Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore Imam Malik's Doctrine of Faith and Practice

Imam Malik's Doctrine of Faith and Practice

Published by salemfaraj1971, 2017-05-19 12:01:29

Description: This book studies the belief of imam Malik, particularly his concept of faith and the external expression thereof. It examines the first two eras of Islam, that of the Companions and Followers, which preceded him and their influence on his methodology of formulating his theological and legal views. It further looks at his approach to the textual evidences and his attitude towards speculative reasoning (kalam) regarding theological issues.

Keywords: Imam Malik's Doctrine

Search

Read the Text Version

1

Imam Malik's Doctrine of Faith and Practice. By: Salem Rahil publiction Alfadel, Benghazi, 2010 Libya 2

Abstract:Imam Malik b. Anas (d. 179 A.H.) is an importantintellectual figure in Islam. He is the author of the firsthadith collection, the Muwatta, and is the founder of one ofthe four major Sunni schools of law. His contributiontowards formulating a distinct legal school allows millionsof Muslims daily to perform their daily rituals of worship.Previous research, however, has not given enough attentionto a systematic study of his beliefs. This study intends toaddress this shortcoming. My thesis examines the belief ofimam Malik, particularly his concept of faith and theexternal expression thereof. It examines the first two eras ofIslam, that of the Companions and Followers, whichpreceded him and their influence on his methodology offormulating his theological and legal views. It further looksat his approach to the textual evidences and his attitudetowards speculative reasoning (kalam) regarding theologicalissues. This study further aims to verify the statementsattributed to imam Malik regarding what constitutes correctfaith and whether it increases or decreases. It also looks atthe conflicting statements attributed to him regarding theincrease and decrease of faith and tries to resolve them.Furthermore, it sources reliable biographical information onimam Malik to determine his attitude towards the diversetheological trends such as the Qadarites and Murji’itesprevalent during his time. In addition, the study comparesthe views of imam Malik with that of the other threefounders of the Sunni Sunni legal schools. 3

‫بسم الله الرحمن الرحٌم‬ ‫المقدمة‬ ‫الحمد لله المتف ِّرد بال ِّنعمة‪ ،‬صاحب العظ َمة‪ ،‬الذي جعل الأعمال‬ ‫الصالحة علبمة القلوب الطـاهرة‪ ،‬والأعمال الدن ٌَّة دلال ًة على الأنفس‬‫الرز ٌَّة‪ ،‬فمن ز َّكى نفسه وارتفع بها‪ ،‬كانت له ال َّنجاة منها‪ ،‬ومن ؼاص‬ ‫فً قعرها وانخن َس‪ ،‬خرج منها مفلساً‪ ،‬والعبرة بالخاتمة ‪.‬‬ ‫ونشهد أنه الواحـد‪ ،‬لا ولد له ولا والد‪ ،‬شهاد ًة نرجو بها الثبات فً‬‫ال ُّدنٌا‪ ،‬وجوازاً على الصراط فً ال ُعـلٌا‪ ،‬ونشهد أنه لعبده محمد أرس ْل‪،‬‬‫وأمره بالبلبغ فتح َّمـ ْل‪ ،‬وأمـره بالبشارة فب َّش ْر‪ ،‬وبالتحذٌر فح َّذ ْر‪ ،‬فعلٌه‬ ‫منا الصلبة والتسلٌ ْم‪ ،‬وهو الذي وصفه فً الكتاب بقوله \"بالمإمنٌن‬ ‫ررو فٌؾ رحٌ ٌفم \" فاللَّهم صل علٌه وعلى آله وأصحابه والتابعٌن لهم‬ ‫بإحسا ٍن إلى ٌوم الدٌن ‪.‬‬ ‫وبعد ‪:‬‬‫إن موضوع هذا البحث‪( :‬العقٌدة الإسلامٌة بٌن الفهم والممارسة‬‫عند الإِ َمام َمالِك بن أنس ) عنوان الدراسة فً عقٌدة الإِ َمام َمالِك إمام‬ ‫دار الهجرة‪ ،‬حٌث كان الإِ َمام َمالِك ذا مكان ٍة عالٌ ٍة بٌن علمار السلؾ‪،‬‬ ‫ٌعرفها العام والخاص والكبٌر والصؽٌر‪ ،‬وتؤتً أهمٌة اختٌارنا لهذا‬ ‫‪4‬‬

‫الموضوع من كون الإِ َمام َمالِك بن أنس‪ -‬رحمه الله ‪ -‬لٌس إماماً من‬ ‫أبمة المذاهب الفقهٌة المشهورة فحسب‪ ،‬بل كان عالماً من علمار الأمة‬ ‫الذٌن سخرهم الله لخدمة هذا الدٌن‪ ،‬فؤمات به البدعة‪ ،‬وأحٌا به السنة‪،‬‬ ‫ولقد كان لِ ِعلم الإِ َمام َمالِك دو ٌفر كبٌ فٌر فً ظهور عل ٍم جدٌ ٍد من علوم‬ ‫الدٌن‪ ،‬حٌث وضع الإِ َمام َمالِك لبن ًة أصٌل ًة من لبناته‪ ،‬ألا وهو علم‬ ‫الحدٌث ورواٌته‪ ،‬والتح ّري فً طلبه واختٌار رجاله‪ ،‬حتى أنه أثر عنه‬ ‫قوله‪(:‬إن هذا العلم دٌن‪ ،‬فانظروا عمن تؤخذون دٌنكم‪ ،‬لقد أدركت‬ ‫سبعٌن ممن ٌقول‪ :‬قال رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬عند هذه‬‫الأساطٌن‪ ،‬وأشار إلى مسجد رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬فما أخذت‬‫عنهم شٌباً وإن أحدهم لو ابتمن على بٌت مال المإمنٌن لكان أمٌناً‪ ،‬إلا‬ ‫أنهم لم ٌكونوا من أهل هذا الشؤن) ‪.‬‬ ‫لقد كان لعصر النبوة وما بعده تؤثٌر فً تكوٌن شخصٌة َمالِك‪ ،‬ولقد‬‫أسهمت الحٌاة الثقافٌة‪ ،‬والاجتماعٌة‪ ،‬والسٌاسٌة‪ ،‬التً عاشها المسلمون‬ ‫فً الطور المدنً‪ ،‬وما كان فً القرن الأول زمن صحابة رسول الله‬ ‫صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬من مواقؾ أَ ْثرت التارٌخ الإسلبمً‪ ،‬وأنتجت‬ ‫نوابػ وعلمار‪ ،‬كان لهم عظٌم الأثر فً تكوٌن العلوم الإسلبمٌة ‪.‬‬‫ثم إن الثقافات المختلفة التً كانت فً المجتمع المسلم‪ ،‬عهد الصحابة‬‫والتابعٌن‪ ،‬وما تـبع ذلك من مدارس تربوٌة‪ ،‬اتخذت من ال ُّنصرة للدٌن‪،‬‬ ‫والقٌام بؤعبار الدعوة‪ ،‬ونشرالإسلبم فً مختلؾ بقاع الأرض‪،‬‬‫والفتوحات الإسلبمٌة التً قامت فً العهد الرشٌد‪ ،‬وما أعقبه من خلبف ٍة‬ ‫إسلبمٌة نتج عنها قٌام دولتٌن فت ٌَ َت ٌْن‪ ،‬هما‪ :‬الدولة الأموٌة فً الشام(‬ ‫‪5‬‬

‫‪132/72‬هـ) ثم الدولة العباسٌة فً العراق (‪232/132‬هـ) ووصول‬ ‫الم ِّد الإسلبمً إلى بلبد السند والهند‪ ،‬وبلوؼه الأندلس ؼرباً ‪.‬‬ ‫ومع كل هذه الفتوحات‪ ،‬ورؼم دخول الناس فً دٌن الله أفواجاً‪،‬‬ ‫وتزاٌد عدد الثقافات‪ -‬فلم ٌجد الداخلون فً الدٌن الجدٌد أن هذا الدٌن‬‫ؼرٌب عن الفطرة السلٌمة التً فطر الله الناس علٌها‪ ،‬وذلك لما حبا الله‬ ‫به هذه الأمة من أنا ٍس اتخذوا العلم طرٌقاً لنصرة الدٌن‪ ،‬والذود عن‬ ‫حٌاض الإسلبم‪ ،‬وكان من خٌرة هإلار الناس وأعل ِمهم‪ ،‬وأفق ِهـ ِهم إمام‬ ‫دار الهجرة‪ ،‬وعالم المدٌنة( َمالِك بن أنس الأصبحً الٌمنً ) ‪.‬‬‫ولد َمالِك بالمدٌنة المنورة‪ -‬سنة ‪ 93‬هـ‪ -‬من والدٌن عربًٌن‪ ،‬وكانت‬‫ولادته فً المدٌنة المنورة حاضنة العلم فً ذلك الزمان‪ ،‬ومهبط الوحً‬ ‫من قبل‪ ،‬ثم نشؤ وترعرع فً بٌت عل ٍم وفض ٍل‪ ،‬مما ه ٌَّؤ له حٌا ًة حافل ًة‬ ‫بالعلم‪ ،‬فً أحضان بلد العلم والإٌمان‪ ،‬وترقى فً العلوم ببراع ٍة وذكا ٍر‬‫وس َّخرالله له من أهل العلم والفضل َما كان سبباً فٌما وصل إلٌه‪ ،‬وح َّببه‬ ‫إلى طلبة العلم فكانوا ٌؤتون المدٌنة للتفقه من علمه‪ ،‬وكان أهل العلم‬ ‫ٌقصدونه كذلك لٌستفتوه فٌما ٌستجد من أحدا ًث ومسابل‪ ،‬وعاش طٌلة‬ ‫عمره مكافحاً فً سبٌل إحٌار الس َّنـة وإماتة البدعة‪ ،‬ولقد كان له شؤ فٌن‬ ‫عظٌم عند العام والخاص‪ ،‬والأمرار والعلمار‪ ،‬حتى صارلا ٌقطع أم فٌر‬ ‫من دونه‪ ،‬ولا ٌستفتى فً مدٌنة رسول الله صلى الله علٌه وسلم ؼٌره‪،‬‬‫ولقد عاش عمراً مدٌداً ٌدعو إلى سبٌل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة‪،‬‬‫حتى توفاه الله سنة ‪179‬هـ عن عم ٍر ناهز الس َّتة والثمانٌن عاماً‪ ،‬وطٌلة‬ ‫هذا العمرعرؾ عنه توقٌره للعلمار‪ ،‬وتوقٌر العلمار له‪ ،‬واحترامه‬ ‫‪6‬‬

‫للخلفار‪ ،‬واحترام الخلفار له‪ ،‬والمشهور عنه‪ -‬رحمه الله‪ -‬أنه كان ٌرى‬ ‫أن الإٌمان والإسلبم هما الدٌن‪ ،‬ولا ٌصح الإسلبم الذي هو عمل‬ ‫الجوارح‪ ،‬من دون الإٌمان الذي هو اعتقاد القلب‪ ،‬وكان ٌقول‪\":‬الإٌمان‬ ‫قول وعمل ٌزٌد وٌنقص \" ولقد كان هذا مبدإه فً الفتوى‪ ،‬وهكذا كان‬ ‫تعامله مع النصوص من كتاب وسنة‪ ،‬وكان ٌرى أنه لا ٌجوز التفرٌق‬ ‫بٌن الكتاب والسنة‪ ،‬فالإٌمان بالقرآن ٌستلزم الإٌمان بالسنة فهما لا‬ ‫ٌفترقان‪ ،‬والنبً صلى الله علٌه وسلم قد أوتً القرآن ومثله معه‪ ،‬فما‬ ‫أُجمل فً القرآن فصل فً الس َّنة‪ ،‬وما لم ٌذكر مفصلبً فً كتاب الله‪،‬‬ ‫جار مفصلبً فً أحادٌث رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪.‬‬ ‫وكان أبؽض الأمور عنده البدع فً الدٌن‪ ،‬حٌث كان ٌرى أن فٌما‬ ‫بلؽنا من سنة المصطفى صلى الله علٌه وسلم الؽنى والنجاة‪ ،‬وأن‬ ‫الابتداع فً الدٌن ٌضر ولا ٌنفع‪ ،‬وأبؽض أول ما أبؽض‪ -‬بدعة س ِّب‬ ‫الصحابة التً ظهرت فً زمن الفتنة‪ ،‬ورأى أن أهلها لاح َّظ لهم فً‬ ‫فًر المسلمٌن وأنهم زنادق فٌة مارقون من الدٌن ‪.‬‬ ‫ومما اشتهرعند َمالِك‪ ،‬أن الفهم مقتر ٌفن بما له أص ٌفل شرع ًٌّ‪ ،‬وأن‬‫الفهم مرتب ٌفط بالممارسة‪ ،‬فالممارسة فه فٌم للدٌن‪ ،‬والفهم ممارسته –‬‫بمعنى أن الدٌن إنما وصل إلٌنا عن طرٌق الصحابة الذٌن فهموا أصول‬ ‫الدٌن وقواعده‪ ،‬وطبقوهما واقعاً عمل ٌّاً‪ ،‬ثم إنهم عرفوا ما تقتضٌه‬‫النصوص الشرعٌة التً أمر الله بها لإصلبح العباد والبلبد‪ ،‬وأن العقٌدة‬ ‫كما هً مقترن ٌفة بالعمل‪ ،‬فإن العمل كذلك مقتر فٌن بها‪ ،‬وأن الله تعالى من‬‫سنته أنه حجب ع َّنا ما للعبادة من معا ٍن خاصة‪ ،‬وأن م َّما ٌتجلى من هذه‬ ‫‪7‬‬

‫المعانً قد تدركه العقول‪ ،‬ولكن مشٌبته سبحانه قضت بعدم إدراك‬ ‫الحكمة لهذه العبادات‪ ،‬مع ما قد ٌدركه بعض العارفٌن من حك ٍم تتجلَّى‬ ‫فً طمؤنٌنة القلب‪ ،‬وراحة النفس وسكٌنتها‪ ،‬وأن الفهم الصحٌح‬ ‫لمقتضى النصوص ٌستلزم أن لا نؤخذ من الدٌن ما نرٌد‪ ،‬ونترك ما لا‬ ‫نر دي‪ ،‬أو نإمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض‪ ،‬بل الدٌن ك ٌّل لا ٌتج َّزأ ‪.‬‬‫إن فهم َمالِك للنصوص وما تقتضٌه‪ ،‬حمله‪ -‬رحمه الله‪ -‬على الدقة فً‬ ‫تلقً الس َّنة أولاً‪ ،‬ثم فهم النصوص وفق ما فهمها السلؾ الصالح‪ ،‬وأنه‬ ‫رحمه الله لم ٌكن ٌتعداها إلى ؼٌرها‪ ،‬وكان ؼاٌة اجتهاده مع وجود‬‫النص‪ ،‬هو تتبع مصدره‪ ،‬وراوٌه‪ ،‬وترجٌحه على ؼٌره‪ ،‬أو مقارنته مع‬ ‫عمل صحابً من فقهار الصحابة‪ ،‬أو من فقهار التابعٌن‪ ،‬لتكتمل له‬ ‫الحسنٌان‪ ،‬الجمع بٌن النص‪ ،‬وعمل أهل المدٌنة‪ ،‬وكان اختٌاره لعملهم‬‫دلٌلبً فً مذهبه‪ ،‬وذلك لأنهم عاٌنوا المشاهد‪ ،‬وخبروا المواقؾ‪ ،‬ووقفوا‬ ‫على ما لم ٌقؾ علٌه ؼٌرهم ‪.‬‬ ‫ومع ظهور ال ِفـ َرق وتفرق الناس شٌعاً وأحزاباً‪ ،‬كان لابد لعال ٍم مثل‬ ‫َمالِك‪ ،‬أن ٌكون له سٌ ٌفؾ بتار ٌقمع به الفتنة‪ ،‬وٌزٌل به الؽمة عن أ َّمة‬ ‫الإسلبم وس َّنة الحبٌب المصطفى علٌه الصلبة وال َّسلبم‪ ،‬السنة التً نذر‬ ‫نفسه للذود عنها والدفاع عن حٌاضها‪ ،‬ولذا فقد ا َّتبع عدة طرق فً‬ ‫محاربة هذه الفرق والطوابؾ وأربابها من مدعً الفلسفة وال َّتكلم فً‬ ‫الدٌن‪ ،‬فبالهجر والإعراض عن جهلهم تار ًة‪ ،‬وبالتحذٌر منهم‪ ،‬ومن‬ ‫خطرهم تار ًة أخرى‪ ،‬وبالمجاهر ِة بعداوتهم وفضحهم عند العامة إذا لم‬ ‫ٌجد معهم أسلوب الهجر‪ ،‬وبالنصح للولاة بالقضار علٌهم وتصفٌتهم‬ ‫‪8‬‬

‫نهاب ًٌّا ‪ -‬لتتخلَّص الأمة من شرهم‪ ،‬ولٌصحوا هم من ؼٌبوبتهم‪ ،‬وقد كان‬ ‫هذا مذهبه‪ ،‬ومذهب تلبمذته وأقرانه‪ ،‬بل ولم ٌرد عن واح ٍد من السلؾ‬‫مخالفة َمالِك فً رأٌه فً الفرق الضالة من القدرٌة والجهم ٌَّة وؼٌرهم‪،‬‬ ‫ولقد كان له دو فٌر كبٌ ٌفر فً القضار على أصحاب هذه الآرار الضالة‬‫والفرق المنحرفة‪ ،‬ثم إن المذهب ال َمالِكً وأعلبمه وجهابذته برٌبون كل‬ ‫ال َب ِّرارة من الابتداع فً الدٌن‪ ،‬أو الإحداث فٌه بؽٌر ما شرع الله‪ ،‬ولقد‬ ‫ُعرؾ ال َمالِكٌة على م ِّر التارٌخ بمحاربة البدعة وإحٌار السنة‪ ،‬بل و‬ ‫نجد فً كتب ال َمالِكٌة المعول علٌها‪ -‬كالموطإ والمدونة والرسالة‬ ‫وؼٌرها‪ -‬أن البدع والأهوار عندهم ممقوت ٌفة لٌس فً شؤن المعتقدات‬‫فحسب‪ ،‬بل وحتى فً الأمورالتعبدٌة التً هً من قبٌل المستحبات‪ ،‬ولا‬ ‫ٌخلو كتا ٌفب واح ٌفد من كتب السادة ال َمالِكٌة إلا وفٌه التحذٌر من البدعة‪،‬‬ ‫والح ِّث على السنة ‪.‬‬ ‫ولقد كان للمدرسة القٌروانٌة‪ ،‬ولتلبمٌذ المذهب فً المؽرب خا َّص ًة‬ ‫وشمال أفرٌقٌا عا َّم ًة‪ ،‬كبٌ ُر الفضل فً إحٌار المذهب ال َمالِكً‪ ،‬بل نكاد‬‫نعتقد أن المذهب ال َمالِكً ٌدٌن للمؽرب بالفضل فً انتشاره وتوسعه فً‬ ‫العالم الإسلبمً حتى الٌوم‪ ،‬ولقد تؤثر المؽاربة بالمذهب ال َمالِكً‪ ،‬حتى‬ ‫إنك لتكاد تلمس ذلك فً أدبٌات المؽاربة‪ ،‬بحٌث أُع ِطً المذهب طابعاً‬ ‫خاصاً‪ ،‬واكتسب علمه وتراثه مكان ًة رفٌع ًة‪ ،‬جعلته من أثرى مذاهب‬‫أهل السنة والجماعة رأٌاً وتؤلٌفاً‪ ،‬وذلك لكثرة مرٌدٌه والمإلفٌن فً فقه‬ ‫َمالِك وسٌرته‪ ،‬ولقد اعتمد المؽاربة الأوابل أسلوب نظم القوافً‬ ‫والأشعار للمحافظة على أصول المذهب فً منظومات مقفٌا ٍت‪ ،‬جعلت‬ ‫‪9‬‬

