(عبد الحليم) يقر أ� ويكتب ،وكثيرا ما كانا يتناق�شان في حدة أ�ثناء هدوء الحركة والكف عن العمل .حول الحرب ومجريات الأمور كما يريانها .. كان (ماهر) معجبا بـ (روميل) ويرى �أن الانجليز خدعوه ولم يواجهوه مواجهة الرجال ..بينما كان (عبد الرحمن) يتبنى وجهات نظر رواد دكان (محمود �شطا) الوفديين ،وي�ؤكد على هزيمة الالمان الم�ؤكدة على كل الجبهات خا�صة في رو�سيا . كان مهرجان كب�س القطن هذا بالن�سبة لي �شيئا غير عادي ...فو�سط كل هذه الحركة والن�شاط والهرج والمرج .كنت �أحيانا �أ�سرح في �صمت يثير ده�شة كل من يرانى ،فيزجرنى مت�سائلا أ�و غا�ض ًبا أ�و مناك ًفا (فيه ايه ؟) ولم �أكن �أعرف فيه إ�يه ؟ ولكني كنت �أرى أ��شياء ..فالكلوب ال�ساطع يلقى �ضوءه على �ساحة الحركة ,على الأطفال وا ألكيا�س المنفعلة بف�ضل حركة من بداخلها ..لكنه ي�صنع على الجدران ظلالا عجيبة ،تتحول فيها الأ�شكال الطبيعية �إلى تهاويل غير عادية ،ت�شدنى مع حركة الكب�س وملئ الغلقان والتحام الاج�ساد بالأكيا�س ت�ضيف لها ظلال ا أل�ضواء المتبقية من لمبات ال�صاروخ المدخنة .وحركة الدخول والخروج ...ناهيك عن الانك�سارات يمي ًنا و�شمال ًا مع تغير اتجاهات الجدران ،والاقتراب والابتعاد عن م�صادر ال�ضوء ... طب ًعا لم �أكن أ�يامها أ�فهم ما أ�حاول تف�سيره ا ألن ...ولكني كنت �أ�سيرا لهذا الخليط المده�ش من حركه الظل ،وتحولاتها مع ال�ضوء � .أقارنها بما �أراه ر أ�ى العين من أ��شياء هي ذات نف�سها ا أل�شياء الحقيقية التي تحتدم حركتها �أمامي � ،أكبر من الكي�س ومن بداخله ...تغريني أ�ن أ��صنع بكفي �أ�شكالا تزيد الظلال المهولة تهويل ًا ..مما يجعلني انفجر من ال�ضحك 351
ويذوقها ،لكن �ستي كانت تتلقى ذلك بلوية خفيفة من فمها الخالي من ا إل�سنان معبرة عن ا�ستياء لا حل له .فر�ضاها م�ستحيل . -يا�شيخه حرام عليكي هي مطلعة روحها لراحة الكل وانتي م�ش عاجبك ؟ ...عايزاها تعمل ايه اكتر من كده ؟ ..عايزاها تنزل تكب�س القطن برجلها مع الرجاله ! قال لها ماهر ابن عمي محمد وهو يتناول طبقا به قطعتى كنافة : .. -خدي دوقي دول .أ�هي مر�ضيت�ش تن�شف الكنافة قوي ع�شان تعجبك ..خدي ه ّو احنا بن�شوف الكنافة �إلا في رم�ضان ..و إ�ن كان . تناولت منه الطبق ..والتهمت ن�صف القطعة ال�سايحة فى ال�سمن والع�سل وم�ضغتها كمن تختبرها .. -هه � ...إيه ر أ�يك ؟ عمرك دقتيها دي قبل كده ؟ -طب روح ...والنبى (�أنهام ) مرات (عو�ض) بعتت لي من كام يوم طبق عجوة بال�سمن لا يعلا عليه . ف�أخذ (ماهر) الطبق ب�سخرية من يدها وبه القطعة المتبقية ليلتهمها هو ..وهو يقول : -ااه انهام ؟! طيب ! ب�س عجوة يا�ستى ؟ عجوة ايه قدام الكنافه دى ..ياللا ..فعلا خليكي في العجوة . وم�ضى غا�ضبا ي�ضرب كفا بكف ويلوك الكنافة اللذيذة وهو يقول : -ما هي دي مرات ابنك ودية مرات ابنك ..يا�سبحان الله ... الحمد لله �إن أ�مي لا بتجيب عجوة ولا بتعمل كنافة .كافيه خيرها �شرها وم�ش داخلة الحرب . كان (ماهر) متعلما وو�سيما وكان مثل (عبد الرحمن) ابن عمى 350
ليبد أ� للمندرة تاريخ آ�خر ،كنت فيه الفتى ا ألول ..وكان له تاثير كبير على مجريات حياتى بعد الحرب �( ...شاركتني �أنت فيه –يا �صديقي وتو أ�مي - ب�شكل مبا�شر في �أحيان قليلة .وب�شكل غير مبا�شر في معظم ا ألحيان ! ).مما جعل للمندرة هذا الوجود الذى خلف غيابه لى أ�لما كبيرا ...فهى لم تكن مجرد مكان بل كانت حياة كاملة ممتدة مليئة بالاحلام والر ؤ�ى وا أل حداث والم�شاعر ...لدرجه اننى بعد عودتى كرهت هذا البيت الذى ر أ�يته قد تقزم ...مع انه اقيم على نف�س الم�ساحة ولكن فرق كبير بين مكان -أ�ي مكان -وبين مكان زاخر بكل هذه الم�شاعر والأحداث التي لا يمكن �أن أ�كف عن التفكير فيها وا�ستعادتها . ••• 353
أ�حيانا � ..أو يملأني رعب حقيقي ،حين ينفلت الظل من بين �أ�صابعي لي�صبح عفاريت وجنيات تتراق�ص على الجدران .ولا تلفت نظر �أحد غيري وك�أننى وحدي المق�صود بتج�سدها ..مما كان يدخلنى فى فترات �صمت تثير ده�شة الجميع وا�ستغرابهم (الواد ده مجنون؟!) �أو كنت انفجر في ال�ضحك بلا �سبب ..مما كان ي�ضعنى في خانه (قلة ا ألدب) . في ذلك الحو�ش �سمعت ألول مرة ب�أ�سماء مثل (هيروهيتو) و(ت�شرت�شل) – و(�ستالين) – و(تيتو) .وعلمت بالقنبلة الذرية التى أ�ركعت اليابانين .. واهتز كياني يوم قالوا �إن ا إلمبراطور -الذي يعتبره اليابانيون (ابن ال�شم�س) وانه �( ..إله يعبدونه مثل ربنا) ا�ضطر مهزو ًما أ�ن ي�صبح ب�ش ًرا ...و أ�ن يتحدث إ�لى مواطنيه و إ�لى العالم لأول مرة فى التاريخ عن طريق ميكروفون الإذاعة ،ليعلن ا�ست�سلام بلاده وهزيمتها ..لتنتهي الحرب . وتبقى �ستي في مكانها بعد وفاة جدي ...ويخلوا الحو�ش من ليالي العمل الجماعي تلك التي جمعت الأخوة و�أبنائهم وبناتهم على مح�صول واحد � ..إذ توزعت أ�ر�ض جدي بينهم ،وكل �إلتهى في حاله . وا�ستمرا ًرا في �سيا�سة الانحياز التي إ�تبعتها �ستي منذ زواج �أبى على غير رغبتها ..كلفت عمي (عو�ض) بزراعة �أر�ضها ..ولم يكن �أبي يهتم بذلك ...ف أ�ر�ضه نف�سها يزرعها له أ�ولاد اخته (فرحة) (ال�صديق وتوفيق وحلمي) والتي كانت قد فقدت عائلها في نف�س العام الذى مات فيه جدي ... لكن أ�بي �شمر عن �ساعديه بعد أ�ن تحول الحو�ش �إلى مندرة � .أقام الجدار بعد الباب الكبير ليغلق الحو�ش ويبلط أ�ر�ضه والم�ساحة التي �أمامه . 352
تاريخيه يعجز فهمك القا�صر عن بلوغ حدودها او الالمام با�سرارها ودوافعها .إ�نتهى ال�صراع الطبقى ولم يعد مفكروا قبيلتك حري�صين على ذكره منذ �أعلن (ال�سادات) إ�لغاءه واحلال ال�سلام الاجتماعى محله. وا�ستبدلوا (خطوه ل ألمام وخطوتين للخلف ) بنهايه التاريخ و(مارك�س ولينين) (بفوكوياما وهننجتون) ..بمجرد انهيار حائط (برلين)!!. �ضاع إ�بنك فى زحام مو�سكو .يوم بيعت أ��صول الاتحاد ال�سوفيتى العظيم (للآوليجار �-شيين) ...وكف (تاكي) عن م�ص أ�ثداء البقرة الا�شتراكية الحلوب ،و�ضاع فى غيام الاممية الجديدة (تاركوف�سكى و�أوفت�شنكو وبوندرات�شكوك) ... لم يعد هناك حجة لاخفاء حقيقة النقابات العمالية الم�صرية وجوهر الاتحاد العام للعمال فى م�صر باعتبارها �أجهزه أ�منية .و�ساحت الألوان وا ألقنعة وت�شققت الدهانات الفاقعة ،و�سقطت عن الوجه القبيح لنظام يوليو .بالظبط كما �أرادها (يليت�سين وجوربا ت�شوف وال�سادات ومبارك وتات�شر) . إ�نتقل عباقره التحليل المارك�سى وحماة المادية التاريخية وفقهاء فل�سفة ال�صدفة الى غيام �صنعته الليبرالية المتوح�شة و أ��صبح النقد الثقافى �إمتدادا طبيع ًيا لديهم عن (جرام�شي) . وانت ؟! اه تلوك ذكريات طفو لتك وعذابات (�سجنك) الانفرادى متعللا بكتابة (هوام�ش على �سيرتك الذاتية) متحججا بانك تقدم �إجابة ل�س ؤ�ال �أولادك – لماذا ؟ ...وهم لن يقر�ؤوها فى الغالب .و�ست�أخدهم نف�س الظروف التي تعذبك الان بعيدا ...ليجدوا إ�جاباتهم بطريقتهم ... ألنهم حتى لو فهموا .فلن يغفروا لك ..ولن تك�سب �سوى ان تكون 355
ومتاع �إلى حين � أ�صبح النوم عزيزا اذا زارنى خطفنى حتى اظن اننى لن اعود .و�سرعان مايلقى بى على �شط ذى �صخور مدببة ...تجرحنى الا�سئلة وتحرقنى الاجابات غير الم�ؤكدة ..هل تماديت ؟ ...لدرجه اننى ابحث عمن أ�لقى عليه وزر ما كان لحد الأن .أ�م �أن الاو�ضاع التى تك�شفت عنها ا ألحداث - كانت �ستكون أ�رحم او �أجمل او �أكثر راحة ....لو تريثت قليلا و أ�خذت نف�سي فلم �أبالغ ؟ كل الذين ت�صورت اننى انا�ضل من �أجلهم و أ�دفع عمرى لجعل حياتهم أ�جمل و�أف�ضل ،هزمتنى وقهرتنى ظروفهم �أكثر ! لم تعد هناك طبقه عاملة .بيع القطاع العام ووهبت الم�صانع الكبرى هدايا وعطايا فى �صفقة 354
الفلاحين فنون ال�سم�سرة والتجارة المحرمة ..وم�سحت ب أ��ستيكة الحاجة المتنامية كل ما بذاكرة العواجيز العجزة من �أمثال ومواويل .ودفنت فى حمى الم�سل�سلات الحديثة جثث حواديت ال�شطار وليالى المناقد الدافئة وعطر الجدات . وها أ�نت مازلت على أ�نانيتك ...تظن أ�ن التعلق بحبال الوهم / الحلم القديم الدايبة مازال يجدى فى ايقاظ الم�شاعر القديمة و�أحياء جثة العمر الذى لن يجد (�إن �أراد) �شبرا واحدا من الزراعية لم يلوث طهارتة ا أل�سمنت ،لتدفن فيه . نطرت الغطاء وقمت من الفرا�ش هاربا مختنق ا ألنفا�س من البكاء ردا على نظرة ال�شاب الطيب المنكو�ش ال�شعر الذى هم�س دون �صوت (�صاحبك مات !!) إ�رتميت على ج�سد المخرج ال�شاب الممدد الذى كنت تحدثه من ثوان لتقنعه ب�ضرورة ال�ضغط على �سائق الاوتوبي�س ليو�صل (جروب الت�صوير) المنهك ولو �ألى العمار .فهو مجبر على ذلك بحكم التعاقد ...ولي�س من حقه �أن يتركهم تائهين في م�ستنقعات (التلول) ...ويذهب ليلقط رزقه دون وجه حق ...في�سقطون من الاجهاد تحت ثقل �أدوات الت�صوير وقطع الديكور ومعدات تجهيز الم�شاهد كل هذه الم�سافة ..وتحاول �أن تعطيه حبة ملب�س �سكر ملونة كانت فى جيبك من تلك الحبات (الكرملة دروب�س) التى كان الحاج (�سيد ال�صياد) يتحفك واخواتك بها �صغا ًرا ..كلما ر�آكم تقرق�شون الفول النا�شف !.وانتم تتقافزون فرحا بزيارته على نف�س هذه الزراعية الترابية التى التقيت عليها المخرج ال�شاب الواعد .الذي �سيموت 357
