ،‬علٌك بالأثر‪ ،‬وطرٌق‬ ‫السلؾ‪ ،‬وإٌاك وكل محدثة فإنها بدعة)( ) ‪.‬‬‫‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ ، ٞ‬وزبة اٌولبق‪ ،‬ثبة اٌؾ‪ ، ٗٛ‬ط‪ 263 ٓ ، 3‬ؽل‪٠‬ش هلُ ‪ٚ ،6585‬اٌؾل‪٠‬ش ٌٗ ػلح ه‪ٚ‬ا‪٠‬بد ف‪ٟ‬‬‫اٌجقبه‪ ،ٞ‬فو‪ ٞٚ‬ػٓ أث‪٘ ٟ‬و‪٠‬وح‪ٚ ،‬أٍّبء ثٕذ أث‪ ٟ‬ثى ٍو اٌٖل‪٠‬ك‪ ،‬ثّؼٕبٖ ‪ٚ‬أظو‪ٕ-‬ؾ‪١‬ؼ ٍَُِ‪ ،‬ثبة ئصجبد ؽ‪ ٗٛ‬إٌج‪ٟ‬‬ ‫ٍٕ‪ ٝ‬الله ػٍ‪ِ ،ٍٍُٚ ٗ١‬قزٖو إٌّنه‪. 344ٓ ٞ‬‬ ‫‪١ٔٛٔ -‬خ ِؾّل ثٓ ػجلالله الألٌَ‪ ٟ‬اٌ َّبٌِى‪. 12ٓ ،ٟ‬‬ ‫‪ -‬أث‪ ٛ‬ى‪٠‬ل اٌم‪١‬و‪ٚ‬أ‪ ٟ‬اٌ َّبٌِى‪ ،ٟ‬اٌف‪ٛ‬اوٗ اٌل‪ٚ‬أ‪ ،ٟ‬كاه اٌّؼوفخ‪ ،‬ث‪١‬و‪ٚ‬د‪ٌ ،‬جٕبْ‪. 3ٓ ،‬‬ ‫‪ِ -‬ؾّل ػجلاٌوؽّٓ اٌقّ‪،ٌ١‬ػزمبك الأئّخ الأهثؼخ‪ ،‬اٌو‪٠‬بٗ ‪٘1415‬ـ‪. .12 ٓ ،‬‬ ‫‪193‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬موقف َمالِك من البدع وأهلها ‪:‬‬ ‫لقد عرفنا أن الإِ َمام َمالِك ‪ -‬رحمه الله‪ -‬من أبمة الس َّنة‪ ،‬وعلى رأس‬ ‫علمابها وإمام أبمتها‪ ،‬و ٌعتبر من المدونٌن الأوابل لأحادٌث رسول الله‬ ‫صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬ولا ٌختلؾ اثنان على تمسكه وحرصه على ألا‬ ‫ٌعبد الله عز وجل إلا بما شرع على لسان رسوله صلى الله علٌه وسلم‪،‬‬ ‫لذلك كان‪ -‬رحمه الله‪ -‬داعٌاً للسنة‪ ،‬ومدافعاً ومنافحاً عنها‪ ،‬قامعاً‬ ‫للبدعة‪ ،‬ومحارباً أهلها والمروجٌن لها ‪.‬‬ ‫ُروي أ َّن ابن أشهب بن عبد العزٌز قال‪ :‬سمعت َمالِكاً ٌقول‪ :‬إٌاكم‬ ‫والبدع‪ ،‬قٌل ٌا أباعبد الله‪ ،‬وما البدع؟ قال أهل البدع الذٌن ٌتكلمون فً‬ ‫أسمار الله وصفاته‪ ،‬وكلبمه وعلمه وقدرته‪ ،‬لا ٌسكتون عما سكت عنه‬ ‫الصحابة والتابعون( ) ‪.