(الم�صور) و(الاثنين والدنيا) ثم دخلت (الكواكب) بعد ما �ضخمت من �إ�صابتك ب إ�دمان ال�سينما ..لا ..لا .. لابد أ�ن هذا له أ��سباب تخ�شى أ�ن تذكرها فتثبت جهلك بما يجري في الدنيا �أو يثبت وعدم �إدراكك للعلاقة بين ت�أثيرات ما جرى للعالم عبر ن�صف قرن �أو يزيد وبين تناق�ضات ذاتك !؟ �أو خ�شية �أن تظهر قدراتك المتوا�ضعة على الحكي و أ��صول ال�سرد الروائي فتكتفى أ�ن تعلق عجزك �أن تكون روائ ًيا م�شهو ًرا على الح�صار المزعوم حولك والحرب الم�شرعة �ضدك ولاتعترف بقلة وتوا�ضع موهبتك !؟ هل لديك �أقوال �أخرى – �أق�صد تبريرات �أخرى ؟! ما أ��شد �سعادتي بغ�ضبتك هذه يا �صديقي وما �أجمل جر أ�تك و�صراحتك ! واعترف �أنها جاءت في الوقت المنا�سب ..تما ًما و�أنا في هذه الحالة من الت�شفف والمراجعة .ولا أ�قول ا إلحباط بعد مرور عام على (ثورة 25يناير) والتي فاج�أتني بال�ضبط مثلما فاج�أتك بل وكما فاج أ�ت من دعوا �إليها وكل من ب�شر بها لكن ..لي�س هذا مو�ضوعنا ..ففرحتي الكبرى تعود ل�سبب �آخر ..لقد �أعطتني غ�ضبتك دوافعا �أكثر جدية لكي �أ�ستمر في إ�كمال هذه الراوية ..بعد تلبك بكرة الخيوط الدرامية في يدي!! وعجز ذاكرتي عن ا�ستيعاب المقولة التي ت�ؤكد أ�ن من ين�شد (الحقيقة) فليبحث عنها في الذاكرة ..هذا لو كانت هناك حقيقة (حقيقية) يمكن �أن ت�ستوعبها �أية ذاكرة ! -حلمك علي ،ف�أنا كنت أ�نتظر �صوتك لي�شحذ ذاكرتي ويعينني على الاختيار ا ألجدع والأنفع للا�ستمرار . 401
المكان ..وانت تدور حولهم وتقترب منهم مت�سلل ًا ..كطائر مفتر�س تحاول جذب �أنظار فري�ستك (مديحة) التي خطفت ف�ؤادك كي ت�ستجيب لنداء ع�شقك ال�ساذج وتلحق بك بعي ًدا تحت ظلال اليا�سمينة ذاتها والتي تغطي ال�سور ذاته ،ذات ليلة من زمن �آخر ،لت�سلم �شفتيها البكر ل�شفتيك المتعط�شتين لتحقق ذاتك وتطفئ غليل نزاوتك !. �أنت تم�ضى في تفا�صيل ما يجري عندما يكون ما حدث له �صلة مبا�شرة بال�صورة التي تر�سمها لنف�سك ولن ت�سمح بذكر �أي �شيء يخد�ش حياءك من تلك ال�صورة .. لقد كتبت في بداية ذلك اللغو �أنك ولدت والدنيا على موعد مع م أ��ساة الحرب العالمية الثانية بل وذكرت اجتياح (هتلر) لأوروبا و�أنه تنب�ؤ بما �سيحدث لك أ�و ما �سيحدث للعالم ب�سببك ..وظننت معها �أنك �ستربط بين �سيرتك الم�أ�ساوية (كما أ�وحت بها كلماتك) وبين ما مر بالعالم من م آ��سي كبرى ف�إذا بك تذكر مذبحة (الكوليرا) فقط عندما توهم �أبوك أ�نها �ستلحق به ..وكيف �أنقذته ب إ�ح�ضارك عدة حبات ليمون من جنينة (عبد ربه) ..لم تذكر كم من البيوت ر أ�يتها وقد �أ�صبحت خاوية على عرو�شها، �إذ خلت من �سكانها بكاملهم ولم تذكر منظر جنازات دفن ال�ضحايا الجماعية ..ولا حال من كانت تداهمهم الإ�صابة أ�ثناءها فيتحولون من م�شيعيين �إلى م�شيعين بب�ساطة الفرق بين الك�سرة والفتحة !. ولم تهز (حرب كوربا) �شعرة ( أ�ق�صد رع�شة) من قلمك .رغم ما راح �ضحيتها من فيالق جي�ش الجامو�س (ذا بفلو أ��آرمي) و أ�نت الذي كنت تقر أ� ال�صحيفة مع جماعة (دكان محمود �شطا) الوفدية وتدخل بيتكم مجلات 400
ال�شاهد �أو الخلا�صة �أو حا�صل الكلام ..كما يقولون في الحواديت ا ألكثر �صد ًقا وب�ساطة وا ألعمق حكمة و�أقل تعقي ًدا .فقد أ�رحت �ضميري كي ا�ستكمل حكايتي و�أن �ألملم الخيوط الملبكة المعقدة كما هي لأ�ستجدي الذاكرة المرهقة .واحايل القلم المرتع�ش .و�أقاوم كل ما يحيط بي من �إحباط وارتباك .واتبع حكمة ال�سحرة القدامى وخبرتهم ..ألذكر ما �أكرهه لكي أ�حبه ..و أ�نادي النائي ف أ�قربه ..و أ��س ّمى المتمرد أل�سيطر عليه!. فاغ�ضب وارف�ض وتمرد ..ف أ�نت مني �أقرب من حبل الوريد .وانت على ل�ساني وتحت �سن قلمي ،رهن إ��شارتي وبك قد تكتمل روايتي !! ••• 403
وغ�ضبتك هذه يا �صديقي ،فيما يبدو �سوف ت�ساعدني على فك وت�سليك خيوط بكرة الدراما ..التي تعقدت بين �أ�صابعي .لأ�سباب لا أ��ستطيع ح�صرها ..فيها ما يتعلق بما جرى للدنا ب�سبب انفراط عقد الاتحاد ال�سوفيتي بف�ضل أ�جهزته و�أجهزة �أعدائه الأمنية .. أ�و ب�سبب جهل أ�و انتهازية أ�و حتى خيانة �أ�صدقائنا الم�شتركين التي �أو�صلتهم �إلى قرارهم بذبحك في (العام الخام�س وال�ستين!) �أو ت�سليمك على طبق من عبوديتهم التاريخية ك أ�بناء �شبه �شرعيين للزواج غير ال�شرعي بين اليمين الي�ساري وا ألمن التقدمي ! في البداية لو تذكر ..أ�عني في بداية هذه الراوية ..كدت �أ�سميك ب�أ�سماء �أ�صدقائي ..أ��صدقاء الحارة وال�شارع والحقول في ميت �سل�سيل الذين علموني العوم في البحر ال�صغير وكيفية �صيد طائر الخ�ضير ..وال�سهر في مقابر (�أبو خ�شبة) في ليالي القرية المظلمة أ�و تحت �ضوء القمر والذين �شاركتهم �صيد ال�سمك أ�و قتل الوطاويط ..و�سرقة الجناين الم�سيجة بالأ�شواك أ�و اقتحام مخادع البائ�سات من الحريم .وملاعبة العفاريت . ثم �أي ً�ضا لو تذكر (�أو �أعدت قراءة ال�صفحات الأولى) ف�ضلت �أن أ�قدمك لقرائي المظاليم على أ�نك كنت دائ ًما (جبريلي) و�أنا ( أ�حمدك) �أو (خ�ضرك) .وكنت (فرجيلي) و�أنا (دانتيك) � ..أو (ابن عبد ربه) و�أنا (�سميرك) ..أ�و أ�نك (ابن عبد الباقي) و�أنا (تو أ�مك) � ..أو أ�ننا كما �أعتقد جدودك و�أجدادي مثل (الكا -والبا) ولكن ألنك تقليدي الذكاء والموهبة أ�و ألنك لا تثق في ذكاء قرائي ومريديك ف�ضلت �أن تغ�ضب فتف�سد الفكرة ..يا �صديقي .. 402