ن�شرت غ�سيلك نظي ًفا أ�و قذ ًرا أ�مام العيون .وهم لن ي�صدقوا �أنه لاذنب لك فيما حدث �صاحت بك (فيروز) ال�صغيرة بعد أ�ن عر�ضت �أمامها كتا ًبا م�صو ًرا عن القاهرة : -معقول يا بابا ،دي القاهرة ؟! �أمال ليه خليتوها و�سخة للدرجة دي ؟! كيف لكل هذا الذى تفاخر به �سنوات عمرك ال�ضائعة لم يثمر �شيئا ملمو�ًسا ..ي�ستطيع أ�ن تبرر به أ�ن انانيتك -نعم �أنانيتك حيالهم -وانحايزك للأخرين ولما ت�سميه الوطن والكادحين وهل هما ال�سبب الرئي�سى فيما �صارت عليه الحال -حالهم هم ،الذى لم ي�شغل �ألا جزءا �صغيرا من اهتمامك بحال الدنيا الذى �أ�صبح رغم كل �شئ الى ما هو عليه!!. �صار النوم عزي ًزا قلقا � ...أحلامه كوابي�س ...زوارك خلالها �إما مفتر�سين او متاعي�س ..ومازلت م�صرا على �إكمال ما بد�أت رغم انعدام كل الدوافع ،التى كانت تفجر خيالك وتعينه على إ�عادة ر�سم �صور ال�صبا ومعاي�شة جنون ال�شباب .. (ميت �سل�سيل) لم تعد ميت �سل�سيلك ،كهرباء ال�سد العالى �أف�سدت ليالى الخيال البكر ،وطاردت حوريات القمر ،وجنيات الظلمة الحانية ف�ضحت �سذاجة الرع�شة الم�سروقة تحت (�أيكة اليا�سمين) وبراءة �سحر أ��شعار الع�شق ا ألولى ...في جرن (دار أ�حمد) و (�سطوح دار عو�ض) ومقابر (�أبى خ�شبة) و�سبيل (�سيدي مجاهد) ..طاردتها محلات الأتاري والفديو و�إغراءات بور�سعيد الحرة التي �أزالت بكارة العذارى .وعلمت 356
لي�شتري الأ�صوات على وعد أ�ن ي�سلم لل�صوت ن�صف الجنية الآخر بعد النجاح ...وراح الجنية المق�سوم على الاثنين .ولكن كله يهون أ�مام نجاح الوفد ...بعد �ست �سنين من الا�ضطهاد والطرد من الحكومة وف�صل رجاله و�إبطال افعاله ...كانت الفرحة غامرة و�شاملة خرجت النا�س لل�شوارع حتى الن�ساء وبنات ا أل�سر ...إ�ما خرجن للم�صاطب �أو �صعدن �ألى ال�سطوح يزغردن ...بينما �صمت الهزيمة يلف بيوت (واطى البلد) ....وا�ستهوى ا ألمر الذين انبح �صوتهم من الهتاف طوال الأ�سابيع الما�ضية (يحيا النحا�س با�شا) ...و(يحيا الوفد ولو فيها رفد) التي حورها (ال�سيد الغرباوى) �إلى يحيا الوفد ومافيها�ش رفد !! حتى العيال و�صغار ال�سن ا�ستهوتهم اللعبه فم�ضى �أعلاهم �صوتا يقود �أقرانه فى مظاهرات فرعية �صغيرة .و إ�ن تفوقت مظاهرة الواد (خالد بن هانم) فنمت وكبرت ألنه كان يبتكر هتافات م�ضحكة مثل (روح لأمك يابو حفني) و (الله حي الله حي غ�صب عنه الوفد جاي) ....وخمنها كثيرون �أنه يق�صد الملك فعلق (ال�شيخ مو�سى) قائلا : -م�ش غ�صب عنه ياروح امك ...ما با�س �إيده ،،، لكن الم�شاجرات الب�سيطة لم تمنع ان تلتحم كل تلك المظاهرات فى تجمع واحد قاده الهتيفة الكبار الذين ان�ضم اليهم (محمد ال�سقا )بطوله الفارع ليقود الجميع نحو ال�سرادق الذى �أقيم أ�مام بيت (كامل افندى عبد ربه) لا�ستقبال النائب المنت�صر هذا الم�ساء .. و�أمام قهوه ( أ�بو را�شد) ،التي كانت المقر الرئي�سى للمر�شح الوفدي .والذى يدير حملة الت�أييد منها طلبة البلد الذين احت�شدوا وك أ�نهم فى اجازة ال�صيف ...وقفت المظاهرة تحيى الطلبة الذين كان دورهم ملحوظا 359
الآن بين يديك ...رغم أ�نك كنت �سعي ًدا حين إ�لتقيتة �صدفة �إذ كنت �سترجوه أ�ن ي�أخذ ابنك م�ساع ًدا له في مرة قادمة . أ�جلت الحديث اليه فى هذا ال�ش�أن ال�شخ�صى إ�لى وقت منا�سب... لأن ال�صداقة التى انعقدت بينكما بعد نقا�ش حاد حول فيلمه الجديد الذى �شاهدته يتحدث عنه على القناه الاولى قبل �أن تنام -اكت�شفتما م ًعا منذ اللحظة ا ألولى وفي نف�س الوقت -أ�نها �صداقه قديمة رغم فارق ال�سن الكبير ...لكنه وفج أ�ه ي�سقط من الاجهاد منهكا .فتحاول إ�قناعه بو�ضع حبة الكراملة (الدروب�س) في فمه لتعطيه بع�ض الطاقه ي�ستعيد بها قواه ... لكنه يبت�سم �شاكرا ويتلك أ� .حتى يكت�شف ال�شاب المنكو�ش ال�شعر الحقيقة ويعلن موته دون �صوت .ويتجمع بقية (الجروب) الحزين معك حوله على نف�س هذه الزراعية التى تمتد غربا من (ميت �سل�سيل) الى مالا نهاية ...نف�س الزراعية التى كنتم تحت�شدون فوقها فى عربات النقل لت أ�خذكم رجالا و�صبية الى قرية (برمبال القديمة) وانتم تهتفون بقوه وحما�س (لم�صطفى النحا�س) : -يحيا الوفد ولو فيها رفد . خلف (ال�سيد الغرباوي) أ�و (محمد �أبو زاكي) �أو �ضمن ح�شد الطلبة مع (ح�سين عبد ربه) �أو (ال�سيد را�شد) وبحياة م�صر وال�شعب الم�صرى وحياة (محمد �سويلم) مر�شح الوفد في انتخابات ( )50عن دائرتكم الوفدية .التي هزم فيها بف�ضل قريتنا باكت�ساح مر�شح ا ألقلية (�أبو الحفني) الذى جر�سه أ�هل البلد متظاهرين وهم يحملون نع�ًشا خال ًيا يدورون به في جنازة �صاخبة هاتفين بنف�س الحما�س يلوحون ب أ�ن�صاف �أوراق الجنية � -إطلع يابتاع الجنية ....جنيهك عمل لك ايه ؟ وكان ( أ�بو الحفني) قد وزع تلك الجنيهات مقطوعة إ�لى ن�صفين 358
افندى) ليكونوا طلائع الاحتفال ...لكنهم بعد طول وقوف انتهزوا فر�صة ذهابه ليق�ضى حاجته فجروا بلا اتفاق وانطلقوا هاربين ...لم يبق منهم �سوى البنت (�أم ابراهيم) �ألعرجة ...و( أ�م ها�شم) �أم خر�شوم (ذلك ب�سبب التهاب مزمن فى ا ألنف يجعل ا ألرنبه والمنطقه الو�سطى من ال�شفة العليا �شديدتى الاحمرار والرطوبة) زادهما الرعب من عقاب ال�شيخ . ولما عاد ال�شيخ (�شحاته) بعد ق�ضاء حاجته .وجد الزراعية خالية �إلا منهما وبع�ض ال�صبيان والرجال ي�ضحكون .وهم يجيبون �ساخرين على �س ؤ�اله المنده�ش (الولاد والبنات راحوا فين ؟) -فل�سعوك يا�شيخ (مح�سن!!) .مقلدين لهجته فى نطق ا�سم بلدته( -ميت م ْح ِ�سن) ! كان ال�شيخ (�شحاته) ق�صير القامة احد كتفيه أ�على من ا ألخر ب�شكل لافت ...عليهما يلوح ر�أ�س اكبر من �أن ينا�سب الم�سافة بين كتفيه ... علاوة على حول ملحوظ يظهره جحوظ عينه الي�سرى الوا�ضح ...وكان �أحد �أربعة من المدر�سين الذين نفوا من مركز (ميت غمر) �إلى قريتنا منذ ما يقرب من العام إ�بان حملة (عبد الهادى) �ضد (الإخوان) وكان من قريه (ميت م ٍح�سن) بك�سر الميم وال�سين والتى كان ينطقها بفخر يجعلها مثار �سخرية وتقليد لا ير�ضيه . كنت �أظن �أن ا�سمه الحقيقي (�شحاته بقجة) لأنه جاء الى قريتنا يحمل بقجة فى �ضعف حجمه ...فيها كل ما يملك من ملاب�س و�أدوات و أ�ثاث � ...أح�ضره إ�لى منزلنا يوم و�صوله ال�شيخ (علي �سعود) الذى كان قد ا�ستقر فى المندرة المطلة على ال�شارع من بيتنا ...حتى يجد له مكانا ي�ستقر فيه ...ولكني لم أ�ر محتويات البقجة �إلا عندنا �صحبتة تاني يوم إ�لى البيت الذى ا�ست�أجره له عم ( أ�حمد �شطا) فرا�ش المدر�سة بناء على تو�صية (ال�شيخ علي) 361
..وبينما و�صلت طلائع مظاهرة الكبار �إلى ال�سرادق ممتدة عبر الزراعية – نف�س الزراعية بجوار ج�سر قطار وجه بحرى (الذى لم �ألاحظ وجوده فى الحلم) الذي ق�ضى المخرج ال�سينمائى ال�شاب نحبه فيه . من الم�ست�شفى حتى مكتب (�أبو مقبل) الذي كان مق ًرا لدعاية (�أبو الحفني) و إ�ن أ�غلق �أبوابه ،كانت مظاهرة ال�شباب ال�صغير وا ألطفال التي يقودها (الولد ابن هانم) قد التحقت بالمظاهرة الكبيرة وقد ابتكر نكتة �أ�ضحكت الجميع و�أجبرت مظاهرة الكبار على التنحي عن الزراعيه لتف�سح الطريق لها نحو بيت (كامل افندي) ...لقد �أح�ضر الأولاد جح�شا �صغيرا زينوه ب أ�غ�صان ال�شجر وحملوه على خ�شبتين تحت بطنه و�ألب�سوه طربو�ًشا وهم يزفونه بابتكار هتافات لم ترد بخلد �أحد : -كان (عبد الهادي) فين لما (الحفني) وقع انك�سر -يحيا الوفد مع (النحا�س) و(الحفنى) قلع اللبا�س وهنا تدخل بع�ض العقلاء وحرروا الجح�ش من �أيدى ال�صغار وفرقوهم ...منعا لطولة الل�سان ..وانطلق الجح�ش يجرى وهو يقم�ص ويرف�ص ووراءه العيال ت�شيعهم �ضحكات الجميع وحاول ابن هانم (�أن يحتج ويتلام�ض) ...لكن (م�صطفى الزفتاوي) طوق رقبته بذراعه ... و�ضربه قلمين بحنية ب�صفته جاره الحميم و�أدخله في زمرة الطلبة ...حيث ان�شغل معهم فى كتابة لافتات الترحيب بالنائب الحبيب .... �صبيان وبنات المدر�سه الالزامى الذين تعب فى تدريبهم على الن�شيد الملكى وعلى ن�شيد خا�ص بالمنا�سبه ال�شيخ (�شحاتة بقة) .تعبوا من الغناء ومن الوقفة .و أ�ظن أ�نهم جاعوا طب ًعا ...فال�شيخ قد أ�لزمهم بالوقوف في �صفين متقابليين منذ ال�صباح على حافتى الزراعية قبيل بيت (كامل 360
داخل البيت الذى لم يكن يعرف الزغاريد ل�سنين .ولعلعت لتغيظ الذين نفوه من بلده بدل أ�ن يعتقلوه لخطورته على ا ألمن العام . ال�شيخ (�شحاته بقة) أ�و (البقجة) لم يكن �سهلا فقد م�ضى و�سط تجمعات �أهل البلد الذين كانوا يتوافدون زرافات إ�لى الم�ساحة أ�مام بيت (كامل �أفندي) باح ًثا عن ال�صبيان والبنات (المتمردين والمتمردات) حتى جمعهم مرة �أخرى واحدا واحدة ،و�أعادهم تحت تهديد ع�صاه (الزنزلخت) الى حيث كانوا على حافتي الزراعية .باكين �شاكين متململين لكنهم �سرعان ما كتموا النف�س ،وانتظموا فى التدريب مرة اخرى لين�شدوا ...الن�شيد الملكى والن�شيد الذى �ألفه ولحنه خ�صي ً�صا لا�ستقبال (ي�سين با�شا �سراج الدين) الذي �سي�أتي على ر�أ�س المحتفلين بنائب الوفد ومر�شحه (محمد �سويلم) . ••• 363
...وكان مقعدا من البو�ص المطلى بالطين فوق ال�سطح ...في بيت تملكه أ�رملة قريبة له تتاجر فى م�ستلزمات الن�سوان ولها بنت وولد يعاني من الك�ساح ...اقنعها بان تخلى له المقعد ،وتكتفى و�أولادها بغرفة الفرن التي في الدور ا ألول ،خلف ال�سلم الخ�شب العري�ض الذي يواجه الداخل مبا�شرة وكان للخم�سين قر�ش التى �سيدفعها فعل ال�سحر ...فوافقت ان ي�شاركها واطفالها فى الكنيف الكائن تحت ال�سلم ...ولكن (ال�شيخ �شحاتة) الذي لا يملك من ظهر الدنيا �سوى تلك (البقجة) التى ظننتها إ��سمه والتى بها القفطان البديل والغيارين ..وكمية من الكتب الكبيرة المغلفة �أجبرني على احترامه !... كانت الكتب م�صفوفة وملفوفة فى قما�ش من تيل الزكايب ...تبين انه مكون من كي�سين من �أكيا�س القطن مو�صولين طوليا ...ما ان �أخرج الكتب منه ونف�ضه ...حتى طلب منى ومن عم (�أحمد �شطا) أ�ن ندبر له غمرين ق�ش رز ن�ضيف ح�شا بهما الكي�س ...ثم خاطه بمهارة ف�صار مرتبة رائعة ا�ستقرت على أ�ر�ض المقعد ،بعد أ�ن طلب منا أ�ن ن�شبعها ده�سا و�ضربا بجريد نخل وجدناه على ال�سطح .وكان يعرف أ�نه �أده�شنا بابتكاره هذا فكان يدفعنا للعمل في مرح ي�ضاعفه منظره الم�ضحك .بطريقة تجعلنا نبتلع �سخريتنا من �إ�سمه و�شكله ونتعاطف معه في حب .... واعتقد أ�نها نف�س الطريقة التي تعامل بها مع ا ألرملة �صاحبة البيت فلم يلبث �أن تزوجها �أو هي تزوجتة في حفل زفاف ح�ضره كل تلاميذه وكل مدر�سي القرية من �أهلها والمغتربين ....وكانت زفة (ال�شيخ بقجة) والأرملة الملحمة زفة ظلت حديث القرية ل�شهور ،حيث كانت الطرق موحلة وال�سماء لا تكف عن المطر ف أ�جبرت الجميع على زحام حميم 362
عائلات البلد ومن بلد النائب فى ناقلتين محملتين بطيور وذبائح وزكائب �أرز ولوبية و�سكر ودقيق وب�صل وكافة م�ستلزمات �صنوف الطعام وانواع الحلوى التى يتحدث بذكرها الركبان � .إذ ظلت كتيبة الطباخين وال�سفرجية المحترفين يقدمون مثل هذه المائدة و�أكثر في �سراية ( أ�بو �سويلم) الثلاثية ا ألدوار في (برمبال القديمة) حيث كانت الموائد في �أدوارها الثلاثية ت�ستقبل �أهل الدائرة كل يوم من بعد �صلاة الظهر حتى ح�صة طويلة من الليل جماعات ووفود بعد جماعات ووفود ..وهاهم يختمون ذلك بالليلة الكبيرة فى احتفال (ميت �سل�سيل) الذي خطط له أ�لا يكون أ�قل د�سامة �أو روعة باعتبارة ذروة العطاء و�سدرة ا ألبهة .. -النهارده عيد ياولاد تاكلوا بكفايتكم اللي ملو�ش ايدين ي�ستلف -اللي نف�سه في حاجه يطلبها من �سيادة النائب نف�سه � ..أم ّال ؟ عبارات ت�شجيعية يطلقها ال�سفرجية والمتطوعون من الجمهور المتحم�س بتبادلون المجاملات مع الطلبات .ويحملون الفارغ ويعودون بالملآن ،في فرح وينظفون مكان من يترك المائدة وهو �شبعان لت�ستقبل جائعا غيره ..وك�أن الطعام يطلب المزيد من ا ألفواه والبطون ..كانت هناك مناف�سات .وحدثت م�شادات متحم�ّسه كما ظهر الكثير من فراغة العين لكن الموقف كان م�سيطرا عليه بقد�سية المنا�سبة ..كان الغفر والع�ساكر مندمجين مع الفلاحين والمدر�سين والطلبة والحرفيين والتجار وكلهم تحت ت�أثير الفرحة بفوز حزبهم يت�سامحون ويتعاونون ويتبادلون النكات وي أ�كلون كما يقول المثل في (قتة محلولة) وك�أنه آ�خر زادهم . وبعد انتهاء الطعام ورفع الفوارغ ..رفعت الموائد الخ�شبية وت�شارك الجميع فى ر�ص الكرا�سى واقيمت المن�صة التى �سيعلوها ال�ضيوف 365
فا�ستبقوا الخيرات .. في الجرن أ�مام بيت (كامل �أفندي) �أقيمت خيمة كبيرة للإحتفال فر�شت بالق�ش وقبل �أن تر�ص الكرا�سي -كانت هناك ثلاث (�سفرات) بطول الجرن ..تنتظر الطعام الذى كان يعد فى الدوار المجاور ..طعام وعزومة لكل النا�س ..توحى الروائح والدخان المت�صاعد من الدوار بما �سيكون عليه ا ألمر الذى جعل (ال�شيخ �شحاته) ي�شحن جوقة العيال المتعبين ويعدهم بمكان م�ضمون على المائدة �إن هم أ�ح�سنوا ا ألداء و�شرفوه �أمام (البا�شا) و(الأكابر ال�ضيوف) . وكان العيال قد لاحظوا كما لاحظنا طول الثلاث �أيام ال�سابقة مدى الإ�ستعدادات للوليمة من حجم وتنوع ا إلمدادات التى جاءت من بيوت 364
والتقط ا ألطفال الكلمة التي �أ�ضحكت الجميع ...ف�صار ا�سم الرجل بعدها (ال�شيخ �شحاته ما�سترو) فكانت �أرحم كثي ًرا من (بقجة) . قال كامل �أفندي منته ًزا فر�صة ال�ضحك الذي فرط الطابور قال : -البا�شا مب�سوط منكم ياولاد ح يدي لكل واحد منكم (تعريفة) ب�س يال َا يا�شيخ �شحاته خدهم ج ّوه وغديهم كوي�س دانت هلكتهم من ال�صبح . وتهلل الأولاد وزاطوا فر ًحا وهم يدفعون بال�شيخ و�سطهم وهم يهتفون (ما�سترو) (ما�سترو) غار ًقا فى زحامهم الذى ابتلعه إ�لأع ّمته ،التى بدت كبقجة عائمة فوق الرو�س الهائجة كقارب �صغير منفعل . جميع من كانوا على المن�صة خطبوا وتكلموا و�صاحوا وزعقوا واحد �إثر الآخر ..كل الذين كانوا على البراندة وكل ال�ضيوف ...لكن (محمود �شطا) ا�شعل حما�س الجميع عندما تحدث عن دور الطلبة فى ا إلنتخابات وكيف كان النادى دينامو المعركة الانتخابية ودعا الجميع للتبرع للنادى ..وطالب ب�إعادة مبنى جمعية الاخوان الم�سلمين ونقل النادي إ�ليه فقد �أقيم بجهود وتبرعات أ�هل القرية تطو ًعا .والذي إ��ستولى عليه العمدة دون وجه حق ليجعله حجرة للتليفون ومقرا للغفر .واعتر�ض العمده على ذلك وكادت الم�شادة تنقلب إ�لى �شجار ومعركة ..لكن النائب أ�علن أ�نه �سيتبرع للنادى بخم�سين جنيها كامله و�صفق الحا�ضرون وهتفوا فقال : -خلونا نفرح النهارده و�سيبوا كل حاجه لوقتها ...فالطلبة والنادى �ساكنين جوه قلبه فج�أة � ..أح�س�ست بغ�صه عندما لاحظت أ�ن �أبي لي�س على المن�صة و�سط كل هذه العمم والطرابي�ش ..كما �أنه لم يخطب مثلهم و أ�ح�س�ست 367
(الأكابر) الذين كانوا قد �أكلوا فى اماكن �آخرى داخل بيوت عيلة (عبد ربه) وغيرها والحقيقة أ�نهم �أكلوا من نف�س الطعام الذى �صنعه نف�س (الطابخين) وبنف�س الجودة والتنوع ولكن بطقو�س أ�خرى تليق ببدلات وبطرابي�ش وجرافيتات وعمم (ا ألكابر) وفيها (ب�شوات) و(بكوات) حقيقين و(�أفندية) و(�ضيوف ر�سمية) . بعد �صلاة الع�شاء ..... كان هناك كلام كثير يردم البحر ال�صغير والقديم و(ترعة ال�سلطان) �أي�ضا ويفي�ض ليغطى م�ساحات الحقول المجاورة .كانت الايدى تلتهب من الت�صفيق كلما ذكر إ��سم (النحا�س با�شا) وكانت الار�ض ترتجف . وتكلم كل الذين على المن�صة وكل الذين كانوا �ضيوف (كامل �أفندي) يوم �أعطاني (ح�سين) كتاب (المعذبون فى الأر�ض) ..و�أي�ضا ال�ضيوف الذين لم أ�ر معظمهم من قبل والذين أ�عتر�ض طريقهم على الزراعية ال�شيخ (�شحاته بقة) وعياله و�أجبرهم على �سماع أ�غانيه وانا�شيده ترحيبا بال�ضيوف وخا�صة (البا�شا يا�سين) الذى كانت ابت�سامته تكاد ت�صل من الم�ست�شفى حتى �سرايا (كامل افندى) عندما ذكر الاولاد والبنات إ��سمه فى بداية غنائهم رغم أ�نهم ذكروه بلا �ألقاب : ثم تبعها بن�شيد /ا�سلمى يا م�صر أ�نني فدا ...لي يدي إ�ن مدت الدنيا يدا أ�بدا لن ت�ستكيني أ�بدا ....اننى ارجو مع اليوم غدا .. وكانت ابت�سامة ال�ضيف الكبير تجعل ا ألولاد ي�صرخون من أ�عماق قلوبهم ..ولكن (ال�شيخ مجاهد أ�بو د�سوقي) قاطعهم بعد الن�شيد مت�ضاحكا: � -أيوه فعلا ( إ�ننى ارجو الغدا ..والغدا جاهز) ..والله براوة عليك يا �شيخ �شحاته ..دانت طلعت ما�سترو جامد . 366
فى �ستة �أيام الخم�سون جنيها التى تبرع بها النائب الوفدى المنت�صر والخم�سون الأخرى التى تبرع بها عدة (�أفندية) من �أهل البلد وال�ضيوف �أثبت ما تعنيه -حكمة ( -كل برغوت على قد دمه) .. دفعت �إلى عروق نادى ( إ�تحاد الطلبة) نب�ضا جديدا فقد كانت تعنى ثروة حينها ..ف�أنعقدت بعد عدة ايام جمعية عمومية للنادى ح�ضرها كل الطلبة تقريبا وقد غمرتهم موجة الحما�س التى إ�جتاحت جامعات م�صر ومدار�سها الثانوية �إ�ستب�شارا بحكومة (م�صطفى النحا�س) و أ�ي�ضا بتولى (طه ح�سين) وزارة المعارف ..وبات �ضروريا تغيير �إ�سم النادى من ( إ�تحاد الطلبة) إ�لى نادى (الاتحاد) خا�صة و أ�ن كثيرون من الذين تبرعوا ومعظمهم من الخريجين أ�و 369
�ساعتها وكانك تخرج ل�سانك لى �ساخرا وتهم�س فى إ�ذني تغيظنى : -عيبك انك م�ش عارف ان كل برغوت على قد دمه ! �أح�س دائما �أن طيفك يخايلنى كلما تعثرت فى الكتابة ..وكلما ازداد �شكى فى فائدة ما اكتب لأى إ�ن�سان �أو لى واعتدت ذلك لدرجة �أنه عندما تلوح لي ولوفكره مهو�شة غير وا�ضحة المعالم للتقدم با ألحداث �إلى ا ألمام ت�شدنى الذكريات ب�سببك �إلى الخلف .و أ�نني أ�دور فى دائرة مغلقة و�أن الخيط الدرامى والتقدم فى بناء الرواية �سيتعثر �أو �أن رغبتى فى الا�ستمرار �أ�صابها الوهن .ولكثرة تكرار ذلك الموقف .تطور رد فعلى تجاهه �إلى رغبة عارمة فى الا�ست�سلام وتمزيق الورق .ثم �ألج أ� إ�لى إ�عادة القراءة للت أ�كد من �أن ما كتب كان على الأقل له ما يبرره تعلقا ب�أمل الا�ستمرار � ..أو فى النهاية بحثا عن طرائق جديدة تبلور فكرتى عن البحث عن الذات � ..أو عن التح�صن بالذكريات �ضد كل ما يحيط بى من تفاهة وما يثقل روحى من عجز.. وتعودت �أن �أ�ست�سلم للحالة ولا �أ�صارعها ..حتى تمر ب�سلام لأننى غالبا ما �أعود �صاغرا لإكمال ما كتبت حتى و إ�ن انبت كثيرا ما بين ال�سطر ا ألخير الذى توقفت بعده وال�سطر الاول الذى �سيتج�سد ك�شرارة بارقة �أو رعدة كهربا يحدثها تدفق تيار الذكريات في كابلات الذاكرة الهرمة � ،أو وم�ضات الحلم الذى يقطعه دائما فزعى من حقيقة أ�نه لم يعد هناك �أمامى وقت ولم �أعد أ�ملك �شرف الاختيار حتى ولو غلبنى فى معظم ا ألحيان نومى المعذب المتقطع . ••• 368
ظهورها لت�صنع �سورا طبيعيا لا منفذ منه إ�ليها � ،إلا مدخلها من ناحية �شارع ال�سوق ،حيث ترك لها (الطنطاوية) مدخلا عري�ضا ذا �سقف .أ�قيمت فوقه مقاعد (غرف علوية) تمثل امتداد بيت (محمد الطنطاوي) العالي ذو ا ألدوار الثلاثة وبين البيت الذى يقيم فيه �إخوته مع عائلات أ�خرى فقيرة من أ�قاربهم .تتراكم فى تركيبة معقدة من الحجرات والممرات والدهاليز المتداخلة .يعطى معظمها ظهره لل�ساحة �إلا فيما ندر ... في و�سط ال�ساحة ينت�صب (�صارى مركب) هائل الارتفاع يقال أ�نه ي�شبه ال�صارى الذى قاتل به (�سيدي �أبو خ�شبة) ال�صليبيين حتى هزمهم ..وكان يقام لتخليده مولد �سنوى فيما م�ضى من ا ألزمان .ثم أ�تت عليه و�ألقت به إ�لى الن�سيان هموم الحياة � ,إلى جانب عجزه كولى من أ�ولياء الله ال�صالحين ان يظهر معجزة ما �أو يحقق أ�ملا فى �شفاء مري�ض ما او العثور على طفل تائه .حتى ن�سى النا�س الولى ال�صالح مكتفين ب�أرتباط إ��سمه ب�أعلى تلة فى ركام مقابر الخرابة ..واكتفوا باطلاق ا�سم (ال�صارى) على ال�ساحة .لكنه ظل – كلما �أكل ال�سو�س خ�شبه القديم واقترب خطر �سقوطه – كان الولى فيما يزعمون يقوم بزيارة بع�ض من كبراء العائلات من �سلالة الأ�شراف .ويذكرهم فى المنام ب�ضرورة �إ�ستبدال ال�صارى الآيل لل�سقوط ب�صارى �آخر جديد بنف�س موا�صفاته القديمة .. وكان الجميع ي�سارعون إ�لى تجديد ال�صارى ,واقامة المولد خوفا من �إنتقامة �أو زعله . لكن ال�سنوات كانت تراكم �سحابات الن�سيان �إلى أ�ن تحدث زيارة ليلية �أخرى .فيهرع (المختار) منهم �إلى تجديد ذكرى البطل الذى هزم جيو�ش ال�صليبيين ب�شراع مركب .هذا ما �أكدته لى (خلت مقبولة) تلك التى (لو تذكرون) و�شت بى لدى أ�مي ،عن �سرقتي الفول الحراتي أ�نا 371
ا ألفندية ا�صحاب الوظائف �أو المدر�سين .وتمت إ�نتخبات جديدة فازت فيها بع�ض ال�شخ�صيات المهمة من خارج الطلبة . وابتد أ� (ح�سين) فى �إخراج �أول م�سرحية وهى (ال�ضحية البريئة) وهي (ميلو -دراما) عاطفية عن فتاة عذراء تحب ابن عمها الطالب فى الحقوق .وتذهب �ضحية م ؤ�امرة دبرها عا�شق �شاب من ا ألعيان الفا�سدين ممن ف�شلوا فى الدرا�سة ..ويقوم حبيبها حديث التخرج بمهمة الدفاع عن والدها القاتل ...بعد ثبوت عذرية ال�ضحية التى قتلها الجهل والغل والدناءة ... وقام (م�أمون مجاهد) بدور أ�م القتيلة بينما قمت �أنا ب�أداء �صوت روحها الهائمة تحاول إ�ثبات براءتها واقناع حبيبها الذى كان مترددا فى الدفاع عن والدها .ومن تحت خ�شبة الم�سرح طاف �صوتى ال�صب ّى محلقا يثير ال�شجن والحزن ي�ستدر دموع الن�ساء والرجال ...المزدحمين فى �ساحة (ال�صارى) التى �ض ّجت بالبكاء و�أي�ضا بالزغاريد التي �أطلقتها الن�ساء المحت�شدات فوق ا�سطح البيوت التى تحيط بال�ساحة .كان �شيئا جديدا .. ورائعا ،والمئات يفتر�شون الأر�ض �أمام من�صة أ�قيمت من �أعواد الخ�شب الم�ستعارة من �شادر (ال�سيد مطاوع) والم�صفوفة فوق البراميل الجاز الفارغة من عند (ح�سن موافي) ،يحيطها �إطار من �شقق الفرا�شة إ��ست�ؤجرت من (الجمالية) ..و�صن ّعت لها �ستارة من ملاءات �سراير بي�ضاء ا�ستعيرت من بيوت بع�ض الطلبة وا ألكابر والعر�سان الجدد .. ال�ساحة تقع تقريبا فى منت�صف علو البلد بالقرب من مطلع �شارع ال�سوق الذى يبد�أ من جرن (دار �أحمد) حتى ترعة (الجوابر) ،وكانت خلف بيت (الطنطاوي) .وكان بيتا ذا مدخلين باب يفتح على �شارع ال�سوق و�آخر خلفى على ال�ساحة .التى يعطيها ما يحيط بها من بيوت 370
ربه) �إلى نجوم يعاملون بكل �إحترام وتبجيل ..و�صار كثير من الأولاد والبنات الذي هم فى �سنى يطاردوننى بكلمات المونولوج الذى أ�لقيته بانفعال من تحت خ�شبة الم�سرح نيابة عن روح ال�ضحية البريئة . (�أنا بريئة ياعادل (ا�سم ابن عمها وحبيبها المحامى) �إوعى ت�صدق اللى بيقولوه عليه ..انا ماحبيت�ش غيرك ..ظلمونى بكدبهم وجنوا على �أبويا واخواتى قبل ما يجنوا عل ّيه ..أ�نا بريئة وطاهرة ياعادل . ).. تلك الكلمات التى أ�بكت الرجال قبل الن�ساء ..وكنت فى البداية �أغ�ضب و أ�زعط فى الذين ي�صرخون بها عل ّى ثم أ��صبحت أ�بت�سم لها ..بل واحزن �إذا امتنعوا عن ملاحقتى بها ..بل وكنت �أحيانا �أحر�ضهم على ا�ستعادتها .. العجيب �أن (حمادة الم�صرى) �أ�صبح يغامر كل �شهر تقريبا في�صعد �إلى قمة ال�صارى لي�ستبدل العلم ا ألخ�ضر ذا النجوم الثلاثة ب آ�خر جديد .. ولم يكن يقوم بهذه المخاطرة قبلها ..إ�لا من ال�سنة لل�سنة قبيل رم�ضان ، ليعلق راية ملونة ب�أي لون كان . أ�عطى نجاح البدعة الم�سرحية دفعة هائلة لن�شاط النادى فى مختلف المجالات كما دفعت مكانته ومكانة أ�ع�ضائه عند أ�هل القرية ف�أن�ضم إ�لى ع�ضويته عدد ال�شخ�صيات الم ؤ�ثرة كانت المائة جنيه ا ألولى من التبرعات قد ّمكنت النادى من �شراء ملاب�س لفريق كورة القدم و�صنعت من�ضده لتن�س الطاولة ح�سب ا أل�صول .وا�شتريت ملاب�س وم�ضارب للراكت ولكرة ال�سلة ..وكنا قد طبعنا للم�سرحية تذاكر باهظة الثمن �أعتبرناها نوعا من ال�ضريبة الت�صاعدية -نر�سل وفو ًدا بها إ�لى الأثرياء -طبعنا من فئة الخم�سين قر�شا عد ًدا أ�كبر � .أما باقي التذاكر فكانت بخم�سة قرو�ش . وطبعنا منها أ�كثر من مائتى تذكرة ولذلك كان الإيراد طي ًبا غطى تكاليف 373
و�صديقى (فاروق النملة) يوم كذبتها ف�صدمت .واعتذرت ب�أنها لابد كانت تلب�س عيونها القديمة !! لكن أ�بى ي ؤ�كد �أنه لم ي�شهد منذ جاء �إلى الدنيا �أحدا يجدد هذا ال�صارى �أو يقيم ذلك المولد ..واكد لى هذا الر أ�ى �أن القرية فى �سعيها لتقيم مولد (�سيدي مجاهد) بعد قرار الحكومة الملكية ب إ�عادة �إقامة المولد .لم يفكر أ�حد من �أهلها في مولد (�سيدي أ�بو خ�شبة) �أو يذكر �إ�سمه. وحتى عندما �إجتمعت عائلات البلد وق�سمت فيما بينها تلال (الخرابة) بما فيها تلة (�أبو خ�شبة) نف�سه .وقامت رجالا ون�ساء وحميرا وجمالا ,بنقل تراب المقابر القديمة (الكفرى) الخ�صب (كل عائلة �إلى �أر�ضها) لتخلو تلك الم�ساحة ال�شا�سعة تمهيدا لبيعها وتخ�صي�ص ثمنها لبناء المدر�سة الإبتدائية ( إ�ياها) والتى �ضاق بتلاميذها بيت (ال�شيخ علي) .. كل هذا هو الذى �سمح لنا ولنادينا �أن ندخل بدعة الم�سرح إ�لى تلك ال�ساحة ،خا�صة و�أن من يفتر�ضون ( إ�ن كل بدعة �ضلالة) كانوا فى حالة �ضعف �شديد ي�صل إ�لى حد التلا�شى أ�و الكمون ،بعد �أن ع�صفت بهم وب ّجوالتهم �سنوات �إرهاب (عبد الهادي) .و إ�ن لم ي�صب رذاذها �أحد من �أع�ضائها فى قريتنا ،اللهم �إلا ما كان من نقل أ�بي ونفيه �إلى (عزبة البرج) رغم �أنه كان قد ا�ستقال من ع�ضويتها علنا .. رفعت (بدعة) الم�سرح التى أ�دخلها الطلبة إ�لى �ساحة ال�صارى مكانة ال�ساحة واعادتها لذاكرة القرية بقوة و�صار أ�هل علو البلد ي ؤ�رخون لأحداث كثيرة من حوادث أ�يامهم بموقعها من قبل ومن بعد ليلة الم�سرحية .وتحول أ�بطال الم�سرحية (احمد �صبرى بكر) و(الد�سوقى النادي) و(م�أمون مجاهد) و(محمد عبد ربه) وطبعا مخرجها وم ؤ�لفها (ح�سين عبد 372
كانت حالة من الفرح .زاد معها عدد ال�صحف التى يح�ضرها قطار العا�شرة وت�ضاعف ..و�أ�صدر النادى مجلة حائط با�سم (الفجر) كان ير�سمها (م أ�مون مجاهد) ويحررها طلبة النادى ممن �صار بع�ضهم فى الجامعة .وهرب (ح�سين عبد ربه) �س ًرا ليلتحق بالفدائين فى القنال ،على �أن يلحق به (م�صطفى الزفتاوي) و(محمود الفل�سطينى) الذى قام بتدريب من يتوق للتطوع -بعد �أن عاد من رحلته الطويلة -منذ أ�ختطفته ال�سلطة إ�بان الحرب ا ألولى ور أ�ى فيها من العجائب ما ت�شيب له ال�صبايا -حرب وغربة و�سجن في جزيرة ال�شيطان .ومغامرات في (بلاد الأمازون) مما �أجبر خالى (الخمي�سى) أ�ن يمتنع عن أ�غاظتى بعزف �سيمفونية الم�أم أ�ه ويكف عن و�صف أ�هل (ميت �سل�سيل) بالغنم ا ألبي�ض . ••• 375
العر�ض و إ�قامة الم�سرح وا إل�ضاءة وال�صوت ..بل وتحقق منها فائ�ض �أ�ضيف إ�لى ميزانية النادى ،مما مكننا من �إ�ستئجار �شقة فى الدور ا ألول لم�سكن من ثلاث أ�دوار ملكا ألحد أ�فراد �أ�سرة (مطاوع) �أمامه م�ساحة وا�سعة كانت ت�ستوعب بع�ض �إمتدادات �ساحة العيد �أمام دار (همام) . لكن �أهم التطورات التى حدثت بعد الم�سرحية كان ان�ضمام عدد من جوالة ا ألخوان ال�سابقين �إلى ع�ضوية النادى ومنهم (بكر �ضيف) أ�حد قادة الطابور المذكور فى أ�حداث مولد (�سيدي مجاهد) ...وكان لاعب كرة ممتاز � .سرعان ما �صارت له جماهيرية �شديدة �إذ كان هدافا �ساعد على تحقيق �إنت�صارات كبيرة لفريق النادي في الدوري ،الذى �صار حدثا تاريخ ًيا وهاما فى حياة القرية وحياة القرى المجاورة من (الب�صراط) حتى (منية الن�صر) .وكانت ال�صدارة فيه دائما ل�صراع �شديد ومناف�سة قوية بين نادينا والنادى الذى أ��س�سه النائب المنت�صر في قريته (برمبال القديمة) . وتواكب هذا الزخم الريا�ضى والفني وتواكب مع ما اجتاح البلاد كلها من مد �شعبي أ�حدثته انتخابات الوفد وماقامت به حكومته من �إعلان مجانية التعليم و أ�نه كالماء والهواء والإفراج عن المعتقلين ال�سيا�سيين ،وتوج ب إ�لغاء معاهدة 36وما �صاحب ذلك من فورة حما�س �ضد الاحتلال ..وا�ستعاد الوفد �سمعته التى نال منها قبوله الوزارة على �أ�سنة الحراب ا إلنجليزية .وماخلفه الكتاب ا أل�سود ،وان�شقاق (مكرم عبيد) منذ عدة �سنوات ..وارتفع بناء المدر�سة الجديدة وكان التلاميذ يخرجون من الف�صول إ�لى حيث يجرى البناء الجديد ،فى جرن كان بركة مجاورة للطريق الزراعي فى مواجهة ميدان المحطة ..ي�ساعدون فى نقل الطوب �أو مناولة المونة للبنائين .. 374
حين و�ضعت ال�سماعة ووجدتنى فى حركة طفولية أ�فرك يدى فرح ًا ألن البيع جاء فى موعده تما ًما لي�ساهم ب�شكل كبير فى تكاليف علاج زوجتى وليحل ب�شكل ما م�شكلة تكاليف طبع الجزء الأول من هذه المذكرات ،الذى أ�كتمل فى رواية منذ أ��سابيع .توقفت بعدها عن إ��ضافة �سطر واحد لبقية ا ألجزاء مما جعلنى أ�ظن أ�ننى لن �أكتب �سطرا �أخر ،عج ًزا أ�و ي أ��ًسا أ�و ب�سبب ا إلح�سا�س القاتل بعدم جدوى الكتابة ,وال�شك الكبير فى فائدتها ألحد و�سط هذا المهرجان الدموى من القتل والذبح والاغتيال المتبادل ،المحتدمة طقو�سه فى المنطقة والذى تحيل تفا�صيل �أحداثة اليومية عملية الكتابة م ًرا وعلق ًما و�شو ًكا في العروق . أ�جد نف�سى غا�ض ًبا طوال الوقت ،غا�ض ًبا على نف�سى ومنها ،غا�ض ًبا على النا�س ،وغا�ض ًبا من �أ�صدقائى ،و أ�كثر غ�ضب ًا من الوطن الذى �أراه را�ضي ًا بالإهانة والمهانة ،عاج ًزا عن رف�ض ما يحدث له ،متخب ًطا في فهمه قا�ص ًرا عن الوعي به والاحتجاج عليه . غ�ضبى يم�سك بخناقى ،يجبرنى كلما أ�م�سكت بالقلم على كتابة ما يملية على أ��شعا ًرا و�أزجال ًا م�ستفزة متفززة أ��شبه ب�صراخ الاحتجاج ، و�سباب اللوعة .ك�صكات �شماريخ من خ�شب الأثل على كل الر�ؤو�س ، بما فيها ر�أ�سى ور�أ�س من خلفوني .وحدى أ�عانى ح ّمى غ�ضبي ،ك�أني �آكل لحمي الحي .وهو �أمر يعجزني ويحول بينى وبين كتابة الفرح ،وها هو وقد غمرنى �شعور جاد بالجريمة ،يدفعنى �إلى الموافقة على بيع البيت بيت الأحلام والطفولة والمرح . �أقنعت نف�سى أ�ن طباعة ذلك الجزء من ال�سيرة – الرواية التى أ�نتهيت منها – �سوف يريحنى قليلا و�سينفث رد الفعل الذى أ�توقعه حيالها قليلا 377
وما تخفى �صدورهم فزعت حين �ضبطت نف�سى متلب�سا (بالكذب الفنى) إ�ذ غمرنى للحظة �شعور �سعيد من الراحة حين هاتفنى �أخى الأ�صغر(دكتور ه�شام) يخبرنى أ�ن هناك م�شترى تقدم ل�شراء بيتنا (بيت جدى) بيت التاريخ وال�سيرة ،ب�سعر معقول !! قال ... ( -عادل ) موافق ,هو الذى �أر�سل إ�ليه الم�شترى �ضبطتنى فرحا �أعده أ�ن �أبذل جهدى لإقناع �أخينا الرابع (د.جمال) بالبيع و�أن �أ�سعى للح�صول منه على توكيل ببيع ن�صيبه لإتمام ا ألمر ب�سرعة و لا ننتظر ح�ضوره من (اليمن) ،هكذا بهذه الب�ساطة . ك أ�ننى أ�تخل�ص من ثوب قديم . 376
الغفران ال�ساذج وال�سماحة الريفية -كان يرم عظامها الواهنة ،وي�صلب عودها المتهاوى كى تم�ضى م�ستندة إ�لى عكاكيز من التعالي ،وعوائق الم�سافات الطويلة بين كل من ال�شرقية واليمن وال�ساحل ال�شمالى والمن�صورة ودمياط الجديدة وبين ميت �سل�سيل . -أ�فزعتك الهوة التى وجدتها تف�صل بينك وبين أ�خوتك وبين كل واحد منهم والآخر ،ظننت أ�ن بيع البيت �سوف يكون علا ًجا لذلك !؟ -اكت�شفتها اليوم فقط يا فالح ،من دقيقة كنت تقول أ�نك كنت تراقب تطورها و إ�يقاعها البطئ ! -كيف فج أ�ه إ�ذا حدث الاكت�شاف الرهيب ؟ (ه�شام) يلاحقك للح�صول على التوكيل ؟! وجدت نف�سك ت�س أ�ل في ت�شكك -هو م�ستعجل بيه ؟! (جمال) ب ّدل وغيرّ ر�أيه عدة مرات ،وافق ثم �أعتر�ض وجاملك مظهراً بانه يمكن �أن ي�ساهم في طبع الرواية ،ويظل البيت على حاله ، لكنك رف�ضت و�ضغطت فى الاتجاه المعاك�س م�ستخد ًما (ه�شام) وحاجته الما�سة للنقود ،لتغطية رغبتك �أنت فى البيع إ�لى �أن وافق وعمل التوكيل فعل ًا .لكنه قبل �أن ير�سله لك أ�قترح �أن ي�شترى البيت �شراكة مع (ه�شام) و(ه�شام) رف�ض بدوره .وقال تعبي ًرا تعجبت له أ�ن هذا لو حدث �سيكون (جمال) �أكثر منه قوة فى هذه ال�شراكة .ده�شت و�صرخت غا�ض ًبا (ه ّى حرب ؟) ده أ�كيد كلام حد تاني!! أ��ستنكر (ه�شام) ذلك ثم عاد و�أقترح أ�ن ي�شترى هو البيت كله ،وبال�سعر القديم الذى أ��شترى به ن�صيب البنات من قبل . 379
من غ�ضبى و�أعود متعافيا فرح ًا لا�ستكمال ا ألجزاء الباقية .ورحت �أدور بها على كل فر�ص و إ�مكانيات الن�شر المتاحة ،فلم أ��صل �إلا لفر�صة طبعها على ح�سابى كالعادة رغم ما فى ذلك ا ألن -فى ظروف مر�ض زوجتي -من �إرهاق على كل الم�ستويات . يبدو لي أ�ن ذلك كان �سبب فرحي ،فن�صيبى من ثمن بيع البيت �سيحل جان ًبا كبي ًرا من الم�شكلة .ويخفف من أ�زمتى المالية ,من ثم �أعود إ�لى ا�ستكمال الأجزاء الأخرى من هذه (ال�سيرة) التى �أعتبرها م�شروع حياتى ا ألخير .وجوهرة التاج ودرة الإنتاج ا ألدبى فى �أخر م�شوارى الطويل المتخم بالعذابات وا إلحباطات منذ �أطاحت بى حرفة ا ألدب التى ه ّوته التي لا قاع لها . ارتحت لهذا التف�سير لكننى ما أ�ن �شرعت فى جهود الات�صال ب�أخى (جمال) ،اطلب منه توكيل ًا إلجراء البيع على وجه ال�سرعة ،حتى وجدتنى فى دوامة من أ�فعال وردود أ�فعال المواقف ال�صغيرة التىر�سمت �صورة �شديدة التعبير عما و�صل إ�ليه حالى وحال الدنيا والعلاقات الان�سانية من تدهور مثير للإحباط والغ�ضب �أكثر . وت�أكدت �أن طبع الرواية -لو حدث -لن يجدي في بعث �أي درجة من الفرحة تكون كافية لتعيدنى إ�لى الكتابة مرة �أخرى. إ�كت�شفت �أن علاقاتنا -إ�خوتى و�أنا -وكنت أ�ر�صد تحولاتها ل�سنوات ،خلال عديد من الحوادث ال�صغيرة والمواقف المتناق�ضة، والخلافات التافهة وكنت �أعتبرها عادية مثل غيرها تحدث بين غيرنا من الأخوة والأ�صدقاء . اكت�شفت �أنها تتدهور وتتفكك ب إ�يقاع مطرد هابط ب�إ�ستمرار ،و�إن كان قليل من التظاهر المتبادل وبع�ض التجاوز غير المق�صود ،وكثير من 378
ح�ضرية ،وهذا حقهم .والبيت �أ�صبح عبئا عليه دوننا فقد كان م�ضطراً أ�ن يعود للبلد كل مدة ،يراجع الموتور ويتابع م�شاكل ا ألر�ض .وازداد عبء البيت مع الأيام ،فال�سقف بد أ� ينهار و أ��صبح المبيت فيه خطرا �أو مثي ًرا للخوف خا�صة لدى البنات ،وزاد من عبئه م�شاكل زوجته وبناته مع الجيران و أ�بنائهم بعد الهجرة �إلى المدينة وممار�سة الحياة الح�ضرية .إ�ذ تغيروا و�صاروا ينفرون من اللعب معهم والاختلاط بهم ،و أ�ثار ذلك حفيظة بع�ضهن وبع�ضهم ,وطفحت بينهم الذكريات القديمة غير المريحة والإحن الموروثة من أ�يام الآباء ،حركتها م�شاعر الغيرة الطبيعية مختلطة ب�أوهام ال�صعود الاجتماعى . قلت له :الحقيقة م�ش فاهم �سر عودتك للتم�سك بميت �سل�سيل ، كنت �أت�صور �أنك �أول واحد يفرح .خا�صة وانت ادرى النا�س بحال البيت و�إحتملات �صموده ،ارتبك ،وزاد ارتباكه حين طلبت منه بحزم ان يوقف إ�جراءات البيع ،ويتحجج للم�شترى بعدم الح�صول على التوكيل من (د .جمال) والانتظار حتى ي أ�تي في الأجازة . �صرخ محت ًجا لوهلة ،ثم تردد وتراجع قائلا ،النا�س ها تاكل و�شه . و�أنه لا ي�ضمن (جمال) ألنه �سيرجع فى كلامه كالعادة ,ثم دخل فى محاولة إلغرائى بال�سعر الذى يعر�ضه الم�شتري .و أ�لمح �أنه لن يوافق على البيع ألى من كان ب�أقل من ذلك . �أح�س�ست �أن هناك �أمر ما �أخفاه عنى ف�س أ�لته فى حزم : � -أنت �أخدت فلو�س من الم�شترى ده ؟ تردد ثم تلجلج قائل ًا : � -أ�صل ... وهنا أ�نفجر غ�ضبي .ألننى لم ات�صور أ�نه قرر ونفذ بالفعل ،ثم 381
الفكرة بالت أ�كيد لي�ست فكرته -فهو لا يتقن اللوع -على ر�أي �إحدى �أخواتك ،لكن (جمال) رف�ض . عاد (جمال) وكلمنى من اليمن طالب ًا �شراء البيت كله .مما حيرنى و أ�غ�ضبنى حين قال ( أ�نه أ�ولى على كل حال من الغريب) ،ثم عاد وطلب أ�ن نتهاون في ال�سعر بع�ض ال�شئ ،طالب ًا أ�ن يدفع �شي ًئا مقد ًما ،و�أن ي ؤ�جل الباقى �إلى يوليو القادم ،وطب ًعا كان لابد �أن يثور (ه�شام) ويطالب هو الآخر بكل فلو�سه مرة واحدة .وتركك الجميع غار ًقا في محاولات تبين الدوافع وراء كل هذه الانقلابات ،خا�صة عندما عاد(ه�شام) يقول – طب ما ا�شترى أ�نا بالت�سهيلات دي ! فكرة �أخرى غريبة عليه وعلى طبيعته الم�سالمة ..وهم�س البع�ض (ي�شتريه بالرخي�ص وتانى يوم يبيعه بال�سعر المعرو�ض) . حاولت ا�ستبعاد كل هذه ال�شكوك وال�سفا�سف ونفيها عنه . ولما �س أ�لت (ه�شام) وحايلته كى ير�ضى ب�شراء (جمال) للبيت والانتظار عليه والت�ساهل معه ،ت�شكك من ناحيته فى موقفى وحا�صرنى وجادلنى ك�أنه يبحث عن (م�صلحة لى فى الأمر) .و�أغ�ضبنى هذا ج ًدا حتى قلت له أ�ننى �سوف �أكون �أخر واحد يطلب ن�صيبه ،بعد أ�ن ي�سدد (جمال) للجميع ،لم يقنعه هذا .عاتبته في رفق مذك ًرا إ�ياه أ�نني كنت دائما أ�قف فى �صفه وكنت منذ البداية الذى ن�صحه بعدم �شراء �أن�صبة البنات ، فقد كان م�ستقرا وكان ي�سكن البيت فعلا ،ووعدته �ساعتها بان أ��ضمن له ب�ألا يطالب أ�حد ب إ�خراجه و أ�ن يعتبر البيت بيته لكنه �أ�صر على ال�شراء ! �أيامها كان يتابع م�شاكل الأر�ض مقيم ًا به ،لكن الظروف تغيرت . فقد قرر الهجرة �إلى دمياط الجديدة ،تنفي ًذا لرغبة زوجته وبناته فى حياة 380
انتهت المكالمة لكن ده�شتي لم تنته ،وجدت نف�سى وج ًها لوجه أ�مام الحقيقة العارية التي كدرتنى و أ��شعلت نيران غ�ضبى من نف�سى ،من الطريقة التى يبدو معها ت�صرفي ك�أننى �أ�شو�ش على ما تج�سد �أمامى فى مر�آة فا�ضحة � ،صورة لى ،ما أ�ن دققت فيها حتى أ�نكرتها � .أفزعتنى �صورة ذلك الذى يبدو طيبا �أمامى متظاهراً بالحكمة والفهم ،مت�سل ًحا بال�سماحة الريفية وبالايثار والحب ،ليتمكن طوال الوقت من �إخفاء كل هذا القدر من ا إلثرة ،والأنانية وقلة الوعى بل ...والكذب . -لم تعد روحى تحتمل هذا القدر من الكذب الفنى ..فكيف أ�عاود و أ�وا�صل الكتابة ؟! �صحيح �أن ما أ�حمله من عاطفة وذكريات لم تكن تتعلق بالبيت الذى نتحدث عن بيعه فل�ست أ�حمل له الكثير من العواطف ..بل وكثيرا ما �أن�سى �صورتة واجدنى دائما �أتحدث عن ذلك البيت القديم .. الذى �ضاع منى ك أ�حد النتائج الفادحة غير المبا�شرة لت�صدع الحلف الوطنى فى نهاية الخم�سينات !! ••• 383
تلاعب بى ألح�صل على توكيل (جمال) وموافقته على البيع .ولم ا�ستطع فى حمقة غ�ضبى �أن أ�نطق فاغلقت الخط ،تجنب ًا �أن �أ�سمعه مالا ير�ضاه . �صدمت بالفعل . �أت�صل (عادل) بعد يومين وبطريقته التى يغلفها بالكثير من الحنان والوداعة �س أ�لني . -لماذا �شتمت (ه�شام) وهو لم يق�صد ... قاطعته بحده .. � -أنا ما �شتمتهو�ش � .أنا قفلت ال�سكة عل�شان ما �ألعن�ش اللي جابوه ...أ�نا على الآخر م�ش هاكون لعبة فى �إيد حد مهما كنت �أحبه � .أعملوا إ�لى انتو عاوزينه � ..إخبطوا دماغكم فى الحيط مع بع�ض �أنا لا عندى وقت ولا دماغ للمهاترات د ّية ،وتبيع البيت ما تبعهو�ش ،تحرقوه تهدوه ,لو عايزين منى تنازل عن حقى فيه ح �أبعته لكم وتبقى يا�سيدى بجملة – زيه زى �شقة (ال�شناوي) ! لم �أكن أ�ريد بجملتى الأخيرة هذه إ�ثارة مواجع قديمة أ�و ال�ضغط على جرح قديم ..كنت قد تخطيت �أثار تعقيداته وتجاهلته برمته وبكل ما عا�صره من التبا�س أ�حزننى ،وما أ�حاط به من �سوء فهم ونوايا غير طيبة . تداركت الأمر واعتذرت له ب�سرعة عما قلته متحجج ًا بمدى غ�ضبى وحمقى اللذين جعلانى غير �صالح للمناق�شة . وعلى عك�س ما توقعت ،كان رد فعل (عادل) باه ًتا ،إ�ذ تجاهل ما في قولى من تلميح ،و�أخذ ي ّهون على الأمر ويعتذر لي عن (ه�شام) ،ويتعهد بالحديث معه لإقناعه ب أ�حقية (جمال) فى �شراء البيت . 382
وه�شا�شة الطقم الذي انك�سر عدة مرات فى فمك .ومابالك وحكاية (البرو�ستاتا) و�سل�س البول ؟ مواويل مقدرة كلها ت ؤ�كد أ�ن العد التنازلى قد بد�أ ولا مفر .. (نجلاء) بعد �سبع �سنوات من عملية ال�صدر ال�شمال دخلت في مرحلة عودة ا إل�صابة و إ�نت�شار المر�ض في الحجاب الحاجز وم�سل�سل عمليات البذل والحقن الكيماوي � .إلى �أن رقدت في المعهد أ�خيرا تقاوم إ�نزال ال�ستار في �شجاعة تح�سد عليها !! هكذا الدنيا ..فماذا �ستنتظر لتعاود الكتابة ..بينما تلاحقك ا ألحداث وت�ضطرك لتفريغ طاقتك ال�شعرية فى تعليقات �ساخرة تهاجمك ولا ترحمك ولا ت�سمح لك بتوفير طاقتك للعودة �إلى هوام�ش ال�سيرة .. تتخذ قرارات .و�سرعان ما تناق�ضها وت�صمم ب�إ�صرار و�شدة .ثم تتراخى.. ولا حل إ�لا �أن ت�ست�سلم فعليك أ�ن تمار�س أ�مور الحياة المادية بنف�سك .. ذات يوم لم تذهب للجمعية العمومية لاتحاد الكتاب وف�ضلت �أن تتحامل لتقوم بم�سح المطبخ والحمام بعد ان �سادت القذارة والبقع �أر�ضية ال�سيراميك ..وغ�سلت الملاب�س والمواعين ف إ�ذ بك تكتب تعليقين في (رباعتين) واحدة عن (ولي عهد م�صر) وواحدة �أخرى عن (ال�شعرا المخبرين) ..متحديا فكرة إ�ل ّا جدوى من الكتابة ،و أ�لا احد يقر أ� ..ولا �أحد ي�سمع و�أنك لن تطولها ..ولن يمكنك هذا النظام وهذه ال�سلطة من حلمك بم�شاهدة نهاية هذا الهول الذى ي�أخذ بخناق م�صر ويع�صر قلبك ويح�سرك على كل ما م�ضى وك أ�نه كان الفردو�س ! هل هي ا إل�شارات التي ذكر (ا�سماعيل) أ�نها ت أ�تى إ�لى ا إلن�سان كى تعلنه بالنهاية قبل موعدها ب�أربعين يوما ؟ ..تلح عل ّى كل ليلة تقريبا ..أ�رى 385
حتى طال عليهم العمر هل أ�نت تقترب من الم�شهد الأخير .؟! ياللهول كل من تذكر هذا �أمامه يزعط فيك ويقول اللهم �أخزيك يا�شيطان .؟ ليه ياجدعان ..الموت علينا حق ,وكل حى لموت مهما طال الوقت ..ومات�صدقو�ش إ�ن �أنا باقول له اهلا و�سهلا ..على الأقل انا ل�سه ماخل�صت�ش (مذكراتى) �أو هوام�ش (ذكرياتى) و�سيرتى (العطرة) !! تقوم من ال�سرير حذرا من �أى حركة عنيفة لرجلك ال�شمال ..يا ي�سارى !! و�أنت لا تنام إ�لا وقربة الماء ال�ساخنة تحت ركبتك ..وتتمنى الانتهاء من موال (اليوريك �أ�سيد) والخ�شونة لكى تبد�أ م�شوار عينيك والمية البي�ضا التى تجاهدك بعد عدة �صفحات ...وتقاوم قلقك على ت�آكل �أ�سنانك 384
لا يفوت فر�صة لانتهاك حرمة .أ�و تجاوز حد أ�و لا�شباع طاقة النهم والا�ستحواز التى تفور عند أ�مثاله ،ممن يعتبرون أ�نف�سهم بكل جدية �أ�صحاب هذا البلد ومبعوثى العناية الإلهية لغزو ن�ساء وبنات وخيرات ا ألر�ض مثله مثل معظم كوادر (نظام يوليو) الذين تربوا وترعرعوا فى ظل �سلطة (هيئة التحرير) و(الاتحاد القومى) و(الاتحاد ا إل�شتراكى ) و(التنظيم الطليعى) و(اجهزة الأمن العديدة ) حتى آ�منوا بكل ثقة �أنهم أ��صحاب وحكام هذا البلد الم�سكين .لايكف لحظه عن التفاخر ب�سرد مغامراته التى لا يت�سع لانجازها عمر ع�شرة أ��شخا�ص �سواء من ناحية أ��ستيعاب زمنها .. �أو لاحتمال تبعاتها و أ�ن كنت �أ�سخر من نف�سي لأنني أ��صدقه . كان تكرار الحلم و�إلحاحه عل ّى كلما غفوت ،يم أل أ�نفي برائحة الموت ..ويزيد من �إح�سا�سى بعدم جدوى إ�كمال الرواية التي تتتابع كفيلم فى ر�أ�سى أ�حداث ف�صولها �صورا وجمل حوار متهالكة .ولا �أ�ستطيع نقلها �إلى الورق محبطا مكتئبا تعاودنى فكرة أ�ن لا جدوى لمايكتب أ��صلا فلا �أحد �سيقر�أ ،ولا �أحد �سيهتم . ها هو العالم يم�ضى مندفعا يلهث نحو م�صير لم نتوقعه في �صبانا وفى طريق لم تت�صوره قناعتنا القديمة ،ولم تتخيله �أحلامنا المجه�ضة ..يعجز القلم وين�شل بعد �أن ُق�صف �سنه منتحرا ،ولا يجر ؤ� على ملام�سة الورق . تموت الكلمات والجمل الملحة قبل �أن تتج�سد حية �ساخرة من (ا�سماعيل) وتخاريف توقعاتة ..ومنى . الم�ؤكد �أن للموت �إ�شارات �أخرى � ..أح�س�ستها اليوم وانا فى طريقى لمعر�ض الكتاب الذى لم يعودوا يدعوننى إ�لى حفل إ�فتتاحه ،منذ تخطيت متجاوزا (العرف والقواعد) لأتحدث بفجاجة إ�لى رئي�س الجمهورية عن 387
(ح�سين عبد ربه) و�أرى (�أبى) �أركب معهما قطار الدلتا و�أحيانا �أقوده بنف�سى عبر الج�سر العابر �أمام بيت خالتى (ال�سيدة) فى (الكفر الجديد) لكنه يبدو فى مدينة حديثة .و إ�ن كنت �شاهدت القهوة التى تبدو مدفونة فى ركام من الرطوبة والك�سل .و أ�رى �شجرة التوت ،والبربخ ا أل�سمنتى العتيق ،تندفع من تحته مياه الترعة نحو ظلال الغاب الذى يبدوكثيفا على غير الحقيقة . �أرى (ر�سميه) فوق ح�صيرتها تتابع خلق الله عبر انفتاح زاوية الباب القديم على رحابة الزراعية والج�سر وجرن (الهوارية) الخالى المحاط بال�سور المتهدم والقطار الذى لا �أ�ستطيع عد عرباته يكاد يطير نحو ال�شرق هابطا منزلقا عبر قرى (الجمالية) و(الب�صراط) إ�لى البحيرة مبا�شرة يكاد يلم�س �سطح الماء . و�أبي ي�ضحك وهو يوقع بالقلم الكوبيا على فخذى توقيعه المعقد حتى ي�ضمن أ�لا أ�نزل �إلى البحر ال�صغير خ�شية الأ�صابة بالبلهار�سيا .. و�أرى (ح�سين) يعود إ�لى �شقة (ال�سكاكيني) مهزوما .ومياه المطر تغرقه مم�سكا بياقة جاكتته التي لم تلم�سها المطرة .تع�س ًا لأن (زينات) �أخلفت موعدها معه عمدا لتغيظه ,فظل يدور حول بيتها فى (م�صر الجديدة) تحت المطر دون �أن تعطيه الفر�صة ليراها. أ�بدو منت�شيا وانا أ�قبل البنت (مديحة) فى حماية �ساتر طبيعى من يا�سمين الم�ست�شفى الزفر .كلهم زوارى من الموتى فما بالى؟ هل �أحاول اللحاق بهم ومابالهم يلحون عل ّى ؟ .كل ليلة ب�شكل جديد فى �أماكن عديدة وطرق مختلفة ؟ ..هل هو الموت الذى كنتم به توعدون ؟هل هى النهاية التى تاتيكم بغتة وانتم لا ت�شعرون ؟... يقولها ( إ��سماعيل) ب�إيمان �شديد مرعب يليق برجل (فلاتي) �أ�صلي 386
بفعالية (ثورية) فى هدمه ا ألول .كلما �أح�س أ�ن هناك من يوا�صل البحث فى دوافع مرتكبى الجريمة أ�و ا ألخذ بالأ�سباب ،التى تدينهم. عاتبت نف�سى على تهورى و�أرجعت تعب �ساقى من الم�شى وبطء خطواتى �إلى حالتى النف�سية التى �أك أ�َبها �إنزلاقى لهذا ال�سلوك الهمجي .الذي لم يعد يليق ب�سني و�إلى ذلك ال�شلل المرتبك الذي أ��صاب المدينة بالجنون لنقل موقف الاوتوبي�س العام لم�سافة ن�صف كيلو .و أ��ستدعي نزول ن�صف مليون من جنود ا ألمن العام لتنظيم �سير المواطنين فوق ا ألر�صفة فى الم�سارات الجديدة .ورف�ضت ب�شدة فكرة اعتبار ذلك �أي�ضا من الا�شارات ا إللهية .و أ�رجعتها ل�سيا�سة التحديث والتغير التى كلف بها الرئي�س المبارك حكومته القديمة في دورة برلمانية جديدة . أ�لم أ�قل لكم ؟؟ ها أ�نذا قد ن�سيت (ا�سماعيل) فى غمرة إ��ستر�سالى وخروجى الدائم عن المو�ضوع الذي حذرتكم منه قبيل �شهور عديدة يوم بدات كتابة روايتى ..وذلك الا�ستر�سال المعيب الذي يجعلنى لا أ�ف ّرق بين الأحداث الهامة التى تدفع الدراما إ�لى ا ألمام أ�و التى تجعل الحكى م�ؤث ًرا ، وبين تلك ا ألحداث والتفا�صيل غير الهامة غير الدرامية ،وذلك الحكى الثرثار الذي ين�شغل ب أ�مور عابرة لا قيمة لها ..تجعلنى �أ�شك في جدوى وقي َمة ما �أكتب .خا�صة عندما �أذكر �شخ�صية مثل ( إ��سماعيل) التي عبرت بال�صدفة البحتة �أفق حياتى ،بل و�أذكرها ب إ�لحاح وبطريقة توحى ب أ�ن لها دور فاعل �أو ذو قيمة فى مجريات ا ألمور -باعتباره عالمًا ببوطن ا ألمور فخو ًرا بكونه عميل ًا قديمًا أ�و عامل ًا في �أعتى جهاز �أمني في البلد -ثم �أن�ساها وك�أننى – وهذا غير منطقي وغير �صحيح – لا �أهتم بها وبمثيلاتها �أ�صلا ... 389
�إنتخابات الجزائر التى �أجه�ضها الع�سكر فيما بعد .و�أظهرت بجاحتى و�أنا �أقدم له نف�سى و�سط القطيع متطاو�سا باننى (�شاعر ي�سارى) .اليوم �أذهب إ�لى المعر�ض بالموا�صلات العادية لأتاكد من �صدور �أخر كتبي � .سرت عبر �شوارع وميادين مدينة جنت لأن موقف ال�سيارات العامة تقل من ميدان (رم�سي�س) �إلى موقف (�أحمد حلمي) على بعد اقل من كليومتر .وكان هذا الأمر التافه �أن ي�سفر عن كارثة . فقد تكد�س النا�س على ا ألر�صفة المحا�صرة بجنود الأمن العام وارتبك ال�سائقون وعجزوا عن تحديد م�ساراتهم بال�ضبط .جنت العربات وهى تدور حول نف�سها وحول البيوت فى م�سارات جديدة مجهوله . تثير �صرخات الهلع والغ�ضب وتبعث على القرف وال�شك فى حدود تكريم الله ل إلن�سان الغ�شوم الظلوم الذى أ��صر على حمل الأمانه .وتعيد إ�لى ذهنى ب�إلحاح ا�صرار ( إ��سماعيل) على اثبات إ�يمانه العميق با إلله المنتقم الجبار الذى ت�سع رحمته خطايا العالمين .فيعمد إ�لى إ�ر�سال إ��شاراته بقرب زيارة (عزرائيل) لقب�ضهم �إليه قبل أ�ربعين يوما حتى يجدوا فر�صة للتوبة . وي�سعون للنجاة من غ�ضبه وعذاب �سعيرة وناره الموقدة ،وهم غارقون فى أ�ثامهم اللذيذة .. كدت �أتعثر حين �شعرت بتعب �ساقي من الم�شى على غير العادة .. وبطريقة لم أ�ح�سها من قبل .ولم أ�جد كتابى فى المعر�ض .تذكرت �أننى با ألم�س كدت قد تطاولت غا�ضبا على الناقد (�إبراهيم فتحي) �أحد الزعماء القدامى الهام�شيين للحركة ال�شيوعية ،حين تطاول دون مبرر على قيمتى لمجرد �أنني قاطعته في ندوة �أدبية ،وهو يمار�س هوايته الجديدة فى ت�شويه قناعاتنا القديمة ويوا�صل تخريب واعادة هدم أ�نقا�ض المعبد الذى �ساهم 388
وقلوبهم �ش ّتى .. تطاردني ذئاب آ�لية و أ�نا أ�عبر مملكة (القللي) قا�ص ًدا �شارع رم�سي�س ..كلاب حقيقية معدنية ت�شبه تلك التي كانت �أفزعتني و أ�نا أ��شاهد (حرب النجوم) ..لكن (الحمار الح�صان) الذي كان يجر عربتي البدائية نفر في وجهها فعوت وفرت .وجدتني بالترام الذي �س�أعبر فيه النفق إ�لى �شبرا ،كان خال ًيا مكو ًنا من عربتين .هناك ولد في الخام�سة ع�شر �أو أ�قل قليل ًا يتقافز في �شقاوة ومرح بين العربتين ..نظرت إ�ليه محذ ًرا عدة مرات ف�أخرج ل�سانه وهو يتقافز ..ثم يقفز �إلى العربة الأولى معان ًدا .تجاهلته و�أدرت ر�أ�سي .فج�أة �سمعته ي�صرخ وهو ي�سقط بين العربيتين .ثم ر أ�يته فز ًعا يلوح ل�سائق الترام الذي �أطل مرعو ًبا من ال�صرخة ليرى معي رجل الولد اليمنى تقطر د ًما في يده وهو يزعق هل ًعا محت ًجا : 391
ها هي ن�سبة الحمو�ضة فى جوفى ترتفع ,وحرقان عينى يبد�أ فى إ�قناعي ب�إلقاء القلم لعدم جدوى الا�ستمرار فى كتابة ق�صة لم تعد تهم أ�حدا كما كنت اتخيل وانا ابرر إ�قدامى على ذلك منذ �سنوات .م ؤ�ملا أ�ن أ�نتهي منها قبل أ�ن تبد�أ إ��شارات النهاية تلاحقنى ب�إ�صرار وتحا�صرنى ب�أفكار وتخاريف (�إ�سماعيل) المزعومة -التي لا أ�ومن بها . ••• 390
قائ ًما �صاخ ًبا مزدح ًما �إلى ما بعد منت�صف الليل ..و أ�ن البلد ظلت بعده �ساهرة حتى ال�صباح في ال�سرادق وعلى ج�سر ال�سكة الحديد و�أمام المحطة وفي القهاوي ..وعلى الم�صاطب .وداخل البيوت تعزف �سيمونية (الغنم ا ألبي�ض) .وخمنت وكتبت مجته ًدا كلا ًما كثي ًرا يكفي لردم البحر فيما يمكن �أن يقوله الخطباء وكان معظمهم من (حكماء) البراندة البحرية با إل�ضافة �إلى ا أل�ستاذ يو�سف و�أحمد عبده ح�سنين الذين كانا ع�ضوين في الطليعة الوفدية .كذلك كنت مت أ�ك ًدا �أنه كلما ذكر �إ�سم (م�صطفى النحا�س) ولابد حدث ذلك أ�لف مرة (تقري ًبا) تلتهب ا أليدي لذكره بالت�صفق في كل مرة. كعادة الم�صريين من عهد الفراعين ! كنت قد رحلت في نف�س ا أل�سبوع ل أللتحق بمدر�سة دمياط الثانوية بعد �أن ح�صلت على ال�شهادة الابتدائية ،حيث انتقل إ�ليها (طه) ابن خالتي ك�أ�سطى لور�شة النجارة – وكان ي�شرف على حجرة الأ�شغال في مدر�سة (ميت �سل�سيل) منذ إ�فتتاحها .واطمئن أ�بي حين ذهب لتقديم أ�وراقي � .إذ وجده قد ا�ست�أجر �شقة من حجرة واحدة برحة و�صالحة في بيت قريب من المدر�سة .كانت ال�شقة الوحيدة في الدور الأر�ضي ولها مدخل م�ستقل حيث ي�شغل م�ساحة البيت خلفها مخزن أ�دوات وكتب مدر�سية .إ�ذ كان �صاحب البيت هو (الحاج ن�صار) �صاحب المكتبة الدمياطية الم�شهورة وكان �صدي ًقا لوالدي .. غمرني إ�ح�سا�س جارف �أن الدنيا تفرد لي ذراعيها لت�أخذني �إلى المدينة ب�أفاقها الحرة وت�ضعني برفق على �شاطئ الم�سئولية ..وعل ّي أ�ن �أثبت للجميع أ�نني قدها وقدود .فها أ�نا �أ�صبح م�ستقل ًا تما ًما ومتحر ًرا من رقابة لا تخلو من ال�صرامة – في مدينة كبيرة ومدر�سة عريقة ناظرها رجل لإ�سمه 393
-لا ..ما ينفع�ش كده قول للأ�سطى وحياة اللي ماتو الك ..هات ورا يا عم يا �سواق.. قلت لنف�سي ..لابد �أنه ي أ�نب نف�سه على �شقاوته ويظن �إمكانية عودة الزمن به ولو لدقيقتين اثنتين ليعيد ل�صق رجله إ�لى ج�سده الملقى على الأ�سفلت ..ووجدتني �أت�ساءل ..هل �صحيح لو عاد الزمن – فر ً�ضا – هل كان �سي ؤ�جل قفزته ا ألخيرة القاتلة الفا�شلة ..ليحتفظ ب ْرجله في مكانها وي�سمع ن�صيحتي ؟ لكن ا إلجابة لم ت أ�تني أ�ب ًدا ! وجدتني على ر�صيف النفق نف�سه في زمن �آخر .وكان ابني الذي بلغ الرابعة يتقافز بجواري مر ًحا وقد �أ�سلمني يده ..وفج�أة جذبني ب�شدة متوت ًرا منفعل ًا يلفت انتباهي في ده�شة م�شي ًرا �إلى رجل ربعة القوام (الحقيقة .كان ن�صف رجل أ�و قل جذع رجل بلا �ساقين) يم�ضي على ما فوق ركبتيه بحيوية ون�شاط وذراعيه تجدفان في الهواء وتدفعانه للأمام . و�صاح (�أ�شرف) : -بابا � .شايف ؟ الراجل رجليه اتبروا من كتر الم�شي .يا عيني . ب�ص !. وجدتني �أ�ضحك ب�صوت عال ...ف�أيقظني �ضحكي من النوم . �ساعتها كان القلم في يدي ..و�أ�سقطته ال�ضحكة .فقمت ابحث عنه و أ�نا عرقان رغم �شباك البلكونة المفتوح ن�صف فتحة يدفع بتيار هواء بارد يل�سعني وقد ك�شف الغطاء عني !. تذكرت �أنني نمت بعد �أن توقفت عن الكتابة لوقوعي فى �أ�سر تفا�صيل الاحتفال الوفدي انت�صار نائبنا ..والكتابة تغريني بما عاهدت نف�سي عليه أ�لا أ�قوم بت أ�ليف ما لا أ�ذكره من أ�حداث وكنت عرفت �أن الاحتفال ظل 392
ولما عاد (الخ�ضري) معلنا فقداني في ال�سكة الجديدة ..لم يتروى خالي ولم ينتظر نتيجة البحث عني ..بل أ��سرع إ�لى التليفون وطلب من الخواجة (�سبيرو) �أن ي�س�أل (عبد الباقي أ�فندي) �إن كان فلذة كبده قد عاد �إليهم من عدمه ؟! وك�أنما انفجرت قنبلة �أخرى في البيت حين جاءهم مندوب (الخواجة �سبيرو) يعلنهم ب�ضياعي في زحام المدينة المزدحمة اللعينة والتي اختطفت (�أخوه �سامي) من قبل وقتلته بوح�شية على أ��سفلتها اللعين !! ولما أ��سرع �أبي �إلى المحطة ليطلب خالي من التليفون الوحيد المتاح .. لي�س أ�ل وي�ستف�سر ..كان خالي قد غادر المحطة فلم ي�شف الات�صال غليله فا�ست�شاط غ�ض ًبا : -طب ًعا ما هو ما بيخلف�ش عيال ..على قلبه مراوح ..ح يهمه إ�يه ؟. لو �ضاع مني ابني التاني ؟! ولم يكن �أمامه ما يفعله �سوى �أن يعود ليلقي بهمه ومخاوفه وغيظه على ر�أ�س أ�مي واخوتي ال�صغار .الذين انهاروا تحت وط�أة انهيار أ�مي واعلانها الحداد العام ..رغم أ�ن غيرها لا يعرفون حتى بوجود ال�ضحية ا ألخرى (�سامي) ..ولا بق�صة موته �شهيد من�صورة خالي عديم ا ألولاد ! وطب ًعا عندما و�صلت ر�سالتي �إلى خالي بعد �أن ركبت قطار الب�ضاعة عائ ًدا لم يتوانى البتة عن أ�ن يبلغها إ�لى (الخواجة �سبيرو) الذي لح�سن الحظ لا يترك المحطة �إلا بعد و�صول (قطار الب�ضاعة) ..وليلتها ظل أ�بي معه في المحطة �ساه ًرا وقد زال غ�ضبه وحل محله قلق انتظاري مع و�صول القطار بال�سلامة .والذي لم يمنعه من �أن ي�شارك (الخواجة) مرحه المعروف عنه في التعامل ال�ساخر مع مثل هذه المواقف التي يعتبر الاهتمام بها (من باب 395
�صدى رائع لدى رجال وزارة المعارف على �إت�ساع القطر وهو ا أل�ستاذ (الهاكع) – تقدم لطلابها وجبة غذاء �ساخنة وتزخر بالمدر�سين الفطاحل في كافة المواد .ومجهزة بالملاعب والور�ش والمكتبة ،والمعامل ..و�أكثر من ذلك �س أ��سكن في بيت قريب منها ملا�صق لدار �سينما (دمياط الجديدة) !! ف أ�نا لم أ�رعوى ولم أ�رتدع من ف�شلي في تحقق أ�ملي في ر ؤ�ية (ال�سايحات الفاتنات) مكتف ًيا بالح�صول على تلك المجموعة الملونة من �صور النجوم ومناظر ا ألفلام ال�ساحرة والتي أ�خذت �أت أ�ملها في قطار الب�ضاعة في �شغف وحب طوال الرحلة �إلى القرية والتي ا�ستغرقت وق ًتا طويل ًا حتى �أ�شرفنا على (ميت �سل�سيل) بعد الع�شا بكل ع�شا ..و�أنا غافل عما يكون قد حدث على ال�ضفة ا ألخرى من النهر ... فقد ات�صل خالي عقب ت�سليمي (للخ�ضري) بناظر محطة (ميت �سل�سيل) (الخواجة �سبيرو) وطلب منه �أن يطمئن (عبد الباقي �أفندي) �أن فلذة كبده الغالي قد و�صل �إليهم في المن�صورة بال�سلامة ...وك�أنه فجر قنبلة عن بعد في بيتنا ..فلم يكن لديهم أ�ية فكرة عن هذه ال�سفرية العجيبة المفاجئة ولا عن أ��سبابها ..و�صرخت أ�مي هل ًعا ولم تجد �سب ًبا لهربي من البيت هكذا ..وفج أ�ة !! إ�لا تلك العلقة التي بالغت في تخيلها ..والتي ظنت أ�ن أ�بي (ر ّنها) لي ب�سبب و�شاية بلغت �أبي عن علاقة غير �سوية بيني وبين بنت تدعى (عزيزة) و أ�نني أ�رافقها حتى في حقلها حيث (ت�ستعبدني) في انجاز كافة �أعمال الحقل وخدمة البهائم !! ورغم إ��صرار أ�بي وانكاره لكل ذلك بل ودفاعه عني �ضد الو�شاية التي �إختلقها بع�ضهم لغيظهم من تفوقي الدرا�سي �إلا �أن قلبه (�أكله) ب�سبب لجوئي هار ًبا لبيت خالي في المن�صورة دون �سبب ! 394
مواك ًبا لعودة جي�شنا المهزوم منت�ص ًرا من ح�صار (الفالوجا) بفيلم �أثار حما�س الجميع وفتنني وهو فيلم (فتاة من فل�سطين) ..وغنى المركز كله كبا ًرا و�صغا ًرا خلف (�سعاد محمد) (يا مجاهد في �سبيل الله ..دا ليوم اللي بنتمناه) ! وك أ�نما قطعت ا�شترا ًكا �أ�سبوع ًيا في �سينما المنزلة ..ولم أ��سمح لنف�سي �أو لم ي�سمح قلبي لي �أن أ�تخلف عن �أي فيلم يعلن عنه في (الأ�سبوع القادم) �أو (قري ًبا) ..خا�صة قد كانت ال�سينما تعر�ض حلقة من حلقات المغامرات ..مثل (فلا�ش جوردون) وكنت أ�وفق ذهابي إ�لى ال�سينما مع مواعيد القطارات التي كانت لح�سن الحظ متوافقة مع مواعيد الحفلات والعرو�ض في البداية .لكن ا ألمور لم ت�سر من�ضبطة فيما بعد ولكني لم �أغير عادتي .. وكم كنت �أتحايل ألعود من المنزلة تارة في عربة من عربات نقل ال�سمك أ�و عربة كارو �شاردة .وكثي ًرا ما ا�ضطررت في �أحيان عدة أ�ن أ�عود ما�ش ًيا على قدمي حتى في الليالي التي لا يطلع لها قمر .. ••• 397
هيافة من لا يدركون مثله المعنى الحقيقي للحياة ..بترك ما لا نعلم أ�مانة في يد الإله !!) لكنه لم ين�س �أن يجعل �أبي ير�سل ر�سلة للبيت لكي لا تظل النيران م�شتعلة هناك وليهدئ النفو�س ما دمنا قد عرفنا نهاية (نكتة) المحرو�س ! تلقاني أ�بيى و�أنا أ�غادر القطار بهدوء أ�قلقني .ولكني عرفت أ�ن الخواجة ا�ستحلفه بالم�سيح وبمريم و�آل عمران �ألا ي�ؤذيني ..لكنني أ�ح�س�ست في قب�ضته ك أ�نه ت أ�بط �ش ًرا !..ولم ينطق بكلمة حتى دفعني �أمامه داخل الببيت وقلبي في قدمي ..ومرت لحظات اللقاء على خير وك�أنني عائد من المدر�سة .وفردت يدي للكل بال�صور الملونة �أدعوهم للفرجة عليها : � -شوفوا ..أ�نا جيبت لكو إ�يه من عند �سينما رك�س ؟! كنت قد ارتكبت حماقات كثيرة – غير (نكتة) �ضياعي في زحام المن�صورة ،ا�ستجابة للعفريت الذي تلب�سني وا�صطفاني لع�شق ال�سينما منذ �شاهدت (نور الهدى) و (�أ�سمهان) في �سينما (الهمبرا) وزادت لوعتي بف�شلي في ر�ؤية (ال�سابحات الفاتنات) ! ف أ�خذت �أ�س�أل و�أطق�س حول مواعيد حفلات (عدن) و(رك�س) ومواعيد القطارات �إلى ومن (المن�صورة) ولكنني ف�شلت في تكرار تلك المغامرة .حتى افتتحت �سينما (المنزلة) ودارت عربة بميكرفون ومزينة ب�صور ملونة تب�شر فلاحي المركز ببدء عرو�ض �أعظم �أفلام النجوم الم�صرية والعالمية وت�ؤكد على عر�ضها في توقيت واحد مع عر�ضها في �سينما (�ستوديو م�صر) �أكبر دور العر�ض الم�صرية في القاهرة . وك أ�نما ا�ستجابت ال�سماء لدعواتي .وكان افتتاح ال�سينما العزيزة 396
على ذلك أ�نك هربت من ت�سجيل خطب النخبة الوفدية في حفل جرن (عبد ربه) ألنك �أ�صل ًا لم تكن تدري أ�يامها ما حدث للوفد في �سنواته الأخيرة ومحاولاته التقرب لل�سراي وتقبيل زعيمه ليد الملك وحر�صه على التم�سك بال�سلطة حتى لو خ�ضع (ل�سراج الدين وزينب !) وتخلى عن �شبابه في (الطليعة الوفدية) وعن أ�مل النا�س فيه لتحقيق الحرية و�إن�صاف الفقراء .وانعكا�س ذلك كله على خطب المنت�صرين !! اتحداك �أن تنكر أ�ن ما �سمعته في ليلة الاحتفال تلك وما و�صل إ�ليك من حديث جمع عمال التراحيل من عزبة الغجر الذين أ�كلوا حتى ب�شموا ليلتها �أر ًزا ولح ًما �شه ًيا وهم متكئين على �أرائك م�صفوفة ..ثم عادوا يفتر�شون بعدها التراب الرطب الناعم بجوار �سور الم�ست�شفى حيث لا ت�صل �إليهم إ�لا خيالات الإنارة الباهرة في ال�سرادق ! ولا تميز آ�ذانهم إ�لا �أ�صداء موج الكلام العارم من مكبر ال�صوت الزاعق ! وهم يثرثرون في �سعادة �شبع نادراً ما يح�سون بها وهو يعلقون �ساخرين : -يا عم �أهه كلام ابن عم حديت ،هو احنا ح ن�شوف حد منهم . -هو الكلام عليه جمرك ..يا عم �صلي وان�سى ! . -يا ع ْجل دانت ل�سه مالي (بحولتك) هبر محمرة من خيراتهم.. -من حقهم يدو�شونا يا �سيدي و�آدينا بنت�سلى .. -على قولك يا ريتهم يدو�شونا كل ليلة ب�س يع�شونا .. لم تكن �ضحكاتهم ال�ساخرة هي التي خلطت ا ألمر عليك ولكن الذي خلط الأمر على �سمعك وب�صرك هو دورانك حول ذاتك ..ألن جمعهم ذكرك بجمع آ�خر من رجال وبنات تراحيل (العزبة) ينتظرون من ي�أتي �إليهم ليدفع يومياتهم ،في ليلة أ�خرى ،من زمن لاحق ،في نف�س 399
لي�س ل إلن�سان �إلا ما �سعى ها أ�نت تعود لارتكاب نف�س الخط�أ الفني وتن أ�ى عن أ��صول ال�سرد إ�لى نقاط باهتة مبهمة لتبرر خلطك بين ا ألحداث .ت�شكك القارئ في منطقية توالى ا ألزمان .وتراكم الخبرة ونمو الدراما ..ألنك م�صر على أ�ن ت�ضع نف�سك في مركزها وك�أن كل �شيء يدور حول ذاتك ..فتغرقنا معك في تفا�صيل عار�ضة وتافهة وت�صنع من الحبة قبة .وتحكي عن �أمور عادية مر بها معظم من كانوا في �سنك . ولكنهم لم يدعوا أ�ن ف�شل (بع�ضهم) في ر ؤ�ية فيلم غير مجرى حياتهم ..ولا �أن (انبهارهم) بعيون بر�سيمية لفتاة تراحيل مغبرة بتراب الطرقات وق�شر الأرز �ست�صبح ق�صة كونية تحدد لهم م�سار التاريخ وتدفعهم لكتابة ال�شعر في الم�ستقبل ! .ولي�س �أدل 398
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152
- 153
- 154
- 155
- 156
- 157
- 158
- 159
- 160
- 161
- 162
- 163
- 164
- 165
- 166
- 167
- 168
- 169
- 170
- 171
- 172
- 173
- 174
- 175
- 176
- 177
- 178
- 179
- 180
- 181
- 182
- 183
- 184
- 185
- 186
- 187
- 188
- 189
- 190
- 191
- 192
- 193
- 194
- 195
- 196
- 197
- 198
- 199
- 200
- 201
- 202
- 203
- 204
- 205
- 206
- 207
- 208
- 209
- 210
- 211
- 212
- 213
- 214
- 215
- 216
- 217
- 218
- 219
- 220
- 221
- 222
- 223
- 224
- 225
- 226
- 227
- 228
- 229
- 230
- 231
- 232
- 233
- 234
- 235
- 236
- 237
- 238
- 239
- 240
- 241
- 242
- 243
- 244
- 245
- 246
- 247
- 248
- 249
- 250
- 251
- 252
- 253
- 254
- 255
- 256
- 257
- 258
- 259
- 260
- 261
- 262
- 263
- 264
- 265
- 266
- 267
- 268
- 269
- 270
- 271
- 272
- 273
- 274
- 275
- 276
- 277
- 278
- 279
- 280
- 281
- 282
- 283
- 284
- 285
- 286
- 287
- 288
- 289
- 290
- 291
- 292
- 293
- 294
- 295
- 296
- 297
- 298
- 299
- 300
- 301
- 302
- 303
- 304
- 305
- 306
- 307
- 308
- 309
- 310
- 311
- 312
- 313
- 314
- 315
- 316
- 317
- 318
- 319
- 320
- 321
- 322
- 323
- 324
- 325
- 326
- 327
- 328
- 329
- 330
- 331
- 332
- 333
- 334
- 335
- 336
- 337
- 338
- 339
- 340
- 341
- 342
- 343
- 344
- 345
- 346
- 347
- 348
- 349
- 350
- 351
- 352
- 353
- 354
- 355
- 356
- 357
- 358
- 359
- 360
- 361
- 362
- 363
- 364
- 365
- 366
- 367
- 368
- 369
- 370
- 371
- 372
- 373
- 374
- 375
- 376
- 377
- 378
- 379
- 380
- 381
- 382
- 383
- 384
- 385
- 386
- 387
- 388
- 389
- 390
- 391
- 392
- 393
- 394
- 395
- 396
- 397
- 398
- 399
- 400
- 401
- 402
- 403
- 404
- 405
- 406
- 407
- 408
- 409
- 410
- 411
- 412
- 413
- 414
- 415
- 416
- 417
- 418
- 419
- 420
- 421
- 422
- 423
- 424
- 425
- 426
- 427
- 428
- 429
- 430
- 431
- 432
- 433
- 434