‫المصنفات فً المذهب ال َمالِكً من أكثر المإلفات محافظ ًة على ال َّنص‪،‬‬ ‫ومن أجملها عبار ًة‪ ،‬ومن أعظمها استحسانا ‪.‬‬ ‫المفاهٌم الاساسٌة للبحث‪:‬‬‫التوحٌد‪،‬‬ ‫العقٌدة‪ ،‬الفهم‪ ،‬الممارسة‪ ،‬المذهب‪ ،‬الطوابؾ‪ ،‬الكلبم‪،‬‬ ‫الإٌمان‪ ،‬الإسلبم‪َ ،‬مالِك‪ ،‬البدعة ‪ ،‬العمل ‪.‬‬ ‫أهداف الدراسة‪:‬‬‫معرفة رأي الإِ َمام َمالِك ‪ -‬رحمه الله‪ ،-‬فً مسابل العقٌدة التً أثارت‬ ‫جدلاً فً ذلك الزمان ‪ ،‬كمسابل الإٌمان والتكلٌؾ بالأعمال‪ ،‬والقدر‪،‬‬ ‫والأسمار والصفات ‪ ،‬وما هً العلبقة بٌن إرادة الله سبحانه وتعالى‬ ‫وإرادة الإنسان ‪.‬‬‫التعرؾ علً منهجٌة الإِ َمام َمالِك فً التعامل مع المسابل الاعتقادٌه‪،‬‬ ‫وكٌؾ هً طرٌقته فً الاستدلال واستنباط الأحكام ‪.‬‬‫البحث فً كٌفٌة الربط بٌن الأعمال التعبد ٌة والمسابل الاع تاقد ةي‪،‬‬ ‫سوار منها الأعمال البدنٌة أو القلبٌة‪ ،‬وسوار كانت فً العبادات‬ ‫أوالمعاملبت أوالأخلبق‪ ،‬عند الإِ َمام َمالِك‪ ،‬وما هً نظرته لعلبقة فهم‬ ‫العقٌدة بالممارسة العملٌة لهذه العقٌدة‪.‬‬ ‫منهجٌة البحث‪:‬‬‫أولااًل‪ -‬استخدمت العرض التارٌخً كؤسا ٍس اعتمدت علٌه فً عرضي‬‫لشخصٌة الإِ َمام َمالِك‪ ،‬واعتمدت فً هذا على مصادر مشهود لها بالدقة‬ ‫‪10‬‬

‫والرصانة‪ ،‬وتعتبر من أمهات الكتب فً هذا الشؤن ‪ ،‬وكذلك استخدمت‬ ‫مصادر حدٌثة من أجل إثرار الموضوع‪ ،‬وشمول فابدته وأدابه الؽاٌة‬ ‫المنشودة منه فً مجال البحث العلمً ‪.‬‬‫انٌاًلا‪ -‬قارن ُت بٌن الفهم للعقٌد ة والممار ةس العمل ةًلهذه العقٌدة ‪ ،‬وهل‬ ‫ٌختلؾ الفهم عن الممارسة ‪ ،‬بحٌث أننً وازن ُت بٌن فهم الإِ َمام َمالِك‬ ‫للعقٌدة الإسلبمٌة ‪ ،‬وفهم ؼٌره من أبمة المذاهب‪ ،‬وكذلك تناولت‬ ‫بالدراسة عقٌدة المتكلمٌن كالمعتزلة‪ ،‬والخوارج‪ ،‬والجهمٌة‪ ،‬وؼٌرهم ‪.‬‬‫ال الاً‪ -‬لم أهمل الجانب التحلٌلً فً مناقشتي وعرضً لآرار الإِ َمام‬‫َمالِك فً بعض المسابل العقدٌة التً أثارت جدلاً فً ذلك الزمان ‪،‬‬ ‫وتحتاج إلى وقفات تحلٌلٌة ‪.‬‬ ‫رابعاالً‪ -‬استخدمت المسح المكتبً ‪ -‬لتجمٌع المعلومات والبحث عن‬ ‫الدراسات التً أجرٌت عن الإِ َمام َمالِك ِب َش ْك ٍل عام‪ ،‬وعن عقٌدته ِب َش ْك ٍل‬‫خاص‪ ،‬وقد قمت بإجرار مسح شامل لمكتبة الجامعة الأزهرٌة الشرٌ ةؾ‬‫مبصر(المكتبة المركزٌة) من تارٌخ ‪ 2007-3-23‬حتى ‪-6-20‬‬ ‫‪2007‬م‪ ،‬وقد كانت مكتبة الأزهر تحوي ‪ 26,000‬رسالة ما بٌن‬ ‫رسالة دكتوراه وما جستٌر فً مختلؾ التخصصات ‪ ،‬وقد واجهتنً‬ ‫صعوبة بالؽة فً العثور على بحوث ودراسات عن عقٌدة الإِ َمام َمالِك‬ ‫ِب َش ْك ٍل خاص‪ ،‬ونظرته لعلبقة العمل والممارسة بالفهم الصحٌح لهذه‬‫العقٌدة‪ ،‬عدا العثور على بعض الدراسات المتناثرة‪ ،‬وقد أجرٌت قبلها‬ ‫مسحاً شاملبً لرسابل الماجستٌر والدكتوراه بجامعة قارٌونس فً لٌبٌا‬‫من تارٌخ ‪2007-1-13‬م حتى ‪2007-3-4‬م وقد تمكنت من الحصول‬ ‫‪11‬‬

‫على بعض الدراسات الهامة فً هذا الصدد‪ ،‬إضافة إلى ماتمكنت من‬ ‫الحصول علٌه من شبكة الانترنت من بحوث ومقالات تناولت الإِ َمام‬ ‫َمالِك وآرابه بالمناقشة والبحث‪.‬‬ ‫والضرورة المنهجٌة اقتضت منً تقسٌم البحث إلى عدة فصول‬‫ومباحث أساسٌة‪ ،‬تخدم الجانب التارٌخً‪ ،‬لأنه الأهم فً هذه الدراسة‪،‬‬‫لسبر أغوار تجربة الإِ َمام َمالِك العقدٌة والفقهٌة‪ ،‬ومن هنا فقد اشتمل‬‫البحث على مقدمة‪ ،‬وتمهٌد‪ ،‬وعدة فصول‪ ،‬وخاتمة‪ ،‬وهً على النحو‬ ‫التالً ‪:‬‬ ‫المقدمة‪ :‬وهً مدخ فٌل للبحث‪ ،‬ألقٌت فٌه الضور على موضوع‬‫الدراسة والمعطٌات التً ساهمت فً تكوٌن شخصٌة موضوع البحث‪،‬‬‫وما أحاط بصاحبها‪ -‬رحمه الله‪ -‬من معطٌات كانت سبباً فً إذكار علمه‬ ‫وبلوؼه هذه المكانة العلمٌة فً عصره‪ ،‬مع وجود علمار وفقهار فً‬‫ذلك الزمان كان لهم فض ٌفل وعل ٌفم كبٌران‪ ،‬إلا أ َّن بروز هذا العالِم الجلٌل‬ ‫فً ذلك العصر دلٌ ٌفل على أنه شخص ٌَّ ٌفة لامع ٌفة وحد ٌفث تارٌخ ًٌّ‪ ،‬ش َّكل‬ ‫بداٌة تارٌ ٍخ جدٌ ٍد فً مسٌر ِة العقٌد ِة الإسلبمٌة‪ ،‬وما ٌتعلق بها من‬‫أحكا ٍم‪ ،‬وتطو ِر علو ٍم جدٌد ٍة من العلوم الإسلبمٌة التً لم تكن قد عرفت‬ ‫قبل الإِ َمام َمالِك‪ ،‬ألا وهو علم الحدٌث وفروعه‪ ،‬والفقه وأصوله‪.‬‬ ‫أما التمهٌد‪ :‬فكان توطب ًة للموضوع‪ ،‬تكلمت فٌه عن العقٌدة‬ ‫وأصولها‪ ،‬وكٌؾ أن المدٌنة المنورة كانت تحظى بمكان ٍة عالٌ ٍة عند‬ ‫المسلمٌن جعلتها منار ًة للقاصدٌن‪ ،‬وقبل ًة للسالكٌن‪ ،‬لل َّتزود من النبع‬ ‫الصافً الذي تركه رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬وأصحابه‬ ‫‪12‬‬

‫والتابعون‪ ،‬وكٌؾ أسهم َمالِك بؤسلوبه الرفٌع فً توطٌد الدٌن‪ ،‬وإخماد‬ ‫كثٌ ٍر من الفتن‪ ،‬وكٌؾ كان لأسلوبه الراقً دو فٌر كبٌ ٌفر فً توجٌه اهتمام‬ ‫الدارسٌن من طلبة العلم والفقهار فً عصره إلى الاهتمام بالمسابل‬ ‫العملٌة‪ ،‬وترك الخوض فً مسابل الاعتقاد التً هً أمو ٌفر ؼٌب ٌَّ فٌة لا‬ ‫طابل من الخوض فٌها‪ ،‬ولقد كانت حاج ُة الناس فً ذلك الزمان إلى‬‫عل ٍم له أصو ٌفل‪ ،‬وفق ٍه راس ٍخ بح َج ِجه لا مجال فٌه لاتباع الآرار ما لم تكن‬ ‫مستند ًة إلى دلٌ ٍل‪ ،‬لأن مدرس ًة كالتً عاش فٌها َمالِك لم تكن تنزع إلى‬ ‫فقه ال َّرأي‪ ،‬بل هً من مدرسة الأثر ولم ٌكن ٌقدم قول أح ٍد ما لم ٌكن‬ ‫مستداً إلى دلٌ ٍل‪ ،‬كٌؾ لا ٌكون كذلك‪ ،‬وهً موطن الصحابة والتابعٌن‪،‬‬ ‫على خلبؾ مدرسة الرأي بالكوفة‪ ،‬فقد كان ال ّرأي فٌها له اعتباره‬‫ومكانته لذلك سمٌت مدرسة الرأي‪ ،‬أما الفصول فقد قسمتها إلى ما ٌلً‬ ‫‪:‬‬ ‫الفصــل الأول ‪:‬‬ ‫وعنوانه ( َمالِك بٌن عصــر النبــوة وما بعــده) ‪.‬‬ ‫وٌتضمن هذا الفصل عدة مباحث نسردها كالتالً ‪:‬‬‫المبحث الأول‪ :‬عبارة عن جرد تارٌخً للحٌاة الثقافٌة‪ ،‬والاجتماعٌة‪،‬‬‫والسٌاسٌة‪ ،‬فً عصر النبوة‪ ،‬وٌتناول ما كان علٌه العهد الأول من لدن‬‫رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬وأصحابه‪ ،‬والمجتمع المدنً وما دارت‬ ‫فٌه من أحداث آنذاك ‪.‬‬ ‫‪13‬‬

‫المبحث ال انً‪ :‬الحٌاة الثقافٌة والاجتماعٌة والسٌاسٌة قبٌل وأثنار‬ ‫عهد الإِ َمام َمالِك‪ ،‬وما قامت فٌه من ولاٌات إسلبمٌة‪ ،‬مبتدباً فٌه بعهد‬ ‫الخلفار الراشدٌن‪ ،‬ثم بالدولة الأموٌة‪ ،‬والعباسٌة ‪..‬‬ ‫المبحث ال الث ‪ :‬تعرٌؾ بالإِ َمام َمالِك‪ ،‬وسٌرته ونسبه ومولده‬ ‫ونشؤته‪ ،‬طلبه للعلم‪ ،‬ومشاٌخه‪ ،‬وأقرانه‪ ،‬وتلبمذته‪ ،‬ثم سٌرته العلمٌة‪،‬‬ ‫ومنهجه فً التلقً‪ ،‬ومآثره‪ ،‬ومإلفاته ‪.‬‬ ‫الفصــل ال انً ‪:‬‬ ‫وعنوانه (العقٌـدة الإسلامٌة ومدلـولاتهــا)‪.‬‬ ‫وٌشتمل على عـــدة مباحث ‪:‬‬‫المبحث الأول‪ :‬مفهوم العقٌدة الإسلبمٌة‪ ،‬والفرق بٌن العقٌدة والدٌن‪،‬‬ ‫وبٌان خصابص العقٌدة الإسلبمٌة‪ ،‬و التوحٌد وفضله‪ ،‬وبٌان مراتبه‪،‬‬ ‫وبٌان رأي أبمة السلؾ فً مسابل العقٌدة المختلفة‪ ،‬كمسؤلة الأسمار‬ ‫والصفات‪ ،‬ومسابل القدر وأعمال العباد ‪.‬‬ ‫المبحث ال انً‪ :‬شمولٌة الدٌن الإسلبمً عند الإِ َمام َمالِك‪ ،‬وبٌان‬‫العلبقة بٌن الإٌمان والإسلبم‪ ،‬وضرورة الاحتجاج بالكتاب والسنة معاً‪،‬‬ ‫وأنه لاٌفرق بٌنهما إلا مار فٌق من الدٌن‪ ،‬وبٌان أن الدٌن شرابع‬ ‫ومعتقدات‬ ‫‪14‬‬

‫المبحث ال الث‪ :‬وٌتضمن البدعة وموقؾ الشرٌعة منها‪ ،‬وحكم‬ ‫البدعة وبٌان أسبابهـا‪ ،‬وفضل التمسك بالسنة وترك البدعة‪ ،‬وموقؾ‬ ‫َمالِك من البدع وأهلها‪ ،‬والموقؾ من بدعة سب الصحابة‪.‬‬ ‫الفصل ال الث ‪:‬‬ ‫وعنوانه( فهم الإِ َمام َمالِك للعقٌدة الإسلامٌة ممارس ًلاة وتطبٌقاًلا )‬ ‫وٌتضمن عـــدة مباحث ‪:‬‬ ‫المبحث الأول‪ :‬علبقة العقٌدة بالعمل‪ ،‬وٌوضح المفهوم العام للعبادة‪،‬‬ ‫وأقسام العمل من حٌث حكمه‪ ،‬وبٌان تقسٌم الشارع للؤحكام ‪.‬‬ ‫المبحث ال انً‪ :‬تؤثٌر العمل فً الإٌمان‪ ،‬وقد تناولت فٌه ‪ -‬تقسٌم‬ ‫العمل من حٌث ماهٌته‪ ،‬وزٌاد العمل فً الإٌمان ونقصانه‪ ،‬وآرار‬ ‫العلمار فً ذلك‪ ،‬ومقارنتها مع رأي الإِ َمام َمالِك‪ -‬رحمه الله‪ ،-‬وتفاوت‬ ‫الأعمال فً الأجـر والثواب وبٌان القول فً تؤثر الأعمال بدوام‬ ‫المراقبة ‪.‬‬‫المبحث ال الث‪ :‬فهم الممارسة وممارسة الفهم‪ ،‬وقد أشرت فٌه إلى ‪-‬‬ ‫ارتباط الفهم بالممارسة‪ ،‬وكٌؾ كانت نظرة َمالِك لعلبقة الفهم‬ ‫والممارسة‪ ،‬وكٌؾ كان اجتهاد َمالِك فً فهم النصوص ‪.‬‬‫الفصل الرابع‪(:‬الطوائف والفرق‪ ،‬وموقف الإِ َمام َمالِك منها) ‪ ،‬وفٌه‬ ‫عـدة مباحث ‪:‬‬ ‫‪15‬‬

‫المبحث الأول‪ :‬أهم الفرق والطوابؾ فً عصر الإِ َمام َمالِك‪،‬‬ ‫وتناولت فٌه التعرٌؾ بهذه الطوابؾ والفرق على اختلبفها‪ ،‬والأقوال‬ ‫فً نشؤة علم الكلبم والمتكلمٌن‪ ،‬وأهم الآرار التً ذهبت إلٌها الفرق‬ ‫والطوابؾ ‪.‬‬‫المبحث ال انً‪ :‬رأي الإِ َمام َمالِك فً الفرق المختلفة‪ ،‬وقد تتبعت فٌه‬‫تقٌٌم الفرق على ضور الكتاب والسنة‪ ،‬ثم أتبعته بالحدٌث عن منهجٌة‬ ‫َمالِك فً التعامل مع هذه الفرق‪ ،‬ورأٌه فٌها‪ ،‬وموقفه منها ‪.‬‬‫المبحث ال الث‪ :‬وتناولت فٌه الحدٌث عن رأي ال َمالِكٌة فً أهل البدع‬ ‫والأهوار‪ ،‬وعن برارة المذهب ال َمالِكً مما ألصق فٌه من البدع‪ ،‬ثم‬ ‫ببداٌة التدوٌن فً الفقه ال َمالِكً‪ ،‬وانتشار المذهب ال َمالِكً فً المؽرب‬ ‫العربً وشمال أفرٌقٌا ‪.‬‬ ‫وفً الخاتمة‪ :‬جارت نتابج البحث لتلقً الضور على مكانة الإِ َمام‬ ‫َمالِك العلمٌة وعلبقته بولاة الأمر‪ ،‬وكذلك علبقته المتمٌزة مع أقرانه‬ ‫من العلمار وطلبته ومرٌدٌه‪ ،‬و قد تناولت كذلك أثر البٌبة التً عاش‬ ‫فٌها على شخصٌته‪ ،‬وعناصر مذهبه‪ ،‬انتها ًر بمواقفه من مسابل‬ ‫الاعتقاد المختلفة‪ ،‬ونظرته إلى شطر الدٌن ( الإٌمان والإسلبم جمل ًة‬ ‫واحد ًة ) ‪.‬‬ ‫وأنا أقدم جهدي المتواضع‪ -‬أقول‪ :‬لا ٌخلوا عملٌ من قصو ٍر‪ ،‬فإن‬ ‫كنت أصبت فمن الله سبحانه وتعالى‪ ،‬وله الفضل والم َّنـة‪ ،‬وإن كانت‬ ‫‪16‬‬