دعوتك لذلك الاجتماع الذي لم يح�ضره كثرون أ�هم منك و أ�كثر مكانة في التنظيم منك ..فلم يعرف عنك �سوى ال�صمت عل ا ألقل عما حدث بل وا إليحاء بالموافقة بعد أ�ن بلغك موافقة لجنة الدقهلية أ��صدقائك ومطالبتهم به .قلت للبع�ض بعد �أن ان�ضم م�سئولي لجنة القاهرة واح ًدا بعد الآخر �إلى التنظيم الطليعي ..وبعد �سل�سلة من الاجتماعات التي لا قيمة لها � -أنك اكت�شفت �أن ن�شاطنا في الجامعة ي�صب فقط في �صالح تنظيم ال�شباب الذي يقوده زكريا محيي الدين ..حتى من نجندهم للا�شتراكية يذهبون إ�ليه ب�سبب منهجنا الدعائي المكبل بمحظورات ازعاج الحليف وترهلنا التنظيمي بل و�أعلنت اقتتناعك بعبث ا�ستمرار تنظيمنا بلا ا�ستراتيجية متمايزه وبلا ر ؤ�ية م�ستقلة وتنب�أت ب�أن م�صيرنا هو التلا�شي ..لأن ر ؤ�انا على ما يبدو توافقت مع النوايا الخفية للذوبان في ن�سيج و أ�ح�ضان الحليف الذي يبدو ك أ�نه يفرد جناحيه لنا ملو ًحا بري�شة إ�غواء .و�شوكة تهديد ناعم . كان هذا موقفك يومها .فلم تبالغ ا آلن في الهرب من تحمل الم�س�ؤولية التي تلقيها على عاتقي وحدي دون رحمة !! يا أ�يها الكاتب الجهبذ أ�لا ترى في ذلك تناق ً�ضا مع ما ر�سمته ل�شخ�صيتك طوال عمرك� ..ألم تتخذ مني (بردعة) تحملها كل نواق�ص �شخ�صيتك وخطاياك ونوازعك ال�سرية وال�شريرة !! أ�نا لا أ�ريد �أن ( أ��شخ�صن) – ( حلو التعبير ده .؟ حداثي م�ش كده؟) – لا أ�ريد أ�ن �أفعل ذلك ولكني م�ضطر �أن �أذكرك بقولك ر ًدا على بع�ض من �س�ألوك من ال�صحفيين �أو مقدمي البرامج التليفزيونية – عن ال�سر وراء ح�صارك وتجاهلك ك�شاعر وكاتب أ�طفال وم�سرحي !! (وهل ت�شعر أ�ن هناك من ي�ضطهدك .؟) -ف�أخذتك العزة بنف�سك و�صرخت فيهم – من 405
ما هي إ�لا �أ�سماء �سميتموها... � أفحمتني يا ابن عبد الباقي ..؟ �أغلقت �سبل الدفاع �أمامي يا للهول !! ..ها �أنذا �أقف عاج ًزا عن الرد ( ..واح�سرتاه على يو�سف) ..هل ارتحت ا ألن و أ�رحت �ضميرك الثوري ..أ�م تراك �أوغلت في التمادي كعادتك ..وباعترافك و إ�قرارك أ�نك تهدم ما تبنيه وتحمل غيرك – �أيا كان – م�سئولية ما هدمت ! تهول وتبالغ في أ�خطاء غيرك وتن�سى خطاياك.. تتن�صل من م�سئولياتك – حتى الب�سيطة منها – وتنك�ش ب�أبرة للعثور علي من يتحمل عبء ذلك -عداك ..لن �أدخل معك في جدل �صبياني فقد كنت م�شار ًكا في تلك الواقعة الجريمة ..رغم عدم 404
ي�صلح أ�ن يقوم �أع�ضا ؤ�ه مرغمين �أو حتي بمح�ض إ�رادتهم ب�إعلان وفاته وانتهاء �شكله التنظيمي الم�ستقل من أ�جل عيون عدوهم الطبقي أ�و لأجل خاطر أ��صدقائهم الإ�شتراكيين في قمة ال�سلطة أ�و في خدمتها وعلي جلدها كالحرا�شف طافحين.. ل�ست واهما كذلك الذي يت�صوره الذين بمن في ال�سماء ي�ؤمنون في �أي ملة �أو دين ..لا يا تو�أم روحي ،ف�أنا حين طلبت منك – حين بد�أت كتابة هذه الرواية – �أن ت�سمح لي بالحديث عنك كنت (فكرة) نعم فكرة ..لج�أت اليها كحيلة درامية �أو حيلة فنية لتعميق ال�صراع وتج�سيد ا ألحداث التي تهرب من الذاكرة ولتكون (معادل ًا مو�ضوع ًيا) ي�ساعدني على مد خطوط الدراما وحائطا أ��ستند �إليه كلما �إدلهمت الخطوب �أو تاهت الخطى لا أ��ستطيع �أن �أنهي هذه الرواية التي لا تبدو لها نهاية وا�ضحة .وقد طالت الحقب واختلطت الم�صائر ..و�ضعفت القدرة على التذكر ..فلا تغ�ضب مني وتهجرني و�أنا في أ��شد حالات الحاجة إ�ليك بجانبي والموت يقترب لامني وحدي ولكن من الوطن نف�سه – حبنا الم�شترك .ولكني �أرجوك أ�لا تفهمني خط أ� ..ف�أنا لا أ�ريد بهذا الإي�ضاح الذي يك�شف خططى الفنية �أن �أتن�صل من م�سئوليتي عن كل كلمة ذكرتها في حقك �أو في �صفك – �ضدك أ�و معك – لا فهذا أ�مر �آخر .ففي كل المواقف الذي تج�سدت فيها علي أ�ي �صورة أ�بدعتك �ستظل أ�نت (جبربلي وفيرجليي وخ�ضري وتو أ�مي) كنت ومازلت و أ�رجو أ�ن تظل ,لنخو�ض �سويًا ما بقى لي من �أيام ولنحاول �سويًا �أن نفهم ما �أحاط بي وبك من بلايا و ما كدر حياتك وحياتي من �أوهام ونك�شف معا ما ظل غام ً�ضا من خفايا !. 407
الذي ي�ستطيع �أن ي�ضطهدني ؟ أ�نا �أ�ضطهد بلد ! -و أ��ضفت مفاخ ًرا �أن أ�كثر من حارب وحا�صر وا�ضطهد ابن عبد الباقي هو ابن عبد الباقي نف�سه! ياللهول والحق أ�قول أ�نني يومها �أكبرت فيك هذا .فقد بدا لي اعترافا قري ًبا من الحقيقة ..ظننت أ�نه �سيقودك إ�لى ت�صور أ�قرب للواقع وللحقيقة ولل�صدق عن نف�سك ولكني اكت�شفت أ�ن به �شوائب من التمادي ومن الغرور ! وبدت فيه قدرتك على كتمان ما تعانيه حتى عن �أقرب النا�س �إليك وانفلات ل�سانك الجارح .الذي لا يب�صر عيبة في �سلوك قريب �أو بعيد . عدو أ�و �صديق � -إلا وف�ضحها -عيني عينك ووج ًها لوجه حتى �صرت ما أ�نت عليه .حتى عند أ�كثر مريديك و�أ�صدقائك ..قنف ًذا بريًا �شر�ًسا لا يمكن لمن ي�ألفه أ�ن يداعبه تقر ًبا إ�ليه أ�و يربت عليه ت�شجع ًيا له دون �أن يتحمل وخز �أ�شواكه ..وربما أ�نيابه �أي�ضا !! �سامحني يا تو�أم روحي واغفر لي .ف�أنا لا �أريد �أن ي�صل بنا هذا الجدل �إلى حد الخ�صام �أو القطيعة ف�أفقدك بعد هذا العمر الطويل من ا ألحداث وال�شخ�صيات و أ�جد نف�سي وحي ًدا مرة أ�خرى كما حدث في مرات كيثرة من قبل -إ�فتقدتك �إلى جانبي فلم �أجدك ..وا�ضطررت �إلى اختراعك وخلق و�شائج وعلاقات بك تعيد �إلى ثقتي بنف�سي و�أ�شعر معها ب إ�ن�سانيتي و أ��شم عطر موهبتي التي لا تتفتح �أزهارها �إلا و�سط الآخرين وتحت دفء �شم�س ال�صداقة.. نعم يا �صديقي لا �أريد ان افقدك ..ف أ�نت �أكبر �أن تكون �شخ ً�صا بعينه ب�شريًا تنطبق عليه القوانين التي تحكم م�صائر الب�شر العاديين � ..أو كيانا 406
انطوان) �أنت ؟ ومن غيرك ؟.. قد تكون (�صلاح �أبو العز) الذي �شاركني في مداعبة (عزيزة) وقد تكون (ح�سن العربي) الذي �صاحبني في ظلام القرية نطارد العفاريت � .أو تكون (م أ�مون الزفتاوي) �أو (يا�سين عابدين) �أو (فاروق النملة) أ�و حتى (ح�سين عبد ربه) الذين فتح كل منهم بابا الي خبرْ ة أ�وطاقة لمعرفة ... ولكنهم جمع ًيا مهدوا لي الطريق إ�لى (مارك�س) والمادية الجدلية .ف�صنعوا مني ذلك البائ�س الذي اعتنق المارك�سية و آ�من ب�أن (مارك�س) ترك للب�شرية منه ًجا لو أ�ح�سنوا فهمه وتفعيله لما �ضل ثوار أ�ب ًدا !! ولذلك تجدني تماديت في ت�أنيبك ألنني وا�صلت عمري واجترار ذكرياتي إ�لى ذلك التاريخ الم�شئوم الذي �أغراك فيه أ��صدقا�ؤك الا�شتراكيون (!!) وحا�صروك مع الظروف لكي تنهي وجودك .ظ ًنا منهم أ�و وه ًما منك �أنكم معا بذلك �ستبنون م�صر و�ستخرجون بها من هوة الا�ستبداد والتخلف ف�ضعتم م ًعا و�ضيعتمونا ..وبددتم طاقات الوطن لخم�سين عا ًما ..وانفجرت أ�مامي م�أ�ساتك وم�أ�ساة الوطن ب�شكل فا�ضح وا�ضح .. عندما ن�ضج ال�صراع الطبقي الذي تجاهلوه ..وتنامى الوعي العام بفعل قوة الدفع الذاتي لظروف العالم وتوح�ش الر أ��سمالية ..وخ�ضوع الوطن الذي قاوم الا�ستعمار طويلا وت�صدى إلملاءات ا إلمبريالية الجديدة التي أ��سقطت التجربة ال�سوفيتية ..وتعر�ض �شعبنا ألب�شع �صور القهر والفقر وا إلذلال ..فكانت ثورة ( )25يناير التي طالت �أكفها ال�سماء و�أ�سقطت الطاغية ولكنها عجزت عن قطف ثمار انت�صارها لأن الجماهير تلفتت تبحث عنك قلم تجدك .ألنك ر�ضيت أ�ن تنتحر ذات يوم ..متخليا عن م�سئوليتك التاريخية يا �صديقي . 409
أ�كورلخم(نال�كسندردبابدرا)ءةفوطفقولتجبيلح(اينلأوقلير أ�متب)ع.لّ.يلأكت�اصابحالأب�سا–طأ�ينرا ف أ�نت ف أ�لقيت بي التلميذ ال�صغير الريفي – (زيو�س وابولو وبو�سيدون وهيرا و�أفروديت وعولي�س و أ�خيل) وكل �شعبهم من ال�ّساتير وعرائ�س الماء ..و�أنت هو نف�سه الذي و�ضعني علي خ�شبة الم�سرح م�شمول ًا بقد�سية (ا ألمين) أل�صيح ب�صوتي ال�ضعيف �أهز جبال (مكة) وبيوت قرية (الجمالية) وكفار (قري�ش) وتجار �سوق الثلاثاء . -إ�يتوني بثوب .. فت�سيل دموع الن�ساء وترتجف �أطراف ا آلباء ..و�أنت من دفعني ل�سرقة مفتاح دولاب خالي الم�شلول ال�شيخ أل�سير وحدي في غابات وممالك ( ابن المقفع وبيدبا) و�أخو�ض بحار (القزويني) و�أطير فوق ب�ساط الريح �إلى جزر المرجان وجبل المغنطي�س و أ�دخل كهف (ملكة الحيات) مع (حا�سب كريم الدين) ولأ�سرق ثياب الجنيات الطيور و أ�نزل مع (جودر) تحت طبقات ا ألر�ض لأح�ضر الخاتم .. و أ�نت من دفع إ�بن عبد ربه أ�ن يعطينى كتاب (المعذبون في الأر�ض) فاكت�شفت جهلي بمن هم حولي و أ�ف�سدت علي كوني الابن ا ألكبر �أو البكر ألب مهتم .ودفعت بي إ�لى عوالم (ار�سكين كالدويل) و(وموم) و(جوركي) و(رايت) و(�شك�سبير) و(جراهام جرين) و(فرو�ست) .. وفتحت عيني وقلبي (لنجيب محفوظ) و( إ�دري�س) و(ديما�س) و(طاغور) . �أغويتني في المدينة ب�أ�ضواء ال�سينما ف�أدمنت وهج (ال�سابحات الفاتنات) وفرو�سية الع�صور الو�سطى ..ورعاة البقر وقطعت �سهول �آ�سيا خلف (حاجي بابا) وغابات فرن�سا وراء (دارتنبان) و(�آتو�س) ألت�سلق البا�ستيل و�أحرر دكتور (مانيت) و�أ�ضيع في حواري وحانات ( �سان 408
و أ��شرقت ا ألر�ض... قفزت -هي -في خفة إ�لى عربة ا ألوتوبي�س بعد تحركها ،فاختل توازنها � ..شهق هو -واندفع من فوق كر�سيه إ�ليها ..لكنها كانت قد ا�ستعادت توازنها و�صعدت منحنية لتتجنب ذراعه الممدود .وان قالت دون أ�ن تلتفت �إليه متجهة �إلي (كر�سي خم�سة) في �آخر العربة .. -مر�سيه .. تملى بعيونه الوجه الجميل الدقيق التقاطيع ، غرق في العينين الوا�سعتين ،وهو يعود �شبه محبط �إلى مقعده -دون كلمة .خطف قلبه النم�ش الخفيف على الوجه النظيف الن�ضر ،ذكره بنم�ش ريفي �سحره في �صباه . بعد قليل ل�سعتها حرارة الموتور ،فانتف�ضت، 411
أ�عرف � ..ستعاود غ�ضبك مني ولكني لا �أريد !. فقط �أريد أ�ن أ�ذكرك ب أ�نني لم �أعقد ذراعي علي �صدري وجل�ست أ�بكيك و أ�نوح على حالي يوم رحلت ..نعم حدث ولكن لأيام – ولكني لم أ�كف أ�ب ًدا عن التغني بم�آثرك والدعوة إ�لى جمع أ��شلائك والدعاء من �أجل �إعادة نفخ الروح فيك ولكني رغم هذه الدواوين ال�شعرية والإبداعات التي دارت كال�شهب في فلكك تناديك وتب�شر بقيامك ...كنت وحيدا . حتى في الفترة التي عرفت فيها تلك الفتاة التي �س أ�حكي لك عنها والتي تعرفت عليها إ�بان فترة الحداد التي أ�عقبت إ�نتحارك .. فا�سمح لي في محاولة للتخفيف من التوتر بيننا والواقع المعا�ش يكئبني وي�ضخ الي أ��س وا إلحباط في عروقي لأنني أ�رى الثورة الم�ضادة تعاود جمع قواها وتعيد ترتيب علاقاتها التابعة لقوى ال�سيطرة في العالم ..ويدخل الثوار في متاهات التخبط لغياب قيادة الكيان الواعي والمنظم الذي كان يمكن �أن يجنبها الكثير من التعثر ..ويجمعها في مواجهة �أعدائها وي�صنع معها وبها الانت�صار ..الحديث يجرني إ�لى المزيد من الح�سرة علي غيابك فدعني أ�ق�ص عليك ما منعني يومها من الانتحار أللحق بك ... ••• 410
-يعني !.كان من مدة مفرو�ض أ�بقى معيد ..لكن ظروفي بقى � ،أنا طالب في البكالوري�س ل�سه .. -أ�نا بقى لي �سنتين في الكلية واعرف كل الطلبة تقري ًبا ..لكن ح�ضرتك ؟! -لا والله � ..صدقيني ..أ�نا طالب في بكالوريو�س زراعة عين �شم�س فعل ًا . كان الرجل العجوز يمد ر�أ�سه لدرجة تكاد تنح�شر بينهما وهو يتابع الحديث دون �أي رد فعل .قالت : -م�ش محتاجة تحلف ..لكن ليه ماكنت�ش بتظهر في الكلية ..ظروف �إيه اللي منعتك؟.. قال وهو يبت�سم في �سعادة لأن الحوار لم يبتر حتى ا آلن : � -أ�صلي كنت في (بعثة) ! -بعثة ؟! بعثة قبل التخرج ؟ آ�اه ..تكون ؟ �ضحكت في براءة رائعة �ضحكة رائقة جعلت �أكثر ركاب الأوتوبي�س يلوون رقابهم يتابعون الموقف في ف�ضول .. فوجىء بكل هذه العيون ف أ�ح�س ببع�ض الحرج ..لكنها لم تهتم بل �أكملت �ضحكتها بطبقة �أقل ارتفا ًعا ..وهي تقترب منه بر أ��سها الجميل .فان�سدل �شعرها ولام�س جبهته � ..سحرته رائحتها و أ��سكرته ،والبريق الذي لمع في عينيها د ّوخه وهو يتابعها بحبتي عينيه -وهي تهم�س : � -أوعي تكون في (بعثة) الواحات !! فوجئ .وارتج عليه و�آفاق .ولم ينتبه إ�لى �أن العجوز الذي بجانبه قد قام متثاقل ًا يتكي بيد خ�شبية على كتفه مبتع ًدا .دارت هي وجل�ست 413
وقامت لتقف �أمامه مم�سكة بالعمود الر�أ�سي القائم بجوار الكر�سي الم�ستعر�ض الذي يجل�س عليه ،بجوار رجل عجوز محن ّي الظهر ،ظل يراقب الفتاة منذ �صعودها الخطر بعينين ميتتين من تحت حاجبين �أ�شيبين كثيفين . انتف�ض – هو – قائ ًما بدعوها للجلو�س مكانه .. ا�ستفزها عر�ضه – قالت باعتذار راف�ضة دعوته : -ليه ؟ ..مر�سيه .. بلع ريقه وابت�سم منده�ًشا ،ومد يده في إ��صرار ،تناول الكتب من يدها دون أ�ن يترك لها فر�صة للرف�ض .تركتها له دون �أي اهتمام .. و�ضع الكتب فوق حقيبة اليد ال�سوداء الكلا�سيكية التي يحملها .. قر أ� عناوين الكتب ،فه ّز ر أ��سه وهو يرفع عينيه نحو الوجه الجميل الجاد .. -يا�ستي اتف�ضي اقعدي ..داحنا زمايل .. رفعت حاجبيها في ده�شة حقيقية ؟.. -زمايل ؟� ..إزاي يعني ؟ -أ�يوة � ..إنتي م�ش طالبة في كلية الزراعة ..أ�نا كمان في كلية الزراعة ..يبقي عيب – تعالي اتف�ضلي .احنا فلاحين بر�ضه ..و .. زمايل.. -م�ش ممكن ..ا ألدعى ما دمنا زمايل �إني ما اخد�ش مكانك ... لم يجد ما يقوله ..ا�ستطردت .بعد �أن ت�أملت ملامحه وا�ستنتجت �سنه . -لكن أ�نا عمري ما �شفتك في الكلية .. -لا ..ما هو أ��صل دي أ�ول مرة أ�روح الكلية بعد ما اتنقلت �شبرا .. -غريبة !.الكلية بقى لها كذا �سنة في �شبرا � ..إنت معيد ؟ 412