‬‬ ‫لقد كان موقؾ َمالِك متش ِّدداً من أصحاب البدع‪ ،‬وكانت البدع وأهلها‬ ‫من أكثر ما ح َّذر منه‪ ،‬بل وجعلها أ ْكبر من الكباب ِر نف ِسها‪ ،‬ومن‬ ‫الرواٌات فً ذلك‪ ،‬ما روي عن عبد الله بن نافع قال‪ :‬سمعت َمالِكاً‬ ‫ٌقول‪ :‬لو أن رجلبً ركب الكبابر كلها‪ -‬بعد ألاَ ٌشرك بالله‪ ،‬ثم تخ َّفى من‬ ‫هذه الأهوار والبدع‪ -‬وذكر كلبماً – دخل الجنة ( ) ‪.‬‬ ‫ومن هذا نفهم أن َمالِكاً‪ ،‬كان ٌعد البدع أعظم من الكبابر كلها‪ ،‬وهو‬ ‫إنما ٌقصد البدع التً ابتدعها أهل الأهوار فً العقٌدة‪ ،‬بقولهم فً القرآن‬‫‪ -‬أث‪ ٛ‬ػضّبْ اٌٖبث‪ ،ٟٔٛ‬ػم‪١‬لح اٌٍَف ‪ٚ‬إٔؾبة اٌؾل‪٠‬ش‪ِ ،‬ىزجخ ا‪٢‬صبه‪ ،‬اٌمب٘وح‪ٚ،236 ٓ،َ2002 ،‬أظو‪ -‬اٌٖبكق‬ ‫اٌغو‪٠‬بٔ‪ ،ٟ‬ف‪ ٟ‬اٌؼم‪١‬لح ‪ٚ‬إٌّ‪ٙ‬ظ‪. 63ٓ ،‬‬ ‫‪ -‬أث‪ٔٛ‬ؼ‪ ُ١‬أؽّل ثٓ ػجلالله الإٔف‪ٙ‬بٔ‪،ٟ‬ؽٍ‪١‬خ الأ‪١ٌٚ‬بء ‪ٛٚ‬جمبد الإٔف‪١‬بء‪،‬كاه اٌىزت اٌؼٍّ‪١‬خ‪ٌ،‬جٕبْ‪،‬اٌطجؼخ‬ ‫الأ‪ ،َ1988 ،ٌٝٚ‬ط‪. 325 ٓ6‬‬ ‫‪194‬‬

‫أنه مخلوق ولٌس كلبم الله‪ ،‬وقولهم أن العبد ٌخلق أفعاله‪ ،‬وألاَ سلطان‬ ‫لله على العبد‪ ،‬فهذه وأشباهها من البدع فً العقٌدة‪ ،‬التً كان ٌرى بكفر‬ ‫صاحبها ‪.‬‬ ‫وبلػ من شدة َمالِك على أهل البدع وعظم تنكٌره علٌهم‪ ،‬أنه كان‪-‬‬ ‫رحمه الله‪ -‬لا ٌقبل رواٌتهم للحدٌث‪ ،‬ولا نقلهم للؤخبار‪ ،‬فقد نقل ابن‬ ‫حجر الرواٌة عن َمالِك وأصحابه‪ ،‬أنهم كانوا لا ٌقبلون رواٌة المبتدع‬ ‫مطلقاً ( ) ‪.‬‬ ‫والبدع عند َمالِك‪ ،‬بد فٌع مهما اختلفت صورها‪ ،‬والقابمٌن بها‪ ،‬ومهما‬ ‫كان قصدهم‪ ،‬حتى وإن رأى بعض المبتدعة أنهم ٌرٌدون بها التع ُّبد‬ ‫والتز ُّهد‪ ،‬ومع هذا كان َمالِك ٌع ُّدها من البدع وٌنكر على أهلها ‪.‬‬ ‫سبل َمالِك فقٌل له‪ٌ (:‬ؤبا عبد الله عندنا قوم ٌقال لهم الصوفٌة‪ٌ ،‬ؤكلون‬ ‫كثٌراً ثم ٌؤخذون فً القصابد‪ ،‬ثم ٌقومون ٌرقصون‪ ،‬فقال َمالِك أصبٌا فٌن‬ ‫هم؟ قال السابل لا؟ قال‪ :‬أمجانٌن هم؟ قال لا‪ ،‬قو فٌم مشابخ‪ ،‬وؼٌر ذلك‬ ‫عقلبر‪ ،‬فقال َمالِك‪ :‬ما سمعت أحداً من أهل الإسلبم ٌفعل هذا)( ) ‪.‬‬ ‫إن َمالِكاً قد أنكر هذا العمل‪ ،‬واستهجنه وعده مخالفاً لعمل أهل‬ ‫الإسلبم‪ ،‬لٌس لأن هذا من قبٌل الرقص والؽنار‪ ،‬والاستمتاع باللهو‬ ‫والعبث‪ ،‬فهم لٌسوا من أهل المعازؾ والقٌنار‪ ،‬هم كما ذكر السابل‬ ‫(صوفٌة )‪ ،‬لٌسوا متمٌعٌن ولا أهل باطل وفحش‪ ،‬بل هم صوفٌ فٌة‪ ،‬ولكن‬ ‫‪ -‬اثٓ ؽغو اٌؼَملأ‪ٌَ ،ٟ‬بْ اٌّ‪١‬ياْ‪ ،‬كاه الأٔلٌٌ‪ ،‬اٌّغوة‪ ،َ1988 ،‬ط‪. 10ٓ1‬‬‫‪ -‬اٌمب‪ِ ٟٙ‬ػ َ‪١‬بٗ رور‪١‬ت اٌّلاهن ط ‪ٚ ،98 ٓ1‬أظو‪ -‬اٌٖبكق ػجل اٌوؽّبْ اٌغو‪٠‬بٔ‪،ٟ‬اٌغٍ‪ ٛ‬ف‪ ٟ‬اٌل‪ ٓ٠‬غٍ‪ ٛ‬اٌزطوف‬ ‫‪ٚ‬غٍ‪ ٛ‬اٌزٖ‪ٛ‬ف‪ِ ،‬طبثغ ٍج‪ٙ‬ب ٌ‪١‬ج‪١‬ب‪ ،‬اٌطجؼخ الأ‪. 191 ٓ ،َ2000ٌٝٚ‬‬ ‫‪195‬‬

‫َمالِكاً‪ -‬رحمه الله‪ -‬أنكر علٌهم‪ ،‬لأنهم فعلوا ما فعلوا من قبٌل التعبد‬ ‫والقربة إلى الله‪ ،‬فبٌن َمالِك‪ ،‬أن هذا من البدع‪ ،‬ولٌس من عمل أهل‬ ‫الإسلبم‪ ،‬فلب ٌعبد الله تبارك وتعالى بهذه الحركات والشطحات‪ ،‬ولا‬ ‫بهذا ال َّرقص واللَّؽو‪ ،‬فالعبادة لها آدابها‪ ،‬وشروطها التً وردت بها‪،‬‬‫وكٌفٌات مخصوصة جارت عن الرسول صلى الله علٌه وسلم وأصحابه‬ ‫الكرام ‪.‬‬‫وال ُّصوفٌة فً حقٌقتها‪ ،‬علبَمة على ال ُّزهد والتدٌن‪ ،‬والورع والتقوى‪،‬‬ ‫إلا من انحرؾ منهم عن المنهج الصحٌح لل َّتصوؾ‪ ،‬وهم المقصودون‬ ‫بقول َمالِك‪ ،‬الذي م َّر علٌنا‪ ،‬بدلٌل أن عامة علمار السلؾ‪ ،‬قد سلكوا‬ ‫منهج التز ُّهد والتص ُّوؾ‪ ،‬والتع ُّبد والتد ٌُّن ‪.