‫الأخرى فمن نفسً ومن الشٌطان‪ ،‬وأسؤل الله سبحانه العفو والعافٌة‬ ‫\"إنه نعم المولى ونعم النصٌر ‪.‬‬ ‫تمهٌد‬ ‫إن العقٌدة من الفطرة التً فطر الله الناس علٌها‪ ،‬فالإنسان مجبول‬ ‫على الاحتٌاج إلى العقٌدة والإٌمان بالؽٌب‪ ،‬فإما أن ٌعتقد حقاًّ وٌإمن‬ ‫حقاًّ وٌعرؾ طرٌقه للنجاة عن حق وصدق‪ ،‬وٌمتلا قلبه بالإٌمان‬ ‫الصادق‪ ،‬والٌقٌن والحق‪ ،‬وإلا فإنه سٌمتلا بالباطل والزور والكذب‪،‬‬‫وهو مع هذا كله ٌحس أن العقٌدة ملبذ ه وخلبصه الذي ٌحتاج إلٌه فً‬ ‫المل َّمات‪ ،‬وٌطلبه فً المه َّمات‪ ،‬هذه العقٌدة التً تكتسب كل هذه‬ ‫‪17‬‬

‫الأهمٌة‪ ،‬جدٌرة بؤن تؤخذ ح ًّظا وافٌاً من البحث والتحلٌل‪ ،‬والدراسة‬ ‫المبنٌة على الوعً والإدراك والإقناع ‪.‬‬‫وتجدر الإشارة فً هذا الصدد إلى‪ -‬أن كثٌراً من المسلمٌن فً زماننا‬ ‫الٌوم لاٌعلمو ن حقٌقة التشرٌع الإسلبمً‪ ،‬ولا ٌدركو ن ماهٌة العقٌدة‬ ‫بحق‪ ،‬وما ٌنبؽً أن ٌكون علٌه المسلم‪ ،‬لٌكو ن ممن تنطبق علٌهم الآٌة‬ ‫الكرٌمة حٌث ٌقول الله عز وجل فٌهم ‪َ ( :‬و َع َد ال َّلهُ الَّ ِذٌ َن آ َم ُنوا ِمن ُك ْم‬ ‫َو َع ِملُوا ال َّصالِ َحا ِت لَ ٌَ ْس َت ْخلِ َف َّن ُهم فًِ الاَ ْر ِض َك َما ا ْس َت ْخ َل َؾ الَّ ِذٌ َن ِمن َق ْبلِ ِه ْم‬ ‫َو َل ٌُ َم ِّك َن َّن َل ُه ْم ِدٌ َن ُه ُم الَّ ِذي ا ْر َت َضى َل ُه ْم َو َل ٌُ َب ِّدلَ َّن ُهم ِّمن َب ْع ِد َخ ْوفِ ِه ْم أَ ْمناً‬ ‫ٌَ ْع ُب ُدو َن ِنً لاَ ٌُ ْش ِر ُكو َن ِبً َش ٌْباً َو َمن َك َف َر َب ْع َد َذلِ َك َفؤُ ْولَ ِب َك ُه ُم‬ ‫ا ْل َفا ِس ُقو َن)( ) ‪.‬‬‫ولقد كانت المدٌنة مهبط وحً رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬وقبلة‬‫السالكٌن ومنارة القاصدٌن‪ ،‬لما لها من مكان ٍة عالٌ ٍة فً نفوس المإمنٌن‪،‬‬ ‫فالعلم علم أهل المدٌنة \"والإٌمان ٌؤرز( ‪)‬إلى المدٌنة كما جار فً‬ ‫الحدٌث الشرٌؾ‪ ،‬ولقد بر َز كثٌ ٌفر من الصحابة للعلم‪ ،‬كؤمثال أبً بك ٍر‪،‬‬ ‫وعمر‪ ،‬وعثمان وعل ًٍّ‪ ،‬وعابشة‪ ،‬وأبً هرٌرة‪ ،‬وابن عمروؼٌرهم من‬ ‫الصحابة رضً الله عنهم أجمعٌن‪ ،‬وجار من بعدهم من استلهم آثارهم‬ ‫واستن بسنتهم وسار على طرٌقهم من التابعٌن‪ ،‬مثل‪ -‬نافع وابن هرمز‬‫وابن شها ٍب وؼٌرهم‪ ،‬ثم تتابع العلم كابراً عن كابر‪ ،‬ووارثاً عن وارث‪،‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح إٌ‪ٛ‬ه ا‪٠٢‬خ ‪.55‬‬‫‪ - ‬أهى ‪٠ ،‬أهى ‪ :‬صجذ ‪ٚ‬رغّغ ( اٌمبِ‪ ًٛ‬اٌّغ‪ٌٍ ، ٜ١‬ف‪١‬وىاثبم‪ ،ٞ‬رؾم‪١‬ك اٌطب٘و اٌيا‪ ،ٞٚ‬اٌلاه اٌؼوث‪١‬خ ٌٍىزبة‪١ٌ ،‬ج‪١‬ب‬ ‫‪.1980‬‬ ‫‪18‬‬

‫وتصدر من هإلار فقهار وعلمار من أمثال الأوزاعً‪ ،‬والثوري‪ ،‬وابن‬ ‫عٌٌنة‪ ،‬وأبً حنٌفة‪ ،‬و َمالِك‪ ،‬وؼٌرهم رحمهم الله جمٌعاً ‪.‬‬ ‫واشتهر من هإلار عال ٌفم جلٌ فٌل وفقٌ فٌه فح فٌل ‪ -‬ألا وهو إمام دار الهجرة‬ ‫\" َمالِك ابن أنس الأصبحً \" لقد كان لظهور هذا \" النجم أُث ٌفر بال فٌػ فً‬ ‫التراث الإسلبمً برمته‪ ،‬ولٌس من قبٌل المبالؽة أن نقول إن الإِ َمام‬ ‫َمالِك بن أنس‪ ،‬كان َعلماً بارزاً فً زمانه‪ ،‬ونجم عصره على ح ِّد قول‬ ‫تلمٌذه الشافعً‪\" ،‬فقد كان ٌقول إذا ذكر العلمار ف َمالِك النجم \" فهو من‬ ‫ص َّح َح كثٌراً من المفاهٌم الخاطبة التً أراد أهلها أن ٌلصقوها بدٌن‬ ‫الإسلبم‪ ،‬كما أنه أزال كثٌراً من الشبهات التً حاول البعض أن ٌلحقها‬ ‫بعلمار ذلك العصر ظلماً وعدواناً‪ ،‬مما كانت العلمار منه برار‪ ،‬وكثٌراً‬ ‫ما كان ٌُ َّتـهم العلمار فً ذلك العصر بالتملق للسلبطٌن على حساب‬ ‫دٌنهم ومرورتهم‪.‬‬ ‫لقد أسقط الإِ َمام‪ -‬رحمه الله‪ -‬هذه المفاهٌم الخاطبة‪ ،‬وأبان بعفة نفسه‬ ‫وشجاعته وإٌمانه أن للعالِم كرامته وهٌبته التً لا تهتز‪ ،‬وأن عنده من‬ ‫الهمة والشجاعة إذا جد الجد ما لا ٌوجد عند ؼٌره‪ ،‬ومن ذاك ما حدث‬‫له من محن ٍة بسبب وشاٌ ٍة وشاها به من لا خلبق له – ابتلً على إثرها‬ ‫الإِ َمام َمالِك‪ ،‬واقتٌد مك َّبلبً و ُجلد و ُع ِّذب‪ ،‬لٌرجع عن فتواه بعدم وقوع‬‫طلبق ال ُم ْك َره‪ ،‬ولكن الإِ َمام رحمه الله ثبت على المبدأ‪ ،‬وتمسك بما ٌعتقد‬ ‫أنه الحق‪ ،‬واقتٌد على بؽلة فً وسط شوارع المدٌنة فصار ٌنادي فً‬ ‫ثبا ٍت \" أٌها الناس أنا َمالِك بن أنس‪ ،‬من لم ٌعرفنً فلٌعرفنً‪ ،‬ها أنا‬ ‫‪19‬‬

‫أجلد وأع َّذب على أن أقول بوقوع طلبق المكره‪ ،‬ولا أقول به فاحفظوا‬ ‫عنً هذا\"( ) ‪.‬‬ ‫ومن أهم ما كان ٌُعتبر أصلبً من أصوله‪ -‬رحمه الله‪ -‬أنه كان ٌعتبر‬‫أ َّن \"الإٌمان قو ٌفل وعم فٌل ٌزٌد وٌنقص \" مما ٌدلل على ما كان ُم َو َّطؤً فً‬ ‫ُمو َّطبه ومذهبه‪ ،‬فهو ٌعتبرالأعمال جز ًرا من مفهوم الإٌمان‪ ،‬والإٌمان‬ ‫جز فٌر من الأعمال‪ ،‬وأعمال القلوب متداخل ًة مع أعمال الجوارح‬‫والعكس‪ ،‬فلب تكاد تجده ٌفرق بٌن الإٌمان والإسلبم– إلا من حٌث دلالة‬ ‫ك ٍّل من معانٌهما على معنى مخصو ٍص بعٌنه‪ ،‬وتراه ٌتكلم عن الجمٌع‬ ‫بمس َّمى الدٌن‪.‬‬ ‫وإذا كانت العقٌدة الإسلبمٌة هً العقٌدة الصحٌحة‪ ،‬المتمشٌة مع‬‫الفطرة السلٌمة التً فطر الله الناس علٌها‪ ،‬الآخذة بعٌن الاعتبار احترام‬ ‫آدمٌة الإنسان وكرامته‪ ،‬وتقدٌر عقله وتفكٌره‪ ،‬حا َّثـ ًة أتباعها على‬ ‫التفكر والتدبر فً آٌات الله الكونٌة‪ ،‬فقد كان للئمام َمالِك ومذهبه أث ٌفر‬‫كبٌ فٌر فً إبراز هذه العقٌدة‪ ،‬وما كان لها من معانً عظٌمة‪ ،‬ولقد أسهم‪-‬‬ ‫رحمه الله‪ -‬فً تصفٌتها وتنقٌتها من الخرافات والشوابب التً ألصقها‬ ‫بها بعض الجهلة‪ ،‬إما قولاً فً الإسلبم بؽٌر علم‪ ،‬أو إرضا ًر لهو ًى‪ ،‬أو‬ ‫تمل ٍق لصاحب سلطان أو جا ٍه أو منصب ‪.‬‬ ‫ومن هنا كان دو ُر العلمار كبٌراً‪ ،‬والمسإولٌة الملقاة على عواتقهم‬ ‫عظٌم ًة‪ ،‬فهم من أحسن الناس وأفضلهم إذا هم بلَّؽوا رسالة الله‪،‬‬‫ونصحوا وأرشدوا‪ ،‬عن ثبا ٍت وٌقٌن وإخلب ٍص لله تعالى للفوز بحسنتً‬‫‪ّ -‬نهاد اٌن٘ت ف‪ ٟ‬أفجبه ِٓ م٘ت ‪ ،‬ػجل اٌؾ‪ ٟ‬ثٓ ِؾّل اٌؾٕجٍ‪ ، ٟ‬اٌلاه اٌؼوث‪١‬خ ‪ ،‬اٌمب٘وح ‪. .288 ٓ1987 ،‬‬ ‫‪20‬‬

‫الدنٌا والآخرة‪ ،‬ولقد كان أٌضاً للعلمار والأبمة فً القرن الأول فض فٌل‬ ‫كبٌ ٌفر وجهو ٌفد عالٌ ٌفة‪ُ ،‬تقطؾ ثمارها على م ِّر الأجٌال‪ ،‬و ٌُستظل فً ظلها‬ ‫المنٌؾ من لظى الفتن وتقلبات الزمان‪ ،‬وإن أج َّل هذه العلوم التً عنً‬ ‫بها الأولون‪ -‬علم العقٌدة وتوحٌد الله تبارك وتعالى‪ ،‬ومدى ارتباطهما‬‫بالأعمال الصالحة‪ ،‬ومدى فهم هذا المعنى وتؤ ُّصله فً عقٌدة المسلمٌن‪،‬‬ ‫لٌنالوا الفوز برضوان الله من خلبل الامتثال لأوامره‪ ،‬وتطبٌق هذه‬ ‫العقٌدة واقعاً عملٌاًّ‪ ،‬حتى ٌُعطى لهذا الدٌن قدره‪ ،‬وترتفع بممارسته‬ ‫درجة أهله ومعتنقٌه‪ ،‬ولقد كان للئمام َمالِك‪ -‬رحمه الله‪ -‬الدور الكبٌر‬‫فً إٌصال هذه المعانً السامٌة‪ ،‬وهداٌة الناس إلى طرٌق الحق والهدى‬ ‫والخٌر ‪.‬‬ ‫لذا فإن الإِ َمام َمالِك‪ -‬إمام دار الهجرة‪ ،-‬من المبرزٌن الأوابل فً‬ ‫تارٌخ علمار الإسلبم‪ ،‬للذود عن الدٌن والدفاع عن السنة‪ ،‬وتؤصٌل‬ ‫العقٌدة وتقوٌة ارتباطها بالعبادات‪ ،‬وأن الدٌن ك ٌّل لا ٌتج َّزأ‪ ،‬فالعقابد‬ ‫تصدقها الأعمال‪ ،‬ولقد كان كذلك لتلبمٌذه وأقرانه الدور الكبٌر فً‬ ‫تصحٌح كثٌ ٍر من المفاهٌم التً طرأت على المجتمع المسلم‪ ،‬ولم ٌكن‬ ‫الإِ َمام َمالِك وحده متصدٌاً لكل الخرافات والفتن فً عصره‪ ،‬بل قٌض‬ ‫الله‪ -‬تبارك وتعالى‪ -‬علمار أجلبَر وأبم ًة أعلبماً‪ ،‬كؤمثال أبً حنٌفة‬ ‫النعمان فً الكوفة‪ ،‬والشافعً فً مكة ثم مصر‪ ،‬وأحمد ابن حنب ٍل فً‬ ‫الحجاز‪ ،‬وؼٌرهم من علمار التابعٌن ‪.‬‬‫لقد كان للئمام َمالِك‪ -‬رحمه الله‪ -‬مراسلب ٌفت واتصالا فٌت مع أقرانه من‬ ‫العلمار‪ ،‬لتؤصٌل الفتاوى والحزم مع المخالفٌن لعقٌدة أهل السنة‬ ‫‪21‬‬

‫والجماعة‪ ،‬ولم ٌقتصر الأمر على اتصاله بالعلمار فقط بل كان له‪-‬‬ ‫رحمه الله‪ -‬جرأةفٌ فً الحق بإٌصاله للسلبطٌن والخلفار بحكمة العالم‪،‬‬‫وحزم المجاهد القابم على ثؽور الإسلبم‪ ،‬ومن أمثلة ذلك ما قاله رحمه‬ ‫الله للخلٌفة العباسً أبً جعفر المنصور وابنه المهدي وؼٌرهما فً‬ ‫حكم الله تعالى فً القدرٌة‪ ،‬وأنهم وأشباههم ممن ٌقولون بخلق القرآن‪،‬‬ ‫أو ٌكفرون أصحاب رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬لا ٌعطون من‬ ‫الفًر شٌباً‪ ،‬وقال بكفرهم ولم تؤخذه فٌهم لومة لابم‪.‬‬ ‫وسٌتبٌن لنا إن شار الله من خلبل ما اخترناه من تقسٌ ٍم لفصول هذا‬ ‫البحث‪ -‬ما لهذا الإِ َمام من قدر‪ -‬وما لهذا الموضوع من أهمٌة ‪.‬‬ ‫والله أسؤل أن ٌعٌننً‪ ،‬وٌوفقنً إلى ما أصبو إلٌه‪ ،‬إنه خٌر‬ ‫مسإول‪ ،‬وأرجى مؤمول ‪.‬‬ ‫الفصل الأول‬ ‫َمالِك بٌن عصر النبوة وما بعده‬ ‫المبحث الأول‪:‬الحٌاة ال قافٌة والاجتماعٌة والسٌاسٌة فً عصر النبوة‪:‬‬ ‫‪ -‬المطلب الأول ‪:‬الحٌاة الثقافٌة ‪.‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثانً ‪:‬الحٌاة الاجتماعٌة ‪.‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثالث ‪:‬الحٌاة السٌاسٌة ‪.‬‬ ‫المبحث ال انً ‪ :‬الحالة السٌاسٌة و ال قافٌة قبٌل وأ ناء عصر َمالِك وفً‬ ‫عهد الخلافة الأموٌة(‪72‬هـ ـ‪132‬هـ) والعباسٌة الأولى (‪132‬ـ‪232‬هـ)‪:‬‬ ‫‪22‬‬

‫‪ -‬المطلب الأول‪ :‬الحالة السٌاسٌة ‪.‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثانً‪ :‬الحالة الثقافٌة ‪.‬‬ ‫‪ -‬الطبٌعة العلمٌة بعد وفاة الرسول صلى الله علٌه وسلم ‪.‬‬ ‫‪ -‬الطبٌعة العلمٌة فً عصر الإِ َمام َمالِك ‪.‬‬ ‫المبحث ال الث ‪ :‬تعرٌف بال ِإ َمام َمالِك وسٌرته ‪:‬‬ ‫‪ -‬المطلب الأول‪ :‬نسبه ومولده ونشؤته ‪.‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثانً ‪ :‬سٌرته العلمٌة ومنهجه فً التلقً ‪.‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثالث ‪ :‬وفاته وذكر بعض مآثره ‪.‬‬ ‫الفصل الأول‬ ‫َمالِك بٌن عصر النبوة وما بعده‬ ‫المبحث الأول‪:‬الحٌاة ال قافٌة والاجتماعٌة والسٌاسٌة فً عصر‬ ‫النبوة ‪.‬‬ ‫المطلب الأول الحٌاة ال قافٌة ‪:‬‬ ‫كان المجتمع المدنً قبل مجًر الإسلبم تسوده الحروب‬ ‫والمطاحنات بٌن القبٌلتٌن العربٌتٌن الأوس والخزرج‪ ،‬وكان ٌؽذي‬ ‫الفتنة وٌوقد نارها قً ذلك العصر‪ -‬الٌهود‪ ،‬من بنً قٌنقاع‪ ،‬وبنً‬‫قرٌظة‪ ،‬وبنً النضٌر‪ ،‬وكانوا ٌتو َّعدون العرب بقدوم ال َّنبً الجدٌد‪ ،‬نبً‬ ‫‪23‬‬

‫آخر الزمان‪ ،‬وكان هذا من بٌن الأسباب التً شرح الله بها صدور‬‫الأنصار من الأوس والخزرج إلى الإسلبم‪ ،‬حٌث شهد بصدقه صلى الله‬‫علٌه وسلم‪ ،‬العدو قبل الصدٌق‪ ،‬وقد قال له الحق تبارك وتعالى ‪َ (:‬ق ْد‬‫َن ْع َل ُم إِ َّن ُه لَ ٌَ ْح ُز ُن َك الَّ ِذي ٌَ ُقولُو َن َفإِ َّن ُه ْم لاَ ٌُ َك ِّذ ُبو َن َك َو َل ِك َّن ال َّظالِ ِمٌ َن ِبآ ٌَا ِت ال ّل ِه‬ ‫ٌَ ْج َح ُدو َن )( ) حٌث صرح الله تعالى فً هذه الآٌة الكرٌمة‪ ،‬بؤنه ٌعلم‬ ‫أن رسول الله صلى الله علٌه وسلم ٌحزنه ما ٌقوله الكفار من التكذٌب‬ ‫والأذى‪ ،‬وقد نها ه الله تعالى عن هذا الحزن المفرط علٌهم فً مواضع‬‫أخرى من كتاب الله منها قوله ‪ (:‬لَؾاَ َت ْذ َه ْب َن ْف ُس َك َع َل ٌْ ِه ْم َح َس َرا ٍت إِ َّن ال َّل َه‬ ‫َعلٌِ فٌم ِب َما ٌَ ْص َن ُعو َن) ( )‪.‬‬ ‫ومع هذا فهم فً قرارة أنفسهم ٌعلمون صدقه‪ ،‬ولكن دفعهم العناد‬ ‫والكبر إلى تكذٌبه‪ ،‬علٌه الصلبة والسلبم ‪.‬‬ ‫و مما ٌشهد بذلك‪ ،‬قصة إسلبم عبد الله بن سلبم‪ -‬رضً الله‪ -‬عنه‬‫وقد كان حبراً من أحبار الٌهود‪ ،‬وأعظمهم شؤناً‪ ،‬وأكرمهم خلقاً‪ ،‬ؾ لما‬‫سمع بمقدم رسول الله صلى الله علٌه وسلم المدٌنة فً بنً النجار‪ ،‬جاره‬ ‫مستعجلاً‪ ،‬وألقى إلٌه أسبلة لا ٌعلمها إلا نبً‪ ،‬ولما سمع ردوده صلى‬ ‫الله علٌه وسلم علٌها آمن به ساعته ومكانه‪ ،‬ثم قال له‪ :‬إن الٌهود قوم‬ ‫ُب ْه فٌت‪ ،‬إن علموا بإسلبمً قبل أن تسؤلهم َب َه ُتو ِنى عندك‪ ،‬فؤرسل رسول‬‫الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬فجارت الٌهود‪ ،‬ودخل عبد الله بن سلبم البٌت‪،‬‬ ‫فقال رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ :‬أي رجل فٌكم عبد الله بن سلبم؟‬ ‫قالوا‪ :‬أعلمنا وابن أعلمنا‪ ،‬وأخٌرنا وابن أخٌرنا ـ فقال رسول الله صلى‬ ‫‪ٍٛ -‬هح الأٔؼبَ ا‪٠٢‬خ ‪. 33‬لبي‬ ‫‪ٍٛ -‬هح فب‪ٛ‬و ا‪٠٢‬خ ‪. 8‬‬ ‫‪24‬‬

‫الله علٌه وسلم‪ :‬أفرأٌتم إن أسلم عبد الله؟ فقالوا‪ :‬أعاذه الله من‬ ‫ذلك‪ ،‬مرتٌن أو ثلبثا‪ ،‬فخرج إلٌهم عبد الله فقال‪ :‬أشهد أن لا إله إلا الله‪،‬‬ ‫وأشهد أن محم ًدا رسول الله‪ ،‬قالوا‪ :‬ش ُّرنا وابن ش ِّرنا‪ ،‬ووقعوا فٌه‪ ،‬وفً‬ ‫لفظ‪ :‬فقال‪ٌ :‬ا معشر الٌهود‪ ،‬اتقوا الله‪ ،‬فوالله الذي لا إله إلا هو‪ ،‬إنكم‬ ‫لتعلمون أنه رسول الله‪ ،‬وأنه جار بحق ‪ ،‬فقالوا‪ :‬كذبت ( )‪ ،‬فانظر إلى‬ ‫صدق عبد الله ابن سلبم ‪-‬رضً الله عنه‪ ،-‬وإلى زٌػ قومه وضلبلهم ‪.‬‬ ‫وٌقال أن فٌه نزل قول الحق تبارك وتعالى‪ ( :‬قُ ْل أَ َرأَ ٌْ ُت ْم إِن َكا َن ِم ْن‬ ‫ِعن ِد ال َّل ِه َو َك َف ْر ُتم بِ ِه َو َش ِه َد َشا ِه فٌد ِّمن َبنًِ إِ ْس َرابٌِ َل َعلَى ِم ْثلِ ِه َفآ َم َن‬ ‫َوا ْس َت ْك َب ْر ُت ْم إِ َّن ال َّلهَ لاَ ٌَ ْه ِدي ا ْل َق ْو َم ال َّظالِ ِمٌ َن)( ) ‪.‬‬ ‫ومع هذا فقد كان المجتمع الإسلبمً فً المدٌنة مجتمع دعو ٍة‪ ،‬ك ٌّل‬ ‫ٌحاول أن ٌخدم الإسلبم بما ٌستطً ع‪ ،‬وقد كان النبً صلى الله علٌه‬ ‫وسلم حرٌصاً على تعلٌمهم الدٌن والعلم‪ ،‬ومن ذالك قبوله علٌه الصلبة‬ ‫والسلبم أن تكون الفدٌة لأسرى المشركٌن ٌوم بد ٍر‪ ،‬تعلٌم عشر ٍة من‬ ‫المسلمٌن لقار إطلبق سراح أسٌ ٍر واح ٍد من المشركٌن‪ ،‬وكان أهل مكة‬ ‫ٌكتبون وأهل المدٌنة لا ٌكتبون‪ ،‬فمن لم ٌكن عنده فدا ٌفر دفع إلٌه عشرة‬ ‫ؼلمان من ؼلمان المدٌنة ٌعلمهم‪ ،‬فإذا حذقوا فهو فدار فٌ له ( ) ‪.‬‬ ‫المظاهر ال قافٌة ‪:‬‬‫‪ٕ-‬ؾ‪١‬ؼ اٌجقبه‪ ،ٞ‬وزبة ف‪ٚ‬بئً اٌٖؾبثخ‪ ،‬ثبة ٘غوح إٌج‪ ٍٕٝ ٟ‬الله ػٍ‪ ،ٍٍُٚ ٗ١‬ط ‪ٚ ،250 ٓ3‬أظو‪ٕ -‬ف‪ٟ‬‬ ‫اٌوؽّٓ اٌّجبهوف‪ٛ‬ه‪، ٞ‬اٌوؽ‪١‬ك اٌّقز‪ ،َٛ‬اٌغبِؼخ اٌٍَف‪١‬خ ‪ ،‬اٌ‪ٕٙ‬ل‪ٛ ،‬جبػخ اٌّىزت اٌغبِؼ‪ ٟ‬اٌؾل‪٠‬ش ‪،‬الاٍىٕله‪٠‬خ‪،‬‬ ‫ِٖو‪. 175 ٓ ،‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح الأؽمبف ا‪٠٢‬خ ‪. 10‬‬ ‫‪ٕ -‬ف‪ ٟ‬اٌل‪ ٓ٠‬اٌّجبهوف‪ٛ‬ه‪ ،ٞ‬اٌوؽ‪١‬ك اٌّقز‪. 221 ٓ، َٛ‬‬ ‫‪25‬‬

‫تعددت المظاهر الثقافٌة فً المجتمع الإسلبمً زمن الوحً‪ ،‬ومنها‬ ‫أن الصحابة رضوان الله علٌهم كانت لهم فنو ٌفن‪ ،‬وآداب‪ ،‬وشع فٌر وطب‬ ‫وعمارةفٌ‪ ،‬وعلى الرؼم من محدودٌة ذلك إلا أن الصحابة رضوان الله‬ ‫علٌهم‪ ،‬كان جل اهتمامهم بالعلوم التً تخدم الدٌن‪ ،‬وعلى رؼم كونهم‬ ‫أم ًة أمٌ ًة‪ ،‬فكان منهم من ٌوصؾ بالعلم والحكمة‪ ،‬كما وصؾ النبً‬ ‫صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬علٌاً‪ -‬رضً الله عنه‪ ،-‬وكان قد زوجه ابنته‬ ‫فاطمة‪ -‬رضً الله عنها‪ ،-‬فقالت للنبً صلى الله علٌه وسلم‪ :‬زوجتنٌه‬ ‫أعٌمش عظٌم البطن ! فقال النبً صلى الله علٌه وسلم‪ :‬لقد زوج ُت ِك ُه‬ ‫وإنه لأول أصحابً سلماً‪ ،‬وأكثرهم علماً‪ ،‬وأعظمهم حلماً) ( ) ‪.‬‬ ‫الطبٌعة العلمٌة للمجتمع الإسلامً أ ناء نزول الوحً ‪:‬‬ ‫أنزل الله عز وجل على نبٌه محم ٍد صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬القرآن‪،‬‬ ‫وكان هو مصدر التشرٌع والنبً علٌه الصلبة والسلبم‪ٌ ،‬قضً بالوحً‪،‬‬ ‫والصحابة رضوان الله علٌهم‪ٌ ،‬ستقون من النبع الصافً‪ ،‬ومن المعلم‬ ‫الأول مباشر ًة من دون واسط ٍة‪ٌ ،‬علمهم القرآن والسنة‪ ،‬وٌنصتون إلى‬ ‫تعالٌمه بكل انتباه‪ ،‬همهم مرضاة الله ورسوله‪ ،‬وإذا أشكل علٌهم شً ٌفر‪،‬‬ ‫أوالتبست علٌهم مسؤل فٌة‪ ،‬فإنهم ٌذهبون إلى الحبٌب مباشر ًة‪ْ ٌ ،‬ش ُكون إلٌه‬ ‫مشاكلهم‪ ،‬وٌستفتونه فً شإونهم‪ ،‬ومع هذا فهم ٌقومون بؤعبار الدعوة‬ ‫خٌر قٌا ٍم‪ ،‬من جها ٍد‪ ،‬وتبلٌ ٍػ‪ ،‬ودعو ٍة بالموعظة الحسن ِة ‪.‬‬‫‪ٍٛ٠ -‬ف اٌىبٔلٍ٘‪، ٞٛ‬رؾم‪١‬ك ِؾّل ّؾبرٗ ئثوا٘‪ِ، ُ١‬ؾّل ىق ‪،‬ؽ‪١‬بح اٌٖؾبثخ ‪ ،‬كاه إٌّبه اٌطجؼخ الأ‪، َ1997 ٌٝٚ‬‬ ‫ط‪. 219 ٓ 3‬‬ ‫‪26‬‬

‫قال تعالى ‪َ (:‬و َما َكا َن ا ْل ُم ْإ ِم ُنو َن لِ ٌَن ِف ُرو ْا َكآ َّف ًة َفلَ ْولاَ َن َف َر ِمن ُك ِّل ِف ْر َق ٍة‬ ‫ِّم ْن ُه ْم َطآبِ َف ٌفة لِّ ٌَ َت َف َّق ُهو ْا فًِ ال ِّدٌ ِن َولِ ٌُن ِذ ُرو ْا َق ْو َم ُه ْم إِ َذا َر َج ُعو ْا إِ َل ٌْ ِه ْم َل َعلَّ ُه ْم‬ ‫ٌَ ْح َذ ُرو َن)( ) ‪.‬‬‫قال قتادة فً هذه الآٌة‪ :‬هذا إذا بعث رسول الله صلى الله علٌه وسلم‬ ‫الجٌوش‪ ،‬أمرهم الله أن ٌؽزوا بنبٌه صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬وتقٌم‬‫طابفة فٌمع رسول تتفقه فً الدٌن‪ ،‬وتنطلق طابف فٌة تدعو قومها‪ ،‬وتذكرهم‬ ‫وقابع الله فٌمن خلب قبلهم‪ ،‬وقال الضحاك‪ :‬كان رسول الله صلى الله‬‫علٌه وسلم إذا ؼزا بنفسه لم ٌحل لأح ٍد من المسلمٌن أن ٌتخلؾ عنه إلا‬ ‫أهل الأعذار‪ ،‬وكان إذا أقام وأسرى السراٌا لم ٌحل لهم أن ٌنطلقوا إلا‬ ‫بإذنه‪ ،‬وكان الرجل إذا استرى ونزل قرآن‪ ،‬وتلبه نبً الله صلى الله‬ ‫علٌه وسلم على أصحابه القاعدٌن معه‪ ،‬فإذا رجعت السرٌة‪ ،‬قال لهم‬ ‫الذٌن أقاموا مع رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ :‬إن الله أنزل بعدكم‬ ‫على نبٌه قرآناً‪ ،‬فٌقرإونهم وٌفقهونهم فً الدٌن ( ) ‪.‬‬‫ومع قٌام الصحابة بؤعمال ال ُّنصرة‪ ،‬وأعبار الدعوة والجهاد فإن منهم‬ ‫من كان له اهتمامات بالتفقه فً أمورالدٌن‪ ،‬وتلقً العلم وتتبعه من‬ ‫المصدر الربٌسً‪ ،‬وهو رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬لأنه المخبر‬ ‫عن رب العزة جل شؤنه‪ ،‬كؤمثال عمر بن الخطاب‪ ،‬وعلً‪ ،‬وأبً‬ ‫هرٌرة‪ ،‬وعبد الله بن عمر‪ ،‬وؼٌرهم ‪.‬‬ ‫ٍ‪ٛ‬هح اٌز‪ٛ‬ثخ ا‪٠٢‬خ ‪.122‬‬ ‫‪ -‬رفَ‪١‬و ثٓ اٌىض‪١‬و ِىزجخ إٌ‪ٚٙ‬خ اٌطجؼخ الأ‪ ، َ1965 ٌٝٚ‬ط ‪. 429 ٓ 2‬‬ ‫‪27‬‬

‫فً الوقت الذي كان فٌه الرسول صلى الله علٌه وسلم بٌن ظهرانٌهم‪،‬‬ ‫والوحً ٌنزل علٌه من ربه‪ ،‬كان هذا هو المصدر الوحٌد للتشرٌع‪،‬‬ ‫ومع ذلك كان للصحابة رضوان الله علٌهم اجتهادا فٌت فً عدة مسابل‬ ‫وقضاٌا مختلفة‪ ،‬كانت تهم المسلمٌن آنذاك‪ ،‬وكان علٌه الصلبة والسلبم‬ ‫ٌإٌد بعضها‪ ،‬وٌرد بعضها‪ ،‬وٌسكت عن بعضها‪ ،‬والقول الفصل له‪،‬‬ ‫وهو الذي ٌمثل السلطة العلٌا فً ذلك المجتمع الفتً ‪.‬‬ ‫وقد وقع الاجتهاد زمن النبً صلى الله علٌه وسلم‪ٌ ،‬قول الإِ َمام بن‬ ‫القٌم رحمه الله‪ ( :‬وقد اجتهد الصحابة فً زمن النبً صلى الله علٌه‬ ‫وسلم فً كثٌ ٍر من الأحكام‪ ،‬ولم ٌعنفهم الرسول صلى الله علٌه وسلم‪،‬‬ ‫كما أمرهم ٌوم الأحزاب أن ٌصلوا فً بنً قرٌظة‪ ،‬فاجتهد بعضهم‬ ‫وصلبها فً الطرٌق‪ ،‬وقالوا‪ :‬لم ٌرد منا التؤخٌر‪ ،‬وإنما أراد سرعة‬ ‫النهوض‪ ،‬حٌث نظروا إلى المعنى‪ ،‬واجتهد آخرون وأ َّخروها إلى بنً‬ ‫قرٌظة‪ ،‬فصلَّوها لٌلبً‪ ،‬إ ْذ نظروا إلى اللَّفظ‪ ،‬وهإلار سلؾ أهل الظاهر‪،‬‬ ‫وأولبك سلؾ أصحاب المعانً والقٌاس)( )‪ ،‬وهذا لا ٌعنً أن هذه هً‬ ‫مظاهر الثقافة فحسب بل كان هناك عدة ثقافات فً مجتمع الصحابة‪،‬‬ ‫تمثلت فً الدعوة‪ ،‬والشعر‪ ،‬وؼٌرها من أدبٌات الثقافة التً كانت سابد ًة‬ ‫فً ذلك العصر‪ ،‬وتبوأ الصحابة المكانة العالٌة الرفٌعة فٌها ‪.‬‬ ‫المطلب الُ انً ‪ :‬الحٌاة الاجتماعٌة زمن النبوة ‪:‬‬ ‫‪ -‬ال ِإ َِبَ ثٓ ل‪ ُ١‬اٌغ‪ٛ‬ى‪٠‬خ‪،‬أػلاَ اٌّ‪ٛ‬لؼ‪ ٓ١‬ػٓ هة اٌؼٍّ‪ ، ٓ١‬رؾم‪١‬ك ه‪ٛٙ‬اْ عبِغ ه‪ٛٙ‬اْ‪ِ ،‬ىزجخ الإ‪ّ٠‬بْ‪ ،‬أِبَ‬‫عبِؼخ الأى٘و ‪ِٖ ،‬و‪ ،‬ثل‪ ْٚ‬ربه‪٠‬ـ ‪ٛ‬جبػخ )‪ٚ 45 ٓ.‬أظو ‪١ٍ /‬ل ِؾّل ِ‪ ٍٝٛ‬ر‪ٛ‬أب ‪ ،‬هٍبٌخ كوز‪ٛ‬هاح ‪،‬الاعز‪ٙ‬بك‬ ‫‪ِٚ‬ل‪ ٜ‬ؽبعخ إٌبً ئٌ‪ ٗ١‬ف‪٘ ٟ‬نا اٌؼٖو‪ ،‬كاه اٌىزت اٌؾل‪٠‬ضخ ‪ِٖ ،‬و ‪. 30 ٓ ، 1972‬‬ ‫‪28‬‬

‫بعث النبً صلى الله علٌه وسلم فً أم ٍة تعظم الأنساب‪ ،‬وتحترم‬ ‫الأسرة والقبٌلة‪ ،‬على الرؼم من بعض مظاهر الجاهلٌة التً كانت‬ ‫سابد ًة‪ ،‬قبل مبعثه علٌه الصلبة والسلبم‪ ،‬كوأد البنات‪ ،‬وبعض الأنكحة‬ ‫الفاسدة‪ ،‬كنكاح الاستبضاع( ‪ ،)‬وبعض مظاهر الدعارة التً قضى‬ ‫علٌها الإسلبم( )‪ ،‬ومع هذا فقد كانت فً أشرافهم من مظاهر العفة‬ ‫والشرؾ ما ٌفوق الوصؾ‪ ،‬وقد جار الإسلبم وعزز هذه المظاهر‬ ‫الاجتماعٌة القوٌة‪ ،‬ونظمها فنظم الزواج وح َّكمه ووضع له شروطه‪،‬‬ ‫وبٌن أن العلبقة مع الرجل وزوجته علبقة مود ٍة ورحمة‪ ،‬وعلبقة ألف ٍة‬ ‫وعط ٍؾ‪ ،‬قال تعالى ممت ّناً على عباده بهذه النعمة العظٌمة‪َ (:‬و ِم ْن آ ٌَا ِت ِه‬ ‫أَ ْن َخ َل َق لَ ُكم ِّم ْن أَنفُ ِس ُك ْم أَ ْز َواجاً لِّ َت ْس ُك ُنوا إِلَ ٌْ َها َو َج َع َل َب ٌْ َن ُكم َّم َو َّد ًة َو َر ْح َم ًة‬ ‫إِ َّن فًِ َذلِ َك لاَ ٌَا ٍت لِّ َق ْو ٍم ٌَ َت َف َّك ُرو َن )( ) ‪.‬‬ ‫وب ٌَّن أن النسار شقابق الرجال لهن مالهم‪ ،‬وعلٌهن ما علٌهم‪ ،‬ك ٌّل‬ ‫حسب ما هٌؤه الله تعالى له من خصابص‪ ،‬بحٌث لا تؤخذ المرأة وظٌفة‬ ‫الرجل‪ ،‬ولا العكس‪ ،‬وجدٌ ٌفر بالذكر أن نذكر هنا‪ -‬أن الإسلبم وجد‬ ‫المرأة محروم ًة‪ ،‬مضطهد ًة مهان ًة‪ ،‬سلع ًة تباع وتشترى‪ٌ ،‬ستعملها الرجل‬ ‫لمتعته وإشباع ؼرابزه‪ ،‬فقضى على كل ذلك وبٌن أن لها حقوقاً تصان‬ ‫فً هذا الدٌن‪ ،‬وأنها كاب ٌفن محترم وعنص ٌفر بنا ُر‪ ،‬وأ َّن لها حقوقاً فً‬ ‫المٌراث‪ ،‬ولها الحق فً اختٌار الزوج الذي ترضاه‪ ،‬وازدان المجتمع‬ ‫الإسلبمً بمبادبه التً صٌرت المرأ َة الموإود َة فً الجاهلٌة‪ -‬فخراً‬‫‪ٔ ‬ىبػ الاٍزج‪ٚ‬بع ِٓ الأٔىؾخ اٌفبٍلح اٌز‪ ٟ‬وبٔذ ٍبئل ًح ف‪ ٟ‬اٌغبٍ٘‪١‬خ فمل وبْ اٌوعً ف‪ ٟ‬اٌغبٍ٘‪١‬خ ‪٠‬م‪ٛ‬ي لاِوأرٗ أهٍٍ‪ٟ‬‬ ‫ئٌ‪ ٝ‬فلاْ فبٍزج‪ٚ‬ؼ‪٠ٚ ِٕٗ ٟ‬ؼزيٌ‪ٙ‬ب ى‪ٚ‬ع‪ٙ‬ب ‪ٚ‬لا ‪َّٙ٠‬ب ؽز‪٠ ٝ‬زج‪ ٓ١‬ؽٍّ‪ٙ‬ب ِٓ مٌه اٌوعً ‪.‬‬ ‫‪ -‬اٌوؽ‪١‬ك اٌّقز‪. 42 ٓ َٛ‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌو‪ َٚ‬ا‪٠٢‬خ ‪. 20‬‬ ‫‪29‬‬

‫للمجتمع بالعلم والفضل‪ -‬حٌث نالت ح َظ ًًا وافراً من العلم والمعرفة‪،‬‬ ‫وشرٌك ًة مساوٌ ًة فً الحقوق مع الرجل‪ ،‬وأصبحت لها قٌمة إنسانٌ ٌفة‬ ‫عالٌ فٌة‪ ،‬وصار من أزواجه علٌه الصلبة والسلبم‪ ،‬المعلمات اللواتً لا‬ ‫ٌشق لهن ؼبا فٌر‪ ،‬واللبَتً ٌرجع إلٌهن أبو بك ر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان‪،‬‬ ‫ومعاوٌ ُة ًَ‪ ،‬وؼٌرهم ‪.‬‬ ‫وكان علٌه الصلبة والسلبم ٌعقد حلقة الدرس للرجال والنسار‪ ،‬ثم‬ ‫طلبت النسار لهن ٌوماً ؼٌر ٌوم الرجال‪ ،‬فكان لهن ٌومهن‪ ،‬وفً ٌوم‬ ‫الحدٌبٌة لم ٌنحرالناس‪ ،‬ولم ٌهدوا‪ ،‬ولم ٌحلقوا رإوسهم‪ ،‬فؤفضى النبً‬ ‫صلى الله علٌه وسلم إلى أم سلمة بما صنعوا‪ ،‬فؤشارت علٌه بؤن ٌنحر‪،‬‬‫وٌهدي‪ ،‬وٌحل‪ ،‬واتبع مشورتها‪ ،‬فهدى الله الناس فصنعوا مثل ما صنع‪،‬‬ ‫وما كان رجوعه إلٌها إلا احتراماً لرأٌها‪ ،‬وكانت سنته المشورة علٌه‬ ‫الصلبة والسلبم)( ) ‪.‬‬ ‫الأسرة وأحكامها ‪:‬‬ ‫كانت الحٌاة الاجتماعٌة فً المدٌنة تبعاً للحٌاة الثقافٌة‪ ،‬فبعد مقدم‬ ‫النبً صلى الله علٌه وسلم المدٌنة‪ ،‬صارت بٌوتات المدٌنة‪ ،‬وعوابل‬ ‫المدٌنة‪ -‬الرجال والنسار‪ -‬الك ُّل ٌتابع محمداً علٌه الصلبة والسلبم‬ ‫وٌتطلع إلى أخباره‪ ،‬النسار فً المدٌنة ٌتعلمن على أٌدي أمهات‬‫المإمنٌن‪ ،‬وٌسؤلنه َّن عن أدق التفاصٌل فً الحٌاة الزوجٌة‪ ،‬وكٌؾ تكون‬ ‫المعاملة المثلى للزوج‪ ،‬وما هً حقوق الزوجة على زوجها‪ ،‬وحقوق‬ ‫الزوج على زوجته‪ ،‬فقد ن َّظم الإسلبم الأسرة ووضع لها دستور حٌا ٍة‬ ‫‪ -‬ػجل اٌؾٍ‪ ُ١‬اٌغٕل‪َِ ،ٞ‬ب ٌِه ثٓ أٌٔ ئِبَ كاه اٌ‪ٙ‬غوح‪ -‬كاه اٌّؼبهف اٌّٖو‪٠‬خ ‪15ٓ َ1969‬‬ ‫‪30‬‬

‫كفٌ ٍل بؤن ٌجعل الزوجٌن فً ؼاٌة السعادة لو تمسكا به ح َّق التمسك‪،‬‬ ‫وقاما به ح َّق قٌا ٍم‪ ،‬وقد بٌن القرآن الكرٌم ح َّق ك ٍّل من الزوجٌن على‬‫الآخر‪ ،‬حٌث قال تعالى ‪َ ( :‬و َل ُه َّن ِم ْث ُل الَّ ِذي َع َل ٌْ ِه َّن ِبا ْل َم ْع ُرو ِؾ َولِل ِّر َجا ِل‬ ‫َع َل ٌْ ِه َّن َد َر َج ٌفة َوال ّلهُ َع ِزٌ ٌفز َح ُكٌ فٌم ) ( ) ‪.‬‬ ‫ب ٌَّن أحكام الطلبق‪ ،‬وكانت المسؤلة فً الطلبق‪ ،‬أو فً الظهار‬ ‫تطرح ب ٌْن ٌدي رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬وٌضع لها الحل‬ ‫المناسب‪ ،‬بما ٌوحى إلٌه من ربه‪ ،‬فً وسط هذا المجتمع المدنً‬ ‫المتواضع‪ ،‬الذي بناه النبً صلى الله علٌه وسلم على الألفة والمحبة‪،‬‬ ‫تطرح قضٌة مثل قضٌ ِة الظهار أو الطلبق علٌه‪ ،‬فٌضع لها الحل‬ ‫الناجع من ؼٌر تعقٌد ولا عداوا ٍت‪ ،‬ولا اعتدارا ٍت‪ ،‬والك ُّل را ٍض بحك ِم‬ ‫الله ورسوله‪.‬‬ ‫المطلب الُ الث ‪ :‬الحٌاة السٌاسٌة ‪:‬‬‫لقد كان للحٌاة السٌاسٌة فً فجر الإسلبم الأول تؤثٌ فٌر كبٌ فٌر على نشؤة‬ ‫العلوم والثقافات الإسلبمٌة‪ ،‬وأثرت كذلك على الأجٌال المتعاقبة من‬ ‫الصحابة والتابعٌن‪ ،‬من حٌث نظرتهم للدٌن وشرابعه‪ ،‬وفهمهم‬‫لمقتضٌات العقٌدة الإسلبمٌة‪ ،‬وٌمكن تقسٌم تطور المناهج السٌاسٌة فً‬ ‫العهد الأول من الدولة الإسلبمٌة الكبرى إلى النحو الآتً ‪:‬‬ ‫الطبٌعة السٌاسٌة للعهد النبوي ‪:‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌجموح ا‪٠٢‬خ ‪228‬‬ ‫‪31‬‬

‫و َّفق الله عز وجل نبٌه محمداً صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬إلى خطوا ٍت كان‬ ‫لها الأثر الكبٌر فً صٌانة الدٌن‪ ،‬وقٌام الدعوة‪ ،‬ونصرة التوحٌد‪ ،‬كٌؾ‬ ‫لاٌكون كذلك‪ ،‬وهً الحكمة التً ٌهدي إلٌها الحق تبارك وتعالى من‬‫اصطفى من عباده‪ ،‬وقد قال فٌه الحق تبارك وتعالى( ٌَا أَ ٌُّ َها ال َّنبِ ًُّ إِ َّنا‬‫أَ ْر َس ْل َنا َك َشا ِهداً َو ُم َب ِّشراً َو َن ِذٌراً َو َدا ِعٌاً إِلَى ال َّل ِه ِبإِ ْذنِ ِه َو ِس َراجاً ُّم ِنٌراً )( )‬‫وقد كان علٌه الصلبة والسلبم‪ ،‬بما ٌوحى إلٌه من الله تبارك وتعالى هو‬‫المصدر الوحٌد للتشرٌع‪ ،‬وكل أدلة القرآن تدل – كما قال الشاطبً –‬‫على أن ما جار به الرسول‪ ،‬وكل أم ٍر أمر به ونهى عنه‪ ،‬فهو لاح ٌفق فً‬ ‫الحكم بما جار به فً القرآن ( ) ‪.‬‬ ‫وٌمكن أن نل ِّخص أهم السٌاسات التً اتبعها النبً صلى الله علٌه‬ ‫وسلم طٌلة أٌام بعثته فٌما ٌلً ‪:‬‬ ‫‪ -‬الإسرار بالدعوة فً أول بعثته علٌه الصلبة والسلبم ‪.‬‬ ‫‪ -‬أمره للمستضعفٌن من أصحابه بالهجرة إلى الحبشة ‪.‬‬ ‫‪ -‬الدعوة للئسلبم خارج مكة ‪.‬‬‫‪ -‬مباٌعة الأوس والخزرج للنبً صلى الله علٌه وسلم على النصرة‬ ‫والمنعة‪ ،‬على عامٌن‪ ،‬وهو ما ٌسمٌه أهل السٌر بٌعتً العقبة ‪.‬‬‫‪ -‬الهجرة إلى المدٌنة ومباٌعة الأنصار له على النصرة والمنعة لنشر‬ ‫رسالة الله ‪.‬‬‫‪،َ1980‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح الأؽياة ا‪٠٢‬خ ‪46 -45‬‬ ‫‪ٕ --‬جؾ‪ ٟ‬اٌٖبٌؼ‪ ،‬إٌظُ الإٍلاِ‪١‬خ ْٔأر‪ٙ‬ب ‪ٚ‬رط‪ٛ‬ه٘ب‪ ،‬كاه اٌؼٍُ ٌٍّلا‪ ،ٓ١٠‬ث‪١‬و‪ٚ‬د‪ ،‬اٌطجؼخ اٌقبَِخ‬ ‫ٓ ‪. 232‬‬ ‫‪32‬‬

‫‪ -‬المعاهدات التً أجراها صلى الله علٌه وسلم مع القبابل‬ ‫المتاخمة للمدٌنة وموادع هت للٌهود ‪.‬‬ ‫‪ -‬مإاخاته صلى الله علٌه وسلم بٌن المهاجرٌن والأنصار من‬ ‫الأوس والخزرج فً المدٌنة المنورة ‪.‬‬‫‪ -‬الؽزوات والسراٌا التً قام بها النبً صلى الله علٌه وسلم وأصحابه‬ ‫الذٌن صدقوا ما عاهدوا الله علٌه من إعلبر كلمة الله‪ ،‬والذود عن‬ ‫حٌاض الإسلبم ‪.‬‬ ‫‪ -‬معاهدة صلح الحدٌبٌة‪ ،‬والحكمة النبوٌة التً تجلت فً ذلك‬ ‫الموقؾ العصٌب الذي مر به المسلمون‪ ،‬وقبوله صلى الله علٌه وسلم‬ ‫بشروط المشركٌن‪ ،‬والتً كان فً ظاهرها مكسب للكفار‪ ،‬لكن النبً‬ ‫صلى الله علٌه وسلم أدرك بما أوحى إلٌه ربه من القرآن والحكمة‪ ،‬أن‬ ‫هذا بداٌة الفتح‪ ،‬حٌث أنزل الله علٌه قوله تعالى ‪ (:‬إنا فتحنا لك فتحاً‬ ‫مبٌناً )( ) ‪.‬‬ ‫‪ -‬إرسال الرسل والدعاة‪ ،‬إلى الملوك والقادة والأمرار فً بقاع‬ ‫الأرض فً ذلك الزمان‪ ،‬ودعوتهم للئسلبم ‪.‬‬ ‫‪ -‬القضار على الٌهود الذٌن ؼدروا بالمسلمٌن و نقضوا العهود‪،‬‬ ‫وإبعادهم عن المدٌنة ( )‪.‬‬ ‫‪ٍٛ-‬هح اٌفزؼ ا‪٠٢‬خ ‪. 1‬‬ ‫‪ -‬اٌوؽ‪١‬ك اٌّقز‪. 112 ٓ،َٛ‬‬ ‫‪33‬‬

‫ولا ٌخفى أن للرسول صلى الله علٌه وسلم سٌاسات ونظماً أخرى‬ ‫مارسها وبخاص ٍة فً العصر المدنً‪ ،‬من حٌاته علٌه الصلبة والسلبم‪،‬‬‫حٌن أنشؤ ما ٌمكن أن ٌسمى بالحكومة المركزٌة‪ ،‬التً كان لا ٌقطع أم فٌر‬ ‫فٌما ٌخص شإون المسلمٌن إلا بالرجوع إلٌها‪ ،‬والرسول صلى الله‬ ‫علٌه وسلم هو الحاكم بما ٌوحى إلٌه‪ ،‬وبما ٌراه من أحكا ٍم فً مختلؾ‬ ‫القضاٌا‪ ،‬وإذا صح التعبٌر فقد كان وزٌراه العمران أبو بك ٍر الصدٌق‪،‬‬‫وعمر الفاروق‪ -‬رضً الله عنهما‪ ،-‬فقد كان ٌستشٌرهما‪ ،‬وٌؤخذ برأٌهما‬ ‫‪.‬‬ ‫ولم ٌهمل‪ -‬الرسول صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬الأخذ برأي أصحاب‬‫الرأي من باقً الصحابة رضوان الله علٌهم‪ ،‬كعلً‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وسعد بن‬ ‫معاذ‪ ،‬وؼٌرهم‪ ،‬كما أخذ بمشورة الحباب بن المنذر فً موقع المسلمٌن‬ ‫فً ؼزوة بد‪ ،‬وبرأي سلمان الفارسً‪ -‬رضً الله عنه‪ -‬فً حفر‬ ‫الخندق‪ ،‬وأخذه علٌه السلبم بمشورة أم سلمة ٌوم الحدٌبٌة ‪.‬‬ ‫فلم ٌكن مستبداً علٌه الصلبة والسلبم‪ ،‬وحاشاه أن ٌكون كذلك‪ ،‬وقد‬ ‫علمه ربه فؤحسن تعلٌمه‪ ،‬وأدبه فؤحسن تؤدٌبه‪ ،‬وزكاه وطهره تطهٌراً‪،‬‬ ‫وذلك لٌرسً مبدأ الشورة فً المدٌنة المنورة‪ ،‬منبع الدعوة والهدى‪،‬‬ ‫ولٌتؤسى به من ٌؤتً من بعد من سابر الأمة من فقهار وعلمار‪ ،‬وهو‬‫المتمثل بقول الحق تبارك وتعالى حٌث قال عز من قابل‪َ ( :‬فا ْع ُؾ َع ْن ُه ْم‬ ‫َوا ْس َت ْؽ ِف ْر َل ُه ْم َو َشا ِو ْر ُه ْم فًِ الاَ ْم ِر َفإِ َذا َع َز ْم َت َف َت َو َّك ْل َعلَى ال ّل ِه إِ َّن ال ّل َه‬ ‫ٌُ ِح ُّب ا ْل ُم َت َو ِّكلٌِ َن)( ) ‪.‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح آي ػّواْ ا‪٠٢‬خ ‪. 59‬‬ ‫‪34‬‬

‫طبٌعة الحٌاة السٌاسٌة بعد وفاة الرسول صلى الله علٌه وسلم ‪:‬‬ ‫العهد الراشدي‪ 11( :‬هـ‪632/‬م‪40 -‬هـ‪661/‬م) ‪:‬‬‫فً عهد الخلٌفتٌن أبً بكر‪ ،‬وعمر ‪ ،‬وصدر خلبفة عثمان ‪ ،‬فتح ت‬ ‫الشام والعراق ومصر وفارس‪ ،‬وقد حمل العرب إلى تلك الأقطار‬‫مبادىر دٌنهم الحنٌؾ فاتحٌن بالكلمة الطٌبة والقدوة الحسنة ‪ ،‬وأقبل‬‫أهلها على اعتناقه لسمو مبادبه ‪ ،‬وذلك طواعٌ ًة واختٌاراً ‪ ،‬ودون إكرا ٍه ‪،‬‬‫عملبً بقول الله تعالى‪( :‬لاَ إِ ْك َرا َه فًِ ال ِّدٌ ِن َقد َّت َب ٌَّ َن ال ُّر ْش ُد ِم َن ا ْل َؽ ًِّ ) ( )‬ ‫‪.‬‬ ‫وقوله تعالى‪ ( :‬ا ْد ُع إِلِى َسبٌِ ِل َر ِّب َك ِبا ْل ِح ْك َم ِة َوا ْل َم ْو ِع َظ ِة ا ْل َح َس َن ِة‬ ‫َو َجا ِد ْل ُهم بِالَّ ِتً ِه ًَ أَ ْح َس ُن إِ َّن َر َّب َك ُه َو أَ ْع َل ُم ِب َمن َض َّل َعن َس ِبٌلِ ِه َو ُه َو‬ ‫أَ ْعلَ ُم بِا ْل ُم ْه َت ِدٌ َن)( ) ‪.‬‬ ‫وكانت المدٌنة المنورة‪ -‬ومسجد الرسول‪ -‬صلى الله علٌه وسلم‪ -‬قبلة‬ ‫القاصدٌن‪ ،‬والجامعة العلمٌة‪ ،‬والمإسسة التربوٌة‪ ،‬إلٌها ٌفد المسلمون‬ ‫من مختلؾ بلبد الإسلبم لتعلم الدٌن‪ ،‬والتعرؾ على صحابة رسول الله‬ ‫المقربٌن‪ ،‬الذٌن كانوا ٌعرفونه علٌه الصلبة والسلبم كما ٌعرفون‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌجموح ا‪٠٢‬خ‪. 256‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح إٌؾً‪. 125 :‬‬ ‫‪35‬‬

‫أبنارهم‪ ،‬وعلى الرؼم من تتابع الفتوحات واتساع رقعة الإسلبم‪ ،‬إلا أن‬ ‫كبار الصحابة وفقهارهم‪ ،‬وأصحاب الرأي والمشورة منهم‪ ،‬لم ٌبرحوا‬ ‫المدٌنة إلى ؼٌرها‪ ،‬بل فضلوا الإقامة فٌها بجوار الحبٌب المصطفى‬ ‫علٌه الصلبة والسلبم‪ ،‬وفضلوا أن ٌختم لهم بخٌ ٍر‪ ،‬فٌدفنون فً البقٌع‬ ‫فً خٌر جوا ٍر‪ ،‬وكٌؾ لا؟ وقد سمعوا مقال الرسول فً المدٌنة والح ِّث‬ ‫على البقار فٌها‪ ،‬قال صلى الله علٌه‪( :‬صلبة ٌففً مسجد المدٌنة بعشرة‬ ‫آلاؾ صلب ٍة ‪ ،‬وصلب فٌة فً المسجد الأقصى بؤلؾ صلب ٍة‪ ،‬وصلب فٌة فً‬ ‫المسجد الحرام بماب ِة ألؾ صلب ٍة( )‪ ،‬وقال علٌه الصلبة والسلبم‪( :‬من‬ ‫استطاع أن ٌموت بالمدٌن ِة فلٌمت فإنه لن ٌموت بها أح ٌفد إلا كنت له‬ ‫شفٌعاً ٌوم القٌامة)( )‪ ،‬ومع هذا كله ل َّما تتابعت الفتوحات‪ ،‬و أقبل كثٌر‬ ‫من أهل البلبد المفتوحة على الإسلبم‪ ،‬نشؤت الطبقة المعروفة \"بطبقة‬ ‫الموالً\" فً تلك البلبد ‪.‬‬ ‫ولا شك أن نجاح العرب فً فتوحاتهم فً هذا الطورالأول ٌرجع إلى‬ ‫قوة إٌمانهم واتحادهم‪ ،‬وإلى نظرتهم العادلة إلى أهل البلبد المفتوحة ‪،‬‬ ‫فكانوا ٌكتفون بالجزٌة من أهل الكتاب من الٌهود والنصارى‪ ،‬حتى‬ ‫عندما فتحوا بلبد فارس أنزلوا المجوس (الزرادشتٌة) منزلة أهل‬ ‫الكتاب‪ ،‬واكتفوا منهم بالجزٌة‪.‬‬‫‪ ٍٕٓ -‬ثٓ ِبعخ وزبة ئلبِخ اٌٖلاح ‪ٚ‬إٌَخ ف‪ٙ١‬ب‪ ،‬ثبة ِب عبء ف‪ ٟ‬ف‪ ًٚ‬اٌٖلاح ف‪ ٟ‬اٌَّغل اٌؾواَ ‪ ،‬ط ‪،202 ٓ 1‬‬ ‫هاعغ ئؽ‪١‬بء ػٍ‪ َٛ‬اٌل‪ٌٍ ، ٓ٠‬غياٌ‪ ، ٟ‬كاه اٌّؼوفخ ‪،‬ث‪١‬و‪ٚ‬د ‪ ،‬ط‪. 244 ٓ 1‬‬ ‫‪ ٍٕٓ -‬اٌزوِن‪ ِٓ ٞ‬ؽل‪٠‬ش اثٓ ػّو ‪ ٚ‬لبي اٌزوِن‪ ٞ‬ؽل‪٠‬ش ؽَٓ ٕؾ‪١‬ؼ‪ٚ ،‬أظو‪ -‬ئؽ‪١‬بء ػٍ‪ َٛ‬اٌل‪ٌٍ ٓ٠‬غياٌ‪،ٟ‬‬ ‫ٓ ‪. 244‬‬ ‫‪36‬‬

‫المبحث ال انً‪ :‬الحٌاة السٌاسٌة وال قافٌة قبٌل وأ ناء عصر َمالِك‪،‬‬ ‫وفً عهد الخلافة الأموٌة (‪)132-72‬والعباسٌة (‪132‬ـ ‪)232‬هـ ‪.‬‬ ‫أولالًا ‪ :‬الحالة السٌاسٌة ‪:‬‬ ‫توحدت الدولة الإسلبمٌة‪ ،‬وقوي شؤنها فً عهد الأموٌٌن‪ ،‬بعد ما‬ ‫مرت به من محن وفت ٍن‪ ،‬ثم شار الله‪ -‬عز وجل‪ -‬أن ٌجمعهم على كلم ٍة‬ ‫سوا ٍر فً هذه الحقبة من الزمان‪ ،‬لتتسع الفتوحات فً هذا العصر حتى‬ ‫تشمل الهند والسند شرقاً‪ ،‬وبلبد المؽرب والأندلس ؼرباً‪ ،‬وكانت الكلمة‬ ‫مجتمع ًة فً عهد عبد الملك بن مروان‪ ،‬بعد مقتل ابن الزبٌر‪ -‬رضً‬ ‫الله عنه‪ ،) (-‬على ٌد الحجاج ابن ٌوسؾ الثقفً ‪.‬‬ ‫وحٌنما تولى عمر بن عبد العزٌزالخلبفة بعد سلٌمان بن عبد الملك‪،‬‬ ‫قام بالعدٌد من الإصلبحات الإدارٌة والمالٌة‪ ،‬منطلقاً بذلك من أسس‬ ‫شرعٌة إسلبمٌة‪ ،‬لأنه هو الخلٌفة الأموي الذي ٌعتبر أكثر تمسكاً‬ ‫بالدٌن‪ ،‬وإحٌا ًر للشرٌعة الإسلبمٌة‪ ،‬وجعلها الموجه العام لسٌاسة الدولة‪،‬‬ ‫ومن أعمال عمر بن عبد العزٌز‪ ،‬على سبٌل المثال‪ ،‬قٌامه بتوزٌع‬ ‫العطار على العرب‪ ،‬وؼٌر العرب ممن كانوا ٌحاربون مع العرب فً‬ ‫العدٌد من البلدان‪ ،‬كخراسان‪ ،‬والمؽرب‪ ،‬والأندلس ‪.‬‬‫‪ ٛ٘ -‬أث‪ ٛ‬ثىو‪٠ٚ ،‬مبي أث‪ٛ‬فج‪١‬ت‪،‬أِ‪١‬و اٌّإِٕ‪ ٓ١‬ػجل الله ثٓ اٌيث‪١‬و ثٓ اٌؼ‪ٛ‬اَ‪ٚ ،‬أِٗ أٍّبء ثٕذ أث‪ ٟ‬ثىو اٌٖل‪٠‬ك ‪،‬‬ ‫ماد إٌطبل‪، ٓ١‬‬ ‫‪ٌٚ‬ل ٍٕخ ‪٘2‬ـ ‪ٚ ،‬ر‪ٛ‬ف‪ٍٕ ٟ‬خ ‪٘73‬ـ فوؽّٗ الله ‪ٚ‬ه‪ ٟٙ‬ػٕٗ ( اٌجلا‪٠‬خ ‪ٚ‬إٌ‪ٙ‬ب‪٠‬خ لاثٓ وض‪١‬و ط‪.)281 ٓ8‬‬ ‫‪37‬‬

‫وبعد وفاة عمر بن عبد العزٌز‪ ،‬عاد الأموٌون إلى سابق عهدهم‪،‬‬ ‫كما حدث فً خلبفة هشام بن عبد الملك‪ ،‬الذي لم ٌكن كسابقه من‬ ‫حٌث الاهتمامات الدٌنٌة‪ ،‬واعتبرها من اختصاص المشاٌخ والفقهار( )‪.‬‬ ‫ولقد كان لبعض الأمرار الأموٌٌن فض فٌل فً ازدهار بعض العلوم‬ ‫الإسلبمٌة‪ ،‬فقد قربوا بعض رجال الدٌن‪ ،‬وجعلوا لهم مكان ًة وقدراً ‪.‬‬ ‫وفً هذا العصر أٌضاً اشتهر َمالِك والأوزاعً( )‪ ،‬وكذلك قربوا‬ ‫الإِ َمام العلَم رجار بن حٌوة( )‪ ،‬وبالرؼم م َّما قٌل عن بعض الأمرار‬ ‫الأموٌٌن‪ ،‬فإن هذا لا ٌمنع أنهم كانوا رجالاً عظاماً‪ ،‬وضعوا للئسلبم‬ ‫عامة نظرٌة خالدة‪ ،‬هً أن بلوغ المجد والرقً‪ ،‬لا تتؤتى إلا من خلبل‬ ‫التعاون الصادق فً كل مٌادٌن الحٌاة‪ ،‬وقد جارت أهمٌتها فً المقام‬ ‫الأول من التوحد على هذا الدٌن‪ ،‬والأخذ بالعزٌمة‪ ،‬ومعاملة الفتنة‬ ‫بالحزم‪ ،‬وعدم التساهل فً أمور الدولة‪ ،‬ومن ٌدرس الحالة السٌاسٌة‬ ‫فً عصر َمالِك‪ٌ ،‬جد أنها كانت بٌن م ٍّد وجز ٍر‪ ،‬ولم تكن على وتٌرة‬ ‫واحدة‪ ،‬بل كانت تهدأ أحٌاناً وتعصؾ أحٌاناً‪ ،‬تعلو مرة وتهبط أخرى‪،‬‬ ‫حٌث ظهر الخوارج‪ ،‬فؤقضوا مضاجع الدولة الأموٌة‪ ،‬والشٌعة فً‬ ‫العصر العباسً الذهبً‪ ،‬ومع ذلك لم ٌُعدم الأمن‪ ،‬ونجد هٌبة الدولة‬ ‫‪ -‬تاريخ الطبري‪ ،‬لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري‪ ،‬مؤسسة عز الدين لمطباعة‪ ،‬بيروت لبنان‪ ،‬الطبعة الأولى‬ ‫‪1985‬ج ‪ 66‬ص ‪ 570‬وج ‪ 7‬ص ‪.36‬‬‫‪ ٛ٘-‬أث‪ٛ‬ػّو‪ ٚ‬ػجل اٌوؽّٓ ثٓ ػّو‪ ٚ‬ثٓ ‪٠‬ؾّل‪ ،‬فم‪ ٗ١‬اٌْبَ‪ ،‬لبي ػجل اٌوؽّبْ ثٓ ِ‪ٙ‬ل‪ِ ٞ‬ب وبْ أؽل ثبٌْبَ أػٍُ ِٓ‬ ‫الأ‪ٚ‬ىاػ‪ٛ( ،ٟ‬جمبد اٌفم‪ٙ‬بء ٌٍْ‪١‬واى‪. )83 ٓ ٞ‬‬ ‫‪-‬ىو رجاء بن حيوة الكندي‪ ،‬قال مطر‪ :‬ما لقيت شاميا أفقو من رجاء بن حيوة‪،‬عاصر رجاء بن حيوة ثلاثة من‬ ‫الخمفاء الأمويين ىم‪ ،‬الوليد بن عبد الممك وأخوه سميمان وعمر بن عبدالعزيز‪ ،‬وىوالذي أشار عمى سميمان بن‬ ‫عبد الممك أن يعين عمر بن عبد العزيز لمخلافة من بعده ( طبقات الفقياء لمشيرازي ص‪. .)75‬‬ ‫‪38‬‬

‫وحماٌة الثؽور وإقامة العدل فً هذه الفترة إلى حد نسبً‪ ،‬منذ الخلبفة‬ ‫الراشدة لعمر بن عبد العزٌز‪ ،‬الذي كان أول ما تفتحت علٌه عٌنا َمالِك‪،‬‬ ‫إلى آخرخلبفة الرشٌد ( )‪.‬‬ ‫علاقة الإِ َمام َمالِك بالخلفاء ‪:‬‬ ‫لقد عاش َمالِك فً عصرٌن مختلفٌن من عصو ِر الخلبفة الإسلبمٌة‪،‬‬ ‫ولقد رأى وسمع ما أحدثه الخوارج من الفتن والقتل‪ ،‬وكما ٌذكر‬ ‫العلبمة أبوزهرة‪ ،‬فإن َمالِكاً رأى هجوم الخوارج على المدٌنة وأهلها‪،‬‬ ‫لذلك كان مب ّؽظاً إلٌه الخروج‪ ،‬والقابلٌن بالخروج على الولاة‪ ،‬لما فٌه‬ ‫من الفتنة‪ ،‬ولا ٌرضى بالخروج على الحكام \"( ) ‪.‬‬ ‫كان َمالِك معاصراً لولاٌتٌن إسلبمٌتٌن‪ ،‬هما من أقوى الولاٌات فً‬ ‫العالم فً ذلك الوقت‪ ،‬وعاش عصرٌن مختلفٌن من أبهى العصور فً‬ ‫ذلك الزمان‪( ،‬الأموي‪ -‬العباسً) ولم ٌحظ عال ٌفم بالاحترام والتقدٌر من‬ ‫الخلفار فً هاتٌن الدولتٌن كما حظً َمالِك ‪.‬‬ ‫وكانت زٌارته للخلفار تهدؾ إلى تذكٌرهم بالله‪ ،‬ونصرسنة الرسول‬ ‫علٌه الصلبة والسلبم‪ ،‬قال خلؾ بن عمر ‪ :‬قلت ل َمالِك‪ :‬الناس ٌكثرون‬ ‫أنك تؤتً الأمرار ‪ -‬فقال‪ :‬إن ذلك الحمل من نفسً ‪ ،‬وذلك أ نه ربما‬ ‫استشٌر من لا ٌنبؽً‪ ،‬وقال لآخر لولا أنً رأٌتهم ما رأٌت للنبً صلى‬‫‪ -‬هٍبٌخ كوز‪ٛ‬هاح ‪ ،‬ثؼٕ‪ٛ‬اْ‪َِ ،‬ب ٌِه ثٓ أٌٔ ‪ٚ‬أصوٖ ف‪ ٟ‬ػٍُ اٌؾل‪٠‬ش ‪ِ ،‬ملِخ ِٓ اٌطبٌت ‪ِ ،‬ؾّ‪ٛ‬ك ٔبك‪ ٞ‬ػج‪١‬لاد ‪ ،‬الأٍزبم‬ ‫اٌّْوف اٌَ‪١‬ل ػجل اٌؾى‪ ،ُ١‬أٍزبم َِبػل ثىٍ‪١‬خ إٔ‪ٛ‬ي اٌل‪ ،ٓ٠‬الأى٘و اٌْو‪٠‬ف ‪. 7ٓ ، َ1972 ،‬‬ ‫‪َِ -‬بٌِه ؽ‪١‬برٗ ‪ٚ‬ػٖوٖ ‪ ،‬لاثٓ ى٘وح ‪. 144ٓ ،‬‬ ‫‪39‬‬

‫الله علٌه وسلم فً هذه المدٌنة سنة معمولاً بها( )‪ ،‬وكانت هذه الزٌارات‬ ‫للؤمرار على ؼٌر مهادن ٍة‪ ،‬أو تمل ٍق بل بقدر علمه وتوقٌره لشعابرالله‪،‬‬ ‫فقد روي عن عبد الله بن وه ٍب قال‪ :‬سمعت َمالِكاً ٌقول‪ :‬دخلت على أبً‬ ‫جعف ٍر(الخلٌفة العباسً) فرأٌت ؼٌر واح ٍد ٌقبل ٌده المرتٌن والثلبث‪،‬‬ ‫ورزقنً الله العافٌة من ذلك‪ ،‬فلم أقبل له ٌداً ( )‪.‬‬ ‫ومع هذا فكان ٌحظى باحترام الخلٌفة العباسً أبً جعف ٍر‪ ،‬ولقد‬ ‫عرض علٌه أن ٌنشر كتابه الموطؤ فً الأمصار‪ -‬ولك َّن َمالِكاً أبى‬ ‫محت ّجاً بتفرق أصحاب رسول الله صلى الله علٌه وسلم فً البلدان‪ ،‬وك ٌّل‬ ‫منهم نقل آراره واجتهاداته معه‪ ،‬فؤبى أن ٌو ِّحد أبو جعف ٍر الناس على‬ ‫كتب َمالِك‪ ،‬وسٌؤتً بٌان ذلك فً الحدٌث عن اجتهادات َمالِك فً‬ ‫النصوص فً الفصل الثالث إن شار الله ‪.‬‬ ‫وؼٌ ُر أبً جعفر من الخلفار كذلك كان ٌج ُّل َمالِكاً وٌحترمه‪ ،‬فهذا‬ ‫الأمٌر عبد الرحمن بن معاوٌة المعروؾ ب(عبد الرحمن الداخل)‪ ،‬أو‬ ‫صقر قرٌش( )‪ ،‬تجده ٌج ُّل الإِ َمام وٌحترمه‪ ،‬ولا ٌرتضً بعلمه بدٌلبً‬ ‫مما نشرعلم الإِ َمام فً الأندلس‪ ،‬وبلبد المؽرب الأقصى‪ ،‬وفً مدٌنة‬ ‫‪ -‬رور‪١‬ت اٌّلاهن ٌٍمبٗ ػ‪ ٍ٘١‬ثٓ ِ‪ ،ٍٝٛ‬رؾم‪١‬ك‪ -‬ػجل اٌمبكه اٌٖؾوا‪ٚ ،ٞٚ‬ىاهح الأ‪ٚ‬لبف‪ ،‬اٌّغوة‪،‬‬ ‫‪1982‬ط‪. 96 ٓ2‬‬ ‫‪ٚ‬أظو لأزمبء لاثٓ ػجل اٌجَ ِّو ٓ‪. 65‬‬ ‫‪-‬اثٓ ػجل اٌجَ ِّو أث‪ ٟ‬ػّو ‪ٍٛ٠‬ف ‪،‬الأزمـبء ف‪ ٟ‬ف‪ٚ‬بئـً الأئّخ اٌضلاصخ اٌفم‪ٙ‬بء ‪،‬ػٕب‪٠‬خ‪،‬ػجل اٌفزبػ أث‪ ٛ‬غوكح ‪ِ ،‬ىزجخ‬ ‫اٌّطج‪ٛ‬ػبد الإٍـلاِ‪١‬خ ‪،‬ؽـٍت ‪ٍ ،‬ـ‪ٛ‬ه‪٠‬ب ‪،‬اٌطجؼخ الأ‪. 83.ٓ َ1997، ٌٝٚ‬‬ ‫‪ ٛ٘-‬ػجلاٌوؽّٓ ثٓ ِؼب‪٠ٚ‬خ ثٓ ْ٘بَ ثٓ ػجلاٌٍّه ثٓ ِو‪ٚ‬اْ‪ِ،‬إٌٍ اٌل‪ٌٚ‬خ الأِ‪٠ٛ‬خ اٌضبٔ‪١‬خ ف‪ ٟ‬الأٔلٌٌ غوة‬ ‫أ‪ٚ‬ه‪ٚ‬ثب‪ ،‬ثؼل أْ فوط ٘بهثبً ‪ٚ‬ؽ‪١‬لاً فأٌٍ ٍِّىخ ِزواِ‪١‬خ الأ‪ٛ‬واف أػبك ف‪ٙ١‬ب ِغل ث‪١‬زٗ فىبٔذ رٕبٕ‪ ٟ‬ف‪ ٟ‬اٌؼٍ‪ٚ ٛ‬‬ ‫الإؽزواَ فلافخ ثٓ اٌؼجبً ف‪ ٟ‬اٌّْوق ػٍ‪ٕ ٝ‬غو هلؼز‪ٙ‬ب ‪ٚ‬وبْ ٘و‪ٚ‬ثٗ ف‪ ٟ‬ػ‪ٙ‬ل إٌّٖ‪ٛ‬ه اٌن‪ ٞ‬وبْ ‪٠‬ؼغت ثٗ ‪ٚ‬‬‫ثملهرٗ ‪ ٚ‬ػي‪ّ٠‬زٗ اٌز‪ ٟ‬عؼٍزٗ ‪ّ ٛ٘ ٚ‬و‪٠‬ل ‪ٛ‬و‪٠‬ل‪٠‬إٌٍ ٍِىبً ف‪٘ ٟ‬نٖ اٌجٍلاْ اٌمبٕ‪١‬خ‪٠ٚ .‬مبي أْ أثب عؼفو ٘‪ ِٓ ٛ‬أ‪ٍٛ‬ك‬ ‫ػٍ‪ٌ ٗ١‬مت (ٕمو لو‪www.islamway.com) ِ٠‬‬ ‫‪40‬‬

‫القٌروان( ) وفً تونس التً كانت إمار ًة إسلبمٌ ًة فً ذلك الزمان‪ ،‬تجد‬ ‫القبول ل َمالِك وعلمه فً هذه البقعة من البلبد الإسلبمٌة ‪.‬‬ ‫وعلى الرؼم من هذا كله‪ ،‬وما كان له‪ -‬رحمه الله‪ -‬من هذه المكانة‬‫عند الخلفار والأمرار‪ ،‬فإنه لم ٌكن ٌجاملهم‪ ،‬أوٌتملقهم‪ ،‬بل كان ٌعظهم‪،‬‬‫وٌنصحهم حسب ًة لله تعالى‪ ،‬قال القاضً ِع ٌَاض ‪ :‬كتب َمالِك إلى بعض‬ ‫الخلفار كتاباً ٌعظه فٌه ‪ -‬بموعظة جلٌلة طوٌلة ٌقول فٌها ‪:‬‬ ‫أما بعد ‪ ،‬فإنً كتبت إلٌك كتاباً لم أَ ْأل( ) فٌه ُرشداً ‪ ،‬ولم أدخر فٌه‬‫نصحاً‪ -‬تحمٌد الله وأدب رسول الله صلى الله علٌه وسلم ‪ ،‬فتدبر ذلك‬‫بعقلك‪ ،‬ورد فٌه بصرك ‪ ،‬وأوعه سمعك ‪ ،‬واعقله بعقلك ‪ ،‬واحضره‬‫فهمك‪ ،‬ولا ُتؽ ٌِّ َب َّن عنه ذهنك‪ ،‬فإن فٌه الفضل فً الدنٌا ‪ ،‬وحسن ثواب‬ ‫الله تعالى فً الآخرة ‪.‬‬‫ذ ِّكر نفسك ؼمرات الموت‪ ،‬وما هو نازل بك منه ‪ ،‬وما أنت موقوؾ‬‫علٌه بعد الموت من العرض على الله تعالى‪ ،‬ثم الحساب‪ ،‬ثم الخلود بعد‬ ‫الحساب إما إلى الجنة ‪ ،‬وإما إلى النار ‪ ،‬وأعد له ما ت َس ٍّهل به علٌك‬ ‫أهوال تلك المشاهد وكربها‪ ،‬فإنك لو رأٌت أهل سخط الله وما صاروا‬‫إلٌه من أنواع العذاب ‪ ،‬وشدة نقمة الله ‪ ،‬وسمع َت زفٌرهم فً النار ‪،‬‬ ‫وتنهٌقهم مع كلوح وجوههم ‪ ،‬وطول ؼمتهم ‪ ،‬وتقلبهم فً إدراكها على‬‫وجوههم‪ ،‬لا ٌسمعون ولا ٌبصرون ‪ٌ ،‬دعون بالثبور ‪ ،‬وأعظم من ذلك‬‫حسرة إعراض الله تعالى بوجهه عنهم‪ ،‬وانقطاع رجابهم من روحه ‪،‬‬ ‫‪ -‬أث‪ٛ‬ى٘وح‪َِ ،‬بٌِه ؽ‪١‬برٗ ‪ٚ‬ػٖوٖ‪ ،‬كاه اٌضمبفخ اٌؼوث‪١‬خ ٌٍطجبػخ ثّٖو‪. 147 ٓ ،َ 1947 ،‬‬ ‫‪ -‬اٌّؼٕ‪ ٝ‬أٔٗ ثني ف‪ ٗ١‬إٌٖ‪١‬ؾخ ‪ٚ ،‬أعًّ ف‪ ٗ١‬اٌزنووح ثبٌّؼو‪ٚ‬ف ‪.‬‬ ‫‪41‬‬

‫وإجابته إٌاهم بعد طول الؽم أن اخسبوا فٌها ولا تكلمون ‪ ،‬لم‬‫ٌتعاظمك( ) شًر من الدنٌا أردت به النجاة من ذلك ‪ ،‬ولا آمنك من‬ ‫هوله‪ ،‬ولو قدمت فً طلب النجاة جمٌع ما لأهل الدنٌا ‪ ،‬كان ذلك‬‫صؽٌراً‪ ،‬ولو رأٌت أهل طاعة الله ‪ ،‬وما صاروا إلٌه من كرامة الله ‪،‬‬‫ومنزلتهم‪ ،‬مع قربهم من الله تعالى ‪ ،‬ونضرة وجوههم ‪ ،‬ونور ألوانهم ‪،‬‬‫وسرورهم بالنظرإلٌه‪ ،‬والمكانة منه‪ ،‬وا ْلجا ِه عنده ‪ ،‬مع قربه منهم لتقلل‬ ‫فً عٌنك عظٌم ما طلبت به الدنٌا ‪.‬‬‫فاحذر على نفسك حذراً ؼٌر تقرٌر ‪ ،‬وبادر إلى نفسك قبل أن تسبق‬‫إلٌها‪ ،‬وما تخاؾ الحسرة فٌه عند نزول الموت‪ ،‬وخاصم نفسك لله تعالى‬ ‫على مهل وأنت تقدر بإذن الله تعالى على ج ِّر المنفعة‪ ،‬وصرؾ الح َّجة‬‫عنها قبل أن ٌولٌك الله حسابها ‪ ،‬ثم لا تقدر على صرؾ المكروه عنها ‪،‬‬ ‫ولا جر المنفعة إلٌها‪.‬‬ ‫ثم قال له‪ :‬اجعل الله من نفسك نصٌبها باللٌل والنهار‪ ،‬إن عمرك‬‫ٌنقص مع ساعات اللٌل ‪ ،‬وأنت قابم على الأرض وهو ٌساربك (‪،)‬‬ ‫فكلما مضت ساعة من أجلك‪ ،‬والحفظة لا ٌؽفلون عن ال َّدق والج ِّل من‬‫عملك‪ ،‬حتى تملؤ صحٌفتك التً كتب الله علٌك ‪ ،‬فعلٌك بخلبص نفسك‬ ‫إن كنت لها مح ّباً‪ ،‬فاحذر ‪ -‬وما قد حذرك الله منه تعالى فإنه ٌقول‪:‬‬‫وٌحذركم الله نفسه‪ ،‬ولا تحقر ال َّذنب الصؽٌر‪ ،‬مع ما علمت من قول الله‬ ‫تعالى‪َ ( :‬ف َمن ٌَ ْع َم ْل ِم ْث َقا َل َذ َّر ٍة َخ ٌْراً ٌَ َر ُه َو َمن ٌَ ْع َم ْل ِم ْث َقا َل َذ َّر ٍة َش ّراً ٌَ َر ُه‬ ‫‪ -‬أ‪ ٞ‬لا ‪٠‬ى‪ّٟ ْٛ‬ء ف‪ٔ ٟ‬ظون ػظ‪ ِٓ ُ١‬أِ‪ٛ‬ه اٌلٔ‪١‬ب لا رفزل‪ ٞ‬ثٗ ٔفَه ف‪ ٟ‬ا‪٢‬فوح فّب ػٕل الله ف‪١‬و ‪ٚ‬أثم‪. ٝ‬‬ ‫‪ - ‬اٌَبهة اٌنا٘ت ف‪ ٟ‬الأهٗ ‪ِ ( ،‬قزبه اٌمبِ‪ٚ ،226 ) ًٛ‬اٌّؼٕ‪ ٝ‬أْ اٌؼّو ‪ٚ ّٟٚ٠‬أٔذ لا رْؼو ثٗ ‪.‬‬ ‫‪42‬‬

‫)( ) وقال أٌضاً‪َ ( :‬ما ٌَ ْل ِف ُظ ِمن َق ْو ٍل إِلاَ لَ َد ٌْ ِه َر ِقٌ ٌفب َع ِتٌ فٌد ) ( ) وحافظ‬ ‫على فرابض الله واجتنب سخط الله واحذر دعوة المظلوم واتق ٌوماً‬ ‫ترجع فٌه إلى ال ـَّله والسلبم ( ) ‪.‬‬‫ومن هنا ٌتبٌن لنا ما كان علٌه َمالِك‪ -‬رحمه الله‪ -‬من الورع والتقوى‪،‬‬‫وأنه لا تؤخذه فً الله لومة لابم‪ ،‬ولم تؤخذه فً دٌن الله مهادن ٌفة لأمٌ ٍر‪ ،‬أو‬‫موادع فٌة لوزٌ ٍر‪ ،‬ولم ٌمنعه تقرب الأمرار له أن ٌنص َح لهم‪ ،‬وأن ٌذ ِّكرهم‬ ‫بالله‪ ،‬وأن ٌستحثهم على اتقار الل ِه فً الرعٌة‪.‬‬ ‫وهذه هً أخلبق العلمار الربانٌٌن‪ ،‬وهكذا كانت علبقة الإِ َمام َمالِك‬ ‫بالخلفار والإمارار‪ ،‬ولقد ذكر بعض أهل العلم أن المهابة ل َمالِك‪ ،‬كانت‬ ‫أعظم من المهابة للسلبطٌن ‪.‬‬‫المبحث ال انً‪ :‬الحالة ال قافٌة والاجتماعٌة والسٌاسٌة‪ ،‬قبٌل وأ ناء‬ ‫عصر َمالِك فً مجتمع المدٌنة المنورة ‪.‬‬ ‫كان للحٌاة الثقافٌة والاجتماعٌة فً المدٌنة أثنار وقبٌل عصر الإِ َمام‬‫َمالِك‪ -‬تؤثٌر بالػ فً علم الإِ َمام ورسوخه فٌه‪ ،‬والموازنة بٌن الأدلة وما‬ ‫ٌحتاج إلٌه الناس من فتاوى وآرار فً مختلؾ القضاٌا التً تحتاج إلى‬ ‫اطلبع عمٌ ٍق على أحوال الناس وظروفهم‪ ،‬لأن َمالِكاً‪ -‬رحمه الله‪ٌ -‬علم‬ ‫من مقاصد الشرٌعة مالا ٌعلمه ؼٌره‪ ،‬وٌدرك من الأدلة الشرعٌة مالا‬ ‫‪ٍٛ -‬هح اٌيٌيٌخ ا‪٠٢‬خ ‪. 8 -7‬‬ ‫‪ٍٛ -‬هح ق ا‪٠٢‬خ ‪. 18‬‬ ‫‪ -‬رور‪١‬ت اٌّلاهن ‪ ،‬اٌمب‪ِ ٟٙ‬ػ َ‪١‬بٗ ‪ ،‬ط‪. )107 -106 ( 2‬‬ ‫‪43‬‬

‫ٌدرك ؼٌره‪ ،‬ومع علمه ودراٌته بالأدلة الشرعٌة من كتاب وسن ٍة‪ ،‬إلا‬ ‫أنه لم ٌهمل الأخذ بالرأي فٌما لم ٌنص علٌه دلٌل شرعً ‪.‬‬ ‫وقد علمنا أنه قد أخذ هذا الفن فً مبادئ عمره عن شٌخه ربٌعة بن‬‫أبً عبد الرحمن فروخ الذي كان ٌسمى ربٌعة الرأي‪ ،‬لما اشتهر به من‬‫الرأي والحجة بالعقل‪ ،‬فكان للئمام َمالِك مدرسة فً الاجتهاد أٌضاً‪ ،‬فهو‬ ‫لم ٌهمل الاجتهاد بالرأي‪ ،‬إذا دعت الحاجة إلٌه‪ ،‬رؼم ما أُثر عنه من‬ ‫تور ٍع وحذ ٍر فً هذا الجانب ‪.‬‬ ‫مما لاش َّك فٌه أن هذ ا المجتمع أ َّثر فً شخصٌة الإِ َمام َمالِك العلمٌة‬ ‫والثقافٌة‪ ،‬لاسٌما وأن هذا المجتمع قد ارتبط بنزول الوحً‪ ،‬وبداٌة‬ ‫التشرٌع‪ ،‬وهو أصلبً مكون من أحفاد الصحابة‪ ،‬وأبنار التابعٌن‪ ،‬وهم‬ ‫بلب رٌب فقهار أبنار فقهار‪ ،‬فمما لاشك فٌه أن الذي ٌنبػ و ٌُشهد له‬ ‫بالنبوغ فً هذا الج ِّو المفعم بالعلم وأهله‪ ،‬وحٌوٌة الإٌمان وال ُّت َقى‪-‬‬‫لجدٌ فٌر بؤن ٌكون بح ٍّق فقٌه عصره‪ ،‬ورٌحانة دهره‪ ،‬وهذا ٌستلزم منا أن‬ ‫نتحدث عن عدة مطالب نوجزها فٌما ٌلً ‪:‬‬‫المطلب الأول‪ :‬الطبٌعة العلمٌة بعد وفاة النبً صلى الله علٌه وسلم‪:‬‬ ‫مضى عهد الرسول صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬ولم تدون السنة ولم تؤخذ‬ ‫طابعها الموجود الٌوم ك ِعلم مستقل‪ ،‬وٌرجع هذا إلى أن النبً صلى الله‬ ‫علٌه وسلم نهى عن كتابة شًر ؼٌر القرآن حتى لا ٌختلط القرآن‬ ‫بؽٌره‪ ،‬روى مسلم عن أبً سعٌ ٍد الخدري رضً الله عنه أنه قال ‪ :‬قال‬ ‫رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪( :‬لاتكتبو ع ِّنً ومن كتب ع ِّنً سوى‬ ‫‪44‬‬

‫القرآن فلٌمحه‪ ،‬وحدثوا ع ِّنً ولا حرج‪ ،‬ومن كذب علً متعمداً فلٌتبوأ‬ ‫مقعده من النار)( )‪.‬‬ ‫وٌمكن القول إن النبً صلى الله علٌه وسلم كان قد منع من تدوٌن‬ ‫السنة تدوٌنا رسمٌاً‪ ،‬حتى لا تختلط بالقرآن( )‪.‬‬ ‫وقد أذن لبعض الصحابة فً الكتابة عنه فً ظروؾ معٌن ٍة‪ ،‬كما‬ ‫حدث لأبً شاه الٌمنً‪ -‬حٌنما قال للرسول‪ ،‬وقد سمع منه حدٌثاً عام‬ ‫فتح مكة‪ :‬اكتب لً ٌا رسول الله‪ ،‬فقال صلى الله علٌه وسلم ‪ :‬اكتبوا‬ ‫لأبً شاه‪.‬‬ ‫كما أذن لبعض الصحابة أن ٌدونوا لأنفسهم الأحادٌث تدوٌناً خا ًّصا‪،‬‬ ‫ومنهم عبد الله بن عمرو بن العاص‪ ،‬قال أبو هرٌرة‪ :‬ما كان أح ٌفد أعلم‬ ‫بحدٌث رسول الله صلى الله علٌه وسلم منً‪ ،‬إلا عبد الله بن عمرو بن‬ ‫العاص‪ ،‬فقد كان ٌكتب ولا أكتب‪ ،‬فكان عبد الله ٌكتب عن رسول الله ما‬ ‫ٌسمع حتى قال بعض الصحابة‪ :‬إنك تكتب عن رسول الله كل ما ٌقول‪،‬‬ ‫ورسول الله قد ٌؽضب‪ ،‬فسؤل ابن عمرو الرسول عن ذلك فقال له‪(:‬‬ ‫أكتب عنً‪ ،‬فوالذي نفسً بٌده ما خرج من فمً إلا حق)( ) ‪.‬‬‫‪ -‬أفوعٗ ٍَُِ ف‪ٕ ٟ‬ؾ‪١‬ؾٗ ‪،‬وزبة اٌي٘ل ‪ٚ‬اٌولبق‪ ،‬ثبة اٌزضجذ ف‪ ٟ‬اٌؾل‪٠‬ش‪ٚ ،‬ؽىُ وزبثخ اٌؼٍُ ‪ٕ (،‬ؾ‪١‬ؼ ٍَُِ ثْوػ‬ ‫إٌ‪ ، ٞٚٛ‬ط ‪ٚ ،3004 /425 ٓ18‬أظو ربه‪٠‬ـ اٌزْو‪٠‬غ الإٍلاِ‪ 157 ٓ ٟ‬ػجل اٌؼظ‪ّ ُ١‬وف اٌل‪ِْٕٛ ، ٓ٠‬هاد‬ ‫عبِؼخ لبه ‪ ًْٛ٠‬ثٕغبى‪. َ1989 ٞ‬‬‫‪Al- Tawhid, A Quarterly of Islamic Thought and Culture, London: Sazman-e- -‬‬ ‫‪Tablight-e-Islami ,1988 ,p.65 .(my translation) .‬‬‫‪َِٕ -‬ل ال ِإ َِبَ أؽّل ‪ ( ٖٗٔٚ ،‬ػٓ ػجل الله ثٓ ػّو‪ ٚ‬ثٓ اٌؼبٓ ه‪ ٟٙ‬الله ػٕ‪ّٙ‬ب لبي ‪ :‬وٕذ أوزت وً ّ‪ٍ ٟ‬ء أٍّؼٗ‬‫ِٓ هٍ‪ٛ‬ي الله ٍٕ‪ ٝ‬الله ػٍ‪ ٍٍُٚ ٗ١‬أه‪٠‬ل ؽفظٗ – فٕ‪ٙ‬زٕ‪ ٟ‬لو‪ٚ ِ٠‬لبٌ‪ٛ‬ا ‪ :‬رىزت ‪ٚ‬هٍ‪ٛ‬ي الله ٍٕ‪ ٝ‬الله ػٍ‪٠ ٍٍُٚ ٗ١‬م‪ٛ‬ي‬ ‫ف‪ ٟ‬اٌغ‪ٚ‬ت ‪ٚ‬اٌو‪ٙ‬ب ! فأَِىذ ؽز‪ ٝ‬موود مٌه ٌوٍ‪ٛ‬ي الله ٕجٍ‪ ٝ‬الله ػٍ‪، ٍٍُٚ ٗ١‬فمبي ‪ :‬اوزت ف‪ ٛ‬اٌن‪ٔ ٞ‬فَ‪ ٟ‬ث‪١‬لٖ ِب‬‫فوط ِٕٗ ئلا اٌؾك ( أؽّل ثٓ ؽٕجً ‪ ،‬إٌَّل ‪ ،‬كاه اٌؾل‪٠‬ش اٌمب٘وح ‪ِٖ ،‬و ‪، َ1999 ،‬ط‪ٚ ) 6510 /69 ٓ 6‬أظو‬ ‫ربه‪٠‬ـ اٌزْو‪٠‬غ الإٍلاِ‪. 157ٓ ٟ‬‬ ‫‪45‬‬

‫فلم تدون السنة إلا نزراً‪ ،‬وفً أحوا ٍل ٌسٌر ٍة‪ ،‬وتوفً رسول الله‬ ‫صلى الله علٌه وسلم والصحابة ٌحفظون السنة‪ ،‬وحفظهم لها متفاو ٌفت‬ ‫فمنهم من ٌحفظ منها القلٌل‪ ،‬ومنهم من ٌحفظ منها الكثٌر‪ ،‬ومنهم من‬‫ٌح ِّدث عن رسول الله صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬ومنهم المقل‪ ،‬ومنهم المكثر‬ ‫فً التحدٌث عنه علٌه الصلبة والسلبم‪ ،‬فمن المقلٌن زٌد ابن أرقم‪،‬‬ ‫وعمران بن حصٌن‪ ،‬والزبٌر بن العوام‪ ،‬ومن المكثرٌن أبوهرٌرة‪،‬‬ ‫وعبد الله بن عمر‪ ،‬وؼٌرهم ‪.‬‬ ‫وفً خلبفة سٌدنا أبً بكر الصدٌق رضً الله عنه‪ ،‬لم تدون السنة‬ ‫ولم ٌفكر فً تدوٌنها‪ ،‬لأنه رضً الله عنه كان منشؽلبً فً حرب‬ ‫المرتدٌن ومانعً الزكاة ‪.‬‬ ‫وفً خلبفة عمر الفاروق رضً الله عنه‪ ،‬ف َّكر عمر فً تدوٌن‬ ‫السنة‪ ،‬واستشارأهل العلم والرأي من الصحابة‪ ،‬فؤشاروا علٌه بذلك‬ ‫ولكنه رضً الله عنه عدل عن رأٌه لخشٌته أن تختلط بالقرآن‪ ،‬فقد‬ ‫روي عن عروة ابن الزبٌرأن عمر أراد أن ٌكتب السنة‪ ،‬واستشار‬ ‫أصحاب رسول الله‪ ،‬فؤشاروا علٌه بذلك‪ ،‬فلبث شهراً ٌستخٌر الله فً‬ ‫ذلك‪ ،‬ثم أصبح ٌوماً‪ ،‬وقد عزم الله له‪ ،‬فقال‪ ( :‬إنً قد ذكرت لكم من‬‫كتابة السنن ما قد علمتم‪ ،‬ثم تذكرت فإذا أنا ٌفس من أهل الكتاب من قبلكم‬ ‫قد كتبوا مع كتاب الله كتباً‪ ،‬فؤكبوا علٌها‪ ،‬وتركوا كتاب الله‪ ،‬وإنً والله‬ ‫لا ألبس كتاب الله بشًر)( )‪.‬‬ ‫‪ -‬ربه‪٠‬ـ اٌزْو‪٠‬غ الإٍلاِ‪. 158ٓ ، ٟ‬‬ ‫‪46‬‬

‫وجار عثمان وعلً رضً الله عنهما‪ ،‬والوضع على ما هو علٌه‪ ،‬لم‬ ‫ٌتؽٌر من تدوٌن السنة‪ ،‬والأموٌٌن من بعد ذلك ‪.‬‬ ‫حتى سنة مابة هجرٌة‪ ،‬حٌن فكر عمر بن عبد العزٌز فً تدوٌن‬ ‫الس َّنة‪ ،‬فلم تعد هناك خشٌ ٌفة من أن تختلط بالقرآن‪ ،‬وقد تدارس الناس‬ ‫القرآن‪ ،‬وفهموا‪ ،‬وحفظوا ع َّد سوره وآٌاته‪ ،‬ولم ٌعد ٌخشى من اختلبط‬‫السنة به‪ ،‬فقد أوصى رضً الله عنه بتدوٌن السنة‪ ،‬وٌروى أنه كتب إلى‬ ‫الأمصار وإلى عماله فً مختلؾ بلبد الإسلبم بذلك‪ ،‬ولهذا ٌعد القرن‬ ‫الثانً الهجري بداٌة عهد تدوٌن السنة‪ ،‬فبدأ الناس فً تدوٌن السنة‪،‬‬ ‫ؼٌر أنه لم ٌصلنا مما دون فً ذلك العصر‪ ،‬سوى موطؤ الإِ َمام َمالِك‪-‬‬ ‫رحمه الله‪. -‬‬ ‫وذلك أن الخلٌفة أبا جعؾ ر المنصور‪ ،‬لقً َمالِكا فً موسم الحج‪،‬‬‫وأمره أن ٌجمع له ما ٌثبت عنده من آثا ٍر وسن ٍن‪ ،‬وأن ٌتجنب رخص بن‬‫عبا ٍس‪ ،‬وشدابد بن عمر‪ ،‬فؤلؾ َمالِك الموطؤ سنة ‪140‬هـ‪ ،‬وقد دون فٌه‬ ‫أحادٌث الرسول صلى الله علٌه وسلم‪ ،‬وآثار الصحابة‪ ،‬وفتاواهم‬ ‫وفتاوى التابعٌن‪ ،‬كما دون فٌه آراره فٌما عرضه من موضوعات‪،‬‬ ‫ولهذا ٌعد كتابه كتاب حدٌ ٍث وفق ٍه معاً‪ ،‬وقد أراد المنصور أن ٌجمع‬ ‫الناس على ما فً الموطؤ من الأحكام توحٌداً للنا ِس فً الأحكام‬ ‫الشرعٌة‪ ،‬وبصف ٍة خاص ٍة فً القضار‪ ،‬ولكن َمالِكاً أبى‪ ،‬وقال له‪ٌ( :‬ا‬ ‫أمٌر المإمنٌن‪ :‬إن الصحابة بعد وفاة رسول الله تفرقوا فً المدن‬ ‫‪47‬‬

‫الإسلبمٌة‪ ،‬وكلهم تبع ما صح عنده عن رسول الله‪ ،‬وكلهم على هدى)‬ ‫فعدل المنصورعما أراد( )‪.‬‬ ‫وبعد ذلك انطلقت الصحوة فً جمع السنن‪ -‬فجار الإِ َمام أحمد بن‬‫حنبل المتوفى سنة‪241‬هـ فجمع الس َّنة على طرٌق المسانٌد‪ ،‬ثم توالت‬ ‫من بعده الكتب الصحاح ‪.‬‬ ‫وٌعتبر القرن الثالث الهجري العصر الذهبً لتدوٌن السنة‪ ،‬حٌث‬‫تلؤلأت فٌه نجوم‪ ،‬أمثال البخاري المتوفى سنة ‪251‬هـ‪ ،‬ومسلم المتوفى‬‫سنة ‪261‬هـ‪ ،‬وؼٌرهما‪ ،‬كابن ماجة المتوفى سنة ‪273‬هـ‪ ،‬وأبً داوود‬ ‫المتوفى سنة ‪275‬هـ وتعد هذه الكتب الستة صحاح السنة‪ ،‬أو الكتب‬‫الصحاح‪ ،‬وهً من أصح الكتب بعد كتاب الله عز وج ل‪ ،‬وأصحها‬‫وأقواها رتبة صحٌح البخاري ثم مسلم ثم ما كان على شرطهما‪ ،‬وهكذا‬ ‫‪.‬‬‫وتعتبر السنة فً هذا القرن‪ ،‬قد أخذت طرٌقها كعل ٍم مستق ٍّل‪ ،‬وقد كان‬ ‫أول من وفقه الله لجمعها والكتابة فٌها‪ ،‬وظهر كتابه للناس هو الإِ َمام‬ ‫َمالِك بن أنس ‪-‬رحمه الله‪ ،-‬وكتابه المعروؾ ال ُمس َّمى الموطؤ من أصح‬ ‫الكتب ‪.‬‬‫ولقد كان للصحابة بعد وفاته علٌه الصلبة والسلب م‪ ،‬اجتهادات كذلك‪،‬‬ ‫جار فً رسالة عمر‪ -‬رضً الله عنه‪ -‬لأبً موسى الأشعري‪ -‬رضً‬ ‫الله عنه‪( :-‬الفهم الفهم فٌما أُدلً إلٌك‪ ،‬و مما َورد علٌك‪ ،‬مما لٌس فً‬ ‫‪ -‬ربه‪٠‬ـ اٌزْو‪٠‬غ الإٍلاِ‪. 159 ٓ ٟ‬‬ ‫‪48‬‬

‫قرآن ولا سن ٍة‪ ،‬ثم قاٌس الأمور عند ذلك واعرؾ الأمثال‪ ،‬ثم اعمد فٌما‬ ‫ترى إلى أحبها إلى الله‪ ،‬وأ ْش َب َه َها بالحق ‪. ) ().....‬‬ ‫ثم توالت الاجتهادات فً عهد التابعٌن وأبنابهم من أهل العلم‪ ،‬تتبعاً‬ ‫لمصالح المسلمٌن‪ ،‬مع مراعاة أسس الشرٌعة ومقتضٌات الدٌن‬ ‫ولوازمه ‪.‬‬ ‫المطلب ال انً ‪ :‬الطبٌعة العلمٌة فً عصر الإِ َمام َمالِك ‪:‬‬ ‫لقد عاش الإِ َمام َمالِك‪ -‬رحمه الله‪ -‬فً العصرٌن‪ ،‬أواخر‬ ‫العصرالأموي وحقباً من العهد العباسً‪ ،‬ولقد أ َّثر ك ٌّل من العهدٌن فً‬ ‫الإِ َمام َمالِك‪ ،‬أما العهد الأموي‪ ،‬فقد كان َمالِك معجباً فٌه بآرار الخلٌفة‬ ‫عمر بن العزٌز‪ ،‬وكثٌراً ما كان ٌستشهد بها ‪.‬‬ ‫وفً العصرالعباسً ألؾ الإِ َمام َمالِك‪ -‬رحمه الله ‪ -‬كتابه المعروؾ‬ ‫الموطؤ‪ ،‬والذي ٌعد أول ُك ُتب الحدٌث فً ذلك العصر‪ ،‬بل أولها على‬ ‫الإطلبق‪ ،‬وكان ذلك بنا ًر على توصٌ ٍة من الأمٌر أبً جعفر المنصور‬ ‫سنة ‪140‬هـ ‪.‬‬ ‫وٌجدر بنا أن نتكلم على حركة التصنٌؾ فً ذلك العصر‪ ،‬وعن‬ ‫بعض العلمار الذٌن برزوا فً تلك الحقبة من تارٌخ الإسلبم‪ ،‬وقد قسمنا‬ ‫الحدٌث عنها لعدة جوانب‪ ،‬وهً على النحو التالً ‪:‬‬ ‫أولالًا ‪ :‬حركة التصنٌف ‪:‬‬‫‪ -‬هٍبٌخ كوز‪ٛ‬هاح‪ ،‬ثؼٕ‪ٛ‬اْ‪ :‬الاعز‪ٙ‬بك ‪ِٚ‬ل‪ ٜ‬ؽبعخ إٌبً ئٌ‪ ٗ١‬ف‪٘ ٟ‬نا اٌؼٖو‪٠ ،‬ل ِؾّل ِ‪\"ٍٝٛ‬ر‪ٛ‬أب \" ‪،‬كاه اٌىزت‬ ‫اٌؾل‪٠‬ضخ‪ِٖ ،‬و ‪. 34 ٓ ،1972‬‬ ‫‪49‬‬

‫ومن أشهر المصنفٌن فً هذا العصر الإِ َمام َمالِك‪ ،‬الذي ألؾ كتاب‬ ‫الموطؤ‪ ،‬وابن إسحاق صاحب ك اتب السٌرة‪ ،‬وأبوحنٌفة الذي صنؾ‬ ‫الفقه والرأي ‪ ،‬وٌرجع إلى الخلٌفة العباسً‪ -‬أبً جعفر المنصور‪-‬‬ ‫الفضل فً توجٌه العلمار إلى هذا الاتجاه ‪.‬‬‫وقد كان الخلٌفة أبو جعف ٍر المنصور كما ٌقول السٌوطً ‪ ،‬كامل‬‫العقل‪ ،‬جٌد المشاركة فً العلم و الأدب‪ ،‬فقٌها تل َّقى العلم عن أبٌه‪ ،‬وعن‬ ‫عطار بن ٌاسر‪.‬‬‫هذا‪ ،‬و ٌلبحظ أن العلوم قد تطورت فً العصر العباسً الأول ‪،‬‬‫وانتقلت من مرحلة التلقٌن الشفوي إلى مرحلة التدوٌن ‪ ،‬والتوثٌق‪ ،‬فً‬ ‫كتب ومخطوطات ‪.‬‬ ‫ومن أبرزعلمار ذلك العصر الإِ َمام الذي بلػ صٌته الآفاق أبوحنٌفة‬‫النعمان بن ثابت‪ -‬المتوفى سنة ‪150‬هـ‪ ،‬وله كتاب الفقه الأكبر‪ ،‬وإمام‬‫دار الهجرة وعالم المدٌنة‪َ ،‬مالِك بن انس الأصبحً‪ -‬المتوفى سنة‬ ‫‪176‬ه ـ‪ ،‬وله كتاب الموطا ‪ ،‬وقد روي برواٌا ٍت عدٌد ٍة أكثر من أن‬ ‫تحصى( )‪.‬‬‫وكذلك ابن هشام البصري محمد بن إسحاق‪ -‬المتوفى سنة ‪151‬ه ـ‬ ‫وكتب فً السٌرة النبوٌة‪ ،‬و له كتاب الخلفار ‪ ،‬وابن حٌان‪ -‬جابر بن‬ ‫حٌان‪ -‬المتوفى سنة ‪160‬ه ـ‪ ،‬وله مهج النفوس وكتاب الشمس‬ ‫‪ -‬ؽَٓ ئثوا٘‪ ُ١‬ؽَٓ‪ ،‬ربه‪٠‬ـ الإٍلاَ‪،‬كاه اٌغ‪ ً١‬ث‪١‬و‪ٚ‬د‪ِ،‬ىزجخ إٌ‪ٚٙ‬خ اٌّٖو‪٠‬خ اٌمب٘وح‪،‬اٌطجؼخ اٌزبٌزخ ػْو‬ ‫‪.َ1991 ،‬ط‪. 122 ٓ2‬‬ ‫‪50‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook