أبو يعرب المرزوقي re nils frahm للتقابل بين آل عمران 7وفصلت 53 الأسماء والبيان
53 7 المحتويات 2 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 14 - -الفصل الثالث 26 - -الفصل الرابع 39 - -الفصل الخامس 51 - وصلة 66 -الفصل السادس 76 - -الفصل السابع 89 - -الفصل الثامن 103 - -الفصل التاسع 117 - -الفصل العاشر 133 - -الفصل الحادي عشر 151 - -الفصل الثاني عشر 161 - النص الأول :الإسلام ليس فرقة مسحية مارقة بل وثنية 167 نص توما الاكوين 167 النص الثاني :الإسلام دين العقل الإنساني المتكبر 170 نص لوثر 170 -الفصل الثالث عشر 174 - القسم الأول 174 ملاحظة174 : النص 174 لسنج ولايبنتس بأسلوب كلامي فلسفي يتجاوز علة قول لايبنتس بالفاطوم188 . القسم الثاني 189
53 7 روسو وفولتار بأسلوب أدبي سياسي يتجاوز السخرية من رؤية الإسلام للقضاء والقدر194 . جوته ولايبنتس بأسلوب فلسفي دين يدحض نظرية \"الفاطوم\" المحمدي ويبين العناية الربانية والتسليم بها196 . رد اقبال على لايبنتس نكوص إل الإشكالية الكلامية بتاثر من الهيجلية والبرجسونية 200 خاتمة ضعف حجج اقبال في الرد على لايبنتس 203 -الفصل الرابع عشر 206 - القسم الأول 206 الحداثة الغربية مرحلتاها وعلاقتهما بالحضارة الإسلامية 209 التحديث الإسلامي ومرحلتاه وعلاقتهما بالحداثة الغربية 211 تعليل اختيار كنط وهيجل 215 القسم الثاني 223 تحليل نص كنط ومحاولة فهم قصوره دون رؤية الإسلام 225 القسم الثالث 239 تحليل نص هيجل النكوص الهيجلي وأثره على الحضارتين الغربية والإسلامية 239 موجز ما توصلنا إليه في تحديد ذروة الحداثة عند كنط 242 -الفصل الخامس عشر 254 - القسم الأول 254 القسم الثاني 274 شرح نص هيجل لبيان تمثيله للنكوصين 279 المسألة الثانية :المشترك بين الآيتين283 . القسم الثالث 285 المعادلة الوجودية 293 المعادلة المبتورة المخمس المردود إل مثلث 295 المعادلة السليمة 296
53 7 - - لن أغفل في مغامرة قراءة القرآن الكريم فلسفيا عن أني سأغضب الكاريكاتورين المسيطرين على التحديث والتأصيل. كلاهما لا يقبل مناقضتي لرؤيتهما للدين في تعريفي للإسلام. فاعتباري إياه غاية ما يتحد به الديني من حيث هو ديني والفلسفي من حيث هو فلسفي يستثيرهما كليهما. وقصدي بهذا التعريف الذي هو عين ما تثبته سورة العصر أن الإسلام هو استراتيجية البحث عن الحقيقة اجتهادا عقليا (التواصي بالحق) وابداع طرق تحقيقها جهادا خلقيا (التواصي بالصبر) من جماعة الاحرار المؤمنين والعاملين صالحا. فموقف كاريكاتور التحديث مفهوم إذ هم يعتبرونه من أساطير الأولين. لكن موقف كاريكاتور التأصيل يعسر فهمه ولا أحد يتجرأ على دحضه لاستعمالهم سيف ديموقليس :تكفير من يرى غير رأيهم. فهذا الكاريكاتور يدعي أن القرآن فيه علم الغيب ويذهب المتحادثون منهم إلى أنه مدونة علمية يكفي معرفة العربية ليصبح \"العلماء\" الذين يدعون وراثية الأنبياء علماء في كل شيء فيكتشفون الاعجاز العلمي دون جهد بشرط أن يكون غيرهم قد اجتهد وبحث واكتشف القوانين العلمية التي ُيأولون القرآن في ضوئها. فكيف الخروج من هذه الكماشة التي أجد نفسي بين فكيها؟ فهي تحول دون بيان أن القرآن مختلف تماما عن الكتب الدينية السابقة لأنه غاية ما يطلبه الدين وما تطلبه الفلسفة ولا يتضمنه بل يدعو إليه ويشير إلى سبله لأنه بصورة أدق ،استراتيجية تحقيق الإنسانية لشروط بقائها تعميرا واستخلافا وتوجيها للبحث فيما يطلبه الديني بما هو ديني ،وما يطلبه الفلسفي بما هو فلسفي لعلم ما يمكن للإنسان علمه اجتهادا وعمل ما يمكن له عمله جهادا في التاريخ الفعلي للإنسان. لذلك سميته استراتيجية علم وعمل و\"سبابة\" تشير إلى شروط تحقيقهما. أبو يعرب المرزوقي 1 الأسماء والبيان
53 7 -- ذلك هو الرهان الذي جعلته نصب عيني لما شرعت في قراءة القرآن قراءة فلسفية سنة 2003في كوالالمبور .فلكأني وضعت بين قوسين إيماني بالقرآن الذي ربيت عليه منذ نطقت لأني من أسرة ريفية متدينة وذات ثقافة إسلامية مالكية فقهيا وجيلانية قادرية صوفيا ربها شيخ وشاهد عدل ومزارع من أعيان قبيلة المرازيق هاجر جدها الأول من دوز (جنوب تونس) في بداية القرن التاسع عشر إلى الشمال واستقر في ريف بنزرت. فكان التحدي الأول هو محاولة اكتشاف نظام النص الذي كنت وأنا طفل اراه أشبه بطريق متعرج أشعر وأنا أقرأ ما حفظت منه وما بقي منه للحفظ وكأني اسير في شعاب ليس لها دليل هاد ونظام عقد. فعند الاكتفاء بالنظرة الأولى يبدو القرآن نصا شديد البعثرة عند من لم يدرب بصيرته على تجاوز السطح والغوص في الأعماق ليرى أن ما كان يتصوره تكرارا علته أنه يتوقف عند حس البصر للعبارة ولا ينفذ إلى حدس البصيرة لما وراء العبارة من الإشارة. وما أن وفقني الله لاكتشاف النظام العميق للنص -أو لما بدا لي وكأنه قد أمدني بحل لما كنت أعاني منه -حتى انفتحت أمامي سبل التحرر من عائقين هما علة ما جعلني أعتبر علوم الملة كلها ودون استثناء قد حرفت القرآن وهو مصدر الحيرة الأكبر وعلة الكماشة التي تكلمت عليها: • العائق الأول هو ما ورثناه من رؤية الفلسفة اليونانية لنظرية المعرفة ونظرية القيمة التي صارت حكما معيارا في معاني القرآن. • والعائق الثاني هو ما ورثناه من معركة علوم الملة حول المحكم والمتشابه :فقد دمرت كل جلال في الموقف الفكري من القرآن. وبين أن العائق الثاني فرع عن العائق الأول .فالأمر فيه يتعلق بتأسيس نظرية التأويل التي تقع في مأزق بسبب معركة التمييز بين محكم القرآن ومتشابهه. أبو يعرب المرزوقي 2 الأسماء والبيان
53 7 -- فإذا كان المحكم غنيا عن التأويل ما دام محكما وغير متشابه ،وكان المتشابه محرما تأويله فإن المشكل يصبح مستحيلا حله للاستغناء عنه في ما يعتبر محكما أو لحرمته في ما يعتبر متشابها. فكان المهرب إلى حل الفلسفة الذي هو أفسد من حل المتكلمين لأنه أصل كل الأوهام لقوله بالمطابقتين. والقول بالمطابقتين بدأ مع بارمينيدس الذي تبنى حلا لعل أفضل عبارة حديثة عادت إليها هي قول هيجل العقل واقع والواقع عقل .وما عدى ذلك بلغة بارمينيدس عدم. فالعلم مطابق للموجود .وهو معنى الحقيقة العلمية عند الفلاسفة (علم الشيء على ما هو عليه). والعمل مطابق للمنشود .وهو معنى القيمة عند الفلاسفة (قيمة الشيء كما هو في ذاته). وبافتراض الحقيقة واحدة فإن التأويل يصبح رد ما يسمونه المنقول إلى ما يسمونه المعقول :ذلك هو مهرب الكلام. ورد المنقول إلى المعقول له منهج .إنه قياس الغائب على الشاهد .فيكون الغيب مجرد دلالة غائبة في النص ويكفي قيس معانيه على ما يناظره في الشاهد حتى يتم الرد المؤسس للتأويل الذي يصبح مباحا في المحكم وفي المتشابه على حد سواء .كل المشكل هو في حيلة تجعل الغيب مجرد غائب فتحصل المطابقتان معرفة وقيمة .وهذا الخلط بين الغيب والغائب هو الذي يجعل الكلام يقول بالمطابقتين. وبذلك يصبح الكلام تابعا للفلسفة وهو أمر يفسره ابن خلدون ببيان المراحل الخمس التي مر بها الكلام: • قبل نشأته أي قبل خروج واصل على السنة في ساحة الجدال بخلاف الخوارج الذين خرجوا على شيعة علي في ساحة القتال. • نشأته خارج السنة بعد تكون الفرق وفي كل المدارس التي تحاكي المدارس الفلسفة وخاصة الرواقية والمشائية. أبو يعرب المرزوقي 3 الأسماء والبيان
53 7 -- • شكله السني بعد خروج الأشعري عن الاعتزال في مسألة المطابقة القيمية (رفض التحسين والتقبيح العقليين). • بداية تأثره بالمنطق الأرسطي وخاصة مع الغزالي والقول الصريح بالمطابقة المعرفية (قبول مسلمات التحليلات الأواخر). • ابتلاع الفلسفة لعلم الكلام بعد الرازي وتلك هي شهادة وفاته (التسليم بالمطابقتين المعرفية والقيمية). ومعنى ذلك أن ابن خلدون لم يكتف بإبداع البديل عن علم الكلام بعد أن انتهى إلى التسليم بنهايته للخروج من مأزق ما ورثه فكر المسلمين عن الفلسفة اليونانية وعلم الكلام اليهودي والمسيحي وبالتخلص الواعي من المطابقتين ،بل هو أول من كتب شهادة وفاته الرسمية وعللها بهذا الابتلاع أولا وبعدم الحاجة الدفاعية على الإسلام بعلم زائف ثانيا. ويمكن أن أقول إن ذلك كان الخطوة الأولى نحو فهم الطابع الإشاري للقرآن دون تضمن المشار إليه من قوانين الطبائع أو من سنن الشرائع اللتين هما مطالبه. المهم أني اكتشفت أن ما ابحث عنه لست أول الساعين إليه بل سبقني إليه وإن بصورة لم تكن بالصراحة المطلوبة عندما أحدث الانقلاب الفلسفي في فلسفة النظر والعقد الذي احدثه ابن تيمية في فلسفة العمل والشرع الذي أحدثه ابن خلدون شرطين للتحرر من العائقين الموروث عن الفلسفة اليونانية وعن علم الكلام اليهودي والمسيحي أي القول بالمطابقتين في المعرفة وفي القيمة ونفي الغيب بزعم علم الإنسان محيطا وعمله تاما والعودة إلى أن كل معرفة اجتهادية وكل قيمة جهادية. ولا أنكر أن دافع الرجلين كان دينيا بالأساس لكن علاجهما للمشكل كان فلسفيا خالصا في الحالتين. كلاهما فهم ما حصل من تحريف في علوم الملة رغم اختلاف مجالات البحث النقدي لأن الأول اهتم بنظرية المعرفة والثاني اهتم بنظرية القيمة. لكن ما يعنيني شخصيا هو ما بين الهمين من وشيجة وعلاقتهما بنظام القرآن العميق. أبو يعرب المرزوقي 4 الأسماء والبيان
53 7 -- ذلك أنه لا أحد منهما وصل مشكله وعلاجه بنظام القرآن حتى وإن كان الدافع هو رفض فهم المتكلمين لشرط شروط فهمه أعني التحرر من القول بالمطابقتين. وقد يكون دافعي مثلهما دينيا إذ إن بحثي في نظام القرآن ليس من جنس ما يدعيه أصحاب النسخ المسيخة من الاستشراق :كذبة الحياد العلمي في المسألة الدينية. فإن لم تكن مؤمنا بما يتعالى على الدنيا كان موقفك منه نفيا لحقيقته ولا معنى للبحث في حقيقة ما تؤمن بأنه من أساطير الاولين عدا البحث في جنسه الأدبي. ومع ذلك ففي مستوى الوعي لم يكن دافعي دينيا بل كان فلسفيا خالصا. فما حاولت الجواب عنه في البحث لخصته في محاولة نشرتها قبل يومين كتبتها بالعربية لأن المحاولة الأصلية كانت بالفرنسية. وقد لخصته بعنوان الارشيتاكتونيك المابعد خلقية أو الميتاأخلاق قياسا على الارشيتاكتونيك المابعد طبيعي في الفلسفة أو المتافيزيقا. وكانت تلك بداية تعريف القرآن بكونه في نفس الوقت ما بعد أخلاق وهو ما يغلب عليه بوصفه نظرية الديني وما بعد طبيعة وهو ما يغلب عليه بوصفه نظرية الفلسفي. والواحد بين المابعدين هو ما بينهما من وشيجة أي إن ما بعد الأخلاق غاية في القرآن وما بعد الطبيعة أداة فيه .وتجمعهما استراتيجية شروط قيام الإنسان: • فالأداة هي أداة الإنسان المستعمر في الأرض • والغاية هي غاية الإنسان المستخلف فيها. ولما كانت العلاقة بين القرآن بما هو استراتيجية تكوين الإنسان أو التربية وبما هو استراتيجية تنظيم الإنسانية أو الحكم وهما بعدا السياسة وكان الرسول قد أنجزهما بالتوالي أي بدأ بالتربية في المرحلة المكية ثم بالتساوق أي انتهى بالجمع بين التربية والحكم في لمرحلة المدنية فقد اجتمعت استراتيجية القرآن وسياسة الرسول. وتلك علة اختياري عنوانا للقراءة هو\" :استراتيجية القرآن التوحيدية ومنطق السياسة المحمدية\". أبو يعرب المرزوقي 5 الأسماء والبيان
