ﻣﻧذ اﻟﻘدم – 9000ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ ﻨﺤن ،إذن ،أﻤﺎم ﺼﯿﺎﻏﺔ ﻟﻌﻘﯿدة ﺘﻛﺎﻤل ووﺤدة اﻟوﺠود ﺒﺸﻘﯿﻪ اﻟدﻨﯿوي واﻟﻘدﺴﻲ .وﺒﺄن اﻹﻨﺴﺎن، ﻛﺠزء ﻤن ﻫذا اﻟوﺠود ،ﻟﻪ ﺸﻘﺎن أﯿﻀﺎ ،ﺠﺴد وروح ﺘرﺤل إﻟﻰ اﻟﻤﺠﺎل اﻟﻘدﺴﻲ ﻹﻛﻤﺎل دورة اﻟﺤﯿﺎة. وﻛون اﻹﻨﺴﺎن ﻟم ﯿﺘرك ﻟﻨﺎ ﺸﯿﺌﺎ ﻤﻛﺘوﺒﺎ ﻋن ﻋﻘﯿدﺘﻪ ،ﻓﺴﯿﺒﻘﻲ ﺤدﯿﺜﻨﺎ ﻋﻨﻬﺎ ﻤﺠرد ﻨظرﯿﺎت ﺘﺤﻛﻤﻬﺎ \"ﻋﻠﻤﯿﺘﻨﺎ\" اﻟﺨﺎﺼﺔ. اﻟﻌﺼر اﻟﺤﺠري اﻟﻘدﯿم اﻷﻋﻠﻰ 9000 - 40000 :ق.م اﻟزﺤف اﻟﺠﻠﯿدي اﻟ ارﺒﻊ إن ﺘﺤدﯿد ﺒداﯿﺔ اﻟﺤﺠري اﻟﻘدﯿم اﻷﻋﻠﻰ ﺒﺤواﻟﻲ 40000ق.م ،ﯿﻌﺘﻤد ﻋﻠﻰ ﺘﺤدﯿد ﺘﻘرﯿﺒﻲ ﻟﺤدوث ﺘﻐﯿر ﺤﺎﺴم ﻓﻲ ﻤﻨﺎخ وﺘﻀﺎرﯿس اﻟﻛرة اﻷرﻀﯿﺔ ﺘﺤت ﺘﺄﺜﯿر ﻤﺎ ﯿﻌرف ﺒﺎﻟزﺤف اﻟﺠﻠﯿدي اﻟ ارﺒﻊ/اﻷﺨﯿر .وﻫو ﻋﺒﺎرة ﻋن اﺘﺴﺎع ﻓﻲ ﻤﺴﺎﺤﺔ ﻤﻨﺎطق اﻟﺠﻠﯿد اﻟداﺌم ،اﻟﻘطﺒﯿن اﻟﺸﻤﺎﻟﻲ واﻟﺠﻨوﺒﻲ ،ﻷﺴﺒﺎب ﻏﯿر ﻤﺘﻔق ﻋﻠﯿﻬﺎ إﻟﻰ اﻵن .ﻓﺄﺤدث اﻟﻨظرﯿﺎت ﺘﻌزو ﻤﺜل ﻫذا اﻻﺘﺴﺎع إﻟﻰ ﻨﺸﺎط ﺸﻤﺴﻲ ازﺌد ﻤﺴﺒﺒﺎ ،ﻤﺎ ﯿﻤﻛن ﺘﺴﻤﯿﺘﻪ ﺒﻌﺎﺼﻔﺔ ﻤن اﻟﻐﺒﺎر اﻟﻔﻀﺎﺌﻲ اﻟﺘﻲ ﻏﻠﻔت اﻟﺸﻤس وﺤدت ﻤن ﻤﻘدار وﺼول أﺸﻌﺘﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻛواﻛب اﻟﻤﺤﯿطﺔ ﺒﻬﺎ 41.وﻗد أدى ذﻟك إﻟﻰ اﻨﺨﻔﺎض درﺠﺔ ﺤ اررة اﻷرض ،وﻤن ﺜم ،اﺘﺴﺎع ﻤﺴﺎﺤﺔ اﻟﻘطﺒﯿن وﻤﻨﺎطق اﻟﺠﻠﯿد اﻟداﺌم ﺒﺸﻛل ﻛﺒﯿر .وﻫذا اﻻﺘﺴﺎع ﯿﻌﻨﻲ أن ﻛﻤﯿﺎت ﻫﺎﺌﻠﺔ ﻤن ﻤﯿﺎﻩ اﻟﺒﺤﺎر ﺤﺼرت ﻛﺠﻠﯿد ،ﻤﻤﺎ ﺴﺒب اﻨﺨﻔﺎﻀﺎ ﻤﻠﺤوظﺎ ﻓﻲ ﻤﺴﺘوى ﺴطﺢ اﻟﺒﺤﺎر واﻟﻤﺤﯿطﺎت ﻋﻤﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﯿﻪ اﻵن ،ﻤﺎ ﺒﯿن 100 – 50ﻤﺘر ﺤول اﻷرض ،ﻤزﯿدا ﺒذﻟك ﻤن ﻤﺴﺎﺤﺔ اﻟﯿﺎﺒﺴﺔ 42.ﻓﺠﻨوب آﺴﯿﺎ ،ﻤﺜﻼ ،ﻛﺎن ﻤﺘﺼﻼ ﺒﺠزر ﺠﺎوﻩ وﺴوﻤطرة وﺒورﻨﯿو وﻤﻌظم ﺠزر إﻨدوﻨﯿﺴﯿﺎ .وﻛﺎﻨت اﺴﺘ ارﻟﯿﺎ وﺘﺴﻤﺎﻨﯿﺎ وﻏﯿﻨﯿﺎ اﻟﺠدﯿدة وﻤﻌظم ﺠزر ﻤﯿﻼﻨﯿزﯿﺎ ﻤرﺘﺒطﺔ ﺒﺒﻌﻀﻬﺎ اﻟﺒﻌض ،وﺘﺎﯿوان واﻟﯿﺎﺒﺎن ﻤرﺘﺒطﺔ ﺒﺎﻟﺒر اﻟﺼﯿﻨﻲ ﺤﯿث ﻻ ﯿﺘﺠﺎوز ﻋﻤق ﺒﺤر اﻟﺼﯿن 15 41وﯾرﺑط اﻟﻌﻠﻣﺎء ﻣﺛل ھذه اﻟﺗﺣوﻻت اﻟﻣﻧﺎﺧﯾﺔ ﺑﺗﻧﺎوب اﻧﻘﻼب اﻟﺣﻘل اﻟﻣﻐﻧﺎطﯾﺳﻲ ﻟﻸرض إﺑﺎن اﻟﺧﻣﺳﺔ ﻣﻼﯾﯾن ﺳﻧﺔ اﻷﺧﯾرة، وھﻲ أرﺑﻌﺔ اﻧﻘﻼﺑﺎت ،ﺣﯾث ﺛﺑت ارﺗﺑﺎط اﻻﻧﻘﻼب اﻷول )ﺑﯾن ﻣﺎ ﻗﺑل 3.32 – 5.4ﻣﻠﯾون ﺳﻧﺔ( واﻟﺛﺎﻧﻲ )ﺑﯾن ﻣﺎ ﻗﺑل – 3.32 2.43ﻣﻠﯾون ﺳﻧﺔ( ﺑﺗﻘﻠﺑﺎت ﻛﺑﯾرة ﻓﻲ اﻟﻣﻧﺎخ .راﺟﻊ :ﺗﺎرﯾﺦ إﻓرﯾﻘﯾﺎ اﻟﻌﺎم ،اﻟﻣﺟﻠد اﻷول ،اﻟﻔﺻل اﻟﺳﺎدس ﻋﺷر –\"اﻹطﺎر اﻟزﻣﻧﻲ ﻟﻠﻣراﺣل اﻟﻣطرﯾﺔ واﻟﺟﻣودﯾﺔ ﺑﺄﻓرﯾﻘﯾﺎ\" – اﻟﻘﺳم اﻷول ،رﺷدي ﺳﻌﯾد ،ص .374 42ﺗﺎرﯾﺦ إﻓرﯾﻘﯾﺎ اﻟﻌﺎم ،اﻟﻣﺟﻠد اﻷول ،اﻟﻔﺻل اﻟﺳﺎدس ﻋﺷر –\"اﻹطﺎر اﻟزﻣﻧﻲ ﻟﻠﻣراﺣل اﻟﻣطرﯾﺔ واﻟﺟﻣودﯾﺔ ﺑﺄﻓرﯾﻘﯾﺎ\" – اﻟﻘﺳم اﻟﺛﺎﻧﻲ ،ھـ .ﻓور ،ص .397 44
ﻣﻧذ اﻟﻘدم – 9000ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ مﺘ ار .ﻛذﻟك اﻟﺤﺎل ﻓﯿﻤﺎ ﯿﺘﻌﻠق ﺒﺄﻤرﯿﻛﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﯿﺔ وآﺴﯿﺎ اﻟﻠﺘﯿن ﻛﺎﻨﺘﺎ ﻤرﺘﺒطﺘﯿن .ﻓﺒﺤر ﺒﯿرﯿﻨﺞ ،اﻟذي ﯿﻔﺼل ﻤﺎ ﺒﯿن أﻻﺴﻛﺎ وﺴﯿﺒﯿرﯿﺎ اﻟﯿوم ،ﯿﺘ اروح ﻋﻤﻘﻪ ﻤﺎ ﺒﯿن 55 – 13ﻤﺘ ار ﻓﻘط .وﻫذا اﻻﺘﺴﺎع ﻓﻲ ﻤﺴﺎﺤﺔ اﻟﯿﺎﺒﺴﺔ ﻛﺎن ﯿﻌﻨﻲ ،أﯿﻀﺎ ،أن ﺴﯿﻼن ﻛﺎﻨت ﻤرﺘﺒطﺔ ﺒﺎﻟﺒر اﻟﻬﻨدي ،وﺠزر اﻟﻔوﻛﻼﻨد ﺒﺄﻤرﯿﻛﺎ اﻟﺠﻨوﺒﯿﺔ ،وﻛوﺒﺎ وﻫﯿﺘﻲ ﺒﺄﻤرﯿﻛﺎ اﻟوﺴطﻰ ،ﺒل أن ﺠﻤﯿﻊ ﺨطوط اﻟﺴواﺤل اﻟﺤﺎﻟﯿﺔ ﻛﺎﻨت ﻤﻤﺘدة ﻓﻲ اﻟﺒﺤر إﻟﻰ ﻤﺌﺎت اﻟﻛﯿﻠوﻤﺘ ارت ﻓﻲ ﺒﻌض اﻷﻤﺎﻛن. أﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﻼد اﻟﻌرﺒﯿﺔ ،ﻓﻘد ﻛﺎن اﻟﺨﻠﯿﺞ اﻟﻌرﺒﻲ أرﻀﺎ ﯿﺎﺒﺴﺔ ﻤﺜﻠت ﺠزرﻩ اﻟﺤﺎﻟﯿﺔ ،ﻛﺎﻟﺒﺤرﯿن وﻓﯿﻠﻛﺎ، ﻗﻤم ﺠﺒﺎﻟﻪ .واﻟﺒﺤر اﻷﺤﻤر ﻛﺎن أﺸﺒﻪ ﺒﺒﺤﯿرة ﻤﻐﻠﻘﺔ ﻋﻨد ﺒﺎب اﻟﻤﻨدب .أﻤﺎ اﻟﺒﺤر اﻷﺒﯿض اﻟﻤﺘوﺴط ،ﻓﻘد ﻛﺎن ﻤﻨﻘﺴﻤﺎ إﻟﻰ ﺒﺤﯿرﺘﯿن؛ ﺸرﻗﯿﺔ ﺘﻔﺼﻠﻬﺎ أرﻀﺎ ﻤرﺘﻔﻌﺔ ﻤﺎ ﺒﯿن ﺘوﻨس وﺼﻘﻠﯿﺔ ﺠﻨوﺒﺎ ،وﺼﻘﻠﯿﺔ وﺠﻨوب إﯿطﺎﻟﯿﺎ ﺸﻤﺎﻻ؛ وﻏرﺒﯿﺔ ﺘﻔﺼﻠﻬﺎ ﻋن اﻟﻤﺤﯿط اﻷطﻠﺴﻲ أرض ﻤرﺘﻔﻌﺔ ﻋﻨد ﻤﻀﯿق ﺠﺒل طﺎرق ﻤﺎ ﺒﯿن اﻟﻤﻐرب ٕواﺴﺒﺎﻨﯿﺎ .وﻛﺎﻨت ﺠزﯿرة ﻗﺒرص ﻤرﺘﺒطﺔ ﺒﺎﻟﺴﺎﺤل اﻟﺴوري، ﻛذﻟك اﻟﺤﺎل ﺒﯿن ﻤﻌظم اﻟﺠزر اﻹﯿﺠﯿﺔ .وﻤﻊ أن ﺴواﺤل اﻷﺒﯿض اﻟﻤﺘوﺴط ﺘﻤﺘﺎز ،ﻤﻌظﻤﻬﺎ ﺘﻘرﯿﺒﺎ، ﺒﺎﻨﺤدارﻫﺎ اﻟﻤﺒﺎﺸر ،إﻻ أن ﺨطوطﻬﺎ ﻛﺎﻨت ﻤﻤﺘدة ﻓﻲ اﻟﺒﺤر وﺒﺸﻛل ﺨﺎص ﺤول اﻟﺴﺎﺤل ﻤﺎ ﺒﯿن ﺘوﻨس وط ارﺒﻠس اﻟﻐرب إﻟﻰ ﻤﺌﺎت اﻷﻤﺘﺎر. واﻟﺘﻐﯿﯿر اﻟﻤﺼﺎﺤب ﻟﻠﻤﻨﺎخ ﻟم ﯿﻘل ﻋظﻤﺔ ﻋن ذﻟك .ﻓﺎﻻﻨﺨﻔﺎض اﻟﻌﺎم ﻓﻲ درﺠﺎت اﻟﺤ اررة ﺤّول وﺴط وﺸﻤﺎل أروﺒﺎ إﻟﻰ ﻤﻨﺎطق اﻻﻤﺘداد اﻟطﺒﯿﻌﻲ ﻟﻠﻘطب اﻟﺸﻤﺎﻟﻲ ،ﻛﻤﺎ ﺤول اﻟﺼﺤﺎري اﻟﺤﺎﻟﯿﺔ إﻟﻰ ﻤﻨﺎطق ﻛﺜﯿرة اﻷﻤطﺎر .ﻓﻘد ﻛﺎن ﻟﻠزﺤف اﻟﺠﻠﯿدي ﻤرﻛ ازن أﺴﺎﺴﯿﺎن ﻓﻲ أروﺒﺎ؛ واﺤد ﻓﻲ اﺴﻛﻨدﻨﺎﻓﯿﺎ واﻟﺜﺎﻨﻲ ﻓﻲ ﺠﺒﺎل اﻷﻟب ﻤؤﺜ ارن ﺒذﻟك ﻋﻠﻰ ﺸﻤﺎل ووﺴط أروﺒﺎ ﺤﺘﻰ ﺤدود ﺠﺒﺎل اﻟﺒﯿرﯿﻨﯿﻪ ،ﺒﯿن إﺴﺒﺎﻨﯿﺎ و ﻓرﻨﺴﺎ .وﻫذا ﻋﻨﻰ أن ﺴواﺤل اﻟﺒﺤر اﻷﺒﯿض اﻟﺸﻤﺎﻟﯿﺔٕ ،واﻟﻰ ﺤد ﻛﺒﯿر اﻟﺠﻨوﺒﯿﺔ أﯿﻀﺎ ،ﻛﺎﻨت ﻤﻨﺎطق ﺸدﯿدة اﻟﺒرودة ﻤﻌظم أﯿﺎم اﻟﺴﻨﺔ .واﻟد ارﺴﺎت ﺘﺸﯿر إﻟﻰ أن اﻟﻤﯿﺎﻩ اﻟﻘطﺒﯿﺔ اﻟﺒﺎردة ﻛﺎﻨت ﺘﺼل إﻟﻰ ﺨط ﻋرض °42ﺸﻤﺎﻻ ،أي إﻟﻰ ﻤﻌظم اﻟﺴواﺤل اﻟﺸﻤﺎﻟﯿﺔ ﻟﻠﺒﺤر اﻷﺒﯿض اﻟﻤﺘوﺴط 43.أﻤﺎ ﻤﻨﺎطق ﻤﺜل ﺼﺤ ارء ﻗﻠب اﻟﺠزﯿرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ واﻟﺼﺤ ارء اﻟﺸرﻗﯿﺔ واﻟﻐرﺒﯿﺔ ﻟوادي اﻟﻨﯿل واﻟﺼﺤ ارء اﻟﻌرﺒﯿﺔ اﻟﻛﺒرى ،ﻓﻘد اﺴﺘﻤﺘﻌت ﺒﺄﻤطﺎر ﻏزﯿرة وأﻨﻬﺎر وﺒﺤﯿ ارت داﺌﻤﺔ ﻓﻲ 43ﺗﺎرﯾﺦ إﻓرﯾﻘﯾﺎ اﻟﻌﺎم ،اﻟﻣﺟﻠد اﻷول ،ص .397 45
ﻣﻧذ اﻟﻘدم – 9000ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ ﻤﻨﺎخ رطب ﻤﻌﺘدل 44.وﺴوف ﻨﺴﺘﻌرض ،ﺒﺸﻲء ﻤن اﻟﺘﻔﺼﯿل ﺨﻼل ﻫذا اﻟﺒﺤث ،ﺘﺄﺜﯿر اﻟزﺤف اﻟﺠﻠﯿدي ﻋﻠﻰ ﺒﻼدﻨﺎ اﻟﻌرﺒﯿﺔ واﻟدور اﻟذي ﻟﻌﺒﻪ ﻓﻲ ﺤﻀﺎرﺘﻨﺎ واﻟﺤﻀﺎرة اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ ﺒﺸﻛل ﻋﺎم .ﻤﺎ ﯿﻬﻤﻨﺎ – ﻤﺒدﺌﯿﺎ -ﻫو ﻓت ﯿسر اﺨﺘﯿﺎرﻨﺎ ﻟﺴﻨﺔ 40000ق.م ﻛﻨﻬﺎﯿﺔ ﻟﻠﺤﺠري اﻟﻘدﯿم اﻷوﺴط وﺒداﯿﺔ ﻟﻠﻘدﯿم اﻷﻋﻠﻰ ،ﻤﻊ ﻤ ارﻋﺎة أن ﻫذا اﻟﺘﺎرﯿﺦ ﺘﻘرﯿﺒﻲ وﯿﺤﺘﻤل ﺒﺴﻬوﻟﺔ ﻫﺎﻤش ﺘﺼﺤﯿﺢ 2000 ±ﺴﻨﺔ. ﻟﻘد اﺴﺘﻤر ﺘﺄﺜﯿر اﻟزﺤف اﻟﺠﻠﯿدي ﻗ ارﺒﺔ 25أﻟف ﺴﻨﺔ ،أي ﻤن 15000 – 40000ق.م ﺘﻘرﯿﺒﺎ، ﺤﯿث أﺨذ ﺒﻌدﻫﺎ ﺒﺎﻻﻨﺤﺴﺎر ﻤﻐﯿ ار ﻤن ﺘﻀﺎرﯿس وﻤﻨﺎخ اﻷرض ﻤن ﺠدﯿد ﯿلﺘﺤوﻻ إﻟﻰ ﻤﺎ ﻫﻤﺎ ﻋﻠﯿﻪ اﻵن .ﻓذوﺒﺎن اﻟﺠﻠﯿد أدى إﻟﻰ ارﺘﻔﺎع ﻤﺴﺘوى ﺴطﺢ اﻟﺒﺤر ﻏﺎﻤ ار أﺠ ازء ﻛﺒﯿرة ﻤن اﻟﯿﺎﺒﺴﺔ ،ﻓﺎﺼﻼ ﺒﯿﻨﻬﺎ وﻤﻛوﻨﺎ اﻟﻛﺜﯿر ﻤن اﻟﺠزر اﻟﺘﻲ ﻨﻌرﻓﻬﺎ اﻟﯿوم ،وداﻓﻌﺎ ﺒﺨطوط اﻟﺴﺎﺤل إﻟﻰ اﻟداﺨل .وﻗد ﺒﻠﻎ ﻤﻌدل ارﺘﻔﺎع ﻤﺴﺘوى ﺴطﺢ اﻟﺒﺤر ﻗ ارﺒﺔ 1.5ﻤﺘًار ﻓﻲ ﻛل ﻗرن ،ﺒﯿن 12000 – 15000 ق.م 45.واﻻرﺘﻔﺎع ﻓﻲ درﺠﺎت اﻟﺤ اررة ،أﯿﻀﺎ ،أدى إﻟﻰ اﻨﺤﺴﺎر ﻛﻤﯿﺎت اﻷﻤطﺎر وﺠﻔﺎف اﻟﻛﺜﯿر ﻤن اﻷﻨﻬﺎر واﻟﺒﺤﯿ ارت اﻟﺘﻲ ﻋرﻓﺘﻬﺎ ﺒﻌض اﻟﻤﻨﺎطق ﻤﺤوﻻ إﯿﺎﻫﺎ إﻟﻰ ﺼﺤﺎري ﺤﺎرة ﺠﺎﻓﺔ .وﻫذا اﻟﺘﺤول ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎخ واﻟﺘﻀﺎرﯿس ﻟم ﯿﺤدث ﺒﯿن ﻟﯿﻠﺔ وﻀﺤﺎﻫﺎ ،أو ﻋﻠﻰ ﻤدى ﻗرن أو ﻗرﻨﯿن ﻤن اﻟزﻤﺎن ﺒل ﻛﺎن ﻋﻤﻠﯿﺔ ﺒطﯿﺌﺔ ﺠدا اﺴﺘﻐرﻗت آﻻف اﻟﺴﻨﯿن وﻤﺎ ﺘ ازل ﻤﺴﺘﻤرة .ﻓﺎﻤﺘﻼء اﻟﺨﻠﯿﺞ اﻟﻌرﺒﻲ ،ﻤﺜﻼ ،اﺴﺘﻐرق 10000ﺴﻨﺔ ،ﻤن 4000 – 14000ق.م ﺘﻘرﯿﺒﺎ ،ﺤﺘﻰ اﺴﺘﻘر ﻋﻠﻰ وﻀﻌﻪ اﻟﺤﺎﻟﻲ46. إن ﺘﻘدﯿرﻨﺎ ﻟﻬذﻩ اﻟﻨﻘطﺔ ﻤﻬم ﺠدا ﻟﻔﻬﻤﻨﺎ اﻟﺼﺤﯿﺢ ﻟﺘﺎرﯿﺦ ﺤﻀﺎرﺘﻨﺎ اﻟﻌرﺒﯿﺔ وظروف ﺘطورﻫﺎ وﻨﻔوذﻫﺎ اﻟﺨﺎرﺠﻲ .ﻓﻘد اﻋﺘﺎد اﻟﺒﺎﺤﺜون اﻷورﺒﯿون ﻋﻠﻰ وﺼف اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ ،ﻓﻲ اﻟﻌ ارق وﺒﻼد اﻟﺸﺎم وﻤﺼر وﺸﻤﺎل أﻓرﯿﻘﯿﺎ واﻤﺘدادﻫﺎ اﻟطﺒﯿﻌﻲ ﻓﻲ آﺴﯿﺎ وأروﺒﺎ ،ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﻛﺎﻨت ﻨﺘﺎج ﻫﺠرة اﻟﻘﺒﺎﺌل اﻟﻌرﺒﯿﺔ ،ﻋﻠﻰ ﺸﻛل ﻤوﺠﺎت ﻤن ﻗﻠب اﻟﺠزﯿرة ﺘﺤت ﺘﺄﺜﯿر ظروف اﻟﺠﻔﺎف واﻟﺘﺼﺤر ،ﻫذا ﻤن ﻨﺎﺤﯿﺔ .وﻤن ﻨﺎﺤﯿﺔ أﺨرى ،ﺘم ﺘﻐﯿﯿب اﻟدور اﻟرﺌﯿس اﻟذي ﻟﻌﺒﺘﻪ ﻤ ارﻛزﻨﺎ اﻟﺤﻀﺎرﯿﺔ ﻓﻲ ﻗﻠب 44ﺳو ةس ـ ﺗﺎرﯾﺦ ،ج ،1ص .122 45ﺗﺎرﯾﺦ إﻓرﯾﻘﯾﺎ اﻟﻌﺎم ،اﻟﻣﺟﻠد اﻷول ،ھـ .ﻓور ،ص .398 46داود ـ ﺗﺎرﯾﺦ ﺳورﯾﺎ اﻟﻘدﯾم ،ص .131وھﻧﺎك ﻣن ﯾﺟﻌل اﻟﺗﺎرﯾﺦ ﺑﯾن 4300 – 13000ق.م ،راﺟﻊ ﺳو ةس ـ ﺗﺎرﯾﺦ ،ج ،1 ص .87 46
ﻣﻧذ اﻟﻘدم – 9000ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ اﻟﺠزﯿرة ،ﻤﺜل ﻋﺴﯿر ،وﻓﻲ ﻗﺎع اﻟﺨﻠﯿﺞ اﻟﻌرﺒﻲ ﻓﻲ ﺘطور اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ ﻤﻨذ آﻻف اﻟﺴﻨﯿن وﺤﺼر ﻨﺸﺄﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻤظﺎﻫرﻫﺎ اﻟﻤﺘﺄﺨرة اﻟﻤﻛﺘﺸﻔﺔ ﻓﻲ اﻟﻌ ارق وﺒﻼد اﻟﺸﺎم وﻤﺼر وﻏﯿرﻫﺎ .وﻗد أدى ذﻟك إﻟﻰ ﺤدوث ﺴوء ﻓﻬم ﻛﺒﯿر وأﺨطﺎء ﻋظﯿﻤﺔ ﻓﻲ د ارﺴﺔ اﻟﺘﺎرﯿﺦ اﻟﻌرﺒﻲ ﺴﻨﺴﺘﻌرﻀﻬﺎ ﺒﺎﻟﺘدرﯿﺞ ﺨﻼل ﺒﺤﺜﻨﺎ ﻫذا. ﻨﺒدأ ﺒوﻀﻊ اﻟﺨطوط اﻟﻌرﯿﻀﺔ ﻟﻤﻔﻬوم اﻟﻬﺠ ارت واﻟدور اﻟﻤﺘوﻗﻊ ﻟﻤﻨﺎطق اﻟداﺨل ،ﻤﺜل ﻋﺴﯿر ،ﻓﻲ ﺘطور اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ .ﻓﻤﻊ اﻗﺘ ارﺒﻨﺎ ﻤن 15000ق.م ،ﺘﺒدأ اﻟﻠﻘﻰ واﻟﻤﻌﺎﻟم اﻷﺜرﯿﺔ ﻟﺤﻀﺎرﺘﻨﺎ ﺒﺎﻟظﻬور ﻓﻲ اﻟﻌ ارق وﺒﻼد اﻟﺸﺎم ،ﻛﻤﺎ ﻛﺸﻔت ﻋﻨﻬﺎ ﺤﻤﻼت اﻟﺘﻨﻘﯿب ﻋن اﻵﺜﺎر ،ﻤﻤﺎ ﯿﻔرض ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻀرورة وﻀﻌﻬﺎ ﻓﻲ إطﺎرﻫﺎ اﻟﺼﺤﯿﺢ ﻤن اﻟﺒداﯿﺔ ﻛﻲ ﯿﺴﻬل ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻓﻬم ﺘطورﻫﺎ ﻋﺒر ﺘﺎرﯿﺨﻬﺎ اﻟطوﯿل إﻟﻰ اﻵن. اﻟﻌروﺒﺔ أرﻀﺎ وﺸﻌﺒﺎ إن ﻤﺎ ﻨﻌﻨﯿﻪ ﺒﺎﻷرض اﻟﻌرﺒﯿﺔ واﻟﺸﻌب اﻟﻌرﺒﻲ ﻻ ﯿﻌﺘﻤد ﻋﻠﻰ ﻤﻔﻬوم ﻗوﻤﻲ ﺴﺎذج ﻛﺎﻟذي ﺘﺤﻛﻤﻪ ﻤﺼﺎﻟﺢ ﺴﯿﺎﺴﯿﺔ واﻗﺘﺼﺎدﯿﺔ .ﻓﺎﻟﻌرب ﻤن اﻟﻤﺤﯿط إﻟﻰ اﻟﺨﻠﯿﺞ وﻤن ﺴﺎﺤل اﻟﻤﺘوﺴط إﻟﻰ ﺒﺤر اﻟﻌرب ،ﻟم ﯿﻌﻠﻨوا ﻋن أﻨﻔﺴﻬم وط ان واﺤدا ﻟﺘﺤﻘﯿق ﻤﺼﺎﻟﺢ ﺴﯿﺎﺴﯿﺔ واﻗﺘﺼﺎدﯿﺔ ﺘﺨدم ﻋرﺒﯿﺎ ﻓﻲ اﻟﻌ ارق وآﺨر ﻓﻲ اﻟﻤﻐرب أو ﻋرﺒﯿﺎ ﻓﻲ ﺴورﯿﺔ وآﺨر ﻓﻲ اﻟﯿﻤن\" .إن اﻟﺤدﯿث ﻋن اﻷرض ،اﻟﺘﻲ ﯿﺸﻐﻠﻬﺎ ﺸﻌب ﻤن اﻟﺸﻌوب أو أﻤﺔ ﻤن اﻷﻤم ،ﻟﯿس ﺤدﯿﺜﺎ ﻋن ﻤﻨطﻘﺔ أو رﻗﻌﺔ أو ﻋﻘﺎر ،ﺘﻨﺘﻘل ﻤﻠﻛﯿﺘﻬﺎ ﻤن ﺠﻤﺎﻋﺔ إﻟﻰ أﺨرى ،وﻤن ﺸﺎﻏل إﻟﻰ آﺨر .إﻨﻪ اﻟﺤدﯿث ﻋن اﻟرﺤم واﻟﺠﻨﯿن ،ﺒﻛل ﻤﺎ ﺒﯿﻨﻬﻤﺎ ﻤن وﺸﺎﺌﺞ اﻟﺘﻨﻔس واﻟﻐذاء ،اﻟﻬواء واﻟدم ،اﻟﻨﻤو واﻟوﻻدة ،اﻟﻤﺤﺒﺔ واﻟﺤﻨﯿن .إﻨﻪ اﻟﺤدﯿث ﻋن وﻋﺎء ﻨﺸﺎط اﻟﺸﻌب أو اﻷﻤﺔ ،ﻤﺴرح ﺤرﻛﺘﻬﻤﺎ وﺤﯿوﯿﺘﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺸﺘﻰ ﻤﺠﺎﻻت اﻟﻌﯿش واﻟﺘطور واﻟﻌطﺎء 47\".ﻓوطﻨﻨﺎ اﻟﻌرﺒﻲ اﻟﯿوم ﻫو اﻟوﻋﺎء ذاﺘﻪ ،ﻫو اﻟﻤﺴرح ذاﺘﻪ ،اﻟذي ﺸﻬد ﺤرﻛﺘﻨﺎ وﺤﯿوﯿﺘﻨﺎ وﺘطورﻨﺎ وﻋطﺎءﻨﺎ ﻤﻨذ آﻻف اﻟﺴﻨﯿن ،ﻻ ﻤﻨذ أﻟف أو أﻟﻔﻲ أو ﺜﻼﺜﺔ آﻻف ﺴﻨﺔ .وﻫذا اﻟﻤﺴرح اﻤﺘد ﻤﻨذ آﻻف اﻟﺴﻨﯿن ﻤن ﺒﺤر اﻟﻌرب ﺠﻨوﺒﺎ ﻋﺒر اﻟﺨﻠﯿﺞ اﻟﻌرﺒﻲ وﺠﺒﺎل ازﻏروس ﻤن اﻟﺸرق ،ﺠﺎﻋﻼ 47داوود ـ ﺗﺎرﯾﺦ ﺳورﯾﺎ اﻟﻘدﯾم ،ص .63 47
ﻣﻧذ اﻟﻘدم – 9000ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ ﻤن اﻟﺨﻠﯿﺞ ﺒﺤ ار ﻋرﺒﯿﺎ ﻛﺎﻤﻼ ،ﻟﯿﺘﺠﻪ ﻏرﺒﺎ إﻟﻰ ﻫﻀﺒﺔ اﻷﻨﺎﻀول وﺠﺒﺎل طوروس ﺜم ﯿﻨﺤدر ﻋﻠﻰ طول اﻟﺴﺎﺤل اﻟﺸرﻗﻲ ﻟﻠﺒﺤر اﻷﺒﯿض اﻟﻤﺘوﺴط وﯿﺴﺘﻤر ﻋﻠﻰ اﻤﺘداد ﺴﺎﺤﻠﻪ اﻟﺠﻨوﺒﻲ ﺤﺘﻰ اﻟﻤﺤﯿط اﻷطﻠﺴﻲ .ﺜم ﯿﻠﺘف ﻋﺎﺌدا ﻋﺒر اﻟﺼﺤ ارء اﻟﻌرﺒﯿﺔ اﻟﻛﺒرى ﻤطوﻗﺎ وادي اﻟﻨﯿل ﺒﺄﻛﻤﻠﻪ ،وﻋﻠﻰ اﻤﺘداد اﻟﺴواﺤل اﻟﻐرﺒﯿﺔ ﻟﻠﺒﺤر اﻷﺤﻤر ،ﺠﺎﻋﻼ ﻤﻨﻪ ﺒﺤ ار ﻋرﺒﯿﺎ ﻛﺎﻤﻼ ،ﻤﻛﻤﻼ اﻟداﺌرة ﺒذﻟك إﻟﻰ ﺒﺤر اﻟﻌرب .وﻗد ﺘﺤرﻛﻨﺎ ﻓوق ﻫذا اﻟﻤﺴرح ﻤﻨذ أﻗدم ﻤﺎ ﻫو ﻤﻌروف ﻋن ﺘﺎرﯿﺦ اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ إﻟﻰ ﯿوﻤﻨﺎ ﻫذا ﻤؤﺴﺴﯿن وﺤدة ﺜﻘﺎﻓﯿﺔ وﺘﺠﺎﻨﺴﺎ ﺤﻀﺎرﯿﺎ ﻓﻲ ﻛل ﺠزء ﻓﯿﻪ .وﻗد ﻨﺴﺠت ﻫذﻩ اﻟوﺤدة اﻟﺜﻘﺎﻓﯿﺔ ﻤﺸﺎﻋر وﺤدﺘﻨﺎ ﻛﺸﻌب ﻤﻨذ أﻗدم اﻟﻌﺼور ،ﺒل إن ﺘﺎرﯿﺨﻨﺎ ﻻ ﯿﻤﻛن ﻓﻬﻤﻪ ﺒﺸﻛﻠﻪ اﻟﺼﺤﯿﺢ ﺨﺎرج ﻫذا اﻹطﺎر ،ﻓﻲ ﻨﺠﺎﺤﻨﺎ وإﺨﻔﺎ ﻨقﺎ ﺘﺤﻘﯿق وﺤدﺘﻨﺎ اﻟﺴﯿﺎﺴﯿﺔ ﻓوق ﻫذا اﻟﻤﺴرح اﻟﻛﺒﯿر .وﻫو ﺴﻌﻲ دؤوب ﻤن ﺸروﻛﯿن اﻷول إﻟﻰ ﺤﻤو ارﺒﻲ وﻤن أﻤﻨﺤﺘب اﻟ ارﺒﻊ إﻟﻰ ارع ﻤﺴﯿس اﻟﺜﺎﻨﻲ إﻟﻰ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻹﺴﻼﻤﯿﺔ إﻟﻰ اﻟﯿوم .ﺴﻌﻲ ،ﻓﻲ ﺤد ذاﺘﻪ ،ﯿﻘف ﺒرﻫﺎﻨﺎ ﻗﺎطﻌﺎ ﻋﻠﻰ ﻗدم ﺸﻌورﻨﺎ ﺒوﺤدﺘﻨﺎ ﻛﺸﻌب ﻓوق أرﻀﻪ اﻟﺘﺎرﯿﺨﯿﺔ. أﻤﺎ ﻓﯿﻤﺎ ﯿﺘﻌﻠق ﺒﻤﺼطﻠﺢ ﻋرب وﻋرﺒﻲ اﻟذي ﻨﺴﺘﺨدﻤﻪ ﻓﻲ وﺼف أرﻀﻨﺎ وأﻨﻔﺴﻨﺎ ،ﻓﻬو ﻤﺼطﻠﺢ ﻟﻐوي وﻟﯿد ﺜﻘﺎﻓﺘﻨﺎ وﻻ ﯿﻤت ﺒﺼﻠﺔ ﻟﻌرق أو ﻗوم أو ﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻗﺒﺎﺌل ﻤﻌﯿﻨﺔ إطﻼﻗﺎ .ﻓﺎﻟﻌرب ﻫم أﻨﻔﺴﻬم اﻟﻌﻤورﯿون واﻵ ارﻤﯿون واﻟﺴرﯿﺎﻨﯿون واﻷﻛﺎدﯿون واﻟﺒﺎﺒﻠﯿون واﻵﺸورﯿون واﻟﺴوﻤرﯿون واﻟﻛﻤﺘﯿون )ﻋرب وادي اﻟﻨﯿل( ،واﻟوﻫ ارﻨﯿون واﻟﻘﻔﺼﯿون واﻷﻤﺎزﯿﻎ وﻛل ﺘﻠك اﻟﻼﺌﺤﺔ اﻟطوﯿﻠﺔ ﻤن اﻷﺴﻤﺎء اﻟﺘﻲ اﺒﺘدﻋﻬﺎ اﻟﺒﺎﺤﺜون اﻷورﺒﯿون وزﺠوﻫﺎ ﻓﻲ ﺘﺎرﯿﺨﻨﺎ ﻛﺄﻋ ارق وأﻗوام ﻤﻨﻔﺼﻠﺔ أﻨﺸﺄت ﺤﻀﺎ ارت ﻤﻨﻔﺼﻠﺔ ﻓوق أرﻀﻨﺎ .وﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻤن اﻟﺴذاﺠﺔ ﺒﻤﻛﺎن اﻟﺒﺤث ﻋن أﺼول ﻫذا اﻟﻤﺼطﻠﺢ ﻓﻲ اﻟوﺜﺎﺌق اﻟﺘﺎرﯿﺨﯿﺔ ﻟﺘﺤدﯿد ﻤﺘﻰ ُﺒدئ ﺒﺎﺴﺘﺨداﻤﻪ وﻟوﺼف ﻤن .ﻓﺎﻟﺒﺤث ﻋن أﺼوﻟﻪ ﻻﺒد وأن ﯿﻛون ﻓﻲ ﺜﻘﺎﻓﺘﻨﺎ. إن ﻤﺼطﻠﺢ ﻋرب ﻤﺸﺘق ﻤن ﻛﻠﻤﺔ رب واﻟﺘﻲ ﺘﻌﻨﻲ اﻟﺴﯿد ،اﻷب ،اﻟﺼﺎﺤب ،اﻟﻤﺎﻟك ،اﻹﻟﻪ ،ﻟذﻟك ﻨﻀﯿف ﺒﻌدﻫﺎ ﺘوﻀﯿﺤﺎ ﯿﺤدد ﻨوع اﻟرب اﻟذي ﻨﻌﻨﯿﻪ ﻓﻨﻘول رب اﻟﺴﻤوات واﻷرض ،ﷲ ﺴﺒﺤﺎﻨﻪ وﺘﻌﺎﻟﻰ ،وﻨﻘول رب اﻟﺒﯿت ورﺒﺔ اﻟﺒﯿت ورب اﻟﻌﻤل وﻫﻛذا .وﻗد أﻀﯿف ﻟﻬﺎ ﻤﻘطﻊ \"آ\" أو \"أي\" أو \"ع\" أو \"عِ \" واﻟذي ﯿﻌﻨﻲ ﻤﻘﺎم أو ﺒﯿت أو ﺼورة أو ﻨﺴﺨﺔ أو ﻤﺜل ﻓﻲ ﺠﻤﯿﻊ اﻟﻛﺘﺎﺒﺎت اﻟﻌرﺒﯿﺔ 48
ﻣﻧذ اﻟﻘدم – 9000ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ اﻟرﻤزﯿﺔ اﻟﻘدﯿﻤﺔ 48.وﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﻤﺼطﻠﺢ آرب أو ﻋرب ﯿﻌﻨﻲ ﻤﻘﺎم اﻟﺴﯿد أو اﻟرب أو ﺒﯿت اﻟرب أو ﺼورة اﻟرب أو ﻨﺴﺨﺔ اﻟرب اﻟﺘﻲ ﺘﻌﻨﻲ أﺒﻨﺎءﻩ .ﻓﺄرض اﻟﻌرب ﻫﻲ أرض اﻟرب واﻟﻌرب أﻨﻔﺴﻬم ﻫم أﺒﻨﺎء اﻟرب .وﻫﻨﺎك اﻟﻛﺜﯿر ﻤن اﻟﻤﺼطﻠﺤﺎت اﻟﺸﺒﯿﻬﺔ اﻟﺘﻲ اﺴﺘﺨدﻤﻬﺎ اﻟﻌرب ،وﻤﺎ ازﻟوا ،ﻓﻲ وﺼف أرﻀﻬم وأﻨﻔﺴﻬم .ﻓﻤن اﻟﻛﻠﻤﺎت اﻟﺘﻲ ﺘﺤﻤل ﻤﻌﻨﻰ اﻟﺴﯿد ،اﻷب ،اﻟﺼﺎﺤب أو اﻟرب اﻹﻟﻪ ،ﻛﻠﻤﺎت ﻤﺜل \" ُﻤْر\"َ\" ،دم\"ِ \" ،ﺴر\"ِ \" ،ﻤن\"\" ،ﻨو\"\" ،رم\"\" ،ﺘو\"\" ،ﻋل\" أو \"ءل\" .وﻋﻨد إﻀﺎﻓﺔ اﻟﻤﻘطﻊ \"آ\" أو \"ع\"، ﺘﺼﺒﺢ ﻋ ُﻤْر ،آدم ،وآ ِﺴر وﻋﻤون وآﻨو وآ ارم وأﺘو وأﯿل .وﺤﯿث أن اﻟﻠﻬﺠﺔ اﻟﻌرﺒﯿﺔ اﻟﺴرﯿﺎﻨﯿﺔ ﺘﻀﯿف ﺤرف اﻟواو إﻟﻰ آﺨر اﻟﻛﻠﻤﺎت ،ﻓﺘﺼﺒﺢ ﻋ ُﻤْر ﻫﻲ َﻋﻤْروٕ ،واذا أدﺨﻠﻨﺎ اﻹﺒدال ،ﺘﺘﺤول ﻋﻤرو إﻟﻰ ﻋﻤور وﻋﻤورﯿون .وﻤن ﻛﻠﻤﺔ ُﻤْر ﺠﺎءت ﻤﺎر ،واﻟﺘﻲ ﺘﻌﻨﻲ اﻟﺴﯿد واﻟﻘدﯿس ،وأﻤﺎر وآﻤور وﻋﻤﺎر وﻋﻤرة ،أي زﯿﺎرة ﻤﻘﺎم اﻟرب ،ﺒﯿت اﷲ. ﻓﻲ اﻟﻌرﺒﯿﺔ اﻟﺤدﯿﺜﺔ ،اﻟﺘﻲ اﻋﺘﻤدت ﻋﻠﻰ أﺼول ﺜﻼﺜﯿﺔ اﻷﺤرف ﻟﻛﻠﻤﺎﺘﻬﺎ ﺒدﻻ ﻤن اﻟﺜﻨﺎﺌﯿﺔ اﻟﻘدﯿﻤﺔ واﻷﺤﺎدﯿﺔ اﻷﻗدم ،ﻨرى ﻛﻠﻤﺔ ُﻤْر ﻓﻲ ﻤرؤ وﻤؤﻨﺜﻬﺎ اﻤ أرة 49.أﻤﺎ \" ُﻤْر\" اﻟﻘدﯿﻤﺔ ،ﺒﻤﻌﻨﻰ اﻟﺴﯿد، ﻓﻤؤﻨﺜﻬﺎ ﻤرت وﻤري اﻟﺘﻲ ﻤﻨﻬﺎ ﻤﺎري وﻤرﯿم أﯿﻀﺎ 50.وﻛﻠﻤﺔ \" آدم \" ،وﻤؤﻨﺜﻬﺎ أدﻤت وأدﻤﺎ ،ﺘﻌﻨﻲ ﺼورة اﻟرب أو ﻨﺴﺨﺔ ﻋﻨﻪ وﻤﻨﻬﺎ ﻤﺼطﻠﺢ أﺒﻨﺎء آدم واﻷداﻤﯿون أو اﻷدوﻤﯿون 51.أﻤﺎ ﻛﻠﻤﺔ آﺴر، ﺒﻤﻨﻰ أﺒﻨﺎء اﻟرب أو اﻟﺴﯿد \" ِﺴر\" ،ﻓﻤﻨﻬﺎ آﺸر وأﺸور وﻋﺎﺸور وآﺜور وآﺜر ،وذو اﻟﺸرى وﺴورﯿد )ﺴﯿد اﻟوادي اﻟذي ﻫو اﺴم ﺨوﻓو ﻤﻠك ﻤﺼر وادي اﻟﻨﯿل( وأﺴر ﺤدون أي ﺒﯿت اﻟﺴﯿد ﺤدد أو أدون واﻟﺴرﯿﺎﻨﯿﻨون واﻟﺴورﯿون .وﻤؤﻨﺜﻬﺎ ﺴرت وﻫﻲ ﺴﺎرة وﺸﺎرة وﺴ ارة وﺒﺎﺴﻤﻬﺎ دﻋﻲ ﺨﻠﯿﺞ ﺴرت ﻓﻲ ﻟﯿﺒﯿﺎ وﻤﺴ ارﺘﻪ ،وﻤﻨﻬﺎ ﻋﺎﺸرة وﻋﺸﯿرة وﻋﺸﺘﺎر وﻋﺸﺘﺎروت وﻋﺸﺘﺎرت اﻟﺘﻲ اﻨﺘﻘﻠت ﻤﻌﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﯿوﻨﺎن واﻟروﻤﺎن ﻟﺘﺘﺤول ﻻﺤﻘﺎ إﻟﻰ أﺴﺘر وﺴﺘﺎر ﺒﻤﻌﻨﻰ اﻟﻨﺠﻤﺔ 52.وﻫﻨﺎك ،أﯿﻀﺎ ،اﻟﺴﯿد \" ِﻤن \" اﻟذي ﻤؤﻨﺜﻪ \" ﻤﻨﺎة \" ،وﻤﻨﻪ آﻤون وﻋﻤون واﻟﻌﻤوﻨﯿون .واﻟﺴﯿد ﻨو ،ﻋوﻨو وﻋون ،اﻟذي ﻤؤﻨﺜﻪ ﻨوت رﺒﺔ اﻟﺴﻤﺎء ﻓﻲ ﻤﺼر وادي اﻟﻨﯿل ،وﻤﻨﻬﺎ أﻨﺎت أو ﻋﻨﺎة .واﻟﺴﯿد رم وﻤﻨﻪ أرم وآ ارم واﻵ ارﻤﯿون، وﻫﻛذا .إذن ،ﻫذﻩ اﻟﻤﺼطﻠﺤﺎت ،ﺒﻤﺎ ﻓﯿﻬﺎ \"ﻋرب\" ،ﻟم ﺘﻛن ﻟوﺼف ﻋرق أو ﻗﺒﯿﻠﺔ أو ﻤﺠﻤوﻋﺔ 48داوود ـ ﺗﺎرﯾﺦ ﺳورﯾﺎ اﻟﻘدﯾم ،ص 253ـ .258وﻣن اﻟﻣﻼﺣظ أن ﻛﻠﻣﺔ أﯾــّﺎ ﺗﻌﻧﻲ إﻟﻰ اﻟﯾوم ﺗوﻗف ﻓﻲ ﻣﻛﺎن وأﻗﺎم. 49ﻧﻼﺣظ ﻗدم ﻣﺛل ھذه اﻟﻛﻠﻣﺎت ﻓﻲ ﻏﯾﺎب إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ ﺟﻣﻊ ﻣرؤ أو اﻣرأة ﻓﻲ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ. 50داوود ـ ﺗﺎرﯾﺦ ﺳورﯾﺎ اﻟﻘدﯾم ،ص .253 51ﻧﻼﺣظ أن ﻛﻠﻣﺔ دﻣﯾﺔ ،اﻟﺗﻲ ﻣﺎزﻟﻧﺎ ﻧﺳﺗﺧدﻣﮭﺎ ،اﺳﺗﻣرت ﺗﺣﻣل ﻣﻌﻧﻰ اﻟﺻورة أو اﻟﻧﺳﺧﺔ ﻋن اﻷﺻل. 52داوود ـ ﺗﺎرﯾﺦ ﺳورﯾﺎ اﻟﻘدﯾم ،ص .259 – 258 49
ﻣﻧذ اﻟﻘدم – 9000ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ ﻗﺒﺎﺌل ﻤﻌﯿﻨﺔ ،ﺒل ﺠزء ﻤن ﺘﻘﺎﻟﯿدﻨﺎ اﻟﻤﺘوارﺜﺔ اﻟﺘﻲ ﺘﻬﺘم ﺒﺎﻟﻨﺴب ﺒﺸﻛل ﻛﺒﯿر ،وﺒﺎﻻرﺘﺒﺎط ﺒﺎﻵﺒﺎء واﻷﺠداد 53.واﻨﺘﺸﺎر ﻫذﻩ اﻷﺴﻤﺎء ،ﻛﻤﺎ ﻨﺠدﻫﺎ إﻟﻰ اﻟﯿوم ﻓﻲ أﺴﻤﺎء اﻷﻤﺎﻛن واﻟﻤدن واﻟﻘرى وأﺴﻤﺎ ﻨئﺎ ﺒل وﻓﻲ ﻟﻐﺘﻨﺎ اﻟﻌرﺒﯿﺔ اﻟﺤﺎﻟﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻤﺘداد وطﻨﻨﺎ اﻟﻌرﺒﻲ ،دﻟﯿل ﻗﺎطﻊ ﻋﻠﻰ وﺤدﺘﻨﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﯿﺔ ﻤﻨذ اﻟﻘدم ﻻ ﻏﯿر .أﻤﺎ اﻟذي دﻓﻊ ﺒﻤﺼطﻠﺢ ﻋرب إﻟﻰ اﻟواﺠﻬﺔ دون ﻏﯿرﻩ ،ﻓﯿﻌود إﻟﻰ ﺨﺼوﺼﯿﺔ ﺤﻀﺎرﺘﻨﺎ واﻟدور اﻟرﺌﯿس اﻟذي ﻟﻌﺒﻪ ﺠﻨوب ﻏرب اﻟﺠزﯿرة ﻓﯿﻪ ،واﻟذي ﻟم ﯿﺄﺨذ ﻨﺼﯿﺒﻪ اﻟذي ﯿﺴﺘﺤﻘﻪ ﻤن اﻟد ارﺴﺔ ،أي وﻟﯿد ﺜﻘﺎﻓﺘﻨﺎ ﻟﯿس إﻻ .ﻓﺎﻟﺴﯿد \"رب\" ،ﻛﻤﺎ ﺴﻨﺸرح ﻻﺤﻘﺎ ،ﺘﺼدر ﺒﺎﻗﻲ اﻷﺴﯿﺎد ﻤﺜل \"ﻤر\" و \"ﺴر\" ﻓﺄﺴﻤﯿﻨﺎ أرﻀﻨﺎ ﺒﺎﺴﻤﻪ ،أرض ﻤﻘﺎم اﻟرب )أرض اﻟﻌرب( وأﺴﻤﯿﻨﺎ أﻨﻔﺴﻨﺎ أﺒﻨﺎء اﻟرب، )ﻋرب( .وﻤﻊ اﺨﺘﻼف اﻟﻛﻠﻤﺎت ﺒﻘﻲ اﻟﻤدﻟول واﺤد وﻫو وﺤدة ﺸﻌورﻨﺎ ﺒﺄن أرﻀﻨﺎ ﻤﻘدﺴﺔ ﻓﯿﻬﺎ ﺒﯿت اﻟرب﴿ :إ ًن َ◌ أﱠول َﺒْﯿ ٍت ُو ِﻀ َﻊ ِﻟﻠﱠﻨﺎس ﻟﻠﱠذي ﺒَﺒ �ﻛﺔ ُﻤﺒﺎَرًﻛﺎ وُﻫًدى ِﻟْﻠﻌﺎﻟﻤﯿ َن﴾ 54\".وﻗد اﻨﻌﻛﺴت ﻫذﻩ اﻟﻘداﺴﺔ ،ﻤﻊ اﻟوﻗت ،ﻋﻠﻰ ﻛل ﺸﻲء ﯿﺨﺼﻨﺎ ،ﻤن اﻷرض إﻟﻰ اﻟﻠﻐﺔ إﻟﻰ اﻟﻔﻛر إﻟﻰ اﻷدب، اﻨﻌﻛﺴت ﻋﻠﻰ ﺤﻀﺎرﺘﻨﺎ ﻛﻛل .وﻤن ﻫﻨﺎ ﯿﺼﺒﺢ ﺠﻠﯿﺎ أن اﻟﻌروﺒﺔ ،ﺒﻤدﻟوﻟﻬﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ،ﻛﺎن ،وﻤﺎ ازل، ﻤﺴرﺤﻬﺎ أرﻀﻨﺎ ﻤن اﻟﺒﺤر إﻟﻰ اﻟﺒﺤر ،ووﺤدﺘﻨﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﯿﺔ ﻛﺎن ،وﻤﺎ ازل ،ﻋﻤرﻫﺎ ﻤﻤﺘدا ﻵﻻف اﻟﺴﻨﯿن .ﻟذﻟك ،ﻟم ﻨﺠد ﺤرﺠﺎ وﻻ ﺨروﺠﺎ ﻋن اﻟﻤﻨطق واﻟﻌﻠم ،إطﻼق ﻤﺼطﻠﺢ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ ﻓﻲ ﺤدﯿﺜﻨﺎ ﻋن ﺘﺎرﯿﺨﻨﺎ ٕوارﺜﻨﺎ اﻟﺤﻀﺎري ﻛﻛلٕ ،واطﻼق ﻤﺼطﻠﺢ ﻋرب ﻋﻠﻰ أﺼﺤﺎب ﻫذﻩ اﻟﺤﻀﺎرة. ﻓﻔﻲ ﻨﻬﺎﯿﺔ اﻟﻤطﺎف ،ﻻ ﺒد ﻟﻨﺎ ﻤن إطﻼق اﺴم ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻹرث اﻟﻀﺨم ،وﻤﺎ ﻗد ﯿواﺠﻬﻪ ﻫذا اﻟﻤﺼطﻠﺢ ﻤن اﻋﺘ ارض أو اﻨﺘﻘﺎد ﯿﻌود إﻟﻰ ﻀﺨﺎﻤﺔ ﻫذا اﻹرث ﺒﺤد ذاﺘﻪ ﻟﯿس إﻻ. وﯿﺼﻌب ﻓﻲ ﻀوء ﻤﻔﻬوم اﻟوﻋﺎء واﻟﻤﺴرح ﻫذا ،رؤﯿﺔ ﺘﺤرﻛﺎﺘﻨﺎ ﻋﻠﻰ أرﻀﻨﺎ ﻤن ﻤﻨطﻠق ﺴﺎذج ﻏﯿر ﻋﻠﻤﻲ ﯿﻌﺘﻤد ﻤوﺠﺎت ﻤن اﻟﻬﺠ ارت ﻟﻘﺒﺎﺌل ﺒدوﯿﺔ ﻗدﻤت ﻤن اﻟﺼﺤ ارء إﻟﻰ اﻟﻬﻼل اﻟﺨﺼﯿب ،55ﻓﻤﺎ أﺒﻌد ،ﺴﻌﯿﺎ و ارء اﻟﻤﺎء واﻟﻛﻸ ،ﻫرﺒﺎ ﻤن اﻟﺠﻔﺎف واﻟﻘﺤط ،ﻤؤﺴﺴﯿن أوﻟﻰ اﻟﺤﻀﺎ ارت اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎطق اﻟﺘﻲ ﯿﺴﻛﻨونﻫﺎ .ﻓﻤن ﻨﺎﺤﯿﺔ ،ﻟم ﯿﻛن اﻟﺠﻔﺎف واﻟﺘﺼﺤر ،ﻤﻊ اﻨﺤﺴﺎر ﺘﺄﺜﯿر اﻟزﺤف اﻟﺠﻠﯿدي ،ﺤدﺜﺎ طﺎرﺌﺎ وﻻ ﺤد اثﯿظﻬر ﺘﺄﺜﯿرﻩ ﻋﻠﻰ ﺸﻛل ﻗﻔ ازت ﻛل ﻗرﻨﯿن أو 53إﻟﻰ درﺟﺔ أﻧﻧﺎ ﺟﻌﻠﻧﺎ اﻟﺑﺷرﯾﺔ ﻛﻠﮭﺎ ﺗﻧﺣدر ﻓﻲ ﻧﺳﺑﮭﺎ ﻣن اﻟﺳﯾد \" دم\" اﻟذي أﺻﺑﺢ آدم أﺑﺎ اﻹﻧﺳﺎن. 54ﺳورة آل ﻋﻣران ،آﯾﺔ .96 55وھﻲ ﺗﺳﻣﯾﺔ ﺣدﯾﺛﺔ أطﻠﻘﮭﺎ اﻟﻌﺎﻟم اﻷﻣرﯾﻛﻲ ﺑرﯾﺳﺗﯾد ﻋﻠﻰ ﻣﺻر وﺑﻼد اﻟﺷﺎم واﻟﻌراق. 50