‬‬ ‫وفً هذا الباب ٌقول الشاطبً ال َمالِكً‪ :‬وقد نقلنا عن جملة م َّمن‬ ‫اشتهر منهم‪ِ ٌَ ،‬نٌؾ على أربعٌن شٌخاً‪ ،‬جمٌعهم ٌشٌر أو ٌصرح بؤن‬ ‫الابتداع ضلب ٌفل‪ ،‬والسلوك علٌه ِتٌه‪ ،‬واستعماله رمً فً عماٌة‪ ،‬وأنه‬ ‫مناؾ لطلب النجاة‪ ،‬وصاحبه ؼٌر محفوظ‪ ،‬ومو ُكو ٌفل إلى نفسه‪،‬‬ ‫ومطرود عن نٌل الحكمة‪ ،‬وأن ال ُّصوفٌة الذٌن نسبت إلٌهم الطرٌقة‪،‬‬‫مجمعون على تعظٌم الشرٌعة‪ ،‬مقٌمون على متابعة السنة‪ ،‬ؼٌر مخلٌِّن‬‫بشً ٍر من آدابها‪ ،‬وهم أبعد الناس عن البِدع وأهلها‪ ،‬ولذلك لا نجد منهم‬ ‫من ٌنسب إلى فِرق من ال ِفرق الضالة‪ ،‬ولا ٌمٌل إلى خلبؾ السنة‪،‬‬ ‫وأكثر من ذكر منهم علمار وفقهار ومح ِّدثون‪ ،‬وم ّمن ٌإخذ عنه الدٌن‬ ‫أصولاً وفروعاً ( )‪.‬‬ ‫‪ -‬الاػزٖبَ ٌٍْب‪ٛ‬ج‪ ٟ‬ط‪. 98 ٓ1‬‬ ‫‪196‬‬

‫إن َمالِكاً ‪ -‬رحمه الله‪ -‬كان فً طلٌعة علمار السلؾ‪ ،‬الذٌن تصدوا‬ ‫للبدع فً الدٌن‪ ،‬وقد مر بنا رده على من ٌسؤل عن الاستوار وحقٌقته‪،‬‬ ‫عند قوله تعالى‪ ( :‬ال َّر ْح َم ُن َعلَى ا ْل َع ْر ِش ا ْس َت َوى )( ) فما جامله‪ ،‬ولا‬ ‫هادنه‪ ،‬بل كان رده حازماً فً بٌان الحق‪ ،‬فقد قال‪ :‬الاستوار معلوم‪،‬‬ ‫والكٌؾ مجهول‪ ،‬والإٌمان به واجب‪ ،‬والسإال عنه بدعة‪ ،‬وما أراك إلا‬ ‫صاحب بدعة‪ ،‬أُخرج من مجلسً)( ) فقد كان الإِ َمام ٌرى أن البدع من‬ ‫المنكرات‪ ،‬التً لا ٌجوز التمادي فٌها‪ ،‬ولا التهاون مع مرتكبٌها‪ ،‬لا‬ ‫سٌما بدعة الخوض فً الأسمار والصفات‪ ،‬والقدر والقول على الله بؽٌر‬ ‫علم‪ ،‬فقد كان ٌطرد أهل البدع والأهوار من مجلسه‪ ،‬وهذا إن دل على‬ ‫شً ٍر‪ ،‬فإنما ٌدل على كراهٌته للبدع وأهلها‪.‬‬ ‫ولقد كان للئمام َمالِك‪ -‬رحمه الله‪ -‬ردوداً على هإلار المبتدعة‪ ،‬وتفنٌد‬ ‫ما ذهبوا إلٌه من ابتدا ٍع‪ ،‬سنوردها عند الحدٌث عن الفرق والطوابؾ‬ ‫المنحرفة ‪.