53 7 -- لكن الحل التيمي لفلسفة النظر والعقد والحل الخلدوني لفلسفة العمل والشرع لم يكفياني للوصول إلى ما اعتبرته دليلا على وجاهة فرضيتي حول طبيعة القرآن باعتباره استراتيجية توحيد الإنسانية لتحقيق وظيفتيها كما حددتهما الرسالة وهما بعدا العبادة لله وحده: • الاستعمار في الأرض لتحقيق شروط قيام الإنسان العضوي والنفسي بفضل التسخير: مجال النظر والعمل وتطبيقاتهما. • والاستخلاف في الأرض لتحقيق شروط نظام شروط الاستعمار بمثل غيبية هي عناصر الإيمان :مجال العقد والشرع وتطبيقاتهما. لكن حل ابن تيمية وحل ابن خلدون لا يكفيان للتخلص مما ترتب على المطابقتين في علوم الملة وما أنتجته من الانحطاط بسبب العجز في المهمتين أي في التعمير والاستخلاف لأنها ردت الموجود إلى ما يعلمه الإنسان والمنشود إلى ما يعمله الإنسان وللتخلص من مشكل التأويل الذي صار تحكميا ينسحب على ما له مرجع دلالة وجودي انسحابه على ما ليس له مرجع دلالة وجودي لأن الغيب رد إلى الغائب قيسا على الشاهد مثله فسمى التحريف علم كلام. ورفض السلف -ومنهم ابن تيمية وابن خلدون-للكلام فيه وعي غائم بهذه الإشكالية. والحل الذي سعيت إليه وآم أن أنجزه هو الوصول فلسفيا أي من دون استعمال حججا مبنية على عقيدتي الدينية إلى اثبات استحالة المطابقتين بمنظور فلسفي خالص أولا واستحالة أن يوجد في القرآن علم يتجاوز هذه الاستحالة بمنظور القرآن نفسه .فأكون بذلك قد تخلصت من الكاريكاتورين وشرعت في بحث طليق .واعتقد أن ابن تيمية قام بالخطوة الأساسية بتأسيس علوم النظر والعقد عندما ميز بين علم المقدارت الذهنية التي هي كلية وضرورية وبرهانية ومحضة وعلم الموجودات الخارجية التي ليس لها أي من هذا الصفات. وقياسا عليه -ولكن بصورة ضمنية-لم يكن بوسع ابن خلدون أن يؤسس لعلوم الإنسان أو فلسفة العمل والشرع من دون هذا التمييز. أبو يعرب المرزوقي 6 الأسماء والبيان
53 7 -- فإذا اثبت استحالة الإحاطة المعرفية وامتناع التمام القيمي بالنسبة إلى الإنسان فلسفيا وأثبت استحالة رد الغيب للغائب دينيا تمكنت من فهم أن ما يحول دون الأولى ليس الغائب المجهول لأنه لم يصبح شاهدا بعد إذ هو قابل لأن يصبح شاهدا بل هو ما لا يمكن أن يكون شاهدا أبدا ومن ثم فمثل هذا المفهوم الحد الفلسفي مرادف لمفهوم الغيب وهو معنى الشيء في ذاته عند كنط حتى وإن لم يكن صده الكلام في الغيب بالمعنى الديني في فلسفة النظر لكنه جعله شرطا في تأسيس فلسفة العمل وإن بشكل المسلمات. وحتى يكون ذلك كذلك فلا يمكن أن يتضمن القرآن علما بالغيب بخلاف ما يتوهم علماء الملة .فهو أولا خطاب لجميع البشر ومن ثم فحتى الرسول الذي هو إنسان ككل البشر لا يعلم الغيب .وإذا صدقنا من يدعي انه يعلمه فمعنى ذلك أنه لم يبلغ ما عمله .فيكون قد كذب على المرسل إليه وخدع المرسل إذ لم يعلم الأول بما كلفه الثاني تبليغه .والرسول لا يكذب بشهادة القرآن فيه رغم أنه لم يخل من نقده في مواقف كثيرة ولم يشكك في صدقه وأمانته أبدا. وقد تم اثبات الاستحالتين في المحاولة السابقة المتعلقة بأكسمة القرآن انطلاقا من الآيتين اللتين اخترتهما شعارا للقراءة الفلسفية :الإسراء 105و .106وإذن فلن أعود إلى المسألتين هذين وسأمر مباشرة إلى المعاني التي تترتب على كون القرآن رسالة ورسالة تذكير أي عناصر الرسالة الخمسة وما تذكر به :المرسل (الله) والمرسل إليه (الإنسان) والرسول (محمد) ومنهج التبليغ (التربية والحكم) ومضمون الرسالة أي كل ما تقدم تذكيرا وتأسيسا لشروط مهمتي الإنسان في فرصته الثانية بعد إخراجه من الجنة أي التعمير والاستخلاف لإثبات أهليته في تحمل مسؤولية الأمانة التي قبل بها طوعا. والشرط الوحيد في ما أسعى إلى تحقيقه هو الا يكون مما ينتسب إلى علم الكلام الذي هو ليس علما بمعاني القرن بل تحريف لها سواء تكلم في ما يعتبره محكما أو في ما يعتبره متشابها لأنه أولا لم يحدد معيار التمييز بين المحكم والمتشابه ولأنه يستعمل التأويل بقياس الغائب على الشاهد .والاول مستغن عنه وهو معنى كونه محكما والثاني مستحيل وهو معنى أبو يعرب المرزوقي 7 الأسماء والبيان
53 7 -- كونه متشابها .والمهرب الفلسفي أي حل المطابقتين مستحيل عقلا لأن \"الوجود لا يرد إلى الادراك\" (ابن خلدون) ولأن علم الموجودات الخارجية ليست كلية ولا ضرورية ولا برهانية ولا مضحة (ابن تيمية). بقيت إذن مسائل الرسالة الخمس وكيف نتكلم فيها بغير علم الكلام اعتمادا على نفي المطابقتين وعلى التمييز بين الشاهد والغيب: .1المرسل (الله) .2المرسل إليه (الإنسان) .3الرسول (الخاتم) .4منهج التبليغ تربية وحكما .5مضمون الرسالة أي كل ما سبق ولكن خاصة ما تذكر به الإنسان لينجح في مهمتيه أي التعمير والاستخلاف. وهذه هي العناصر التي تعتبر إشارات القرآن فيها ليست علما بالغيب بل توجيه للإنسان حتى يحقق شروط علم عالم الشهادة والعمل فيه بمثل عليا مستمدة من الإيمان بما يتعالى عليه أي من مثل عليا هي ما يشار إليه من نظام في الموجود وفي المنشود أصله في عالم الغيب. وأول مشكلة تعترضني وهي من الغيب هي مشكلة: كيف نتكلم في المرسل أي الله من دون أن ندعي علم الغيب ومن دون تأويل لأن كلام القرآن فيه كله من المتشابه بدلالة ليس كمثله شيء؟ يعني كيف نتكلم في ما لا يمكن قياسه على عالم الشهادة؟ ذلك هو اللغز الذي تبين لي أن حله هو في عكسه :فكلام الله على نفسه في القرآن ليس قيسا للغيب على الشاهد بل هو العكس تماما أي قيس الشاهد على الغيب في شكل توجيه لما يمكن الإنسان من التعالي على الشاهد بالاشرئباب إلى مثل عليا غيبية هي ما به يكون الشاهد موجودا أولا ومأمورا ثانيا. أبو يعرب المرزوقي 8 الأسماء والبيان
53 7 -- وهذه هي المعضلة :كيف قلبت العلاقة في القياس من قيس الغائب على الشاهد إلى قيس الشاهد على الغائب الذي هو غيب وليس مجرد غائب يمكن أن يكون شاهدا في عالم الشهادة؟ كيف يقيس القرآن الشاهد على الغيب وليس الغيب على الشاهد؟ تلك هي المفارقة التي أعلم أنها عسيرة الهضم عند أصحاب العقول المحنطة .فالقرآن يقدم الغيب الذي يتكلم على الله ليس كما هو بل كما يمكن للإنسان أن يتصور ما ينسبه إلى الله إذا كان مؤمنا به بالاعتماد على إطلاق يعلم استحالته في عالمه ويعتبره مثاله الأعلى :أي إن المسلم مهما كان مستواه الفكري ودرجة ثقافته يعلم أن كلام القرآن على الله خاضع لما يترتب على مبدأ \"ليس كمثله شيء\" لكنه المثال الأعلى لكل شيء. أي إن الإنسان حتى العادي يعتبر الله مثالا أعلى لا مثيل له .فكل ما يقال عنه يعبر عن المثال الأعلى بإطلاق لما ينبغي أن يسعى إليه عالم الشهادة خلقا وأمرا مع العلم أن المطابقة مع المثال الأعلى مستحيلة .فالله مريد بإطلاق وعالم بإطلاق وقادر بإطلاق وجميل بإطلاق وجليل بإطلاق .والمؤمن وحتى الملحد يعلم أنه لا يوجد شيء في عالم الشهادة مريد بإطلاق وعالم بإطلاق وقادر بإطلاق وجميل بإطلاق وجليل بإطلاق .ولهذا شبهت الامر بالمقدرات الذهنية الرياضية :فلا يوجد شيء في عالم الشهادة يطابق المفهومات الرياضية بإطلاق. ولنأخذ مفهوم الدائرة :يستحيل أن يوجد شيء يطابق مفهومها لأنها مباشرة بعد النقطة يمكن أن تكون أوسع من كل العالم وأقرب شيء من العدم أي النقطة .وكذلك العدد الحقيقي :فبين واحد واثنين يمكن تصور اللامتناهي الذي لا يقبل العد .وواحد واثنين لا وجود لهما لأنهما صفة لكائن أو لاجتماع كائنين أيا كانا .وما قلناه عن المعاني الرياضية يمكن قوله عن المعاني القيمية :فالجميل والجليل صفة ليس لها حد من أدنى مراتب الجمال والجلال إلى ما مرتبة اللاتناهي منهما .وقس عليهما الحقيقية والخير والحرية والكرامة. فيصبح الأمر ليس قيس الغائب على الشاهد بل العكس تماما أي قيس الشاهد على مثل عليا لا يمكنه أن يطابقها مهما كان تاما بل تصور ما يمكن أن نفعله في عالم الشهادة لكي أبو يعرب المرزوقي 9 الأسماء والبيان
53 7 -- نتقرب من عالم الغيب بما نتخيله فيه من إرادة وعلم وقدرة وحياة ووجود نعلم أنها ليس فيها ما في الغيب من إطلاق وكمال لكن فيها ما يقربنا منه بوصفه مثالا أعلى :فعندما نقول أخلاق الرسول هي أخلاق القرآن فهذا يعني أن الرسول هو أقرب إنسان لهذه الاخلاق لكنه مهما بلغ من الكمال فهو في نسبة رسم دائرة إلى مفهوم الدائرة. وذلك هو المعنى المقصود بقيس الشاهد على الغيب .فلا يكون الأمر قيسا لموجود نسب بموجود أكمل فحسب بل هو قيس لمنشود نسب بموجود مطلق مع العلم بأن المنشود النسب هو ما يمثل العبادة أي إن الإنسان بذلك يؤمن بأنه لا معبود له إلا الله باعتباره مثاله الأعلى الذي يحاول تحقيق ما يطلبه منه في الرسالة التي وصلت إليها والتي تذكره بما فطر عليه .وهو يعلم أن المطلوب منه ليس بلوغ الكمال بل السعي إليه .فالعبادة من نوع واجب الوسيلة وليس من نوع واجب النتيجة .فالنتيجة لا يعلمها إلا علام الغيوب لأنه رهن العلم بالسرائر التي لا يعملها حتى صاحبها :فلا أحد يعلم سريرته يقين العلم وهو المعنى الأول لمفهوم اللاوعي .ومن ذلك ما ذكره ابن خلدون في شفاء السائل عن سؤال عمر هل كان من المنافقين الذين عينهم الرسول وما فطر عليه هو ما وصفه الله بأنه ما لأجله خلقه (الإنس والجان) أي للعبادة التي تعني التوجه إلى المنشود المطلق مع العلم بأنه ليس كمثله شيء مما يمكن للإنسان أن ينشده لعلمه بأن إرادته وعلمه وقدرته وحياته ووجوده كلها نسبية ولا يمكن أن تكون مطلقة. فيكون الغيب معيار الشاهد وليس العكس .والدين هو هذا الانشداد الدائم لمعيار مطلق مع العلم باستحالة المطابقة معه .وتلك هي جاذبية الغيب الذي بمقتضاه يكون الفكر الإنسان دينيا كان أو فلسفيا مشدودا إلى ما يتعالى به على كل موجود إلى مطلق المنشود. ويترتب على ذلك أمران: • ليس لله صفات بل له أفعال يصفها الإنسان في دعائه لما يخاطب ربه (الإسراء .)110 • وكل أسمائه هي ما يدعوه الإنسان بها صفات لأفعاله وليس لذاته. وأفعاله نوعان هما: أبو يعرب المرزوقي 10 الأسماء والبيان
53 7 -- • الخلق أو القضاء • والامر أو القدر وكلاهما بكلمة كن إرادة وعلما وقدرة وحياة ووجودا .ولا مثيل لها. ولا نستطيع أن نضيف شيئا لأن هذا ما يقوله القرآن .ولا يمكن أن نقول عن الله أكثر مما يقول عن نفسه في الرسالة :وكل ما يضيفه علم الكلام ترجيح بدون مرجح لأن التأويل لا يكون مقبولا إذا لم يوجد مرجع دلالة يحتكم إليه للترجيح كالحال في عالم الشهادة عندما نحتكم إلى التجربة لترجيح الفرضية المناسبة لتفسير الظاهرة المدروسة .وكل تأويل يدعي البحث في معنى أن يريد الله أو أن يعلم أو أن يقدر أو أن يحيا أو أن يوجد بالقياس على هذه الأفعال عند الإنسان تشبيه افعال الله بأفعاله فيدعي أنه مثيل الله. وهنا تأتي أهمية نظرية المقدرات الذهنية النظرية (ابن تيمية) والعملية (ما أضفته قياسا عليه حتى أفهم ابن خلدون) .فلا يوجد شيء مثيل للمعاني الرياضية في النظر ومثلها لا يوجد شيء مثيل للمعاني القيمية في العمل .وإن كان كل شيء يقاس بنوعي المعاني الكلية المقدرة ذهنيا وهي لا تقاس على أي شي .فإذا اعتبرنا هذا الفرق البسيط في المقدرات بنوعيها ورفعناه إلى اللاتناهي فهمنا معنى أن الغيب هو المعيار المطلق :وهو أساس الدين والفلسفة في آن. والمعيار المطلق لا يقاس بأي شيء .لكن كل شيء يقاس به .بمعنى أننا لا نستطيع تصور شيء طبيعي أو تاريخي (آيات الله في الآفاق) أو عضوي او روحي (آيات الله في الأنفس) من دون قيسه بالمعيار المطلق من حيث خلقه ومن حيث قدره معرفة لا يمكن أن تكون محيطة وقيمة لا يمكن أن تكون تامة بل هما دائما غير مطابقتين والفواصل بينهما وبينهما لا متناهية بلا حد .وهذا القلب للعلاقة بين الغيب والشاهد هو ما لا يقبله أصحاب العقول البسيطة التي تجعل الامر الواقع معيار الأمر الواجب :وهو ما وصفته بوثن النخب العربية .وهو علة الانحطاط وخاصة في ما يسمونه إبداعا أدبيا الذي صار تاريخا مشوها لا أبو يعرب المرزوقي 11 الأسماء والبيان
53 7 -- يتجاوز الترجمة الذاتية \"للزبراطة\" الذي لا يرون من الموجود فضلا عن المنشود إلى سرتهم. ومرد الإلحاد إلى وهم المطابقة في المعرفة والقيمة برد ما نعلمه وما نقيمه إلى علمنا وتقييمنا وهو ما يعني أننا نطلق أنفسنا فنزعم أننا صرنا مقياس الموجود على ما هو عليه ومقياس المنشود على ما هو عليه أو اعتبرنا الموجود والمنشود أمرين اتفاقيين ناتجين عن صدف متوالية بلانظام ولا غاية .والانحطاط ليس شيئا آخر غير نتيجة الاخلاد الى الأرض .فمن يجعل الأمر الواقع أمرا واجبا قد يعتبر أنجح الناس لأنه \"واقعي\" لكنه في الحقيقة لا يعدو أن يكون \"كالكلب يلهث سواء حملت عليه أو لم تحمل\". وبهذا المعنى فالكلام إذا تجاوز البحث وصار يدعي العلمية فهو يضمر الإلحاد الناتج عن الإخلاد إلى الأرض سواء قال بالتشبيه أو نفاه فكان مشبها إلى حد التجسيم أو منزها إلى حد التعطيل لأنه في الحالتين يدعي التأله فينسب إلى نفسه الخلق والأمر المطلقين وليس قيس معرفته وتقييمه بهما مع حرز اللامماثلة بكل معانيها .وهذا هو الإيمان الذي هو غاية البحث عن الحقيقة بقدر مستطاع الإنسان .فما يقوله القرآن عن الله مثلا ليس شيئا آخر غير ما يتخيله الإنسان عنه في سعيه لتصوره مع علمه أنه ليس كمثله شيء .ولا معنى لتسمية ذلك مجازا :لأنه لا وجود لوجه شبه أصلا. وبذلك فالأسماء الحسنى ليست أسماء الله في ذاته بل هي ما به يدعو الإنسان ربه -سواء كان مؤمنا أو ملحدا-لأن دعاء العرفان وحده هو الخاص بالمؤمن .دعاء اليأس مشترك بين المؤمن وغير المؤمن ويضرب القرآن أمثلة عن موقف الإنسان الخائف في لجة البحر وتنكره بعد خروجه وزوال الخطر المحدق به .وهو دعاء يمكن أن يعتقد البعض أن القرآن لم يستثن منه حتى الرسل (يوسف .)110لكنه في الحقيقة يستثنيهم منه لأن الرسل لا ييأسون إذ هم يعلمون حكم من ييأس من روح الله. ولست غافلا عن الاعتراضات التي قد تعتمد حجج لغوية .فقد يعترض متفاقه في اللسان فيسأل :كيف نفيت الصفات عن الله والقرآن يبدو مليئا بها وهي من أهم مباحث علم أبو يعرب المرزوقي 12 الأسماء والبيان
53 7 -- الكلام؟ لكن لو حللناها وأهملنا تخريف المتكلمين لوجدناها ترد كلها اسم الفاعل بصيغة المبالة :فعليم صيغة مبالغة من اسم فاعل هو \"عالم\" بإطلاق وصف فعله عليه وسمي به كما يسمى اسم المفعول بانفعاله :نقل صفة الفعل إلى الفاعل وهو معنى اسم الفاعل ونقل صفة الانفعال إلى المنفعل وهو معنى اسم المفعول به. وكل الاسماء الحسنى هي من هذا النوع وهي أنواع الدعاء الموجه من المؤمن لربه .ومثلها ما يسمى صفات مثل الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود :فهي فعل أراد وعلم وقدر وحيي ووجد .فهذه صفات لفعل الله وتحدد أنواع الخالق أو أنواع الآمر وليست صفات ذاته .من ذلك أن الإرادة هي بدورها تقال بصيغة مبالغة مشتقة من الفعل \"فعال لما يريد\" أو صفة القدرة \"قادر على كل شيء\" بمعنى قدير .وبذلك يتبين أن كل قضايا علم الكلام هي إما فلسفية غير مفهومة أو لغوية غير محللة التحليل الكافي. وذات الله وفعلاه في ما عداه-الخلق بكن والأمر بكن -كلاهما غيب مطلق والأسماء وصفات الافعال كلها تعود إلى ما يتصوره الإنسان ربه عليه في الدعاء وفي فهم الاستجابة إما بالخلق أو بالأمر المتعلقين بما لأجله يتوجه الإنسان إلى ربه باعتباره وراء للمعرفة أو للتقييم .فما يحيط بالإنسان من الآفاق (الطبيعة والتاريخ) وما تتقوم به الأنفس (عضويا وروحيا) يمكنه أن يعلم نظامها باجتهاده وأن يقيمها بجهاده دون أن يكون له علم محيط أو تقييم تام بخلقها وأمرها اللذين هما من الغيب المطلق .وما يعلمه وما يقيمه كاف لقيامه لأنه شرط قيامه وهو ما تذكره به الرسالة الخاتمة فتحدد استراتيجية سياسة تكوينه تربية وحكما. أبو يعرب المرزوقي 13 الأسماء والبيان
53 7 - - كان ما وصلنا إليه أمس في الفصل الأول من هذه المحاولة في كلامنا على المرسل (الله) بالاقتصار على ما يقوله القرآن للتعريف به يثبت حقيقتين :الحقيقة الأولى هي طبيعة العلاقة بين العالمين عالم الشهادة وعالم الغيب إذ أن هذه العلاقة هي قيس الأول على الثاني بعكس ما يفعل الكلام الذي يقيس الغائب على الشاهد خلطا بين الغائب والغيب. والقرآن يثبت حقيقة الدين ودوره بطريقة مقابلة تمام المقابلة للطريقة التي يعمل بها علم الكلام .وبخلاف الرؤية الافلاطونية في تعريف الحب فإن الوعي بالحاجة إلى ما يتجاوز الذات ليس نقصا بل هو التمام الإنساني. فوعي الإنسان بعدم كماله في القياس المقابل للقياس الكلامي هو كمال الإنسان أي الوعي بما يتعالى عليه وبوجود ربه .ووعي الإنسان بوجود ربه هو أساس تعريف ابن خلدون: للإنسان \"رئيس بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\" .فلا معبود له غير الله الذي استخلفه\" .طبعه\" أنه لا معبود له سواه فيكون حرا بإطلاق إزاء كل شيء .واقتضاء الاستخلاف ذلك معناه أن الوعي بالتعالي هو أساس الاستخلاف وهو العبادة. والرئاسة كمال ذاتي عكس السيادة التي هي تضايف مع الضعف :إذ هي تنتج عن صراع حيواني يجعل الإنسان الضعيف عابدا للإنسان القوي الذي يشعر بأنه سيد لعبد وليس رئيسا بطبعه .ولهذا كان شعار الفتح الإسلامي في الرد على قائد الفرس \"جئنا لنحرركم من عبادة العباد بعبادة رب العباد\" حتى نكون جميعا رؤساء أو خلفاء لله وحده وليس عبيدا لمن يتأله من الطغاة فيصبح سيدا ويقسم البشرية بالعرق أو بالطبقة أو الجنس لأننا نؤمن بمبدأين: .1الأخوة البشرية (النساء )1 .2وحصر التفاضل في تقوى الله لا غير (الحجرات .)13 وهذا هو المقصود بتعريفي القرآن في محاولة قراءتي له قراءة فلسفية بـ\"استراتيجية القرآن التوحيد ومنطق السياسة المحمدية\" بمعنى توحيد الإنسانية بمقتضى توحيد الله أبو يعرب المرزوقي 14 الأسماء والبيان
53 7 -- الذي لا معبود سواه أي إن الإنسان رئيس بالطبع بمقتضى الاستخلاف .ومن يدعي الألوهية فيستعبد البشر ومن يقبل أن يستعبد كلاهما دون منزلة الإنسان الخليفة .ويترتب على ذلك أن الرسول لم تكن مهمته مقصورة على تبليغ هذه الرسالة فحسب بل تحقيق هذا المعنى في عينة من البشر تطبق المبدأين بالسياسة من حيث هي تربية وحكم. وبذلك نصل إلى المسألة الثانية أي مسألة المرسل إليه (الإنسان) .فبعد المرسل (الله) يأتي في ترتيب الأهمية والحضور في نص القرآن المرسل إليه (الإنسان) بحيث إن القرآن يقبل التعريف بكونه سياسة تربيته وحكمه بما عرفه ابن خلدون وذلك بقيس قيس عالم الشهادة الذي هو شرط بقائه بجعله يشرئب إلى مثل عالم الغيب .وهو موقف مطلق المقابلة مع موقف علماء الكلام. وطبعا فهذا القياس يبدو مفارقة كبيرة لأن يبدو منافيا لمعنى القيس إذ كيف نقيس معلوما بمجهول؟ وتلك هي الحقيقة الثاني التي توصلنا إليها :وهي أن الإنسان أو المرسل إليه إنسانيته هي هذا الوعي بكونه خليفة أي إن جوهر وجوده هو عبادة الله والتحرر من كل معبود سواه تصديقا لقوله تعالى {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدو ِن} .ولا يمكن لمن يعبد غيره أن يكون حرا أو رئيسا بل يصبح تابعا لغير الله أي لمستبد تكون علاقته به علاقة عبد بسيد .فنقيد معاني الإنسانية .ولذلك وصل القرآن عبادة الإنسان للرب وحده بشرطين هما تعمير الأرض لئلا يتبع غيره في رزقه وتحقيق قيم الاستخلاف ليكون رئيسا بالطبع. الرئاسة بالطبع ليست علاقة تضايف مع السيادة التي هي سيادة على عبد وكلاهما فقد انسانيته التي هي كونه خليفة .والشرط الأول هو تعمير الأرض أساس رئاسته الطبيعي لأنه يحرره من التبعية لغير ذاته والشرط الثاني هو قيم الاستخلاف أي معاني الإنسانية التي لا معبود لها غير الله .فكلما كان الإنسان محتاجا لغيره في سد حاجاته صار عبدا لغير أبو يعرب المرزوقي 15 الأسماء والبيان
53 7 -- الله .وكلما كان متحررا من عبادة ما به يسد حاجاته راعى قيم الاستخلاف فصار رئيسا بمقتضاه. وبذلك لن يسيطر عليه غيره ولا يعبد غير الله كما أنه لن يسيطر على أحد لعلمه بأن أي إنسان اخوه ومساو له ولا يتفاضلان إلا بالتقوى .وتلك عزة الإسلام وكونية الإنسانية فيه .فيترتب على ذلك من ثم أن التربية والحكم أداتي التبليغ تستدفان تحرير المرسل إليه أي الإنسان كل إنسان من هذين الخطرين: .1عدم التعمير المؤدي إلى التبعية لغير الله .2تحول التعمير إلى عبادة ما يسد الحاجة بدل السلطان عليه. فيكون الإنسان مهددا إما بالعبودية لبشر مثله أو لما يسد حاجاته فلا يتعالى عليه. وغالب البشر يعبدون ما يسد الحاجة فيصبح غاية ويعبدون من يسيطر على ما يسد الحاجة فيؤلهوه .وذلك هو الخسر الذي تهدف الرسالة تحرير المرسل إليه منه: .1الوعي بالخسر في سورة العصر ولا يحرر منه فرديا إلا .2الإيمان .3العمل الصالح .لكن التحرر لا يتم إذا كان فرديا وتلك هي علة كونه سياسيا وإذن فلا بد من التحرير الجماعي بـ .4التواصي بالحق لمعرفة قيم الاستخلاف .5والتواصي بالصبر لتحقيقها في التاريخ الفعلي. وتلك هي السياسة في الرؤية القرآنية وهي مرادفة للإسلام :لذلك فوصف الإسلام السياسي \"بليوناسم\" .فتكون سورة العصر ملخص ما تذكر به الرسالة المرسل إليه وهو عين ما هو مرسوم في كيان الإنسان بحيث إن الإسلام هو بالجوهر سياسة التعمير بقيم الاستخلاف اللذين هما عين العبادة التي كلف بها الإنسان ليثبت جدارته بالاستخلاف بوصفه اجتهادا معرفيا وجهادا قيميا يختبر بهما لكونه قبل أمانة العبادة الحرة. أبو يعرب المرزوقي 16 الأسماء والبيان
53 7 -- لا يمكن لأي قارئ ذي بصيرة للقرآن أن يجهل أن كل كلام الله على الإنسان فيه هو علاج ما يحول دون الإنسان وهذين الدورين: .1التعمير لئلا يكون مضطرا ليصبح تابعا لغير الله بسبب الرزق .2مراعاة قيم الاستخلاف لئلا يصبح عبدا لدنياه فاعلا أو منفعلا. وتلك هي مهمة السياسة تربية وحكما .والأولى للوزع الذاتي النابع من ضميره وأخلاقه والثانية للوزع الأجنب النابع من السلطة الرادعة باسم القانون .والوزع الذاتي مصدره الضمير والتربية الخلقية والوزع الأجنب مصدره ردع العرف والقانون. ولهذه العلة اعتبرت الكلام على الإسلام ووصفه بالسياسي من لغو الكلام .فكلمة الإسلام إذا لم يكن محرفا وحدها تكفي .وكلمة سياسة إذا كانت راشدة وحدها تكفي .جوهر الإسلام هو سياسة عالم الشهادة لتعميره بقيم الاستخلاف .ولا توجد طريقة أخرى لتحقيق ذلك من دون تربية الأجيال بما يجعلهم قادرين على ذلك وتنظيم الجماعة بقيم الاستخلاف .وجوهر السياسة الإسلامية هي تحقيق شروط وجود الإنسان السلمي بفضل الوازع الذاتي غاية التربية والوازع الأجنب غاية الحكم. ولأثبات هذه الحقيقة في رؤية القرآن للمرسل إليه أي الإنسان واعتبار القضية هي قضية تربيته وحكمه أي سياسته في عالمه الشاهد بقيم عالمه الغيب فسرت سورة هود التي قال عنها الرسول إنها قد شيبته هي وأخواتها .وكنت أعجب من قول الرسول ذلك وتخصيصه بهود التي أتبعها بأخواتها الأربع: .1الواقعة .2والمرسلات .3والنبأ .4والتكوير. فتكون هذه السور الخمسة الملخص الجامع المانع لما يجعل المرسل إليه بحاجة إلى التذكير لأنها تحدد علل النسيان الذي يحوجه إليه. أبو يعرب المرزوقي 17 الأسماء والبيان
53 7 -- ولم يهنأ لي بال حتى فهمت ما يمكن أن يشيب الرسول الخاتم في علاقة بما كلف به ليكون الرسول الخاتم الذي يعالج ما لم يختم في الرسالات السابقة أي ما حال دونها وتحقيق الرسالة بصورة تجعلها كونية وعين الديني بداية (اسلام الفطرة) وغاية (الإسلام الذي يحققها فعليا في التاريخ الإنساني) .فتذكير المرسل إليه ليس مجرد خطاب قولي بل هو فعل حقيقي بتربيته وحكمه تربية وحكما يجعلانه مربي نفسه وحاكمها لما يتذكر ما جهز به وتلك هي علاقته بالمرسل كما تبين شهادته منذ كان في ظهر أبيه. وحتى أوضح ما فهمته فلنضع هود في قلب مخمس السور التي شيبت الرسول .ولنضع على يسارها الواقعة والمرسلات وعلى يمينها النبأ والتكوير .ولنقرأ سور هود بوصفها مركز هذه السلسلة من السور التي تحدد علاقة المرسل بالمرسل إليه من حيث الحاجة إلى تذكيره بما يعوقه في تحقيق مهمتيه معمرا ومستخلفا .ولنقرأ هود في ضوء ما تفيده سورتا اليسار وسورتا اليمين من حولها .فاليساريتان تصفان الآخرة والتكذيب بيوم الدين أي بالبعث والحساب .واليمينيتان تخبران بيوم الدين وعلامات نهاية الدنيا وبداية البعث. وهود التي هي قلب المعادلة وتحدد ما بين العالمين عامل الشهادة وعالم الغيب تحدد معوقات تحقيق المهمتين وعلاقة فلسفة الدين بفلسفة التاريخ :إنها تحدد سياسة عالم الشهادة عند من ينسى البعث والحياة الآخرة إذا لم يعمل بالرسالات وعند من لا ينساهما إذا عمل بالرسالات .فتكون العلاقة هي بين رؤيتين للوجود والحياة :الرؤية التي تحرر أصحابها من الخسر وهي التي تطبق ما تستطيع من مثل عالم الغيب في عالم الشهادة والرؤية التي غرق أصحابها في عالم الشهادة ونسوا عالم الغيب فكانوا من المخلدين إلى الأرض. والآن فلنقرأ سورة هود بما يعنيه قيس الشاهد على الغيب وليس العكس كما اعتاد عليه المتكلمون .فقيس الشاهد على الغيب أي عكس قيس الغائب على الشاهد عند المتكلمين هو سياسة عالم الشهادة بمعيار قيم عالم الغيب أي المطلق من الإرادة الخيرة والعلم الصادق والقدرة الخيرة والحياة الجميلة والوجود الجليل التي هي أفعال الله الخالق والآمر .وكل أبو يعرب المرزوقي 18 الأسماء والبيان
53 7 -- هذه الأفعال المطلقة مستحيل تصورها أفعالا للإنسان موجودة لكنها ليست مستحيلة نشدانا ليس مستحيلا نشدانا .وذلك هو معنى جعل الله آدم خليفة في الدنيا. سورة هود فيها ذكر سبعة رسل .ثلاثة ورد ذكرهم قبل إبراهيم .وثلاثة ورد ذكرهم بعده في ترتيب السورة .فقبله نوح وهود وصالح .وبعده لوط وشعيب وموسى .والقلب ابراهيم. فما مشكل الـثلاثة الأول؟ وما مشكل الـثلاثة الأواخر؟ ولماذا ابراهيم في القلب من هذه المعادلة العجيبة التي تحدد اللقاء بين الدين والتاريخ؟ ولماذا كان هذا اللقاء مشيبا للرسول الخاتم؟ الجواب يحدد ما في المرسل إليه من معوقات تنسيه ما فطر عليه وما تذكره به الرسالة الخاتمة. وعلة الشيب هي ما يراه الرسول من هذه المعوقات التي عليه علاجها بالتربية والحكم. والآن إذا رأيتموني استعمل التأويل في كلامي على الغيب فأوقفوني واعتبروني قد أخلفت وعدي بأني أرفض استعمال التأويل الذي جعل الكلام يقيس عالم الغيب على عالم الشهادة خلطا بين الغيب والغائب .فكل ما سأقدمه لا يمكن ألا يراه أي إنسان مهما قلت خبرته بعالم الشهادة ليفهم أني لا أتجاوز ما هو من عالم الشهادة .لن أتعرض لعالم الغيب الذي يقيس القرآن عليه عالم الشهادة بأعمال بطريقة المتكلمين. نبدأ على بركة الله. فما الحل الذي أمر القرآن نوحا بعمله؟ ألم يأمره بصنع السفينة؟ واخذ زوجين اثنين من كل شيء للإنقاذ من الطوفان؟ أليس معنى الأول الصناعة ومعنى الثاني الزراعة ومعنى الثالث التحرر من سلطان الطبيعة على الإنسان بما للإنسان من قدرة على إبداع السفينة والزراعة؟ أبو يعرب المرزوقي 19 الأسماء والبيان
53 7 -- هل يمكن أن نفهم ذلك بغير الأمر بضرورة التحرر من الطبيعة (الطوفان) بتعمير الأرض لسد حاجاته بعمله الصناعي والزراعي بعلم على علم؟ أليس هذا معنى \"استعمركم في الأرض\" أي كلفكم بتعميرها حتى لا تدينوا لغير الله في الدنيا فتكونوا أحرارا فلا تستعبدكم الطبيعة بشحها أو بجوائحها لأن الله سخرها لكم ولكن بشرط أن تستعملوا ما جهزكم به حتى تنتجوا بأنفسكم ما يسد حاجاتكم شرطا لقيامكم الحر والمتحرر من العبودية لغير الله؟ أليست العبودية للطبيعة هي التي تجعل الإنسان عاجزا عن سد حاجاته والخضوع لمن يسيطر عليه بها؟ سأقفز مباشرة إلى النب الأخير في القائمة الواردة في سورة هود :موسى .فلنقارن ما طلب منه بما طلب من نوح .نوح كلف بما يحرر من طغيان الطبيعة على الإنسان (الطوفان). بماذا كلف موسى؟ كلف بتحرير الإنسان من طغيان الحكم السياسي (فرعون). وكيف ذلك؟ بمحاولة الأقناع وعند الفشل بالهجرة (تماما كما فعل الخاتم) أي الوعي بما يتعالى عليه والوعي بوجود ربه مصدرا لكل المثل العليا التي بها يعير أفعاله في عالم الشهادة. ولننظر الآن في ما بين نوح المكلف ببيان شروط التحرر من أقصى طغيان الطبيعة على الإنسان فتسيطر على حاجاته المادية ويعبدها -وذلك هو سر الوثينات الطبيعية-وموسى المكلف ببيان شروط التحرر من أقصى طغيان الإنسان على الإنسان بالسيطرة على حاجاته المادية والروحية وذلك هو سر الوثنيات السياسية :سنجد أدوات السيطرتين على الإنسان قبل وبعد الحل الإبراهيمي وهي أربعة. فقبل ابراهيم أداتان لاستعباد البشر هما السيطرة على توزيع الثروة والسيطرة على توزيع الماء .وبعد إبراهيم أداتان كذلك هما: أبو يعرب المرزوقي 20 الأسماء والبيان
53 7 -- • السيطرة على الجنس وتحريفه • والسيطرة على شروط التبادل الاقتصادي العادل وتحريفه. ولو أخذنا توزيع الماء وتحريف الجنس لوجدنا السيطرة على شرطي الحياة الكيمياوي والعضوي (هود وصالح) .ولو أخذنا توزيع الثروة وتحريف التبادل الاقتصادي لوجدنا السيطرة على شرطي العيش المشترك (لوط وشعيب). بعبارة أوجز فإن ما نجده بين نوح وموسى هو كل المسائل التي ترد إليها سياسة عالم الشهادة بمعيار عالم الغيب أي إن ما يحدث في عالم الشهادة من سياسة البشر لأمرهم إذا ناقضت مثالها الأعلى في سياسة عالم الغيب فإنها تؤدي إلى العبوديتين لغير الله أي عبودية طغيان الطبيعة وعبودية طغيان السياسة .وهذان الطغيانان يكونان بفساد الأربعة بينهما وطبعا فساد القلب أي ما فساد ما يمثل إبراهيم إصلاحه. من لم تشيبه هذه المعوقات الكامنة في الإنسان وفي شرطي بقائه الطبيعي والسياسي إذا فهم أنهم مكلف بعلاجها وفهم عسر علاجها لا يمكن أن يكون عاقلا فضلا عن أن يكون رسولا خاتما بعث مبشرا ومنذرا ومكلفا بتحقيق الحلول التي تمكن من تجاوز فشل كل الرسالات السابقة كما في سورة هود أو بعدها بتحريفها كما يقصها القرآن في نقده للتحريف بمنهج التصديق والهيمنة القرآني وهي نفس المعوقات التي تتكرر في كل لحظات التاريخ الإنساني. فما مشكل هود؟ صلف أصحاب الثروة واستبدادهم بالأرزاق. وما مشكل صالح؟ صلف رافضي سقاية الناقة التي هي رمز المحافظة على الماء حيث ينعدم أي في الصحاري. وما مشكل لوط؟ تحريف وظيفة الجنس التي لم تحافظ إلا على اللذة دون الوظيفة التناسلية. وما مشكل شعيب؟ فقدان المكاييل والموازين أي علة التطفيف وفساد التبادل العادل. أبو يعرب المرزوقي 21 الأسماء والبيان
53 7 -- هل توجد مشاكل أخرى في سياسة العيش المشترك بين البشر عيشا سلميا بوصفهم أخوة ومتساوين اختلافهم وتنوعهم ثروة هدفها التعارف معرفة ومعروفا؟ هل القرآن يعير الإنسان بعد الحريتين من الطغيانين (نوح وموسى) بغير مواقفه من علاج هذه المشاكل التي تفسد حياة البشر المشتركة فتلغي الأخوة والسماوات وتحولهما إلى حرب معيارها العرقية والطبقية والجنسية وليس التعارف معرفة ومعروفا فلا يبقون اخوة (عكس النساء )1ويتفاضلون بغير التقوى (عكس الحجرات )13؟ وهذه الظاهرات هي صفات المرسل إليه عندما ينسى والتذكير هدفه إيقاظه من الغفلة والنسيان. وهل كان ذلك يكون كذلك لو لم ينس الإنسان أنه مائت وأن له حياة أخرى يحاسب فيها على أفعاله في هذه الدنيا على الخسر أي عدم التحرر من العبوديتين لاستبداد الطبيعة ولاستبداد السياسة بدل العبودية لله وحده وتحقيق شروط حريته بالتعمير لسد حاجاته وبالاستخلاف لسدها بغيب القيم السامية ومثله .وإذن فكلام القرآن على المرسل إليه - الإنسان -هو لتذكيره بهذه المسائل وعلاجها المتمثل في سياسة عالم الشهادة بقيسه على عالم الغيب الذي يعلم النسبة بينه وبين الشهادة وهي نسبة المثال غاية للنشدان. وهنا تبرز منزلة قلب هذه المعادلة أي حضور ابراهيم بين الثلاثة الأول والثلاثة الثواني في سلسلة هذه الرسالات .فهو رمز التوحيد بعد الإشارة في آيات الأفول رمزا لفعل التحرر من أسمى ما في الطبيعة أي النظام الفلكي وما ترتب عليه من التحرر من أهم تحريف للسياسة أي الوثنية التي كان عليها قومه .والحل الذي يشمل ما تقدم عليه في السلسلة أي عبودية الطبيعة وسوء توزيع الثروة والماء وما تأخر عنه أي عبودية السياسة وسوء التبادل والجنس هو الوحدانية التي تجعل الإنسان لا يعبد إلا الله وحده لا شريك له. فتفهم حينها لماذا يمكن أن نسمي محمدا ابراهيم الثاني أو ابراهيم الذي حقق ما عجز دونه ابراهيم حتى وإن كان قد وضع حجر الأساس روحيا بمبدأ الوحدانية وماديا أبو يعرب المرزوقي 22 الأسماء والبيان
53 7 -- بإسماعيل وتأسيس المسجد الحرام وتحرير البشر من التضحية بهم (رمز الأضاحي في العيد الكبير) .فروحيا بأن بشر بالتوحيد الخالص وماديا بأن أنزل جد الرسول في أرض جدباء ليس فيها ضرع ولا زرع حتى يعيد حفيده محمد الإنسانية فيستأنف وجودها عن عدم. وبهذا المعنى فالبشرى التي أتى بها الملائكة لإبراهيم والتي أضحكت زوجته لا تشير لا إلى اسماعيل ولا إلى اسحاق بل إلى محمد لأن مضمون هود وأخواتها مضمونها الذي شيبه يعني أن الكلام يدور حول دوره أو بنوته الروحية للوحدانية الابراهيمية :فهو ابن ابراهيم الروحي وليس البايولوجي الذي بعث حيث رمي بجده وأمه في الصحراء القاحلة التي ستكون قلب الإنسانية المتحدة بمبدأي النساء 1والحجرات 13واستراتيجية الرسالة هي ما ورد في الرسالات التي تحيط بإبراهيم في سورة هود قبله وبعده. المشيب في هود واخواتها هو هذه المهمة التي لم تعد مجرد تبليغ رسالة بل تحقيقها في التاريخ الفعلي أو على الاقل تحقيق عينة منها بقلب ما يجري أي بجعل الغيب محددا لقيم الشاهد نقلا إياه من الموجود إلى المنشود بوصف ذلك هو معنى كون الإنسان \"رئيسا بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\" .وهذا الانقلاب الذي يجعل عالم الغيب عالم مثل تحدد المنشود الذي يقتع بمقتضاه إصلاح الموجود أي عالم الشهادة وجعله متعاليا على الأمر الواقع بالأمر الواجب هو إصلاح ما في المرسل إليه يعرفه القرآن بالخسر والنسيان. وهو ما يعني أن الديني والفلسفي يشتركان في كونهما مصدر المثل التي بها ينتظم وجود الإنسان حتى يرتقي نحو منشوده فلا يخلد إلى الأرض .ولذلك فلا توجد فلسفة ولا دين ليس بينهما هذه الرؤية التي تنفي أن يكون الموجود في عالم الشهادة معيارا للمنشود في عالم الغيب بالمعاني المتعالية معرفيا وقيميا .وكل من يجعل الامر الواقع مثالا ينتهي إلى الرد أسفل سافلين بلغة القرآن أو ما يرمز إليه الانتقال من \"أحسن التقويم\" إلى \"الرد أسفل سافلين\" وقد عرف ابن خلدون ذلك بمفهوم \"فساد معاني الإنسانية\". وبهذا المعنى فيمكن أن يعتبر الإنسان المعاني الكلية التي هي مقدرات ذهنية نظرية وعملية لا توجد إلا في ذهن الإنسان وحينها يتعذر عليه تمييزها عن النفسيات أو أن يعتقد أبو يعرب المرزوقي 23 الأسماء والبيان
53 7 -- أن لها قياما ذاتيا أرقى من العالم الحسي والمادي وهي التي من دونها لا يمكن أن نعلم شيئا أو أن نقيمه مع اليقين بأنه مهما سما لن يطابقهما .وإذن فلنا ظاهرتان تشبهان هذا القيس المعاكس لقيس المتكلمين :فالمعاني الكلية الرياضية في النظر أو الخلقية في العمل لا تقاس على الأمر الواقع في الطبيعة أو في التاريخ بل لا بد من العكس. ولا أحد ممن له وعي بذاته من حيث هو إنسان يمكن أن يدعي أنه لا يميز بين ما هو أمر واقع في كل مجريات حياته وما هو أمر واجب يجعله لا يقبل بالأمر الواقع الذي يمس من حرية إرادته وصدق معرفته وخير قدرته وجمال حياته وجلال وجوده .وهذه الفروق هي ما من دون يفقد احترامه لنفسه ورؤيته لذاته .وكل فعل للتغير الأمر الواقع يقتضي تصور أمر واجب لا يمكن تحديده بقيسه على الأمر الواقع لأنه ليس له مثيل فيه إذ المنشود لا يكون في الموجود .وكل من يحاكي موجودا يكون نسخة باهتة منه. وتلك هي علة المقلدين الذين لا يخرجون من التبعية أبدا والفرق بين الانشداد إلى مثل عليا منشودة وتقليد الموجود يوصلنا إلى حقيقة المرسل إليه في الرؤية القرآنية بوصفه مشدودا إلى منشود مثالي من عالم الغيب .وتلك هي الفطرة التي تجعل الإنسان شبه برزخ بين عالمين عالم الشهادة بوصفه يراه دائما موجودا لكنه يعتبر وجوده أمرا واقعا وليس أمرا واجبا ومن ثم فهو عنده مشدود إلى أمر واجب هو المنشود .لكنه لا يعلم منه إلا أنه المتعالي والغيب والمثال. ومعنى ذلك أنه حتى لو كان من عتاة الملحدين فهو لا يستطيع أن يكون من عتاة الاستسلاميين للأمر الواقع .فيكون ما يدعي أنه ثورة على ما لا يرضيه من الموجود علته الذي هو جوهر كيانه يؤديه إلى الاستسلام إليه عندما يصبح \"فاتاليست\" فلا يعتقد أنه يوجد ما يتعالى على الموجود وينفي كل منشود يحرره من طغيانه .ولذلك فلا يوجد ملحد ليس خاضعا لليأس لأن وجوده الدنيوي لا يمكن أن يشفي غليله فيصبح ذا نزعة عدمية حتما .وغالبا ما يغرق في الملهيات والمخدرات وحتى الانتحار إما ما ديا أو روحيا. أبو يعرب المرزوقي 24 الأسماء والبيان
53 7 -- أي إن الملحد ينتهي إلى التسليم بالتخلي عما جعله يثور على الأمر الواقع -كل الحجج المستعلمة ضد الظلم والمرض والفناء في حياة الإنسان-فتكون أدلة الملحد هي قلب نظرية العدل ألإلهي باستدلال ضمني :لو كان الله موجودا لما وجدت هذه العاهات ولا يدري أن وصفه إياها بالعاهات هو عدم رضاه بالموجود وانشداده إلى المنشود .وجودها يدعو لتفضيل نفي وجود الله على وصفه بالعجز الذي سمح بها فيكون بنحو ما كفر بوجود الله على أن يقبل به منقوصا. لكن لو فهم الإنسان أن علمه ليس محيطا وأن علمه ليس تاما لأدرك أن استدلاله مبني على مقدمتين كلتاهما لا تستقيم :الأولى هي أنه يتصور علمه محيطا ومن ثم فهو يعتقد أحكامه على عالم الشهادة مطابقة لحقيقته علما وقيمة .والثانية هي أن عالم الشهادة مكتف بنفسه وأنه الوحيد ولا شيء يتعالى عليه فيصبح سيجين خطأيه .فاعتقاده في وحدة العالم يجعله سجنا لأن العالم مهما كان واسعا فهي دون أجنحة خياله .واعتقاده أن علمه محيط يزيد في ضيق السجن لكأنه جعل حياته مجانسة لحياة سجين في زنزانة تزداد ضيقا يوما بعد يوم. الدين يفتح آفاق الإنسان على اللامتناهي والمثالي والكمال والجلال والجمال .وكل ما في القرآن من كلام على الإنسان بوصفه المرسل إليه هذا مداره أي ما حاولت وصفه ورده إلى ما تضمنته سورة هود وأخواتها وما يترتب عليه من معيقات لحل معضلات مهمتي الإنسان معمرا ومستخلفا فتكون تلك العقبات أصل كل صراع بين البشر وذلك هو مصدر كل الشرور التي يحاول القرآن تحرير الإنسان منها بالسياسة التي هي في آن تربية دون سلطان وساطة بينه وبين ربه وحكم دون وصاية بينه وبين شأنه ومن ثم فالإسلام استراتيجية سياسية لتحرير البشرية وتوحيدها. أبو يعرب المرزوقي 25 الأسماء والبيان
53 7 - - لن أعجب إذا قهقه أحد الحمقى فاعتبرني أقول ما لا يعقل .كيف أزعم قيس المعلوم على المجهول؟ وينتهي إلى توهم رأيي مجرد نكاية في \"علم\" الكلام الذي يقيس الغائب المجهول على الشاهد المعلوم .كيف يمكن أن نقيس الشاهد على الغائب بل وأكثر على الغيب؟ هذا عين اللامعقول .ومع ذلك فالفكر الإنساني العلمي والإرادة الإنسانية العملية كلاهما يعمل بهذا القياس الذي يبدو غير معقول .وقبل ذلك لو كان الغائب قابلا للقيس على الشاهد لكان ذلك يعني قيسا للمجهول على المعلوم برده إليه مصادرة على المطلوب. والقياس الذي لا يبدو معقولا هو ما يعمل به العلم والدين في آن .فهما مما لا بد منه ليس في الدين فحسب ليس في النظر والعمل الدينيين فحسب بل في كل فكر علمي وفي كل عمل على علم في عالم الشهادة .فكل استراتيجيا نظرية أو عملية تعمل بتوقع سيناريوهات فرضية ليست موجودة فعليا بل هي معدومة في الواقع الفعلي وبعضها قد يوجد وبعضها قد لا يوجد اصلا بعد الاحتكام إلى التجربة .ومع ذلك فهي تقيس الشاهد عليهما وهما من الغائب وجلها من الغيب حتى في العلم. وذلك هو جوهر الخيال في كل إبداع إنساني يتجاوز الموجود الفعلي إلى الممكن الذي يكاد ألا يتناهى .فممكن الوجود العام معدوم وهو يعتبر دائما أصل الحاصل منه في كل نظر وفي كل عمل .وأهم شيء من جنسه هو المعاني الكلية المقدرة ذهنيا في النظر (مثل المعاني الرياضية) وهي اساس كل معرفة علمية للطبائع .وكذلك المعاني الكلية المقدرة ذهنيا في العمل التي وضعتها قيسا عليها (مثل المعاني الخلقية) وهي أساس كل تقييم عملي للشرائع .إن ذلك لأمر عجيب لكنه مما ليس منه بد. لا أحد يعلم حقا طبيعة الكائنات الرياضية مثلا ولا حقيقة الكائنات القيمية لأنها لو لم يكن لها قيام ذاتي واقتصرت على كونها تصورات نفسية لاستحال أن تكون سر كل القوانين العلمية في الطبيعيات وكل السنن القيمية في التاريخيات .لا يمكن للذاتي النفسي أن يصبح أبو يعرب المرزوقي 26 الأسماء والبيان
53 7 -- شرطا في الموضوعي الوجودي .لا يعقل أن تكون القوانين والسنن التي نحصلها باستعمالها مجرد أحوال نفس الإنسان فيكون هو المشرع للطبيعة وللتاريخ. كما أنه لا يوجد عاقل يمكن أن يصدق التجريبيين الذين يزعمون أن المعاني الكلية الرياضية المقدرة ذهنيا في النظر والمعاني الكلية العملية المقدرة ذهنيا في العمل مستقرأة من التجربة الطبيعية أو من التجربة التاريخية بقيس العائب على الشاهد لأنه لا يوجد أي شيء في الشاهد له خصائصهما وطبيعتها رغم أنه لا يعقل ولا يفهم من دونهما لأن كل قانون وكل سنة لا تصاغ إلا بهما وليس فيهما ما يمكن أن يجعلهما قابلين للعلاج النسقي والمنطقي من دونهما. .1وقد سبق أن استعملت مصطلح \"اللاحم الوجودي\" في كلامي على احياز الإنسان الخارجية -الجغرافيا والتاريخ وثمرة تفاعلهما المادية أو الثورة وثمرة تفاعلهما الروحي أو التراث وأصلها جميعا الذي سميته اللاحم الوجودي أو المرجعية\" .وآن أوان تعريف من حيث علاقته بالمقدرات الذهنية النظرية والعملية :فشعث التجربة الطبيعية لا يمكن أن تصدر عن معطياته قوانين الطبيعة لأنها لامتناهية الدلالة ومثلها معطيات شعث سنن التاريخ. .2واللاحم الوجودي في هذه الحالة ليس من الشعثين الطبيعي والتاريخي بل مما يضفي عليهما النظام بمستويين من التقييم أولهما معرفي والثاني قيمي .فالتقييم المعرفي يحدد سلم الدلالة أي ما ينبغي اخذه بعين الاعتبار في النظر لاكتشاف نظام الطبيعة لإخراجها من شعثها باللاحم الوجودي المعرفي وهو رياضي والثاني يحدد سلم القيمة وما ينبغي اعتباره في العمل نظام التاريخ لإخراجه من شعثه باللاحم الوجودي القيمي وهو خلقي .وكلاهما لا يمكن أن يكون ماديا ولا حسيا أبدا. فرضيتي هي أن \"كن\" الموجدة و\"كن\" الآمرة في الدين تجمعان ما يمكن اعتباره معاني كلية ليست مقدرة ذهنيا بمعنى أنها من إبداع الإنسان بل هي ما لا يمكن للإنسان ألا يعتقد في وجودها شرطا لوجود كل موجود ولنشدان كل منشود وكلاهما لا يدركان من دون أبو يعرب المرزوقي 27 الأسماء والبيان
53 7 -- المقدرات الذهنية إدراكا علميا وعمليا ومع ذلك فالإيجاد والأمر كلاهم غيب لأننها نقبلهما ولا نستطيع تحديد طبيعتها ولا حتى قيسها على نوعي التقدير الذهني النظري والعملي. وكل ما نستطيع قوله هو عين ما يقوله القرآن\" :ليس كمثلهما شيء\" أي إننا لا نستطيع تفسير لماذا يوجد شيء بدل العدم ولماذا يوجد بذلك الكيف من بين ما لا يتناهى من الكيفيات الممكنة .ومن ثم فليس يمكن أن نقيسها على الشاهد بل نقيس الشاهد الممكن للإنسان عليها وليس الشاهد التجريب الذي لا ينضبط بل الشاهد الذي يقبل الانضباط بالمقدر ذهنيا في النظر والشاهد المقدر ذهنيا في العمل شرطين لمعرفة الطبائع ولتقييم الشرائع في التعمير والاستخلاف الإنسانيين. والإيمان بالمعاني التي توجد فوق المعاني التي تشبه المعاني الكلية المقدرة ذهنيا في النظر والمعاني المقدرة ذهنيا في العمل يشبه الإيمان بالمعاني المقدرة ذهنيا في العقد والمعاني المقدرة ذهنيا في الشرع لكنها أرقى منها وهي تقبل كأمر واقع وجودا وكيف وجود ولا يمكن تجاوز كونها وقائع -فاكتا-والتي يعبر عنها إيمان لا يتزحزح كما نجد ذلك عند الرسل وهي يقين وجداني عبر عنه الرسول برده الشهير على قومه .وكل من يفكر حقا في علاقتنا بالطبيعة وبالتاريخ وبما فيها ذاتيا من طبيعي وتاريخي ينتهي إلى هذا اليقين. فمن اقسم بالله أنه حتى لو ضعوا القمر في يمينه والشمس في شماله ردا على محاولة نهيه عن تبليغ الرسالة فإنه لن يتوقف حتى لو هلك دونه ذكر الصفة الأساسية في من يختاره الله ليكون رسولا بالمعنيين مربيا وحاكما لإنجاز المهمة .فهذا الوصل بين حياته ورسالته من علامات الإيمان العميق الذي يعرف بجعله مصيرا ذاتيا معنى الحياة لا يتقوم إلا به .ولا يمكن تصور باحث عن قوانين الطبيعة أو عن سنن التاريخ ليس له يقين بأن الطبيعة لها قوانين هي التي يطلبها وبأن التاريخ له سنن هي التي يطلبها :الإيمان بذلك شرط البحث العلمي في أي ظاهرة وشرط الخروج من فوضى الطبيعة والتاريخ الغالب على سيلانهما الأبدي. أبو يعرب المرزوقي 28 الأسماء والبيان
53 7 -- وصلنا إذن إلى المسألة الثالثة مسألة الرسول بعد المرسل(الله) وبعد المرسل إليه (الإنسان) .فعلامة الرسول الخاتم أنه لا يعتمد إلا في أدلة دعوته إلى على هذين اللاحمين الوجوديين آيات ضرورتهما وآيات وجودهما .وبين أن كل ما قال القرآن في الرسول لا يخرجه من كون واحدا من المرسل إليهم .وتلك علامة الصدق لأنه إذا لم يقل إنه عبد الله مثل غيره فإنه سيدعي الوساطة بين الله وعباد الله وكانه من طينة أخرى. لكن ما عنده ليس ما يميزه إنسانيا بل ما كلف به من مهمة :هي التبليغ بالمعنيين .لكنه ليس وسيطا يغني عن العلاقة المباشرة بين المؤمن وربه (آل عمران .)79 ومعنيا التبليغ يتعلقان ببعدي السياسة أي التربية والحكم .والرسول ليس وسيطا في التربية ولا هو وصي في الحكم بل هو مذكر حصرا \"فذكر إنما أنت مذكر (نفي الوساطة في التربية) لست عليهم بمسيطر (نفي الوصاية في الحكم)\" .وبوصفه مذكرا فهو بشير بالنسبة إلى من يقبل أن يتذكر فيومن ونذير بالنسبة إلى من يرفض أن يتذكر فيلحد ويبقى ناسيا لما فطر عليه مما يذكره به الرسول ولا يعلمه بما ليس فيه :الرسول يعيد المخاطبين إلى ذواتهم ليتذكروا ما نسوه بسبب الإخلاد إلى الأرض بدل الاستخلاف فيها. وبهذا المعنى التذكير هو استرداد منزلة وجودية يغفل النسيان الإنسان عنها فيصبح في ما يسميه القرآن الخسر أي السقوط من أحسن التقويم إلى الرد أسفل سافلين .ولهذه العلة جمعت بين المعاني الكلية التي تؤسس للنظر والعقد ثم بين المعاني الكلية التي تؤسس للعمل والشرع معيارين يحرران الإنسان من شعث التجربة الطبيعية والتاريخية .فالإنسان لا يمكن أن يعلم شيئا من دون عقد في وجود حقيقة حتى وإن كان يعلم أنه لا يحيط بها. ولا يمكن أن يعمل شيئا من دون وجود قيمة حتى وإن كان يعلم أنه لا يحققها بصورة تامة. وهذا الجمع بين الأمرين في الحالتين هو ما يجعل العلم مشروطا بعقد في الحقيقة والعمل بشرع في تحقيقها. ولعل أبرز علامة على انسانية الرسول وخاصة إذا كان مثل الخاتم مكلفا ليس بتبليغ رسالة نصية وكفي بل هو مكلف أيضا بسياسة تحقيق بعديها أي التربية لتكوين الإنسان أبو يعرب المرزوقي 29 الأسماء والبيان
53 7 -- والحكم لحفظ نظام شروط تكوينه رعاية وحماية بمنطق قيس الشاهد على الغيب أي على الإيمان بما قسناه على المعاني الكلية النظرية والعملية مع معاليه عليها لأنه اعقد وشرع مؤسس لها .فمن دون الإيمان بوجود الحقيقة وبوجود القيمة لا يمكن للإنسان أن يتعالى على ما يسميه ابن خلدون فساد معاني الإنسانية الذي هو فقدان تعريفه له \"رئيس بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\". وهو عقد في \"كن\" الخالقة وشرع بـ\"كن\" الآمرة .ومعنى ذلك أنه إذا كانت المعاني الرياضية شرط علوم الطبيعة وكانت القيميات شرط علوم الإنسان فإن بعدي \"كن\" هما شرط ذلك كله في ما يجعل الطبيعي والتاريخي في الآفاق والعضوي والروحي في الانفس على ما هي عليه ليكون عالم الشهادة ذا نظام للموجود والمنشود .لكن فعل كن الخالق وفعل كن الآمر ليسا قابلين للعلم ولا يمكن البحث عن نظام للمخلوق والمأمور من دون افتراضه لأن النظام موجود ومكيف دون أن يكون فيه ما يثبت ضرورة وجوده ولا كيفه .ومع ذلك فالإنسان لا يستطيع تحديد طبيعة الوجود ولا كيفه. وذلك هو الواحد في الديني وفي الفلسفي .وهو عين نظام القرآن الذي يبلغه الرسول تبليغ مبشر ومنذر في التربية وفي الحكم دون وساطة روحية (نفي الكنسية) ودون وصاية مادية (نفي الحكم بالحق الإلهي) :ثورة الإسلام السياسية تربية وحكما بمنطق الاخوة البشرية (النساء )1والمساواة (الحجرات .)13ومعنى ذلك فإذا كان لنا أن نتكلم على إعجاز في القرآن فهو الإشارة إلى هذه الأمور التي لا غناء عنها في العلم وفي العمل سواء نظرنا إليهما فلسفيا أو دينيا. وينقسم كلام القرآن في الرسول إلى نوعين .أحدهما الترجمة لحياة الرسول لأنه كلام في سيرته من حيث هو إنسان ويتعلق بخصوصياته في حياته الروحية والعضوية وكل ما له صلة بهما باعتباره ممثلا لكمال الإنسانية رجولة وفحولة قوة وضعفا ما يميزه عن غيره في ذلك كله وهو قص لما كان الرسول يعيه من إنسانيته وتحملها بشجاعة وصدق قل مثيله حقا. أبو يعرب المرزوقي 30 الأسماء والبيان
53 7 -- حتى إن القرآن وصل إلى قص ما كان يشتهيه الرسول ويخفيه خجلا من عادات العرب ويتعلق بحبه للمرأة التي تزوجها ابنه بالتبني بعد طلاقها. وهذا القسم الأول لا يعنيني إلا لبيان وجهه السلب بمعنى تحريرنا من كل تخريف وضعه من بعده من أضفوا عليه كل أكاذيب التصوف ومحاولات التنزيه المطلق عما يعتور الإنسان من حيث إنسان من علامات الإنسانية العادية فينفون عنه ما في الإنساني مما هو \"شديد الإنسانية\" بلغة نيتشة قوة وضعفا ما يعني أن الرسول مجتهد معرفيا ومجاهد خلقيا بأقصى الإمكان الإنساني .لكن ذلك لم يكن نادر ولا يحول دونه وكل ما يجعله حقا ممثلا لأسمى ما في الإنسان من حيث هو إنسان. أما القسم الثاني من سيرته من حيث هو رسول فهو ما يعنينا في المحاولة .فالرسول ليس مكلفا بتبليغ رسالة وكأنه \"ساعي بريد\" رغم أنه ليس وسيطا بين المؤمن وربه بل هو مكلف بما يتجاوز التبليغ الأمين والصادق بالخطاب بل كان مكلفا بتحقيق عينة نموذجية من استراتيجية القرآن الساعية إلى توحيد الإنسانية استنادا إلى مبدأين: .1الاخوة البشرية (النساء )1 .2المساواة بين البشر (الحجرات .)13ولا يتحقق ذلك من دون علاج ما فشلت الرسالات الست التي حددتها سورة هود في علاجه من معضلات سياسة عالم الشهادة بمثل عالم الغيب. وإذن فالرسالة وظيفتها التذكير بأن الإنسان فطر على أن يكون فاعلا سياسيا يعالج معضلات حياة البشر في عالم الشهادة وذلك بتحقيق مهمتين هما-1 :تعمير الارض -2 وتحقيق قيم الاستخلاف فيها أو سياسة العالم بتعميره تعميرا يطبق القيم التي تثبت أهلية الإنسان للاستخلاف .وذلك وهو معنى كونه خلق للعبادة حصرا .والعبادة هي في هذه الحالة الاجتهاد المعرفي (التواصي بالحق) والجهاد القيمي (التواصي بالصبر) بإيمانه وعمله الصالح :وبصورة أدق تحقيق شروط الاستثناء من الخسر الخمسة :الوعي بعلل الخسر وعلاجها بالإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر. أبو يعرب المرزوقي 31 الأسماء والبيان
53 7 -- وما كلف به حددته سورة هود وأخواتها كما بينت ذلك في الفصل الثاني عند الكلام على المرسل إليه .وحددت نوعي تجليه كما تبينه صورة يوسف القرآنية التي هي النقيض المطلق لصورته التوراتية-1 :فهي أولا تبين أن كل مهام الإنسان تتعين في شكل رؤى أو أحلام تصبح حقائق بفضل ما عينته سورة العصر التي حددت شروط الاستثناء من الخسر الخمسة :الوعي بعلله وعلاجها بالإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر. وهذا الإنجاز يستعمل ادوات السياسة الخمسة باعتبارها أبعاد اللحام الوجودي في كل جماعة بين الجماعات: .1الحب بكل معانيه لأنه هو سر اللاحم الوجودي الأعمق .2الاقتصاد لأنه سر فاعليته علاقة بالطبيعة وعلاقة بين البشر .3التوقع العلمي لأنه سر التخطيط التعميري في هذين العلاقتين .4الحكم الراشد لأنه سر سوس ما تقدم وتوظيفه من اجل الجماعة .5لكن لا شيء من ذلك يكون صالحا بحق من دون تذكر برهان الرب لأنه الحائل دون الاخلاد إلى الارض والقيام بعكس كل ما تقدم عندما تفسد معاني الإنسانية. وبهذا المعنى فكل ما اختلقه من شوهوا سيرة الرسول في التبليغ ببعدي فعل السياسة أي التربية والحكم يكفي قراءة ما يقوله القرآن لإعادة كتابتها بوصفها جوهر السنة القولية المصحوبة بنموذج التواصل بينه وبين المرسل اليه باعتباره هو نفسه مرسل إليه (في التربية) والفعلية المصحوبة بنموذج التفاعل بنفس الاعتبار (في الحكم) سلما وحربا لأن تاريخ الإسلام ليس فيه معجزات تخرق العادات بل هو اجتهاد معرفي وجهاد خلقي لتحقيق مهمتي الإنسان اللتين هما جوهر العبادة لله وحده. وهو ما يجعلني قادرا على تحرير سيرة الرسول من كل تشويهات من يوهم بأنه يمدح الرسول وهو يذمه بما يدعيه فيه ويسهل ولا يمكن تصديقه لأنه مناف لما جاء في القرآن فيصبح الرسول معرضا للتشويه بسبب هذه الخرافات التي ألصقت به والتي يحرره منها أبو يعرب المرزوقي 32 الأسماء والبيان
53 7 -- القرآن الكريم ليثبت المحددات الأساسية لسيرته كما حدثت فعليا لتحقيق العينة من وحدة اٌلإنسانية تربية وحكما يخلوان من التمييز العرقي والطبقي والجنسي في الجماعة التي تؤمن وتعمل صالحا وتتواصي بالحق وتتواصي بالصبر وهو واحد منها في ذلك كله. وكل \"مثلجة\" لتاريخ الإسلام ولسيرة الرسول لا يمكن أن يصدقها من قرأ القرآن وتدبره .وهي إما ناتجة عن الجهل أو عن الدجل الذي هو جهل ادعياء حب الرسول ولا يدرون أن ذلك تشويه لسيرته ولدوره في تحقيق العينة من الاستراتيجية القرآنية لتحقيقها بمبدأ الاخوة البشرية (النساء )1وبمبدأ المساواة بين البشر (الحجرات :)13لا تفاضل بغير التقوى .فلا يمكن أن يكون الصحابة قد ربوا كما وصفهم ابن خلدون تربية وحكما يحافظان على ما سماه بأسهم فلم يكسر فيهم العنفوان والعزة لو صح أن فيه أخلاق التصوف الذي يعتبر المتعلم ميتا يغسله. والكثير من الشواهد القرآنية تحرر الإسلام من \"المثلجة\" وخاصة من المعجزات الكاذبة التي تغرق العادات لأن كل استدلال القرآن يعتمد على بيان النظام في الطبيعة وفي التاريخ وفي كيان الإنسان العضوي وفي كيانه الروحي .فلو كان الإسلام يعتمد المعجزات لما كان الرسول قائدا عسكريا قاد بنفسه أكثر من ستين معركة ولما كان يعمل استراتيجيا بسنن التاريخ وقوانين الطبيعة والعلم بكيان الإنسان العضوي والروحي وبحيل السياسة في السلم وفي الحرب ككل قائد يؤمن بالاستراتيجيا لا بمعجزات العمل بغير علم. ولأضرب مثالا من حمق المؤرخين العرب لسيرة الرسول في معركة الأحزاب وهو ليس الوحيد .فهم يجعلون قيادات الأمة كلهم أغبياء ونجاحم في المعركة كان بسبب نصيحة سلمان الفارسي .وهي طبعا من أكاذيب الفرس الذين استفادوا من حمق المسلمين بعد أن اخترقوهم مع بعض اليهود للتخريب من الداخل .وعلامات الكذبة بينة للحس .فلا يمكن لمن قاد ثورة من جنس ما حصل في اخراج العرب من الجاهلية أن يكون جاهلا بخدعة بسيطة من هذا النوع علما وأنها لم تكن مؤثرة في الحرب. أبو يعرب المرزوقي 33 الأسماء والبيان
53 7 -- فأولا لم يكن بوسع المسلمين في ذلك الوقت حفر خندق يحيط بالمدينة كلها رغم صغرها فيحول دون اقتحامها .وثانيا لا شيء يمنع المهاجمين من طمر ما حفر ليحدثوا ممرا للخيالة. وثالثا خيانة اليهود بحجة عورة حيهم فلم يحفروا الخندق من ناحية حيهم .وكان يمكن أن يستفيد المهاجمون من هذه الخيانة .ورابعا حتى الزوبعة الرملية فإنها لم تكن كافية لتحقيق النصر لأنها كالمعتاد لا تدوم طويلا .وأخيرا فقد غاب التعليل السليم لسر النصر. فلنعلل النصر بعلله السليمة: .1تاريخيا وفعليا لو كان الفرس أكثر خبرة بالحرب من العرب لأفادوا أنفسهم فلم يهزمهم جيش الفتح. .2روحيا وخلقيا :لم يكن الرسول قائدا مثل قيادات العرب الحاليين بل شارك بنفسه في الحرب عملا بالأنفال .60 .3وماديا حفر خندق محيط بالمدينة مستحيل واختراقه ممكن كما بينت وقد وقع خرقه بالخيانة اليهودية .4مناخيا الزوبعة الرملية لم تدم قرنا وكان يمكن للغزاة الحصار والانتظار .5والحصار كان كافيا لنجاح الحملة لأن المسلمين لم يكن له القدرة على الصبر طويلا لأنهم كانوا فقراء وليس لهم ما يعولهم لمدة طويلة .لذلك فنصر المسلمين كان شجاعة الرجال وحكمة القيادة والإيمان بالرسالة ونقائضها عند الاعداء. والغريب أن كل تاريخ الإسلام يفسر بمثل هذه الأكاذيب كما هو بين من كل الأفلام السخيفة التي تعرض تاريخ الفتوحات وكأن نجاح المسلمين فيه كان مجرد صدف دون علم بفن الحرب وبالجغرافيا وثقافات الشعوب التي فتحوا أرضها .ولأضف معلومتين في هذا الاستطراد .الأولى تخص الدولة الأموية :فتشويه الفرس وتوابعهم من العرب جعلها دولة كافرة في حين أنها طبقت قاعدة الضرورة تبيح المحظور للخروج من الحروب الأهلية التي فرضها عليها الطامعون في تطبيق نظرية الحكم الشيعية أي الحق الإلهي في الحكم. والغريب أن السنة صارت تعتقد ذلك بمقابلة فجة بين عصر ملائكة في الحكم الراشدي أبو يعرب المرزوقي 34 الأسماء والبيان
53 7 -- وعصر شياطين في الحكم الاموي وينسون التأسيس الحقيقي دولة الإسلام يعود لبني أمية وهم الذين جعلوها أكبر امبراطورية أنهت دولة الفرس ومستعمراتها وأخرجت بيزنطة من كل مستعمراتها. وزعموا أن الحضارة الإسلامية والعلمية والفلسفية منها لم تبدأ إلى مع الدولة البديل منها والتي لم تتحرر من الاختراق الفارسي إلا بفضل الأتراك الذي كانوا سنة وصادقين بداية من دور السلاجقة إلى نهاية الخلافة في الربع الأول من القرن الماضي .فالدولة العباسية فجرت وحدة دار الإسلام وحالفت كل أعدائها لان إدارتها كانت فارسية .ولو لم يقيض الله السلاجقة وأحفادهم لكانت السنة قد انتهت ولعادت دولة فارس وبيزنطة فاستردتا كل ما كان تابعا لهما في العالم .وهو ما تحاولانه الآن بالحلف بين فارس وروسيا وإسرائيل وأمريكا. فقد شاءت الاقدار أن ما حصل حينها يكاد يتكرر الآن لأن الأعراب صاروا عبيدا لإيران وروسيا ولإسرائيل وأمريكا ولنا في الافق ما يشبه تكرار التاريخ وهو أن أحفاد العرب والمسلمين لا أحفاد الاعراب والمرتدين استأنفوا دورهم .فنحن مع اخوتنا من سن الترك والكرد والأمازيغ والافارقة ومن الهنود والملويين من سينقذ حضارة الإسلام بهزيمة ثانية لهذا الحلف بين الصفوية والصهيونية ومن ورائهما من الروس والامريكان لنستأنف دور الإسلام في نظام العالم الجديد. ومرد ما وصفته من تشويه تاريخ الإسلام كله إلى تحريف سيرة الرسول الذي جعلوا سنته تقدمه وكأنه \"زعيم الدراويش\" حتى صار المسلمون في عصر الانحطاط ينتظرون المعجزات بدلا من العمل بالأنفال .60أسسوا لخرافات الأيمة والاولياء بتشويه حياة الرسول في حين أنه كما يثبت القرآن ذلك كان يطبق استراتيجيته بما جهز به الإنسان أي بالاجتهاد المعرفي والجهاد الخلقي لتحقيق مهمتي الإنسان المكلف تعميرا واستخلافا للرعاية والحماية اللتين هما شرط الحرية والكرامة. أبو يعرب المرزوقي 35 الأسماء والبيان
53 7 -- ولولا أضفاء الطابع \"الدروشي\" على التاريخ الإسلامي لاستحال أن يحكم مصر بلحة والجيش الذي اخترقته أمريكا وإسرائيل وأن يحكم بقية العرب من لا يختلف عنه سواء بحماية فرنسية أو روسية أو أمريكية لأن الشعوب صارت كلها تعيش بغير روح القيادة المحمدية :الانحطاط هو تشويه سيرته وتزييفها .وكلما شوهت أمة من الأمم سيرة قياداتها وأبطالها آل أمرها إلى أن ما نرى عليه حال العرب الذي صارت قياداتهم كلها من الاقزام التي لا طموح لها ولا مجد عدى أكاذيب أعلامهم وطباليهم. ولولا الشباب لزالت الروح المحمدية .فما هي هذه الروح؟ ذكرت قسمه بأنه حتى لو أعطوه القمر والشمس لن يتوقف عن الدعوة حتى لو استشهد دونها .فنجح في وضع حجر الأساس في انجاز العينة وتمت بفصل الرجال والنساء الذين رباهم بهذه الروح .وما يعنيني هو أن الصورة التي أرادوا إلباسها له أسهمت في تحريف الرسالة وانحطاط الأمة .فصارت قيادات العرب خاصة من أسفل ما عرفت البشرية من القيادات :مخلدون إلى الأرض بحيث مكن أن يكون الحاكم العربي عميلا بأجر عند المخابرات الأميركية ولا يخجل وصارت جيوشهم مرتزقة عند كل أعداء الامة. ودافعي العملي الذي يكمل دافعي العلمي في هذه المحاولات هو البحث في شروط الاستئناف .وهي تنقسم إلى نوعين: .1الأول هو فهم الرسالة بوصفها استراتيجية سياسية للدنيا بقيم الآخرة. .2الثاني هو فهم سيرة الرسول بوصفها انتاج عينة تبين كيفية تحقيق استراتيجية كونية توحد الإنسانية بالاجتهاد العلمي وبالجهاد الخلقي. ولا يمكن تصور مثل هذه الاستراتيجية في أمة ربيت على الذل وفسدت فيها معاني الإنسانية كما حددها ابن خلدون في الفصل الأربعين من الباب السادس بسبب عنف التربية وحنف الحكم اللذين يفقدان الإنسان البأس والأنفة فيقبل العبودية لغير الله. والاجتهاد العلمي وتطبيقاته هو شرط التعمير .والجهاد الخلقي وتطبيقاته هو شرط الاستخلاف .والعمل بهما معا هو سياسة عالم الشهادة بمثل عالم الآخرة التي هي مثل أبو يعرب المرزوقي 36 الأسماء والبيان
53 7 -- الخلق والأمر أي إن الغاية من جنس البداية في الوجود والمنشود وفي كيان الإنسان العضوي والروحي لتحقيق هذا الوصل الدائم بينهما .فمن لم تكن له أخلاق القرآن ونموذج العمل بها ممثلا في سيرة الرسول لا يمكن أن يكون مسلما معتزا بهذا النسب فيصبح تابعا ذليلا كما هي حال من يدعون التحديث بالتقليد وليس بالإبداع من نخب العرب الحقيرة الذين يشترهم العدو بسكرة وليلة في فندق مع غانية. لما اخبر الله الملائكة {إني جاعل في الارض خليفة} كان ذلك تعريفا للإنسان بهذا الاشرئباب الدائم للتعالي على ما وصفته به الملائكة إلى ما كلفه به الله بالاجتهاد المعرفي والعقدي شرطا في تحقيق شروط بقائه العضوي خاصة وبالجهاد القيمي والشرعي شرطا في تحقيق شروط بقائه الروحي .فمن دون الجمع بينهما يمكن توحيد الإنسانية ماديا بالعبودية والقهر .لكنها ستكون توحيد التدمير والنفي بفرض التمايز العرقي والطبقي والجنسي تحت بوهم الحريات الغريزة وليس للتعمير بقيم الاستخلاف. وتلك هي العلة التي تجعلني اعتقد بأن الإسلام الجامع بينهما هو مستقبل الإنسانية بعد أن آل أمرها إلى التهديم النسقي لكل ما يجعل الإنسان أهلا للاستخلاف .الإسلام هو السبيل الوحيدة لتحرير الإنسانية من عولمة مادية لا تعمر بل تدمر وتعويضها بعلومة يكون المادي فيها أداة وليس غاية ويكون الهدف هو تحقيق التعمير بقيم الاستخلاف .وهو ما اعنيه بقيس الشاهد على الغيب عكس قيس الكلام الغائب على الشاهد .فكل المثل حتى بالمعنى العادي هي من الغيب الذي يقاس به الشاهد لأن تصورها بكمال ما يماثله من الشاهد لا يحدد طبيعته بل يحدد صفته بالممتنع على الشاهد. فلا توجد في الشاهد إرادة وعلم وقدرة وحياة ووجود مطلقة وكاملة بل كلها فانية .وعلم الكلام الذي يقيس الغائب على الشاهد ويخلط بين الغيب والغائب لا يدرك ذلك وهو يكتفي بالسلب فيعتبره علما وهو ما جعل اليمين الماركسي يتصور الله صورة اسطورية تعوض نقائص الإنسان يساره يعتبر الدين افيون .والعلة هي تخريف التأويل الكلامي أبو يعرب المرزوقي 37 الأسماء والبيان
53 7 -- الذي عكس آل عمران 7وعكس فصلت 53وتلكما هما علتا وهن الامة وتجاهلها الانفال 60حتى صارت الأمة ذليلة ليس فيها روح العزة والكرامة. قسم محمد لما عرضت عليه قريش الحكم التابع كحال حكم العرب الآن هو البداية للخروج من سيطرة القيادات التي تستمرئ العبودية لأعداء الامة والرسالة .ومع ذلك فهم مع شعوبهم بطغيانهم مقام الألوهية بالعنف أو بالحلق الإلهي .لكني الآن بت واثقا من أن روح محمد عادت في شباب الثورة .وهي لم تعد لشباب العرب وحدهم بل لكل شباب شعوب الأمة لأن الإسلام لا يتحدد بشعب دون شعب بل هو كما أسلفت يتأسس على مبدأين في رؤيته للإنسانية: .1الأخوة البشرية (النساء )1 .2والمساواة بين البشر دون تمييز عرقي أو طبقي أو جنسي (الحجرات :)1معنى التعارف بين المختلفين عرقيا وطبقيا وجنسيا معرفة ومعروفا. أبو يعرب المرزوقي 38 الأسماء والبيان
53 7 - - وصلنا الآن إلى المسألة الرابعة-منهج التبليغ-وفيه تتبين صفات الرسول السياسي تربية وحكما أعني وظيفتيه من حيث هو مبلغ تبليغ بشير ونذير في التذكير بالقول والفعل .فهو مكلف ببعدي التبليغ في رسالة هي استراتيجية سياسية لتوحيد البشرية وتكوين عينة من هذه الإنسانية على أساس قيمتي الأخوة البشرية (النساء )1والمساواة بين البشر (الحجرات )13دون تمييز عرقي ولا طبقي ولا جنسي بدعوتهم للتعارف معرفة ومعروفا. وأهم هذه الصفات خمس يعسر أن تجد لها مثيلا في أي رسالة سابقة من التي قصها القرآن لنقد ما حصل لها من تحريف وللاعتبار بالتجربة التاريخية الإنسانية في فهم العلاقة بين فلسفة الدين وفلسفة التاريخ: .1التجرد بخصوص واجب النتيجة :فالله يقول له عليك بالدعوة ولا يهمك الاستجابة أو عدمها فذلك أمر يتولاه الله بنفسه. .2وهذا يحرر الرسول من الغضب ويمده بصبر لا نهاية له .3القدرة على الاستماع اللامحدود للخصوم بلا كلل ولا ملل .ولما بدا منه ما قد يفيد شيئا من الحرص على الغاية نزلت عليه \"عبس\". والأهم من هذه الثلاثة صفات تحديد دوره وفيهما يتعين جوهر الثورة الإسلامية الكونية والتي تعتبر مستقبل الإنسانية لأنها شرط تحريره مما يعلو عليه بينه وبين علاقته المباشرة بربه: .4أنه ليس وسيط بين المومن وربه الذي هو أقرب إليه من حبل الوريد وبينه وبين حياته الآخرة .5وأنه ليس وصيا على المؤمنين في حياتهم الدنيا :الغاشية .22-21فحصر مهمته في التذكير نفي الوساطة في التربية والوصاية في الحكم تعريف لسياسة الإسلام. وبذلك يتحدد مضمون منهج التبليغ الذي هو عين السنة :فهو ليس السنة القولية فحسب بل هو السنة الفعلية بمعنى أنها تشمل أحاديث الرسول وأفعاله في وظيفتي التربية والحكم أبو يعرب المرزوقي 39 الأسماء والبيان
53 7 -- لأن القصد هو فهم كيفية ترجمة الرسول استراتيجية القرآن العامة خلال تطبيقها لتكوين عينة من المشروع الكلي أي توحيد الإنسانية بقيمتي النساء 1والحجرات .13والترجمة كانت أولا مؤسسية في المرحلة التي غلبت عليها وظيفة التربية (المكية) ثم في المرحلة التي غلبت عليها وظيفة الحكم (المدنية) .وفي الأولى انشئت نواه دستور التربية وفي الثانية نواة دستور الحكم. وهذه العناصر التبليغية المحددة للمنهج تتعلق بمستويي مهمة الإنسان في عالم الشهادة: -1مستوى التعمير-2ومستوى الاستخلاف .والاول هو بعدا التكوين والتموين أي تكوين الإنسان ليكون معمرا ومستخلفا وتموين الإنسان لتحقيق شروط البقاء الحر والكريم .ولا يتحقق ذلك إلى إذا كان بقيم الاستخلاف الذي يغنيه عن التبعية لغيره فيكون دور كل فرد جامعا بين كونه خادما للجميع ومخدوما من الجميع .وذلك هو معنى مقارنة الجماعة بالجسد الواحد :كل عضو فيه خادم للكل ومخدوم من الكل. وهو ما يعني أن المقابلة فرض عين وفرض كفاية لا تنطبق إلا في العبادات .أما في المعاملات فكلها في آن فرض عين وفرض كفاية أي إن كل فرد مسهم في انتاج شروط حياة الجماعة مستفيد من دور بقية الأفراد في الجماعة .فيصبح الوجود الجمعي جامعا بين نوعي الفروض في آن .فكل فرد ينوب البقية في سهمه من انتاج شروط رعاية الجماعة وحمايتها: وهو معنى كونها كالجسد الواحد في حديث الرسول. وهذه الرؤية لم يكن أحد يصدق أنها يمكن أن تؤسس لنظام يبدو وكأنه قد عرف بالسلب لأساس كل سلطة بنفي الوساطة الروحية بين الإنسان وربه وحياته الأخرى (الكنسية) والوصاية السياسة بين الإنسان وشأنه في حياته الدنيا (الحكم بالحق الإلهي) وجعل السياسة الروحية والسياسة المادية فرض عين وكفاية في آن أي إن كل فرد راع ورعية: وذلك هو معنى الحديث كلمكم راع ورعية .والراعي والرعية من الرعاية وهي مفهوم إيجابي بخلاف ما صارت تعنيه لما صار الحاكم طاغية وليس نائبا للجماعة الحرة وفي خدمتها. أبو يعرب المرزوقي 40 الأسماء والبيان
53 7 -- ويترتب على ذلك ما بلغ الأمر بهيجل إلى اعتبار هذه الرؤية يتوبية وحائلة دون تأسيس دولة قابلة للاستقرار والبقاء لأنها تجعل الجميع متساويين ولا يتفاضلون إلا بالتقوى ليس عند الله يوم الحساب فحسب بل عنده في الدنيا والآخرة ومن ثم فهي عنده لا يمكن ألا تكون ضد كل تنظيم في الحياة الجمعية لأن هذه تقتضي التراتب فيهما .وطبعا كلام هيجل يعتبر حقيقيا لأنه يجعل الامر الواقع هو الحكم ولا يؤمن بما يتعالى عليه إذا لم يتحقق فعليا وهو ما يعني أن كل منشود إذا لم يصبح موجودا فهو خيال. وطبعا فهذا الحكم يبدو وجيها لأن معنى التراتب في الوظائف ظنه هيجل تراتبا بين القيمين عليها فخلط بين الوظيفة واستغلالها من القيم عليها بما يمكن تسميته تسلطا باسمها على موظفيه فيها نيابة عنهم .فلا فرق بين صانع الخبز للجماعة وحافظ الأمن فيها .كلاهما موظف .تسلط أي منهما استغلال سلطوي .ولما كان استقلال السطلة أمرا ثابتا فإن فهم هيجل يبدو معقولا .لكن لو كان استغلال السطلة غير الشرطي شرعيا لأنه هو الغالب لاستحال أن نميز بين الموجود والمنشود وخاصة السعي للتغير نحو الافضل. لذلك فنفي الكنسية -وساطة روحية -ونفي الحكم بالحق الإلهي-وصاية سياسية -في الإسلام ليس نفيا للتراتب الضروري في التربية بين راعي التكوين والمتعلم وفي الحكم بين راعي القانون والمواطن بين هو نفي لتحول الراعيين إلى سلطتين يستغلان وظيفتيهما ليصبحا وكأنهما هما الأصل والتحكم فيها .فهذا خلط بين الشخص الطبيعي والشخص الاعتباري .فعندما يتحول الشرطي إلى سلطة بذاته وليس ممثلا للسلطة التي هي القانون فإن الفرق بين الشخصين الطبيعي والاعتباري دليل انحطاط الواقع وليس دليل الواقع. فليس القاضي هو السلطة بل القانون الذي يحكم بمقتضاه .فإذا صار القاضي بشخصه الطبيعي هو السلطة أصبح القانون وكأنه إرادته الشخصية وليس إرادة القانون والمشرع. والمشرع ليس فردا بل هو إما الله أو اجماع الجماعة إما نصا أو عرفا .ولذلك فهيجل كان مع وجود الكنسية ووجود الحق الإلهي في الحكم وهي سلطة الأمير عنده .وقد سبق إلى ذلك ابن سينا في كلامه على الحاجة إلى سلطة روحية التربية وحق الاهي في الحكم ودحض أبو يعرب المرزوقي 41 الأسماء والبيان
53 7 -- ابن خلدون حجته بوجود مجتمعات تكتفي بالحق الطبيعي أي قوة العصبية ونظام العقل بدل الدين المنزل. صحيح أن هيجل أضفى بعض التعديل على الحق الإلهي في الحكم (في كتابه حول فلسفة الحق وهو مخلص لكل كتاباته في الفلسفة السياسية) فلم تبق الإمارة حكما مطلقا بل صارت دستورية لكنها بقيت وراثية .وهو حق إلهي ملطف لأن الوراثة في هذه الحالة ليس لها شرعية البيعة كما في الإسلام حتى وإن أصبحت شكلية لأنها لا تطبق بشرط شرعيتها أي بأن تكون حرة من المبايع .والاصلاح أبقى على الكنسية ملطفة كذلك. والمبدأ الأساسي في الاستراتيجية السياسية المحمدية -جوهر نظرية التربية ونظرية الحكم في القرآن باعتبارهما فرض عين وفرض كفاية في آن -أي إن كل إنسان مطالب بالمشاركة فيهما مع امكانية تنويب غيرة وإنابة غيره فيهما مع المساهمة عند إنابة غيره بالمراقبة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر .وهذا المبدأ الأساسي طبقه الرسول في المرحلة التي غلبت عليها التربية (المكية) وفي المرحلة التي غلب عليها الحكم (المدنية) .وطبعا في الأولى كان الحكم ضمنيا وفي الثاني اجتمع الأمران في سياسة المدينة. وكان المسجد في آن مركز التربية ومركز الحكم ومركز التدبير بالتواصي بالحق اجتهادا معرفيا والتواصي بالصبر جهادا خلقيا للشورى بمعناها القرآني أي إن الأمر أمر الجماعة وهي التي تديره بالشورى .وهو مختلف تماما عما جعله الفقهاء مشورة اختيارية من جنس نصح الحكام الذي يحق لهم مخالفتها .وكان المركز في المنهج التبليغي هو \"قراء القرآن على الناس على مكث (الاسراء )106بوصف الرسول بشيرا ونذيرا .وقد اعتبر العلامة المميزة لهذا التبليغ هو المحافظة على \"البأس\" دليلا على غياب العنف في التربية وفي الحكم العنف الذي يعتبره علة \"فساد معاني الإنسانية\" أي علة فقدان حقيقة الإنسان من حيث هو \"رئيس بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\". وقد يظن الكثير أن الرسول كان يستثني السلطة التشريعية من الشورى لأنها منزلة من السماء باعتبارها ما أوحى الله له به وعلى الناس السمع والطاعة لكن التبليغ صار نفيا أبو يعرب المرزوقي 42 الأسماء والبيان
53 7 -- للمبدأ العام أي الشورى التي هي تعين معنى التكليف والمسؤولية الشخصية .وهذا الفهم نتج عن الخلط بين القصص ( 68وتتعلق بالخلق) والأحزاب ( 36وتتعلق بالأمر) .ومن يخلط بينهما يستحيل أن يفهم القصد من نفي الخيرة على المؤمن والمؤمنة .توهما بأن ما قيل في الخلق ينطبق على قيل في الأمر. ففي الخلق لا وجود لاختيار أصلا لأن الخالق يخلق ما يريد وليس لأي مخلوق اختار خلقته لأن ذلك لو توهمانه ممكنا لكان معناه أنه موجود قبل خلقه ويختار خلقه أو عدم خلقه. لكن في الأمر الاختيار موجود حتما لأنه يتعلق به ليس منذ خلقه بل منذ رشده وخاصة منذ تبين الرشد من الغي في المسائل الدينية .والمشكل في ماذا؟ طبعا لا اختيار في المبادئ التي تحدد القيم العليا للأمر .وهذا صحيح حتى في القانون الوضعي .فحتى العلماني لا يعتبر القوانين نزواتية بل هو يؤسسه على ما يسميه حقوق الإنسان الطبيعية. أين الخيار إذن في القانون الوضعي وقياسا عليه في القانون الشرعي تيسيرا لفهم المسألة؟ في ما لا يتعلق بقيم القانون من حيث هو قانون وضعيا كان أو شرعيا أي في القيم الخلقية التي يعتبر القانون أداة تحقيقها بشرعية معلومة للجميع هي شبه عقد متعارف عليه بين الجماعة ويحاسبون بمقتضاه على العمل به أو على عدمه .ومن شروط مسؤولية العمل به أو عدمه تقدم القانون على الفعل الذي يقيم من حيث مسؤولية الفاعل .فلا يحاسب الإنسان على أمر لم يضبطه قانون سابق :وهو ما يسميه الغزالي النفي الأصلي أو البراءة الأصلية. الخيرة التي ينفيها القرآن على المؤمن والمؤمنة في الأحزاب 36تتعلق بالمبادئ وليس باختيار العمل بها أو عدم العمل بها .والمبادئ التي تؤسس القانون تعلق بأسس التشريع الخلقية .لكن لو كان الإنسان ليس مخيرا في العمل بها وعدم العمل بها بل وحتى في الإيمان بها وعدم الإيمان بها لما كان للكلام معنى فيها عنصرا من التربية والحكم .فالكلام دليل أبو يعرب المرزوقي 43 الأسماء والبيان
53 7 -- أنه ينهى عن عدم الإيمان وعدم العمل بها والرسول بذلك نذير ويدعو للعمل بها وهو بذلك بشير. وإذن ففي الأمر (الأحزاب )36بخلاف ما في الخلق (القصص )68كلام القرآن يعني أن الإنسان حر في الإيمان بمبادئ التشريع الخلقية وفي العمل بها أو في عدم الإيمان وعدم العمل بها والتربية تتمثل في اعلامه بذلك .لكنه ليس له خيار في كون التشريع السوي لا بد له من تلك المبادئ .وحتى ينطبق حتى في قانون الطرقات :فمبدأ تجنب السرعة التي تتسبب في الحوادث ليس قابلا لأن يكون موضوع اختيار .لكن العمل به أو عدم العمل به فيه اختيار وبه تتحدد مسؤولية المكلف. ولو فهمنا الآية 36من الأحزاب بمعنى أن الإنسان مفروض عليه السمع والطاعة وكأن الأمر صار علاقة علة بعلول كما في الظاهرات الطبيعية كما تخيل الفقهاء بعد العلم بالحكم فإننا ينبغي أن نعتبر الآيتين 21و 22من الغاشية منسوختين لأن الرسول حينها ينبغي أن يكون مسيطرا وليس مذكرا حصرا .في الآية 36من الاحزاب المعنى هو أن الرسول يذكر بأمرين وقع الخلط بينهما. • ففي آية الخلق لا وجود للخيار أصلا :لا مخلوق يختار خلقته .وحتى لو أراد أن يبدلها بعد حصولها فهو عندئذ ينتقل من الخلق إلى الأمر أي إلى التشريع المتلق بالحرية وليس بالضرورة. • وهو في الأمر مضاعف :منه ما يجانس الخلق ويتعلق بالمبادئ الخلقية التي تؤسس الشرع ومنه ما هو مطلق الحرية وبه تقدر مسؤولية الشخص وعليها يحاسب باعتباره مكلفا. فما ما يتعلق بالشرع نفسه هو مجال الحرية التي فيها الخيار .والحرية مشروطة طبعا لأنها تجري إن إيجابا أو سلبا في إطار قوانين الفعل عامة والتي لا يمكن الخروج عنها حتى عند توهم الخروج عنها .ومن ثم فكلام الرسول في الآية 36من الأحزاب لا يتعلق بالثاني بل بالأول لأن الثاني لو سلمنا به لنفينا دلالة فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر. أبو يعرب المرزوقي 44 الأسماء والبيان
53 7 -- فالله أعطى للبشر حرية الإيمان والكفران وحرية العمل بالشرع وعدمه وحملهم مسؤولية ذلك. وهذا يطرح إشكالية القضاء والقدر والجبر والاختيار في أفعال العباد وسأخصص لها دراسة مستقلة وخاصة للرؤية الفلسفية الغربية الحديثة التي تتقول على الإسلام ما يفيد الجهل المطبق به .وسأركز في الدراسة على لايبنتس وهيجل خاصة وكلامهما على ما يسمونه الفاتاليسم الإسلامي بالمقارنة مع المسيحية التي يبرؤونها منه .وهذه الدراسة شديدة الدقة والاختصاص وستكون بشكل مختلف عن التغريد الهادف للتقريب الجمهوري. وطبعا أفهم ألا يفهم الفقهاء هذا الكلام وعلاقته بهذه الإشكالية الفلسفية العويصة. ذلك أنهم يكتفون بالسياق الموضعي من القرآن-مثل التخدير الموضعي في الجراحة -ولا يرون أن القرآن ضد التخدير موضعيا كان أو شاملا بل هو يريد الإيقاظ والوصل بين كل آيات القرآن بل إن كل آية من آيات القرآن تتضمن كل القرآن ولا تفهم إلا بالقرآن من حيث هو وحدة لا يدركها من غفل عن نظامها .ولولا ذلك لاستحال أن يكون القرآن منجما: فلا يمكن أن يفهم الرسول ما نزل أولا إذا لم يكون فيه علامات ما سينزل لاحقا وإلا لكان التبليغ مرتجلا. وحاشا أن يكون الرسول يبلغ الرسال ارتجالا لكأنه غافل عن النظام الذي هو البنية العميقة للقرآن والاستراتيجية السياسية التي تقود التربية والحكم المستهدفين من التذكير .فهو يعلم أنه عليه أن يقرأ القرآن على الناس على مكث (الإسراء )106و\"يقرأ\" هنا لها دلالة ما طلب منه جبريل ورد الرسول عليه \"ما أنا بقارئ\" .فهو لا يعني أنه لا يحسن القراءة بمعنى ترديد محفوظات أو قراءة نص مكتوب بل هو يعني\" :لست مكلفا بتبليغ رسالة\" فأقرأها على الناس على مكث كما جاء في هذه الآية لاحقا. فكان توضيح الخبر من الملاك جوابه نزول سورة القلم \"اقرا باسم ربك ...الآية \"..اي كل القرآن ملخصا في \"العلق\" تحديدا لما على الرسول القيام به وما سيعترضه من عقبات في سياسة الامر وهي من جنسين منها ما يعالم بالتربية ومنها ما يعالج بالحكم لكنها جميعا تعود أبو يعرب المرزوقي 45 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152
- 153
- 154
- 155
- 156
- 157
- 158
- 159
- 160
- 161
- 162
- 163
- 164
- 165
- 166
- 167
- 168
- 169
- 170
- 171
- 172
- 173
- 174
- 175
- 176
- 177
- 178
- 179
- 180
- 181
- 182
- 183
- 184
- 185
- 186
- 187
- 188
- 189
- 190
- 191
- 192
- 193
- 194
- 195
- 196
- 197
- 198
- 199
- 200
- 201
- 202
- 203
- 204
- 205
- 206
- 207
- 208
- 209
- 210
- 211
- 212
- 213
- 214
- 215
- 216
- 217
- 218
- 219
- 220
- 221
- 222
- 223
- 224
- 225
- 226
- 227
- 228
- 229
- 230
- 231
- 232
- 233
- 234
- 235
- 236
- 237
- 238
- 239
- 240
- 241
- 242
- 243
- 244
- 245
- 246
- 247
- 248
- 249
- 250
- 251
- 252
- 253
- 254
- 255
- 256
- 257
- 258
- 259
- 260
- 261
- 262
- 263
- 264
- 265
- 266
- 267
- 268
- 269
- 270
- 271
- 272
- 273
- 274
- 275
- 276
- 277
- 278
- 279
- 280
- 281
- 282
- 283
- 284
- 285
- 286
- 287
- 288
- 289
- 290
- 291
- 292
- 293
- 294
- 295
- 296
- 297
- 298
- 299
- 300
- 301
- 302
- 303
- 304