وبع�ضها ا آلخر منده�ًشا في ف�ضول .وحدها عيون طفلة كانت تل�صق وجهها بالزجاج الخلفي لل�سيارة .ظلت تبت�سم وهي تتابع قفزاتهما المرحة – يبدو �أنها كانت الوحيدة التي لم تلاحظ فارق ال�ّسن بينهما – فلوحت لهما بك ّفها ال�صغير �سعيدة .توقف منده�ًشا مر ًحا ولفت نظرها للطفلة ف�صاحت في فرح �أكثر منه غير م�صدقة وقفزت وراء العربة تلوح لها وت�شده معها في قمة ال�سعادة .. منذ دخلا م ًعا باب (ق�صر محمد علي) الذي نقلت الكلية إ�ليه من (ق�صر القبة) �أثناء غيابه في (البعثة) ..لم يفترقا إ�لا ليلتقيا -طوال ع�شرين �شه ًرا كاملة اعتبرت نف�سها م�سئولة عنه ..ناق�شت حر�س الكلية محتجة في حدة ،عندما �س أ�لوه عن الكارنيه الذي لم يكن قد ا�ستخرجه بعد ،وعلى الفور �صحبته �إلى �شئون الطلبة وجعلتهم بكل اهتمام يبحثون عن خطاب الأمن الخا�ص ب إ�عادة قيده وانحنت له في حركة م�سرحية وهي تتعمد الجدية البا�سمة وهي ت�سلمه الكارنيه بعد �إعتماده بخاتم الكلية وتوقيع العميد . -الآن ..قم ،ف أ�نت طالب ! كانت معروفة لكل الطلبة في الكلية تقري ًبا ..تحيي هذا وت�شير إ�لى تلك .وتعلق �ضاحكة على أ�خرى وتداعب ثالثة ،كانت رائعة � ،أ�سلم لها قياده كطفل ف أ�خذته لجولة �سياحية إ�لى المعامل والمدرجات والأق�سام والمزرعة ..ثم �صحبته إ�لى البوفيه ..وهناك جل�ست معه في �أحد ا ألركان .لاحظ احترام الجميع ل�سلوكها . � -أنا (جوزفين) .إ��سمي (جوزفين) . -و إ�يه يعني ..و أ�نا (�سمير) ب�س كانوا ح ي�سموني (محمد �سمير) . 415
ب�سرعة �إلى جواره في فرح � .إبت�سامتها الغامرة احتوته و�أعادته �إلى حالة الخدر فلم ي�شعر بالوجوه التي مازلت تتابع الموقف في ف�ضول .والأج�ساد التي �صعدت وتزاحمت حولهما من المحطة التي نزل فيها العجوز ،بينما وا�صلت الحديث ملتفته �إليه من مكانها في حب ا�ستطلاع طفولي ،وهي ت ْح ُرك في مرح وت�شده من ك ّمه ت�ستحثه �أن يجيب . -ه ّيه الواحات ؟! �أكيد انت م اللي كانوا في الواحات !. تنبه من غيبوبة ال�سحر التي ا�ستولت على م�شاعره ..وحينها ا�ستطاع أ�ن يتمتم في ده�شة حقيقية : -انتي تعرفي الواحات ؟ منين ؟ وك�أنها تعرفه من �سنين دفعته في �صدره في حركة طفولية �شقية وقالت : -طب ًعا ! إ�يه ؟ ابن خالتي كان معاكم ،ولازم تعرفه ؟ -ا�سمه �إيه ؟ -الدكتور (ف .ف) . قالتها بب�ساطة و�ضحكت . -م�ش ممكن .. رد غير م�صدق .وابت�سم محر ًجا .فلعلعت �ضحكتها . ولم يكن هناك من ُبد �أن ي�شاركها بقهقة أ�علي من �شق�شقتها ال�ضاحكة وهو يتركها ت أ�خذ يده وت�سحبه وراءها في اتجاه الباب : -محطتنا جت ..و�صلنا ! يالل ّا . قفزت في خفة ريم بري .ووجد نف�سه يقفز خلفها كالوعل الجبلي دون �أن يلحظ نظرات العيون التي تابعت الم�شهد ،بع�ضها محتجا في ت�أفف 414
لزيارة أ�خته إ�لي ق�سم الاقت�صاد للح�صول على جدول المحا�ضرات كي ينتظم في الدار�سة – أ�ول الأ�سبوع القادم .. ركبا ا ألوتوبي�س ،نزلا م ًعا في (القللي) .عرف �أنها ت�سكن في �شارع (ال�سبتيه) ،ودعها وهو يقول عندما لم يجد ما يقول أ�نه يعي�ش في حي (حدائق القبه) مع اتنين �أحدهما كان في البعثة ..لوحت له ،لوح لها ، لم ي�شبع بعد من ابت�سامتها ..ظل واق ًفا يتابعها وهي ت�شق طريقها طائرة لا تكاد تم�س الأر�ض في ر�شاقة دون �أن تلتفت �إليه .حتى اختفت فج أ�ة وراء �سور (نفق �شبرا) .. �أح�س ك أ�ن الدنيا انخطفت منه فج أ�ة .بال�ضبط مثلما حدث عندما دفع به �إلى الزنزانة ( )39الدور الثان (�سجن المن�صورة) ألول مرة من (5 �سنوات) بالتمام والكمال ،فداهمته نف�س الرغبة العارمة في البكاء !.. لم ينتظر حتى ي أ�تي على العالم يوم الثلاثاء ..وجد نف�سه – تاني يوم – واق ًفا أ�مام مدرج أ�ربعة في انتظار انتهاء محا�ضرة ال�سنة الثانية الهامة التي قالت �أنها �ستح�ضرها �صباح الأحد . كان منظره ملف ًتا � ،شاب يبدو أ�كبر �س ًنا من كل الطلبة يقف بلا �سبب فيما بين المدرجات .و�شعر بهم�سات تدور عنه بين بع�ض الطلبة ولاحظ إ�بت�سامات ماكرة على وجوه بع�ض الفتيات من اللائي ر�أينه بالأم�س معها. ولمح نظرات ا�ستنكار على وجوه بع�ض الفتيان.. كان يبدو كتلميذ غر يقف أ�مم باب مدر�سة للبنات حيث لا يجب أ�ن يتلك أ� ال�صبيان ..ثم هلت – هي – ف أ��شرقت ..بدت و�سط زحام الطالبات والطلبة الهابطين على ال�سلم العري�ض ..مختلفة ،مميزة وا�ضحة ..ومرحة.. 417
�س أ�لته عن حياته وكيف يتعامل مع الدينا والنا�س بعد �سنين المعتقل ؟ وكيف يدبر أ�مره ؟ و أ�ين ي�سكن ؟ ومع من ؟ وما عمل والده ؟ اندفع يحكي م�سحو ًرا ب�شخ�صيتها القوية المرحة الم�ستقلة الودودة . كانت تعرف معظم الطلبة بالا�سم ،تجامل وت أ�مر وتنهر عند اللزوم من يقترب منهما ويقطع حديثه ،أ�عطته بكل إ�رادتها كل م�شاعرها ووقتها واهتمامها حتى غمرته واحتوته . يومها ..لم تذهب – هي – إ�لى �أي من محا�ضرات ال�سنه الثانية ..ولم ي�سجل – هو – ا�سمه في ق�سم الاقت�صاد الزراعي ،كان يحكي م�سحو ًرا وكانت ت�سمع في �شغف ..تنعك�س كل الم�شاعر على �صفحة وجهها . وفي عينيها تتزاحم ردود الفعل ،تتوالي الف�صول ..ت�صفو ال�سماء وتغيم ويغيب القمر ..وي�صير بد ًرا ..تثور أ�مواج البحر وتهد أ� وت�صفوا مياه النهر وتتكدر .ت�سقط ا ألمطار وتندفع جماهير في �شوراع المواجهات الدامية ،ترق الكلمات لتتقطر �شع ًرا ملي ًئا بعذابات الوحدة والغربة . فتكاد تبكي ..ثم ت�صفوا في غنائية تفي�ض ب�شجن الع�شق وعذابات ال�شوق والحنين فتحملها عل جناجين من نور إ�لى �شواطئ حلم غام�ض . مرت �ساعات لم يعودا يلتفتان لندائات زملاء لها يتعجبون لحالها ، أ�و زملاء له يرحبون بعودته . حل الليل و�أ�ضيئت �أنوار الكافتريا ..كان لابد من مغادرة الكلية .. كان لابد من الفراق ..حين خرجا لم يتفقا على لقاء آ�خر ..كان اليوم نهار ال�سبت يوم راحة الرب ،فقال لها �أنه �سيزور أ�خته ع�صر الثلاثاء في كلية البنات ..وكانت قد أ�خبرته أ�ن عندها في الغد محا�ضرة هامة في مدرج �أربعة ..وكانت تعرف �أنه قد يح�ضر �صباح الثلاثاء قبل الذهاب 416
ال�صمت والموت تجاهد كي تعود �إلى الحياة � .صحبته إ�لى (�إيزافيت�ش) حيث عرفت ًأ��صدقاءه وتعرفت بزملائه .إ��صطحبها لبيت (نذير و�شلبية) و�إلى حجرة (محمد جاد) وعبرا م ًعا دهاليز التاريخ القديم و�سراديب الع�صور الو�سيطة ،طاردهما المماليك في حواري الأزهر وحا�صرهما (الرومان) في الكني�سة المعلقة .و�صلت معه خلف ( إ�خناتون) لل�شم�س وغنت ورق�صت مع فتيات التراحيل عندما زارت معه بيوت أ�قاربه وحين تعرفت إ�لى �أمه و�أخوته وعندما حكى لها عن �أهل قريته فر ًدا فر ًدا . ركبا م ًعا �سفن ال�سندباد وهربا من ا أل�سر يوم هاجم التتار دم�شق .وطافت مت�أبطة ذراعه حواري قريته ليل ًا ونها ًرا لا ملل .فرحت من القلب وبكت بحرقة وهي تحاول زيارته مع �أخته في �سجن (المن�صورة) .. امتلأت بالغ�ضب لا�ست�سلام زملائه للتعذيب في (�أبي زعبل) دون مقاومة � ،ضحكت من القلب لحكاياته عن ال�شاوي�ش (بولجانين) وعم (ح�سن عطية) ،دق قلبه في �صدرها مع إ�يقاعات أ�نا�شيد وق�ص�ص ثوار الغابات في (فنزويلا) و(البرازيل) و(فيتنام) ،هتفت من القلب مع عمال التعدين في �شيلي .ذابت من الوجد والحزن وهي تقر�أ له أ��شعار (لوركا) بعد أ�ن قدمها إ�ليه على �ضوء قمر جريح � ،صعدت جبال ( إ��سبانيا) مع الأن�صار وهي تبكي ..ا�صطحبها و أ�خته لم�شاهدة فيلم (الحياة اللذيذة) (لفليني) و أ�عاد عليهما قراءة ال�سيناريو �أكثر من مرة ،فتاقت لر�ؤية البحر � ..أنفقا عم ًرا على رمال ال�شاطئ في (ا إل�سكندرية) و�سارا حافيين على الكورني�ش من (الأنفو�شي للمنتزه) � ..صفقت وهي تقفز فرحة ل�سعادته يوم قبل ع�ض ًوا في (الحزب) ألول مرة ..وتفتت قلبها حز ًنا عندما جاء ًها باك ًيا يغرق نف�سه في �أح�ضانها ألنهم (ح ّلوا) نف�س (الحزب) وبقلوب باردة . 419
كانت تتلفت – خ ّمن أ�نها تبحث – هي – �أي ً�ضا عنه � ،صدق حد�سه .. قالت له وهي تعطيه يدها ك أ�نهما على موعد .. -كنت مت أ�كدة �إنك جاي ..وع�شان كده النهاردة عزمتك على الغدا يا غلبان ! ورفعت لفة م�ستديرة في كي�س من البلا�ستيك �أمام وجهه ،دون تكليف .قائلة في اعتزاز ودلال : � -ص ْنعة إ�يديه ،حتاكل �صوابعك وراها � .صحيح انت قلت لي �أنك طباخ ممتاز ..لكن يا �إبني هناك فرق ..ده من �إيد (جوزفين) !.. ا�ستطعمت �إذنيه كلمة (يا �إبني) التي خرجت من بين �شفتيها حنونة بب�ساطة مذهلة – �أخذت قلبه � ..سارت به في حدائق الكلية .وم�شاتلها كانها تقدم له حديقة ق�صرها الخا�ص الذي تعرف وتع�شق كل �شبر فيه .. يرحب بها كل من يراها من الجناينية وعمال المزرعة والمعيدين ثم ذهبا للكافتريا ..كان ركنهم خال ًيا فجل�ست في مرح وقالت وك�أنها تحت�ضنه بعيونها : -ياللا احكي انت بقى .. وعاد يحكي وهو لا يت�صور – للحظة – �أنه �سيكف عن الحكي � ..إلا بالموت .أ�كلا ما أ�ح�ضرت من طعام .حلقات من البي�ض الم�سلوق م ؤ�طرة باللحم المت ّبل المفروم ،لم يهتم بمعرفة ا�سمه ولا طريقة �صنعه مع �إنها المرة الأولى في حياته التي يذوقه أ�و يراه فيها .دعاها كي ت أ�كل من �صنع يديه – هو ،ف�صحبته إ�لى �شقته بكل ب�ساطة . ظلا – ولع�شرين �شه ًرا يقطعان �شوارع القاهة �سي ًرا على الأقدام لا يكلان ولا يتعبان من الم�شي ولا من الكلام ..ك�أنما خم�س �سنوات من 418
وغرتكم الأماني... كنت في هذا ا ألمر – أ�تحداك أ�نت – نعم �أنت بالذات .لأنك لم تكن تريد لهذه العلاقة أ�ن تكتمل ،كنت تريدها كغيرها ..عابرة لا عمق لها ..غرت من �إمكانية و�صولي إ�لى قمة لا تعرفها ..نعم هل تذكر يوم جاءت إ�لي فج�أة دون موعد ،قلت �أنها جاءت كي تنام معي و أ�نني لم أ�فهم .. �صرخت فيك ألنك تريد تلويث كل �شيء تركتني غا�ض ًبا م�ؤك ًد على غبائي ..وعدم فهمي رغم كل هذه ال�سنين والتجارب لعواطف المر أ�ة ..و �سطوة رغبتها ..لمحت في عينيك ا�شتهاءها .يومها كان ا ألف�ضل لك أ�ن تن�صرف ..حتى لا أ�قتلك ..طب ًعا تذكر !؟ ألنك لا ت�صدق �أن لعلاقة كهذه �صلة بحل (الحزب) ..كنت تريد �أن �أقتل الحلم عم ًدا ،وكنت 421
ك ّنت وديعة في حجره وهو يق�ص عليها حكايات �سجنه ومغامرات �صباه وحياته في الزنزانة ( )36في �سجن (المن�صورة) ورحلته إ�لى (الواحات) ..وليالي معتقل (القلعة) وغنت له �أغنية ( أ�م كلثوم) (�سهران لوحدي) التي كانت تت�سرب إ�ليه خلال جدران القلعة القا�سية من المقاهي الباهتة الملامح في (الخليفة) .. و�ساندته بكل قوتها و�شجعته على الإ�ضراب من �أجل الجرائد والإذاعة .. والخطابات وفتح الزنزانة ،إ�حت�ضنته وهو وحيد في عربة التراحيل يرتجف من البرد منكم َ�ًشا تحت ل�سع رياح ال�شتاء دون ملاب�س حقيقية ..و�أيدت موقفه من طلاق أ�خته ،لكنها لم ت�سامحه أ�ب ًدا ..ألنه ظل راف ً�ضا الغو�ص خلف آللئ بحرها حفا ًظا على بكارتها ..ولم يفهم �سر نظرتها القا�سية الغا�ضية كلما كبلته �سلا�سل قيوده الأخلاقية .تمنعه من الو�صول معها �إلى �سدرة المنتهى ..مدع ًيا أ�نها لي�ست كالأخريات و�أنه لايرف�ض اتهامها له �أنه �أ�سير ما�ض لا وجود له �أمام ما جرى للدنيا وللنا�س خلال خم�س �سنوات نفيه. ••• 420
عا�شت و�سطكم هي و أ�ولادها �سنين ..إ�يه الحكاية � ..إيه الفرق ؟ -دي حاجة ودي حاجة .عايز تجيب منها أ�ولاد ..؟! � -سيدنا (محمد) جاب (�إبراهيم) من (ماريا) .. � -أنت م�ش نبي !.. وهي نف�سها قالت لك تحت ت�أثير لحظة ن�شوة خفية – كيف تحلم بيوم تخرج من الكني�سة و�سط الورد والزغاريد و أ�نت تحملها �إلى البيت أ�و �إلى ال�سيارة ..ولما انتهت من حلمها قالت لك ك أ�نها تعتذر عن تماديها بعي ًدا �إنها م�ستعدة �أن تتزوجك في الحال وبالطريقة التي تريدها .. و�أنت ؟ ..ماذا فعلت ؟.. رف�ضت طب ًعا � ..سقطت في ب ؤ�رة �ضعفك القاتل ،وفتحت أ�بواب جحيم التبريرات – �صحيحة وزائفة ،حقيقية ومفتعلة – بحجة أ�بيها المري�ض بالقلب مرة ..ومراعاة لأخوتها الذين هاجروا واح ًدا بعد الآخر ..وخو ًفا من تلك النظرة القلقة في عينيها – من احتمالات �سجنك التي يمكن �أن تحدث في أ�ي وقت. لا تت�ستر خلف ذلك الطموح الخفي الذي كان يبرق في عينيها أ�حيا ًنا والذي كانت تف�شل في دفنه تحت ركام �أخلاقي مفتعل .ولا تبرر خيبة �أملك ب أ�حاديثك الرائعة و�أحلامك الممتدة من (بكين) حتى (هافانا) .. والتي تحمل الفقراء على جناحين من �شعر وحكايا ،حلم تظن �أنه لن يموت – فليكن ما تريد ..خ ّلك غار ًقا في غيامة وهمك ألنها لن تحتمل . �سحرك لم يفعل مفعوله ،ولم ينجح في �شق �صدرها لانتزاع بذرة ال�شيطان ،ف�أنت لم ت�سمح لي بانتزاعها من �صدرك – �أنت أ�و علاقتك . � -أنت الذي لم تدرك كم تغيرت الدنيا خلال (� )5سنوات ق�ضيتها في (البعثة) يا زميل. لم تعرف أ�ن الفتيات يحملن ا آلن في حقائبهن المدر�سية �شرائط تنظيم 423
أ�ريد أ�ن أ�ثبت �أن �شي ًئا مقد�ًسا يجب �أن يبقى بعي ًدا عن خ�سة ال�سيا�سة ودناءة الو�صول على جثث ا آلخرين ،كنت أ�موت �شو ًقا ل إلكتمال معها وفيها ..كنت عم ًدا أ�قاوم نف�سي لأثبت �أن �شي ًئا جميل ًا يمكن أ�ن يبقى في حياتي دون أ�ن تدن�سه خطيئة الم�ساومة أ�و يكون رخي ً�صا معر ً�ضا للبيع وال�شراء.. ولم تفهم أ�نت م�شاعري لأنك تح�سب كل �شيء بح�سابات عملية وواقعية وتقي�س العواطف ب�شريط الم�صالح المق�سم لوحدات قيا�س التكتيك والا�ستراتيجية . إ��سمع ..لا �أريد �أن ت�شوه ما �أت�صوره عن ذكرياتي معها ..أ�ترك لي �شي ًئا أ�عي�شه كما أ�ردت وكما ع�شت قبل أ�ن تف�سد كعادتك كل �شيء . نعم كم كان هذا جميل ًا ورائ ًعا ..أ�نت لم تعره اهتما ًما في البداية واعتبرته عط�ًشا لممار�سة م�شاعر (الميلودراما) ب�سبب �سنوات الحرمان الطويلة خلف الق�ضبان ..تحديتك في البداية ثم رجوتك �أن تفهم و�أن تعطينا فر�صة .. أ�ن تح�س بي وت�شعر بحاجتي إ�ليها .لكن برودك حيال علاقتي بها كان يخيفني .وكنت أ�ق�سمت �أنى �س أ�حمي هذه العلاقة منك ومن منطقك العقلي المادي العملي ال�سخيف ،الذي حا�صرتني به .كنت تقول بخفة و أ�نت تقيم جدرا ًنا من الغل . -لن يقبلك القبط فارفع علمك فوق قلعتها .ولن ي�سامحها الم�سلمون فلا تتركها تتباهي ب�ضعفك وتزهو بك عليهم � .أمك نف�سها قالتها لك – نكتة ظريفة أ�ي نعم – لكن قا�سية ووا�ضحة تفهم واقع الحياة . -لن �أ�شرب من إ�يدها كو ّباية ميه .. -ليه يا �أمي ؟ ..انتي كنت �صديقة لمدام ( إ�يزي�س) التي كانت ت�سكن بيننا وفي بيتنا ل�سنوات .و أ�ر�ضعت ابنتها وكنت ت�ؤاكلينها وت�شاربينها . 422
فب�صرك اليوم حديد... لي�ست هذه مذكرات يا �سمير ..ولا خطابات ..ف�أنا لم �أكن أ�جر ؤ� على كتابة مذكراتي بانتظام ب�سبب ا�ضطراب حياتي ..ولم أ�كن �أفكر في مرا�سلتك بعد وداعنا الدامي ..أ�عترف ..أ�نك الوحيد الذي �أحبني ممن عرفتهم من الرجال ..لا تغ�ضب ..ولا تنفعل تقبل ا ألمر كظاهرة للفح�ص والتحليل كما علمتني دائ ًما وح�سب ما تقول �أفكارك وكنت �أ�صدقها و أ��صدقك .. (من ال�ضروري ا�ستبعاد عواطفنا �إذا كنا نريد الو�صول �إلى قرار �سليم )..وعمرك ما فعلتها .. كانت عواطفك دائ ًما هي عينك التي ترى بها كل �شيء .. ولو كنت تدرى �أنني عرفت كثيرين غيرك .. 425
الأ�سرة . لم تكن حري ً�صا على عذريتها حفا ًظا على �شرفها المزعوم .بل كان حر�صك على ما تظنه عذريتك أ�نت . كانت بينكما (� )5سنوات فقط لكنها كانت بمثابة حقب طويلة ج ًدا .تكاد تبلغ في طولها قر ًنا من الزمان ..قدر الم�سافة التى تف�صل ما بين (لفي�شاوي) ودي�سكو (المريديان) ..ما بين حكايات (�أم يو�سف) و(�ساتيروكون فليني) ..ما بين خطابات (جيفارا) ..وقرارا (حل الحزب) ،ولم تفهم ..تركتك عا ًما ون�صف .بل �أكثر تمار�س حالة المراهقة التي حرمك ال�سجن منها قبل �أن �أظهر في ال�صورة لأ�ضع مر آ�ة �أمام وجهك � .أنت تمنيت ظهوري وكان لابد �أن �أظهر ولو رغ ًما عن �أنفك ،فمازلت لا تفهم ولن تفهم �إنني تو�أم روحك ( ..كالكا ..والبا ).. إ�ذا كنت مازالت تعتقد في �أ�صولك الروحية ..على كل حال �أنا ل�ست عدوك ..أ�نا �صديقك وقرينك ..قرين المرء لا يعاديه .. وتو�أمه ..لا ي�ؤذيه .. على كل حال .كي تكتمل لديك ال�صورة وتظهر لك براءتي.. إ�ذهب في الثالثة بعد الظهر غ ًدا إ�لى (جروبي) ..لن يحتاج ا ألمر لقرنفلة ت�شبكها في عروتك ولا لمجلة (روزاليو�سف) هو �سوف يتعرف عليك لأنه يبحث عنك ..وطلب مني �أن أ�دبر له لقاء معك ..و�سوف يعطيك دليل براءتي من دمها ..وبراءتك أ�نت �أي ً�ضا ..لو كنت ماتزال مهتما � .أن تعرف لماذا ت�سربت من بين يديك �شي ًئا ف�شي ًئا ..وتبخرت �أمام عينيك .. حملها (عفريت) الواقع بعي ًدا عن �أ�شواك زهر �أحلامك المهزومة .. ••• 424
لي (ولماذا لا تكون �أقرب كني�سة) ..عرفت �أن الهوة تزداد بيننا والم�سافات الطويلة �صارت أ�طول ..لكني كنت �أحبك ومازلت ..كنت �أحبك على طريقتي � ..أنت الوحيد الذي (قد�سني) واتخذ مني ملاكه الحار�س .. كنت الوحيد الذي أ�حبني بحق ..وكنت أ�تمزق ..و�أنت تقدمني ألمك الطيبة ..التي أ�ح�س�ست بمرارة قبلتها رغم ابت�سامتها التي ذبت في رقتها وح�ضنها الدافئ الذي عو�ضني كثي ًرا . كنت أ�بكي �أحيا ًنا و أ�نا في أ�ح�ضان ا آلخرين ..وعاقبني الرب .. عقا ًبا �صار ًما .. هل تذكر يوم التقينا في (باب الحديد) بال�صدفة ..وكدت ان تحت�ضنني و�سط زحام الخلق .. عرفت يومها �أنك في �أزمة مع زوجتك و�أنكما على و�شك الطلاق.. هل تعرف �إلى أ�ين كنت ذاهبة ..كنت ذاهبة ألكفر عن عقاب الرب .. عند طبيب ا ألمرا�ض التنا�سلية !! . تواعدنا يومها على أ�ن نلتقي ونذهب �إلى القناطر ..لكي ن�ستعيد ذكرى أ�حلى رحلة لنا حين كنا نلتهم العالم كفاكهة محرمة ..وتركتك و أ�نا مت أ�كدة �أنك لن ت أ�تي ..ف أ�نا �أعرفك أ�كثر مما تعرف نف�سك .. لقد حكيت لزوجتك ك أ�حمق عن كل مغامراتك قبل الزواج ..هل هناك من يفعل ذلك ؟ إ�لا ريفي أ�حمق ..كنت تريد ان تبد أ� معها �صفحة جديدة ..كنت تت�صور أ�نك (تطب في بحر النيل لتتطهر من الما�ضي) . الحياة لي�ست �شع ًرا يا �شاعر .وهي لم تفهم ..طبع ًا ..وجاءت إ�لي ..ت�صور جاءت �إلى �شقتنا ولا �أعرف كيف ا�ستدلت عليها ..لابد أ�نك و�صفت لها ..حتى أ�دق التفا�صيل ..يا مغفل ..جاءت لتت�أكد �أنني لم أ�عد على 427
لقتلتني ..نعم يا حبيب القلب عرفت �آخرين حتى و أ�نا �أعبر معك القرون بح ًثا عن ذاتي ..أ�جاهد لمعرفة هويتي ..و أ�عرف من أ�نا ..كان عندي �أمل أ�ن تقودني أ�نت إ�لى نف�سي ..كنت الوحيد الذي أ�حبني ..كنت الوحيد (الجبان) الذي أ��صر �ألا يف�ض بكارتي ..رغم كل ا إل�شارات لم تفهم .. وعذرتك ألن الم�سافات بيننا كانت بطول هذا التاريخ ال�سحيق من القهر والانتهاكات ..وبات�ساع الهوة بين أ�حلامك ..وظروف حياتي ..لم أ�حك لك التفا�صيل فبع�ضها كفيل بتدميرك لو وقعت هذه الأوراق في يدك وكنت لا تزال �صام ًدا تخو�ض حربك ال�شر�سة �ضد طواحين الهواء وطواغيت م�صر .. كثيرون ..نعم ..عرفت الوغد والندل والطاغية والف�سل وا أل ّمعة .. عرفت – الرجل الخرتيت والرجل الخنزير ..والرجل الكذبة ..بع�ضهم كانوا من أ��صدقائك ..لا تنفعل ..فكل من قدمتني إ�ليهم من زملائك أ��صدقاء القهوة راودني عن نف�سي � ..أكثرهم إ�لحا ًحا كان (القبطي) الذي ت�صور �أن مهمة إ�بعادي عنك مهمة دينية مقد�سة حتى لا �أ�صبح فري�سة (الغزو الإ�سلامي) ..قليلون هم الذين حفظوا غيبتك منهم زوج (�شلبية) و(محمد جاد) وبلدياتك الذي فهمني يوم فاج�أتك في �شقتك بحجة حاجتي ل�شرح بع�ض المواد التي �س�أمتحن فيها في اليوم التالي ..كان ذك ًيا فعرف أ�نني جئت ب�سبب ملفق ..فا�ست�أذن وتركنا وحدنا. أ�نا و�صفتك يومها بالجبان ونحن على قمة (ا ألوليم ْب) ألن ريفيتك غلبتك ..كان يومها يو ًما فار ًقا في العلاقة بيننا ..فقد رف�ضت �أي ً�ضا �أن نتزوج على الفور عند أ�قرب م�أذون ..ولم ا�ست�سغ فكاهتك عندما قلت 426
على �أن �أكون لطيفة مع �شركائه ..ومموليه في كل مكان ..كان ثم ًنا فاد ًحا لحياة باذخة ..وكان عقابا �شدي ًدا كعقاب امر�أة (لوط) ..لأنني لم �أحافظ عليك ،تركتك ل�ضعفك و أ�وهامك ..كي تدفن نف�سك في �أح�ضان جارية �أو امر�أة ريفية لا ت�ستحقك ..ولم يكن ب�إمكاني ا�ستعادتك حتى في �صورة ذكرى ..ولم يعد للحياة طعم ..ولذا �س أ�عود إ�لى (م�صر) ..و�أطلب مغفرة (ايزافيت� ْش) و(ري�ش) ..و(الفي�شاوي) ..و(�أتوبي�س .. )132و(�صوبة الظل) في ق�صر (محمد علي) ..و(القناطر الخيرية) ..و(كازينو ال�شجرة) ( ..و�شارع �شبرا) ..و(“� ”8ش محمد م�سعود) و(محطة القللي) و(�سينما راديو) ..و�إن �أمكن �س أ�طلب غفران (الزنزانة “ )”39الدور الثاني �سجن (المن�صورة) ..و(زنزانة “ ”6بالقلعة) و(مزرعة المحاريق) ..و(عنبر أ�لف في العزب) .لعل الجميع يغفرون لي خطيئتي � ،إنني لم أ�حاربك من أ�جل حبي ..وتركتك تنتحر على طريقتك ..و�إن لم يغفروا لي ..ف�سوف �أجد لنف�سي طريقة �أ�سرع للإنتحار طل ًبا للغفران ! كان الذي �سلمني ا ألوراق ..هو نف�سه ذلك (القبطي) الذي كان يحارب من أ�جل انقاذها من الوقوع في حم أ�ة حبي الريفي� ..أعطاها لي وفي عيونه نظرة ت�شف قا�سية ..ولم أ�كن �أعرف علاقته بك يا �صديقى ألنني فوجئت به يتقدم مني وي�سلمني ا ألوراق ..ويم�ضي دون كلمة .. لمحت ق�سوتك الفجة في نظرة عيونه عندما �إلتفت ليت�أكد إ�نني مازلت واق ًفا م�سم ًرا مذهول ًا من المفاج أ�ة ..لأنني حتى تلك اللحظة لم ا�ستوعب مدى ات�ساع وت�شعب �صلاتك وطول ذراعك ..وخيل �إلي أ�نه يقهقه في ت�ش ّف وهو يدور ليختفي عن ناظري . ••• 429
علاقة بك ..وحزنت ل�سذاجتها .لكني حزنت �أكثر و�أ�شفقت عليك!.. لم �أكن في (بيروت) عندما ذهبت �إليها من �صديقك المغني الذي لم أ�تعرف عليه ولكني �سمعت ال�شريط الذي �سجلتموه هناك �أيامها .ويبدو �أن جز ًءا من (عقاب الرب) هو أ�لا أ�كون في (لبنان) و أ�نت فيها .فقد كان يمكن أ�ن ينقذني لقا ؤ�نا في تلك الظروف النادرة ..كنت في (البرازيل) مع زوجي (الماروني) ..أ�نت تعرفه ذلك (اللبناني) زميلنا في الكلية ..كنت ت�سميه (اليرقة) ..وكنت أ��ضحك من القلب ..و أ�قول أ�نك غيران منه ألنه على طرف نقي�ض معك ..في كل �شيء � ..ستتعجب ألنني تزوجته هو دون كل الحيوانات والح�شرات التي عرفتها ..كنت أ�معن في الانتقام من نف�سي ألنني �ضيعتك .. لو كنت يومها في (بيروت) لتغير وجه الدنيا ..كنت يومها �ست�صبح طوق النجاة ا ألخير ..كنت �س�أرتمي في ح�ضنك فوق من�صة (عرو�س البحر) � ..أو فوق جبل ( أ�ميون) �أمام تمثال (فرج الله الحلو) و�أمام كل تلك الجحافل التي كنت تحتفل معها ب�إزحة ال�ستار عن التمثال و�إغراقه في الورد ..و أ��صرخ فيهم ألعلن لهم أ�نك حبيبي ..ولكني لم �أعرف – �إلا عندما عدت – أ�نك كنت طائر (العيد الخم�سين) المغرد ..و أ�نك حرثت (لبنان) من (طرابل�س) إ�لى (�صيدا) ومن (بيروت) إ�لى (بعلبك) ..تغني لـ (نيرودا) و(فرج الله) و(�شهدي) ..وللعمال ..وللحرية وال�سلام ..وكل ما �شدني �إليك و أ�ذابك في دمي الفا�سد ..كانت علاقتي باليرقة قد و�صلت �إلى حد ال�سفالة ..كان (عقاب الرب) �شدي ًدا ..ف أ�نا التي لم �أقم علاقة إ�لا مع من �أرغب ..وب إ�رادتي الحرة ..وكنت أ�عتبر حريتي الجن�سية جز ًءا لا يتجز�أ من حريتي ك�إن�سانة ..أ�نا التي لم �أحظ بعلاقة معك ،يا من �أحببت � ،أجبرت 428
(بيروت) ،ولم تنهدم فوق ر أ��سي �صدفة �إحدى بنايات (الفكهاني) � ..أو (كورني�ش المزرعة) ..ولم تنفجر في توقيت م�ضبوط مع خطواتي �سيارة مفخخة عند (ر�أ�س بيروت) أ�و عبر (كاركا�س) إ�لى (الحمرا) ..ولم أ�تعفن في أ�حد �سجون (�سوريا البعث) ..أ�و (ليبيا العقيد) ..و أ�نني نجوت في اللحظة المنا�سبة ولم يجرفني ال�سيل في (بوخار�ست) ولم يقتلني على �سبيل الخط�أ ..الع�س�س الغا�ضب المتوتر في بحرة (دم�شق) �أو في حواري المنطقة ال�صناعية أ�و (باب توما) .. كل �إن�سان يولد مرة ..وقد يموت �ألف مرة ،لكنني ولدت مرات كثيرة ..ومازلت حيا في انتظر الموت للمرة ا ألخيرة ،فوق فرا�شي ..بعد هذا الرحيل الطويل في المكان والزمان ،في الأ�سر وفي الحرية .. ومازلت �أراقب تحولات نف�سي النزقة ك�سحابة مرحة ،تدفع بها ريح البحر نحو ذراعى طفل مجنون ،طموح � ،سريع البكاء ،م�شحون بالعواطف الم�شبوبة ،يجل�س متطل ًعا إ�لى المجرة على حافة قرية (ميت �سل�سيل) الغربية قبالة (�سيدي مجاهد) بالقرب من (م�سرف) البلهار�سيا ..المزدحم بال�ضفادع والذي لم تق�صفه الطائرات ا إل�سرائيلية بعد ،و�أن و�ضعته في ح�سبان خططها للم�ستقبل – لعجزها عن تف�سير ما يزدحم به عقله من أ�فكار .وهو يجل�س �ساك ًنا يت أ�مل ال�شم�س الغاربة ..يراقب عفاريت الدنيا وهي تلعب في بحيرات ال�ضوء الذهبية بين ظلال تيجان النخيل حول قبة ال�شيخ (مجاهد) ..أ�و حول �صخرة (بيروت) .يتابع في انبهار رق�ص جنيات الماء وعرائ�س الحواديت ،في غابات (مو�سكو) و(�صوفيا) و (غوطة دم�شق) و(�سراديب كريتر) ..قبل أ�ن يغ�ص قلبه بالهم الحقيقي ل�صراع الطبقات ،وت�سلط القوى الغا�شمة و�سحقها لل�شعر عبر 431
إ�ن الإن�سان لفي خ�سر.. � أيتها الأ�سماك الحرة الم�سكينة ..خذيني �صدي ًقا لك .فقد رحل عني معظم ا أل�صدقاء .. �أعاهدك أ�ن �أطلق �سراح كل من يلقي به �سوء الحظ منك في براثن �شبكتي � ،أو تلتقطه �صنارتي ..ف�أنا �أعرف م�شاعر من ت�شق الخطاطيف �سقف حلقه . وذقت مرارة ال�سقوط في قب�ضة ال�شباك على اختلاف أ�نواعها ..فكوني �صديقة لي ،بعد �أن هجرني ا أل�صدقاء الذين يخيل لي أ�حيا ًنا – أ�ن معظمهم لم يكونوا �أب ًدا – كما �صورتهم لي �أوهامي.. أ�نا الذي لم أ�عد نف�سي ال�شخ�ص � ..أنا الذي لم يكن ينتابه أ�ي �شك فيمن هو – �أنا الذي كنته وما �س�أكونه ..رغم أ�نني �أقنعت نف�سي كثي ًرا ، وعلى مدد متفاوتة الطول .وب�سبب ظروف مختلفة � ،أنني ولدت من جديد مرات ومرات ..فلم أ��صب بر�صا�صة طائ�شة في حواري الجامعة العربية 430
النيل أ�ي ً�ضا من �سالف وقديم الزمان . بيروي عط�ش المفتري والكداب وابن الحرام ..وي�سقي الطيب والنوري البا�شا والوالي ..والفلح الكلح ،المكفى على �سن المحرات عل�شان يتكوم مهدود على عتب ا ألبواب .ويبل ريق الأغراب اللي �سقوه و�سقوا بلاده الويل .و�سرقوه و�سرقوا منه حلاوة الليل ..وخطوات الخيل .بيرويهم همه وجيو�شهم وهو يحمد ربه على بق المية اللي بيبقى له . مالي�ش �أي حق �ألومه �أو أ�عاتبه ..لأنه مقدر له يخ�ضر نف�س الأر�ض اللي قادره ت�شيل أ�ولادها وت�شيل اللي دابحهم ..وتحاجي على بناتها .. زي ما بتداري على اللي ف�ضحهم ..وع�شان متحملة خطو النكدي الظالم �أبو دم تقيل .والعا�شق قلب المواويل .. النيل طول عمره �سبيل ،ونبيل ..قبل ما تتفرنج ميت �سل�سيل . أ�نا و�أنت اللي ر�ضينا نلهب قلب �أولاده في ال�صحراء تحت نابالم الغدر ،وندو�سهم بالدبابات عيني عينك في �صهد (ب ؤ�ونة) ..و�سمحنا للقتلة ي�شربوا منه ،ويقعدوا في �ضل �شطوطه ..ويقتلوا �شبابه ويعروا بناته في �سل�سلة جهنمية طويلة وممتدة منذ عرف الع�سكر الطريق �إلى العر�ش وا�ستن�شقوا عطر ال�سلطة فقرروا ي أ�كلوا تمر نخيلة ،ويم�سحوا أ�يديهم الغرقانة في دم �أولاده – في غ�ض نجيلة .. تنكر ؟!� ..أن �أنا و�أنت ياما هدينا حيله ..و�سممنا -ب ُذلنا وخيانتنا للعي�ش والملح – مواويله!. ••• 433
الكرة الأر�ضية ،من حقول الأرز في (فيتنام) حتى منازل الأزهار في (�شيلي) و(ا ألندل�س) .. وقبل �أن يجد نف�سه عاج ًزا تما ًما عن لوم ال�شم�س (ا ألم ا ألزلية ا ألبدية) على ظلم ا إلن�سان .لأخيه ا إلن�سان وكيف كان ي�ستطيع؟ ،وهي تدفئ في �صباحات ال�شتاء و�أم�سياته الباردة ا إلن�سان ال�شقيان وقاهره المرتاح فى لحد واحد .تخرج كل يوم وت�سطع فوق �شق الحارة الغرقانة في برك الفقر .في نف�س الوقت الذي تبرق فيه وتلمع وتلعلع فوق جدران الق�صور البلورية و�أ�شجار ال�سلطان ..دون �أن تهتز منها �شعرة �ضوء .. ما ذنبها ؟ ..إ�ذا كان قد ر�أى العالم مقلوب ا ألو�ضاع .ووجد أ�ن الحلم الإن�ساني معطوب ..والتاريخ مكتوب بالطريقة التي تجبر الجميع على فهمه بالمقلوب ..القادر قادر – ويلقي التبرير الر�سمي الدائم لخطف اللقمة من بق الغلبان ..ال�شم�س لي�ست (الأمم المتحدة) ولا (الولايات المتحدة) لتوزع �ضوءها المقد�س ب أ�كثر من ميزان ..أ�و بطريقة غير عادلة بين العمال و أ��صحاب الأموال .. كان �سيجد القدرة على لومها بالت أ�كيد – �إن أ�تيحت له الفر�صة – لو �أنها طلعت فرحانة تغني طلعت يا محلا نورها وهي توقظ وتفتح �شبابيك الق�صر ثم عادت فانقلبت و�ضربت بوز وهي تدق أ�بواب بيوت الفقراء وتوقظ ر�صفان حارة �شق التعبان . ال�شم�س �صريحة ووا�ضحة ..عارفة �أن الحق حق .وبتطلع من ملايين ا أليام وال�سنين ،توزع �ضوءها بالحق وبالعدل ..هو وحده الإن�سان من يعطيها المبرر ،ويزودها بالحجج والبراهين ليعدمها روح العدل � ..أول ما تطل بو�شها في مرايته ..وتدله على منبع قوتها ..فتعطيه فر�صة أ�ن يتحكم فيها .. 432
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152
- 153
- 154
- 155
- 156
- 157
- 158
- 159
- 160
- 161
- 162
- 163
- 164
- 165
- 166
- 167
- 168
- 169
- 170
- 171
- 172
- 173
- 174
- 175
- 176
- 177
- 178
- 179
- 180
- 181
- 182
- 183
- 184
- 185
- 186
- 187
- 188
- 189
- 190
- 191
- 192
- 193
- 194
- 195
- 196
- 197
- 198
- 199
- 200
- 201
- 202
- 203
- 204
- 205
- 206
- 207
- 208
- 209
- 210
- 211
- 212
- 213
- 214
- 215
- 216
- 217
- 218
- 219
- 220
- 221
- 222
- 223
- 224
- 225
- 226
- 227
- 228
- 229
- 230
- 231
- 232
- 233
- 234
- 235
- 236
- 237
- 238
- 239
- 240
- 241
- 242
- 243
- 244
- 245
- 246
- 247
- 248
- 249
- 250
- 251
- 252
- 253
- 254
- 255
- 256
- 257
- 258
- 259
- 260
- 261
- 262
- 263
- 264
- 265
- 266
- 267
- 268
- 269
- 270
- 271
- 272
- 273
- 274
- 275
- 276
- 277
- 278
- 279
- 280
- 281
- 282
- 283
- 284
- 285
- 286
- 287
- 288
- 289
- 290
- 291
- 292
- 293
- 294
- 295
- 296
- 297
- 298
- 299
- 300
- 301
- 302
- 303
- 304
- 305
- 306
- 307
- 308
- 309
- 310
- 311
- 312
- 313
- 314
- 315
- 316
- 317
- 318
- 319
- 320
- 321
- 322
- 323
- 324
- 325
- 326
- 327
- 328
- 329
- 330
- 331
- 332
- 333
- 334
- 335
- 336
- 337
- 338
- 339
- 340
- 341
- 342
- 343
- 344
- 345
- 346
- 347
- 348
- 349
- 350
- 351
- 352
- 353
- 354
- 355
- 356
- 357
- 358
- 359
- 360
- 361
- 362
- 363
- 364
- 365
- 366
- 367
- 368
- 369
- 370
- 371
- 372
- 373
- 374
- 375
- 376
- 377
- 378
- 379
- 380
- 381
- 382
- 383
- 384
- 385
- 386
- 387
- 388
- 389
- 390
- 391
- 392
- 393
- 394
- 395
- 396
- 397
- 398
- 399
- 400
- 401
- 402
- 403
- 404
- 405
- 406
- 407
- 408
- 409
- 410
- 411
- 412
- 413
- 414
- 415
- 416
- 417
- 418
- 419
- 420
- 421
- 422
- 423
- 424
- 425
- 426
- 427
- 428
- 429
- 430
- 431
- 432
- 433
- 434