‬‬ ‫ونقل ابن الأثري أٌضاً الرواٌة التً سبقت الإشارة إلٌها عن َمالِك‬ ‫مح ِّذراً من أهل البدع والأهوار‪ ،‬ون ُّص الرواٌة‪ ،‬قال ابن الأثري‪ :‬قال‬ ‫الإِ َمام َمالِك بن أنس‪ -‬إِمام دار الهجرة‪ -‬رحمه الله ‪( :‬إٌِا ُكم والبِ َدع ) قٌل‪:‬‬ ‫وما البدع؟ قال‪( :‬أَه ُل البِ َد ِع ُهم الذٌ َن ٌتكلمو َن فً أَسمار الل ِه وصفاتِ ِه‪،‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح ‪ ٗٛ‬ا‪٠٢‬خ ‪. 5‬‬‫‪ٍ -‬جك رقو‪٠‬ظ ٘نا الأصو ‪ِْٛٙ ٛ٘ٚ‬ه ػٓ َِبٌِه مووٖ ػٍّبء اٌزفَ‪١‬و وبثٓ عو‪٠‬و اٌطجو‪ٚ ،ٞ‬اثٓ وض‪١‬و‪ٚ ،‬اٌمو‪ٛ‬ج‪،ٟ‬‬‫فِ‪ٟ‬‬ ‫ََ‪ٚ‬هاثٌَّْ ُىَم َُُّ َاول ّلهَُ‪ٚ‬ااٌٌَّ ُِّٕن ُغ‪َ ََ ٛٞ‬ف ٍَ ُِ َك ََا َّقٌ َو ََّا َّبٍد َ‪ٚ‬ثِاأَ ِِْد ِو َِٖ‪ٚ‬الأَلَا َاْه ٌَُٗ َٗ‬ ‫ِٓ اٌّفَو‪ ،ٓ٠‬ػٕل ل‪ ٌٗٛ‬رؼبٌ‪ ٝ‬ف‪ٍٛ ٟ‬هح الأػوف ا‪٠٢‬خ ‪ (54‬ئِ َّْ‬ ‫‪ٚ‬غ‪١‬وُ٘‬ ‫صُ َُّ ا ٍْزَ َ‪َ ٜٛ‬ػٍَ‪ ٝ‬ا ٌْ َؼ ْو ُِ ‪ْ ُ٠‬غ ِْ‪ ٟ‬اٌٍَّ ْ‪ ًَ ١‬إٌَّ َ‪ٙ‬ب َه ‪ْ َ٠‬طٍُجُُٗ َؽ ِض‪١‬ضبً َ‪ٚ‬اٌ َّْ ّْ ٌَ‬ ‫ٍِزَّ ِخ أَ‪َّ٠‬ب ٍَ‬‫ا ٌْ َق ٍْ ُك َ‪ٚ‬الاَ ِْ ُو رَجَب َه َن ال ّلهُ َه ُّة ا ٌْ َؼب ٌَ ِّ‪ٚ)َٓ ١‬اٍزْ‪ٙ‬ل ثٗ وض‪ٌ ١‬و ِٓ ػٍّبء اٌٍَف ػٍ‪ٚ ٝ‬ع‪ٛ‬ة اٌزٍَ‪ ُ١‬لله ف‪ ٟ‬ل‪١ٚ‬خ الأٍّبء‬‫‪ٚ‬اٌٖفبد‪،‬وبثٓ ػجل اٌجَ ِّو‪ٚ ،‬اٌمب‪ِ ٟٙ‬ػ َ‪١‬بٗ ِٓ ػٍّبء اٌ َّبٌِى‪١‬خ‪ٚ ،‬اٌي‪ٚ‬ا‪ٚ ،ٞٚ‬وناٌه ّ‪١‬ـ الإٍلاَ ثٓ ر‪١ّ١‬خ ‪ٚ‬رٍّ‪١‬نٖ اثٓ‬ ‫اٌم‪ٚ ،ُ١‬غ‪١‬وُ٘ ‪.‬‬ ‫‪197‬‬

‫وكلب ِمه‪ ،‬وعلمه‪ ،‬وقُدر ِته‪ ،‬ولا ٌَ ْس ُكتو َن ع َما َس َكت َعن ُه الصحاب ُة‬ ‫والتابعو َن لهم بإِحسان)( ) ‪.