ﻣﻧذ اﻟﻘدم – 9000ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ ﺜﻼﺜﺔ .ﺒل ﻛﺎن ﺤدﺜﺎ ﺘدرﯿﺠﯿﺎ ﻻ ﯿﻤﻛن ﻤﻼﺤظﺘﻪ إﻻ ﻋﺒر آﻻف اﻟﺴﻨﯿن 56.وﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﺘﺤرﻛﺎﺘﻨﺎ ﻓوق أرﻀﻨﺎ ﻻ ﯿﻤﻛن أن ﺘﻛون ﻤدﻓوﻋﺔ وﻻ ﻤﺤﻛوﻤﺔ ﺒﻬذا اﻟﺤدث اﻟﺘدرﯿﺠﻲ ﻋﻠﻰ ﺸﻛل ﻓو ارت أو ﻫﺠ ارت ،ﻓﻼ ﺒد أﻨﻬﺎ ﻛﺎﻨت ،أﯿﻀﺎ ،ﺘدرﯿﺠﯿﺔ وﻏﯿر ﻤﻠﺤوظﺔ وأﻗرب إﻟﻰ ﻤﺎ ﯿﺴﻤﯿﻪ أﺤﻤد اﻟداوود \"اﻻرﺘﺸﺎح اﻟﺴﻛﺎﻨﻲ\" اﻟﺒطﻲء ﻤﻨﻪ إﻟﻰ اﻟﻬﺠ ارت اﻟطﺎرﺌﺔ 57.وﻤن ﻨﺎﺤﯿﺔ ﺜﺎﻨﯿﺔ ،ﻤﻔﻬوم اﻟﻬﺠ ارت ﻤن ﻗﻠب اﻟﺠزﯿرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ إﻟﻰ اﻟﻬﻼل اﻟﺨﺼﯿب واﻟﻤﻐرب اﻟﻌرﺒﻲ ﻗد أﻓرز ﻤﻔﻬوم أن اﻟﻌرب ﻗد اﺴﺘﻌﻤروا ﻫذﻩ اﻟﻤﻨﺎطق ،ﺨﺎرﺠﯿن ﻤن ﻤوطﻨﻬم اﻷﺼﻠﻲ ﺴﺎﻟﺒﯿﻬﺎ ﻤن ﺴﻛﺎﻨﻬﺎ اﻷﺼﻠﯿﯿن .وﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﺤﻘﻬم ﻓﯿﻬﺎ ﻻ ﯿﺨﺘﻠف ﻋن ﺤق أي أﻤﺔ أو ﺸﻌب آﺨر .ﺒل إن زج واﺨﺘﻼق أﺴﻤﺎء ﻷﻋ ارق وأﺠﻨﺎس وﺤﻀﺎ ارت ﻨﺸﺄت ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻷرض وﻤﺤﺎوﻟﺔ رﺒطﻬﺎ \"ﺒﺎﻟﻌرق اﻵري\" ،إﻨﻤﺎ ﯿﻬدف إﻟﻰ ﺘﺜﺒﯿت ﻫذﻩ اﻟﻨﻘطﺔ .وﻫذا ﻤﺎ ﻗﺎد ،أﯿﻀﺎ ،إﻟﻰ ﻓﺼل ﺤﻀﺎرة اﻟﻌ ارق ﻋن ﺒﻼد اﻟﺸﺎم ﻋن وادي اﻟﻨﯿل ﻋن اﻟﻤﻐرب اﻟﻌرﺒﻲ ﻋن ﻗﻠب اﻟﺠزﯿرة ،وﺘﺼوﯿر اﻟﻌرب ﻋﻠﻰ أﻨﻬم ﻗﺒﺎﺌل ﻤن اﻟﺒدو اﻟرﻋﺎة ،ﻤﻊ أن اﻟﺒداوة اﻟرﻋوﯿﺔ ﻤﺎ ﻫﻲ إﻻ ﺠزء ﻻ ﯿﺘﺠ أز ﻤن اﻟﻛﯿﺎن اﻟﻌرﺒﻲ ﻟﯿس إﻻ ،واﻟطﺒﯿﻌﺔ اﻟﺠﻐ ارﻓﯿﺔ ﻷرﻀﻨﺎ اﻟﻌرﺒﯿﺔ ﺘؤﻛد ذﻟك. ﻻ ﯿوﺠد ﻤواﻨﻊ ﺠﻐ ارﻓﯿﺔ ،ﻤن اﻟﻤﺤﯿط إﻟﻰ اﻟﺨﻠﯿﺞ ﺘﻌطل ﺘﺠواﻟﻨﺎ وﺘﺤرﻛﻨﺎ ﻋﻠﻰ أرﻀﻨﺎ ﺒﻤﺎ ﯿﺴﻤﺢ ﺒﺘﺒﻨﻲ ﻨظرﯿﺔ ﺘﻛّون ﺠﯿوب ﺤﻀﺎرﯿﺔ ﻤﻨﻔﺼﻠﺔ ﻋن ﺒﻌﻀﻬﺎ اﻟﺒﻌض .ﻓﻼ ﺸﻲء ﯿﻔﺼل اﻟﺴﻬل اﻟرﺴوﺒﻲ ﻟدﺠﻠﺔ واﻟﻔ ارت ﻋن ﺸﻤﺎل ﺒﻼد اﻟﺸﺎم ،ﻋن ﺠﻨوب أو ﺸرق أو ﻗﻠب اﻟﺠزﯿرة ،ﻋن وادي اﻟﻨﯿل ،ﻋن اﻟﻤﻐرب اﻟﻌرﺒﻲ .ﻓﺄرﻀﻨﺎ ﻤﻔﺘوﺤﺔ ﻋﻠﻰ ﺒﻌﻀﻬﺎ اﻟﺒﻌض ﻤﻤﺎ ﺴﻤﺢ ﺒﺘﺤﻘﯿق وﺤدة ﺜﻘﺎﻓﯿﺔ ﻓوﻗﻬﺎ ﻤﻨذ آﻻف اﻟﺴﻨﯿن .وﻗد ارﻓق ﻫذا ﺘﻨوع ﻓﻲ اﻟﺘﻀﺎرﯿس ﺒﯿن اﻟﻤﻨﺎطق اﻟﺠﺒﻠﯿﺔ واﻟودﯿﺎن اﻟﻨﻬرﯿﺔ واﻟﺴﻬول اﻟﺴﺎﺤﻠﯿﺔ واﻟﺒوادي اﻟرﻋوﯿﺔ واﻟﺼﺤﺎرى اﻟﻘﺎﺤﻠﺔ ،ﺘﻨوع ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎخ ﻤﺎ ﺒﯿن اﻟﻤﺎطر واﻟﺠﺎف، واﻟﺒﺎرد واﻟﻤﻌﺘدل واﻟﺤﺎر .وﻤن ﺜم ،ﻻ ﯿﻤﻛن ﺤﺼر اﻟﻌرب ﺘﺤت ﻤظﻠﺔ اﻟﺒداوة ﻓﻘط ،ﻓﻤﻨﻬم ﺴﻛﺎن اﻟﺠﺒﺎل وﺴﻛﺎن ﻀﻔﺎف اﻷﻨﻬﺎر واﻟﺴواﺤل ،ﻛﻤﺎ أن ﻤﻨﻬم اﻟرﻋﺎة واﻟﺒدو اﻟرﺤل .وﻫذا اﻟﺘﻨوع ﻀﻤن إطﺎر اﻟوﺤدة اﻟﺜﻘﺎﻓﯿﺔ وﻤﻨذ آﻻف اﻟﺴﻨﯿن ،ﻛﺎن أﻛﺜر ﻤن ﻤﻘدرة اﻟﺒﻌض اﻻﺴﺘﯿﻌﺎﺒﯿﺔ ،وﺨﺎﺼﺔ ﻤﻘدرة اﻟﺒﺎﺤﺜﯿن اﻷورﺒﯿﯿن ﻟﺤداﺜﺔ ﻋﻬدﻫم ﺒﻤﺜل ﻫذا اﻟﻤﻔﻬوم ﻤﻤﺎ ﻓرض ﻋﻠﯿﻬم ﻀرورة اﻟﺘﺠزﺌﺔ واﻟﻔﺼل. 56ھذا ﻻ ﯾﻧﻔﻲ ،ﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺣﺎل ،أن ھﺟرات ﺟﻣﺎﻋﯾﺔ ﻛﺑﯾرة ﻗد ﺣدﺛت ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺧﻧﺎ ﺗﺣت ﺗﺄﺛﯾر اﻟﺣروب أو اﻷوﺑﺋﺔ وﻣﺎ ﺷﺎﺑﮫ .وﻟﻛﻧﮭﺎ ﺗﻣﺛل اﻟطﺎرئ ﻓﻲ اﻟﺗﺣرك اﻟﻌرﺑﻲ ﻻ اﻟﻘﺎﻋدة. 57داوود ـ ﺗﺎرﯾﺦ ﺳورﯾﺎ اﻟﻘدﯾم ،ص .81 51
ﻣﻧذ اﻟﻘدم – 9000ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ وﻤﺎ ﯿﺜﯿر اﻟدﻫﺸﺔ ﻓﻲ ﻤﻔﻬوم اﻟﻔﺼل ﻫذا ،اﻨﻌﻛﺎﺴﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺎرﯿﺦ ﺒﺤد ذاﺘﻪ .ﻓﻘد ﻋﻤد اﻟﺒﺎﺤﺜون اﻷورﺒﯿون إﻟﻰ اﻟﻔﺼل ﺒﯿن اﻟﻠﻘﻰ واﻟﻤﻌﺎﻟم اﻟﺤﻀﺎرﯿﺔ اﻟﻤﻛﺘﺸﻔﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺸرق اﻟﻌرﺒﻲ ﻗﺒل اﻟزﺤف اﻟﺠﻠﯿدي ،إﺒﺎن اﻟﻌﺼر اﻟﺤﺠري اﻟﻘدﯿم اﻷوﺴط ،ﻋن ﺘﻠك اﻟﺘﻲ ظﻬرت ﺒﻌد اﻨﺤﺴﺎرﻩ ﻤﻊ ﻨﻬﺎﯿﺔ اﻟﺤﺠري اﻟﻘدﯿم اﻷﻋﻠﻰ .ﻋﻠﻤﺎ ﺒﺄن اﻟظروف اﻟﺠﻐ ارﻓﯿﺔ ،ﻤن ﺘﻀﺎرﯿس وﻤﻨﺎخ ،اﻟﺘﻲ ﺴﺎدت إﺒﺎن ﻤﺎ ﯿﺴﻤﻰ ﺒﺎﻟﻔﺘرة اﻟدﻓﯿﺌﺔ اﻟﺜﺎﻨﯿﺔ ،ﻤﺎ ﺒﯿن 40000 – 100000ق.م ،ﻻ ﺘﺨﺘﻠف ﻋن ظروف اﻟﻔﺘرة اﻟدﻓﯿﺌﺔ اﻟﺤﺎﻟﯿﺔ ،ﻤﻨذ 15000ق.م .وﻤن ﺜم ،ﺘﺤرﻛﺎﺘﻨﺎ اﻟﺴﻛﺎﻨﯿﺔ ﻛﺎﻨت ﺒﯿن ﻤد وﺠزر ﺘدرﯿﺠﻲ ﺒطﻲء ﻤن اﻷط ارف إﻟﻰ اﻟداﺨل إﻟﻰ اﻷط ارف ﻤن ﺠدﯿد ،وﻋﺠز اﻟﺒﺎﺤﺜﯿن اﻷورﺒﯿﯿن ،أو رﻓﻀﻬم، اﻋﺘﻤﺎد اﻟﺼورة اﻟﻛﺒرى واﻷﺸﻤل ﻟﻬذﻩ اﻟﺤرﻛﺔ اﻟﺴﻛﺎﻨﯿﺔ ،دﻓﻌﻬم إﻟﻰ اﻟﻔﺼل واﻟﺘﺠزﺌﺔ وﺘﻌﺒﺌﺔ اﻟﻔ ارﻏﺎت اﻟﻨﺎﺠﻤﺔ ﻋن ذﻟك ﺒﻨظرﯿﺎت وﻤﻔﺎﻫﯿم ﺒﻌﯿدة ﻋن اﻟﻤﻨطق اﻟﺴﻠﯿم. ﯿﻤﺜل ﻤﺎ ﺴﺒق ،اﻹطﺎر اﻟﻌﺎم اﻟذي اﻋﺘﻤدﻨﺎﻩ ﻟﺘﻌﺎﻤﻠﻨﺎ ﻤﻊ ﻤﻔﺎﻫﯿم ﻤﺜل اﻷرض اﻟﻌرﺒﯿﺔ واﻟﺸﻌب اﻟﻌرﺒﻲ واﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ واﻟذي ﻋﻠﻰ أﺴﺎﺴﻪ ﺴﻨدرس ﺘﺎرﯿﺨﻨﺎ ﻤﻨذ اﻟﻘدم ﺒﻌﯿدا ﻋن ﺴوء اﻟﻔﻬم اﻷورﺒﻲ ﻟﻪ .وﯿﺴﻨد ﻫذا اﻹطﺎر ،إطﺎر ﻋﺎم آﺨر ﯿﺘﻌﻠق ﺒدور اﻟﻤ ارﻛز اﻟﺤﻀﺎرﯿﺔ اﻟﻘدﯿﻤﺔ ﻓﻲ ﻗﻠب اﻟﺠزﯿرة ﻓﻲ ﺘطور ﺤﻀﺎرﺘﻨﺎ .ﻓﻤن اﻟﻤﻼﺤظ أن اﻟد ارﺴﺎت واﻷﺒﺤﺎث اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺒﺘﺎرﯿﺦ ﺤﻀﺎرﺘﻨﺎ، ﺘرﻛز ﻋﻠﻰ وادي اﻟ ارﻓدﯿن وﺒﻼد اﻟﺸﺎم ووادي اﻟﻨﯿل ﻤﻊ ﺘﻐﯿﯿب ﺸﺒﻪ ﺘﺎم ﻟﻘﻠب اﻟﺠزﯿرة وﻗﺎع اﻟﺨﻠﯿﺞ اﻟﻌرﺒﻲ .وﻻ ﻨﻌﻨﻲ ﺒﻬذا اﻟﺘﻐﯿﯿب ﺘﺴﺠﯿل اﻋﺘ ارض ﺴﺎذج ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺔ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺒﺂﺜﺎر اﻟﯿﻤن واﻟﺤﺠﺎز، ﻤﺜﻼ ،أو ُﻋﻤﺎن وﺴواﺤل اﻟﺨﻠﯿﺞ اﻟﻌرﺒﻲ .ﻤﺎ ﻨرﻤﻲ إﻟﯿﻪ ﯿﻌﺘﻤد ﻋﻠﻰ ﻀرورة اﻷﺨذ ﺒﻌﯿن اﻻﻋﺘﺒﺎر ﺘﺄﺜﯿر اﻟزﺤف اﻟﺠﻠﯿدي ﻓﻲ ﺠﻐ ارﻓﯿﺔ ﻤﻨطﻘﺘﻨﺎ وﻤﻔﻬوم ﺠذور ﺤﻀﺎرﺘﻨﺎ .وﻟﻨﺎ أن ﻨﺘﺼور ﺠﻐ ارﻓﯿﺔ اﻷرض اﻟﻌرﺒﯿﺔ إﺒﺎن ﻫذﻩ اﻟﻔﺘرة ،ﻤن 15000 – 40000ق.م ﻛﻤﺎ ﯿﻠﻲ: ﻓﻲ اﻟﺸرق؛ اﻟﺨﻠﯿﺞ اﻟﻌرﺒﻲ أرض ﯿﺎﺒﺴﺔ واﻤﺘداد طﺒﯿﻌﻲ ﻟﻠﺒر اﻟﻌ ارﻗﻲ اﻟﺤﺎﻟﻲ .وﻫذا ﯿﻌﻨﻲ أن ﻨﻬري دﺠﻠﺔ واﻟﻔ ارت ﻛﺎن ﯿﺴﺘﻤر ﻤﺠ ارﻫﻤﺎ عﻟﻰ اﻤﺘداد ﻗﺎع اﻟﺨﻠﯿﺞ ﻟﯿﺼﺒﺎن ﺠﻨوﺒﺎ ﻗرب ﺨﻠﯿﺞ ُﻋﻤﺎن .وﻤن ﺜم ،ﻋﻠﻰ اﻷرﺠﺢ ،إن ﻤ ارﻛز ﺤﻀﺎرﯿﺔ ﻗد ﻨﺸﺄت ﻋﻠﻰ ﻀﻔﺎﻓﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﻗﺎع اﻟﺨﻠﯿﺞ ﻗﺒل أن ﺘﺠﺒر ﻤﯿﺎﻩ اﻟﺒﺤر اﻟﺼﺎﻋدة ﺴﻛﺎﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟرﺤﯿل ﺘدرﯿﺠﯿﺎ إﻟﻰ اﻟﺴواﺤل اﻟﺸرﻗﯿﺔ واﻟﻐرﺒﯿﺔ اﻟﺤﺎﻟﯿﺔ ﻟﻠﺨﻠﯿﺞ ،واﻟﻰ اﻟﺴﻬل اﻟرﺴوﺒﻲ اﻟﺠﻨوﺒﻲ ﻟوادي اﻟ ارﻓدﯿن .أﻤﺎ اﻟﺴﻬل اﻟرﺴوﺒﻲ -ﺒﺤد ذاﺘﻪ -ﻓﻬو ﻨﺘﺎج ﺘ ارﻛم اﻟطﻤﻲ 52
ﻣﻧذ اﻟﻘدم – 9000ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ اﻟﻨﻬري اﻟﻤﺼطدم ﺒﻤﯿﺎﻩ اﻟﺒﺤر اﻟﺼﺎﻋدة ﻤن اﻻﺘﺠﺎﻩ اﻟﻤﻌﺎﻛس ﻤﻛوﻨﺎ اﻟﺴﺎﺤل اﻟﺤﺎﻟﻲ ﻟﺨﻠﯿﺞ اﻟﺒﺼرة .وﻤن ﺜم ،اﻟﺒﺤث ﻋن ﻫذﻩ اﻟﻤ ارﻛز ﯿﻨﺒﻐﻲ أن ﯿﻛون ﻋﻠﻰ ﻋﻤق 20ﻤﺘًار ﻋﻠﻰ اﻷﻗل ﺘﺤت اﻟﻤﺴﺘوى اﻟﺤﺎﻟﻲ ﻟﻠﺴﻬل اﻟرﺴوﺒﻲ وﻓﻲ ﻗﺎع اﻟﺨﻠﯿﺞ .وﻓﯿﻤﺎ ﯿﺘﻌﻠق ﺒﻨﻬري دﺠﻠﺔ واﻟﻔ ارت ﻋﻠﻰ اﻟﺒر اﻟﻌ ارﻗﻲ ،إﺒﺎن ا ﻓلﺘرة ﻤن 5500ق.م إﻟﻰ 3500ق .م ،ﻓﻘد ﻛﺎن ﻟﻐ ازرة اﻷﻤطﺎر دور ﻛﺒﯿر ﻓﻲ ﺘﺤدﯿد طﺒﯿﻌﺘﻬﻤﺎ ﺤﯿث اﻤﺘﺎ از طوال ﻫذﻩ اﻟﻔﺘرة ﺒﻔﯿﻀﺎﻨﺎت ﻋﺎﻟﯿﺔ وﺒﺼورة ﻤﺴﺘﻤرة ﻟم ﺘﻬدأ ﺤﺘﻰ ﺤواﻟﻲ 3500ق.م ﻤﻤﺎ أﺜر ﻋﻠﻰ ﺴﻛﻨﻰ ﻀﻔﺎﻓﻬﻤﺎ58. ﻓﻲ اﻟﺸﻤﺎل؛ ﻛﺎن ﻨﻬر اﻟﺴرﺤﺎن ﯿﻤﺘد ﻤن ﺸرﻗﻲ ﺠﺒﺎل ﺤو ارن ﻋﺒر وادي اﻟﺴرﺤﺎن – ﺤﺎﻟﯿﺎ - ﻤﺨﺘرﻗﺎ اﻟﺴﻬول اﻟﺸﻤﺎﻟﯿﺔ ﻟﯿﺼب ﻓﻲ اﻟﺨﻠﯿﺞ اﻟﻌرﺒﻲ .أﻤﺎ ﻏور اﻷردن ،ﻓﻘد ﻛﺎن ﺒﺤﯿرة ﻋظﯿﻤﺔ ﺘﻤﺘد ﻤن ﺠﺒﺎل ﺤرﻤون ﺤﺘﻰ وادي ﻋرﺒﺔ .ﻓﻲ اﻟﺠﻨوب؛ ﻛﺎن ﯿﻨﺒﻊ أﻛﺒر أﻨﻬﺎر اﻟﺠزﯿرة؛ ﻨﻬر اﻟدواﺴر – وادي اﻟدواﺴر ﺤﺎﻟﯿﺎ -ﻤن ﺸرق اﻟﯿﻤن ﻤﺨﺘرﻗﺎ اﻟرﺒﻊ اﻟﺨﺎﻟﻲ إﻟﻰ وادي اﻟرﻤﺔ 59.أﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﻤﺘداد اﻟﺴﺎﺤل اﻟﻐرﺒﻲ ﻟﻠﺠزﯿرة ،ﻓﻤن ﻤﻛﺔ اﻟﻤﻛرﻤﺔ وﺤﺘﻰ ﺨﻠﯿﺞ ﻋدن ﺘرﺘﻔﻊ ﺒﻼد اﻟﺴ ارة ،ﻋﺴﯿر ،وﻫﻲ اﻤﺘداد ﻫﻀﺒﻲ ﯿﺘ اروح ارﺘﻔﺎع ﺠﺒﺎﻟﻬﺎ ﻤﺎ ﺒﯿن 3200 – 1700ﻤﺘًار ﻓوق ﺴطﺢ اﻟﺒﺤر 60.وﺘﻘﻊ أﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟﻘﻤم اﻟﺘﻲ ﯿﺼل ارﺘﻔﺎﻋﻬﺎ إﻟﻰ 3200ﻤﺘًار ،ﻓﻲ اﻟﯿﻤن ﺒﯿن ﺼﻨﻌﺎء ٕواب ﺠﻨوﺒﺎ .ﻓﺈذا ﻋﻠﻤﻨﺎ أن ﺠﺒل اﻟﺸﯿﺦ ﻓﻲ ﺴورﯿﺔ ﻻ ﯿﺘﺠﺎوز ارﺘﻔﺎﻋﻪ 2770ﻤﺘًار ﺘﻘرﯿﺒﺎ ،ﺴﯿﻛون ﺒﺈﻤﻛﺎﻨﻨﺎ أن ﻨﻘدر ﻋظﻤﺔ ﺠﺒﺎل ﻋﺴﯿر .ﻓﻬﻲ أﻋﻠﻰ ﻤن ﺠﺒﺎل ﻟﺒﻨﺎن ﻛﻛل وﻻ ﯿﻔوﻗﻬﺎ ﻋﻠﻰ أرض اﻟﻌرب ﺴوى ﺠﺒﺎل اﻷطﻠس ﻓﻲ اﻟﻤﻐرب ،ﺤﯿث ﯿﺼل ارﺘﻔﺎع ﻗﻤﺔ ﺠﺒل طﺒﻘﺎل ،ﺠﻨوب ﻤ ارﻛش ،إﻟﻰ ﺤواﻟﻲ 4100 ﻤﺘر ﻓوق ﺴطﺢ اﻟﺒﺤر 61.وﺒﻤﺎ أن ﻤرﺘﻔﻌﺎت ﻋﺴﯿر ﻤﺎ ازﻟت إﻟﻰ اﻟﯿوم ﺘﺴﺘﻘﺒل ﻛﻤﯿﺎت ﻏزﯿرة ﻤن اﻷﻤطﺎر 500 ،ﻤﻠﯿﻤﺘًار ﺴﻨوﯿﺎ ،وﯿﺘﺴﺎﻗط ﻋﻠﻰ ﻗﻤﻤﻬﺎ اﻟﺜﻠﺞ وﺘﻤﺘد ﻋﻠﻰ ﺴﻔوﺤﻬﺎ ﻏﺎﺒﺎت ﻛﺜﯿﻔﺔ ﻤن اﻟﻌرﻋر واﻟﺴرو واﻟﺒطم واﻟطرﻓﺎء واﻟﺴﻨط واﻟﺠوزﯿﺎت واﻟﻔواﻛﻪ واﻟﻌﻨب ،ﻓﻠﻨﺎ أن ﻨﺘﺨﯿل ﺤﺎﻟﻬﺎ إﺒﺎن اﻟزﺤف اﻟﺠﻠﯿدي ،ﺒل ﻗﺒل 2000ﺴﻨﺔ ﻓﻘط 62.وﯿﻌود اﻟﻔﻀل إﻟﻰ ﻛﻤﯿﺎت اﻷﻤطﺎر ﻫذﻩ ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺎﻓظﺔ ﻋﻠﻰ ﻤﻨﺴوب اﻟﻤﯿﺎﻩ اﻟﺠوﻓﯿﺔ واﻟﺠداول اﻟداﺌﻤﺔ ﻓﻲ اﻟودﯿﺎن اﻟداﺨﻠﯿﺔ واﻟﺴﺎﺤﻠﯿﺔ ﻋﻠﻰ 58ﺳو ةس ـ ﺗﺎرﯾﺦ ،ج ،1ص .87 59داوود ـ ﺗﺎرﯾﺦ ﺳورﯾﺎ اﻟﻘدﯾم ،ص .133 60اﻟﺻﻠﯾﺑﻲ ـ اﻟﺗوراة ،ص 73ـ .74 61أﻋﻠﻰ ﻗﻣم اﻷرض ھﻲ ﻗﻣﺔ إﻓرﺳت ﻓﻲ ﺟﺑﺎل ھﻣﯾﻼﯾﺎ 8700 :ﻣﺗر ﻓوق ﺳطﺢ اﻟﺑﺣر ﺗﻘرﯾﺑﺎ. 62اﻟﺻﻠﯾﺑﻲ ـ اﻟﺗوراة ،ص .78 53
ﻣﻧذ اﻟﻘدم – 9000ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ ﺠﺎﻨﺒﻲ اﻟﻤرﺘﻔﻌﺎت إﻟﻰ اﻟﯿوم .وﻫﻲ ﺠداول ﺤوﻟت ﺘﻠك اﻟودﯿﺎن إﻟﻰ أ ارض ﻋﺎﻟﯿﺔ اﻟﺨﺼوﺒﺔ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻨﺠ ارن وﺤﺒوﻨﺎ وأﯿدوﻤﺔ ﻓﻲ اﻟداﺨل ،أو ﻓﻲ ﺴﻬل ﺠﯿ ازن اﻟﺴﺎﺤﻠﻲ .ﻫذا إﻟﻰ ﺠﺎﻨب اﻤﺘﻼك ﻫذﻩ اﻟﻤﻨطﻘﺔ ﻟﺜروات ﻤﻌدﻨﯿﺔ ﻤﺜل اﻟذﻫب واﻟﻨﺤﺎس واﻟرﺼﺎص واﻟﺤدﯿدٕ ،واﻨﺘﺎﺠﻬﺎ ﻟﻠﺨﺸب واﻟﺒﺨور، ﻓﺎرﻀﺔ ﺒذﻟك ﻤرور طرق اﻟﺘﺠﺎرة اﻟرﺌﯿﺴﺔ ﻋﺒرﻫﺎ ﻤﻨذ اﻟﻘدم. أﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻐرب؛ ﻓﺎﻟﺴواﺤل اﻟﺠﻨوﺒﯿﺔ ﻟﻠﺒﺤر اﻷﺒﯿض اﻟﻤﺘوﺴط ،وﻋﻠﻰ طول اﻤﺘدادﻫﺎ غراب ،ﻛﺎﻨت ﻤﺘﺄﺜرة ﺒﺠو ﺒﺎرد ﻤﻌظم أﯿﺎم اﻟﺴﻨﺔ ﻤﻤﺎ ﻟم ﯿﺸﺠﻊ ﻋﻠﻰ ﻛﺜﺎﻓﺔ اﺴﺘﯿطﺎﻨﻬﺎ .وﻗد اﺴﺘﻤر اﻟﻤﻨﺎخ ﻓﯿﻬﺎ ﺠﺎﻓﺎ وﺒﺎردا ﺤﺘﻰ ﻨﻬﺎﯿﺔ اﻟزﺤف اﻟﺠﻠﯿدي ﺤﯿث اﺤﺘل ﺴﻬل ﺠﺎف ﺠدا ﻫذﻩ اﻟﺴواﺤل \"وﻛﺜرت اﻟﻐﺸﺎءات اﻟﻛﻠﺴﯿﺔ ﺒﺎﻷرض\" ﻤﺎ ﺒﯿن 13000 – 16000ق.م 63.وﻛذﻟك اﻟﺤﺎل ﻓﯿﻤﺎ ﯿﺘﻌﻠق ﺒﻀﻔﺎف وادي اﻟﻨﯿل اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻨت ﻛﺜﯿرة اﻟﻤﺴﺘﻨﻘﻌﺎت ﻤن ﺘﺄﺜﯿر اﻷﻤطﺎر اﻟﻐزﯿرة واﻟﻔﯿﻀﺎﻨﺎت اﻟﻌﺎﻟﯿﺔ 64.وﻋﻠﻰ اﻤﺘداد اﻟﻨﯿل ﻓﻲ ﺠﻨوب اﻟﺴودان ﺘﻛّو َن ﻫﻨﺎك ﺒﺤر داﺨﻠﻲ ﻛﺒﯿر ﺸﻤل \"ﻤﻨطﻘﺔ ﺴد وﺤوض اﻟﻨﯿل اﻷﻋﻠﻰ واﻤﺘد إﻟﻰ ﻤﺎ و ارء اﻟﻨﯿل اﻷﺒﯿض واﻟﻰ أﺠ ازء ﻤن اﻟﻨﯿل اﻷزرق وﺒﺤر اﻟﻐ ازل\" ﻤﻛوﻨﺎ ﻤﺴﺎﺤﺔ ﺘﻘدر ﺒﺤواﻟﻲ 230,000ﻛﯿﻠوﻤﺘًار ﻤرﺒ ًﻌﺎ65. ﻤﺎ ﯿﺘﻀﺢ ﻤن ﻫذﻩ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻌﺎﻤﺔ أن ﻤﺎ ﯿﻌرف ﺒﺎﻟﻬﻼل اﻟﺨﺼﯿب واﻟﻤﻐرب اﻟﻌرﺒﻲ ﻟم ﯿﺘﻤﺘﻌﺎ ﺒﻨﺼﯿب اﻷﺴد ﻤن اﻟﻤﺴﺘوطﻨﺎت واﻟﻤ ارﻛز اﻟﺤﻀﺎرﯿﺔ ﻨﺴﺒﺔ ﻟﻘﻠب اﻟﺠزﯿرة .ﻟذﻟك ﻓﻲ اﻟﻔﺘرة اﻟزﻤﻨﯿﺔ ﻤن 15000 – 40000ق.م ،ﻟم ﺘﺸر ﺤﻤﻼت اﻟﺘﻨﻘﯿب ﻋن اﻵﺜﺎر إﻟﻰ وﺠود ﻤ ارﻛز ﺤﻀﺎرﯿﺔ ﻓﯿﻬﺎ ﻷن ﻤ ارﻛزﻨﺎ ﻛﺎﻨت ﻓﻲ اﻟداﺨل ﺤول ﻨﻬر اﻟدواﺴر واﻟﺴرﺤﺎن وﻋﺴﯿر وﻗﺎع اﻟﺨﻠﯿﺞ وﻫﻲ أﻤﺎﻛن ﻟم ﯿﺘم اﻟﺘﻨﻘﯿب ﻓﯿﻬﺎ وﻻ د ارﺴﺘﻬﺎ ﺒﺸﻛل ِﺠدي .وﻤﻤﺎ ﻻ ﺸك ﻓﯿﻪ أن ﻫذا اﻷﻤر أدى إﻟﻰ ﻀﯿﺎع ﺤﻘﺎﺌق ﻤﻬﻤﺔ ،إن ﻟم ﻨﻘل اﻷﻫم ،ﻓﻲ ﺘﺎرﯿﺦ ﺘطور ﺤﻀﺎرﺘﻨﺎ .ﻓﺎﻻﻨﺘﻘﺎل اﻟﺘدرﯿﺠﻲ -ﻤن اﻷط ارف، ﺤﯿث ظﻬرت ﻤﻌﺎﻟﻤﻨﺎ اﻟﺤﻀﺎرﯿﺔ إﺒﺎن اﻟﺤﺠري اﻟﻘدﯿم اﻷوﺴط ،إﻟﻰ اﻟداﺨل إﺒﺎن اﻟزﺤف اﻟﺠﻠﯿدي ﻓﻲ ﻨﻬﺎﯿﺔ اﻟﺤﺠري اﻟﻘدﯿم اﻷﻋﻠﻰ -ﯿﻌﻨﻲ أن إﻨﺘﺎﺠﻨﺎ اﻟﻤﻌرﻓﻲ ﻓﯿﻤﺎ ﻗﺒل 15000ق.م ﻗد ﺘطور وﺘ ارﻛم ﻓﻲ اﻟداﺨل ﻋﺒر 25أﻟف ﺴﻨﺔ ﻟﯿﻌود إﻟﻰ اﻟظﻬور ﺒﺤﻠﺔ ﺠدﯿدة ﻓﻲ اﻷط ارف ﻤﻌﻠﻨﺎ ﻋن 63ﺗﺎرﯾﺦ إﻓرﯾﻘﯾﺎ اﻟﻌﺎم ،اﻟﻣﺟﻠد اﻷول ،ھـ .ﻓور ،ص .399 64ﻧﺎﺷد ـ ﻓﺿل ،ص .7 65ﺗﺎرﯾﺦ إﻓرﯾﻘﯾﺎ اﻟﻌﺎم ،اﻟﻣﺟﻠد اﻷول ،رﺷدي ﺳﻌﯾد ،ص .378 54
ﻣﻧذ اﻟﻘدم – 9000ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ وﺠود ﺒداﯿﺎت اﻟﻤدﻨﯿﺔ ﻛﻤﺎ ﻨﻌرﻓﻬﺎ اﻟﯿوم .وﻀﯿﺎع ﻫذﻩ اﻟﺤﻠﻘﺔ اﻟﺤﻀﺎرﯿﺔ ﻓﻲ اﻟداﺨل ﺤرﻤﻨﺎ ﻤن ﻓرﺼﺔ ﺘﺘﺒﻊ ﺘطور إﻨﺘﺎﺠﻨﺎ اﻟﻤﻌرﻓﻲ ورﺒط ﻤﻌﺎﻟﻤﻪ اﻟﺘﻲ ظﻬرت ﻻﺤﻘﺎ ﻓﻲ اﻟﻌ ارق وﺒﻼد اﻟﺸﺎم وﻤﺼر واﻟﻤﻐرب اﻟﻌرﺒﻲ ﻤﻊ ﺒﻌﻀﻬﺎ اﻟﺒﻌض ،ﻤؤﺜ ار ﺒذﻟك ﻓﻲ ﻓﻬﻤﻨﺎ ﻟﺘطور اﻟﻤدﻨﯿﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ ﻛﻛل. إذن ،ﻫﻨﺎك ﺴوء ﻓﻬم وأﺨطﺎء ارﺘﻛﺒت ﻓﻲ ﺘﻨﺎول ﺘﺎرﯿﺨﻨﺎ ﻤﻤﺎ ﯿدﻓﻌﻨﺎ إﻟﻰ إﻋﺎدة اﻟﻨظر ﻓﯿﻪ ﺒﻌﯿدا ﻋن \"اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ\" اﻷروﺒﯿﺔ ووﻀﻌﻪ ﻓﻲ إطﺎرﻩ اﻟﺼﺤﯿﺢ .ﻓﻠﻨﻌد إﻟﻰ اﻟﻠﻘﻰ واﻟﻤﻌﺎﻟم اﻷﺜرﯿﺔ اﻟﻤﻛﺘﺸﻔﺔ ﻓﯿﻤﺎ ﺒﻌد 15000ق.م ﻟﻨرى ﻤدى ﺼﺤﺔ ﻫذﯿن اﻹطﺎرﯿن وﺼﺤﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺒﯿن اﻟﻌﻘﯿدة واﻹﻨﺘﺎج اﻟﻤﻌرﻓﻲ، ﻤﻊ اﻷﺨذ ﺒﻌﯿن اﻻﻋﺘﺒﺎر أﻨﻨﺎ ﺴﻨﺒﻘﻰ ﻤﻘﯿدﯿن ﺒﺤﺠم ﻫذﻩ اﻟﻠﻘﻰ واﻟﻤﻌﺎﻟم اﻷﺜرﯿﺔ اﻟﻤﻛﺘﺸﻔﺔ إﻟﻰ اﻵن. ﻋﻘﯿدة اﻟﻛﻬوف ﺘزداد ﻤﺨﻠﻔﺎت ﻫذا اﻟﻌﺼر إﺜﺎرة ووﻀوﺤﺎ ﻤﻊ اﻟﻌﺜور ﻋﻠﻰ آﺜﺎر اﺴﺘﺨدام اﻹﻨﺴﺎن ﻟﻠﻔن اﻟﺘﺸﻛﯿﻠﻲ ﻛﺠزء ﻤن إﻨﺘﺎﺠﻪ اﻟﻤﻌرﻓﻲ .وﻫو ﻋﺼر ،أﯿﻀﺎ ،ﯿواﺠﻬﻨﺎ ﺒﻠﻐز ﻤﺤﯿر ﻓﻲ اﻤﺘدادﻩ ﻋﺒر ﺤواﻟﻲ 30 أﻟف ﺴﻨﺔ إذا اﻋﺘﻤدﻨﺎ ﻋﻠﻰ \"اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ\" اﻷروﺒﯿﺔ ﻓﻲ د ارﺴﺘﻪ .ﻓﺎﻋﺘﻤﺎدا ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ \"اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ\" ،ﺘﻨدر اﻟﻤﻌﺎﻟم اﻷﺜرﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺒﻲ وﺘزدﻫر ﺒﺸﻛل ﻤدﻫش ﻓﻲ ﺠﻨوب أروﺒﺎ ،ﻤﻤﺜﻠﺔ ﺒﻤﺎ ﯿﻌرف ﺒﻔن اﻟﻛﻬوف 66.وﻤن ﻨﺎﺤﯿﺔ أﺨرى ،ﯿﺠﻤﻊ ﻋﻠﻤﺎء اﻵﺜﺎر ﺒﺄن ﺼﺎﺤب ﻫذا اﻟﻔن اﻟﻤدﻫش ﻓﻲ أروﺒﺎ ﻟﯿس إﻨﺴﺎن اﻟﻨﯿﺎﻨدرﺜﺎل اﻷورﺒﻲ اﻟذي اﻨﻘرض \"ﻓﺠﺄة\" ،ﺒل إﻨﺴﺎن أرﻗﻰ ﻤﻨﻪ ﻓﻲ اﻟﻬﯿﺌﺔ واﻹﻨﺘﺎج اﻟﻤﻌرﻓﻲ ﺠﺎء ﻤﻬﺎﺠ ار ﻤن اﻟﻤﺸرق اﻟﻌرﺒﻲ ﺤﺎﻤﻼ ﻤﻌﻪ ﻤﻬﺎ ارت وﺘﻘﻨﯿﺔ وأدوات ﻤﺘطورة 67.ﻓﻔﻲ اﻟﻤﻨطﻘﺔ اﻟﻤﻤﺘدة ﻤﺎ ﺒﯿن ﺠﻨوب ﻓرﻨﺴﺎ وﺸﻤﺎل إﺴﺒﺎﻨﯿﺎ ،واﻟﺘﻲ ﺘﻌرف ﺒﺎﻟﻔ ارﻨﻛو-ﻛﻨﺘرﺒﯿرﯿﺔ ،ﺘم اﻟﻌﺜور ﻋﻠﻰ ﻤﺎ ﯿزﯿد ﻋن ﻤﺌﺔ ﻛﻬف ﺘﺘﺸﺎﺒﻪ ﻤن ﺤﯿث ﻋﻤﻘﻬﺎ ﻓﻲ ﺒﺎطن اﻷرض إﻟﻰ ﻤﺎ ﯿﻘﺎرب 2ﻛﻠم أﺤﯿﺎﻨﺎ. وﺘﺘﺸﺎﺒﻪ ،أﯿﻀﺎ ،ﺒﻤﻤ ارﺘﻬﺎ اﻟﻤﺘﻌرﺠﺔ اﻟﺨطرة اﻟﺘﻲ ﻗد ﺘﻀﯿق ﻤﺠﺒرة ﺴﺎﻟﻛﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟزﺤف ﻟﯿﻛﻤل طرﯿﻘﻪ ﻋﺒرﻫﺎ .وﺘﻨﺘﻬﻲ ﻫذﻩ اﻟﻤﻤ ارت ﺒﻘﺎﻋﺔ وﻗد ﻤﻸت ﺠد ارﻨﻬﺎ رﺴوﻤﺎت أذﻫﻠت ﻋﻠﻤﺎء اﻵﺜﺎر اﻷورﺒﯿﯿن وأﺜﺎرت ﺠدﻻ ﺒﯿﻨﻬم ﺤوﻟﻬﺎ ﻤﺎ ازل ﻤﺴﺘﻤًار إﻟﻰ اﻟﯿوم ﻤﻨذ اﻛﺘﺸﺎﻓﻬﺎ ﻓﻲ .1875 66وﺟدت ھذه اﻟرﺳوﻣﺎت ﻋﻠﻰ ﺟدران اﻟﻛﮭوف ﻓﻲ ﺳﻠﺳﻠﺔ اﻟﺟﺑﺎل اﻟﻔراﻧﻛو-ﻛﻧﺗرﺑﯾرﯾﺔ اﻟﻔﺎﺻﻠﺔ ﻣﺎ ﺑﯾن ﻓرﻧﺳﺎ وإﺳﺑﺎﻧﯾﺎ. 67اﻟﺳواح ،ص .138 55
ﻣﻧذ اﻟﻘدم – 9000ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ اﻟﺻورة :3اﻟﺟﺎﻣوس ﻓﻲ اﻟﻛﮭوف اﻟﻛﻧﺗرﺑﯾرﯾﺔ ﻟﻠﻘﺎرئ أن ﯿﺘﺨﯿل ﺒﻌد ﻗطﻌﻪ 2 – 1.5ﻛﻠم )(Early Man ﺴﯿ ار ﻋﻠﻰ اﻷﻗدام ﻋﺒر أﻨﻔﺎق ﻤظﻠﻤﺔ وﺸﺎﻗﺔ وﺨطرة إﻟﻰ ﺒﺎطن اﻷرض ،اﻨﻔﺘﺎح ﻗﺎﻋﺔ أﻤﺎﻤﻪ ﺘﺘ ارﻗص ﺤوﻟﻪ ،ﻋﻠﻰ ﻀوء ﻤﺼﺒﺎح زﯿﺘﻲ، رﺴوﻤﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﺠد ارن واﻟﺴﻘف وﻫو ﻓﻲ ﺤﺎﻟﺔ اﻨﻘطﺎع ﺘﺎم ﻋن اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺨﺎرﺠﻲ ﺒﻀوﻀﺎﺌﻪ ٕواﯿﻘﺎﻋﻪ اﻟزﻤﻨﻲ .رﺴوﻤﺎت ﺒﺎﻷﺴود واﻷﺒﯿض واﻷﺼﻔر ﻷﺸﻛﺎل ﻻ ﺤﺼر ﻟﻬﺎ ﻤن اﻟﺜﯿ ارن واﻟوﻋول واﻟﺨﯿول اﻟﺒرﯿﺔ والﺠﺎﻤوس .رﺴوﻤﺎت ﻻ ﺘﻤﺜل ﺠدارﯿﺔ ﻤﺘ ارﺒطﺔ ،ﻓﺎﻷﺸﻛﺎل ﻤﺘﻔردة ﻻ ﯿرﺒطﻬﺎ ﺒﺒﻌﻀﻬﺎ ﻤوﻀوع واﺤد ،ﺘﺘﻌدى ﻋﻠﻰ ﺤﯿز ﺒﻌﻀﻬﺎ اﻟﺒﻌض أﺤﯿﺎﻨﺎ ،ﻻ ﺸﺠر وﻻ ﻋﺸب وﻻ أزﻫﺎر ،ﻻ أﻨﻬﺎر وﻻ ﺴﻤﺎء وﻻ ﻏﯿم، ﻓﻘط ﺤﯿواﻨﺎت وﺤدﻫﺎ وﻏﺎﻟﺒﺎ ﻛﺄﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺤﺎﻟﺔ ﺘﺄﻫب ﻟﻼﻨطﻼق .ﻗﺎم \"إﻨﺴﺎن اﻟﻤﺸرق اﻟﻌرﺒﻲ\" ﺒﺈﻨﺠﺎز ﻫذﻩ اﻟرﺴوﻤﺎت ﻗﺒل 15أﻟف ﺴﻨﺔ. وﻟﻛن ﻤﺎ ﻫو ﺨط اﻟﺴﯿر اﻟذي اﺘﺒﻌﻪ \"إﻨﺴﺎن اﻟﻤﺸرق اﻟﻌرﺒﻲ\" ﻫذا ،وﻟﻤﺎذا ﻟم ﯿﺘرك ﺨﻠﻔﻪ أي آﺜﺎر ﺘدل ﻋﻠﯿﻪ ﺴوى ﻓﻲ أروﺒﺎ وﻛﺄﻨﻪ ﺨرج ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻠﺔ ﻤن أﻤرﻩ ﻤن اﻟﺠزﯿرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ ﻫﺎدﻓﺎ ﺘﻠك اﻟﻛﻬوف ﻟﯿرﺴم ﻋﻠﻰ ﺠد ارﻨﻬﺎ؟! ﻫل ﺨرج ﻤن ﻤوطﻨﻪ ﻫرﺒﺎً ﻤن اﻟﻘﺤط واﻟﺠﻔﺎف ﻤﺎ ﺒﯿن – 15000 13000ق.م؟! ﻫل ﺨرج ﻤﻬﺎﺠ ار ﻟم ﺘﻌﺠﺒﻪ ﺴﻛﻨﻰ ﺒﻼد اﻟﺸﺎم أو اﻟﻤﻐرب اﻟﻌرﺒﻲ ﻟﯿﻠﺘﺠﺊ إﻟﻰ ﺠﺒﺎل اﻟﻔ ارﻨﻛو-ﻛﻨﺘرﺒﯿرﯿﺔ؟! إن وﻀﻊ زﻤن ﻫذﻩ اﻟﻬﺠرة ﻤﺎ ﺒﯿن 13000 – 15000ق.م ﯿﺘﻤﺎﺸﻰ ﻤﻊ ﻤﺎ ﻨﻌرﻓﻪ ﻋن ﺘﺄﺜﯿر اﻟزﺤف اﻟﺠﻠﯿدي ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻤن اﻟﻤﺘوﻗﻊ ﺤدوﺜﻬﺎ ﻗﺒل ﻫذا اﻟﺘﺎرﯿﺦ ﺒﺴﺒب ﺴوء اﻷﺤوال اﻟﺠوﯿﺔ ﻓﻲ 56
ﻣﻧذ اﻟﻘدم – 9000ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ أروﺒﺎ .وﻗد أﺸرﻨﺎ ﺴﺎﺒﻘﺎ إﻟﻰ أن ﺴواﺤل اﻷﺒﯿض اﻟﻤﺘوﺴط ﻛﺎن ﺠوﻫﺎ ﺒﺎردا ،ﻓﻤﺎ ﺒﺎﻟﻨﺎ إذا ﺼﻌدﻨﺎ إﻟﻰ ﺠﺒﺎل اﻟﺒﯿرﯿﻨﯿﻪ ﺸﻤﺎﻻ ﺤﯿث ﻛﺎﻨت ﺤدود اﻻﻤﺘداد اﻟﻘطﺒﻲ .وﻟﻛن وﻀﻊ ﻫﺎﻤش 2000ﺴﻨﺔ ﻛﺘﺼﺤﯿﺢ ﻟزﻤن ﺘﺤرك \"إﻨﺴﺎن اﻟﻤﺸرق اﻟﻌرﺒﻲ\" إﻟﻰ أروﺒﺎ ﻟﻠرﺴم ﻋﻠﻰ ﺠد ارن ﻛﻬوﻓﻬﺎ ﯿﺒدو ﻛﺒﯿ ار ﺠدا .ﻓﺈذا ﻛﺎن اﻨﺤﺴﺎر ﺘﺄﺜﯿر اﻟزﺤف اﻟﺠﻠﯿدي ﻗد ﺒدأ ﺤواﻟﻲ 15000ق.م ،ﻓﺒﻼ ﺸك أن ﻫذا اﻟﺘﺤرك إﻟﻰ اﻟﺸﻤﺎل ﻤﺎ ﻛﺎن ﻟﯿﺤدث ﻗﺒل 12000ق.م ﻋﻠﻰ اﻷﻗل .وﻫﻲ ﻓﺘرة ﻤﻌﻘوﻟﺔ ﻟوﻀوح ﺘﺄﺜﯿر اﻻﻨﺤﺴﺎر واﻻرﺘﻔﺎع اﻟﺘدرﯿﺠﻲ ﻓﻲ درﺠﺎت اﻟﺤ اررة ﻤﺸﺠﻌﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺤرك اﻟﺘدرﯿﺠﻲ إﻟﻰ اﻟﺸﻤﺎل .ﻟذﻟك ،ﻨرى ﺒﺄن اﻋﺘﻤﺎد 12000 – 13000ق.م ﻛﺘﺎرﯿﺦ ﻟﺒداﯿﺔ ﻫذﻩ \"اﻟﻬﺠرة\" ﺴﯿﻛون أﻗرب إﻟﻰ اﻟﺼواب ،إن ﻟم ﺘﻛن ﺒﻌد ذﻟكٕ .واذا ﻛﺎن ﺘﺤرﻛﻨﺎ ﻗد أوﺼﻠﻨﺎ إﻟﻰ ﺠﺒﺎل اﻟﺒﯿرﯿﻨﯿﻪ ،ﻓﺒﻼ ﺸك أﻨﻨﺎ ﻗد ﻋدﻨﺎ إﻟﻰ ﺒﻼد اﻟﺸﺎم واﻟﻌ ارق وﻤﺼر واﻟﻤﻐرب اﻟﻌرﺒﻲ ﺒﻛﺜﺎﻓﺔ ﻛﺒﯿرة ﻗﺒل ذﻟكٕ .واذا ﻛﻨﺎ ﻗد رﺴﻤﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺠد ارن اﻟﻛﻬوف ﺘﻠك ،ﻓﺒﻼ ﺸك أﻨﻨﺎ ﻗد رﺴﻤﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺠد ارن ﻛﻬوﻓﻨﺎ ﻗﺒل ذﻟك .ﻓﻬل ﻨﻤﻠك ﻤﻌﻠوﻤﺎت ﺘﺜﺒت ﻫذا؟ ﻤﻊ اﻻرﺘﻔﺎع اﻟﺘدرﯿﺠﻲ ﻟدرﺠﺎت اﻟﺤ اررة ،ﺒدأت ﻛﺜﺎﻓﺔ ﺴﻛﻨﺎﻨﺎ ﻟﻤﻨﺎطﻘﻨﺎ ﻓﻲ اﻷط ارف ﺘرﺘﻔﻊ ﺒﻌد ﻨدرﺘﻬﺎ ﻤﻨذ اﻟﺤﺠري اﻟﻘدﯿم اﻷوﺴطٕ .واذا ﻛﺎن \"إﻨﺴﺎن اﻟﻤﺸرق اﻟﻌرﺒﻲ\" ﻗد وﺼل ﺠﺒﺎل اﻟﺒﯿرﯿﻨﯿﻪ ،ﻓﺒﻼ ﺸك أﻨﻪ وﺼﻠﻬﺎ ﻋﺒر أﻗﺼر طرﯿق ﻤﻤﻛن ﺘﻔﺼل ﺒﯿﻨﻬﺎ وﺒﯿن ﻤوطﻨﻪ اﻷﺼﻠﻲ ،اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺒﻲ .وﻤن ﺜم، ﻓﻬو ﻟم ﯿﺨﺘرق اﻟﺒﻠﻘﺎن وﺠﺒﺎل اﻷﻟب وﻓرﻨﺴﺎ ﻟﯿﺼل إﻟﯿﻬﺎ ،ﺒل ﻗطﻊ ﻤﻀﯿق ﺠﺒل طﺎرق اﻟذي ﻛﺎن ﻀﺤﻼ وﻀﯿﻘﺎ ﺒﻌد ،ﻗﺎدﻤﺎ ﻤن اﻟﻤﻐربٕ .واذا ﺘﻔﺤﺼﻨﺎ ﻤﺎ ﺨﻠﻔﻨﺎﻩ ﻤن إﻨﺘﺎج ﻤﻌرﻓﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻐرب، ﺴﻨﺼطدم ﺒﺜﻘﺎﻓﺔ ازدﻫرت ﻓﻲ اﻟﺸﻤﺎل اﻹﻓرﯿﻘﻲ ﺤواﻟﻲ 13000ق.م ﺘﻌرف \"ﺒﺜﻘﺎﻓﺔ وﻫ ارن\" ،ﻨﺴﺒﺔ إﻟﻰ ﻤدﯿﻨﺔ وﻫ ارن أوﻟﻰ ﻤواﻗﻌﻬﺎ اﻟﻤﻛﺘﺸﻔﺔ .وأﺜﺒت ﻋﻠﻤﺎء ﺸﻛل اﻷﺤﯿﺎء أن أﺼﺤﺎب ﻫذﻩ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﯿﻨﺘﻤون إﻟﻰ ﺴﻼﻟﺔ ﻤﺸﺘﻰ اﻟﻌرب ،68اﻟذﯿن ﯿﻨﺘﻤون ﺒدورﻫم إﻟﻰ ﺴﻼﻟﺔ \"إﻨﺴﺎن اﻟﻤﺸرق اﻟﻌرﺒﻲ\" ﺼﺎﺤب رﺴوﻤﺎت اﻟﻛﻬوف اﻷروﺒﯿﺔ .ﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻨﺎ ﻻ ﯿوﺠد ﺸﻲء ﻤﻔﺎﺠﺊ ﻓﻲ ذﻟك ،ﻓﺄﺼﺤﺎب اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟوﻫ ارﻨﯿﺔ ﺠزء ﻤن ذﻟك اﻟرﺸﺢ اﻟﺴﻛﺎﻨﻲ اﻟﺒطﻲء وﺘﺤرﻛﻨﺎ ﻋﻠﻰ أرﻀﻨﺎ ،وﻤﺎ ﺜﻘﺎﻓﺘﻬم إﻻ ﺠزء ﻤن اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ .وﻻ ﯿﻔﺎﺠﺌﻨﺎ ،ﻛذﻟك ،أن ﻤﺎ ﺘﻤﺘﺎز ﺒﻪ ﻫذﻩ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻫو ﻛﺜرة اﻟﻨﻘوش واﻟرﺴوﻤﺎت 68ﻣوﻗﻊ ﻓﻲ اﻟﻣﻐرب. 57
ﻣﻧذ اﻟﻘدم – 9000ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ اﻟﺘﻲ ﺨﻠﻔﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺠد ارن اﻟﻛﻬوف واﻷرﺼﻔﺔ اﻟﺼﺨرﯿﺔ ﻓﻲ ﺠﺒﺎل أطﻠس 69.وﻟﯿس ﻤﻔﺎﺠﺌﺎ وﻻ ﻤدﻫﺸﺎ أن ﻫذﻩ اﻟﻨﻘوش ﻏﻠﺒت ﻋﻠﯿﻬﺎ اﻟرﺴوﻤﺎت اﻟﺤﯿواﻨﯿﺔ ﻛﻤﺎ ظﻬرت ﻤﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻛﻬوف اﻟﻔ ارﻨﻛو- ﻛﻨﺘرﺒﯿرﯿﺔ ﻻﺤﻘﺎ 70.ﻛﻤﺎ أﻨﻪ ﻟﯿس ﻤﻔﺎﺠﺌﺎ وﻻ ﻤدﻫﺸﺎ أن اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟوﻫ ارﻨﯿﺔ اﻀﻤﺤﻠت ﻤﻊ ﻨﻬﺎﯿﺔ اﻷﻟف اﻟﺘﺎﺴﻌﺔ ق.م ﻓﻲ ﻨﻔس اﻟزﻤن اﻟﻤﻌﺘﻤد ﻻﻀﻤﺤﻼل ﺜﻘﺎﻓﺔ ﻓن اﻟﻛﻬوف ﻓﻲ أروﺒﺎ ،ﻷن ﻫذﻩ اﻷﺨﯿرة ﻟم ﺘﻛن ﺴوى اﻤﺘداد ﻟﻸوﻟﻰ. وﻟﻛن إذا ﻛﺎﻨت اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟوﻫ ارﻨﯿﺔ ﺠزءا ﻤن اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ ،ﻓﻬل ﯿوﺠد آﺜﺎر ﺸﺒﯿﻬﺔ ﺒﻬﺎ ﻓﻲ أﻤﺎﻛن أﺨرى ﻋﻠﻰ اﻷرض اﻟﻌرﺒﯿﺔ؟ إن ﻫذﻩ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،ﻛﻤﺎ ظﻬرت ﻓﻲ اﻟﻤﻐرب اﻟﻌرﺒﻲ وﻋﺒر اﻤﺘدادﻫﺎ اﻷورﺒﻲ ،ﻫﻲ ﺜﻘﺎﻓﺔ ﺠﺒﻠﯿﺔ .ﻓﺄﺼﺤﺎﺒﻬﺎ ﻟم ﯿﻛوﻨوا ﻤن ﺴﻛﺎن ﺴواﺤل اﻟﺒﺤﺎر أو ﻀﻔﺎف اﻷﻨﻬﺎر أو اﻟودﯿﺎنٕ .واذا ﺸﺌﻨﺎ ﺘﺘﺒﻊ آﺜﺎرﻫﺎ ﻓﻌﻠﯿﻨﺎ ﺒﺎﻟﺒﺤث ﻓﻲ ﻛﻬوف اﻟﺠﺒﺎل وﯿﻔﻀل اﻟﻌﺎﻟﯿﺔ ﻤﻨﻬﺎ .ﻓﺄﺼﺤﺎﺒﻬﺎ ﻛﺎﻨوا ﯿﻔﻀﻠون ﻤﻨﺎﺨﺎ ﺒﺎردا ﻨﺴﺒﯿﺎ ﻋلى اﻷرﺠﺢ ،ﻛﻤﺎ ﯿﺒدو ﻤن ﺴﻛﻨﺎﻫم ﺠﺒﺎل أطﻠس واﻟﺒﯿرﯿﻨﯿﻪ .وﺒﻤﺎ أن ﺜﺎﻨﻲ أﻋﻠﻰ اﻟﺠﺒﺎل ،ﺒﻌد ﻗﻤم أطﻠس ،ﻫﻲ ﺠﺒﺎل ﻋﺴﯿر ،ﻓﻬل ﺘم اﻟﻌﺜور ﻋﻠﻰ ﺠد ارن ﻛﻬوف ﻋﺴﯿر ﻋﻠﻰ ﻨﻘوش ورﺴوﻤﺎت ﻤﺸﺎﺒﻬﺔ؟ ﻓﻲ ﺠﺒل اﻟﻛرﻤل ،ﻓﻲ ﻓﻠﺴطﯿن ،ﻛﻬوف ﺒﻌﻀﻬﺎ ﻋﻤﯿق ﺠدا ،وﻤﻨﻬﺎ ﻤﻐﺎرة ﯿوﺠد ﻓﯿﻬﺎ ﻨﺒﻊ ﻤﺎء ﻋﻠﻰ ﻤﺴﺎﻓﺔ 50ﻤﺘ ار ﯿﺼﻌب اﺠﺘﯿﺎزﻩ .وﻓﻲ ﻤﻨطﻘﺔ ﻋ ارق اﻟﺸﯿﺦ وﻋ ارق اﻷﺤﻤر ﺘم اﻟﻌﺜور ﻋﻠﻰ رﺴوﻤﺎت ﻟﺜﯿ ارن وﺤﯿواﻨﺎت ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓوق ﺠد ارن ﺒﻌض ﻫذﻩ اﻟﻛﻬوف 71.وﻫذا دﻟﯿل ﻋﻠﻰ اﻨﺘﺸﺎر ﻫذﻩ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺒﯿﺔ ﻤن إﺴﺒﺎﻨﯿﺎ إﻟﻰ ﺒﻼد اﻟﺸﺎم .ﻓﺈذا ﺘم اﻟﻌﺜور ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟرﺴوﻤﺎت ﻓﻲ ﺠﺒل اﻟﻛرﻤل ﻓﻼ ﯿوﺠد أي ﺴﺒب ﯿﻤﻨﻊ وﺠودﻫﺎ ﻓﻲ ﺠﺒﺎل اﻟﺠزﯿرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ ﺒﻤﺎ ﻓﯿﻬﺎ ﻋﺴﯿر .وﻟﻸﺴف اﻟﺸدﯿد ،ﻻ ﻨﻤﻠك ﺤﺘﻰ ﻫذﻩ اﻟﻠﺤظﺔ دﻟﯿﻼ ﻤﻠﻤوﺴﺎ ﻋﻠﻰ ذﻟك وﻟﻛﻨﻪ ﻻ ﯿؤﺜر ﻓﻲ إﯿﻤﺎﻨﻨﺎ ﺒوﺠودﻫﺎ ﺘﺎرﻛﯿن ﻟﻠﻤﺴﺘﻘﺒل اﻟﻛﺸف ﻋﻨﻬﺎ. 69ﻣﮭران ـ ﻣﺻر واﻟﺷرق اﻷدﻧﻰ اﻟﻘدﯾم – ﺟزء ) – (9اﻟﻣﻐرب ا ﻗلدﯾم ،ص .20 70ﻣﮭران ـ ﻣﺻر واﻟﺷرق اﻷدﻧﻰ اﻟﻘدﯾم – ﺟزء ) – (9اﻟﻣﻐرب ا ﻗلدﯾم ،ص .50 71اﻟﺑﺎش ـ اﻟﻣﯾﺛوﻟوﺟﯾﺎ ،ص .58وﯾﺷﯾر ﺣﺳن اﻟﺑﺎش إﻟﻰ أن أھﺎﻟﻲ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﯾطﻠﻘون ﻋﻠﻰ ھذه اﻟﻣﻐر اﺳم طﻘﺳﺔ ،ﻣﻣﺎ ﯾدل ﻋﻠﻰ ارﺗﺑﺎط ھذه اﻟﻛﮭوف ﺑﻣﻔﮭوم طﻘوس اﻟﻌﺑﺎدة ﻓﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ. 58
ﻣﻧذ اﻟﻘدم – 9000ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ ﻟﻨﻨﺘﻘل ،اﻵن ،إﻟﻰ د ارﺴﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺒﯿن اﻟﻌﻘﯿدة واﻹﻨﺘﺎج اﻟﻤﻌرﻓﻲ ﻟﻬذﻩ اﻟﻔﺘرة ﻓﻲ ﻤﺤﺎوﻟﺘﻨﺎ إﺜﺒﺎت ﻨظرﯿﺘﻨﺎ ﺤوﻟﻬﺎ .وﻫذا ﯿﻔرض ﻋﻠﯿﻨﺎ ،ﺒداﯿﺔ ،ﺘﺤدﯿد اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺒﯿن اﻹﻨﺴﺎن واﻟﻛﻬف وﻤﺎ ﻤﺜﻠﺘﻪ اﻟﻛﻬوف، أو اﻟﻤﻐر اﻟﻌﻤﯿﻘﺔ ﻟﻪ .وﺴوف ﻨﻌﺘﻤد ﻓﻲ ذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﻠوﻤﺎت اﻟﻤﺘوﻓرة ﻟدﯿﻨﺎ ﻋن اﻟﻛﻬوف اﻟﻔ ارﻨﻛو- ﻛﻨﺘرﺒﯿرﯿﺔ ﻷﻨﻬﺎ ﺨﻀﻌت ﻟد ارﺴﺎت ﻤﺴﺘﻔﯿﻀﺔ. إن اﻟدﺨول إﻟﻰ اﻟﻛﻬوف واﻟﻤﻐر ﻟﻪ رﻫﺒﺘﻪ اﻟﺨﺎﺼﺔ ﺤﺘﻰ ﯿوﻤﻨﺎ ﻫذا .ﻓﻌﺘﻤﺔ ﻫذﻩ اﻟﻛﻬوف وﻤﺎ ﺘﻔرﻀﻪ ﻤن ﻋزﻟﺔ ﻋن اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺨﺎرﺠﻲ ﺒﻛل ﻤظﺎﻫرﻩ ،ﺘﺜﯿر ﻓﻲ اﻟﻨﻔس ﻤﺸﺎﻋر وأﺤﺎﺴﯿس ﻏﯿر ﻤﺄﻟوﻓﺔ ﺒﯿن رﻫﺒﺔ وﺨﺸوع ،وﺤﺸﺔ وﺴﻛﯿﻨﺔ ،أﻋطت ﻟﻠﻛﻬوف ﺼﺒﻐﺔ ﺨﺎﺼﺔ ﻋﻠﻰ ﻤر اﻟﻌﺼور .ﻗد ﯿﻘﻔل اﻟﻤرء ﻋﻠﻰ ﻨﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﻏرﻓﺔ ﻤﻌﺘﻤﺔ وﯿﻐطﻲ ﻋﯿﻨﯿﻪ وأذﻨﯿﻪ ﻓﻲ ﻤﺤﺎوﻟﺘﻪ اﻻﻨﻌ ازل ﻋن ﻤﺤﯿطﻪ، ﻤﺘﻔردا ﺒﻨﻔﺴﻪ .وﻗد ﯿوﻓر ﻟﻪ ذﻟك ظرو افﺸﺒﯿﻬﺔ ﺒوﻟوج ﺒﺎطن اﻷرض ﻋﺒر ﺘﻠك اﻟﻛﻬوف .وﻟﻛن اﻟﻔرق اﻷﺴﺎﺴﻲ ﻫو أن ﺘﻠك اﻟﻛﻬوف ﺘﺤﻘق ﻟﻪ ﻫذﻩ اﻟﻌزﻟﺔ دون أن ﯿﻔﺘﻌﻠﻬﺎ ،وﻓرﺘﻬﺎ ﻟﻪ اﻟطﺒﯿﻌﺔ دون ﻤﺠﻬود ﻤﻨﻪ ،ﺒل ﻋرﻓﺘﻪ ﺒوﺠودﻫﺎ أﺼﻼ .وﻤﻊ أن اﻹﻨﺴﺎن ﺴﻛن اﻟﻛﻬوف واﻟﻤﻐر إﺒﺎن ﻫذﻩ اﻟﻔﺘرة، وﻗﺒل اﻨﺘﻘﺎﻟﻪ ﻟﺴﻛﻨﻰ اﻟﻌ ارء ،وﻛﺎن ﻋﻠﻰ د ارﯿﺔ ﺒطﺒﯿﻌﺘﻬﺎ ،إﻻ أن ﻛﻬوف وﻤﻐر اﻟﺴﻛن ﻛﺎﻨت ﺴطﺤﯿﺔ وﻗرﯿﺒﺔ ﻤن ﻋﺎﻟﻤﻪ اﻟﺨﺎرﺠﻲ .أﻤﺎ ﻫذﻩ اﻟﻛﻬوف واﻟﻤﻐر ﻓﻘد ﻛﺎﻨت ﻋﻤﯿﻘﺔ وﺨطرة اﻟﻤﺴﺎﻟك وﻤﻌزوﻟﺔ ﺘﻤﺎﻤﺎ .ﻟذﻟك ،ﻻ ﯿوﺠد ﻤﺎ ﯿﻤﻨﻊ ﻋﻠﻰ اﻹطﻼق أن ﯿﻛون اﻹﻨﺴﺎن ﻗد ﺸﺒﻬﻬﺎ ﺒﺎﻟرﺤم اﻟذي ﺘﺨرج ﻤﻨﻪ اﻷﺸﯿﺎء إﻟﻰ اﻟﺤﯿﺎة ،ﻛﻤﺎ ﯿﻤﻛن ﻟﻨﺎ أن ﻨﺸﺒﻬﻬﺎ اﻟﯿوم .وأﻨﻪ اﺴﺘﻐل اﻟﻌﻤﯿﻘﺔ ﻤﻨﻬﺎ وﻤﺎ ﺘﻔرﻀﻪ ﻤن ﻋزﻟﺔ ﻋن اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺨﺎرﺠﻲ ،ﻟﻠﺘﻔﻛر واﻟﺘﻌﺒد ﻛﻤﺎ ﻓﻌل اﻹﻨﺴﺎن ﻋﻠﻰ ﻤر اﻟﻌﺼور اﻟﻼﺤﻘﺔ وﻤﺎ ازل إﻟﻰ اﻟﯿوم ﻤﺴﺘﻌدا ﻟذﻟك .ﻓﺎﻟﻛﻬوف اﻟﻔ ارﻨﻛو-ﻛﻨﺘرﺒﯿرﯿﺔ ﺘﻤﺘد ﻓﻲ ﺒﺎطن اﻷرض ﻤن 2 – 1.5ﻛﻠم ﻟﺘﻨﻔﺘﺢ ﻋﻠﻰ ﻗﺎﻋﺔ ﻤلئت ﺠد ارﻨﻬﺎ ﺒرﺴوﻤﺎت ﻟﻠﺤﯿواﻨﺎت .وﻟم ﯿﺘم اﻟﻌﺜور ﻓﯿﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺒﻘﺎﯿﺎ ﻋظﺎم ﺤﯿواﻨﺎت ﻛﺎﻟﺘﻲ ﯿﻌﺜر ﻋﻠﯿﻬﺎ ﻋﺎدة ﻓﻲ ﻛﻬوف اﻟﻤﻌﯿﺸﺔ ،وﻻ أﺜر ﻟﻤواﻗد اﻟﻨﺎر وﻻ ﺒﻘﺎﯿﺎ ﻤداﻓن .ﻛل ﻤﺎ ﺘم اﻟﻌﺜور ﻋﻠﯿﻪ ﻓﯿﻬﺎ ﺒﻘﺎﯿﺎ أدوات اﻟرﺴم وﻤﺼﺎﺒﯿﺢ زﯿﺘﯿﺔ ﻛﺎن اﻟﻔﻨﺎن ﯿرﺴم ﻋﻠﻰ ﻀوﺌﻬﺎ اﻟﻤﺘ ارﻗص 72.ﻓﻬﻲ أﻤﺎﻛن ﺨﺼﺼت ﻟﻐرض اﻟﺘﻔﻛر واﻟﺘﺄﻤل ،دور ﻟﻠﻌﺒﺎدة ،ﻟﻼﺘﺼﺎل ﺒﺎﻟﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ واﻟﺘوﺤد ﻤﻊ اﻟﻤﺠﺎل اﻟﻘدﺴﻲ .ﻓﻬل ﻛﺎﻨت رﺴوﻤﺎت اﻟﺤﯿواﻨﺎت رﻤو از ﻗدﺴﯿﺔ؟ 72اﻟﺳواح ،ص 150ـ .151 59
ﻣﻧذ اﻟﻘدم – 9000ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ إن اﻟﻌﻘﻠﯿﺔ اﻷروﺒﯿﺔ اﻟﺤدﯿﺜﺔ وﻗﻔت ﻤﺸدوﻫﺔ ،ﻏﯿر ﻤﺼدﻗﺔ ﻟﻠﻤﻬﺎرة اﻟﻌﺎﻟﯿﺔ واﻟﺘﻘﻨﯿﺔ اﻟﺘﻲ ظﻬرت ﻓﯿﻬﺎ ﻫذﻩ اﻟرﺴوﻤﺎت .ﻓطرﯿﻘﺔ اﻟﺘﻔﻛﯿر اﻟﻤﻌﻬودة ،اﻟﺘﻲ أﺸرﻨﺎ إﻟﯿﻬﺎ ﻤ ار ار ،ﻋﺎرﻀت - ،وﺒﻌﻀﻬﺎ ﻤﺎ ﯿ ازل ﯿﻌﺎرض -أن ﯿﻛون إﻨﺴﺎن اﻟﺤﺠري اﻟﻘدﯿم اﻷﻋﻠﻰ ﻫو ﺼﺎﺤب ﻫذﻩ اﻟرﺴوﻤﺎت ﻤﻛذﺒﯿن أﺴﺎﻟﯿﺒﻬم اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺤددت ﻋﻤرﻫﺎ ،ﻟدرﺠﺔ أن ﺒﻌﻀﻬم ،ﻤﻤن ﺘﻘﺒل ﺤﻘﯿﻘﺔ ﻫذﻩ اﻟرﺴوﻤﺎت ،ﻟم ﯿﺘﻤﺎﻟك ﻓﻲ اﻋﺘﺒﺎر أن ﻫذا اﻹﻨﺴﺎن ﯿﻤﺜل اﻟﺠد اﻟﻤﺸﺘرك ﻟﻸورﺒﯿﯿن ﻟﻤﺎ أظﻬرﺘﻪ ﻫذﻩ اﻟرﺴوﻤﺎت ﻤن ﺤس ﻓﻨﻲ ﻋﺎل ،ﺒل ﻫﻨﺎك ﻤن ذﻫب إﻟﻰ أن ﺒﺸرﺘﻪ ﻛﺎن ﻟوﻨﻬﺎ أﺒﯿض ﺒﻼ ﺸك ﻤﻊ إﻗ اررﻫم ﺠﻤﻌﯿﺎ ﺒﺄن ﻤوطﻨﻪ اﻷﺼﻠﻲ ﻫو اﻟﻤﺸرق اﻟﻌرﺒﻲ 73.وﻗد اﻨﻌﻛس ﻫذا أﯿﻀﺎ ﻋﻠﻰ ﺘﻔﺴﯿرﻫم ﻟرﺴوﻤﺎت اﻟﻛﻬوف .ﻓﻤﻨﻬم ﻤن أرى أن اﻹﻨﺴﺎن رﺴﻤﻬﺎ ﻟﻐﺎﯿﺎت ﻓﻨﯿﺔ ﺒﺤﺘﺔ )ﺒﺎﻋﺘﺒﺎرﻩ ﺠد اﻷورﺒﯿﯿن!( ،ﻤن ﻤﻨطﻠق اﻟﻔن ﻟﻐﺎﯿﺔ اﻟﻔن ،وﻤﻨﻬم ﻤن عدﻫﺎ ﺠزءا ﻤن طﻘوس ﺴﺤرﯿﺔ ﺘﻬدف إﻟﻰ ﺘﺴﻬﯿل ﺼﯿد اﻟط ارﺌد. وﯿﻔﻨد ﻓ ارس اﻟﺴواح ﻫذﻩ اﻟﻤ ازﻋم ،ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺒﻪ دﯿن اﻹﻨﺴﺎن ،ﻤﻘدﻤﺎ ﺘﻔﺴﯿ ار ﯿﺘﻨﺎﺴب ﻤﻊ اﻟﻤﺒﺎدئ اﻟﺘﻲ أﺸرﻨﺎ إﻟﯿﻬﺎ ﻋن اﻟﻌﻘﯿدة اﻟدﯿﻨﯿﺔ ﻹﻨﺴﺎن اﻟﻤﺸرق اﻟﻌرﺒﻲ .ﻓﺎﻟﻔن ﻟﻐﺎﯿﺔ اﻟﻔن ،ﻛﻨظرﯿﺔ ﻟﻠﺘﻔﺴﯿر ،ﺘﻌﺎﻨﻲ اﻟﻛﺜﯿر ﻤن اﻟﻨواﻗص واﻟﺘﻨﺎﻗﻀﺎت .ﻓﺈﻟﻰ ﺠﺎﻨب أﻨﻬﺎ إﺴﻘﺎط ﻟﻠﺤﺎﻀر ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎﻀﻲ ،ﻟﺘﻌزﯿز ﻓﻛرة اﻟﺠد اﻟﻤﺸﺘرك ،ﻓﺈن اﻟرﺤﻠﺔ اﻟﺸﺎﻗﺔ واﻟﺨطرة ﻓﻲ ﺒﺎطن اﻷرض ﻓﻘط ﻷﺠل اﻟﺘﻤﺘﻊ ﺒﻬذﻩ اﻟرﺴوﻤﺎت ﺘﺒدو ﺴﺨﯿﻔﺔ ﻻ داعي ﻟﻬﺎ .ﻓﺈن ﻛﺎن ﻫﻨﺎﻟك ذاك اﻟﺸﻐف ﺒﺎﻟﻔن ﻟذاﺘﻪ ،ﻟظﻬرت ﻫذﻩ اﻟرﺴوﻤﺎت ﻓﻲ ﻛﻬوف اﻟﻤﻌﯿﺸﺔ أو ﻋﻠﻰ ﻤداﺨل ﻫذﻩ اﻟﻛﻬوف ﻟﯿﺘﻤﺘﻊ ﺒﻬﺎ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻻ ﻋﻠﻰ ﺒﻌد 2ﻛﻠم ﻓﻲ ﺒﺎطن اﻷرض .ﻓﺎﻟﻔن اﺴﺘﻤر ﻟﻔﺘرة طوﯿﻠﺔ ﯿﻠﻌب دو ار ﺠﻤﺎﻋﯿﺎ ﻻ ﻓردﯿﺎ ،ﯿرﻤز إﻟﻰ ﻤﻔﺎﻫﯿم ﺒﻌﯿدة ﻋن اﻟﻔن ﻟﻐﺎﯿﺔ اﻟﻔن .وﻫذا ﻤﺎ دﻓﻊ أﺘﺒﺎع ﻫذﻩ اﻟﻨظرﯿﺔ إﻟﻰ اﻟﺘﺴرب ،ﻤﻊ اﻟوﻗت ،ﻓﻲ اﺘﺠﺎﻩ ﻨظرﯿﺔ اﻟطﻘوس اﻟﺴﺤرﯿﺔ. وﻗد اﺴﺘﻨدت ﻫذﻩ اﻟﻨظرﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺤر اﻟﺘﻌﺎطﻔﻲ ﺤﯿث اﻟﺴﯿطرة ﻋﻠﻰ ﺼورة اﻟﺤﯿوان ﺘؤدي إﻟﻰ اﻟﺴﯿطرة اﻟﻔﻌﻠﯿﺔ ﻋﻠﯿﻪ ﻓﻲ اﻟﺼﯿد .وﻤﺎ ﺘﻌﺎﻨﻲ ﻤﻨﻪ ﻫذﻩ اﻟﻨظرﯿﺔ ﯿﻤﻛن ﺘﻠﺨﯿﺼﻪ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺎط اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ: Howell, p. 147. 73 60
ﻣﻧذ اﻟﻘدم – 9000ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ -1إن طﻘوس اﻟﺴﺤر اﻟﺘﻌﺎطﻔﻲ ﻤﺘﺄﺨرة ﻋن ﻫذا اﻟﻌﺼر ﺒل ﻤﺎ ازﻟت ﺠزءا ﻤن دﯿﺎﻨﺔ ﺒﻌض اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻤﻨﻌزﻟﺔ اﻟﻤﻌﺎﺼرة ،ﻛﻤﺎ ﻓﻲ أﻓرﯿﻘﯿﺎ .وﻤﺒدأ اﻟﺴﺤر اﻟﺘﻌﺎطﻔﻲ ﻨﺠد ﺠذورﻩ ﻓﻲ ﺼﯿﺎﻏﺔ ﻟﻠﻌﻘﯿدة ﺘرى ﺒﺄن اﻷﻤور ﯿﺘﺒﻊ ﺒﻌﻀﻬﺎ ﺒﻌﻀﺎ ﺒﺸﻛل ﺤﺘﻤﻲ .ﻓﺎﻟﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ ﻫﻲ ﻗوة ﻓﺎﻋﻠﺔ ﻓﻲ اﻟوﺠود وﻤﻨﺘﺸرة ﻓﻲ ﻛل ﺠزء ﻤن اﻟطﺒﯿﻌﺔ واﻹﻨﺴﺎن ،وﻫﻲ ﻗوة ﻏﻔﻠﺔ ﻤﺤﺎﯿدة ﯿﺴﺘطﯿﻊ اﻹﻨﺴﺎن ﺘوﺠﯿﻬﻬﺎ ﺒﺎﺴﺘﻤﺎﻟﺘﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻘﯿﺎم ﺒﻔﻌل ﻤﺎ ﻋن طرﯿق ﺘﻤﺜﯿﻠﻪ ﻟﻬﺎ ،ﻷن اﻟﺸﺒﯿﻪ ﯿﺘﺒﻊ اﻟﺸﺒﯿﻪ ﺒﺎﻟﺤﻀور واﻟﺤدوث .وﻤن أﻛﺒر اﻷﻤﺜﻠﺔ ﻋﻠﻰ ذﻟك طﻘس ﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﻤطر ،ﺤﯿث ﯿﺤﺎول اﻟﻛﺎﻫن ﺘﻤﺜﯿل دور اﻟﺒرق واﻟرﻋد ﻓﻲ رﻗﺼﻪ واﻷﺼوات اﻟﺘﻲ ﯿﺼدرﻫﺎ وﻫزﻩ ﺜﻤرة اﻟﻘرع اﻟﻤﺠﻔف ﺒﯿن ﯿدﯿﻪ ﻟﺘﺼﻨﻊ اﻟﺒذور ﻓﻲ داﺨﻠﻬﺎ ﺼوت اﻟﻤطر .وﻤﻨﻬﺎ ﺘﻠك اﻟطﻘوس اﻟﻤرﺘﺒطﺔ ﺒﻌﻘﯿدة اﻟﻔودو اﻷﻓرﯿﻘﯿﺔ ،ﺤﯿث ﯿﻌﻤد اﻟﻛﺎﻫن إﻟﻰ ﺼﻨﺎﻋﺔ دﻤﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﺸﻛل ﻋدوﻩ ﻟﯿﻌذﺒﻪ أو ﯿﻘﺘﻠﻪ ﻋن طرﯿق وﺨز اﻟدﻤﯿﺔ ﻤﺜﻼ. وﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ،إﺴﻘﺎط ﻤﻔﺎﻫﯿم اﻟﺴﺤر اﻟﺘﻌﺎطﻔﻲ ﻋﻠﻰ ﻋﺼر ﻓن اﻟﻛﻬوف ،ﻫو ﻛﺈﺴﻘﺎط اﻟﻔن ﻟﻐﺎﯿﺔ اﻟﻔن ﻋﻠﯿﻪ ،ﺨﺎﺼﺔ وأن ﻤﺜل ﻫذا اﻹﺴﻘﺎط ﻤﺘﺴق ﻤﻊ اﻟﻌﻘﯿدة اﻷروﺒﯿﺔ اﻟﺤدﯿﺜﺔ ﻓﻲ ﻨظرﺘﻬﺎ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻤﻨﻌزﻟﺔ اﻟﻤﻌﺎﺼرة ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﺒداﺌﯿﺔ )ﻓﻘط ﻷﻨﻬﺎ ﻻ ﺘﻤﺘﻠك اﻟﺘطور اﻻﻗﺘﺼﺎدي واﻟﺘﻘﻨﻲ اﻷورﺒﻲ!( ،وﻤن ﺜم اﻟﻨظر إﻟﻰ ﺒداﺌﯿﺘﻬﺎ ﻫذﻩ ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﺒداﺌﯿﺔ إﻨﺴﺎن اﻟﻌﺼر اﻟﺤﺠري ،دﯿﻨﻬﺎ دﯿﻨﻪ وﻤﻌﺘﻘداﺘﻬﺎ ﻤﻌﺘﻘداﺘﻪ .وﻓﻲ ﻫذا ﺘﻌﻤﯿم ﺨطﺄ ﻛﺒﯿر ﻷﻨﻪ ﻻ ﯿﺄﺨذ ﺒﻌﯿن اﻻﻋﺘﺒﺎر إﻋﺎدة اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻤﺴﺘﻤرة ﻟﻠﻌﻘﯿدة ﻋﺒر آﻻف اﻟﺴﻨﯿن ﻤﻊ زﯿﺎدة اﻟﺘ ارﻛم اﻟﻤﻌرﻓﻲ .إﻟﻰ ﺠﺎﻨب أﻨﻪ إذا ﻛﺎن اﻟﺴﺤر اﻟﺘﻌﺎطﻔﻲ ﻫو ﻤﺎ ﯿﻘف ﺨﻠف ﻓن اﻟﻛﻬوف ،ﻓﻤن ﻏﯿر اﻟمﻨطﻘﻲ وﻀﻊ ﻫذﻩ اﻟرﺴوﻤﺎت ﻓﻲ أﻋﻤﺎق اﻷرض ﻻ ﯿﺼل ﻟﻬﺎ إﻻ ﻛل ﻗﺎدر ﺒﻌد رﺤﻠﺔ ﺸﺎﻗﺔ وﺨطرة .ﻓﺈذا ﻛﺎن اﻟﻬدف ﻤﻨﻬﺎ ﻤﺴﺎﻋدة اﻷﻓ ارد ﻓﻲ اﻟﺘﻐﻠب ﻋﻠﻰ اﻟط ارﺌد وﺘﺴﻬﯿل ﺼﯿدﻫﺎ ،ﻓﻘد ﻛﺎن ﻤن اﻷوﻟﻰ وﻀﻌﻬﺎ ﻓﻲ أﻤﺎﻛن ﺴﻬﻠﺔ اﻟﻤﻨﺎل .ﺒل رﺒﻤﺎ ﻛﺎن ﻤن اﻷوﻟﻰ ﺼﻨﺎﻋﺔ دﻤﻰ ﻟﻬذﻩ اﻟﺤﯿواﻨﺎت ﻟﺘﺴﻬﯿل ﺤﻤﻠﻬﺎ واﻟﺘﺄﺜﯿر ﻓﻲ اﻟط ارﺌد أﺜﻨﺎء اﻟﺨروج ﻟﻠﺼﯿد. -2اﻋﺘﻤد أﺼﺤﺎب ﻫذﻩ اﻟﻨظرﯿﺔ ﻋﻠﻰ وﺠود رﺴوﻤﺎت ﻟﺤﯿواﻨﺎت ﺠرﯿﺤﺔ أو ﻤطﻌوﻨﺔ ﺒﺴﻬﺎم ،أو ﻨﻘر ﻓﻲ اﻟﺼﺨر ﺤول ﺒﻌض اﻟرﺴوﻤﺎت ﺒﺤﺠﺔ أن ﺴﺒﺒﻬﺎ ﻗذف اﻟرﻤﺎح ﻋﻠﻰ اﻟﺼورة ،وذﻟك ﻛدﻟﯿل ﻋﻠﻰ طﻘوس اﻟﺴﺤر اﻟﺘﻌﺎطﻔﻲ .ﻓﺒﻌد أن ﯿطﻌن اﻟﺼﯿﺎد رﺴﻤﺔ 61
ﻣﻧذ اﻟﻘدم – 9000ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ اﻟﺤﯿوان ﺒرﻤﺤﻪ ﯿﻛون ﻗد أﺴر روﺤﻪ ،أو ﺸﯿﺌﺎً ﻤن ﻫذا اﻟﻘﺒﯿل ،ﻓﯿﺼﺒﺢ ﺼﯿدﻩ أﺴﻬل. وﻟﻛن ﺤﻘﯿﻘﺔ اﻷﻤر أن ﻤن ﺒﯿن اﻵﻻف ﻤن اﻟرﺴوﻤﺎت ﻓﻲ اﻟﻛﻬوف اﻟﻤﻛﺘﺸﻔﺔ ،ﻻ ﺘﻤﺜل ﻤﺜل ﻫذﻩ اﻟرﺴوﻤﺎت ﺴوى %15ﻤﻨﻬﺎ ،وﯿﻌﻠق اﻟﺴواح ﻋﻠﻰ ذﻟك ﺒﻘوﻟﻪ\" :وﻻ أدري ﻛﯿف اﺴﺘطﺎﻋت ﻫذﻩ اﻟﻨﺴﺒﺔ اﻟﻀﺌﯿﻠﺔ أن ﺘﺄﺴر اﻨﺘﺒﺎﻩ اﻟﺒﺎﺤﺜﯿن وﺤﺘﻰ اﻟﻤﻌﺎﺼرﯿن ﻤﻨﻬم، وﺘوﺠﻬﻬم إﻟﻰ ﺼﯿﺎﻏﺔ ﻨظرﯿﺔ ﻓﻲ ﺘﻔﺴﯿر رﺴوم اﻟﻛﻬوف ﻋﻠﻰ أﺴﺎس ﺴﺤري 74\".وﻨﺤن ﻨرى ﺒﺄن اﻟﺴر ﻓﻲ ذﻟك ﯿﻌود إﻟﻰ طﺒﯿﻌﺔ اﻟﻌﻘﯿدة اﻷروﺒﯿﺔ اﻟﺤدﯿﺜﺔ. إذن ،ﻻ اﻟﻔن ﻟﻐﺎﯿﺔ اﻟﻔن وﻻ اﻟطﻘوس اﻟﺴﺤرﯿﺔ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ إﻋطﺎء اﻟﺘﻔﺴﯿر اﻟﻤﻨﺎﺴب ﻟﻔن اﻟﻛﻬوف. وﻟﯿس ﻤن اﻟﺼﻌب ﺘﺠﺎوز ﻤﻌوﻗﺎت اﻟﻔﻛر اﻷورﺒﻲ واﻟﻨظر إﻟﯿﻬﺎ ﻤن وﺤﻲ اﻹطﺎر اﻟﻌﺎم ﻟﻌﻘﯿدة إﻨﺴﺎن اﻟﻌﺼر اﻟﺤﺠري ﻛﻤﺎ وﻀﺤﻨﺎﻫﺎ .ﻓﻬذﻩ اﻟرﺴوﻤﺎت ﻻ ﺘﻤﺜل اﻟﺤﯿوان ﻓﻲ ﺒﯿﺌﺘﻪ ﺒل ﻻ ﺘﻤﺜﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻟدﻨﯿوي ،ﻷن اﻹﺘﻘﺎن اﻟذي ﺘم ﻓﯿﻪ رﺴﻤﻬﺎ ﯿﻨﻔﻲ ﻋن اﻟرﺴﺎم ﻗﻠﺔ اﻟﻤﻬﺎرة ﻓﻲ إﻋﺎدة ﺘﺼوﯿر اﻟطﺒﯿﻌﺔ ﻤن ﺸﺠر وأزﻫﺎر وﻋﺸب وأﻨﻬﺎر وﺴﻤﺎء وﺸﻤس...اﻟﺦ .وﻤﻊ ذﻟك ﻛﺎﻨت ﻛﻠﻬﺎ ﻏﺎﺌﺒﺔ .وﻤﻊ اﻟﻌﻨﺎﯿﺔ اﻟﻔﺎﺌﻘﺔ ﻓﻲ ﺘظﻠﯿل ﺼورة اﻟﺤﯿوان إﻻ أﻨﻪ ﻤرﺴوم ﻻ ظل ﻟﻪ وﻛﺄﻨﻪ ﻻ ﯿﻨﺘﻤﻲ إﻟﻰ ﻫذا اﻟﻌﺎﻟم. ﻓﻬذﻩ اﻟرﺴوﻤﺎت ﺠزء ﻤن ﻨظﺎم اﻟرﻤوز اﻟﺘﻲ اﺴﺘﺨدﻤﻬﺎ اﻹﻨﺴﺎن ﻓﻲ ﻤﺤﺎوﻟﺔ اﺘﺼﺎﻟﻪ ﻤﻊ اﻟﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ واﺴﺘﺤﻀﺎرﻫﺎ .وﻤن ﺤق اﻟﻘﺎرئ أن ﯿﻨﺘظر ﺘﻔﺎﺼﯿل أﻛﺜر ﻋﻨﻬﺎ وﻋن طﻘوﺴﻬﺎ وطرﯿﻘﺔ اﻟﻘﯿﺎم ﺒﻬﺎ ،وﻟﻛن ﻟم ﺘﺴﺎﻋدﻨﺎ اﻟﻠﻘﻰ اﻷﺜرﯿﺔ ﻓﻲ ذﻟك .وأي ﺘﺒرع ﻤﻨﺎ ﻟوﻀﻊ ﺘﺼور ﻟﻬﺎ ﺴﯿﻤﻠؤﻩ اﻟﺘﺸﻛﯿك واﻹﻓ ارط ﻓﻲ اﻻﻓﺘ ارﻀﺎت .ﻟذﻟك ،ﻨﻔﻀل ﺘرﻛﻬﺎ ،ﻤﺒدﺌﯿﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﯿﻪ ﻟﻌﻠﻪ ﯿﺘم اﻛﺘﺸﺎف ﻤﻌﺎﻟم ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒل ﺘﻨﯿر ﻟﻨﺎ ﺸﯿﺌﺎ ﻤن ﻏﻤوﻀﻬﺎ. وﻟﻛن ﻫﻨﺎك ﺴؤال أﻫم ﻤن ذﻟك اﻟﻤﺘﻌﻠق ﺒﺘﻔﺎﺼﯿل طﻘوس اﻟﻌﺒﺎدة ،وﻫو ذﻟك اﻟﻤﺘﻌﻠق ﺒﻘ ارر اﻹﻨﺴﺎن رﺴم ﺘﻠك اﻟﺤﯿواﻨﺎت ﺒﺘﻠك اﻟدﻗﺔ أﺴﺎﺴﺎ .إن ﻗ ار ار ﻛﻬذا ﻟﯿس ﺴﻬﻼ ،ﻛﻤﺎ ﻗد ﯿﺘﺼور اﻟﺒﻌض ،وﯿﻌﺒر ﻋن ﺘطور واﻀﺢ ﻓﻲ ﻨظرة اﻹﻨﺴﺎن إﻟﻰ ﻨﻔﺴﻪ ودورﻩ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎل اﻟدﻨﯿوي .ﻓرﺴم اﻟﺤﯿوان ،ﺒﻛل ﺘﻠك اﻟﺘﻔﺎﺼﯿل اﻟدﻗﯿﻘﺔ ،ﻓﯿﻪ إﻋﺎدة ﺘﻛوﯿن ﻷﺤد ﻤظﺎﻫر اﻟطﺒﯿﻌﺔ ﻤن ﻗﺒل اﻹﻨﺴﺎن ،ﻓﯿﻪ ﻤﺤﺎﻛﺎة ﻹﻨﺘﺎﺠﻬﺎ ﻤن ﻗﺒﻠﻪ ﻛﻨوع ﻤن اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻘدرة ﻋﻠﻰ إﯿﺠﺎد اﻷﺸﯿﺎء .ﺒطﺒﯿﻌﺔ اﻟﺤﺎل ،ﻟم ﯿﻛن ﻏﺎﺌﺒﺎ ﻋن 74اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﮫ ،ص .144 62
ﻣﻧذ اﻟﻘدم – 9000ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ اﻹﻨﺴﺎن ﺤﯿﻨﻬﺎ ﻤدى ﻀﻌف وﻤﺤدودﯿﺔ ﻗد ارﺘﻪ أﻤﺎم اﻟﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ،ﻛﻤﺎ أﻨﻪ ﻟم ﯿﻛن ﯿرى ﻓﻲ رﺴم اﻟﺤﯿوان ﺨﻠق اﻟﺤﯿوان ذاﺘﻪٕ .وان ﻛﺎﻨت ﻗد ﺴﺎورﺘﻪ ﻓﻲ ذﻟك ﺸﻛوك ﻤﺎ ،ﻓﺘ ارﻛم ﺘﺠﺎرﺒﻪ ﻋﺒر اﻟﺴﻨﯿن ﺴﯿﻛون ﻛﻔﯿﻼ ﺒﺤﻠﻬﺎ ،ﻓﻤﻬﻤﺎ ﺘﻔﺎﻨﻰ ﻓﻲ دﻗﺔ اﻟرﺴم وﺸرح اﻟﺘﻔﺎﺼﯿل ،ﺴﯿﺒﻘﻰ اﻟﺤﯿوان ﺠﺎﻤدا ﻓﻲ اﻟرﺴم ﻋﻠﻰ اﻟﺠدار ﻻ ﯿﺄﻛل وﻻ ﯿﺘﺤرك وﻻ ﯿﺼدر ﺼوﺘﺎ .وﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ،اﻟﻤﺤﺎﻛﺎة ٕواﻋﺎدة إﻨﺘﺎج ﻤظﺎﻫر اﻟوﺠود ﻫﻲ ،ﺒﺎﻷﺴﺎس ،ﺘﻌﺒﯿر ﻋن ﻗ ارر ﻓﻛري اﺘﺨذﻩ اﻹﻨﺴﺎن ﻓﻲ ﺤق ﻨﻔﺴﻪ ،ﻤﻌطﯿﺎ ﻟوﺠودﻩ ودورﻩ أﻫﻤﯿﺔ أﻛﺒر ﻋﺒر ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻤرﺤﻠﺔ ﺒرﺴوﻤﺎت اﻟﺤﯿواﻨﺎت. وﻫﻨﺎك ﻤﻌﺎﻟم أﺨرى ﻗد ﺘﺴﺎﻋدﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺘﺒﻨﻲ ﻫذا اﻹطﺎر اﻟﻌﺎم ﻟﺘطور ﻨظرة اﻹﻨﺴﺎن إﻟﻰ ﻨﻔﺴﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ ،ﻤﻌﺎﻟم ﺘﺘﻤﺜل ﺒﺎﻟﻤداﻓن اﻟﺘﻲ ﺘم اﻟﻌﺜور ﻋﻠﯿﻬﺎ .ﻓﻘد وﺠدت ﻫذﻩ اﻟﻤداﻓن ﺘﺤت أرﻀﯿﺔ ﻛﻬوف اﻟﻤﻌﯿﺸﺔ ﻛﺘطور ﻋﻠﻰ طﻘوس اﻟدﻓن اﻟﺴﺎﺒﻘﺔ .وﻤﻊ اﺴﺘﻤ ارر اﻟدﻓن ﻓﻲ ﺤﻔر ﻀﯿﻘﺔ ﻤﻊ دﻓن اﻟﻤﯿت ﺒﻛﺎﻤل ﻟﺒﺎﺴﻪ وزﯿﻨﺘﻪ ،ﻓﻘد طﻠﯿت ﺠﺜﺘﻪ ﺒطﯿن أﺤﻤر ﻛﺘطور آﺨر ﻋﻠﻰ طﻘوس اﻟدﻓن اﻟﺴﺎﺒﻘﺔ .واﺴﺘﻤر طﻘس اﻟﻬداﯿﺎ اﻟﺠﻨﺎزﯿﺔ ﻤن أدوات وﻋظﺎم ورؤوس اﻟﺤﯿواﻨﺎت اﻟﺘﻲ ﯿﺘم دﻓﻨﻬﺎ ﻤﻊ اﻟﺠﺜﺔ. اﻟدﻓن ﺘﺤت أرﻀﯿﺎت ﻛﻬوف اﻟﻤﻌﯿﺸﺔ ﻓﯿﻪ إﺸﺎرة واﻀﺤﺔ ﻟﺤدوث ﺘطور ﻓﻲ ﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻌﻘﯿدة اﻟﻌرﺒﯿﺔ اﺴﺘﻤر ﺘﺄﺜﯿرﻩ ﻵﻻف اﻟﺴﻨﯿن .ﻓوﺤدة اﻟوﺠود ،ﺒﻤﺠﺎﻟﯿﻪ اﻟدﻨﯿوي واﻟﻘدﺴﻲ ،واﻻﻫﺘﻤﺎم ﺒﻀرورة ﺒﻨﺎء وﺼﯿﺎﻨﺔ ﻗﻨوات اﺘﺼﺎل داﺌﻤﺔ ﺒﯿﻨﻬﻤﺎ ،اﻨﻌﻛس ﻋﻠﻰ ﻨظرﺘﻨﺎ ﻟﻠﻤوﺘﻰ .ﻓﺎﻟﻤوت ﻟﯿس ﻓﻨﺎء ﺒل ﻤﺠرد اﻨﺘﻘﺎل ﻤن اﻟﻤﺠﺎل اﻟدﻨﯿوي إﻟﻰ اﻟﻤﺠﺎل اﻟﻘدﺴﻲ ،ﻛﻤﺎ ظﻬر واﻀﺤﺎ ﻤﻌﻨﺎ ﻓﻲ ﻋﻘﯿدة اﻟﺒﻌث ﻤﻨذ اﻟﺤﺠري اﻟﻘدﯿم اﻷوﺴط .وﯿﺘﻀﺢ ﻫﻨﺎ اﺘﺨﺎذ ﻗ ارر ﻓﻛري ﺠدﯿد ﯿﻘﻀﻲ ﺒﻀرورة إﺒﻘﺎء ﻫؤﻻء اﻟ ارﺤﻠﯿن ﻋﻠﻰ ﻤﻘرﺒﺔ ﻤن اﻟﺒﺎﻗﯿن ﻛرﻤز ﻟﺘﻌزﯿز اﻟﺼﻠﺔ ﻤﻊ اﻟﻤﺠﺎل اﻟﻘدﺴﻲ .وﻟﻌل ﻓﻲ ﻫذا إﺸﺎرة أﺨرى ﺘﻌزز ﻤﺎ ذﻫﺒﺎ إﻟﯿﻪ ﺴﺎﺒﻘﺎ ﻋن اﻷﻫﻤﯿﺔ اﻟﻛﺒرى اﻟﺘﻲ أﺨذ ﯿﻌطﯿﻬﺎ اﻹﻨﺴﺎن ﻟﻨﻔﺴﻪ ودورﻩ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎل اﻟدﻨﯿوي ﺒل ﻓﻲ اﻟوﺠود ﻛﻛل .وﯿﺠب أن ﻨﻔرق ﻫﻨﺎ ﺒﯿن ﻫذا اﻟطﻘس اﻟذي ﻓﯿﻪ ﺘﺒﺠﯿل وﺘﻘدﯿس ﻟﻤﻛﺎﻨﺔ اﻟﻤوﺘﻰ ،وﺒﯿن ﺸطﺢات اﻟﺨﯿﺎل اﻷورﺒﻲ اﻟذي ﻨظر إﻟﯿﻪ ﺘﺤت ﻤﻔﻬوم ﻋﺒﺎدة اﻵﺒﺎء واﻷﺠداد. ﻓﺘﻘدﯿس اﻵﺒﺎء واﻷﺠداد ورﻓﻌﻬم إﻟﻰ ﻤرﺘﺒﺔ اﻷﺴﯿﺎد واﻟﻤﺎﻟﻛﯿن واﻟﻘدﯿﺴﯿن ،واﻻﻫﺘﻤﺎم اﻟﻌظﯿم ﺒﺎﻻﻨﺘﺴﺎب إﻟﯿﻬم واﻻرﺘﺒﺎط ﺒﻬم ،ﻛﻤﺎ ذﻛرﻨﺎ ﺴﺎﺒﻘﺎ ،ﻫو ﻤن ﺒﺎب ﻤﺎ ﯿﻤﺜﻠوﻨﻪ ﻤن رﻤوز ﻗدﺴﯿﺔ ﺘﻌزز 63
ﻣﻧذ اﻟﻘدم – 9000ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ ﺼﻠﺘﻨﺎ ﺒﺎﻟﻤﺠﺎل اﻟﻘدﺴﻲ وﺘزﯿد ﻤن ﻓرﺼﺔ اﺘﺤﺎدﻨﺎ ﻤﻊ اﻟوﺠود .ﻓﺎﻟﺴﯿد \"دم\" أﺤد آﺒﺎﺌﻨﺎ اﻟﻤﻘدﺴﯿن، ﻟﯿس اﷲ اﻟذي ﻨﻌﺒدﻩ وﻤﺎ ﻛﺎن ﯿوﻤﺎ ﻫﻛذا .ﺒل ﻫو ﻤن ﺨﻠﻘﻪ اﷲ ﻋﻠﻰ ﺼورﺘﻪ ،أو ﻛﻤﺜﻠﻪ ،ﻟذﻟك أﻀﻔﻨﺎ ﻻﺴﻤﻪ ﻤﻘطﻊ \"آ\" ﻓﺄﺼﺒﺢ آدم اﻟذي ﻨﺤن أﺒﻨﺎؤﻩ .ﻛذﻟك اﻟﺤﺎل ﻓﯿﻤﺎ ﯿﺘﻌﻠق ﺒﻤﺼطﻠﺢ \"ﻋرب\". ﻓﺘﻘدﯿس اﻵﺒﺎء واﻷﺠداد ،إذن ،ﻛﺎن وﻤﺎ ﯿ ازل ﺠزءا ﻤن اﻟﻌﻘﯿدة اﻟﻌرﺒﯿﺔ ،أﻤﺎ ﻋﺒﺎدﺘﻬم ﻓﻼ .وﻋﻠﯿﻪ، طﻘس دﻓن اﻟﻤوﺘﻰ ﺘﺤت أرﻀﯿﺎت ﻛﻬوف اﻟﻤﻌﯿﺸﺔ ﯿﻤﺜل أﻗدم اﻟدﻻﺌل ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟﻌﻘﯿدة ﻓﻲ ﺤﻀﺎرﺘﻨﺎ اﻟﻌرﺒﯿﺔ. ﻛﻤﺎ ﻨﻼﺤظ ﻫﻨﺎ ﺤدوث ﺘطور آﺨر ﻓﻲ اﻟطﻘوس اﻟدﯿﻨﯿﺔ ﻋﻨد اﻹﻨﺴﺎن ﻤﻊ اﺴﺘﻤ ارر ﺘﻘﺴﯿﻤﻪ ﻟﻠوﺠود إﻟﻰ ﻤﺠﺎل ﻗدﺴﻲ ودﻨﯿوي .ﻓطﻠﻲ اﻟﺠﺜﺔ ﺒﺎﻟطﯿن اﻷﺤﻤر ﺘطوﯿر ﻟﻌدد اﻟرﻤوز اﻟﻤﺴﺘﺨدﻤﺔ ﻓﻲ اﻹﺸﺎرة إﻟﻰ اﻟﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ .اﻟﻠون اﻷﺤﻤر ﻫو ﻟون اﻟدم ،واﻟدم ﯿرﻤز إﻟﻰ ﻗوة اﻟﺤﯿﺎة ،ﺒﺎﻋﺘﺒﺎر أن ﺨروﺠﻪ ﻤن اﻟﺠﺴم ﯿﻘود إﻟﻰ اﻟﻀﻌف أو اﻟﻤوت .وطﻠﻲ اﻟﺠﺜﺔ ﺒﺎﻟطﯿن اﻷﺤﻤر رﻤز ﻟﻘوة اﻟﺤﯿﺎة ٕواﯿﺤﺎء ﺒﺎﺴﺘﻤ اررﯿﺘﻬﺎ .وﯿﺼﻌب ﺘﺤدﯿد ﻤﻔﻬوم اﻹﻨﺴﺎن ﻟﻠـﺒﺎس واﻟﺤﻠﻲ ﻀﻤن طﻘوس اﻟدﻓن ﺒﺸﻛل واﻀﺢ .ﻛذﻟك اﻟﺤﺎل ﻓﯿﻤﺎ ﯿﺘﻌﻠق ﺒﺎﻟﻬداﯿﺎ اﻟﺠﻨﺎزﯿﺔ اﻷﺨرى اﻟﺘﻲ اﺴﺘﺨدﻤﻬﺎ اﻹﻨﺴﺎن ،ﻤﻨذ اﻟﺤﺠري اﻟﻘدﯿم اﻷوﺴط ،ﻓﻲ اﻹﺸﺎرة إﻟﻰ اﻟﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ .ﻓﺎﻷدوات واﻟﺤﯿوان ﻤﺎ ﻛﺎن ﯿﻨظر ﻟﻬﻤﺎ اﻹﻨﺴﺎن ﻓﻲ ذﻟك اﻟﻌﺼر ﻛﻤﺎ ﯿﻨظر ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺒﺎﺴم وﻫوﯿﺔ وﺴﯿرة ﺤﯿﺎة ذاﺘﯿﺔ .ﻟذﻟك ،ﺠﺎء اﺨﺘﯿﺎرﻩ ﻟﻬﻤﺎ ﻓﻲ اﻟرﻤز إﻟﻰ اﻟﻘوة اﻟﻐﻔﻠﺔ ﻏﯿر اﻟﻤﺸﺨﺼﺔ .وﻨﺤن ﻤﻀطرون إﻟﻰ اﻻﻛﺘﻔﺎء ،ﻤﺒدﺌﯿﺎ ،ﺒﻤﺜل ﻫذا اﻟﺘﻌﻤﯿم ﻟﺤﯿن ظﻬور أدﻟﺔ ﻤﺴﺎﻨدة أو اﻛﺘﻤﺎل اﻟﺼورة اﻟﻛﺒرى ﻟﺘطور ﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻌﻘﯿدة ﻓﻲ ذﻫﻨﻨﺎ. ﻫذﻩ اﻟرﻤوز ﺘطورت وﺘﻨوﻋت ﻋﺒر اﻟﺘﺎرﯿﺦ ﻓﻲ ﻤﺤﺎوﻟﺔ اﻹﻨﺴﺎن اﻟﻤﺴﺘﻤرة اﻟوﺼول ﺒﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻤﺴﺘوى اﻟذي ﯿرﻀﻲ ﻓﻬﻤﻪ وﺘﺼورﻩ ﻟﻠوﺠود ﻛﻠﻤﺎ ازد ﻤﺨزوﻨﻪ اﻟﻤﻌرﻓﻲ .رﺴوم اﻟﺤﯿواﻨﺎت ،ﻤﺜﻼ، اﻟﺘﻲ ﺘﻊد أوﻟﻰ اﻟرﻤوز اﻟﺘﻲ ﺨﻠﻔﺘﻬﺎ ﻟﻨﺎ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ ﻓﻲ أﻤﺎﻛن ﻤﺨﺼﺼﺔ ﻟﻠﺘﻌﺒد ،ﺘطورت ﺒطرﯿﻘﺔ ﻤدﻫﺸﺔ ﻤﻊ دﺨوﻟﻨﺎ ﻓﻲ اﻷﻟف اﻟﺜﺎﻨﯿﺔ ﻋﺸرة ق.م .ﻓﻘد ﺒدأت ﺘظﻬر ﻋﻠﻰ ﺠد ارن اﻟﻛﻬوف ﻨﻘوش دﻤﺞ ﻓﯿﻬﺎ ﺤﯿوا انن ﻓﻲ رﺴم واﺤد ،ﻛﺄن ﯿﻛون اﻟﺠﺴد ﻟﺤﯿوان الﺠﺎﻤوس واﻟ أرس ﻟﻠﻐ ازل .ود ّﻋم ﻫذا اﻟﺘطور ظﻬور أﻛﺜر ﻤن 50رﺴ ًﻤﺎ ﻟﻤﺨﻠوق ﻋﺠﯿب دﻤﺞ ﻓﯿﻪ أﻛﺜر ﻤن ﺤﯿوان إﻟﻰ ﺠﺎﻨب 64
ﻣﻧذ اﻟﻘدم – 9000ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ اﻹﻨﺴﺎن ﯿﻌود ﺘﺎرﯿﺨﻪ إﻟﻰ 11000ق.م75. وﻗد ﺒدا ﻫذا اﻟﻤﺨﻠوق واﻗﻔﺎ ﻓﻲ اﻨﺤﻨﺎءة ﺨﻔﯿﻔﺔ ﻋﻠﻰ ﺴﺎﻗﯿن إﻨﺴﺎﻨﯿﺘﯿن ،ﺒﺠﺴد وذﯿل ﺤﺼﺎن وﻛﻔّ ْﻲ دب ووﺠﻪ ﺒوﻤﺔ وﻗرﻨﻲ وﻋل وﻟﻪ ﻟﺤﯿﺔ إﻨﺴﺎﻨﯿﺔ وأﻋﻀﺎء ﺘﻨﺎﺴﻠﯿﺔ ﻷﺴد. طرﯿﻘﺔ اﻟﺘﻔﻛﯿر اﻷروﺒﯿﺔ أﺼﺒﺤت واﻀﺤﺔ ﻟﻨﺎ اﻵن ،ﻓﻘد ﺘم إطﻼق ﻟﻘب اﻟﺴﺎﺤر ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟﻤﺨﻠوق واﻋﺘﺒر اﻟرﺴم ﺘﻤﺜﯿﻼ ﻟﺴﺎﺤر أو ﻛﺎﻫن اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ وﻗد ﺘﻨﻛر ﺒﻬذا اﻟﺸﻛل اﻟﻤﺨﯿف ﻟﯿزﯿد ﻤن اﻟﻘوة اﻟﺴﺤرﯿﺔ اﻟﻤطﻠوﺒﺔ ﻓﻲ ﺼﯿد اﻟط ارﺌد .ﺒل إن أﺤد أﻫم اﻟﻤ ارﺠﻊ ﻓﻲ ﻓن اﻟﻛﻬوف ،ﻋﺎﻟم ﺻورة :4رﺳم اﻟﻣﺧﻠوق اﻟﻣرﻛب ﻓﻲ اﻟﻛﮭوف اﻵﺜﺎر آﺒﻲ ﺒروﯿل ،ذﻫب إﻟﻰ ﺤد اﻗﺘ ارح أن )(Early Man ﻫذا اﻟﻤﺨﻠوق ﻫو ﺘﻤﺜﯿل ﻟﻺﻟﻪ اﻟذي ﻨزل ﻋﻠﻰ ﻛﺎﻫن اﻟﻘﺒﯿﻠﺔ ﺒﻬذا اﻟﺸﻛل 76.واﻟﻤدﻫش ﺤﻘﺎ أﻨﻪ ﺘم ﺘﻔﺴﯿر دﻤﺞ ﺤﯿواﻨﯿن ﻓﻲ رﺴم واﺤد ﻋﻠﻰ أﻨﻪ ﻤﺤﺎوﻟﺔ ﻤن اﻹﻨﺴﺎن ﻓﻲ ﺘوﻓﯿر اﻟوﻗت! ﻓﺒدﻻً ﻤن رﺴم ﺠﺎﻤوس وﻏ ازل ﺒﺸﻛل ﻛﺎﻤل ،ﻗﺎم اﻹﻨﺴﺎن ﺒﺎﺨﺘﺼﺎر اﻟوﻗت ﺒوﻀﻊ أرس اﻟﻐ ازل ﻋﻠﻰ ﺠﺴد الﺠﺎﻤوس ،ﻓﯿرى اﻟرﺴم ﺠﺎﻤو اس ﺒﺎﻟﺠﺴد وﯿ ارﻩ ﻏ ازﻻ ﺒﺎﻟ أرس77. ﺒطﺒﯿﻌﺔ اﻟﺤﺎل ،ﻟﯿس ﻟﻸﻤر ﻋﻼﻗﺔ ﺒﺄي ﺸﻲء ﻤن ﻫذا .ﻓﻤﺎ ﻨ ارﻩ ﻤن دﻤﺞ ﻫﻨﺎ ﻟﻬذﻩ اﻟرﻤوز ﻤﻊ ﺒﻌﻀﻬﺎ ﻓﻲ ﺸﻛل ﻤرﻛب واﺤد ،ﯿﺸﯿر إﻟﻰ ﻗ ارر اﻹﻨﺴﺎن إﻨﺘﺎج رﻤز ﺠدﯿد ﯿﻌﺒر ﻋن ﻋظﻤﺔ ﺸﻌورﻩ ﺒوﺤدة وﺘﻛﺎﻤل اﻟوﺠود ﺒﺸﻛل أﻗوى .ﻗ ارر ﻓﻛري ﺒﺎﻟدرﺠﺔ اﻷوﻟﻰ .ﻓﺒدﻻ ﻤن رﺴم أﻛﺜر ﻤن رﻤز ﻻﺴﺘﺤﻀﺎر اﻟﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ ،ﺘم ﺘﻛوﯿن رﻤز واﺤد ﯿﺠﻤﻊ اﻟرﻤوز اﻟﻘدﯿﻤﺔ ﻛﺘﻌﺒﯿر ﻗوي ﻋن ﻫذﻩ Howell, p. 149. 75 De La Croix & Tansey, p. 28. 76 Howell, p. 149. 77 65
ﻣﻧذ اﻟﻘدم – 9000ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ اﻟوﺤدة .وﻫو أﺴﻠوب ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺒﯿر ﺴﻨرى اﺴﺘﻤ اررﯿﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﻌﺼور اﻟﻼﺤﻘﺔ ﻟﻠﺤﻀﺎرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ ،وﺨﺎﺼﺔ ﻓﻲ اﻟﻌ ارق ﻛﺎﻷﺸﻛﺎل اﻟﺘﻲ ظﻬرت ﻓﻲ اﻷﺨﺘﺎم واﻟﻤﻨﺤوﺘﺎت ﻟﻤﺨﻠوﻗﺎت ﻏرﯿﺒﺔ ﻤرﻛﺒﺔ ﻤن ﺤﯿواﻨﯿن أو أﻛﺜر ،أو ﺤﯿوان ٕواﻨﺴﺎن .وﻟﻌل أﺸﻬرﻫﺎ ﻫو أﺒو اﻟﻬول اﻟذي ظﻬر ﻓﻲ وادي اﻟﻨﯿل وﺒﻼد اﻟﺸﺎم وﻋﻠﻰ اﻤﺘداد وادي اﻟﻔ ارت ﻓﻲ ﺘﻤﺎﺜﯿل وﻨﻘوش ورﺴوﻤﺎت ﻛﺜﯿرة ،واﻟذي ﻤﺜﻠﻪ أﯿﻀﺎ اﻟﺜور اﻟﻤﺠﻨﺢ ﺒ أرس إﻨﺴﺎن ﺤﯿث ﺘم ﻨﺤت ﺘﻤﺜﺎﻟﯿن ﻤﻨﻪ وﻀﻌﺎ ﻋﻠﻰ ﻤدﺨل ﻗﺼر ﺴرﺠون اﻟﺜﺎﻨﻲ ﻤﻠﻠك اﻵﺸورﯿﯿن ﺤواﻟﻲ 720ق.م. وﻫذا اﻟﻤﺨﻠوق اﻟﻤرﻛب اﻟﻌﺠﯿب ،ﻤن ﺨﻤﺴﺔ ﺤﯿواﻨﺎت ٕواﻨﺴﺎن ،ﯿﻤﺜل ﻟﻨﺎ أﻗﺼﻰ ﻤﺤﺎوﻻت اﻟدﻤﺞ ﻟﻠﺨروج ﺒرﻤز ﯿﻌﺒر ﻋن وﺤدة اﻟوﺠود ﻓﻲ ﻤظﺎﻫرﻩ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ .ﻓﻨﺤن ﻫﻨﺎ ﻟﺴﻨﺎ أﻤﺎم ﺘوﻓﯿر ﻓﻲ اﻟوﻗت وﻻ أﻤﺎم إﻟﻪ أو ﺴﺎﺤر ،ﻨﺤن ﻫﻨﺎ أﻤﺎم ﺘطور ﻓﻲ ﻨظﺎم اﻟرﻤز ﻟﻠﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ وﻋﻘﯿدة وﺤدة وﺘﻛﺎﻤل اﻟوﺠود .وﺴﯿﻛون ﻓﻲ ﻫذا اﻷﺴﻠوب اﻟﺠدﯿد ﻓﻲ اﻟرﻤز ﺘﺄﺜﯿرﻩ ﻓﻲ اﻟﺘﻘﻠﯿل ﻤن ﺸﺄن اﻟرﻤوز اﻟﻘدﯿﻤﺔ وﺘﺤوﯿﻠﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺘﺨﺼص ﻓﻲ اﻹﺸﺎرة إﻟﻰ ﺠﺎﻨب ﻤن ﺠواﻨب اﻟﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ ﻛﻤﺎ ﺴﻨرى ﻻﺤﻘﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ .وﻟﻛن أﻛﺜر ﻤﺎ ﯿﻬﻤﻨﺎ ﻫﻨﺎ ﻫو اﺴﺘﺨدام اﻟﻬﯿﺌﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ ﻀﻤن اﻟرﺴوﻤﺎت اﻟرﻤزﯿﺔ ،ﻛﻤﺎ ﯿﻬﻤﻨﺎ ﺘطور ﻗ ارر اﻹﻨﺴﺎن ﻤن ﻤﺠرد ﻤﺤﺎﻛﺎة ﻤظﺎﻫر اﻟوﺠود ﻛﻤﺎ ﻫﻲ إﻟﻰ إﻋﺎدة إﻨﺘﺎج ﻤظﺎﻫرﻩ ﺒﺸﻛل ﺠدﯿد ﺨﺎص ﺒﺎﻹﻨﺴﺎن ،ﻻ ﯿوﺠد ﻟﻪ ﻤﺜﯿل ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ اﻟﻤﻠﻤوس. ﻻ ﯿوﺠد ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﺘطو ارت ﻤﺎ ﯿدل ﻋﻠﻰ ﺤدوث ﺘﻐﯿر ﻤﻔﺎﺠﺊ أو طﺎرئ ﻋﻠﻰ اﻹﻨﺘﺎج اﻟﻤﻌرﻓﻲ اﻟﻌرﺒﻲ .ﻟﻘد ﻟﻤﺴﻨﺎ ﺠذور ﺘطور ﻨظرة اﻹﻨﺴﺎن إﻟﻰ ﻨﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﻗ اررﻩ إﻋﺎدة إﻨﺘﺎج ﺠزء ﻤن ﻤظﺎﻫر اﻟوﺠود ﻓﻲ رﺴوﻤﺎت اﻟﺤﯿواﻨﺎت وﻓﻲ ﻗ اررﻩ دﻓن اﻟﻤوﺘﻰ ﺘﺤت أرﻀﯿﺎت اﻟﻤﺴﺎﻛن .وﻋﻠﯿﻪ ،ﻓﻤن اﻟﻤﺘوﻗﻊ أن ﻨﻛﺘﺸف ﻗ ار ارت ﻓﻛرﯿﺔ ﺠدﯿدة ﻤﺒﻨﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﻤﺜل ﻫذا اﻟﺘوﺠﻪ اﻟﻌﺎم ﻓﻲ اﻟﻔﻛر اﻟﻌرﺒﻲ ﻟﺘﻠك اﻟﻔﺘرة .ﻟﻘد ﺘم زﯿﺎدة أﻫﻤﯿﺔ دور اﻹﻨﺴﺎن ﻓﻲ اﻟوﺠود درﺠﺔ أﺨرى اﻋﺘﻤدت ﻋﻠﻰ ﺴﺎﺒﻘﺘﻬﺎ ﺒﺤﯿث ﻟم ﯿﻌد ﻛﺎ ﯿﺎف اﻟﺘﻌﺒﯿر ﻋﻨﻬﺎ ﺒﺎﻟﻛﻨﺎﯿﺔ واﻹﺸﺎرة اﻟﻤﺒﻬﻤﺔ ﻟﻘد ارت اﻹﻨﺴﺎن ،ﺒل أﺨذت ﺸﻛﻼ أﻛﺜر ﻤﺒﺎﺸرة ووﻀوﺤﺎ ﺘﻤﺜل ﺒﻀم اﻟﻬﯿﺌﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ إﻟﻰ ﻤﺠﻤوﻋﺔ اﻟرﻤوز اﻟﻘدﺴﯿﺔ ﺼ ارﺤﺔ .ﻛﻤﺎ أن ﻗ ارر ﻓك ٕواﻋﺎدة ﺘرﻛﯿب ﻤظﺎﻫر اﻟوﺠود ﺒﺸﻛل ﺠدﯿد ،ﯿﺴﺎﻨد ﻫذﻩ اﻟﻤﺒﺎﺸرة ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺒﯿر ﻋن أﻫﻤﯿﺔ اﻹﻨﺴﺎن ودورﻩ اﻟﻤﺘﻌﺎظم .ﻓﺎﻟوﻛﯿل اﻟﺼﻐﯿر ﻟﻠﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎل اﻟدﻨﯿوي ﯿرى ﻟﻨﻔﺴﻪ دو ار أﻛﺒر ،ﻓﻬو 66
ﻣﻧذ اﻟﻘدم – 9000ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ ﻗد أﺼﺒﺢ ﻤﺘﻤﻛﻨﺎ وواﺜﻘﺎ ﻤن ﻓﻬﻤﻪ ﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻷﺸﯿﺎء إﻟﻰ درﺠﺔ أﻨﻪ ﺴﻤﺢ ﻟﻨﻔﺴﻪ إﻨﺘﺎج ﻤظﺎﻫر ﺠدﯿدة ﻟﻠوﺠود ﻟﯿس ﻟﻬﺎ ﻤﺜﯿل ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ اﻟﻤﻠﻤوسٕ .وان ﻛﺎن ﻋﻠﯿﻨﺎ أﻻ ﻨﻌطﻲ ﻤﺜل ﻫذﻩ اﻟﺘطو ارت ﻓﻲ اﻟﻔﻛر اﻟﻌرﺒﻲ أﻛﺜر ﻤﻤﺎ ﺘﺴﺘﺤق .ﻓﻤن اﻟﺼﻌب أن ﻨﺤدد ﻤﺴﺎرﻫﺎ ﺒﺎﻟﺸﻛل اﻟﻤطروح أﻋﻼﻩ ،أو أﻨﻬﺎ اﺘﺒﻌﺘﻪ ﺒﺎﻟﻀرورة .إﻻ أن ﻀم اﻟﻬﯿﺌﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ إﻟﻰ رﻤز ﻗدﺴﻲ ﺸﻤل ﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻤن اﻟﺤﯿواﻨﺎت ﯿﺒدو ﺘﺤﻀﯿ ار ﻟظﻬورﻫﺎ ﻛرﻤز ﻤﺴﺘﻘل ﺒﺤد ذاﺘﻬﺎ ﻟﻠﺘدﻟﯿل ﺼ ارﺤﺔ ﻋﻠﻰ زﯿﺎدة اﻷﻫﻤﯿﺔ اﻟﺘﻲ أﺨذ اﻹﻨﺴﺎن ﯿﻌطﯿﻬﺎ ﻟﻨﻔﺴﻪ. ﻟذﻟك ،ﻟم ﯿﻨﺤﺼر اﺴﺘﺨدام اﻟﻬﯿﺌﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ ﻓﻲ ذﻟك اﻟرﺴم اﻟﻤرﻛب وﻟﻛن ظﻬرت رﺴوﻤﺎت ﻨﺎدرة ﺠدا ،ﻛﺒداﯿﺎت ﺘﺤول ﺠدﯿدة ،ﻟﻬﯿﺌﺔ إﻨﺴﺎﻨﯿﺔ ﻤﺨﺘزﻟﺔ ﺒﺸﻛل ﻛﺒﯿر ﻻ ﺘﺘﻌدى رﺴم ﺨطوط ﺘﻤﺜل اﻟﺠﺴد واﻷط ارف .وﻫذﻩ اﻟرﺴوﻤﺎت ﻓﻲ اﻟﻛﻬوف اﻟﻔ ارﻨﻛو-ﻛﻨﺘرﺒﯿرﯿﺔ ،ظﻬرت ﻤﻤﺎﺜﻠﺔ ﺘﻤﺎﻤﺎ ﻟرﺴوﻤﺎت اﻛﺘﺸﻔت ﻋﻠﻰ ﺒﻌض اﻟﺼﺨور ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﺤل اﻟﺸرﻗﻲ ﻟﻠﺨﻠﯿﺞ اﻟﻌرﺒﻲ 78.وﻫو اﻛﺘﺸﺎف ﻤدﻫش ﺤﻘﺎ ﯿﻤﺜل أواﺌل اﻷدﻟﺔ اﻟﻤﺎدﯿﺔ ﻋﻠﻰ وﺠود ﺜﻘﺎﻓﺔ واﺤدة ﻋﻠﻰ اﻤﺘداد ﻫذﻩ اﻟرﻗﻌﺔ اﻟﺠﻐ ارﻓﯿﺔ اﻟﻛﺒﯿرة ﻤﻨذ اﻷﻟف اﻟﺜﺎﻨﯿﺔ ﻋﺸرة ق.م .واﻟﺴؤال اﻟذي ﯿطرح ﻨﻔﺴﻪ اﻵن ﻫو ﻋﻤﺎ ﻛﺎﻨت ﺘﻤﺜﻠﻪ ﻫذﻩ اﻟرﺴوﻤﺎت ﻟﻠﻬﯿﺌﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ ﺒﺎﻟﺸﻛل اﻟذي ظﻬرت ﻋﻠﯿﻪ. ﺻورة :5ھﯾﺋﺔ اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻣﺧﺗزﻟﺔ ﻓﻲ رﺳوﻣﺎت اﻟﻛﮭوف إن اﻟﻤﻬﺎرة اﻟﻔﻨﯿﺔ اﻟﻌﺎﻟﯿﺔ اﻟﺘﻲ ظﻬرت ﻓﻲ رﺴم )(Art Through the Ages اﻟﺤﯿواﻨﺎت ،ﺘﻨﻔﻲ ﻋن اﻹﻨﺴﺎن ﻋﺠزﻩ ﻋن رﺴم ﺼورة دﻗﯿﻘﺔ وواﻗﻌﯿﺔ ﻟﻨﻔﺴﻪ .وﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ،اﻟﻨظر إﻟﯿﻬﺎ ﻛﻤﺤﺎوﻻت طﻔوﻟﯿﺔ وﺘﺠﺎرب ﻋﻠﻰ رﺴم اﻟﻬﯿﺌﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ ﯿﻌد أﻤ ار ﺴﺎذجا وﻏﯿر ﻤﻨطﻘﻲ .ﻓﻬذا اﻟﺘﺠرﯿد واﻻﺨﺘ ازل اﻟﻛﺒﯿر ﻛﺎن ﻤﺘﻌﻤدا ،ﻟﯿس ﻓﻘط ﻛﺠزء ﻤن اﻟﺘﺠرﯿد واﻻﺨﺘ ازل اﻟذي ﻤﺜﻠﺘﻪ رﺴوﻤﺎت دﻤﺞ اﻟﺤﯿواﻨﺎت ،وﻟﻛن أﯿﻀﺎ ﻛﺠزء ﻤن ﺘﺠﻨب اﻹﻨﺴﺎن إﻋطﺎء اﻟﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻓﻲ اﻟوﺠود ﺼﻔﺎت وﻫوﯿﺔ ﻤﻤﺎﺜﻠﺔ ﻟﺼﻔﺎت وﻫوﯿﺔ اﻹﻨﺴﺎن .ﻓﺎﻟﻘوة اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻓﻲ اﻟوﺠود اﺴﺘﻤرت طوال اﻟﺘﺎرﯿﺦ 78اﻷﺣﻣد ـ ﺗﺎرﯾﺦ ،ص .191 67
ﻣﻧذ اﻟﻘدم – 9000ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ اﻟﻌرﺒﻲ ،ﻛﻤﺎ ﺴﯿﺘﻀﺢ ﻤﻌﻨﺎ ،ﻏﺎﻤﻀﺔ اﻟﻤﻼﻤﺢ ﻟﯿس ﻛﻤﺜﻠﻬﺎ ﺸﻲء .ﻟذﻟك ،ﻀﻤت اﻟﻬﯿﺌﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ إﻟﻰ اﻟرﻤوز اﻟﻘدﺴﯿﺔ ﺒﺘﻠك اﻟﺼورة اﻟﻤﺨﺘزﻟﺔ ﻏﯿر واﻀﺤﺔ اﻟﻤﻌﺎﻟم وﻻ اﻟﺠﻨس .وﻨدرﺘﻬﺎ ،ﻟﺘﻠك اﻟﻔﺘرة، ﺘدل ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﻛﺎﻨت ﺠزءا ﻤن إﻋﺎدة ﺼﯿﺎﻏﺔ ﻟﻠﻌﻘﯿدة اﺠﺘﺎﺤت اﻟﻤﻨطﻘﺔ اﻟﻌرﺒﯿﺔ ﺘدرﯿﺠﯿﺎ ﻤﻊ اﻗﺘ ارﺒﻨﺎ ﻤن 10000ق.م ،ﺼﯿﺎﻏﺔ ﺠدﯿدة ﻨﺴﺞ ﺒﻬﺎ إﻨﺘﺎج ﻤﻌرﻓﻲ ﺠدﯿد ظﻬرت ﺒوادرﻩ ﺒﻤﺜل ﻫذﻩ اﻟرﺴوﻤﺎت .ﻓﺎﻟﺘﻐﯿ ارت اﻟﺘﻲ ﺘظﻬر ﻓﻲ أﺤد أﻓرع اﻹﻨﺘﺎج اﻟﻤﻌرﻓﻲ ،ﻛﺎﻷدب ﻤﺜﻼ ،ﻻ ﺒد وأن ﺘﻛون ﻀﻤن ﺘوﺠﻪ ﻋﺎم ﯿﺸﻤل اﻹﻨﺘﺎج اﻟﻤﻌرﻓﻲ ﻛﻛل ،ﺘطو ارت ﻓﻲ اﻟﻔﻛر ﯿ ارﻓﻘﻬﺎ ﺘطو ارت ﻓﻲ اﻷدب ﯿ ارﻓﻘﻬﺎ ﺘطو ارت ﻓﻲ اﻟﻔن ،ﻓﻲ اﻟﻌﻠوم واﻟﺘﻘﻨﯿﺔ وأﺴﺎﻟﯿب اﻟﺤﯿﺎة ،ﻷﻨﻬﺎ ﺠﻤﯿﻌﻬﺎ ﺴﺘﻛون ﻤﻨﺴوﺠﺔ ﺒﺨﯿط واﺤد ،ﺒﺘﻌدﯿﻼت ﻋﻠﻰ ﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻌﻘﯿدة ﺒﺎﻷﺴﺎس .ﻟذﻟك ،ﻤﺎ ظﻬر ﻤن دﻤﺞ ﻷﻛﺜر ﻤن ﺤﯿوان، ﻛﺘطوﯿر ﻟﻠرﻤوز اﻟﻘدﺴﯿﺔ ،وﻤﺎ ظﻬر ﻤن إدﺨﺎل ﻟﻠﻬﯿﺌﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ ﻓﯿﻬﺎ ﺴﯿﻛون ﻤﻨﺴوﺠﺎ ﺒﺘﻌدﯿﻼت ﻋﻠﻰ ﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻌﻘﯿدة .وﻫذا ﯿﻔﺘرض اﻛﺘﺸﺎف ﻤظﺎﻫر أﺨرى ﻓﻲ اﻹﻨﺘﺎج اﻟﻤﻌرﻓﻲ وﻗد ظﻬر ﻓﯿﻬﺎ ﻫذا اﻟﺘطور اﻟﻤﺒﻨﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺠرﯿد واﻻﺨﺘ ازل ،اﻟدﻤﺞ واﻟﺘرﻛﯿب ،وﻤن ﺜم اﻟﺘرﻛﯿز ﻋﻠﻰ اﻟﻬﯿﺌﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ ﻤﻊ دﺨوﻟﻨﺎ اﻷﻟف اﻟﻌﺎﺸرة ق.م .ﻓﻬل ﻨﻤﻠك ﻤﻌﻠوﻤﺎت ﺘؤﯿد ذﻟك؟ ﻟﻘد أﺸرﻨﺎ ﺴﺎﺒﻘﺎ إﻟﻰ اﻟﺘﺠرﺒﺔ اﻟوﺠدﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﯿﻤر ﺒﻬﺎ اﻹﻨﺴﺎن وأﻨﻬﺎ ﻟﯿﺴت ﺤﻛ ار ﻋﻠﻰ ﺤﻀﺎرة ﻤﺎ أو ﻓﺘرة زﻤﻨﯿﺔ ﻤﻌﯿﻨﺔ .وﻗﻠﻨﺎ إن أﺼﺤﺎب ﻫذﻩ اﻟﺘﺠرﺒﺔ ﯿﻌﺠزون ﻋن ﺸرﺤﻬﺎ ﻟﻐﯿرﻫم ﻷن أدوات اﻟﺘواﺼل اﻟﻤﺴﺘﺨدﻤﺔ ﻻ ﺘﻔﯿﻬﺎ ﺤﻘﻬﺎ ،ﻓﻬﻲ ﺘﺠرﺒﺔ ﺨﺎرﺠﺔ ﻋن اﻟﻤﺄﻟوف وأدوات اﻟﺘواﺼل ﻤﺤﺼورة ﺒﺎﻟﻤﺄﻟوف، ﻤﻤﺎ ﯿدﻓﻊ أﺼﺤﺎب اﻟﺘﺠرﺒﺔ أو أﺘﺒﺎﻋﻬم ،إﻟﻰ اﺴﺘﺨدام ﻫذﻩ اﻷدوات ﻛرﻤز ﻤﺤﻤﻠﯿن اﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﻤﺄﻟوف ﻓﻲ أدوات اﻟﺘواﺼل ﻤﻌﻨﻰ ،أو ﺠﻤﻠﺔ ﻤن اﻟﻤﻌﺎﻨﻲ اﻟﺠدﯿدة اﻟﻐﺎﻤﻀﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺘﻨﺘﻤﻲ إﻟﯿﻪ .ﻓﺎﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﻤﺄﻟوف ﯿوﺤﻲ إﻟﯿﻬﺎ وﻟﻛﻨﻪ ﻻ ﯿﺼﻔﻬﺎ .اﻟرﻤز ،إذن ،ﻫو اﺴﺘﻌﺎرة اﻟﻤﺄﻟوف ﻹﻋطﺎء ﻤﻌﻨﻰ ﻟﻐﯿر اﻟﻤﺄﻟوف .وأدوات اﻟﺘواﺼل اﻟﺘﻲ ﺘﺤﻤل اﻟﻤﻌﺎﻨﻲ ﺘﻨﻘﺴم ﺒﺸﻛل ﻋﺎم إﻟﻰ ﺠ أزﯿن :ﺘﺼوﯿرﯿﺔ؛ ﺘﻤﺘﺎز ﺒﻘدرﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ إﻋطﺎء اﻟﻤﻌﻨﻰ دﻓﻌﺔ واﺤدة ﺒﻤﺠرد اﻟﻨظر إﻟﯿﻬﺎ ،وﻟﻐوﯿﺔ؛ ﯿﺘﻛﺸف اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻓﯿﻬﺎ ﻋﻠﻰ دﻓﻌﺎت/ﻤ ارﺤل إن ﻛﺎن ﺒﺴﻤﺎﻋﻬﺎ أو ﻗ ارءﺘﻬﺎ .واﻋﺘﻤد اﻹﻨﺴﺎن ﻓﻲ ﺘﺴﺠﯿل وﺘوﺜﯿق ﻤﻌﺎﻨﯿﻪ ،ﻓﻲ اﻟﺒداﯿﺔ ،ﻋﻠﻰ أدوات اﻟﺘواﺼل اﻟﺘﺼوﯿرﯿﺔ ﻷﻨﻪ ﻟم ﯿﻛن ﻗد وﺠد طرﯿﻘﺔ ﺒﻌد ﻟﺴطر اﻟﻠﻐﺔ .ﻓﺎﻨﺘﻘﻰ ﻤن ﺒﯿﺌﺘﻪ ﻤﺎ ﯿﺨدم اﻟﻤﻌﺎﻨﻲ اﻟﺘﻲ ﯿرﯿدﻫﺎ وﺼّورﻫﺎ ﻓﻲ رﺴوﻤﺎت وﻤﻨﺤوﺘﺎت .وﻓﻲ ﻛﻠﺘﺎ اﻟﺤﺎﻟﺘﯿن، 68
ﻣﻧذ اﻟﻘدم – 9000ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ اﻟﺘﺼوﯿرﯿﺔ واﻟﻠﻐوﯿﺔ ،ﺘﻤﺘﻠك اﻟﻤﻌﺎﻨﻲ درﺠﺔ ﻤن اﻟﻤروﻨﺔ ﻓﯿﻤﺎ ﺘوﺤﻲ إﻟﯿﻪ ﺘؤﺜر ﻓﻲ وﺼف وﺸرح اﻟﻤوﻀوع اﻟذي ﯿ ارد اﻟﺘﻌﺒﯿر ﻋﻨﻪ. ﻟذﻟك ﺤﯿن ﯿﺼوغ اﻹﻨﺴﺎن ﻋﻘﯿدﺘﻪ ،ﻓﻲ ﻤﺤﺎوﻟﺘﻪ ﺸرح اﻟﺘﺠرﺒﺔ اﻟوﺠدﯿﺔ وﻤﺎ ﺘﺤﻤﻠﻪ ﻤن ﻤﻌﻨﻰ ،ﯿﻘوم ﺒذﻟك ﻤﺤﻛوﻤﺎ ﺒﻤروﻨﺔ أدوات اﻟﺘواﺼل اﻟﺘﻲ ﯿﻤﻠﻛﻬﺎ ﻓﻲ ﻗدرﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺸﻛل ﻹﻋطﺎء اﻟﻤﻌﻨﻰ .وﻫذﻩ اﻟﻤروﻨﺔ ﺘزداد ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ طردﯿﺔ ﻤﻊ اﻟﻤﺨزون اﻟﻤﻌرﻓﻲ ،ﻷن اﻟزﯿﺎدة ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺎرف ﺘﻔرض ﻀرورة اﻟﺘﻌﺒﯿر ﻋﻨﻬﺎ ﺒﺼورة أو ﺒﺄﺨرى ،إﻤﺎ ﺒرﻓﻊ ﻤروﻨﺔ أدوات اﻟﺘواﺼل/اﻟﻤﻌﺎﻨﻲ اﻟﻘدﯿﻤﺔ ﻟﯿﻛون ﺒﺈﻤﻛﺎﻨﻬﺎ اﺤﺘواء اﻟﺘﻌﺒﯿر ﻋﻨﻬﺎ ،أو ﺒﺈﯿﺠﺎد أدوات ﺘواﺼل/ﻤﻌﺎن ﺠدﯿدة إذا اﺤﺘﺎج اﻷﻤر .وﻤن ﺜم ،ﻛﻠﻤﺎ ازد اﻟﻤﺨزون اﻟﻤﻌرﻓﻲ ،وﺠد اﻹﻨﺴﺎن ﺤﺎﺠﺔ ﻹﻋﺎدة ﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻌﻘﯿدة ﻓﻲ ﺴﻌﯿﻪ اﻟﻤﺴﺘﻤر إﻟﻰ ﺸرح أدق وأوﻀﺢ ﻟﻠﺘﺠرﺒﺔ اﻟوﺠدﯿﺔ. وﯿرﺠﻰ ﻫﻨﺎ ﻤ ارﻋﺎة اﻟﻔرق اﻟﻛﺒﯿر ﺒﯿن اﻟﻤﺨزون اﻟﻤﻌرﻓﻲ واﻟﺤﺎﺠﺔ إﻟﻰ إﻋﺎدة ﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻌﻘﯿدة ﻤن ﺠﻬﺔ ،وﺒﯿن اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ ﺒﺤد ذاﺘﻬﺎ ﻤن ﺠﻬﺔ أﺨرى .ﻓﺎﻟﺸﻛل اﻟﻨﻬﺎﺌﻲ اﻟذي ﺘﺄﺨذﻩ اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﺠدﯿدة ﯿﻌﺘﻤد ﻋﻠﻰ ﺼﺎﺤﺒﻬﺎ ﺒﺎﻟدرﺠﺔ اﻷوﻟﻰ -إن ﻛﺎن ﻫو ﻨﻔﺴﻪ ﺼﺎﺤب اﻟﺘﺠرﺒﺔ اﻟوﺠدﯿﺔ أم أﺤد أﺘﺒﺎﻋﻪ- إﻟﻰ ﺠﺎﻨب ﻗد ارﺘﻪ اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ ﻤن درﺠﺔ ذﻛﺎئه وﻗدرﺘﻪ ﻋﻠﻰ اﻻﺒﺘﻛﺎر ،وﻤﻬﺎرﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺎﻤل ﻤﻊ أدوات اﻟﺘواﺼل ،إﻟﻰ أﻫداﻓﻪ وطﻤوﺤﺎﺘﻪ اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ وﻤدى اﻟﺘﻘﺎئﻫﺎ ﻤﻊ أﻫداف وطﻤوﺤﺎت اﻵﺨرﯿن ﻤن ﺤوﻟﻪ. وﻤن ﺜم ،إذا ﻛﺎن اﻟﺘﺠرﯿد واﻻﺨﺘ ازل ،اﻟدﻤﺞ واﻟﺘرﻛﯿب ﯿﻬدﻓﺎن إﻟﻰ اﻟﺨروج ﺒرﻤوز ﻗدﺴﯿﺔ ﺠدﯿدة ﺘﻌﺒر ﻋن رؤﯿﺔ اﻟوﺠود ﻛوﺤدة واﺤدة ﺘﻛﻤل ﻤظﺎﻫرﻩ ﺒﻌﻀﻬﺎ ﺒﻌﻀﺎ ،ﻓﻬذا ﯿدل ﻋﻠﻰ ﻤﺤﺎوﻟﺔ ﺘطوﯿر أدوات اﻟﺘواﺼل اﻟﻘدﯿﻤﺔ ،ﺒرﻓﻊ ﻤروﻨﺘﻬﺎ ،ﻟﺘﺼﺒﺢ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﺒﯿر ﻋﻤﺎ ﯿرﯿدﻩ ﺼﺎﺤب ﻫذﻩ اﻟرؤﯿﺔ. ﻟﻛن ﻫذا اﻷﺴﻠوب ﻓﯿﻪ ،أﯿﻀﺎ ،ﺘوﺠﻪ إﻟﻰ اﻟﺘﺠرﯿد ،ﺒﻤﻌﻨﻰ اﺴﺘﺤداث رﻤوز ﻻ ﺘﺤﺎﻛﻲ اﻟواﻗﻊ ﻟﻠﺘﻌﺒﯿر ﻋن ﻓﻛرة ﻤﺎ؛ ﻓﺎﻟﺜﯿ ارن واﻟوﻋول واﻟﺨﯿول اﻟﺒرﯿﺔ ﻛﺎﻨت رﻤو از ﻟﻠﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ اﻟﺴﺎرﯿﺔ ﺘﺤﺎﻛﻲ اﻟواﻗﻊ اﻟﻤﺸﺎﻫد ،ﯿﻤﻛن اﻟﺘﻌرف ﻋﻠﯿﻬﺎ ورؤﯿﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺒ ارري ﻤن د ارﺴﺘﻨﺎ ﻟﻠرﺴم .أﻤﺎ ﻫذﻩ اﻟرﻤوز اﻟﺠدﯿدة، ﻛﺎلﺠﺎﻤوس ﺒ أرس ﻏ ازل ،ﻓﻬﻲ ﻏﯿر واﻗﻌﯿﺔ وﻻ ﯿوﺠد ﺸﺒﯿﻪ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺒ ارري .ﻛذﻟك اﻷﻤر ﻓﯿﻤﺎ ﯿﺘﻌﻠق 69
ﻣﻧذ اﻟﻘدم – 9000ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ ﺒذﻟك اﻟﻤﺨﻠوق اﻟﻤرﻛب ﻤن ﺨﻤﺴﺔ ﺤﯿواﻨﺎت ٕواﻨﺴﺎن ،ﻓﻬو رﻤز ﻏﯿر واﻗﻌﻲ وﻻ ﯿﻤﻛن ﻤﺸﺎﻫدة ﺸﺒﯿﻪ ﻟﻪ ﺒﯿن اﻟﻤﺨﻠوﻗﺎت .وﻫذا ﻤﺎ ﻨﻘﺼدﻩ ﺒﺎﻟﺘﺠرﯿد ﻓﻲ ﻤﺤﺎوﻟﺔ اﻟﺘﻌﺒﯿر ﻋن ﻓﻛرة ﻤﺎ .وﻟﻛن إذا ﻛﺎن ﺒﺎب ﺘطوﯿر أدوات اﻟﺘواﺼل اﻟﻘدﯿﻤﺔ ﻗد ﻓﺘﺢ ،وﻛﺎن اﻟﺘﺠرﯿد ﻫو اﻟﺘوﺠﻪ اﻟﻌﺎم ،ﻓﻼ ﯿوﺠد ﻤﺎ ﯿﻤﻨﻊ ﻨﺠﺎح اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ ﻓﻲ إﯿﺠﺎد أدوات ﺘواﺼل ﺠدﯿدة ﻛﻠﯿﺎ ﺘﻌﺒر وﺘﺴﺠل ﻤن ﺨﻼﻟﻬﺎ ﻓﻛرﻫﺎ .وﺒﻤﺎ أن أﻋﻠﻰ ﻤ ارﺘب اﻟﺘﺠرﯿد ﻓﻲ أدوات اﻟﺘواﺼل ﻫذﻩ ﻫﻲ اﻟﻠﻐوﯿﺔ ،ﺒﻤﻌﻨﻰ اﻟﻛﺘﺎﺒﺔ ،ﻓﻬل ﻨﺠﺤت اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ ﺒﺎﺨﺘ ارﻋﻬﺎ ﻤﻨذ ذﻟك اﻟﻌﺼر اﻟﻤﺒﻛر؟ ﻓﻲ ﻋﺎم ،1989ﺘم اﻟﻌﺜور ﻋﻠﻰ آﺜﺎر ﻗرﯿﺔ ﺘﻌود إﻟﻰ اﻷﻟف اﻟﻌﺎﺸرة ق.م ﻓﻲ ﻤﻨطﻘﺔ ﺒﺌر أﺤﻤد ﻋﻠﻰ اﻟﻔ ارت ﻓﻲ ﺴورﯿﺔ .وﻓﻲ ﺘﺸرﯿن اﻷول ،1996أﻋﻠﻨت اﻟﺒﻌﺜﺔ ﻋن اﻛﺘﺸﺎﻓﻬﺎ ﻟﺜﻼﺜﺔ أﻟواح ﺘﻌود إﻟﻰ ﺘﻠك اﻟﻔﺘرة ﺘﺤﻤل ﻨﻘوﺸﺎً ﻤن إﺸﺎ ارت ﻤﺠردة ورﺴوﻤﺎت ﺒﺴﯿطﺔ ﻓﻲ ﻟﻐﺔ أﺤدﺜت \"ﺜورة ﻓﻲ ﻋﺎﻟم اﻟﻛﺘﺎﺒﺔ 79\".وأﺸﺎر ﺒﯿﺎن اﻟﺒﻌﺜﺔ إﻟﻰ أن اﻟﺨﺒ ارء ﯿﻌرﻓون ﻨﻤﺎذج ﻟﻠﻛﺘﺎﺒﺔ \"ﻤن ط ارز ﻫﻨدﺴﻲ، ورﺴوﻤﺎت ﺤﯿواﻨﯿﺔ .وأن اﻟﺠدﯿد ﻓﻲ اﻻﻛﺘﺸﺎف اﻷﺨﯿر ﯿﺘﻤﺜل ﺒﺠﻤﻊ رﺴوﻤﺎت ﻤﺒﺴطﺔ ﻟﺤﯿواﻨﺎت ﻤﻊ إﺸﺎ ارت ﻤﺠردة ﺠﻤﻌت ﺒﺄﺸﻛﺎل ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺒﺤﯿث ﻛوﻨت ﻨﺼوﺼﺎ 80\".واﻋﺘﺒروا ذﻟك \"ﺒداﯿﺔ اﻟﻛﺘﺎﺒﺔ\". إذن ،ﻫﻨﺎك ﻤظﻬر آﺨر ﻤن ﻤظﺎﻫر اﻹﻨﺘﺎج اﻟﻤﻌرﻓﻲ ﻟﻠﺤﻀﺎرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ ﯿؤﯿد ﻤﺎ ذﻫ ابن إﻟﯿﻪ .وﻋﻠﻰ أﻫﻤﯿﺘﻪ وﻋظﻤﺘﻪ ،ﻓﻬو ﻻ ﯿﻤﺜل اﻟدﻟﯿل اﻟوﺤﯿد .ﻓﻬﻨﺎك أدﻟﺔ أﺨرى ﺠﺎءﺘﻨﺎ ﻤن اﻟﻠﻘﻰ واﻟﻤﻌﺎﻟم اﻷﺜرﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺘﻌود إﻟﻰ اﻷﻟف اﻟﻌﺎﺸرة ق.م ،وﻤﺎ ﺤوﻟﻪ ،ﺘدﻋم ﺤدوث إﻋﺎدة ﺼﯿﺎﻏﺔ ﻟﻠﻌﻘﯿدة ﻨﺴﺞ ﺒﻬﺎ ﻤﺜل ﻫذا اﻹﻨﺘﺎج .وﻟﻛن ﻗﺒل أن ﻨﺴﺘﻌرض ﻫذﻩ اﻷدﻟﺔ ،ﻻ ﺒد ﻟﻨﺎ ﻤن وﻗﻔﺔ ﻗﺼﯿرة ﻤﻊ ﻤﻔﻬوم إﻋﺎدة اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ ﻫذا .وﻨﺤن ﻨﺴﺘﻤﯿﺢ ﻋذر اﻟﻘﺎرئ ﻋﻠﻰ ﻤﺜل ﻫذﻩ اﻟوﻗﻔﺎت ،ﻓﺎﻹﺼ ارر ﻋﻠﻰ رؤﯿﺔ اﻟﺼورة اﻟﻛﻠﯿﺔ اﻷﺸﻤل ﯿﻔرض ﻋﻠﯿﻨﺎ إﻋﺎدة ﺘرﺘﯿب اﻷو ارق ﺒﺸﻛل دوري .ﻟﻘد أﺸرﻨﺎ ﺴﺎﺒﻘﺎ إﻟﻰ أﺴﺒﺎب ﻤﺤﺘﻤﻠﺔ ﻹﻋﺎدة اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ ودور اﻟﻤﺨزون اﻟﻤﻌرﻓﻲ ﻓﻲ ذﻟك إﻟﻰ ﺠﺎﻨب ﺼﺎﺤب اﻟﺘﺠرﺒﺔ اﻟوﺠدﯿﺔ وأﺘﺒﺎﻋﻪ .ﻟﻨﻔﺘرض أن ﺼﺎﺤب ﺘﺠرﺒﺔ وﺠدﯿﺔ ،ﻓﻲ ﻤﻛﺎن ﻤﺎ ﻤن اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺒﻲ ،ﻛﺎن ﯿﻤﺘﻠك اﻟﻤﺨزون 79ﻛﻣﺎ ﺟﺎء ﻋﻠﻰ ﻟﺳﺎن رﺋﯾس اﻟﺑﻌﺛﺔ ،أوردﺗﮫ ﺟرﯾدة اﻟﺣﯾﺎة اﻟﻠﻧدﻧﯾﺔ ،ﻟﻧدن ،اﻟﻌدد ،12330اﻟﺧﻣﯾس .1996/11/23 80اﻟﻣرﺟﻊ ﻧﻔﺳﮫ. 70
ﻣﻧذ اﻟﻘدم – 9000ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ اﻟﻤﻌرﻓﻲ واﻟﻘد ارت اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ اﻟﻼزﻤﺔ ﻹﻋﺎدة ﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻌﻘﯿدة وﻨﺸرﻫﺎ ﺒﯿن اﻟﻨﺎس .إن إﻋﺎدة اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ ﻫذﻩ ﺒﺤﺎﺠﺔ إﻟﻰ ﻓﺘرة زﻤﻨﯿﺔ ،ﻗد ﺘطول أو ﺘﻘﺼر ،ﺤﺘﻰ ﺘﻨﺠﺢ ﻓﻲ اﺴﺘﺒدال اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻘدﯿﻤﺔ .ﻓﻬﻲ ،إذن ،ﺴﺘﻌﯿش ﺠزءا ﻤن ﺤﯿﺎﺘﻬﺎ ﺠﻨﺒﺎ إﻟﻰ ﺠﻨب ﻤﻊ اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻘدﯿﻤﺔ ﻓﻲ ﻓﺘرة اﻨﺘﻘﺎﻟﯿﺔ ﯿظﻬر ﻓﯿﻬﺎ ﺘﺸﺎﺒك اﻹﻨﺘﺎج اﻟﻤﻌرﻓﻲ ﻟﻬﺎ ﻤﻊ اﻹﻨﺘﺎج اﻟﺴﺎﺒق .ﻫذا إﻟﻰ ﺠﺎﻨب أن اﻻﻨﺘﻘﺎل ﻤن ﺼﯿﺎﻏﺔ إﻟﻰ أﺨرى ،ﻻ ﯿﺘم ﻓﻲ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟواﺤدة ﺒﯿن ﻟﯿﻠﺔ وﻀﺤﺎﻫﺎ أو ﻋﻠﻰ اﻤﺘداد رﻗﻌﺘﻬﺎ اﻟﺠﻐ ارﻓﯿﺔ ﻛﻛل ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻨﻔسه .ﻓﻬﻨﺎك داﺌﻤﺎ ﺘداﺨل واﻤﺘ ازج ﺒﯿﻨﻬﻤﺎ ﯿﺠﻌل ﻤن وﻀﻊ ﻓﺎﺼل زﻤﻨﻲ ﺒﯿن ﻫذﻩ اﻟﻔﺘرة وﺘﻠك ﺒﻌﯿدا ﻋن اﻟواﻗﻊ ﺒل واﻟﻤﻨطق أﯿ ًﻀﺎ .وﻟﯿس ،ﺒﺎﻟﻀرورة ﻛذﻟك ،أن ﺘﻨﺠﺢ إﻋﺎدة اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ ﺒﺎﺴﺘﺒدال اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻘدﯿﻤﺔ ﻛﺎﻤﻠﺔ .ﻓﻌﺎدة ﻤﺎ ﯿﺤدث ﺼ ارع ﺒﯿﻨﻬﻤﺎ ﻗد ﯿؤدي إﻟﻰ إﺨﻔﺎق اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﺠدﯿدة أو اﻟﺨروج ﺒﺼﯿﺎﻏﺔ ﺜﺎﻟﺜﺔ أﺨرى .وﻫذا ،ﻓﻲ ﺤد ذاﺘﻪ ،ﯿﻔﺘرض أﻨﻪ ﻓﻲ زﻤن ﻤﺎ ﻟم ﯿﺨرج ﺴوى ﺼﺎﺤب ﺘﺠرﺒﺔ وﺠدﯿﺔ واﺤدة ،ﻓﻘد ﯿﻛون ﻫﻨﺎك أﻛﺜر ﻤن ﺼﺎﺤب ﺘﺠرﺒﺔ وأﻛﺜر ﻤن ﻤﺤﺎوﻟﺔ ﻹﻋﺎدة اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ ﻤﻤﺎ ﯿزﯿد اﻷﻤور ﺘﻌﻘﯿًدا .وﻫذا أﻤر ﻋﻠﻰ ﺠﺎﻨب ﻛﺒﯿر ﻤن اﻷﻫﻤﯿﺔ ﻟﯿس ﻓﻘط ﻓﻲ ﻓﻬﻤﻨﺎ ﻟﻠﺘﺎرﯿﺦ اﻟﻘدﯿم ﻟﺤﻀﺎرة ﻤﺎ ،ﺒل وﻓﻬﻤﻨﺎ ﻟﺘﺎرﯿﺨﻬﺎ اﻟﺤدﯿث واﻟﻤﻌﺎﺼر أﯿﻀﺎ .ﻛﻤﺎ أﻨﻪ ﻤﻬم ﻓﻲ ﻓﻬﻤﻨﺎ أن اﻟﺤﻀﺎ ارت اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ ﻟم ﺘﻨﺘﻘل ﻤن إﻨﺘﺎج ﻤﻌرﻓﻲ إﻟﻰ آﺨر :ﻤن اﻟﺼﯿد إﻟﻰ اﻟز ارﻋﺔ ﻤﺜﻼ ،ﺒﻨﻔس اﻟوﺘﯿرة واﻟﻠﺤظﺔ اﻟﺘﺎرﯿﺨﯿﺔ .ﻓﻠﻛل ﻤﻨﻬﺎ إﯿﻘﺎﻋﻬﺎ اﻟزﻤﻨﻲ اﻟﺨﺎص ﺒﻬﺎ. وﻫذا ﯿﻨطﺒق ﻋﻠﻰ ﺼﺎﺤﺒﻨﺎ اﻟﻤﻔﺘرض اﻟذي ﻤر ﺒﺘﺠرﺒﺔ وﺠدﯿﺔ ﻓﻲ ﻤﻛﺎن ﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺒﻲ، وﻟﻨﻔﺘرض أن ﻫذا اﻟﻤﻛﺎن ﻫو ﻋﺴﯿر .ﻓﺎﻨﺘﺸﺎر إﻋﺎدة ﺼﯿﺎﻏﺘﻪ ﻟﻠﻌﻘﯿدة إﻟﻰ اﻟﺨﻠﯿﺞ اﻟﻌرﺒﻲ واﻟﻤﻐرب ﻓﺈﺴﺒﺎﻨﯿﺎ وظﻬور إﻨﺘﺎﺠﻬﺎ اﻟﻤﻌرﻓﻲ ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟرﻗﻌﺔ -ﻓﻲ ظل ﻏﯿﺎب وﺴﺎﺌل اﻟﻤواﺼﻼت واﻻﺘﺼﺎﻻت اﻟﺤدﯿﺜﺔ -ﯿﺼﻌب ﺘﻔﺴﯿرﻩ إﻻ إذا ﻛﺎن ﻫﻨﺎك رواﺒط ﻗوﯿﺔ ﺘﺠﻤﻊ ﺴﻛﺎن ﻫذﻩ اﻟرﻗﻌﺔ ﺒﺤﯿث ﯿﺴﻤﻊ ﺼدى ﺘﺤرﻛﺎﺘﻪ ﻋﺒرﻫﺎ ﻓﻲ زﻤن ﻗﺼﯿر ،أو ﻤﺎ ﻋﺒرﻨﺎ ﻋﻨﻪ ﺴﺎﺒﻘﺎ ﺒﺎﻟوﺤدة اﻟﺜﻘﺎﻓﯿﺔ ﻟﻠﻌرب ﻤﻨذ أﻗدم اﻷزﻤﻨﺔ .وﺒﻤﺎ أﻨﻪ ﻟم ﯿﻨﺠﺢ ﺒﺎﻟﻀرورة ﻓﻲ اﻻﺴﺘﺒدال اﻟﻛﺎﻤل ﻟﻠﻘدﯿم ،ﻓﻤن اﻟﻤﺘوﻗﻊ أن ﯿﺘرﺠم ﻫذا اﻟﺼدى ﻨﻔﺴﻪ ﺒذﻟك اﻟﺘﺸﺎﺒك واﻟﻤزج اﻟذي ﻟﻤﺴﻨﺎ ﺒداﯿﺎﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟوﻫ ارﻨﯿﺔ ،ﻛﻤﺎ أﺸرﻨﺎ ﻓﻲ رﺴوﻤﺎت اﻟﻛﻬوف ،ﺤﯿث وﺠدت اﻟرﺴوﻤﺎت اﻟﺠدﯿدة ﻤﻊ اﻟرﺴوﻤﺎت اﻟﻘدﯿﻤﺔ ،وﻟم ﺘﻛن ﺒﻌﯿدة ﻋﻨﻬﺎ أو ﻓﻲ أﻤﺎﻛن ﺨﺎﺼﺔ ﺒﻬﺎ .وﻓﻲ ﺒداﯿﺎت اﻟﻛﺘﺎﺒﺔ ﻓﻲ ﺴورﯿﺔ ،ﻓﺎﻟﺸﻌور اﻟﻘوي اﻟﻐﻼب اﻟذي ﺨرج ﺒﻪ ﺼﺎﺤﺒﻨﺎ ﻋن وﺤدة وﺘﻛﺎﻤل اﻟوﺠود ﺒﻛل ﻤظﺎﻫرﻩ ،ﻓرض ﻋﻠﯿﻪ ﻀرورة ﺼﯿﺎﻏﺔ 71
ﻣﻧذ اﻟﻘدم – 9000ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ ﺘﺠرﺒﺘﻪ اﻟوﺠدﯿﺔ واﻟﺤدﯿث ﻋﻨﻬﺎ ،وﻨﺸر ﻤﺎ ﺘﻌﻠﻤﻪ ﻤﻨﻬﺎ ﺒﯿن اﻟﻨﺎس .وﺒﻤﺎ أن ﺘﺠرﺒﺘﻪ ﻻ ﺘﺨﺘﻠف ﻋن ﺘﺠﺎرب ﻤن ﺴﺒﻘوﻩ ،وﺒﻤﺎ أن ﻤﺨزوﻨﻪ اﻟﻤﻌرﻓﻲ أﻛﺒر ﻤﻤن ﺴﺒﻘوﻩ ،ﻓﻘد وﺠد رﺴﺎﻟﺘﻪ ﻓﻲ إﻋﺎدة ﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻌﻘﯿدة ﻟﺘوﻀﯿﺤﻬﺎ واﻹﻀﺎﻓﺔ إﻟﯿﻬﺎ ﻤﺴﺘﻐﻼ ﻤﺨزوﻨﻪ اﻟﻤﻌرﻓﻲ اﻷﻛﺒر .ﻓﺎﻟﻤﻔﺘﺎح ،إذن ،ﯿﻛﻤن ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻤﺨزون إذا أردﻨﺎ وﻀﻊ اﻟﺨطوط اﻟﻌرﯿﻀﺔ ﻟﻬذﻩ اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ ،وﻤﺎ ﻨﻌرﻓﻪ ﻋن ﻫذا اﻟﻤﺨزون ﻤﺤدود ﺠدا وذﻟك ﺒﺤﻛم ﻤﺎ وﺼﻠﻨﺎ -إﻟﻰ اﻵن -ﻤن ﻟﻘﻰ وﻤﻌﺎﻟم ﻤﻛﺘﺸﻔﺔ ،ﺨﺼو ًﺼﺎ وأﻨﻬﺎ رﻛزت ﻋﻠﻰ اﻷط ارف .وﻟﻛﻨﻨﺎ ﻨﻌﻠم ،ﻋﻠﻰ ﺴﺒﯿل اﻟﻤﺜﺎل ،ﺒﺄن اﻹﻨﺴﺎن ﻗد ﺴﯿطر ﺴﯿطرة ﺘﺎﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎر ،ﻛﻤﺎ ﺘدل ﻋﻠﯿﻪ اﻟﻤﺼﺎﺒﯿﺢ اﻟزﯿﺘﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺘم اﻟﻌﺜور ﻋﻠﯿﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻛﻬوف .ﻓﻬﻲ ﺘدل ﻋﻠﻰ أﻨﻪ أﺼﺒﺢ ﻗﺎد ار ﻋﻠﻰ إﺸﻌﺎﻟﻬﺎ ﻤن اﻟﺼﻔر ،ﻋﻠﻰ د ارﯿﺔ ﺘﺎﻤﺔ ﺒﺎﻟﻤواد اﻟﻼزﻤﺔ ﻹﺒﻘﺎﺌﻬﺎ ﻤﺸﺘﻌﻠﺔ ﺒﻌد أن ﺘﺨﻠص ﻤن اﻟﺨﺸب ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟزﯿوت اﻟﻨﺒﺎﺘﯿﺔ ﻛﺎﻟزﯿﺘون ،ﺒل اﺨﺘرع ﺠﻬﺎ از ﺼﻐﯿ ار ﯿﺴﻬل ﺤﻤﻠﻪ وﯿﻔﻲ ﺒﺎﻟﻐرض ،أﻻ وﻫو اﻟﻤﺼﺒﺎح .ﻛﻤﺎ ﻨﻌﻠم ﺒﺄﻨﻪ ﻛﺎن ﻗﺎد ار ﻋﻠﻰ إﻋﺎدة إﻨﺘﺎج ﻤظﺎﻫر اﻟوﺠود ﺒدﻗﺔ وﺠﻤﺎل ،ﻛﻤﺎ ﺘدل ﻋﻠﯿﻪ رﺴوﻤﺎت اﻟﺤﯿواﻨﺎت اﻟذي ﯿﺤﺘﺎج إﻟﻰ د ارﯿﺔ ﺠﯿدة ﻓﻲ اﻟﻬﻨدﺴﺔ واﻟﺤﺴﺎب .ﻛﻤﺎ ﻨﻌﻠم ،ﻤن اﻷدوات اﻟﺤﺠرﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺘم اﻟﻌﺜور ﻋﻠﯿﻬﺎ ،ﺒﺄﻨﻬﺎ ازدت ﺘﻨوﻋﺎ ﺒﺸﻛل ﻤﻠﺤوظ؛ وﻗد ﺘم ﺘﺼﻨﯿﻌﻬﺎ ﺒدﻗﺔ ﻓﺎﺌﻘﺔ .ﻓﻬﻨﺎك ،ﻤﺜﻼ ،رﻤﺎح ﺒرؤوس ﻤﺸﻨﻔﺔ ذات ﻓﺎﻋﻠﯿﺔ أﻛﺒر ﻓﻲ ﺼﯿد اﻟط ارﺌد ،ﺴﻛﺎﻛﯿن وﻤﻘﺎﺸط وﻤﻨﺎﺸﯿر ذات أط ارف ﺤﺎدة ﺠدا ﻤﻘﺎرﻨﺔ ﻤﻊ ﺴﺎﺒﻘﺎﺘﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ ظﻬر اﻟﻔﺄس اﻟﻤﺴﻨون طرﻓﻪ .وﻤن ﺤﯿث اﻟﺘﻘﻨﯿﺔ ،ﻓﻘد ظﻬرت ﻗﺎذﻓﺔ اﻟرﻤﺢ اﻟﺘﻲ وﺴﻌت ﻤن ﻤدى ﻗذﻓﻪ و ازدت ﻤن ﻗوﺘﻪ 81.وﻻ ﯿﺠب أن ﯿﻐﯿب ﻋن ﺒﺎﻟﻨﺎ أن ﻋﻤﻠﯿﺎت اﻟﺒﺤث ﻋن اﻟﻛﻬوف اﻟﻤﻨﺎﺴﺒﺔ ،ﯿﺴﺘدﻋﻲ ﺘﺨطﯿطﺎً وﺘﻨظﯿﻤﺎً ﻟﺒﻌﺜﺎت اﺴﺘﻛﺸﺎﻓﯿﺔ ،وﺘﺤدﯿًدا ﻟﻤﻌﺎﯿﯿر اﺨﺘﯿﺎر ﺘﻼﺌم اﻟﻬدف ﻤﻨﻬﺎ ،أي أﻨﻪ ﻛﺎن ﯿﺴﺘدﻋﻲ وﺠود ﻨظﺎم إداري ﻤن ﻨوع ﻤﺎ. ﻛﻤﺎ أﻨﻨﺎ ﻨﻌﻠم ﺒﺤدوث ارﺘﻔﺎع ﺘدرﯿﺠﻲ ﻓﻲ درﺠﺎت اﻟﺤ اررة ﻋﺒر 5 – 4آﻻف ﺴﻨﺔ :ﻓﻛﺜﯿر ﻤن اﻟﻤﻨﺎطق اﻟﺒﺎردة ﻋﻠﻰ ﺤدودﻨﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﯿﺔ ،أﺼﺒﺤت أﻛﺜر دﻓﺌﺎ ٕواﻏ ار ًء ﻟﻼﺴﺘﯿطﺎن ،ﻤﻤﺎ ﺴﺎﻫم ﻓﻲ ﻋودة ﻛﺜﺎﻓﺔ ﺘواﺠدﻨﺎ ﺘدرﯿﺠﯿﺎ ﻋﻠﻰ أ ارض ﺘم اﻟﻨزوح ﻋﻨﻬﺎ إﺒﺎن اﻟزﺤف اﻟﺠﻠﯿدي اﻷﺨﯿر .وﺒﻼ ﺸك أن ﻫذا ﻗد ازد ﻤن ﺤرﯿﺔ اﻟﺘﺤرك اﻟﺴﻛﺎﻨﻲ ﺒﺸﻛل ﻛﺒﯿر ،ﺒدﻟﯿل أﻨﻪ وﺼل ﺤﺘﻰ ﺸﻤﺎل إﺴﺒﺎﻨﯿﺎ ،وﻤﺎ 81اﻟﻘﺎذﻓﺔ ﻋﺑﺎرة ﻋن ﻗطﻌﺔ ﺳﻣﯾﻛﺔ ﻣن اﻟﺟﻠد ﯾﺗم رﺑط طرﻓﮭﺎ ﻓﻲ ﻋﻘب اﻟرﻣﺢ وﯾﻣﺳك اﻟطرف اﻵﺧر ﺑﺎﻟﯾد وﯾﺷد ﻣﻌطﯾﺔ اﻟرﻣﺢ دﻓﻌﺔ إﺿﺎﻓﯾﺔ ﻋﻧد ﻗذﻓﮫ ،أﺷﺑﮫ ﺑﻣﺑدأ اﻟﻣﻘﻼع اﻟﯾدوي )اﻟﻧﻘﯾﻔﺔ(. 72
ﻣﻧذ اﻟﻘدم – 9000ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ ارﻓق ذﻟك ﻤن زﯿﺎدة ﻓﻲ اﻟﻤﺨزون اﻟﻤﻌرﻓﻲ وﺴﻌﺔ اﻷﻓق .ﻤﻌﻠوﻤﺎت ﻀﺌﯿﻠﺔ وﻤﺘﻔرﻗﺔ ،ﻫذا ﺼﺤﯿﺢ، وﻟﻛﻨﻬﺎ ﺘﺸﯿر إﻟﻰ إﻤﻛﺎﻨﯿﺔ ﺘﻐﯿﯿر رؤﯿﺔ اﻹﻨﺴﺎن ﻟﻨﻔﺴﻪ ودورﻩ ﻓﻲ اﻟوﺠود .ﻓﻬﻨﺎك اﻟﻛﺜﯿر ﻤﻤﺎ ﻻ ﻨﻌرﻓﻪ ﻋن ﺘطو ارت ﺤدﺜت ﻓﻲ ﻗﻠب اﻟﺠزﯿرة ﻋﺒر 25أﻟف ﺴﻨﺔ ﻤن اﻟزﺤف اﻟﺠﻠﯿدي .ﺘطو ارت ﺘﻌرﻓﻨﺎ ﻋﻠﯿﻬﺎ ﻓﻲ طﻘوس اﻟدﻓن ﺘﺤت أرﻀﯿﺎت ﻛﻬوف اﻟﻤﻌﯿﺸﺔ وﻤﺎ ﺘﺤﻤﻠﻪ ﻤن دﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﻫﻤﯿﺔ اﻟﺘﻲ أﺨذ ﯿﻌطﯿﻬﺎ اﻹﻨﺴﺎن ﻟﻨﻔﺴﻪ وﻟدورﻩ ﻛوﺴﯿط ﺒﯿن اﻟﻤﺠﺎﻟﯿن اﻟدﻨﯿوي واﻟﻘدﺴﻲ .وﻫﻲ طﻘوس ﺤﺎﻓظت ﻋﻠﻰ وﻀﻌﯿﺔ اﻟوﻻدة ﻓﻲ اﻟدﻓن ،وﻋﻠﻰ أﻫﻤﯿﺔ اﻟ أرس ﻛﻤرﻛز ﻟﻠروح ﻤﻨذ اﻟﺤﺠري اﻟﻘدﯿم اﻷوﺴط وﺤﺘﻰ اﻷﻟف اﻟﻌﺎﺸرة ق.م. ﻟذﻟك ،ﻗد ﻻ ﻨﻛون ﺒﻌﯿدﯿن ﻋن اﻟﺼواب إذا اﻓﺘرﻀﻨﺎ أن ﺼﺎﺤب اﻟﺘﺠرﺒﺔ اﻟوﺠدﯿﺔ ﻫذا ﻗد اﻋﺘﻤد ﻋﻠﻰ ﻤﺜل ﻫذا اﻟﻤﺨزون اﻟﻤﻌرﻓﻲ ﻓﻲ إﻋﺎدة ﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻌﻘﯿدة ﻤرﻛ از ﺒﺸﻛل أﻛﺒر ﻋﻠﻰ ﻤﻘدرة اﻹﻨﺴﺎن وﺘﻔوﻗﻪ ،ارﻓﻌﺎ ﻤن ﻫﺎﻤش أﻫﻤﯿﺘﻪ ﻤﻘﺎرﻨﺔ ﺒﺴﺎﺌر اﻟﻤﺨﻠوﻗﺎت .وﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﻓﺈن ﺒداﯿﺎت إدﺨﺎل اﻟﻬﯿﺌﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ -ﻀﻤن اﻟرﻤوز اﻟﻘدﺴﯿﺔ -إن ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﻨﻘوش اﻟﺘﻲ ﻋﺜر ﻋﻠﯿﻬﺎ ﻤن اﻟﺨﻠﯿﺞ اﻟﻌرﺒﻲ إﻟﻰ إﺴـﺒﺎﻨﯿﺎ ،وطﻘوس اﻟدﻓن اﻟﺠدﯿدة وأوﻟﻰ ﻤﺤـﺎوﻻت اﻟﻛﺘﺎﺒﺔ ،ﻛﻠﻬﺎﺘﺴﺎﻨد ﺤدوث ﺘطور ﻋﻠﻰ ﻤﺜل ﻫذا اﻟﻨﺴق .وﻫﻲ ﻓﻲ ﺤﻘﯿﻘﺘﻬﺎ ﺘﺤﻀﯿر ﻟﻤﺎ ﺴﻨﺘﻌرف ﻋﻠﯿﻪ ﻤن ﺘطو ارت أﻛﺜر وﻀوﺤﺎ ﻤﻊ دﺨوﻟﻨﺎ ﻓﻲ اﻷﻟف اﻟﻌﺎﺸرة ق.م .ﻓﻤن ﺴواﺤل اﻟﺨﻠﯿﺞ اﻟﻌرﺒﻲ ،إﻟﻰ ﺸﻤﺎل اﻟﻌ ارق ﻋﺒر ﺒﻼد اﻟﺸﺎم ،إﻟﻰ اﻟﻤﻐرب اﻟﻌرﺒﻲ وﺤول وادي اﻟﻨﯿل ﺠﻨوﺒﺎ إﻟﻰ اﻟﺨرطوم ،وﻋﻠﻰ طول ﺴواﺤل اﻟﺒﺤر اﻷﺤﻤر اﻟﻐرﺒﯿﺔ ﺤﺘﻰ اﻟﺼوﻤﺎل ،ظﻬر إﻨﺘﺎج ﻤﻌرﻓﻲ ﺠدﯿد ،ﻤؤﻛدا ﺤدوث إﻋﺎدة ﻟﻠﺼﯿﺎﻏﺔ ﺠذورﻫﺎ ﻓﯿﻤﺎ ذﻛرﻨﺎﻩ أﻋﻼﻩ. ﻓﻔﻲ ﻫذﻩ اﻟﻔﺘرة اﻻﻨﺘﻘﺎﻟﯿﺔ ،ﯿﺘﺸﺎﺒك ﻫذا اﻹﻨﺘﺎج اﻟﺠدﯿد ﻤﻊ اﻟﻘدﯿم ﻤﻨﺘﺸ ار ﻋﻠﻰ أرﻀﻨﺎ اﻟﻌرﺒﯿﺔ ﻛﻠﻬﺎ، ﻤﻌﻠﻨﺎ ﺒداﯿﺔ ﻤﺎ ﯿﻌرف ﺒﺎ ﺜل اق ةفاﻟﻌرﺒﯿﺔ اﻟﻨطوﻓﯿﺔ 82 .وﻋﻠﻰ أﺴﺎﺴﻬﺎ ﺘم ،ﺘﻘﻠﯿدﯿﺎ ،اﻋﺘﺒﺎر اﻷﻟف اﻟﻌﺎﺸرة ق.م ﻨﻬﺎﯿﺔ ﻟﻠﻌﺼر اﻟﺤﺠري اﻟﻘدﯿم اﻷﻋﻠﻰ وﺒداﯿﺔ اﻟﺤﺠري اﻟوﺴﯿط .وﻫو ﺘﻘﺴﯿم -ﻛﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ -ﻻ ﺒد ﻤن اﻟﺘﻌﺎﻤل ﻤﻌﻪ ﺒﺤذر ﺸدﯿد. 82ﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ وادي ﻧطوف ،ﻏرﺑﻲ اﻟﻘدس ،أول ﻣواﻗﻌﮭﺎ اﻟﻣﻛﺗﺷﻔﺔ. 73
اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻧطوﻓﯾﺔ 8000 – 9000 :ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺒﯿﺔ اﻟﻨطوﻓﯿﺔ ﯿظﻬر اﻟﺘﺄرﺠﺢ ﻤﺎ ﺒﯿن اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻘدﯿﻤﺔ واﻟﺠدﯿدة ﻟﻠﻌﻘﯿدة ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻨطوﻓﯿﺔ ﻋﻠﻰ أﻓﻀل ﺼورﻩ. ﻓﻘد وﺠدت ﻤداﻓن ﺘم ﺤﺸر اﻟﺠﺜﺔ ﻓﯿﻬﺎ داﺨل ﺤﻔر ﻀﯿﻘﺔ ﻋﻠﻰ طﻘوس ”اﻟﺤﺠري“ اﻟﻘدﯿم ،ﻤﻊ طﻠﻲ اﻟﺠﺜﺔ ﺒﺎﻟطﯿن اﻷﺤﻤر .ووﺠدت ﻤداﻓن أﺨرى ﺘدل ﻋﻠﻰ اﺘﺒﺎع طﻘوس ﺠدﯿدة ﺘﻤﺜﻠت ﺒﻔﺼل اﻟﺠﻤﺠﻤﺔ ﻋن اﻟﻬﯿﻛل اﻟﻌظﻤﻲ ودﻓﻨﻬﺎ ﻗرﺒﻪ ﻓﻲ ﻨﻔس اﻟﻘﺒر ،ﻤﻊ وﻀﻊ ﺴن ﻏ ازل أو ﺤﺼﺎن ﻤﻊ اﻟﺠﻤﺠﻤﺔ وﻋ ارﻗﯿب ﻏ ازل أو ﺤﺼﺎن ﻤﻊ اﻟﻬﯿﻛل 83.وظﻬرت ﻫذﻩ اﻟﻤداﻓن ﺠﻤﺎﻋﯿﺔ ،ﺤﯿث ﺘم دﻓن أﻛﺜر ﻤن ﺠﺜﺔ ﻓﻲ ﻗﺒر واﺤد إﻤﺎ ﻓﻲ ﻛﻬف ﯿﺘم ﺘﺨﺼﯿﺼﻪ ﻟﻬذا اﻟﻐرض أو ﺘﺤت أرﻀﯿﺔ اﻟﻤﺴﺎﻛن84. أﻤﺎ اﻟﻤﺴﺎﻛن ،ﻓﻘد ﺤدث ﻟﻬﺎ ﺘطور ﻓﻲ ﻤﻨﺘﻬﻰ اﻷﻫﻤﯿﺔ ﻓﻲ ﺘﺎرﯿﺦ اﻟﺒﺸرﯿﺔ :إذ وﻷول ﻤرة ﻓﻲ ﺘﺎرﯿﺦ اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ اﻟﻤﻌروف ﻟﻨﺎ ،ﯿﺘم ﺒﻨﺎء ﻤﺴﺎﻛن ﺜﺎﺒﺘﺔ ﻓﻲ اﻟﻌ ارء وﻗد ظﻬرت داﺌرﯿﺔ اﻟﺸﻛل .وﻤﻊ ذﻟك ﺘﺄرﺠﺤت اﻟﺴﻛﻨﻰ أﯿﻀﺎ ﻤﺎ ﺒﯿن ذﻟك وﺒﯿن اﻻﺴﺘﻤ ارر ﻓﻲ ﺴﻛﻨﻰ اﻟﻛﻬوف ،ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺠﺒل اﻟﻛرﻤل. وﻗد ظﻬرت اﻟﻤﺴﺎﻛن ﻓﻲ اﻟﻌ ارء ﻓﻲ ﻤواﻗﻊ ﻤﺘﻌددة ،ﻤﺜل ﻋﯿن اﻟﻤﻼّﺤﺔ ﻓﻲ ﻓﻠﺴطﯿن ،ﺤﯿث ﺠﺎء ﺠزء ﻤن اﻟﺒﻨﺎء ﺘﺤت اﻷرض وارﺘﻔﻊ ﺤﺎﺌط ﺤﺠري ﻗ ارﺒﺔ 1.2ﻤﺘًار ﻓوق اﻷرض ﻤﻊ اﺴﺘﻛﻤﺎل اﻟﺒﻨﺎء ﺒﺎﻟطﯿن واﻟﻘش ﻋﻠﻰ اﻷرﺠﺢ 85.وﻤن اﻟﻠﻘﻰ اﻷﺜرﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺘم اﻟﻌﺜور ﻋﻠﯿﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﯿن اﻟﻤﻼﺤﺔ ،دﻤﻰ ﺤﯿواﻨﯿﺔ ﺘﻤﺜل اﻟﻐ ازل ،وﺒﻨﺴﺒﺔ أﻗل ﻟﻸﯿل اﻷﺴﻤر ،ﻛﻤﺎ ﺘم اﻟﻌﺜور ﻋﻠﻰ دﻤﻰ إﻨﺴﺎﻨﯿﺔ ﻤﻨﻔذة ﺒﺸﻛل رﻤزي ﺠدا ﺒﺤﯿث ﯿﺼﻌب ﺘﺤدﯿد ﺠﻨﺴﻬﺎ 86.ﻫذا إﻟﻰ ﺠﺎﻨب أدوات ﺤﺠرﯿﺔ اﻤﺘﺎزت ﺒدﻗﺔ ﺘﺼﻨﯿﻌﻬﺎ ﻤﺜل ﺼﻨﺎﻨﯿر ﺼﯿد اﻟﺴﻤك ،ﻤﻊ ظﻬور اﻟﻤﻨﺠل اﻟﺼواﻨﻲ وﻗد زﯿﻨت ﻗﺒﻀﺘﻪ ﺒﺼورة ﻤﺠﺴﻤﺔ ﻟﻠﻐ ازل 87.وظﻬور اﻟﻤﻨﺠل ﯿﻤﺜل اﻟدﻟﯿل اﻷول ﻋﻠﻰ أن اﻟﻌرب ﻤﻨذ 10000ق.م -ﻋﻠﻰ اﻷﻗل- ﻛﺎﻨوا ﻗد اﻨﺘﻘﻠوا ﻤن اﻟﺼﯿد وﺠﻤﻊ اﻟﺜﻤﺎر ﻓﻲ ﺘﺄﻤﯿن اﻟﻐذاء ،إﻟﻰ ﻤﺎ ﯿﻌرف ﺒﺎﻟﺤﺼﺎد اﻟﻤﻛﺜف ﻟﻠﺤﺒوب اﻟﺒرﯿﺔ اﻟذي ﻛﺎن إﻋﻼﻨﺎ ﻟﺒدء ﻤرﺤﻠﺔ اﻻﺴﺘﻘ ارر وﺒﻨﺎء اﻟﻤدﻨﯿﺔ. 83اﻟﺳواح ،ص .213 Kenyon, p. 37 84 Kenyon, p. 20 85 86اﻟﺳواح ،ص .162 87اﻟﺳواح ،ص .162 74
اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻧطوﻓﯾﺔ 8000 – 9000 :ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ أﻤﺎ اﻟﺨطوة ﻨﺤو اﻟﻤداﻓن اﻟﺠﻤﺎﻋﯿﺔ ﻟﻠﺘﻌﺒﯿر ﻋن اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺠدﯿد ،ﻓﺈﻨﻨﺎ ﻨ ارﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺠل اﻟذي ﯿﻌود اﺨﺘ ارﻋﻪ ﻷول ﻤرة إﻟﻰ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻨطوﻓﯿﺔ .ﻓﺎﻟﻤﻨﺠل ﻟﯿس ﻤؤﺸًار ﺒﺤد ذاﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺤﺼﺎد اﻟﺤﺒوب اﻟﺒرﯿﺔ وﺤﺴب ،ﺒل ﻹن اﻹﻨﺴﺎن ﺒﺎﻟﻀرورة ﺤﺼد اﻟﺸﻌﯿر ﻗﺒل اﻟﻤﻨﺠل .إن اﺒﺘﻛﺎر اﻟﻤﻨﺠل ﻛﺎن ﻟﻘﻀﺎﯿﺎ ﺘﻨظﯿﻤﯿﺔ ﺒﺎﻟدرﺠﺔ اﻷوﻟﻰ :ﻓﺈطﻌﺎم اﻟﻤﺠﻤوع اﻟﻛﺜﯿف ﻨﺴﺒًﯿﺎ ﻤن أﻫل اﻟﻘرى اﻟﺠدﯿدة ﺘطﻠب ﺤﺼﺎدا ﻤﻛﺜﻔﺎ ﻟﻠﺤﺒوب اﻟﺒرﯿﺔ. ﻓﻬل ﺘﻌﺎظم ﺸﻌور اﻹﻨﺴﺎن ﺒﻘد ارﺘﻪ ،ﻤن وﺤﻲ اﻷﻫﻤﯿﺔ اﻟﺘﻲ أﻋطﺎﻫﺎ ﻟدورﻩ ﻓﻲ اﻟوﺠود ،ﺒدرﺠﺔ ﻛﺎﻓﯿﺔ دﻓﻌﺘﻪ ﻟﺘرك ﺴﻛﻨﻰ اﻟﻛﻬوف اﻟطﺒﯿﻌﯿﺔ إﻟﻰ ﻤﺤﺎﻛﺎﺘﻬﺎ ﺒﺒﻨﺎء ﻛﻬوﻓﻪ ﺒﻨﻔﺴﻪ؟ وﻫﻲ ﻤﺤﺎﻛﺎة ﺘذﻛرﻨﺎ ﺒرﺴوﻤﺎت اﻟﺤﯿواﻨﺎت ﻋﻠﻰ ﺠد ارن اﻟﻛﻬوف .ﻓﻬذﻩ اﻟﺒﯿوت اﻷوﻟﻰ ظﻬرت داﺌرﯿﺔ اﻟﺸﻛل ،أو ﺒﯿﻀﺎوﯿﺔ ،ﻟﯿس ﻟﻬﺎ زواﯿﺎ ﺤﺎدة وأﻀﻼع ،ﺘﻤﺎﻤﺎ ﻤﺜل ﻛﻬوف اﻟطﺒﯿﻌﺔ .ﺜم ﻗﺎم ﺒﺎﻟدﻤﺞ واﻟﺘرﻛﯿب ﻟﯿرﺴم ﺼورة ﺘﺠرﯿدﯿﺔ ﻟﯿس ﻟﻬﺎ ﻤﺜﯿل ﻓﻲ اﻟطﺒﯿﻌﺔ ﺘﻤﺜﻠت ﺒﺒﻨﺎء اﻟﻤﺴﺘوطﻨﺔ اﻟﺴﻛﻨﯿﺔ ﺒﺤد ذاﺘﻬﺎ .ﻓﻬذا اﻟﺘﺠﻤﻊ اﻟﺴﻛﺎﻨﻲ ،ﻫذا اﻟدﻤﺞ واﻟﺘرﻛﯿب ﻟﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻤن اﻟﻨﺎس ﻓﻲ رﻗﻌﺔ واﺤدة ،ﻓﯿﻪ ﺤرﯿﺔ اﻟﺘوﺴﻊ واﻟﺘﺼﻐﯿر أﺜﻨﺎء ﺒﻨﺎء اﻟﻤﺴﺘوطﻨﺔ اﻟﺴﻛﻨﯿﺔ ﻟم ﯿﻛن ﻟﯿﺘﺤﻘق ﻓﻲ اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ ﻤﺎ ﺘوﻓرﻩ اﻟطﺒﯿﻌﺔ ﻤن ﺘﺠﻤﻊ ﻟﻛﻬوف ﻤﻌﯿﺸﺔ ﻗرب ﺒﻌﻀﻬﺎ اﻟﺒﻌض وﺤﺴب رﻏﺒﺔ اﻹﻨﺴﺎن .وﺒوﺤﻲ ﻤن ﻫذا اﻟدﻤﺞ واﻟﺘرﻛﯿب ،ﻓﻘد ﺘﺤوﻟت اﻟﻤداﻓن اﻟﻔردﯿﺔ إﻟﻰ ﺠﻤﺎﻋﯿﺔ ،أﯿﻀﺎ ،ﻛﺘﻌﺒﯿر ﻗوي ﻋﻠﻰ أﻨﻪ ﻛﻤﺎ اﻟﺤﺎل ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎل اﻟدﻨﯿوي ﻫو اﻟﺤﺎل ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎل اﻟﻘدﺴﻲ ،أو ﻛﻤﺎ اﻟﺘﺠﻤﻊ ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة ﺴﻨﺘﺠﻤﻊ ﻓﻲ اﻟﻤﻤﺎت. وﻟﻌل أﻗوى ﻫذﻩ اﻟﺼور اﻟﺘﺠرﯿدﯿﺔ ﯿﻤﺜﻠﻬﺎ ﻓﺼل اﻟﺠﻤﺠﻤﺔ ﻋن اﻟﻬﯿﻛل .ﻓﻠطﺎﻟﻤﺎ أﻋطﻰ اﻟﻌرب أﻫﻤﯿﺔ ﺨﺎﺼﺔ ﻟﻠ أرس ﺘﻤﺜﻠت ﺒﺈﺤﺎطﺘﻪ ﺒﺄﻟواح ﺤﺠرﯿﺔ ﻛﻨوع ﻤن اﻟﺤﻤﺎﯿﺔ ﺒﺎﻋﺘﺒﺎرﻩ ﻤرﻛز اﻟروح .وﻤﻊ ﺘ ازﯿد ﺸﻌور اﻹﻨﺴﺎن ﺒﺄﻫﻤﯿﺘﻪ ازدادت أﻫﻤﯿﺔ اﻟ أرس ﻛﻤرﻛز ﻟﻠروح وﻤرﻛز ﻟﻘد ارت اﻹﻨﺴﺎن أﯿﻀﺎ. وﻟﻛن ﻟﻤﺎذا ﻓﺼل اﻟﺠﻤﺠﻤﺔ؟ ﻟو أﻤﻌﻨﺎ اﻟﻨظر ﻓﻲ ﻤوﻀوع ﻓﺼل اﻟﺠﻤﺠﻤﺔ ﻻﺤظﻨﺎ ارﺘﺒﺎطﻪ اﻟوﺜﯿق ﺒﺘﻌﺎظم دورﻩ .ﻓﺎﻟﻘ ارر اﻟذي اﺘﺨذﻩ اﻹﻨﺴﺎن ﺴﺎﺒﻘﺎ ،واﻟﻤﺘﻤﺜل ﺒﻔﺼل ٕواﻋﺎدة دﻤﺞ ﻤظﺎﻫر اﻟوﺠود ﻹﻨﺘﺎج ﺼور ﺨﺎﺼﺔ ﺒﻪ ،ﻟﯿس ﻟﻬﺎ ﻤﺜﯿل ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ اﻟﻤﻠﻤوس ،ﻨﺠد اﻤﺘدادﻩ ﻫﻨﺎ ﻓﻲ إﻨﺘﺎج ﺼورة رﻤز ﺠدﯿد وﻟﻛن ﺒﺸﻛل أﻛﺜر ﻤﺒﺎﺸرة وﺼ ارﺤﺔ .ﻓﻘد ﺘﻌدى اﻷﻤر ﻤرﺤﻠﺔ اﻟرﺴم ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺨور إﻟﻰ ﺘﺠﺴﯿد ﺜﻼﺜﻲ اﻷﺒﻌﺎد اﻟذي 75
اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻧطوﻓﯾﺔ 8000 – 9000 :ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ أﻋطﻰ ﺼورة أﻗرب إﻟﻰ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻤﺜﻠﺘﻪ اﻟدﻤﻰ اﻟﺤﯿواﻨﯿﺔ واﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ .وﻓﻲ طﻘس ﻓﺼل اﻟﺠﻤﺠﻤﺔ ،أﺨذت ﺨطوة رﻤزﯿﺔ أﻛﺒر ﺘﻤﺜﻠت ﺒﺈﻋﺎدة إﻨﺘﺎج أﻫم ﻤظﺎﻫر اﻟوﺠود ﻻ ﻓﻲ اﻟرﺴم وﻻ ﻓﻲ اﻟﻨﺤت ،ﺒل ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ،ﻛﻤﺎ أﻨﺘﺠﺘﻬﺎ اﻟطﺒﯿﻌﺔ أﺴﺎﺴﺎ ،أي اﻹﻨﺴﺎن .وﻫﻲ ﺨطوة ﻤﻤﯿزة ﺒﻼ ﺸك، ﺘطﻠب اﻹﻗدام ﻋﻠﯿﻬﺎ ﻤﺸﺎﻋر ﻗوﯿﺔ وﻋﻤﯿﻘﺔ ﺤول ﺼﺤﺘﻬﺎ وﻀرورﺘﻬﺎ .ﻓﺎﻟﺠ أرة ،إن ﺼﺢ اﻟﺘﻌﺒﯿر، اﻟﺘﻲ ﺘطﻠﺒﻬﺎ ﻤﺜل ﻫذا اﻟﻘ ارر اﻟﻔﻛري ﻹﻨﺘﺎج ﻤﺜل ﻫذا اﻟرﻤز اﻟﻘدﺴﻲ ،اﻟذي أﺠﺎز ﻓﯿﻪ اﻹﻨﺴﺎن ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺘﻐﯿﯿر ﻤﺎ أﻨﺘﺠﺘﻪ اﻟطﺒﯿﻌﺔ/اﻟﻘوة اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﺒﻬذا اﻟﺸﻛل ،ﻛﺎن و ارءﻫﺎ ﺘﺠرﺒﺔ وﺠدﯿﺔ وﺼﯿﺎﻏﺔ ﺠدﯿدة ﻟﻠﻌﻘﯿدة أﺨذت ﺘﻨﺘﺸر ﺒﯿن اﻟﻌرب. إذن ،ﯿﻤﺜل ﺘﺸﻛﯿل اﻟدﻤﻰ ،دﻟﯿﻼ آﺨر ﻋﻠﻰ ﻗ ارر اﻹﻨﺴﺎن ﻤﺤﺎﻛﺎة ﻤظﺎﻫر اﻟطﺒﯿﻌﺔ ،ﻤﻊ اﻷﺨذ ﺒﻌﯿن اﻻﻋﺘﺒﺎر أﻨﻬﺎ اﺴﺘﻤرت ﻛرﻤوز ﻗدﺴﯿﺔ ﻤﺜﻠﻬﺎ ﻤﺜل اﻟرﺴوﻤﺎت .وﻟﻛن اﻟﺘﺤول ﻤن اﻟرﺴم إﻟﻰ اﻟﺘﺸﻛﯿل واﻟﺘﺠﺴﯿد ﺒﺎﻟطﯿن أو اﻟﺤﺠر ،ﻟﯿس ﻤرﺘﺒطﺎ ﺒﺘطور ﻤﻘد ارت ﺻورة \" :6اﻟدﻣﻰ اﻟﻌﺷﺗﺎرﯾﺔ\" ﺑﻼ رأس اﻹﻨﺴﺎن اﻟﻔﻨﯿﺔ ،ﺒل ﻤرﺘﺒطﺎ ﺒﻘ ارر ﻓﻛري ﻋن )ﺗﺎرﯾﺦ ﺳورﯾﺎ اﻟﻘدﯾم( ﺘﻌﺎظم أﻫﻤﯿﺔ اﻹﻨﺴﺎن ودورﻩ ورﻏﺒﺘﻪ ﻓﻲ ﻤﺤﺎﻛﺎة اﻟطﺒﯿﻌﺔ ﺒﺸﻛل أدق وأﻗرب إﻟﻰ اﻟواﻗﻊ .وﺘرﺠم ﻫذا اﻟﻘ ارر ﻨﻔﺴﻪ ﺒﺼورة أﻗوى ﻤﺜﻠﻬﺎ ﺒطﻘس ﻓﺼل اﻟﺠﻤﺠﻤﺔ ﻋن اﻟﻬﯿﻛل اﻟﻌظﻤﻲ. وﻟﻛن ﻤﺎ اﻟذي أ ارد أن ﯿﻘوﻟﻪ اﻹﻨﺴﺎن ﺒﻬذﻩ اﻟﺼور اﻟﺘﻌﺒﯿرﯿﺔ .ﺼﺤﯿﺢ أﻨﻬﺎ اﻨﻌﻛﺎس ﻟﺘﻌﺎظم دورﻩ، وﻟﻛن ﻗد ﯿﺴﺎء ﻓﻬﻤﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﺘﻤﺜل ﻨوﻋﺎ ﻤن اﻟﺘﺤدي واﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﻤﻊ اﻟﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ،وﻫذا ﻟﯿس ﺼﺤﯿﺤﺎ .ﻓﻬذا اﻟﻘ ارر اﻟﻔﻛري ﻟم ﯿﻛن اﻟﻬدف ﻤﻨﻪ اﻟﺨروج ﻤن داﺌرة ﻫذﻩ اﻟﻘوة اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ،أو إﻋﻼن اﻟﻌﺼﯿﺎن ﻟﻬﺎ .ﻓﻌﻠﯿﻨﺎ أﻻ ﻨﻨﺴﻰ ﺒﺄن ﻫذﻩ اﻟﻘوة ﻛﺎﻨت ﻓﻲ اﻟﻔﻛر اﻟﻌرﺒﻲ وﻗﺘﻬﺎ ﻗوة ﻏﻔﻠﺔ ﻏﯿر ﻤﺤددة اﻟﻤﻼﻤﺢ واﻟﻬوﯿﺔ ،وداﺌرﺘﻬﺎ ﻫﻲ اﻟوﺠود ﺒﻤﺠﺎﻟﯿﻪ .وﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﻟم ﯿﻛن ﻫﻨﺎك ﺸﻲء واﻀﺢ اﻟﻤﻌﺎﻟم ،ﻗﺎﺌم ﺒذاﺘﻪ ﻛﻲ ﯿﺘم ﺘﺤدﯿﻪ أو اﻟﺨروج ﻋن طﺎﻋﺘﻪ .ﻓﻬذﻩ اﻟﺼور اﻟﺘﻌﺒﯿرﯿﺔ ﻫﻲ أﻗرب -ﻤن وﺠﻬﺔ ﻨظرﻨﺎ -إﻟﻰ ﻤﺤﺎوﻟﺔ اﻹﻨﺴﺎن اﻟﺘﻌرﯿف ﺒﻘد ارﺘﻪ اﻟﻤﻤﯿزة اﻟﺘﻲ ﺘﻀﻌﻪ ﻓﻲ ﻤرﺘﺒﺔ ﺨﺎﺼﺔ ﻨﺴﺒﺔ 76
اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻧطوﻓﯾﺔ 8000 – 9000 :ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ إﻟﻰ ﺒﺎﻗﻲ ﻤظﺎﻫر اﻟوﺠود ،وﻋﻠﻰ اﻷﺨص ﻗدرﺘﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤل واﻹﻨﺘﺎج .ﻓﺠﻠﻲ ﻫﻨﺎ أن اﻹﻨﺴﺎن ﻗد ﻗرر ﺒﺄن اﻟﺠﻤﺠﻤﺔ ﻫﻲ ﺒﯿت أو ﻤﻘﺎم ﻫذﻩ اﻟﻘدرة وﺒﺄﻨﻬﺎ اﻟﻤﻤﺜل اﻟﺤﻘﯿﻘﻲ ﻟﻺﻨﺴﺎن وﻤﺎ ﯿﻌطﯿﻪ ﻫوﯿﺘﻪ 88.أﻤﺎ ﺘﻌرﯿف ﻤن ﺒﺎﻟﻀﺒط ﻓﺴؤال ﺤﺴﺎس وﺼﻌب .ﻷﻨﻨﺎ ﻻ ﻨﺴﺘطﯿﻊ أن ﻨﺠزم ﺒﺄﻨﻬﺎ اﻟﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ إذ أﻨﻬﺎ ﻟم ﺘﻛن ﻤﺤددة اﻟﻬوﯿﺔ ،وﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﻛﻤﺎ ﻻ ﯿﻤﻛن ﺘﺤّدﯿﻬﺎ ﻓﻼ ﯿﻤﻛن ﻤﺨﺎطﺒﺘﻬﺎ ﻛﺸﻲء ﻗﺎﺌم ﺒذاﺘﻪ .ﻓﻌﻠﻰ اﻷرﺠﺢ أن ﻫذا اﻟﺘﻌرﯿف ﻛﺎن ﻟﻠوﺠود ﻛﻛل ،ﻟﺘﻠك اﻟوﺤدة اﻟواﺤدة ﺒﺸﻘﯿﻬﺎ اﻟﻘدﺴﻲ واﻟدﻨﯿوي واﻟﻘوة اﻟﺴﺎرﯿﺔ ﻓﯿﻬﻤﺎ .إﻨﻪ ﺘﻌرﯿف ﺒﺨروج اﻹﻨﺴﺎن ﻻ ﻤن داﺌرة اﻟوﺠود ،ﺒل ﻤن داﺌرة اﻟﺘﺴﺎوي واﻟﺘﻤﺎﺜل ﻤﻊ ﻤﺨﺘﻠف ﻤظﺎﻫرﻩ. إن ﻫذا ﻛﻠﻪ ﻤﺠرد وﺠﻬﺔ ﻨظر ،ﻻ ﯿوﺠد ﻤﺎ ﯿؤﻛدﻫﺎ ﺴوى ﻤﺘﺎﺒﻌﺘﻨﺎ ﻟﺘطور اﻹﻨﺘﺎج اﻟﻤﻌرﻓﻲ ﻟﻠﺤﻀﺎرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ .ﻓﻬﻲ ﺘﻘدم ﺼورة أﻓﻀل ﻟﺘﻠك اﻟﻤرﺤﻠﺔ ﻓﻲ ﺘﺎرﯿﺨﻨﺎ ،ﻤن ﺴوء ﻓﻬم اﻟﺒﺎﺤﺜﯿن اﻷورﺒﯿﯿن ﻟﻪ. ﻋﻠﻰ ﺴﺒﯿل اﻟﻤﺜﺎل ﻓﻘد ﺠرت اﻟﻌﺎدة ﻋﻠﻰ ﺘﻔﺴﯿر ﺴﻛﻨﻰ اﻟﻌ ارء ،وﺘرك ﺴﻛﻨﻰ اﻟﻛﻬوف ،إﻟﻰ اﻻرﺘﻔﺎع ﻓﻲ درﺠﺎت اﻟﺤ اررة اﻟﺘﻲ ﺸﺠﻌت اﻹﻨﺴﺎن ﻋﻠﻰ ذﻟك .وﻫو ﺘﺤﻠﯿل ﻏرﯿب ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ ﻷن اﻟﻛﻬوف ﺘﺒﻘﻰ أدﻓﺄ ﻓﻲ اﻟﺸﺘﺎء وأﺒرد ﻓﻲ اﻟﺼﯿف ﻤن اﻟﻌ ارء .وﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ،أﻛﺜر إﻏ ارء ﻟﻠﺴﻛن إن ﻛﺎن ﻗ ارر اﻹﻨﺴﺎن ﻤرﺘﺒطﺎ ﺒدرﺠﺔ ﺤ اررة اﻟﺠو .ﻫذا إﻟﻰ ﺠﺎﻨب أن اﻟﺒﺎﺤﺜﯿن اﻷورﺒﯿﯿن ﻗد اﻓﺘرﻀوا ﺒذﻟك أن ﻫﻨﺎك ﻤﺎ ﯿﻛﻔﻲ ﻤن اﻟﻛﻬوف ﻟﺴﻛﻨﻰ اﻟﺸﻌب اﻟﻌرﺒﻲ ﺒﺄﺠﻤﻌﻪ! ﻓﻛﯿف ﯿوﻓﻘون ﻤﺎ ﺒﯿن 25أﻟف ﺴﻨﺔ ﻤن اﻟﺠو اﻟرطب اﻟﻤﻌﺘدل ﻓﻲ ﻗﻠب اﻟﺠزﯿرة ﻤن ﺠﻬﺔ ،وﺒﯿن اﻟﺨروج ﻤن اﻟﻛﻬوف ﻤﻊ اﻋﺘدال اﻟﺤ اررة ﻤن ﺠﻬﺔ أﺨرى ﻟﺴت أدري؟! ﻓﺎﻟﻌرب اﻟذﯿن ﺴﻛﻨوا ﻀﻔﺎف ﻨﻬر اﻟدواﺴر أو ﻨﻬر اﻟﺴرﺤﺎن أو ﺒﺤﯿرة اﻟرﺒﻊ اﻟﺨﺎﻟﻲ أو ﻗﺎع اﻟﺨﻠﯿﺞ ،ﻫل ﺴﻛﻨوا اﻟﻛﻬوف ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻷرض اﻟﻤﻨﺒﺴطﺔ أم ﺴﻛﻨوا اﻟﻌ ارء .وﻫؤﻻء اﻟذﯿن ﻛﺎﻨوا ﯿﻘطﻨون ﺴﻬل ﺠﯿ ازن اﻟﺴﺎﺤﻠﻲ ،ﻫل ﺴﻛﻨوا اﻟﻛﻬوف أم ﺴﻛﻨوا اﻟﻌ ارء. ﻫل ﯿﻌﻘل وﻋﻠﻰ ﻤر 25أﻟف ﺴﻨﺔ ،ﻟم ﯿﻨﺠﺢ اﻟﻌرب ﻓﻲ ﻗﻠب اﻟﺠزﯿرة ﺒﺒﻨﺎء ﻤﺴﺘوطﻨﺔ ﺴﻛﻨﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻌ ارء إﻟﻰ أن ﻋﺎدوا إﻟﻰ وادي ﻨطوف ﻓﻲ ﻓﻠﺴطﯿن ﻤﺜﻼ؟ ﺒل إن اﻟدﻓن اﻟﺠﻤﺎﻋﻲ ﻋزوﻩ إﻟﻰ ﺠﻤﺎﻋﺎت ﻤن اﻟﺒدو اﻟرﺤل اﻟذﯿن اﻫﺘﻤوا ﺒﺘﺤدﯿد ﻗﺒر ﺠﻤﺎﻋﻲ دون أن ﯿﻬﺘﻤوا ﺒطﻘوس ﻤﻌﯿﻨﺔ ﻟﻠدﻓن! وﻋﻠﻰ اﻷرﺠﺢ أن ﻤﺜل ﺴوء اﻟﻔﻬم ﻫذا ﻏﯿر ﻤرﺘﺒط ﺒﺘﻌﻤد ﻟﻠﺘﺸوﯿﻪ ،ﺒﻘدر ﻤﺎ ﻫو ﻤرﺘﺒط ﺒﻀﯿق 88وﻗد ﯾﻔﺳر ھذا ظﮭور ﻣﺎ ﯾﻌرف ﺑﺎﻟدﻣﻰ اﻟﻌﺷﺗﺎرﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻣواﻗﻊ اﻟﻧطوﻓﯾﺔ ﻻﺣﻘﺎ دون رأس ﺑل ﻣﺟرد ﺟﺳد أﻧﺛوي ﻣﺧﺗزل ﯾﻌﺑر ﻋن اﻟﺧﺻب واﻟﻌطﺎء. 77
اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻧطوﻓﯾﺔ 8000 – 9000 :ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ اﻟرؤﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺘﺼر ﻋﻠﻰ ﺘﻔﺴﯿر ﻛل ﺸﻲء ﻤن ﻤﻨطﻠق ﺘﺠرﺒﺘﻬﺎ اﻟﺨﺎﺼﺔ اﻟﺼﻐﯿرة واﻟﻤﺤدودة ﺠدا ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ اﻷروﺒﯿﺔ اﻟﺤدﯿﺜﺔ ،ﻤﻘﺎرﻨﺔ ﺒﺎﻟﺤﻀﺎ ارت اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ اﻟﻘدﯿﻤﺔ وﺒﺨﺎﺼﺔ اﻟﻌرﺒﯿﺔ .ﻓﺄروﺒﺎ ﺒﺎردة واﻤﺘداد ﻟﻠﺠﻠﯿد اﻟﻘطﺒﻲ ﻓﻲ ﺘﻠك اﻟﻔﺘرة ،واﻟﺨروج إﻟﻰ اﻟﻌ ارء ﻤرﺘﺒط ﺒدفء اﻟﺠو واﻋﺘداﻟﻪ ﻓﯿﻬﺎ، وﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﺤﯿن ﺒﻨﻰ اﻟﻌرب أوﻟﻰ ﻤﺴﺘوطﻨﺎﺘﻬم ﻓﻲ اﻟﻌ ارء ﻓﻲ إﺴﺒﺎﻨﯿﺎ ،ﻛﺎن ﻗ اررﻫم ﻤرﺘﺒطﺎ ﺒﺎﻟطﻘس. وﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﺤﯿن ﺒﻨوﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﺠزﯿرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ أو ﻓﻲ وادي ﻨطوف ﻛﺎن أﯿﻀﺎ ﻤرﺘﺒطﺎ ﺒﺎﻟطﻘس! ﻓﻲ ﻨﻬﺎﯿﺔ اﻟﻤطﺎف ،ﻨﺤن ﻏﯿر ﻤﻌﻨﯿﯿن ﻛﺜﯿ ار ﺒبداﯿﺔ ﺴﻛﻨﻰ اﻟﻌ ارء ﻓﻲ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ ،ﺒﻘدر ﻤﺎ ﺘﻌﻨﯿﻨﺎ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺒﯿن ﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻌﻘﯿدة واﻹﻨﺘﺎج اﻟﻤﻌرﻓﻲ واﻟذي ﺘﻤﺜل اﻟﺼور اﻟﻤذﻛورة أﻋﻼﻩ ﺠزًءا ﻤﻨﻪ .وﻫذا ﯿﻘودﻨﺎ إﻟﻰ د ارﺴﺔ ظﺎﻫرة أﺨرى ﺘم اﻟﻛﺸف ﻋﻨﻬﺎ ﺘﺘﻌﻠق ﺒﺤﺠم اﻟﻤﺴﺘوطﻨﺎت اﻟﺘﻲ ﺒﻨﺎﻫﺎ اﻟﻌرب. ﻤوﻗﻊ ﻋﯿن اﻟﻤﻼﺤﺔ ،ﯿﻤﺜل أﻗرب ﻤرﺤﻠﺔ ﻟﻼﺴﺘﻘ ارر ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻨطوﻓﯿﺔ .وﻗد ﺘم اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻓﻲ ﺘﻘرﯿر ذﻟك ﻋﻠﻰ ﺤﺠم اﻟﻤﺴﺘوطﻨﺔ اﻟﺴﻛﺎﻨﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺸﻔت ﻋﻨﻬﺎ ﺤﻤﻼت اﻟﺘﻨﻘﯿب ،ﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻤواﻗﻊ اﻷﺨرى. وﻤن اﻟﻤﻠﻔت ﻟﻼﻨﺘﺒﺎﻩ ،أن اﻟدﻤﻰ اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ ﻛﺎﻨت ﻨﺎدرة ﻓﻲ اﻟﻤواﻗﻊ اﻷﺨرى ﻟﻬذﻩ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،ﺤﯿث ﻟم ﯿﺘم اﻻﺴﺘﻘ ارر ﺒﺸﻛل ﻛﺒﯿر ﺒﻌد .أﻤﺎ ﻓﻲ ﻋﯿن اﻟﻤﻼّﺤﺔ ﻓﻘد ﻛﺎن ﺘواﺠدﻫﺎ ﻛﺜﯿﻔﺎ .ﻓﻀم اﻟﻬﯿﺌﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ إﻟﻰ اﻟرﻤوز اﻟﻘدﺴﯿﺔ ﻟﻠﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ ﯿﺒدو ﻤرﺘﺒطﺎ ﺒدرﺠﺔ اﻻﺴﺘﻘ ارر ،وﻫذﻩ اﻟظﺎﻫرة ،ﻛﻠﻤﺎ ﺘﻘدﻤﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺼر اﻟﺤﺠري ،ﻫﻲ ظﺎﻫرة ﻤؤﻛدة .وﻫذا ﯿﺒدو طﺒﯿﻌﯿﺎ ﺒﺎﻻﺴﺘﻨﺎد إﻟﻰ اﻟﺨطوط اﻟﻌرﯿﻀﺔ اﻟﺘﻲ رﺴﻤﻨﺎﻫﺎ .وذﻟك ﻷن اﻟﺤﺼﺎد اﻟﻤﻛﺜف ﻟﻠﺤﺒوب اﻟﺒرﯿﺔ ﻻ ﯿﺘﻌدى ﻛوﻨﻪ ﺘﻌﺒﯿ ار آﺨر ﻋن ﻨظرة اﻹﻨﺴﺎن إﻟﻰ ﺘﻌﺎظم دورﻩ .ﻓﻘد اﺘﺨذ ﻗ ارر ﺤﺼد وﺘﺨزﯿن ﻫذﻩ اﻟﺤﺒوب ﻟﺘﻛﻔﯿﻪ طوال اﻟﺴﻨﺔ ،ﻓﯿﺄﺨذ ﺤﺎﺠﺘﻪ ﻤﻨﻬﺎ وﻫو ﺜﺎﺒت ﻓﻲ ﻤﻛﺎﻨﻪ ﺤﺘﻰ ﺘﺨرج ﻋﻠﯿﻪ ﻫﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺎم اﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﻻ أن ﯿﺨرج ﻫو ﺒﺤﺜﺎ ﻋﻨﻬﺎ .ﻓﻬو ﺒﻬذا ﻤّﯿز ﻨﻔﺴﻪ ﻋن ﻤظﺎﻫر اﻟوﺠود اﻷﺨرى ﻓﻲ ﻤرﺘﺒﺔ ﺨﺎﺼﺔ ﺒﻪ. وﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﻓﻤن اﻟﻤﺘوﻗﻊ أن ﯿﻛّﺒر ﺤﺠم ﻤﺴﺘوطﻨﺎﺘﻪ اﻟﺴﻛﻨﯿﺔ ﻛﻠﻤﺎ ازد ﺘﻤﺴﻛﻪ ﺒﻬذﻩ اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﺠدﯿدة ﻟﻠﻌﻘﯿدةٕ .واذا ﻛﺎن ﺒﻨﺎء اﻟﻤﺴﺎﻛن ﻓﻲ اﻟﻌ ارء ﯿﻤﺜل ﻨواة ﺒﻨﺎء اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ ﻟﻠﻤدن وﺒداﯿﺔ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻤدﻨﯿﺔ، ﻓﺎﻟﺼﯿﺎﻏﺔ \"اﻟﻨطوﻓﯿﺔ\" ﻟﻠﻌﻘﯿدة اﻟﻌرﺒﯿﺔ ﺘﻤﺜل أﺴس اﻟﻔﻛر اﻟذي ﻗﺎد إﻟﻰ ذﻟك. وﻗد ﻋﺎﺸت ﺠﻤﯿﻊ ﻤظﺎﻫر اﻹﻨﺘﺎج اﻟﻤﻌرﻓﻲ اﻟﺠدﯿد ﻫذا ﺠﻨﺒﺎ إﻟﻰ ﺠﻨب ﻤﻊ اﻟﻘدﯿم .ﻓﺴﻛﻨﻰ اﻟﻌ ارء ﻛﺎﻨت ﺠﻨﺒﺎ إﻟﻰ ﺠﻨب ﻟﺴﻛﻨﻰ اﻟﻛﻬوف ،واﻟدﻓن ﻓﻲ وﻀﻊ اﻟوﻻدة ﺠﻨﺒﺎ إﻟﻰ ﺠﻨب ﻟﻠدﻓن ﺒﻔﺼل 78
اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻧطوﻓﯾﺔ 8000 – 9000 :ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ اﻟﺠﻤﺠﻤﺔ ،واﻟدﻓن ﺘﺤت أرﻀﯿﺎت اﻟﻤﺴﺎﻛن ﺠﻨﺒﺎ إﻟﻰ ﺠﻨب ﻟﻠدﻓن ﻓﻲ اﻟﻛﻬوف 89.ﻟﻬذا اﻋﺘﺒرت ﻓﺘرة اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ \"اﻟﻨطوﻓﯿﺔ\" ﻓﺘرة اﻨﺘﻘﺎﻟﯿﺔ .وﻫﻲ ﻓﺘرة ﻨﺠﺤت ﻓﯿﻬﺎ ﺒﺎﻻﻨﺘﺸﺎر ﻋﻠﻰ طول وﻋرض اﻷ ارﻀﻲ اﻟﻌرﺒﯿﺔ .وﻟﻛن ﺒﺴﺒب اﻛﺘﺸﺎف أوﻟﻰ ﻤواﻗﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﻓﻠﺴطﯿن ،اﺴﺘﻤر ارﺴﺨﺎ ﻓﻲ ذﻫن اﻟﺒﺎﺤﺜﯿن أن ﺒﻼد اﻟﺸﺎم ،ﻤن اﻟﻔ ارت اﻷوﺴط وﺤﺘﻰ وادي ﻋرﺒﻪ ،ﺘﻤﺜل ﻤوطﻨﻬﺎ اﻷﺼﻠﻲ ،وأﻨﻬﺎ اﻨﺘﺸرت ﻤن ﻫﻨﺎك ﻋن طرﯿق \"اﻟﻬﺠ ارت\" إﻟﻰ اﻟﻤﻐرب اﻟﻌرﺒﻲ ووادي اﻟﻨﯿل .وﻫﻲ ﻨظرﯿﺔ ﻨﻌﺎرﻀﻬﺎ ﺒﺸدة ﻟﻸﺴﺒﺎب اﻟﺘﻲ ﺒﯿﻨﺎﻫﺎ ﺴﺎﺒﻘﺎ .ﺒل ﻤﻤﺎ ﯿﻨﺎﻓﻲ اﻟﻤﻨطق اﻟﺴﻠﯿم أن ﺘﻛون ﻤواﻗﻌﻬﺎ اﻟﻤﻨﺘﺸرة ﻋﻠﻰ ﻤﺜل ﻫذﻩ اﻟﻤﺴﺎﺤﺔ اﻟﺠﻐ ارﻓﯿﺔ اﻟﻛﺒﯿرة ﺘﻌود إﻟﻰ ﺠﻤﺎﻋﺔ ﺒﺸرﯿﺔ ﻤﻌﯿﻨﺔ اﻨﺘﺸرت ﻓﯿﻬﺎ وأﺴﺴﺘﻬﺎ. وأﺠﺎزف ﻫﻨﺎ ﻓﺄﻗول إن اﻹﺼ ارر اﻷورﺒﻲ ﻋﻠﻰ ﻤﺜل ﻫذﻩ اﻟﻨظرة ﯿﻌود إﻟﻰ ﻤﺒدأ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺠدﯿد ﻤﻨذ اﻟﻘرن اﻟﺴﺎدس ﻋﺸر اﻟﻤﯿﻼدي .ﻓﻬﺠرة اﻷورﺒﯿﯿن إﻟﻰ اﻷﻤرﯿﻛﺘﯿن وطﺒﻊ ﺘﻠك اﻷرض ﺒطﺎﺒﻌﻬم ،ﺒﻌد ﻗﻀﺎﺌﻬم ﻋﻠﻰ ﺤﻀﺎرﺘﻬﺎ اﻷﺼﯿﻠﺔ ،دﻓﻌﻬم إﻟﻰ رؤﯿﺔ ﺠﻤﯿﻊ اﻟﺘﺤرﻛﺎت اﻟﺒﺸرﯿﺔ ﻋﺒر اﻟﺘﺎرﯿﺦ ﺒﻨﻔس اﻟﻤﻨظﺎر .ﻟذﻟك ،وﺠود وﺤدة ﺜﻘﺎﻓﯿﺔ ﻋﻠﻰ رﻗﻌﺔ ﺠﻐ ارﻓﯿﺔ ﻛﺒﯿرة ﯿﻛون ﺴﺒﺒﻬﺎ اﻨﺘﺸﺎر ﺼﯿﺎﻏﺔ ﻤﺎ ﻟﻠﻌﻘﯿدة ،ﻫو أﻤر ﯿﺒدو ﺨﺎرج ﻗدرﺘﻬم ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺼور ٕواﻤﻛﺎﻨﯿﺔ اﻟﺤدوث .ﻓﻨ ارﻫم ﯿزﺠون ﺒﻤﻔﻬوم اﻟﻬﺠ ارت اﻟﺒﺸرﯿﺔ وﻤﻔﻬوم اﻟﻘوة واﻹﻛ ارﻩ ﻓﻲ ﺸرح أي وﺤدة ﺜﻘﺎﻓﯿﺔ ﻷﻨﻪ اﻟﻤﺜﺎل اﻟوﺤﯿد اﻟذي ﯿﻌرﻓوﻨﻪ. وﻟﻛن ﻤن اﻟﻤؤﻛد أن اﻟوﺤدة اﻟﺜﻘﺎﻓﯿﺔ ﻗد ﺘﺤﻘﻘت ﻋﺒر اﻟﺘﺎرﯿﺦ ﺒﻐﯿر ذﻟك وﺒطرق وأﺴﺎﻟﯿب ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، وﺨﺎﺼﺔ ﻷﻗدم ﺤﻀﺎرة إﻨﺴﺎﻨﯿﺔ اﻨﺘﺸرت وﺘﻔﺎﻋﻠت ﻤﻊ ﻤن ﺤوﻟﻬﺎ ﻋﺒر آﻻف اﻟﺴﻨﯿن ﻛﺎﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ .وﻟﻌﻠﻪ ﻗد آن اﻷوان ﻫﻨﺎ أن ﻨوﻀﺢ اﻟﻔرق ﻤﺎ ﺒﯿن اﻟوﺤدة اﻟﺜﻘﺎﻓﯿﺔ واﻟﺘطﺎﺒق أو اﻟﺘﻤﺎﺜل اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ .ﻓﺎﻟوﺤدة اﻟﺜﻘﺎﻓﯿﺔ ﻻ ﺘﻠﻐﻲ اﻻﺠﺘﻬﺎد واﻹﺒداع واﻟﺨﺼوﺼﯿﺔ اﻟﻔردﯿﺔ .ﻓﺎﻨﺘﺸﺎر اﻟﻤﺴﺎﺠد ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻹﺴﻼﻤﻲ ﺒﻘﺒﺎﺒﻬﺎ وﻤﺂذﻨﻬﺎ ﻫو ﺘﻌﺒﯿر ﻋن وﺠود وﺤدة ﺜﻘﺎﻓﯿﺔ ،وﻟﻛن ﻫذا ﻻ ﯿﻠﻐﻲ اﻹﺒداع واﻟﺨﺼوﺼﯿﺔ ﻓﻲ ﻋﻤﺎرﺘﻬﺎ وزﺨرﻓﻬﺎ وﻋدد ﻗﺒﺎﺒﻬﺎ وﻤﺂذﻨﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﻨﺸﺎﻫدﻫﺎ ﻤﺎ ﺒﯿن ﺠﺎﻤﻊ وآﺨر وﻤﻨطﻘﺔ وأﺨرى .وﻛﺘوﻀﯿﺢ أﻛﺒر ،ﻟﻨﺄﺨذ ﻤﺜﺎل اﻟﻠﻐﺔ .ﻓﺎﻟﻠﻬﺠﺔ اﻟﻤﺼرﯿﺔ ﺘﺨﺘﻠف ﻋن اﻟﻌ ارﻗﯿﺔ، واﺜﻨﺘﯿﻬﻤﺎ ﺘﺨﺘﻠﻔﺎن ﻋن اﻟﺴورﯿﺔ وﺠﻤﯿﻌﻬﺎ ﺘﺨﺘﻠف ﻋن اﻟﻤﻐرﺒﯿﺔ أو اﻟﻌﻤﺎﻨﯿﺔ .وﻟﻛﻨﻬﺎ ﺠﻤﯿﻌﻬﺎ ﻋرﺒﯿﺔ، ﺠذورﻫﺎ واﺤدة وأﺴﺴﻬﺎ ﻤﺸﺘرﻛﺔ ،وﻟﻛن ﻟﻛل ﻤﻨﻬﺎ ﺨﺼوﺼﯿﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻨطق واﺨﺘﯿﺎر اﻟﻛﻠﻤﺔ .ﻓﻔﻲ 89ﺳﯾﻼﺣظ اﻟﻘﺎرئ أﻧﮫ ﻣﻊ ﺗطور اﻟﻌﻣﺎرة اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،ﻛﺎﻧت اﻟﻣداﻓن داﺋﻣﺎ ﺗﺄﺧذ ﺷﻛل اﻟﺑﯾوت اﻟﺳﻛﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗم اﻟﺗﺧﻠﻲ ﻋﻧﮭﺎ .ﻓﺎﻟﻛﮭف اﻟﺳﻛﻧﻲ ﯾﺻﺑﺢ ﻣدﻓﻧﺎ ،وﺑﻌد اﻟﺗﺣول إﻟﻰ اﻟﺑﯾت اﻟﻣرﺑﻊ ﯾﺑﻧﻰ اﻟﻣدﻓن داﺋري ،وھﻛذا .وﻟﻛن اﻟﻛﮭف ﺣﺎﻓظ ﻋﻠﻰ ﻗداﺳﺗﮫ ﻛﻣﻛﺎن ﻟﻠﻌﺑﺎدة أو اﻟدﻓن .ﻓﻔﻲ اﻷﻣﺎﻛن اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗﻔﺗﻘر إﻟﻰ اﻟﻛﮭوف اﻟﺟﺑﻠﯾﺔ ،ﻣﺛل ﺳواﺣل اﻟﺧﻠﯾﺞ أو وادي دﺟﻠﺔ واﻟﻔرات أو اﻟﻧﯾل ،ﻋﻣد اﻟﻌرب إﻟﻰ ﺑﻧﺎء ﺟﺑﺎل وﻛﮭوف اصط انﻋﯾﺔ ﻟﺗﻛون ﻣداﻓن أو ﻣﻌﺎﺑد ،ﻣﺛل ﺗﻼل اﻟﻣداﻓن اﻟدﻟﻣوﻧﯾﺔ واﻟزﻗورات واﻷھراﻣﺎت. 79
اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻧطوﻓﯾﺔ 8000 – 9000 :ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ اﻟﻠﻬﺠﺔ اﻟﻤﺼرﯿﺔ ﻨﻘول ،ﻤﺜﻼ ،ﻋﺎوز أﺸرب ،ﻤن ﻋﺎز ﯿﻌوز أي اﺤﺘﺎج .وﻓﻲ اﻟﻌ ارﻗﯿﺔ ﻨﻘول أرﯿد أﺸرب واﻟﺘﻲ ﺘﻌﻨﻲ ،أﯿﻀﺎ ،أﺤﺘﺎج .وﻓﻲ اﻟﺴورﯿﺔ ﻨﻘول ﺒّدي أﺸرب ،ﻤن اﻟﺒّدة أي اﻟﺤﺎﺠﺔ .إذن، ﻫذﻩ ﻛﻠﻬﺎ ﻛﻠﻤﺎت ﻋرﺒﯿﺔ ﺘﺜﺒت وﺠود وﺤدة ﺜﻘﺎﻓﯿﺔ ﻻ ﺘطﺎﺒق وﺘﻤﺎﺜل دون ﻫﺎﻤش ﻟﻺﺒداع واﻟﺨﺼوﺼﯿﺔ. وﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﺤﯿن ﻨﺘﺤدث ﻋن اﻨﺘﺸﺎر إﻋﺎدة اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ ﻟﻠﻌﻘﯿدة ،اﻟﺘﻲ ﻨﺴﻤﯿﻬﺎ ﻤﺠﺎ از اﻟﻨطوﻓﯿﺔ ،ﻓﻨﺤن ﻻ ﻨﺘﺤدث ﻋن ﺘطﺎﺒق وﺘﻤﺎﺜل ٕواﻻ ﺼدﻗت اﻟﻨظرﯿﺔ اﻷروﺒﯿﺔ ﺤول \"اﻟﻬﺠ ارت\" .ﻓﻬﺠرة ﺴﻛﺎﻨﯿﺔ ﻤن \"أ\" إﻟﻰ \"ب\" ،ﺘﻌﻨﻲ أﻨﻨﺎ ﺴﻨﺠد ﺘطﺎﺒﻘﺎ ﻓﻲ اﻹﻨﺘﺎج اﻟﻤﻌرﻓﻲ ﺒﺎﻟﻤوﻗﻌﯿن .أﻤﺎ ﻓﻲ ظل اﻟوﺤدة اﻟﺜﻘﺎﻓﯿﺔ ﻓﺈﻨﻨﺎ ﺴﻨﺠد اﺸﺘ ارﻛﺎ ﻓﻲ اﻷﺴس وﺘﺠﺎﻨﺴﺎ ﻓﻲ اﻹﻨﺘﺎج ،أو ﻤﺎ ﯿطﻠق ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺒﺎﺤﺜون دون إﯿﻀﺎح، ﻤﺼطﻠﺤﺎت ﻤﺜل \"ﺘﺄﺜﯿر\" أو \"اﻨﺘﻘﺎل\" .وﻟﻛن اﻟﺘﺄﺜﯿر أو اﻻﻨﺘﻘﺎل ﻻ ﯿﻤﻛن أن ﯿﺠد ﻤوطﺊ ﻗدم دون وﺠود أرﻀﯿﺔ أو اﺴﺘﻌداد ﻻﺴﺘﻘﺒﺎﻟﻬﻤﺎ .ﻓﻛﻠﻤﺎ ظﻬ ار ﻓﻲ اﻹﻨﺘﺎج اﻟﻤﻌرﻓﻲ ﺒﺸﻛل أوﻀﺢ ،ﻛﻠﻤﺎ دل ذﻟك ﻋﻠﻰ ﻤدى اﻟوﺤدة اﻟﺜﻘﺎﻓﯿﺔ ﺒﯿن اﻟﻤواﻗﻊ .إذن ،ظﻬور إﻋﺎدة ﻟﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻌﻘﯿدة ﻓﻲ \"أ\" واﻨﺘﻘﺎﻟﻬﺎ إﻟﻰ \"ب\" ﻟﯿس ﻤﺸروطﺎ ﺒﺎﻟﻬﺠرة اﻟﺴﻛﺎﻨﯿﺔ ﻓﻲ ﺤدﯿﺜﻨﺎ ﻋن اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ .ﻓﺎﻻﻨﺘﺸﺎر ،ﻓﻲ اﻷﺴﺎس ،ﻫو اﻨﺘﺸﺎر ﻟﻠدﻋوة أﻛﺜر ﻤﻤﺎ ﻫو اﻨﺘﺸﺎر ﻤﺒﺎﺸر ﻟﻠﺴﻛﺎن .ﻓﻤن ﻏﯿر اﻟﻤﻌﻘول أن اﻟﺘﺤرك اﻟﺴﻛﺎﻨﻲ اﻟﻌرﺒﻲ وﺠوﻻﻨﻬم ﻋﻠﻰ أرﻀﻬم ﯿﺒﻘﻰ ﺴﺎﻛﻨﺎ ﻟﯿﺒدأ ﻓﺠﺄة ﻋﻠﻰ ﺸﻛل ﻫﺠ ارت ﻋﺎرﻤﺔ ﻛﻠﻤﺎ أردﻨﺎ ﺘﻔﺴﯿر ﺤدوث ﺘطور ﻓﻲ اﻹﻨﺘﺎج اﻟﻤﻌرﻓﻲ .وﻛﺄن ﻗﻠب اﻟﺠزﯿرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ ﻋﺒﺎرة ﻋن ِﻗ ْدر ﻀﻐط ﯿﻤﻨﻊ اﻟﺘﺤرك ﺨﺎرﺠﻬﺎ وﯿﺤﺒﺴﻪ ﺤﺘﻰ ﯿﺘوﻟد ﻀﻐط ﻫﺎﺌل ﻓﺘﻨﻔﺠر ﻤﺒﻌﺜرة ﻋرﺒﺎ ﻓﻲ اﻟﻌ ارق وﻋرﺒﺎ ﻓﻲ ﺒﻼد اﻟﺸﺎم وﻋرﺒﺎ ﻓﻲ وادي اﻟﻨﯿل واﻟﻤﻐرب اﻟﻌرﺒﻲ وأروﺒﺎ .ﻫذا ﺘﻔﻬم ﺴﺎذج وﻏﯿر ﻤﻨطﻘﻲ ﻓﻌﻼ ﻟﺘﺎرﯿﺨﻨﺎ. وﻋﻠﯿﻪ ،ﻻ ﺒد أن ﻨﻛون ﺤذرﯿن ﻓﻲ اﺴﺘﻌ ارﻀﻨﺎ ﻟﻤﺎ ﺘﻘذﻓﻪ ﻓﻲ وﺠﻬﻨﺎ ﺒﻌض اﻟﻤ ارﺠﻊ ﻤن ﻨظرﯿﺎت وﺸروح وﻤﺼطﻠﺤﺎت ﺤول ﺘﺎرﯿﺦ ﺤﻀﺎرﺘﻨﺎ اﻟﻘدﯿم أو اﻟﺤدﯿث واﻟﻤﻌﺎﺼر .ﻓﻌﻠﻰ ﺴﺒﯿل اﻟﻤﺜﺎل ،ﻨﻘ أر ﻟﻠدﻛﺘور ﻫﺎوﻛس واﻟﺴﯿر ﻟﯿوﻨﺎرد ووﻟﻲ أن ﻤوﻗﻊ اﻟﻌﻤرة اﻷﺜري ﻓﻲ ﻤﺤﺎﻓظﺔ ﺴوﻫﺎج ﺒﻤﺼر ،ﯿﻌﺘﺒر أﺤد اﻟﻤواﻗﻊ ﻟﻠﺤﻀﺎرة \"اﻟﻨطوﻓﯿﺔ\" 90.وأن ﻤوﻗﻊ ﺤﻠوان اﻷﺜري ،ﯿﻌﺘﺒر أﯿﻀﺎ أﺤد ﻤ ارﻛز اﻟﺤﻀﺎرة 90ھﺎوﻛس ـ أﺿواء ،ص .49 80
اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻧطوﻓﯾﺔ 8000 – 9000 :ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ \"اﻟﻨطوﻓﯿﺔ\" ﻓﻲ ﻤﺼر 91.وﻻ ﯿﻨﺘﻬﻲ اﻷﻤر ﻋﻨد ﻫذا اﻟﺤد وﺤﺴب ،ﻓﺎﻟﻠﻘﻰ اﻟﻤﻛﺘﺸﻔﺔ ﻓﻲ ﻤوﻗﻊ اﻟﻔﯿوم اﻷﺜري ،ﻤﺜل اﻟﻤﻨﺎﺠل وﺼﻨﺎﻨﯿر اﻟﺴﻤك ،ظﻬرت \"ﺘﺤﻤل اﻟطﺎﺒﻊ\" اﻟﻨطوﻓﻲ 92.وﻓﻲ ﻤوﻗﻌﻲ ﻤرﻤدة ﺒﻨﻲ ﺴﻼﻤﺔ واﻟﺒداري اﻷﺜرﯿﯿن ،ﺘم اﻟﻛﺸف ﻋن ﻟﻘﻰ ﺘظﻬر \"ﺘﺄﺜﯿر\" ﺒﻼد اﻟﺸﺎم اﻟﻤﺒﻛر ﻓﻲ ﻤﺼر93. وﯿؤﻛد ﻋﻠﻰ ذﻟك اﻟﺒروﻓﯿﺴور دي ﺒوﻨو ،ﻋﻠﻰ أن اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻨطوﻓﯿﺔ ﻗد أﺴﺴت ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ﻤرﻛ از ﻓﻲ ﺤﻠوان ﺜم اﻤﺘدت ﻟﺘﺸﻤل ﻤﻨطﻘﺔ واﺴﻌﺔ ﺠﻨوب وادي اﻟﻨﯿل ﺤﯿث ظﻬرت واﻀﺤﺔ ﻓﻲ اﻟﺨرطوم واﺴﺘﻤرت ﺠﻨوﺒﺎ إﻟﻰ اﻟﺼوﻤﺎل ﺤﯿث ظﻬرت واﻀﺤﺔ ﻫﻨﺎك أﯿﻀﺎ 94.واﻟﻤﻌﺎﻟم اﻟﺘﻲ ﯿﺘﺤدث ﻋﻨﻬﺎ ﻫؤﻻء اﻟﺒﺎﺤﺜون ﯿﺘﻌﻠق ﺒﻌﻀﻬﺎ ﺒﺎﻟﻠﻘﻰ اﻟﻤﻛﺘﺸﻔﺔ ،ﻛﺎﻨﺘﺸﺎر ﻨﺤت اﻟﻐزﻻن واﻷﯿﺎﺌل ،وﺒﻌﻀﻬﺎ ﺒطﻘوس اﻟدﻓن .ﻓﻔﻲ اﻟﻤﻌﺎدي ،ﻋﻠﻰ ﺴﺒﯿل اﻟﻤﺜﺎل ،دﻟت اﻟﻤﻘﺎﺒر ﻋﻠﻰ أن اﻟﻤوﺘﻰ ﻛﺎﻨوا ﯿدﻓﻨون ﻓﻲ وﻀﻌﯿﺔ اﻟﺠﻨﯿن ووﺠوﻫﻬم ﻨﺤو اﻟﺸرق ،ﻛﻤﺎ ﻋﺜر ﻋﻠﻰ ﻤﻘﺎﺒر ﻟﻠﻐزﻻن \"اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻨت ﺘﻌﺘﺒر ﺒدون ﺸك ﺤﯿواﻨﺎت ﻤﻘدﺴﺔ\" 95.وﻫذا اﻤﺘداد ،ﺒطﺒﯿﻌﺔ اﻟﺤﺎل ،ﻻﻋﺘﻤﺎد اﻟﻐ ازل ﻛرﻤز ﻗدﺴﻲ ﻓﻲ ﺒﻼد اﻟﺸﺎم. أﻤﺎ اﻟدﻛﺘور ﻤﺤﻤد ﻤﻬ ارن ،ﻓﯿﺸﯿر إﻟﻰ أن اﻷﻟف اﻟﺘﺎﺴﻊ ق.م ﻗد ﺸﻬد \"اﺨﺘﻔﺎء\" اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ اﻟوﻫ ارﻨﯿﺔ ﻟﺘﺤل ﻤﺤﻠﻬﺎ اﻟﺤﻀﺎرة \"اﻟﻘﻔﺼﯿﺔ\" ،ﻨﺴﺒﺔ إﻟﻰ ﻗﻔﺼﺔ ﻓﻲ ﺘوﻨس ،واﻟﺘﻲ ﺜﺒت \"ﺘﺄﺜرﻫﺎ\" ﺒﺎﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻨطوﻓﯿﺔ ﻛﻤﺎ ظﻬرت ﻓﻲ ﻤواﻗﻌﻬﺎ اﻟﻠﯿﺒﯿﺔ ﻓﻲ ﺤﻛﻔت اﻟطﯿرة وﺤﻛﻔت اﻟﻀﺒﻌﺔ وﻛﻬف ﻫواﻓﺘﯿﺢ 96 .وﯿﺨﺒرﻨﺎ اﻟدﻛﺘور ﺴﺎﻤﻲ اﻷﺤﻤد أن ﺒﻌض اﻟﻤداﻓن اﻟﺘﻲ ﺘم اﻟﻌﺜور ﻋﻠﯿﻬﺎ ﻓﻲ واﺤﺔ اﻟﺒرﯿﻤﻲ ،ﻓﻲ اﻹﻤﺎ ارت اﻟﻌرﺒﯿﺔ اﻟﻤﺘﺤدة ،ﻗد ظﻬرت ﺠﻤﺎﻋﯿﺔ ﻛﻤﺎ ظﻬر ﺒﻌﻀﻬﺎ وﻗد ﻤورس ﻓﯿﻬﺎ طﻘس ﻓﺼل اﻟﺠﻤﺠﻤﺔ ﻋن اﻟﺠﺜﺔ ﻋﻠﻰ اﻟطرﯿﻘﺔ اﻟﻨطوﻓﯿﺔ 97.وﯿﻨطﺒق اﻟﺤﺎل ﻨﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤداﻓن اﻟﺘﻲ ﺘم اﻟﻌﺜور ﻋﻠﯿﻬﺎ ﻓﻲ ﻤوﻗﻊ أم اﻟﻨﺎر اﻷﺜري ﻓﻲ اﻹﻤﺎ ارت اﻟﻌرﺒﯿﺔ اﻟﻤﺘﺤدة وأﯿﻀﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﺤرﯿن98. 91ھﺎوﻛس ـ أﺿواء ،ص .47 92ھﺎوﻛس ـ أﺿواء ،ص .48 93ﺳﻠﯾم ـ دراﺳﺎت ،ص ،48ص .63 The Peopling, p.80. 94 95ﺗﺎرﯾﺦ إﻓرﯾﻘﯾﺎ اﻟﻌﺎم ،اﻟﻣﺟﻠد اﻷول ،ﻓرﻧﺎن دي ﺑوﻧو ،ص 658ـ .659 96ﻣﮭران ـ ﻣﺻر واﻟﺷرق اﻷدﻧﻰ اﻟﻘدﯾم-ﺟزء )- (9اﻟﻣﻐرب اﻟﻌرﺑﻲ ،ص .22وﯾؤﻛد ﻋﻠﻰ \"ﻋروﺑﺔ\" ھذه اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ،وإن ﻛﺎن ﺗﺣت ﻋﻧوان \"اﻟﺷرق\" و\"اﻟﺷرق اﻷدﻧﻰ\" وھو ﻣﺎ ﻧﺗوﻗﻌﮫ ﻣن اﻟﺑﺎﺣﺛﯾن اﻷورﺑﯾﯾن ،اﻟﺑﺎﺣث اﻟﻔرﻧﺳﻲ ل .ﺑﺎﻟوت ،ﺗﺎرﯾﺦ إﻓرﯾﻘﯾﺎ اﻟﻌﺎم، اﻟﻣﺟﻠد اﻷول ،ص .585 97اﻷﺣﻣد ـ ﺗﺎرﯾﺦ ،ص .102-101 98اﻷﺣﻣد ـ ﺗﺎرﯾﺦ ،ص .122 81
اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻧطوﻓﯾﺔ 8000 – 9000 :ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ ﻛم ﻫو ﻤدﻫش ﻫذا \"اﻟﺘﺄﺜﯿر\" وﻫذا \"اﻟطﺎﺒﻊ\" اﻟﺤﻀﺎري اﻟذي ﻨﺠدﻩ ﻤﻤﺘًدا ﻤن اﻟﻤﻐرب اﻟﻌرﺒﻲ إﻟﻰ اﻟﺨﻠﯿﺞ اﻟﻌرﺒﻲ ،وﻤن اﻟﺼوﻤﺎل إﻟﻰ ﺸﻤﺎل ﺒﻼد اﻟﺸﺎم .وﻛم ﻫم ﻤدﻫﺸون ﻫؤﻻء اﻟﻘوم اﻟذﯿن اﺴﺘطﺎﻋوا أن ﯿﻨﺘﺸروا ﻤﻬﺎﺠرﯿن ﺸﻤﺎﻻ وﺠﻨوﺒﺎ ،ﺸرﻗﺎ وﻏرﺒﺎ ﻫرﺒﺎ ﻤن اﻟﺠﻔﺎف واﻟﻀﻐط اﻟﺴﻛﺎﻨﻲ! وﻤن ﺤﻘﻨﺎ ،واﻟﺤﺎل ﻛذﻟك ،أن ﻨﺴﺘﻔﺴر ﻋن ﺨط ﺴﯿرﻫم ﻋﺒر ﻫذﻩ \"اﻟﻬﺠ ارت\" .ﻓﺈذا ﻛﺎﻨت ﺒﻼد اﻟﺸﺎم ،وادي ﻨطوف ،ﻤوطن ﻫذﻩ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،ﻓﻛﯿف اﻨﺘﻘﻠوا إﻟﻰ اﻟﺨﻠﯿﺞ اﻟﻌرﺒﻲ ،ﻫل ﺤدث ذﻟك ﻋﺒر وادي اﻟ ارﻓدﯿن؟ ﻓﺈذا ﻛﺎن ﻛذﻟك ﺤﻘﺎً ،ﻓﻠﻤﺎذا ﻟم ﯿﺨﻠﻔوا ﻟﻨﺎ ﺸﯿﺌﺎ ﻓﻲ وﺴط وﺠﻨوب اﻟﻌ ارق اﻟﻠذﯿن ﻟم ﯿظﻬر ﻓﯿﻬﻤﺎ ﻤواﻗﻊ ﻟﻠﺤﻀﺎرة اﻟﻨطوﻓﯿﺔ؟ ﻫل ﻫذا ﯿﻌﻨﻲ ﺒﺄن ﻫؤﻻء \"اﻟﻤﻬﺎﺠرﯿن\" ﻗد اﺴﺘﻤروا ﻓﻲ ﺴﯿرﻫم ﻋﺒر اﻟﻌ ارق وﻟم ﯿطب ﻟﻬم اﻟﻤﻘﺎم إﻻ ﻋﻠﻰ ﺴﺎﺤل اﻟﺨﻠﯿﺞ! ﺜم ﻫﻨﺎك اﻟﻔرع اﻵﺨر ﻤن ﻫؤﻻء \"اﻟﻤﻬﺎﺠرﯿن\" ﻋﺒر ﺴﯿﻨﺎء إﻟﻰ ﺸﻤﺎل وادي اﻟﻨﯿل ،ﻓﺎﺴﺘﻘر ﺠزء ﻤﻨﻬم ﻫﻨﺎك واﻨطﻠق ﻓرع ﻤﻨﻬم إﻟﻰ اﻟﻤﻐرب اﻟﻌرﺒﻲ وآﺨرﯿن إﻟﻰ أﻋﺎﻟﻲ اﻟﻨﯿل ﻷن ﻤﻨطﻘﺔ اﻟدﻟﺘﺎ ﻟم ﺘﺴﻌﻬم! ﺒل اﺴﺘﻤروا ﻓﻲ اﻨطﻼﻗﻬم ﺠﻨوﺒﺎ ﻋﺒر ﻤﺼر واﻟﺴودان واﻟﺤﺒﺸﺔ واﺴﺘﻘروا ﻓﻲ اﻟﺼوﻤﺎل ﺤﯿث ظﻬرت ﻤواﻗﻌﻬم اﻷﺜرﯿﺔ .ﻻ ﺒد أن ﻋددﻫم ﻛﺎن ﻫﺎﺌﻼ وزﺤﻔﻬم ﻫذا أﺸﺒﻪ ﺒزﺤف اﻟﺘﺘﺎر إذن. إن ﺘﻌﺎﯿش إﻋﺎدة اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻨطوﻓﯿﺔ ﺠﻨﺒﺎ إﻟﻰ ﺠﻨب اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ اﻷﻗدم ﯿﻨﻔﻲ ﻋن أﺼﺤﺎﺒﻬﺎ ﻫﺠرة اﻟﻔﺎﺘﺤﯿن ﻟﻨﺸر دﻋوﺘﻬم اﻟﺠدﯿدة .ﻓظﻬور ﻤواﻗﻊ ﻟﻬﺎ ﻓوق رﻗﻌﺔ ﺠﻐ ارﻓﯿﺔ ﺒﻬذا اﻻﺘﺴﺎع ،ﯿﻌود ﺤﻘﯿﻘﺔ، إﻟﻰ ﺘﺒﻨﻲ ﺴﻛﺎن ﺘﻠك اﻟﻤﻨﺎطق ﻟﻠﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻨطوﻓﯿﺔ ،ﺘﺒﻨﯿﺎ وﺠد اﺴﺘﻌدادا ﻟدﯿﻬم ﻓﻲ ظل اﻟﺘﺠﺎﻨس أو اﻟوﺤدة اﻟﺜﻘﺎﻓﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯿﻨﺘﻤﻲ إﻟﯿﻬﺎ ﺴﻛﺎن ﻤﺎ ﺒﯿن اﻟﺨﻠﯿﺞ إﻟﻰ اﻟﻤﺤﯿط .وﻨﺤن ﻨرى ﺒﺄن ﻫذا أﻗرب إﻟﻰ اﻟﻤﻨطق .وﺒﻤﺎ أن ﻫذﻩ اﻟﻤواﻗﻊ ﻗد ظﻬرت ﻤن اﻟﺨﻠﯿﺞ إﻟﻰ اﻟﺼوﻤﺎل وﻤن ﺒﻼد اﻟﺸﺎم إﻟﻰ وادي اﻟﻨﯿل واﻟﻤﻐرب اﻟﻌرﺒﻲ ،ﻓﻌﻠﻰ اﻷرﺠﺢ أن ﻨﻘطﺔ اﻨطﻼﻗﻬﺎ ﻛﺎﻨت ﻤن ﻤﻛﺎن ﻤﺎ ﻓﻲ اﻟوﺴط .ﻓﻤن اﻷﺴﻬل أن ﯿﻛون وﺼوﻟﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺼوﻤﺎل ﻋﺒر ﺒﺎب اﻟﻤﻨدب ﻤن أن ﯿﻛون ﻗﺎدﻤﺎ ﻤن ﺒﻼد اﻟﺸﺎم ﻋﺒر وادي اﻟﻨﯿل واﻟﺤﺒﺸﺔ .ﻛﻤﺎ أﻨﻪ ﻤن اﻷﺴﻬل ﻋﻠﯿﻬﺎ أن ﺘﺼل اﻟﺨﻠﯿﺞ ﻋﺒر ﻋﻤﺎن ﻤن أن ﺘﻛون ﻗﺎدﻤﺔ ﻋﺒر وادي دﺠﻠﺔ واﻟﻔ ارت اﻟذي ﻟم ﺘظﻬر ﻟﻬﻤﺎ ﻤواﻗﻊ ﻓﯿﻪ .ﻛﻤﺎ وأن إﻋﺎدة اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ ﺒﺤد ذاﺘﻬﺎ ،ﺘﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﺘ ارﻛم ﻓﻲ اﻟﻤﺨزون اﻟﻤﻌرﻓﻲ ﻤن اﻟﻤﻌﻘول رؤﯿﺔ ﻤرﻛزﻩ ﻓﻲ ﻗﻠب اﻟﺠزﯿرة ﺒﻨﺎء ﻋﻠﻰ ﻤﺎ ذﻛرﻨﺎﻩ ﺴﺎﺒﻘﺎ ﺤول ﺘﺄﺜﯿر اﻟزﺤف اﻟﺠﻠﯿدي .وﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﻻ ﯿوﺠد ﻤﺎ ﯿﻌﺎرض ﻛون ﻤﻨطﻘﺔ ﻋﺴﯿر، 82
اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻧطوﻓﯾﺔ 8000 – 9000 :ق.م اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ ﻤﺜﻼ ،اﻟﻤوطن اﻷﺼﻠﻲ ﻹﻋﺎدة اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻨطوﻓﯿﺔ ،ﻋل اﻟﻤﻛﺘﺸﻔﺎت اﻷﺜرﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒل ﺘدﻋم ذﻟك .واﻵن ،ﻟﻨﺴﺄل اﻟﺴؤال اﻟﺘﺎﻟﻲ؛ إﻟﻰ أﯿن وﺼل اﻹﻨﺘﺎج اﻟﻤﻌرﻓﻲ ﻟﻠﺤﻀﺎرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ ﺒوﺤﻲ اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻨطوﻓﯿﺔ ﻟﻠﻌﻘﯿدة؟ ذﻟك اﻻﻨدﻓﺎع إﻟﻰ ﻤﺤﺎﻛﺎة اﻟطﺒﯿﻌﺔ ٕواﻋﺎدة إﻨﺘﺎج ﻤظﺎﻫرﻫﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻤﺜﻠﻪ اﻟﺒﻨﺎء ﻓﻲ اﻟﻌ ارء ﻋوﻀﺎ ﻋن اﻟﻛﻬوف وﺘﺸﻛﯿل اﻟدﻤﻰ اﻟطﯿﻨﯿﺔ واﻟﺤﺠرﯿﺔ واﻟﺘرﻛﯿز ﻋﻠﻰ اﻟﻬﯿﺌﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ ،ﻫل ﺘوﻗف ﻋﻨد ﻫذا اﻟﺤد أم ﺘطور ﻤﻘدﻤﺎ ﻟﻨﺎ ﻨﻤﺎذج أﺨرى ﺘدل ﻋﻠﻰ ذﻟك اﻹﯿﻤﺎن ﺒﻤﻘدرة اﻹﻨﺴﺎن ﻋﻠﻰ اﻹﻨﺘﺎج واﻟﻌﻤل؟ 83
ﻋﻘﯾدة اﻟزراﻋﺔ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ ﻋﻘﯿدة اﻟز ارﻋﺔ ﺘﺸﯿر اﻟﻠﻘﻰ واﻟﻤﻌﺎﻟم اﻷﺜﺎرﯿﺔ اﻟﻤﻛﺘﺸﻔﺔ )ﻤﻊ اﻟدﺨول ﻓﻲ اﻷﻟف اﻟﺜﺎﻤﻨﺔ ﻗﺒل اﻟﻤﯿﻼد( ،ﺒﺄن اﻹﻨﺴﺎن ﻓﻲ اﻟﻤﺸرق اﻟﻌرﺒﻲ ﻗّرر إﻨﺘﺎج ﻗوﺘﻪ ﺒﻨﻔﺴﻪ ﺒﺘﺤوﻟﻪ إﻟﻰ اﻟز ارﻋﺔ اﻟﻤﻌﺘﻤدة ﻋﻠﻰ اﻟﻤطر ،ﺼﺎﻨﻌﺎ ﻓﻲ ﺘﺎرﯿﺦ اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ أﻫم ﻤﻨﻌطﻔﺎﺘﻪ ،وواﻀﻌﺎ اﻷﺴﺎس ﻟﺒﻨﺎء اﻟﺤﻀﺎ ارت اﻟﻛﺒرى ﻓﯿﻪ وﺴﺎﺒﻘﺎ إﻟﯿﻬﺎ .وﯿﺠب أن ﻨﻌﻲ أن ﻫذا اﻟﺘﺎرﯿﺦ واﻷﻤﺎﻛن اﻟﻤﻌﺘﻤدة ﻟﻠﺘﺤول إﻟﻰ اﻟز ارﻋﺔ )ﺒل ﻛﻠﻤﺔ ﺘﺤول ﻓﻲ ﺤد ذاﺘﻬﺎ( ﻫو ﻓﻲ ﺤدود اﻟﻤﻌﻠوﻤﺎت اﻟﻤﺘواﻓرة ﻟدﯿﻨﺎ ﻤن أﻋﻤﺎل اﻟﺘﻨﻘﯿب اﻟﺘﻲ ﻟم ﺘﻤس ﺒﺸﻛل ﺠﺎد اﻟﺠزﯿرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ ﺤﯿث ﻤﺎ ازﻟت ﻋﻤﻠﯿﺎت اﻟﺘﻨﻘﯿب ﻓﯿﻬﺎ ﺴطﺤﯿﺔ ﺒﺸﻛل ﻛﺒﯿر .وﻨﺤن ﻨﻘول \"ﻗّرر\" ﻤﺘﻌﻤدﯿن ،ﻷن اﻟﺘﺤول إﻟﻰ اﻟز ارﻋﺔ \"ﻟم ﯿﻛن ﻤدﻓوﻋﺎ ﺒﺸﺢ اﻟﺒﯿﺌﺔ اﻟطﺒﯿﻌﯿﺔ وﺘ ارﺠﻊ ﺤﻘول اﻟﺤﺒوب اﻟﺒرﯿﺔ\" 99اﻟﺘﻲ أﻤدت اﻹﻨﺴﺎن ﺴﺎﺒﻘﺎ ﺒﺎﺤﺘﯿﺎﺠﺎﺘﻪ اﻟﻐذاﺌﯿﺔ؛ ﻓﺎﻷدﻟﺔ اﻷﺜرﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻤ ارﻛز اﻟﻨطوﻓﯿﺔ ﻗﺒل ﺘﺤوﻟﻬﺎ إﻟﻰ اﻟز ارﻋﺔ \"ﻤﺜل أرﯿﺤﺎ ﻓﻲ ﻓﻠﺴطﯿن وﺘل ﻤرﯿﺒط ﻓﻲ ﺴورﯿﺔ ،ﺘﻘدم ﺒرﻫﺎﻨﺎ ﺴﺎطﻌﺎ ﻋﻠﻰ ذﻟك .ﻓﻘد ﺘﺒﯿن ﻟﻠﺒروﻓﯿﺴور ﺠﺎك ﻛوﻓﻤﺎن ،واﻟذي ﻨﻘب ﻓﻲ ﻤوﻗﻊ اﻟﻤرﯿﺒط وﻏﯿرﻩ ،وﺒﺎﻟﺘﻌﺎون اﻟوﺜﯿق ﻤﻊ ﻋﻠﻤﺎء ﻨﺒﺎت ﻤﺎ ﻗﺒل اﻟﻛﺘﺎﺒﺔ )ﻤﺎ ﻗﺒل اﻟﺘﺎرﯿﺦ( وﻋﻠﻤﺎء ﺘﺤﻠﯿل ﻨﺒﺎت اﻟطﻠﺢ ،أن اﻟﻤواﻗﻊ اﻟز ارﻋﯿﺔ اﻟ ارﺌدة ﻛﺎﻨت ﻏﻨﯿﺔ ﺒﺎﻟﺤﺒوب اﻟﺒرﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﯿﻤﻛن ﺠﻨﯿﻬﺎ واﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﯿﻬﺎ ﻓﻲ اﻗﺘﺼﺎدﯿﺎت اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ،دون اﻟﻠﺠوء إﻟﻰ ﻤﺠﻬود اﻟز ارﻋﺔ اﻟﻤﻨظﻤﺔ 100\".ﻓﻘد ﺜﺒت أن اﻹﻨﺴﺎن ﺒﺎﺴﺘطﺎﻋﺘﻪ ،ﻤﺴﺘﺨدﻤﺎ اﻟﻤﻨﺠل اﻟﺼواﻨﻲ وطرﯿﻘﺔ اﻟﺤﺼﺎد اﻟﻘدﯿﻤﺔ ،ﺠﻨﻲ 2.45ﻛﺠم ﻤن اﻟﺴﻨﺎﺒل ﻓﻲ ﺴﺎﻋﺔ واﺤدة ،وﻫﻲ ﻛﻤﯿﺔ ﺘوﻓر ﻛﯿﻠوﺠ ارﻤﺎ واﺤدا ﻤن اﻟﺤﺒوب اﻟﺠﺎﻫزة ﻟﻠطﺤن\" .وﻫذا ﯿﻌﻨﻲ أن أﺴرة ﻤن اﻟﺠﺎﻤﻌﯿن ﻟن ﺘﺤﺘﺎج إﻻ إﻟﻰ ﺒﻀﻊ أﺴﺎﺒﯿﻊ ﻋﻤل ﻓﻲ اﻟﺴﻨﺔ ﻟﺘﺤﺼل ﻋﻠﻰ ﻤؤوﻨﺔ ﺴﻨوﯿﺔ ﻛﺎﻓﯿﺔ ﻤن اﻟﺨﺒز 101\".وﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﺈن اﻟﺘﺤول إﻟﻰ اﻟز ارﻋﺔ ﻨﺸﺄ ﺒﻘ ارر ﻓﻛري ﺒﺎﻟدرﺠﺔ اﻷوﻟﻰ ﻻ \"ﻤن أﺠل ﺘﻼؤم اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻤﻊ وﺴطﻬﺎ اﻟطﺒﯿﻌﻲ ﺒل ﻤن أﺠل ﺘﻼؤﻤﻬﺎ ﻤﻊ ﻨﻔﺴﻬﺎ 102\".وﻗد ارﻓق ﻫذا اﻟﺨﯿﺎر اﻟز ارﻋﻲ ﺘﺤول أﯿﻀﺎ ﻓﻲ أﻨواع اﻟﺤﯿواﻨﺎت اﻟﺘﻲ اﺨﺘﺎرﻫﺎ اﻹﻨﺴﺎن ﻟﺼﯿدﻫﺎ وﺘدﺠﯿﻨﻬﺎ واﻷﻨﻤﺎط اﻟﻤﻌﻤﺎرﯿﺔ ﻟﻤﺴﺎﻛﻨﻪ وﻤﻌﺎﺒدﻩ واﻟرﻤوز اﻟﻘدﺴﯿﺔ ﻟﻌﻘﯿدﺘﻪ اﻟدﯿﻨﯿﺔ ،ﺒﻤﻌﻨﻰ أﻨﻪ ﺒﺎﻷﺴﺎس ﯿﻤﺜل ﺘطوًار ﻓﻲ ﺼﯿﺎﻏﺘﻪ ﻟﻌﻘﯿدﺘﻪ. 99اﻟﺳواح ،ص .176 100اﻟﺳواح ،ص .176 101اﻟﺳواح ،ص .175 102اﻟﺳواح ،ص .176 84
ﻋﻘﯾدة اﻟزراﻋﺔ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ وﺘﻤﺜل أرﯿﺤﺎ أﻓﻀل اﻟﻤواﻗﻊ اﻟﺤﻀﺎرﯿﺔ ﻟﻬذﻩ اﻟﻔﺘرة .ﻓﺎﻟﻤﻌﺎﻟم اﻷﺜرﯿﺔ ﻓﯿﻬﺎ ﺘﺸﯿر إﻟﻰ أن اﻹﻨﺴﺎن ﻗد اﺴﺘﻤر ﻓﻲ ﺒﻨﺎء ﻤﺴﺎﻛﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﺸﻛل داﺌري وﺒﯿﻀﺎوي ،وﻟﻛن ﺒﺎﺴﺘﺨدام اﻟطﺎﺒوق اﻟطﯿﻨﻲ ﻤﻊ ﻏﯿﺎب اﻟﺤﺠر ﻓﻲ اﻟﺒﻨﺎء ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻋﯿن اﻟﻤﻼﺤﺔ .واﻟطﺎﺒوق اﻟطﯿﻨﻲ اﻟﻤﺴﺘﺨدم ﻗد ﺘم ﺘﺼﻨﯿﻌﻪ ﯿدوﯿﺎ ﻋﻠﻰ ﺸﻛل أﻗ ارص ﺒﻨﯿت ﺒﻪ اﻟﺠد ارن ودﻋﻤت ﺒﺎﻟﺨﺸب .وﻤﺎ أن ﻨﺼل إﻟﻰ ﺤواﻟﻲ 7500ق.م إﻻ وﺘﺘﺤول ﻫذﻩ اﻟﻘرﯿﺔ إﻟﻰ ﺸﺒﻪ ﻤدﯿﻨﺔ ﺘﻀم 2000ﻨﺴﻤﺔ وﻤﺤﺎطﺔ ﺒﺴور داﺌري ﺴﻤﺎﻛﺘﻪ 1.5ﻤﺘ ار ﺒﺎرﺘﻔﺎع 3.6ﻤﺘ ار ﯿﺘﻀﻤن ﺒرﺠﺎ داﺌرﯿﺎ ﻗطرﻩ 15ﻤﺘًار ﺒﺎرﺘﻔﺎع 15ﻤﺘًار ،وﻗد ﺤﻔر ﺨﺎرج اﻟﺴور ﺨﻨدق ﻋرﯿض ﻓﻲ اﻟﺼﺨر 103.ﻨﺤن ﻟم ﻨﻌد ﻨﺘﺤدث ﻋن ﺼﻨﺎﻋﺔ ﻓﺄس ﺤﺠرﯿﺔ أو ﺴﻛﯿن ﻤن اﻟﺼوان ﻫﻨﺎ ،ﺒل ﻤدﯿﻨﺔ ﺒﺴور وأﺒ ارج ﻋﺎﻟﯿﺔ وﺘﺸرﯿﻌﺎت ﻟﺘﻨظﯿم ﻤﻌﯿﺸﺔ 2000ﻨﺴﻤﺔ داﺨل ﺤدود ﻤﺠﺘﻤﻌﻬم وﺨﺎرﺠﻪ .ﺘﺸرﯿﻌﺎت اﺨﺘﺼت ﺒﺎﻟﺤﻘول اﻟز ارﻋﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺘم اﺨﺘﯿﺎرﻫﺎ ،ﺘﺤدﯿد ﻤﺴﺎﺤﺘﻬﺎ ﻹﻨﺘﺎج اﻟﻛﻤﯿﺎت اﻟﻤطﻠوﺒﺔ ﻤن اﻟﺤﺒوب ،ﺤﻤﺎﯿﺔ ﻫذﻩ اﻟﺤﻘول وﺤﻤﺎﯿﺔ اﻟﻤﺴﺎﻛن واﻟﺤﯿواﻨﺎت واﻟدﻓﺎع ﻋﻨﻬﺎ أﻤﺎم اﻵﺨرﯿن ،إﻟﻰ ﺠﺎﻨب ﺘوزﯿﻊ اﻟﻤﻬﺎم داﺨل اﻟﻤدﯿﻨﺔ وﻨظﺎم ﻟﺘوزﯿﻊ اﻟﻐذاء اﻟذي ﯿﺘم ﺤﺼﺎدﻩ إﻟﻰ آﺨرﻩ ﻤن اﻟﺘﺸرﯿﻌﺎت اﻟﺘﻲ ظﻬرت اﻟﺤﺎﺠﺔ إﻟﯿﻬﺎ ﻟﻀﻤﺎن ﺴﯿر أﺴﻠوب اﻟﺤﯿﺎة اﻟﺠدﯿد ﻫذا. وﺘﻤﺜﻠت اﻟﻤﻌﺎﻟم اﻷﺜرﯿﺔ اﻷﺨرى اﻟﺘﻲ ﺘم اﻟﻌﺜور ﻋﻠﯿﻬﺎ ﺒﺎﻟﻤداﻓن .ﻓﻘد ﺘﺤول اﻟدﻓن اﻟﺠﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﺠﻤﺎﺠم ﻓﻲ أرﯿﺤﺎ إﻟﻰ دﻓن ﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻤن ﺜﻼﺜﺔ أو ﺨﻤﺴﺔ ﺠﻤﺎﺠم ﻓﻲ ﻗﺒر واﺤد وﻗد رﺼﻔت ﻋﻠﻰ ﺸﻛل داﺌرة وﺠوﻫﻬﺎ ﺘﺘﺠﻪ ﻨﺤو اﻟﻤرﻛز وﻛﺄﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺤﻠﻘﺔ ﺘﺸﺎور .وﻛﺄﻨﻨﺎ ﻫﻨﺎ أﻤﺎم ﻤداﻓن أﺴرﯿﺔ .ﺜم أﺨذت أﻫﻤﯿﺔ اﻟ أرس ﺒﺎﻻزدﯿﺎد ﺤﯿث ظﻬرت ﻓﻲ ﺘل اﻟﻤرﯿﺒط طﻘوس دﻓن اﻟﻤوﺘﻰ ﺘﺤت أرﻀﯿﺔ اﻟﻤﺴﻛن \"ﺒﯿﻨﻤﺎ ﻓﺼﻠت ﺠﻤﺎﺠﻤﻬﺎ ووزﻋت ﻀﻤن اﻟﻤﺴﻛن ﻋﻠﻰ اﻤﺘداد اﻟﺠد ارن ،ﻛل ﺠﻤﺠﻤﺔ ﺘرﺘﻛز ﻋﻠﻰ ﻗﺎﻋدة طﯿﻨﯿﺔ ﺨﺎﺼﺔ ﺒﻬﺎ ] ارﺘﻔﺎﻋﻬﺎ ﺤواﻟﻲ 20ﺴﻨﺘﯿﻤﺘًار [ ،وذﻟك ﻛﻨوع ﻤن اﻷﺜﺎث اﻟﺠﻨﺎﺌزي اﻟﻤﻌروض ﺒﺎﺴﺘﻤ ارر أﻤﺎم اﻷﻨظﺎر 104\".واﻟﻰ ﺠﺎﻨب اﻟﻤداﻓن ،ﺘم اﻟﻌﺜور ﻋﻠﻰ اﻟدﻤﻰ ﺒﻬﯿﺌﺘﻬﺎ اﻷﻨﺜوﯿﺔ واﻷﺴﻠوب اﻟرﻤزي ﻓﻲ اﻟﺘﺼﻨﯿﻊ ،ﻓﻬﻨﺎك اﻟﺘﻀﺨﯿم ﻟﻠﺜدﯿﯿن واﻟورك واﻟﺒطن ،ﻤﻊ ﻏﯿﺎب اﻟ أرس ﻨﻬﺎﺌﯿﺎ ﺤﯿث ﺘﻨﺘﻬﻲ ﻤن اﻷﻋﻠﻰ ﺒﺎﻤﺘداد ﻟﻠرﻗﺒﺔ ﻓﻘط .وﻗد اﺘﺨذت وﻀﻌﯿﺔ اﻟﻘﻌود ﻋﻠﻰ ﻋﺠﯿزة ﻀﺨﻤﺔ .وﻫذﻩ اﻟوﻀﻌﯿﺔ ﺘﺸﯿر إﻟﻰ أﻨﻬﺎ ﻛﺎﻨت ﺘوﻀﻊ ﻋﻠﻰ ﻤﺼﺎطب ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎﻛن واﻟﻤﻌﺎﺒد ﻛرﻤز De La Croix & Tansey, p. 37 103 104اﻟﺳواح ،ص .214 85
ﻋﻘﯾدة اﻟزراﻋﺔ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ ﻟﻠﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ ﯿﺘﻌﻠق ﺒﺎﻟﺨﺼوﺒﺔ ﻋﻠﻰ اﻷرﺠﺢ .وﻛﺜف اﻹﻨﺴﺎن ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻔﺘرة ﺘدﺠﯿﻨﻪ ﻟﻠﺤﯿواﻨﺎت ﻛﺎﻟﻤﺎﻋز واﻟﻐﻨم واﻟﺒﻘر واﻟﻛﻠب واﻟﺨﻨزﯿر اﻟﺒري واﻟﻐ ازل ،وﺘرﺒﯿﺘﻬﺎ ﻟﻼﻨﺘﻔﺎع ﺒﻬﺎ. إذن ﻓﺎﻟﺘوﺠﻪ اﻟذي ﻟﻤﺴﻨﺎﻩ ﺴﺎﺒﻘﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻨطوﻓﯿﺔ ،إﺒﺎن اﻷﻟف اﻟﻌﺎﺸرة واﻟﺘﺎﺴﻌﺔ ق.م ،ﻗد ﺘطور ﻓﻲ اﻷﻟف اﻟﺜﺎﻤﻨﺔ ق.م ﺒﺸﻛل ﯿﺘﺴق ﻤﻊ ﻤﺎ ذﻫﺒﻨﺎ إﻟﯿﻪ ﻤن ﻗ ارر اﻹﻨﺴﺎن ﻤﺤﺎﻛﺎة اﻟطﺒﯿﻌﺔ ٕواﻋﺎدة إﻨﺘﺎج ﻤظﺎﻫرﻫﺎ .ﻓﺈﻋﺎدة إﻨﺘﺎج اﻟﻛﻬوف اﻟطﺒﯿﻌﯿﺔ ﻟم ﯿﻌد ﯿﻛﻔﻲ ﻟﯿﻌﺒر ﻋن ﻗد ارت اﻹﻨﺴﺎن، ﺒل ﺘم اﻟﺘﻨﺎزل ﻋن اﻟﺤﺠر اﻟطﺒﯿﻌﻲ ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ اﻟذي ﻤﺜﻠﻪ اﻟطﺎﺒوق اﻟطﯿﻨﻲ ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻤن اﻟطﺒﯿﻌﻲ أن ﯿﻘود اﻷﻤر ،ﻤﻊ ﺘ ارﻛم اﻟﻤﺨزون اﻟﻤﻌرﻓﻲ ،إﻟﻰ إﻋﺎدة إﻨﺘﺎج اﻟﺤﺒوب اﻟﺒرﯿﺔ )اﻟطﺒﯿﻌﯿﺔ( أو ﻤﺎ ﻨﺴﻤﯿﻪ ﺒﺎﻟز ارﻋﺔ .وﻤظﺎﻫر اﻹﻨﺘﺎج اﻟﻤﻌرﻓﻲ اﻷﺨرى ﻤﺘﺴﻘﺔ ،ﻫﻲ أﯿﻀﺎ ،ﻤﻊ ﻫذﻩ اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ ﻟﻠﻌﻘﯿدة .ﻓﺎﺴﺘﺌﻨﺎس اﻟﺤﯿواﻨﺎت ﻫو ﻤﺠرد ﺘﻌﺒﯿر ﻋن ﺘﻌﺎظم ﻨظرة اﻹﻨﺴﺎن ﻟدورﻩ ﻓﻲ اﻟوﺠود .ﻛذﻟك اﻟﺤﺎل ﻓﯿﻤﺎ ﯿﺘﻌﻠق ﺒﺴور أرﯿﺤﺎ ﻨﻔﺴﻪ .ﻓﺎﻟﻨظرة اﻟﺘﻘﻠﯿدﯿﺔ إﻟﻰ ﻫذا اﻟﺴور ﻋﻠﻰ أﻨﻪ ﻛﺎن ﯿﻬدف إﻟﻰ ﺤﻤﺎﯿﺔ اﻟﺴﻛﺎن ﻻ ﺘﺼﻤد أﻤﺎم اﻟﺤﻘﺎﺌق اﻟﺘﺎرﯿﺨﯿﺔ .ﻓﻤن ﻨﺎﺤﯿﺔ ،ﻟم ﯿﺘم اﻟﻌﺜور ﻋﻠﻰ أﯿﺔ ﻟﻘﻰ أﺜرﯿﺔ ﻷﺴﻠﺤﺔ ﺤرﺒﯿﺔ أو أي ﻤظﺎﻫر ﺘدل ﻋﻠﻰ ﺤدوث ﺼ ارع أو ﻨ ازع .وﻤن ﻨﺎﺤﯿﺔ أﺨرى ،ﺘﺸﯿر اﻟﺤﻘﺎﺌق اﻟﺘﺎرﯿﺨﯿﺔ إﻟﻰ أن ﻓﻛرة ﺒﻨﺎء ﺴور ﺤول اﻟﻤواﻗﻊ اﻟﺴﻛﻨﯿﺔ ﻟم ﺘﺘﻛرر ﻓﻲ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ إﻻ ﺒﻌد ﺴور أرﯿﺤﺎ ﻫذا ﺒﺤواﻟﻲ أرﺒﻌﺔ آﻻف ﺴﻨﺔ 105.ﻓﻬل ﯿﻌﻘل أﻨﻪ ﻛﺎﻨت ﻫﻨﺎك ﺤﺎﺠﺔ ﻟﺤﻤﺎﯿﺔ اﻟﻤواﻗﻊ اﻟﺴﻛﻨﯿﺔ إﺒﺎن اﻟﻨﺼف اﻟﺜﺎﻨﻲ ﻤن اﻷﻟف اﻟﺜﺎﻤﻨﺔ ق.م ﺜم اﻨﺘﻔت ﻫذﻩ اﻟﺤﺎﺠﺔ ﻟﻤدة 4000ﺴﻨﺔ ﻗﺒل أن ﺘﻌود إﻟﻰ اﻟظﻬور ﻤﺠددا .ﺜم ﻤﻤن أ ارد ﺴﻛﺎن أرﯿﺤﺎ ﺤﻤﺎﯿﺔ أﻨﻔﺴﻬم ﺒﺴور وأﺒ ارج ارﺘﻔﺎﻋﻬﺎ 15ﻤﺘًار! ﻫل ﺴﻨﻌود إﻟﻰ ﻓﻛرة اﻟﺒﺎﺤﺜﯿن اﻷورﺒﯿﯿن ﺤول \"ﻫﺠ ارت\" ﻫﺎرﺒﺔ ﻤن اﻟﺠﻔﺎف واﻟﺘﺼﺤر ﺘﺘﺼﺎرع ﻋﻠﻰ ﻤﺼﺎدر اﻟﻤﯿﺎﻩ ﻓﻲ زﻤن ﻛﺎﻨت اﻷﻤطﺎر واﻟﺠداول ﻤﺎ ازﻟت وﻓﯿرة ﻋﻠﻰ طول وﻋرض اﻷ ارﻀﻲ اﻟﻌرﺒﯿﺔ إﺒﺎن اﻷﻟف اﻟﺜﺎﻤﻨﺔ ق.م .أم أن ﻫذا اﻟﺴور ﻤظﻬر آﺨر ﻋﺒر ﻓﯿﻪ اﻹﻨﺴﺎن ﻋن ﻗدرﺘﻪ ﻤﺤﺎﻛﺎة ﻤظﺎﻫر اﻟطﺒﯿﻌﺔ. ﻟﺴت أدري إﻟﻰ أﯿﺔ درﺠﺔ ﻨﺴﺘطﯿﻊ ﻤد ﺨﯿﺎﻟﻨﺎ \"اﻟﻌﻠﻤﻲ\" ﻟﻨرى اﻟﻌﻼﻗﺔ ﻤﺎ ﺒﯿن إﻋﺎدة إﻨﺘﺎج ﻛﻬوف اﻟطﺒﯿﻌﺔ وﺒﯿن إﻋﺎدة إﻨﺘﺎج ﺴﻔوح اﻟﺠﺒﺎل اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻨت ﺘﺤﯿط ﺒﻬﺎ .ﻓﻌﻠﻰ اﻷرﺠﺢ أن ﺒﻨﺎء ﻫذا اﻟﺴور 105ﻛﻣﺎ ﺳﻧرى ﻻﺣﻘﺎ ،ھدم ﺳور أرﯾﺣﺎ ھذا ﻣﻊ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻷﻟف اﻟﺛﺎﻣﻧﺔ ق.م ،وﻟم ﺗﺣﺎط ﺑﺳور ﺷﺑﯾﮫ إﻻ ﻓﻲ اﻷﻟف اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ ق.م. 86
ﻋﻘﯾدة اﻟزراﻋﺔ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ ﻛﺎن اﺴﺘﻌ ارﻀﺎ ﻟﻠﻤﺴﺘوى اﻟﻌﻠﻤﻲ واﻟﺼﻨﺎﻋﻲ واﻟﺘﻘﻨﻲ اﻟذي وﺼﻠت إﻟﯿﻪ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ \"اﻟﻨطوﻓﯿﺔ\" ﺤﯿﻨﻬﺎ ،ﻛﻤﻌﻠم ﺤﻀﺎري أﻛﺜر ﻤن ﻛوﻨﻪ ذا وظﯿﻔﺔ دﻓﺎﻋﯿﺔ ،ﻤﻤﺎ ﯿﺘﺴق ﻤﻊ ﺘﻌﺎظم رؤﯿﺔ اﻹﻨﺴﺎن ﻟﻨﻔﺴﻪ وﻗد ارﺘﻪ ودورﻩ ﻓﻲ اﻟوﺠود .وﻋﻠﻨﺎ ﻨﺠد ﻓﻲ ﺘطور طﻘوس اﻟدﻓن ﻤﺎ ﯿؤﯿد ذﻟك .ﻓﺎﻟﺠﻤﺠﻤﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ ،ذﻟك اﻟﻤرﻛز ﻟﻠروح واﻟﻤﻘدرة اﻹﺒداﻋﯿﺔ ،ﻟم ﯿﻌد دﻓﻨﻬﺎ ﻤﻔﺼوﻻ ﻋن اﻟﺠﺴد ﻛﺎﻓﯿﺎ ﻟﻠﺘﻌﺒﯿر ﻋن أﻫﻤﯿﺘﻬﺎ واﻻﺤﺘ ارم واﻟﺘﻘدﯿس اﻟذي ﺘﺴﺘﺤﻘﻪ ﻛرﻤز ﻟﻠﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ .ﻓﻛﻤﺎ ظﻬر ﻓﻲ ﺘل ﻤرﯿﺒط، ﺒﺎﺘت ﺘﻌرض ﺤول ﺠد ارن اﻟﻤﺴﺎﻛن ﻻ ﺘدﻓن ﺘﺤت اﻟﺘ ارب ﺘﻌﺒﯿ ار ﻋن اﻻﺤﺘ ارم اﻟﻤﺘ ازﯿد ﻟﻬﺎ، وﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﺘﻌﺒﯿ ار ﻋن ﺘ ازﯿد أﻫﻤﯿﺔ اﻟﻬﯿﺌﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ ﻛرﻤز ﻟﺘﻠك اﻟﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ .وﻫذا ﻤﺎ ﺴﻤﺢ ﺒﺘطوﯿر اﻟدﻤﻰ اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ ﻤن ﻤﺨﺘزﻟﺔ ﺠدا ،ﺒﻼ ﻤﻼﻤﺢ أو ﺠﻨس ،إﻟﻰ دﻤﻰ ﺒﻤﻼﻤﺢ أﻨﺜوﯿﺔ واﻀﺤﺔ ﺘﻌﺒر ﻋن ﺠﺎﻨب اﻟﺨﺼوﺒﺔ ﺒﺎﻟذات. وﻻ ﺒد ﻟﻨﺎ ﻤن وﻗﻔﺔ ﻫﻨﺎ ﻤﻊ ﻫذﻩ اﻟﺘطو ارت ﻓﻲ ﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻌﻘﯿدة ،ﻟﻨﺘﻔﻬم ﺒﺸﻛل أﻓﻀل ﻫذا اﻹﻨﺘﺎج اﻟﻤﻌرﻓﻲ اﻟذي ﻨﺴﺞ ﺒﻬﺎ وﻤظﺎﻫرﻩ اﻟﻼﺤﻘﺔ ﻓﯿﻤﺎ ﺒﻌد اﻷﻟف اﻟﺜﺎﻤﻨﺔ ق.م .أﺸرﻨﺎ ﺴﺎﺒﻘﺎ إﻟﻰ أن اﻹﻨﺴﺎن ،ﺒوﺤﻲ ﻤن ﺘﺠﺎرﺒﻪ اﻟوﺠدﯿﺔ ،ﻗد ﻗﺴم اﻟوﺠود ﻤﻨذ اﻟﻘدم إﻟﻰ ﻤﺠﺎل دﻨﯿوي ﯿﻌﯿش ﻓﯿﻪ، وﻤﺠﺎل ﻗدﺴﻲ ﯿﻨﺘﻘل إﻟﯿﻪ ﺒﻌد ﻤﻤﺎﺘﻪ ،وﻗوة ﺸﻤوﻟﯿﺔ ﻏﯿر ﻤﺤددة اﻟﻤﻌﺎﻟم واﻟﻬوﯿﺔ ﺘرﺒط ﻤﺎ ﺒﯿﻨﻬﻤﺎ .وﻗد ﻤﺜﻠت طﻘوﺴﻪ ﻤﺤﺎوﻻت اﻻﺘﺼﺎل ﻤﻊ ﻫذﻩ اﻟﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ اﻟﺴﺎرﯿﺔ ﻟﺘﺤﻘﯿق اﻟوﺤدة ﺒﯿن اﻟﻤﺠﺎﻟﯿن؛ اﻟدﻨﯿوي ﺒﻛل ﻤظﺎﻫرﻩ اﻟﻤرﺌﯿﺔ واﻟﻤﺤﺴوﺴﺔ ،واﻟﻘدﺴﻲ ﺒﻛل ﺴرﯿﺘﻪ وﻏﻤوﻀﻪ .وﻗد اﺴﺘﺨدم ﻓﻲ طﻘوس اﺘﺼﺎﻟﻪ ﻫذﻩ رﻤو از اﻨﺘﻘﺎﻫﺎ ﺒﻌﻨﺎﯿﺔ ﻟﻤﺴﺎﻋدﺘﻪ ﻓﻲ اﺴﺘﺤﻀﺎر واﺴﺘدﻋﺎء اﻟﻘوة اﻟﺴﺎرﯿﺔ وﻟﻔت اﻨﺘﺒﺎﻫﻬﺎ إﻟﯿﻪ .ﻓﺤﯿن أ ارد ﺼﯿﺎﻏﺔ ﺘﺠرﺒﺘﻪ اﻟوﺠدﯿﺔ ،ﻛﻤﺎ أﺸرﻨﺎ ﺴﺎﺒﻘﺎ ،ﻛﺎن ﻤﻀط ار إﻟﻰ اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ ﻤﺨزوﻨﻪ اﻟﻤﻌرﻓﻲ وأدوات اﻟﺘواﺼل اﻟﺘﻲ ﺒﯿن ﯿدﯿﻪ .ﺒطﺒﯿﻌﺔ اﻟﺤﺎل ،ﻤﻊ ﻛل إﻋﺎدة ﺼﯿﺎﻏﺔ ،ﻛﺎﻨت ﻨظرﺘﻪ ﻟﻬذﻩ اﻟﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ اﻟﺴﺎرﯿﺔ ﺘﺘطور وﺘﺘﺒدل .وﻛﺎن ﻫذا ﯿﻨﻌﻛس ،ﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﻋﻠﻰ اﻟرﻤوز اﻟﻘدﺴﯿﺔ اﻟﺘﻲ اﺴﺘﺨدﻤﻬﺎ ﻓﻲ اﺴﺘﺤﻀﺎرﻫﺎ واﺴﺘدﻋﺎﺌﻬﺎ .ﻓﻛﻤﺎ ﺘﻠﻤﺴﻨﺎ ﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻌﻘﯿدة ﻤن د ارﺴﺘﻨﺎ ﻟﻺﻨﺘﺎج اﻟﻤﻌرﻓﻲ ،ﯿﻤﻛﻨﻨﺎ داﺌﻤﺎ ﺘﻘﯿﯿم ﻨﺘﺎﺌﺠﻨﺎ ﻤن ﺨﻼل د ارﺴﺘﻨﺎ ﻟﻠرﻤوز اﻟﻘدﺴﯿﺔ اﻟﻤﺴﺘﺨدﻤﺔ .وﺨﺸﯿﺔ ﻤن أن ﻨﺘﻬم ﻫﻨﺎ ﺒﺘﻔﺴﯿر اﻟﻤﺎء ﺒﻌد اﻟﺠﻬد ﺒﺎﻟﻤﺎء ،ﺒﺎﻋﺘﺒﺎر أن اﻟرﻤوز اﻟﻘدﺴﯿﺔ ﻫﻲ أوﻻ وأﺨﯿ ار ﺠزء ﻤن اﻹﻨﺘﺎج اﻟﻤﻌرﻓﻲ ،ﻨﻘول إﻨﻪ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻤﺎ ﺘﻛون ﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﺒﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻌﻘﯿدة أوﻀﺢ وأﻛﺜر ﻤﺒﺎﺸرة. 87
ﻋﻘﯾدة اﻟزراﻋﺔ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ ﻓﺎﻟﻌﻼﻗﺔ ﻤﺎ ﺒﯿن اﻟدﻤﻰ اﻷﻨﺜوﯿﺔ وﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻌﻘﯿدة ﻫﻲ داﺌﻤﺎ أوﻀﺢ ﻤن اﻟﻌﻼﻗﺔ ﻤﺎ ﺒﯿن ﺴور أرﯿﺤﺎ وﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻌﻘﯿدة ،ﻓﺎﻷوﻟﻰ ﻤﺒﺎﺸرة أﻤﺎ اﻷﺨﯿرة ﻓﺘﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﺘﺤﻠﯿل ورؤﯿﺔ أﻋﻤق. ﻓﺈذا أﻋدﻨﺎ ﺘرﺘﯿب أو ارﻗﻨﺎ اﻋﺘﻤﺎدا ﻋﻠﻰ د ارﺴﺘﻨﺎ ﻟﻠرﻤوز اﻟﻘدﺴﯿﺔ ،ﺴﻨﺠد أن اﻟﻌرﺒﻲ ،ﻓﻲ اﻟﻤواﻗﻊ اﻟﻤﻛﺘﺸﻔﺔ ﺤﺘﻰ ﺘﺎرﯿﺨﻪ واﻟﺘﻲ ﺘﻌود إﻟﻰ اﻟﻌﺼر اﻟﺤﺠري اﻟﻘدﯿم ،اﻋﺘﻤد ﻋﻠﻰ ﺼﯿد اﻟﺤﯿواﻨﺎت وﺠﻤﻊ اﻟﻘوت ﻓﻲ ﻏذاﺌﻪ .ﻛﻤﺎ ﺴﻛن اﻟﻛﻬوف ،وﻟم ﯿﻛن ﻤﻠﺘزﻤﺎ ﺒﺎﻻﺴﺘﻘ ارر ﻓﻲ ﻤوﻗﻊ ﺜﺎﺒت 106.وﻛﺎن ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻤرﺤﻠﺔ ﻤدرﻛﺎ ﻻﻤﺘﻼﻛﻪ ﻗد ارت ٕواﻤﻛﺎﻨﺎت ﺘﻤﯿزﻩ ﻋن اﻟﺤﯿوان ،ﻤﺜﻼ .ﺘﻤﯿزﻩ ﻋن ﻗطﯿﻊ ﻤن اﻟدﺒﺒﺔ أو اﻟﺨﯿول أو اﻟﻐزﻻن أو الﺠﺎﻤوس .وﻟﻛﻨﻪ ﻛﺎن ،أﯿﻀﺎ ،ﻤدرﻛﺎ ﻻﻤﺘﻼك اﻟﺤﯿوان ﻗد ارت ٕواﻤﻛﺎﻨﺎت ﻻ ﯿﻤﻠﻛﻬﺎ ﻫو ﺒﺎﻟﻤﻘﺎﺒل ،ﻓﺒﻌﻀﻬﺎ ﯿطﯿر وﺒﻌﻀﻬﺎ أﻗوى ﻤﻨﻪ ﺠﺴدﯿﺎ وﺒﻌﻀﻬﺎ أﺴرع ﻤﻨﻪ وﻫﻛذا .ﻓﻤﻊ ﻋﻠﻤﻪ ﺒﺘﻔوﻗﻪ عﻟﯿﻪا ﺒﺸﻛل ﻋﺎم ،إﻻ أﻨﻪ ﻛﺎن ﯿرى أن ﻫﻨﺎك ﻤﺎ ﯿﻛﻔﻲ ﻤن اﻷﻤور اﻟﻤﺸﺘرﻛﺔ ﺒﯿﻨﻪ وﺒﯿﻨﻬﺎ ﻤﻤﺎ ﻗﻠل ﻤن ﻫﺎﻤش اﻟﺘﻔوق ﻫذا .وﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﻗرر اﻹﻨﺴﺎن ﺼﯿﺎﻏﺔ ﻋﻘﯿدﺘﻪ ﻋن وﺤدة وﺘﻛﺎﻤل اﻟوﺠود ﻤﺒﻨﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻨدﯿﺔ واﻟﺘﻤﺎﺜل ﻤﺎ ﺒﯿن اﻟﻤوﺠودات أﻛﺜر ﻤن أي ﺸﻲء آﺨر .ﻓﻬﻨﺎك اﻟﻤﺠﺎل اﻟﻘدﺴﻲ واﻟﻤﺠﺎل اﻟدﻨﯿوي واﻟﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ اﻟﻤﺤﺎﯿدة اﻟﺘﻲ ﻻ ﺘﻤﯿز ﺒﯿن اﻟﻤوﺠودات .وﺤﯿن أ ارد أن ﯿرﻤز ﻟﻬﺎ ،اﺴﺘﺨدم أدوات اﻟﺘواﺼل اﻟﺘﺼوﯿرﯿﺔ ﻤﻨﺘﻘﯿﺎ ﻤن ﺒﯿﺌﺘﻪ ﺒﻌض أﻨواع اﻟﺤﯿواﻨﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯿ ارﻫﺎ ﺒﻼ اﺴم وﻻ ﻫوﯿﺔ وﻻ ﺴﯿرة ذاﺘﯿﺔ ﺒﻌﻛس اﻹﻨﺴﺎن .ﻓﻬذا اﻟﻐ ازل أو ذﻟك اﻟﻐ ازل أو ذاك اﻟﻐ ازل ﻓﻲ اﻟﻘطﯿﻊ ﻫم واﺤد ،ﻤﺘﻤﺎﺜﻠﯿن ،ﻤﻤﺎ ﻛﺎن ﻤﻨﺎﺴﺒﺎ ﻟرؤﯿﺘﻪ ﻟﻠﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ. وﻟﻛن ﻤﻊ ﺘ ارﻛم ﻤﺨزوﻨﻪ اﻟﻤﻌرﻓﻲ ،اﻟذي ﺴﺎﻫم ﻓﻲ زﯿﺎدة ﻤﻘدرﺘﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻌل واﻹﻨﺘﺎج ،أﺨذ ﻫذا اﻟﻬﺎﻤش ﻓﻲ اﻻﺘﺴﺎع واﻟﺘﻔوق .وﻗد ظﻬر ﻫذا ﺒﺸﻛل ﺨﺎص ﻓﻲ ﻨظرﺘﻪ ﻟﻠﺤﯿوان .ﻓﺒداﯿﺔ ﺘدﺠﯿن اﻟﺤﯿوان أﺨذت ﺘﻔﻘدﻩ ﺤﯿﺎدﯿﺘﻪ اﻟﺘﻘﻠﯿدﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯿﻤﻠﻛﻬﺎ ،ﻓﺘدﺠﯿﻨﻪ أﻋطﺎﻩ اﺴﻤﺎ وﻫوﯿﺔ وﺴﯿرة ذاﺘﯿﺔ. وﺤﯿن أ ارد اﻹﻨﺴﺎن اﺴﺘﻐﻼل ﻤﺨزوﻨﻪ اﻟﻤﻌرﻓﻲ اﻟﺠدﯿد ﻓﻲ إﻋﺎدة ﺼﯿﺎﻏﺔ ﻋﻘﯿدﺘﻪ ،ﺒﺸﻛل أوﻀﺢ، ﻋن وﺤدة وﺘﻛﺎﻤل اﻟوﺠود ،ﺼﺎﻏﻬﺎ ﻤﺒﻨﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻻﺤﺘ ارم واﻟﺘﻘدﯿر ﻟﻠﻤوﺠودات اﻷﺨرى ﺒدﻻ ﻤن 106إن ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻓن اﻟﻛﮭوف واﻟﻣﻼﺟﺊ اﻟﺻﺧرﯾﺔ ﺗﺷﯾر إﻟﻰ أن ﺻﺎﺣﺑﮭﺎ ﻗد اﺗﺧذ ﺑﻌﺿﮭﺎ دورا ﺧﺎﺻﺔ ﻟﻠﻌﺑﺎدة أو ﻣﺣﺟﺎت ﻋﻠﻰ أﻗل ﺗﻘدﯾر .ﻣﻣﺎ ﯾﻌﻧﻲ أﻧﮫ ﻛﺎن ﻓﻲ ﺗرﺣﺎﻟﮫ ﯾﺣﺗﻔظ ﺑﻣﺳﺎﻓﺔ ﻣﺎ ﺿﻣن ﻣﺣﯾط ھذه اﻟﻛﮭوف .ﻓﻛﺎن ﯾﺳﺗﻘر ﻓﻲ ﻣﻌﺳﻛرات ﺳﻛﻧﯾﺔ وﻟﻛﻧﮫ ﻟم ﯾﻛن ﯾرى ﺿرورة اﻟﺗزاﻣﮫ ﺑﮭﺎ ﻓﯾﺗرﻛﮭﺎ إﻟﻰ أﺧرى وﻟﻛن ﺿﻣن ھذا اﻟﻣﺣﯾط .ﻓﻌﻠﻰ اﻷرﺟﺢ أﻧﮫ اﺗﺑﻊ ﻧظﺎﻣﺎ دورﯾﺎ ﻣﺎ ﺑﯾن ﻋدد ﻣن ھذه اﻟﻣواﻗﻊ. 88
ﻋﻘﯾدة اﻟزراﻋﺔ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ اﻟﻨدﯿﺔ واﻟﺘﻤﺎﺜل .واﻨﻌﻛس ﻫذا ﻋﻠﻰ رﻤوزﻩ ﻟﻠﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺒدأت ﺒﻀم اﻟﻬﯿﺌﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ ﺒﺸﻛل ﻤﺨﺘزل ﺠدا ﻻ ﺘدل ﺤﺘﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻨس ﻤﺤﺎوﻻ اﻹﺒﻘﺎء ﻋﻠﻰ ﺤﯿﺎدﯿﺘﻬﺎ ﻗدر اﻹﻤﻛﺎن ،وأﺨذت طﻘوس اﻟدﻓن ﺘرﻛز ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻤﺠﻤﺔ ﻛﻤرﻛز ﻟﻠروح واﻟﻘدرة اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ. وﻤﺎ أن ﺒدأ اﻹﻨﺴﺎن اﻟﻌرﺒﻲ ﺒﺘﻤﯿﯿز ﻨﻔﺴﻪ أﻛﺜر ﺤﺘﻰ ﺒدأ ﺒزﯿﺎدة ﻗدرﺘﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻌل أﻛﺜر ،ﻛﻤﺎ أرﯿﻨﺎ ﺒﻘ اررﻩ اﻟﺘﺤول إﻟﻰ اﻟز ارﻋﺔ دون ﺸﺢ ﻓﻲ اﻟﺒﯿﺌﺔ اﻟطﺒﯿﻌﯿﺔ ﯿدﻓﻌﻪ إﻟﻰ ذﻟك ،وﺒﻨﺎء أﺸﺒﺎﻩ اﻟﻤدن ﻤﺴﺘﻨًدا ﻋﻠﻰ اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻨطوﻓﯿﺔ ﻟﻠﻌﻘﯿدة .و ازد اﻟﺘﻛﺜﯿف ﻓﻲ ﺘدﺠﯿن اﻟﺤﯿوان ﻤن ﺴرﻋﺔ إﻓﻘﺎدﻩ ﻟﺤﯿﺎدﯿﺘﻪ واﺴﺘﺒداﻟﻪ ﺒﺎﻟﻬﯿﺌﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ ﻓﻲ اﻟرﻤز إﻟﻰ اﻟﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ ﺒﺘﺤدﯿد أﻛﺒر ،ﻛﻤﺎ أرﯿﻨﺎ ﻓﻲ اﻟدﻤﻰ اﻟﺘﻲ أﺨذت ﺸﻛﻼ أﻨﺜوﯿﺎ واﻀﺤﺎ وﻋرض اﻟﺠﻤﺎﺠم ﻛﺄﺜﺎث ﺠﻨﺎﺌزي ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎﻛن. وﻻ ﺸك ﺒﺄن ﻫذا اﻟﻤﺨزون اﻟﻤﻌرﻓﻲ اﻟﻛﺒﯿر ﻗد ﺨﻠق أزﻤﺔ ﻤن ﻨوع ﻤﺎ ﻟﻺﻨﺴﺎن اﻟﻌرﺒﻲ ﻓﻲ ﺼﯿﺎﻏﺘﻪ ﻟﻠﻌﻘﯿدة .ﻓﻨظﺎﻤﻪ اﻟﺘﻘﻠﯿدي ﻤن اﻟرﻤوز اﻟﻘدﺴﯿﺔ ﻟﻠﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ ﻗد أﺨذ ﺒﺎﻟﺘداﻋﻲ ﻤن ﺠﻬﺔ ،وﻤن ﺠﻬﺔ أﺨرى اﻟﺘﻐﯿر اﻟذي أﻗّرﻩ ﻓﻲ ﺒﻨﺎﻩ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﯿﺔ واﻻﻗﺘﺼﺎدﯿﺔ واﻟﺴﯿﺎﺴﯿﺔ ،أﺨذ ﯿﻤﻬد اﻟطرﯿق أﻤﺎم إﻤﻛﺎﻨﯿﺔ إﺤداث ﻨﻘﻠﺔ ﻨوﻋﯿﺔ ﻓﻲ ﺼﯿﺎﻏﺘﻪ ﻟﻠﻌﻘﯿدة .وﻫو ﺘﻐﯿر ﻤﺎ ﻛﺎن ﻟﯿﺘم دون ﻤﺤﺎوﻟﺔ اﻟﺒﺤث ﻋن ﺴﺒل ﻟﻺﺒﻘﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻨظﺎم اﻟﻘدﯿم .ﻓﻔﻲ ﺘل اﻟﻤرﯿﺒط ،ﻓﻲ ﺴورﯿﺎ ،اﺴﺘﺨدم اﻹﻨﺴﺎن ﻓﻲ أواﺨر اﻷﻟف اﻟﺘﺎﺴﻌﺔ ق.م اﻟﺜور اﻟﺒري ﻓﻲ اﻟرﻤز ﻟﻠﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ .ﻤﻊ اﻟﻌﻠم ﺒﺄن \"اﻟﻔﺼﯿﻠﺔ اﻟﺒﻘرﯿﺔ ﻛﺎﻨت ﻨﺎدرة ﺠدا ﻓﻲ ﺘﻠك اﻟﻤﻨطﻘﺔ\" ،107وﻟم ﺘﺒدأ أﻋدادﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﺘ ازﯿد وﺘدﺠﯿن اﻹﻨﺴﺎن ﻟﻬﺎ إﻻ ﺤواﻟﻲ 7400ق.م. وﻤﺎ اﻟﺘﺤول اﻟﻼﺤق ﻓﻲ ﺘل اﻟﻤرﯿﺒط إﻟﻰ اﺴﺘﺨدام اﻟﻬﯿﺌﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ ﻓﻲ اﻟرﻤز ﻟﻬذﻩ اﻟﻘوة إﻻ ﻟﻔﻘدان اﻟﻔﺼﯿﻠﺔ اﻟﺒﻘرﯿﺔ ﺤﯿﺎدﯿﺘﻬﺎ ﻫﻲ اﻷﺨرى .وﻨﻌود ﻟﻨؤﻛد ﺒﺄن إدﺨﺎل اﻟﻬﯿﺌﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ ﻟم ﯿﻌنِ إﻟﻐﺎء اﺴﺘﺨدام اﻟرﻤز اﻟﺤﯿواﻨﻲ ،وﻟﻛﻨﻪ ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎب أﻤﺎم إﻤﻛﺎﻨﯿﺔ ﺘﺸﺨﯿص اﻟﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ وﺘﺤدﯿد ﻫوﯿﺘﻬﺎ. وﻗد ﯿﺘﺴﺎءل اﻟﺒﻌض ،ﻫﻨﺎ ،إذا ﻛﺎن ﺘدﺠﯿن ﻓﺼﯿﻠﺔ ﻤن اﻟﺤﯿوان ﯿﻠﻐﻲ ﺤﯿﺎدﯿﺘﻬﺎ ،وﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ،دورﻫﺎ ﻛرﻤز ﻟﻠﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ ،ﻓﻠﻤﺎذا ﻟم ﯿﺴﺘﺨدم اﻹﻨﺴﺎن ﺤﯿواﻨﺎ ﻟم ﯿدﺠﻨﻪ ﻛﺎﻷﺴد أو اﻟﻔﯿل ﻤﺜﻼ ،ﻓﻲ ﻨظﺎﻤﻪ اﻟرﻤزي؟ 107اﻟﺳواح ،ص .164 - 163 89
ﻋﻘﯾدة اﻟزراﻋﺔ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ وﺤﻘﯿﻘﺔ اﻷﻤر أن طرﯿﻘﺔ اﺨﺘﯿﺎر اﻹﻨﺴﺎن ﻷﻨواع ﻤن اﻟﺤﯿواﻨﺎت ﻛرﻤوز ﻗدﺴﯿﺔ ﻫﻲ ﻏﯿر ﻤﻌروﻓﺔ وﻏﯿر ﻤﺘﻔق ﻋﻠﻰ ﺘﻔﺴﯿرﻫﺎ .ﻓﻬو ﻟم ﯿﺨﺘرﻫﺎ ﺒداﻓﻊ ﻫﺎﺠﺴﻪ اﻟﻐذاﺌﻲ ،ﻤﺜﻼ ،اﻋﺘﻤﺎدا ﻋﻠﻰ ﻛﺜرﺘﻬﺎ أو ﻗﻠﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻤﻨطﻘﺘﻪ .ﻓﻔﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻨطوﻓﯿﺔ اﺨﺘﺎر اﻹﻨﺴﺎن اﻟﻐ ازل اﻟذي ﯿﺘواﺠد ﻓﻲ ﻤﻨطﻘﺘﻪ ﺒﻛﺜرة وﻛﺎن ﯿﻤﺜل طرﯿدﺘﻪ اﻟﻤﻔﻀﻠﺔ ،واﺨﺘﺎر اﻷﯿل اﻷﺴﻤر وﻫو ﻨﺎدر اﻟوﺠود ﻓﻲ ﻤﻨطﻘﺘﻪ وﻟم ﯿﺨﺘر أي ﺤﯿوان آﺨر 108.وﺤﺘﻰ ﻓﻲ ﺜﻘﺎﻓﺔ ﻓن اﻟﻛﻬوف ،اﻟﺘﻲ ﻤﺜﻠت ﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻤن اﻟﺤﯿواﻨﺎت ﻓﻲ رﺴوﻤﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﺠد ارن ،ﻓﻘد اﺘﻀﺢ أن اﻟﺤﺼﺎن واﻟﺜور والﺠﺎموس ﻛﺎﻨت داﺌﻤﺎ ﺘﺸﻐل اﻟﻤﻨﺎطق اﻟﻤرﻛزﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺠد ارن ،وﺘﺄﺘﻲ اﻟﺤﯿواﻨﺎت اﻷﺨرى ﻋﻠﻰ اﻷط ارف واﻟﻤﻨﺎطق اﻟﺜﺎﻨوﯿﺔٕ 109.واذا ﻋﻠﻤﻨﺎ أن طوال ﻋﺼر ﻫذﻩ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻛﺎن اﻹﻨﺴﺎن ﯿﺼطﺎد ﺒﺸﻛل رﺌﯿس اﻟﺤﺼﺎن واﻟرﻨﺔ ﻟﻐذاﺌﻪ ،وﻛﺎن اﻟﺜور واﻟﺠﺎﻤوس )اﻟﺒﯿﺴون( ،ﺨﺎﺼﺔ ،ﻨﺎدري اﻟﺘواﺠد ﻟﻘدرﻨﺎ ﺒﺄن اﻹﻨﺴﺎن ﻫﻨﺎ أﯿﻀﺎ ،ﻟم ﯿﻘف ﻫﺎﺠﺴﻪ اﻟﻐذاﺌﻲ ﺨﻠف اﺨﺘﯿﺎرﻩ ﻟرﻤوزﻩ اﻟﻘدﺴﯿﺔ 110.وﻟﻐﯿﺎب اﻟﺤﯿواﻨﺎت اﻟﻤﻔﺘرﺴﺔ أو اﻟﻀﺨﻤﺔ أﺴﺎﺴﺎ ﻤن ﻨظﺎم رﻤوزﻩ اﻟﻘدﺴﯿﺔ وﻋﻠﻰ ﻤدى اﻟﻌﺼر اﻟﺤﺠري ،دﻟﯿل ﻋﻠﻰ أﻨﻪ ﻟم ﯿﻨﺘق ﻤن ﺒﯿﺌﺘﻪ ﺤﯿواﻨﺎت ﻛﺎن ﯿﻬﺎﺒﻬﺎ أﻛﺜر ﻤن ﻏﯿرﻫﺎ .ﻟﻬذا ﯿﻌﺘﺒر اﺨﺘﯿﺎر ﺤﯿوان ﻤﺎ دون ﻏﯿرﻩ ﻛرﻤز ﻗدﺴﻲ اﺨﺘﯿﺎًار ﻓﻛرﯿﺎ ﺒﺎﻟدرﺠﺔ اﻷوﻟﻰ ﻨﺠﻬل أﺴﺒﺎﺒﻪ اﻟﺤﻘﯿﻘﯿﺔ ﻓﻲ اﻟوﻗت اﻟ ارﻫن .وﻟﻛن ﻨﺴﺘطﯿﻊ -ﻋﻠﻰ اﻷﻗل -ﺘﻔﻬم ذﻟك اﻟﺘﺤول اﻟﺘدرﯿﺠﻲ ﻋن اﻟﺤﯿوان إﻟﻰ اﻟﻬﯿﺌﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ .ﻓﻛﺠزء ﻤن اﻟﻤﺨزون اﻟﻤﻌرﻓﻲ اﻟﻌرﺒﻲ ،أدى ﻓﻘدان اﻟﺤﯿوان ﻟﺤﯿﺎدﯿﺘﻪ ،ﻤن ﻨﺎﺤﯿﺔ ،وﺘﻌﺎظم ﻨظرة اﻹﻨﺴﺎن إﻟﻰ ﻨﻔﺴﻪ ،ﻤن ﻨﺎﺤﯿﺔ ﺜﺎﻨﯿﺔ ،إﻟﻰ ﺴﻬوﻟﺔ ﺘﺒﻨﻲ ﺼﯿﺎﻏﺔ ﻟﻠﻌﻘﯿدة ﺒدﻟت ﻤن اﻟﻨظرة اﻟﺘﻘﻠﯿدﯿﺔ إﻟﻰ اﻟﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ ﻤن ﻤﺤﺎﯿدة ﻏﯿر ﻤﺸﺨﺼﺔ إﻟﻰ ﻗوة ﻓﺎﻋﻠﺔ ﻤﺸﺨﺼﺔ ذات أﻫداف ﻤﻌﯿﻨﺔ .وﺒداﻓﻊ ﻫذا اﻟﺘﺒﻨﻲ ظﻬرت اﻟدﻤﻰ اﻷﻨﺜوﯿﺔ .ﻓﻬل ﯿﻌﻨﻲ ﻫذا أن اﻟﻌرب أﻋطوا اﻟﻘوة اﻟﺴﺎرﯿﺔ ﺸﺨﺼﯿﺔ وﻤﻼﻤﺢ أﻨﺜوﯿﺔ؟ ﻤﻊ أن رد اﻟﺒﺎﺤﺜﯿن اﻷورﺒﯿﯿن ﻫو ﺒﺎﻹﯿﺠﺎب، وﺒﺄن ﻫذﻩ اﻟدﻤﻰ ﺘﻤﺜل أول ﻤظﺎﻫر ﻋﺒﺎدة اﻟرﺒﺔ اﻷم ،ﻓﺈن ﺠواﺒﻨﺎ ﻫﻨﺎ ﻫو ﺒﺎﻟﻨﻔﻲ .ﻓﺎﻟﺘﺸﺨﯿص واﻟﻤﻼﻤﺢ اﻟﺘﻲ أﺒدﺘﻬﺎ ﻫذﻩ اﻟدﻤﻰ ،ﻟﯿس اﻟﻤﻘﺼود ﻤﻨﻬﻤﺎ ﺒﺎﻟﻀرورة اﻟﺘﺠﺴﯿد ،ﺒل ﻋﻠﻰ اﻷرﺠﺢ اﻟﻤﻔﻬوم اﻟذي ﺘﻌﺒر ﻋﻨﻪ اﻟﺼورة اﻷﻨﺜوﯿﺔ .ﺒﻤﻌﻨﻰ أن اﻟﻤﻘﺼود ﻟم ﯿﻛن اﻷﻨﺜﻰ ﺒﺤد ذاﺘﻬﺎ ﺒل ﻤﻔﻬوﻤﻬﺎ اﻟﻤﺘﻤﺜل \"ﺒﺎﻟﺨﺼوﺒﺔ\" .ﺒل إن ﻤﺼطﻠﺢ اﻟﺨﺼوﺒﺔ اﺨﺘﯿﺎر ﻏﯿر ﻤوﻓق ﻟوﺼف ﻫذا 108اﻟﺳواح ،ص .162 109اﻟﺳواح ،ص .146 Howell, p. 151 110 90
ﻋﻘﯾدة اﻟزراﻋﺔ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ اﻟﻤﻔﻬوم 111.ﻓﺎﻷﺼﺢ اﺴﺘﺨدام ﻤﺼطﻠﺢ اﻟﻌطﺎء ،اﻟﻌطﺎء اﻟذي ﻻ ﯿﻨﻀب ،اﻟﻤﺴﺘﻤر .وﻗد ﺠﺎءت اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻌرﺒﯿﺔ ﻟﺘرى ﺒﺄن ﻫذا اﻟﻌطﺎء ﻗد أ ْﺨﺘـُ ّص ﺒﻪ اﻹﻨﺴﺎن ﻷﻨﻪ اﻷﻗدر ﻋﻠﻰ اﻻﻨﺘﻔﺎع ﺒﻪ .ﺒل إن ﻗدرﺘﻪ ﻋﻠﻰ إﻋﺎدة إﻨﺘﺎج ﺒﻌض ﻫذﻩ اﻟﻤظﺎﻫر وﻤﺤﺎﻛﺎﺘﻬﺎ دﻟﯿل ﻋﻠﻰ ﺨﺼوﺼﯿﺔ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺒﻬذﻩ اﻟﻘوة .وﻟﻌل ﺘطوﯿرﻩ ﻟﻬذﻩ اﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺤﺎﻛﺎة وﺴﻌﯿﻪ ﻟذﻟك ﻫو ﺒﺤد ذاﺘﻪ رﻤز ﻗدﺴﻲ ﻟﻬذﻩ اﻟﻘوة ذات اﻟﻌطﺎء اﻟذي ﻻ ﯿﻨﻀب ،رﻤز إﻟﻰ أﻨﻪ ﻗد ﻓﻬم ﺤﻘﯿﻘﺔ دورﻩ ﻓﻲ اﻟوﺠود .وﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﻛل ﻋﻤل ﯿﻘوم ﺒﻪ ﻻ ﺒد أن ﯿﻛون ﺴﻌﯿﺎ ﻹﻋﻼم اﻟﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ أﻨﻪ ﻗد ﻓﻬم ،أﻨﻪ ﯿﻌرف اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻵن ،وأن اﻹﻨﺴﺎن ﻋﻠﯿﻪ أن ﯿﻛون ذا ﻋطﺎء ﻤﺴﺘﻤر أﯿﻀﺎ ﻓﻲ ﻤﺤﺎوﻟﺘﻪ ﺘﺤوﯿل ﻨﻔﺴﻪ إﻟﻰ ﺼورة ﻋن ،أو ﻨﺴﺨﺔ أو اﻨﻌﻛﺎس ﻟﻬذﻩ اﻟﻘوة ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎل اﻟدﻨﯿوي ،ﻟﯿﻌﯿش ﺒﺸﻛل داﺌم ﻓﻲ ﺤﺎﻟﺔ وﺤدة ﻤﻊ اﻟوﺠود. وﻤن ﻫﻨﺎ ﻨﻔﻬم اﻟﻨﻘوش واﻟدﻤﻰ اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ ﻛرﻤوز ﻗدﺴﯿﺔ ،واﻟدﻤﻰ اﻷﻨﺜوﯿﺔ ﻛرﻤز ﻗدﺴﻲ. ﺻورة :7إﻋﺎدة ﺗﺷﻛﯾل اﻟﺟﻣﺎﺟم وﻤﻊ ﺘﺒدل وﺘطور اﻹﻨﺘﺎج اﻟﻤﻌرﻓﻲ )دﯾن اﻹﻧﺳﺎن( اﻟﻌرﺒﻲ ﻋﺒر ﺘﺎرﯿﺨﻪ ،اﺴﺘﻤر اﻟداﻓﻊ و ارءﻩ داﺨل ﻫذا اﻹطﺎر .وﯿﻤﻛﻨﻨﺎ ﻤﺘﺎﺒﻌﺔ ذﻟك ﺒﯿﺴر ﻤﻊ دﺨوﻟﻨﺎ ﻓﻲ اﻷﻟف اﻟﺴﺎﺒﻌﺔ ق.م ،ﺤﯿث ظﻬر ﻓﻲ أرﯿﺤﺎ اﻨﻌطﺎف ﺠدﯿد ﻟم ﯿﻛﺘ ِف ﺒﻌرض اﻟﺠﻤﺎﺠم ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﺤول ﺠد ارن اﻟﻤﺴﺎﻛن ،ﻓﻲ ﺤﺎﻟﺘﻬﺎ اﻟﺨﺎم، ﺒل ﺘم اﺴﺘﺨدام اﻟﻛﻠس واﻟطﯿن ﻓﻲ إﻋﺎدة ﺘﺸﻛﯿل ﻤﻼﻤﺢ أﺼﺤﺎﺒﻬﺎ، 111ﻛﻣﺎ ﺳﻧرى ﻻﺣﻘﺎ ،ﻓﻘد ﺗم اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋن ﻣﻔﮭوم اﻟﺧﺻوﺑﺔ ﺑدﻣﻰ أﻧﺛوﯾﺔ وذﻛرﯾﺔ ﻣﻌﺎ. 91
ﻋﻘﯾدة اﻟزراﻋﺔ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ \"وﻤﻠﺌت ﻤﺤﺎﺠر اﻟﻌﯿون ﺒﺄﺼداف ﺘﻌطﻲ ﺸﻛل اﻟﺒؤﺒؤ ﺜم طﻠﻲ اﻟوﺠﻪ ﺒﻠون ﯿﻤﺎﺜل ﻟون اﻟﺒﺸرة اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ ،وﺘم ﺤﺸو اﻟﺠﻤﺠﻤﺔ ﻤن اﻟداﺨل ﺒﺎﻟطﯿن اﻟﻤدﻛوك ﻷﺠل ﺘﻘوﯿﺘﻬﺎ 112\".وﻟﻛن ﻫذا اﻟطﻘس ﻟم ﯿﺴﺘﻤر طوﯿﻼ ،إذ ﺘم اﻻﺒﺘﻌﺎد ﻋﻨﻪ واﻻﺘﺠﺎﻩ ﻨﺤو اﻟﺘﻨﻤﯿط ﻓﻲ ﺘﺸﻛﯿل ﻫذﻩ اﻟﺠﻤﺎﺠم ﻛﺠزء ﻤن ﺘﻤﺜﺎل ﻨﺼﻔﻲ وأﺤﯿﺎﻨﺎ ﺒﺎﻟﺤﺠم اﻟطﺒﯿﻌﻲ ﻤن اﻟطﯿن .ﻛﻤﺎ ظﻬر ﻫذا اﻟﺘﻨﻤﯿط ﻓﻲ ﺘل اﻟﻤرﯿﺒط ،إﺒﺎن ﻫذﻩ اﻟﻔﺘرةٕ ،وان ﻛﺎﻨت درﺠﺔ إﺘﻘﺎﻨﻪ أﻗل ﻤن ﺘﻠك اﻟﺘﻲ ظﻬرت ﻓﻲ أرﯿﺤﺎ. وﻤﻤﺎ ﯿﻠﻔت اﻻﻨﺘﺒﺎﻩ ،أﯿﻀﺎ ،أن أرﯿﺤﺎ ﻗد ﺘم إﻋﺎدة ﺒﻨﺎﺌﻬﺎ ﺒﺒﯿوت ﻤﺴﺘطﯿﻠﺔ اﻟﺸﻛل ﺒدﻻ ﻤن اﻟداﺌرﯿﺔ. وظﻬرت اﻟﻤﻌﺎﺒد ﻤﺴﺘطﯿﻠﺔ اﻟﺸﻛل واﻟﺘﻲ ﺘﻤﯿزت ﺒوﺠود \"ﺘﺠوﯿف طوﻻﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻫﯿﺌﺔ ﻤﺤ ارب ﻓﻲ وﺴط اﻟﺠدار اﻟﺸﻤﺎﻟﻲ ،وﻓﻲ أﺴﻔﻠﻪ ﻗﺎﻋدة ﻤن ﺤﺠر ﺒرﻛﺎﻨﻲ ،وﺠد ﻗرﺒﻬﺎ ﻋﻤود ﻤن اﻟﺤﺠر ﻨﻔﺴﻪ ﯿﺒدو أﻨﻪ ﻛﺎن ﻤﻨﺘﺼﺒﺎ ﻋﻠﯿﻬﺎ 113\".وﻫو ﺘﺼﻤﯿم ﺴﻨرى اﺴﺘﻤ اررﯿﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺎﺒد اﻟﻌرﺒﯿﺔ ﻻﺤﻘﺎ، واﻟﻤﻌﺎﺒد اﻟﻌرﺒﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﯿوﻨﺎن أﯿﻀﺎ ،واﻟﻤﺴﻤﺎة ﻤﯿﻐﺎرون114. ﻓﺈﻟﻰ أي ﺤد ﻛﺎن ﻹﻋﺎدة ﺘﺸﻛﯿل ﻤﻼﻤﺢ اﻟﺠﻤﺠﻤﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ أﺜرﻩ اﻟﺒﺎﻟﻎ ﻓﻲ ﺘﺜوﯿر ﻤﻔﻬوم اﻟﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ اﻟﺴﺎرﯿﺔ؟ ﻓﺈﻋﺎدة ﺘﺸﻛﯿل ﻫذا اﻟرﻤز ﻛﺎن ﻓﯿﻪ إﺒﻘﺎء ﻻﺴم وﻫوﯿﺔ وﺴﯿرة ﺼﺎﺤﺒﻬﺎ ﻓﻬل اﻨﻌﻛس ﻫذا ﻋﻠﻰ اﻟﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ ﻤﻐﯿ ار ﻓﻲ ﺤﯿﺎدﯿﺘﻬﺎ وﻤﺴﺒﻐﺎ ﻋﻠﯿﻬﺎ اﺴم وﻫوﯿﺔ وﺴﯿرة اﻟرﻤز؟ ﻟﻌل ﻫذا ﻤﺎ وﻗف و ارء اﻻﺒﺘﻌﺎد ﻋن ﻤﺜل ﺻورة :8ﻣﻌﺑد أرﯾﺣﺎ ﻫذا اﻟطﻘس ﻟﻠﺘﻬدﯿد اﻟذي ﺤﻤﻠﻪ ﻟﻠﻤﻔﻬوم )دﯾن اﻹﻧﺳﺎن( اﻟﺘﻘﻠﯿدي ﻟﻠﻘوة اﻟﺸﻤوﻟﯿﺔ اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ .ﻓﻌﻠﻰ أﻗل ﺘﻘدﯿر ،ﺒدأت ﻫذﻩ اﻟﻘوة ﺘﺘﺤّدد ﻤﻌﺎﻟﻤﻬﺎ ﺒﺸﻛل ﻟم ﯿﺴﺒق ﻟﻪ ﻤﺜﯿل ،ﻻ ﻤن ﺤﯿث اﻟﻤﻔﻬوم ﺒل ﻤن ﺤﯿث اﻟﺘﺠﺴﯿد أﯿﻀﺎٕ .وان ﻛﺎن ﻫذا 112اﻟسواح ،ص .214 113اﻟﺳواح ،ص .166 De La Croix & Tansey, p. 37 114 92
ﻋﻘﯾدة اﻟزراﻋﺔ اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺟدﯾد -اﻟﻌﻘﯾدة واﻹﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌرﻓﻲ ﯿﻤﺜل ﻗﻤﺔ ﻤن ﻗﻤم ﻤﺤﺎﻛﺎة ﻤظﺎﻫر اﻟطﺒﯿﻌﺔ وﯿﻤﻛن ﺘﻔﻬﻤﻪ ﻓﻲ إطﺎر اﻟﺘوﺠﻪ اﻟﻌﺎم اﻟﺴﺎﺒق ،إﻻ أن ﺘﺄﺜﯿرﻩ ﻋﻠﻰ ﺘﺠﺴﯿد ﻫذﻩ اﻟﻘوة ﻓرض ﻨوﻋﺎ ﻤن إﻋﺎدة اﻟﻨظر ﻓﻲ ﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻌﻘﯿدة ﻨﻔﺴﻬﺎ. ﻫذا \"اﻟﻔرض\" ،ودورﻩ ﻓﻲ إﻋﺎدة اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ ،ﻗد آﺜرﻨﺎ ﺘﺄﺠﯿل ﺘﻨﺎوﻟﻪ ﺤﺘﻰ ﻫذﻩ اﻟﻠﺤظﺔ ﻟﺼﻌوﺒﺔ د ارﺴﺘﻪ ﻗﺒل ﻫﻀم اﻟﻌﻼﻗﺔ ﻤﺎ ﺒﯿن اﻟﻤﺨزون اﻟﻤﻌرﻓﻲ ٕواﻋﺎدة اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ .ﻓﻬو ﻋﺎﻤل ﻛﺎﻤن ،ﻤﻐزول ﻀﻤن ﺨﯿوط ﻨﺴﯿﺞ اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ ،ﻟذﻟك ﯿﺼﻌب ﻤﻼﺤظﺘﻪ ﺒﺸﻛل ﻤﺴﺘﻘل .وﻨﺤن ﻨﻘول ﯿﺼﻌب ﻻ ﯿﺴﺘﺤﯿل ﻷن ﻤﺤﺎوﻻت اﺴﺘﺸ ارف ﺸﻛل وطﺒﯿﻌﺔ اﻟﻤﺴﺎر اﻟذي ﺴﯿﺴﻠﻛﻪ أو ﯿﺴﻠﻛﻪ إﻨﺘﺎج ﻤﻌرﻓﻲ ﻤﺎ ،داﺌﻤﺔ اﻟﺤدوث واﻟﺘﻨﺎول ﻤن ﻗﺒل اﻟﻤﻔﻛرﯿن ﻓﻲ أي ﻤﺠﺘﻤﻊ إﻨﺴﺎﻨﻲ .وﻟﻛﻨﻬﺎ ﻻ ﺘﻨﺠﺢ ،ﺒﺎﻟﻀرورة ،ﻓﻲ اﻟﺘﺤول إﻟﻰ ﺤرﻛﺔ ﻓﻌﺎﻟﺔ ﻟﺘﺼﺤﯿﺢ ﻫذا اﻟﻤﺴﺎر إﻻ ﺤﯿن ﯿﻔرض ﻫذا \"اﻟﻔرض\" ﻨﻔﺴﻪٕ .وان ﻛﻨﺎ ﻻ ﻨرﯿد اﻟﺘﺸدﯿد ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺘﻤﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﯿﻠﻌﺒﻬﺎ دور ﻫذا اﻟﻌﺎﻤل ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻤرﺤﻠﺔ اﻟﻤﺒﻛرة ﻤن اﻟﺒﺤث ،إﻻ أﻨﻨﺎ ﻻ ﻨرﯿد اﻟﺘﻘﻠﯿل ﻤن ﺸﺄﻨﻪ أﯿﻀﺎ .ﻓﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻌﻘﯿدة ُﯿﻨﺴﺞ ﺒﻬﺎ إﻨﺘﺎج ﻤﻌرﻓﻲ ﻤﺎ ،ﻛﺄن اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ ﻨواة واﻹﻨﺘﺎج اﻟﻤﻌرﻓﻲ ﻤﺤﯿط ﺒﻬﺎ .ﺜم ﯿﺘﺤول ﻫذا اﻹﻨﺘﺎج ،ﻤﻊ ﺘ ارﻛﻤﻪ ﻋﺒر اﻟوﻗت ،إﻟﻰ ﻤرﺠﻌﯿﺔ ﺒﺤد ذاﺘﻪ ،إﻟﻰ ﻨواة ﻋوﻀﺎ ﻋن اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ .وﻟﯿس ﻤن اﻟﺼﻌب أن ﻨرى اﺤﺘﻤﺎل اﻟﺤﯿﺎد ﻋن ﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻌﻘﯿدة ﻤن ﺠ ارء ذﻟك وﺨروج إﻨﺘﺎج ﻤﻌرﻓﻲ ﻤن وﺤﯿﻬﺎ وﻟﻛﻨﻪ ﻏﯿر ﻤﻨﺴوج ﺒﻬﺎ ﺒﺸﻛل ﻤﺒﺎﺸر ،أو ﻤﺎ ﯿﻤﻛن أن ﻨطﻠق ﻋﻠﯿﻪ اﻟﻤﻐﺎﻻة .ﻓﺈﻋﺎدة ﺘﺸﻛﯿل اﻟﺠﻤﺎﺠم ﻫو ﻤن وﺤﻲ ﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻌﻘﯿدة اﻟﺘﻲ رﻛزت ﻋﻠﻰ اﻟﻬﯿﺌﺔ اﻹﻨﺴﺎﻨﯿﺔ ،وﻟﻛﻨﻪ ﻤﻐﺎﻻة ﻓﯿﻬﺎ ﻨﺴﺠﺘﻪ ﻤرﺠﻌﯿﺔ ﺜﺎﻨوﯿﺔ ﻫﻲ ﺘ ارﻛم اﻹﻨﺘﺎج اﻟﻤﻌرﻓﻲ ﺒﺤد ذاﺘﻪ .وﻋﺎدة ﻤﺎ ﯿؤدي ذﻟك إﻟﻰ ﻨوع ﻤن اﻟﺼدام ﻤﺎ ﺒﯿن ذاﻛرة ﻟم ﺘﻌد ﺘﺤوي ﺴوى ﻤﻼﻤﺢ ﻟﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﻌﻘﯿدة وذاﻛرة ﻟم ﺘﻌد ﺘﺤوي ﺴوى ﺘ ارﻛم اﻹﻨﺘﺎج اﻟﻤﻌرﻓﻲ ﻛﻤرﺠﻌﯿﺔ وﺤﯿدة .وﻗد ﯿﻨﺘﺞ ﻤن ﺠ ارء ذﻟك إﻋﺎدة ﺼﯿﺎﻏﺔ ﺠدﯿدة ﻟﻠﻌﻘﯿدة ﻤﺒﻨﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺨزون اﻟﻤﻌرﻓﻲ اﻟﻤﺘ ارﻛم ﺒﻛل ﻤﺎ ﯿﺤوﯿﻪ ﻤن ﺼﯿﺎﻏﺔ ﻗدﯿﻤﺔ ﻟﻠﻌﻘﯿدة ٕواﻨﺘﺎج ﻤﻌرﻓﻲ .وﻫذا ﻫو ﻋﺎﻤل \"اﻟﻔرض\" اﻟذي ﻨرى أﻫﻤﯿﺔ ﻀﻤﻪ إﻟﻰ أدوات ﺘﺤﻠﯿﻠﻨﺎ ﻟﺘطور اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ. اﻟﻤﺨزون اﻟﻤﻌرﻓﻲ اﻟذي اﻤﺘﻠﻛﺘﻪ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌرﺒﯿﺔ \"اﻟﻨطوﻓﯿﺔ\" ﻋﻨد اﻟﻤﻔﺘرق ﻫذا ،ﻛﺎﻨت ﺴﻤﺘﻪ اﻟﺘﻔﺼﯿل واﻟﺘﺤدﯿد .ﻓﻛﻤﺎ ﻤر ﺴﺎﺒﻘﺎ ،ﺘﻔﺼﯿل وﺘﺤدﯿد اﻟﺴﻠطﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ،ﺘﻔﺼﯿل وﺘﺤدﯿد ﻤﻬﺎم اﻷﻓ ارد واﻷ ارﻀﻲ واﻟﻤﻠﻛﯿﺔ…اﻟﺦ ،أﺼﺒﺢ طﺎﺒﻌﺎ ﻓﻛرﯿﺎ ﻤﻤﯿ از ﻤﻊ دﺨوﻟﻨﺎ ﻓﻲ اﻷﻟف اﻟﺴﺎﺒﻌﺔ ق.م. 93
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152
- 153
- 154
- 155
- 156
- 157
- 158
- 159
- 160
- 161
- 162
- 163
- 164
- 165
- 166
- 167
- 168
- 169
- 170
- 171
- 172
- 173
- 174
- 175
- 176
- 177
- 178
- 179
- 180
- 181
- 182
- 183
- 184
- 185
- 186
- 187
- 188
- 189
- 190
- 191
- 192
- 193
- 194
- 195
- 196
- 197
- 198
- 199
- 200
- 201
- 202
- 203
- 204
- 205
- 206
- 207
- 208
- 209
- 210
- 211
- 212
- 213
- 214
- 215
- 216
- 217
- 218
- 219
- 220
- 221
- 222
- 223
- 224
- 225
- 226
- 227
- 228
- 229
- 230
- 231
- 232
- 233
- 234
- 235
- 236
- 237
- 238
- 239
- 240
- 241
- 242
- 243
- 244
- 245
- 246
- 247
- 248
- 249
- 250
- 251
- 252
- 253
- 254
- 255
- 256
- 257
- 258
- 259
- 260
- 261
- 262
- 263
- 264
- 265
- 266
- 267
- 268
- 269
- 270
- 271
- 272
- 273
- 274
- 275
- 276
- 277
- 278
- 279
- 280
- 281
- 282
- 283
- 284
- 285
- 286
- 287
- 288
- 289
- 290
- 291
- 292
- 293
- 294
- 295
- 296
- 297
- 298
- 299
- 300
- 301
- 302
- 303
- 304
- 305
- 306
- 307
- 308
- 309
- 310
- 311
- 312
- 313
- 314
- 315
- 316
- 317
- 318
- 319
- 320
- 321
- 322
- 323
- 324
- 325
- 326
- 327
- 328
- 329
- 330
- 331
- 332
- 333
- 334
- 335
- 336
- 337
- 338
- 339
- 340
- 341
- 342
- 343
- 344
- 345
- 346
- 347
- 348
- 349
- 350
- 351
- 352
- 353
- 354
- 355
- 356
- 357
- 358
- 359
- 360
- 361
- 362
- 363
- 364
- 365
- 366
- 367
- 368
- 369
- 370
- 371
- 372
- 373
- 374
- 375
- 376
- 377
- 378
- 379
- 380
- 381
- 382
- 383
- 384
- 385
- 386
- 387
- 388
- 389
- 390
- 391
- 392
- 393
- 394
- 395
- 396
- 397
- 398
- 399
- 400
- 401
- 402
- 403
- 404
- 405