‬‬ ‫وٌذكر الأستاذ ‪ :‬حمزة أبو فارس‪ ،‬فً كتابه (بحوث ودراسات فً‬ ‫بعض مصنفات ال َمالِكٌة)‪ ،‬وٌنقل الرواٌة عن أبً مصعب قال قدم علٌنا‬ ‫ابن مهدي‪ ،‬فصلى ووضع رداره بٌن ٌَديِ ال َّصؾ‪ ،‬فلما سلَّم الإِ َمام‪،‬‬ ‫رمقه الناس بؤبصارهم ورمقوا َمالِكاً‪ ،‬وكان قد صلى خلؾ الإِ َمام‪ ،‬فلما‬ ‫سلَّم قال َمالِك‪ :‬من هاهنا من الحرس؟ فجاره اثنان منهم‪ ،‬فقال لهما خذا‬ ‫صاحب هذا الثوب فاحبساه‪ ،‬ف ُحبس فقٌل له‪ :‬إنه ابن مهدي‪ ،‬فوجه إلٌه‬ ‫َمالِك وقال له‪ :‬أما خفت الله واتقٌته أن وضعت ثوبك بٌن ٌدٌك فً‬ ‫الصؾ‪ ،‬وشؽلت المصلٌن بال َّنظر إلٌه‪ ،‬وأحدثت فً مسجدنا شٌباً ما ك َّنا‬ ‫نعرفه ؟ وقد قال النبً صلى الله علٌه وسلم‪ ( :‬من أحدث فً مسجدنا‬ ‫حدثاً فعلٌه لعنة الله والملببكة والناس أجمعٌن)‪ ،‬فبكى ابن مهدي‪ ،‬وآل‬ ‫على نفسه أن لا ٌفعل ذلك أبداً فً مسجد رسول الله صلى الله علٌه‬ ‫وسلم‪ ،‬ولا فً ؼٌره ( ) ‪.‬‬ ‫وهذا الأثر إن د َّل على شً ٍر فإنما ٌدل على حزم َمالِك فً مسؤلة‬ ‫البدعة‪ ،‬وعدم تهاونه فً هذه القضٌة‪ ،‬على الرؼم من أن الفعل الذي‬ ‫فعله ابن مهدي‪ ،‬لو قٌس بمنظو ِر المفسدة والمصلحة‪ ،‬فإنه لٌس فٌه‬ ‫كبٌر ضرر‪ ،‬ولك َّن َمالِكا كان لا ٌتساهل فً هذا الشؤن‪ ،‬وٌمكن أن‬ ‫‪ -‬ػجلالله ثٓ ػجلاٌؾّ‪١‬ل الأصو‪،ٞ‬اٌ‪ٛ‬ع‪١‬ي ف‪ ٟ‬ػم‪١‬لح اٌٍَف اٌٖبٌؼ‪ِ،‬واعؼخ ‪ٚ‬رمل‪ٕ -ُ٠‬بٌؼ ثٓ ػجلاٌؼي‪٠‬ي آي اٌْ‪١‬ـ‪،‬‬‫‪ٚ‬ىاهح الأ‪ٚ‬لبف ‪ٚ‬اٌْإ‪ ْٚ‬الإٍلاِ‪١‬خ ‪ٚ‬اٌلػ‪ٛ‬ح ‪ٚ‬الإهّبك‪ ،‬اٌَؼ‪ٛ‬ك‪٠‬خ‪٘1422 ،‬ـ‪ٔ ،‬ملا ػٓ ِ‪ٛ‬لغ‪http://www.al- -‬‬ ‫‪. islam.com‬‬‫‪ -‬ؽّيح أث‪ٛ‬فبهً‪ ،‬ثؾ‪ٛ‬س ‪ٚ‬كهاٍبد ف‪ ٟ‬ثؼ٘ ِٖٕفبد اٌفمٗ اٌ َّب ٌِى‪ِْٕٛ ،ٟ‬هاد‪ ELGA ،‬فبٌ‪١‬زب ِبٌطب‪ٓ 2001 ،‬‬ ‫‪.166‬‬ ‫‪198‬‬

‫نصفه بالمتشدد فً هذه المسؤلة‪ ،‬ولو لم ٌكن كذلك لما أمر بحبسه‪ ،‬وقد‬ ‫كان عبد الرحمن بن مهدي‪ ،‬من أرفع علمار التابعٌن فً ذلك الزمان‪.‬‬‫وفً التحذٌر منهم‪ ،‬وبٌان أنهم على خط ٍر عظٌ فٌم‪ ،‬وأن إٌمانهم ناقص‪،‬‬ ‫وأ َّن َمالِكاً كان لا ٌقبل لهم صرفاً ولا عدلاً‪ ،‬وٌعتبرهم على انحرا ٍؾ‬ ‫وضلب ٍل‪ ،‬لا ٌإ َم ُنون على شً ٍر‪ ،‬وأنه‪ -‬رحمه الله‪ -‬رد شهادتهم‪ ،‬وقال‬ ‫بعدم قبولها‪ ،‬إ ْذ أ َّن من ٌبتدع فً دٌن الله لا ذمة له ولا أمانة‪ ،‬فهو‬ ‫مضٌ ٌفع للدٌن‪ ،‬ومن كان للدٌن مضٌعاً‪ ،‬فهو إلى ما سواه أضٌع‪ ،‬حٌث‬ ‫ذكر الإِ َمام الؽزالً‪ -‬رحمه الله‪ -‬الرواٌة عن َمالِك أنه قال‪( :‬لا تجوز‬ ‫شهادة أهل البدع والأهوار )( ) ‪.‬‬ ‫بدعة سب الصحابة ‪:‬‬ ‫من واجبنا أن نعرؾ أنه من أعظم البدع‪ ،‬وأخطرها‪ ،‬التً ظهرت‬ ‫زمن الإِ َمام َمالِك‪ -‬رحمه الله‪ ( : -‬بدعة س ّب وش ْتم الصحابة )‪ ،‬وذلك‬ ‫أ َّن الشٌعة الرافضة‪ ،‬أو من ٌسمون بالإِ َمامٌة‪ ،‬ومن كان على شاكلتهم‪،‬‬ ‫قد استحلوا س َّب الشٌخٌن الجلٌلٌن أبً بك ر‪ ،‬وعمر رضً الله عنهما‪،‬‬ ‫وؼٌرهما من الصحابة‪ -‬زاعمٌن بذالك أنهم ٌوالون عل ٌّاً رضً الله‬ ‫عنه‪ ،‬وكرم وجهه‪ ،‬وما علموا أن عل ًٌّا رضً الله عنه‪ ،‬ما كان لٌرضى‬ ‫أن ٌُ َس َّب أصحاب رسول الله صلى الله علٌه وسلم وهم إخوانه ورفقاإه‬ ‫فً مسٌرة الدعوة والجهاد‪ ،‬وقد تح َّملوا معاً ما تحملوا‪ ،‬وقا َسوا وعانوا‬ ‫كثٌراً لنصرة الدٌن‪ ،‬والدفاع عن رسول الله صلى الله علٌه وسلم‬‫‪ -‬ال ِإ َِبَ أث‪ ٟ‬ؽبِل اٌغياٌ‪ ،ٟ‬ئؽ‪١‬بء ػٍ‪ َٛ‬اٌل‪ ،ٓ٠‬رمل‪ٚ ُ٠‬رؼٍ‪١‬ك (‪ ٗٛ‬ػجل اٌوء‪ٚ‬ف ٍؼل)‪ِ ،‬ىزجخ اٌٖفب‪ٛ ،‬جؼخ عل‪٠‬لح‬ ‫ِٕمؾخ‪ ،‬ط‪. 103 ٓ1‬‬ ‫‪199‬‬

‫والدعوة‪ ،‬ولٌسوا بحاج ٍة إلى من ٌتطفل لبٌان من هو الأفضل‪ ،‬والأحسن‬ ‫بلب ًر فً دٌن الله‪ ،‬فلك ٍّل مقا ٌفم لا ٌجاوزه‪ ،‬وكلهم ٌعرؾ مكانته‪ ،‬وٌعرؾ‬ ‫لأخٌه حقه‪ ،‬فقل للمح ِّرش بٌن النجوم‪ ،‬وٌحك إن النجوم لا تراك ‪.‬‬ ‫وقد جار فً الحدٌث عن النبً صلى الله علٌه وسلم‪ (:‬لأن ٌلقً الل َه‬ ‫عب فٌد بذنو ِب العباد‪ ،‬خٌر من أن ٌبؽض رجلبً من أصحابً‪ ،‬فإنه ذنب لا‬ ‫ٌؽفر له ٌوم القٌامة‪ ،‬وقال صلى الله علٌه وسلم‪ ( :‬إن الله اختار لً‬ ‫أصحاباً‪ ،‬فجعل لً منهم وزرا َر‪ ،‬وأصهاراً‪ ،‬فمن س َّبهم‪ ،‬فعلٌه لعنة ال َّل ِه‪،‬‬ ‫والملببكة‪ ،‬والناس أجمعٌن( )‪.‬‬ ‫والأحادٌث فً فضل الصحابة كثٌر ٌفة‪ ،‬ومنها ما رواه مسلم فً باب‬ ‫فضل أصحاب رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬عن أبً سعٌ ٍد قال‪ :‬كان‬ ‫بٌن خالد بن الولٌد وبٌن عبد الرحمن بن عوؾ شً ٌفر فٌه خالد فقال‪:‬‬ ‫رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪( :‬لا تسبوا أحداً من أصحابً فإن أحدكم‬ ‫لو أنفق مثل أح ٍد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصٌفه) ( )‪.‬‬ ‫جار فً شرح النووي على صحٌح مسلم‪ :‬ومذهبنا ومذهب الجمهور‬ ‫أنه ٌعزر ولا ٌقتل‪ ،‬وقال بعض ال َمالِكٌة‪ٌ :‬قتل( )‪ ،‬وس ُّب الصحابة‪،‬‬ ‫والطعن فٌهم‪ ،‬اعتبره بعض أهل العلم جرحاً وطعناً فً الصحابة‪ ،‬وفً‬‫‪ -‬ه‪ٚ‬ا‪٠‬خ ػجل اٌوؽّبْ ثٓ ػجل اٌَلاَ اٌٖف‪ٛ‬ه‪ ٞ‬اٌْبفؼ‪،ٟ‬رؾم‪١‬ك ئثوا٘‪ ُ١‬أِ‪ِ ٓ١‬ؾّل‪ ،‬اٌّىزجخ اٌز‪ٛ‬ف‪١‬م‪١‬خ‪َ1997 ،‬‬ ‫ط‪. 479 ٓ2‬‬‫‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ ٍَُِ ثْوػ إٌ‪ ،ٞٚٛ‬وزبة ف‪ٚ‬بئً اٌٖؾبثخ‪،‬ثبة رؾو‪ٍ ُ٠‬ت اٌٖؾبثخ ه‪ ٟٙ‬الله ػٕ‪،ُٙ‬ط‪94 ٓ16‬ؽل‪٠‬ش‬ ‫هلُ ‪ٚ ،2540‬أظو‪ٕ -‬ؾ‪١‬ؼ ٍَُِ ثّقزٖو إٌّنه‪.. 373 ٓ،ٞ‬‬ ‫‪ّ -‬وػ إٌ‪ ٞٚٛ‬ػٍ‪ٕ ٝ‬ؾ‪١‬ؼ ٍَُِ‪ ،‬ط‪. 94ٓ 16‬‬ ‫‪200‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook