Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore موَّال الصِّبا في المشيب #سمير_عبد_الباقى

موَّال الصِّبا في المشيب #سمير_عبد_الباقى

Published by ashrafsamir333, 2020-03-22 11:34:44

Description: موَّال الصِّبا في المشيب #سمير_عبد_الباقى

Keywords: موَّال الصِّبا في المشيب #سمير_عبد_الباقى

Search

Read the Text Version

‫(الم�صور) و(الاثنين والدنيا) ثم دخلت (الكواكب) بعد ما �ضخمت من‬ ‫�إ�صابتك ب إ�دمان ال�سينما ‪ ..‬لا ‪ ..‬لا ‪..‬‬ ‫لابد أ�ن هذا له أ��سباب تخ�شى أ�ن تذكرها فتثبت جهلك بما يجري‬ ‫في الدنيا �أو يثبت وعدم �إدراكك للعلاقة بين ت�أثيرات ما جرى للعالم عبر‬ ‫ن�صف قرن �أو يزيد وبين تناق�ضات ذاتك !؟ �أو خ�شية �أن تظهر قدراتك‬ ‫المتوا�ضعة على الحكي و أ��صول ال�سرد الروائي فتكتفى أ�ن تعلق عجزك �أن‬ ‫تكون روائ ًيا م�شهو ًرا على الح�صار المزعوم حولك والحرب الم�شرعة �ضدك‬ ‫ولاتعترف بقلة وتوا�ضع موهبتك !؟‬ ‫هل لديك �أقوال �أخرى – �أق�صد تبريرات �أخرى ؟!‬ ‫ما أ��شد �سعادتي بغ�ضبتك هذه يا �صديقي وما �أجمل جر أ�تك‬ ‫و�صراحتك ! واعترف �أنها جاءت في الوقت المنا�سب ‪ ..‬تما ًما و�أنا في‬ ‫هذه الحالة من الت�شفف والمراجعة ‪ .‬ولا أ�قول ا إلحباط بعد مرور عام على‬ ‫(ثورة ‪ 25‬يناير) والتي فاج�أتني بال�ضبط مثلما فاج�أتك بل وكما فاج أ�ت‬ ‫من دعوا �إليها وكل من ب�شر بها لكن ‪ ..‬لي�س هذا مو�ضوعنا ‪ ..‬ففرحتي‬ ‫الكبرى تعود ل�سبب �آخر ‪ ..‬لقد �أعطتني غ�ضبتك دوافعا �أكثر جدية لكي‬ ‫�أ�ستمر في إ�كمال هذه الراوية ‪ ..‬بعد تلبك بكرة الخيوط الدرامية في يدي!!‬ ‫وعجز ذاكرتي عن ا�ستيعاب المقولة التي ت�ؤكد أ�ن من ين�شد (الحقيقة)‬ ‫فليبحث عنها في الذاكرة ‪ ..‬هذا لو كانت هناك حقيقة (حقيقية) يمكن‬ ‫�أن ت�ستوعبها �أية ذاكرة !‬ ‫‪ -‬حلمك علي ‪ ،‬ف�أنا كنت أ�نتظر �صوتك لي�شحذ ذاكرتي ويعينني‬ ‫على الاختيار ا ألجدع والأنفع للا�ستمرار ‪.‬‬ ‫‪401‬‬

‫المكان ‪ ..‬وانت تدور حولهم وتقترب منهم مت�سلل ًا ‪ ..‬كطائر مفتر�س‬ ‫تحاول جذب �أنظار فري�ستك (مديحة) التي خطفت ف�ؤادك كي ت�ستجيب‬ ‫لنداء ع�شقك ال�ساذج وتلحق بك بعي ًدا تحت ظلال اليا�سمينة ذاتها والتي‬ ‫تغطي ال�سور ذاته ‪ ،‬ذات ليلة من زمن �آخر ‪ ،‬لت�سلم �شفتيها البكر ل�شفتيك‬ ‫المتعط�شتين لتحقق ذاتك وتطفئ غليل نزاوتك !‪.‬‬ ‫�أنت تم�ضى في تفا�صيل ما يجري عندما يكون ما حدث له �صلة‬ ‫مبا�شرة بال�صورة التي تر�سمها لنف�سك ولن ت�سمح بذكر �أي �شيء يخد�ش‬ ‫حياءك من تلك ال�صورة ‪..‬‬ ‫لقد كتبت في بداية ذلك اللغو �أنك ولدت والدنيا على موعد مع‬ ‫م أ��ساة الحرب العالمية الثانية بل وذكرت اجتياح (هتلر) لأوروبا و�أنه تنب�ؤ‬ ‫بما �سيحدث لك أ�و ما �سيحدث للعالم ب�سببك ‪ ..‬وظننت معها �أنك �ستربط‬ ‫بين �سيرتك الم�أ�ساوية (كما أ�وحت بها كلماتك) وبين ما مر بالعالم من‬ ‫م آ��سي كبرى ف�إذا بك تذكر مذبحة (الكوليرا) فقط عندما توهم �أبوك أ�نها‬ ‫�ستلحق به ‪ ..‬وكيف �أنقذته ب إ�ح�ضارك عدة حبات ليمون من جنينة (عبد‬ ‫ربه) ‪ ..‬لم تذكر كم من البيوت ر أ�يتها وقد �أ�صبحت خاوية على عرو�شها‪،‬‬ ‫�إذ خلت من �سكانها بكاملهم ولم تذكر منظر جنازات دفن ال�ضحايا‬ ‫الجماعية ‪ ..‬ولا حال من كانت تداهمهم الإ�صابة أ�ثناءها فيتحولون من‬ ‫م�شيعيين �إلى م�شيعين بب�ساطة الفرق بين الك�سرة والفتحة !‪.‬‬ ‫ولم تهز (حرب كوربا) �شعرة ( أ�ق�صد رع�شة) من قلمك ‪ .‬رغم ما راح‬ ‫�ضحيتها من فيالق جي�ش الجامو�س (ذا بفلو أ��آرمي) و أ�نت الذي كنت تقر أ�‬ ‫ال�صحيفة مع جماعة (دكان محمود �شطا) الوفدية وتدخل بيتكم مجلات‬ ‫‪400‬‬

‫ال�شاهد �أو الخلا�صة �أو حا�صل الكلام ‪ ..‬كما يقولون في الحواديت‬ ‫ا ألكثر �صد ًقا وب�ساطة وا ألعمق حكمة و�أقل تعقي ًدا ‪ .‬فقد أ�رحت �ضميري‬ ‫كي ا�ستكمل حكايتي و�أن �ألملم الخيوط الملبكة المعقدة كما هي لأ�ستجدي‬ ‫الذاكرة المرهقة ‪ .‬واحايل القلم المرتع�ش ‪ .‬و�أقاوم كل ما يحيط بي من‬ ‫�إحباط وارتباك ‪ .‬واتبع حكمة ال�سحرة القدامى وخبرتهم ‪ ..‬ألذكر ما‬ ‫�أكرهه لكي أ�حبه ‪ ..‬و أ�نادي النائي ف أ�قربه ‪ ..‬و أ��س ّمى المتمرد أل�سيطر عليه‪!.‬‬ ‫فاغ�ضب وارف�ض وتمرد ‪ ..‬ف أ�نت مني �أقرب من حبل الوريد ‪ .‬وانت‬ ‫على ل�ساني وتحت �سن قلمي ‪ ،‬رهن إ��شارتي وبك قد تكتمل روايتي !!‬ ‫•••‬ ‫‪403‬‬

‫وغ�ضبتك هذه يا �صديقي ‪ ،‬فيما يبدو �سوف ت�ساعدني على فك‬ ‫وت�سليك خيوط بكرة الدراما ‪ ..‬التي تعقدت بين �أ�صابعي‪ .‬لأ�سباب لا‬ ‫أ��ستطيع ح�صرها ‪ ..‬فيها ما يتعلق بما جرى للدنا ب�سبب انفراط عقد الاتحاد‬ ‫ال�سوفيتي بف�ضل أ�جهزته و�أجهزة �أعدائه الأمنية ‪..‬‬ ‫أ�و ب�سبب جهل أ�و انتهازية أ�و حتى خيانة �أ�صدقائنا الم�شتركين التي‬ ‫�أو�صلتهم �إلى قرارهم بذبحك في (العام الخام�س وال�ستين!) �أو ت�سليمك‬ ‫على طبق من عبوديتهم التاريخية ك أ�بناء �شبه �شرعيين للزواج غير ال�شرعي‬ ‫بين اليمين الي�ساري وا ألمن التقدمي !‬ ‫في البداية لو تذكر ‪ ..‬أ�عني في بداية هذه الراوية ‪ ..‬كدت �أ�سميك‬ ‫ب�أ�سماء �أ�صدقائي ‪ ..‬أ��صدقاء الحارة وال�شارع والحقول في ميت �سل�سيل‬ ‫الذين علموني العوم في البحر ال�صغير وكيفية �صيد طائر الخ�ضير ‪ ..‬وال�سهر‬ ‫في مقابر (�أبو خ�شبة) في ليالي القرية المظلمة أ�و تحت �ضوء القمر والذين‬ ‫�شاركتهم �صيد ال�سمك أ�و قتل الوطاويط ‪ ..‬و�سرقة الجناين الم�سيجة‬ ‫بالأ�شواك أ�و اقتحام مخادع البائ�سات من الحريم ‪ .‬وملاعبة العفاريت ‪.‬‬ ‫ثم �أي ً�ضا لو تذكر (�أو �أعدت قراءة ال�صفحات الأولى) ف�ضلت �أن‬ ‫أ�قدمك لقرائي المظاليم على أ�نك كنت دائ ًما (جبريلي) و�أنا ( أ�حمدك)‬ ‫�أو (خ�ضرك) ‪ .‬وكنت (فرجيلي) و�أنا (دانتيك) ‪� ..‬أو (ابن عبد ربه)‬ ‫و�أنا (�سميرك) ‪ ..‬أ�و أ�نك (ابن عبد الباقي) و�أنا (تو أ�مك) ‪� ..‬أو أ�ننا كما‬ ‫�أعتقد جدودك و�أجدادي مثل (الكا ‪ -‬والبا) ولكن ألنك تقليدي الذكاء‬ ‫والموهبة أ�و ألنك لا تثق في ذكاء قرائي ومريديك ف�ضلت �أن تغ�ضب فتف�سد‬ ‫الفكرة‪ ..‬يا �صديقي ‪..‬‬ ‫‪402‬‬

‫دعوتك لذلك الاجتماع الذي لم يح�ضره كثرون أ�هم منك و أ�كثر مكانة في‬ ‫التنظيم منك ‪ ..‬فلم يعرف عنك �سوى ال�صمت عل ا ألقل عما حدث بل‬ ‫وا إليحاء بالموافقة بعد أ�ن بلغك موافقة لجنة الدقهلية أ��صدقائك ومطالبتهم‬ ‫به ‪ .‬قلت للبع�ض بعد �أن ان�ضم م�سئولي لجنة القاهرة واح ًدا بعد الآخر �إلى‬ ‫التنظيم الطليعي ‪ ..‬وبعد �سل�سلة من الاجتماعات التي لا قيمة لها ‪� -‬أنك‬ ‫اكت�شفت �أن ن�شاطنا في الجامعة ي�صب فقط في �صالح تنظيم ال�شباب الذي‬ ‫يقوده زكريا محيي الدين ‪ ..‬حتى من نجندهم للا�شتراكية يذهبون إ�ليه ب�سبب‬ ‫منهجنا الدعائي المكبل بمحظورات ازعاج الحليف وترهلنا التنظيمي بل‬ ‫و�أعلنت اقتتناعك بعبث ا�ستمرار تنظيمنا بلا ا�ستراتيجية متمايزه وبلا ر ؤ�ية‬ ‫م�ستقلة وتنب�أت ب�أن م�صيرنا هو التلا�شي ‪ ..‬لأن ر ؤ�انا على ما يبدو توافقت‬ ‫مع النوايا الخفية للذوبان في ن�سيج و أ�ح�ضان الحليف الذي يبدو ك أ�نه يفرد‬ ‫جناحيه لنا ملو ًحا بري�شة إ�غواء ‪ .‬و�شوكة تهديد ناعم ‪.‬‬ ‫كان هذا موقفك يومها ‪ .‬فلم تبالغ ا آلن في الهرب من تحمل الم�س�ؤولية‬ ‫التي تلقيها على عاتقي وحدي دون رحمة !!‬ ‫يا أ�يها الكاتب الجهبذ أ�لا ترى في ذلك تناق ً�ضا مع ما ر�سمته‬ ‫ل�شخ�صيتك طوال عمرك‪� ..‬ألم تتخذ مني (بردعة) تحملها كل نواق�ص‬ ‫�شخ�صيتك وخطاياك ونوازعك ال�سرية وال�شريرة !!‬ ‫أ�نا لا أ�ريد �أن ( أ��شخ�صن) – ( حلو التعبير ده ‪.‬؟ حداثي م�ش كده؟)‬ ‫– لا أ�ريد أ�ن �أفعل ذلك ولكني م�ضطر �أن �أذكرك بقولك ر ًدا على بع�ض‬ ‫من �س�ألوك من ال�صحفيين �أو مقدمي البرامج التليفزيونية – عن ال�سر وراء‬ ‫ح�صارك وتجاهلك ك�شاعر وكاتب أ�طفال وم�سرحي !! (وهل ت�شعر أ�ن‬ ‫هناك من ي�ضطهدك ‪.‬؟) ‪ -‬ف�أخذتك العزة بنف�سك و�صرخت فيهم – من‬ ‫‪405‬‬

‫ما هي إ�لا �أ�سماء �سميتموها‪...‬‬ ‫‪� ‬أفحمتني يا ابن عبد الباقي ‪..‬؟ �أغلقت‬ ‫�سبل الدفاع �أمامي يا للهول !!‪ ..‬ها �أنذا �أقف عاج ًزا‬ ‫عن الرد ‪( ..‬واح�سرتاه على يو�سف) ‪ ..‬هل ارتحت‬ ‫ا ألن و أ�رحت �ضميرك الثوري ‪ ..‬أ�م تراك �أوغلت‬ ‫في التمادي كعادتك ‪ ..‬وباعترافك و إ�قرارك أ�نك‬ ‫تهدم ما تبنيه وتحمل غيرك – �أيا كان – م�سئولية ما‬ ‫هدمت !‬ ‫تهول وتبالغ في أ�خطاء غيرك وتن�سى‬ ‫خطاياك‪..‬‬ ‫تتن�صل من م�سئولياتك – حتى الب�سيطة منها‬ ‫– وتنك�ش ب�أبرة للعثور علي من يتحمل عبء ذلك‬ ‫‪ -‬عداك‪ ..‬لن �أدخل معك في جدل �صبياني فقد‬ ‫كنت م�شار ًكا في تلك الواقعة الجريمة ‪ ..‬رغم عدم‬ ‫‪404‬‬

‫ي�صلح أ�ن يقوم �أع�ضا ؤ�ه مرغمين �أو حتي بمح�ض إ�رادتهم ب�إعلان وفاته‬ ‫وانتهاء �شكله التنظيمي الم�ستقل من أ�جل عيون عدوهم الطبقي أ�و لأجل‬ ‫خاطر أ��صدقائهم الإ�شتراكيين في قمة ال�سلطة أ�و في خدمتها وعلي جلدها‬ ‫كالحرا�شف طافحين‪..‬‬ ‫ل�ست واهما كذلك الذي يت�صوره الذين بمن في ال�سماء ي�ؤمنون في‬ ‫�أي ملة �أو دين ‪ ..‬لا يا تو�أم روحي ‪ ،‬ف�أنا حين طلبت منك – حين‬ ‫بد�أت كتابة هذه الرواية – �أن ت�سمح لي بالحديث عنك كنت (فكرة)‬ ‫نعم فكرة ‪ ..‬لج�أت اليها كحيلة درامية �أو حيلة فنية لتعميق ال�صراع‬ ‫وتج�سيد ا ألحداث التي تهرب من الذاكرة ولتكون (معادل ًا مو�ضوع ًيا)‬ ‫ي�ساعدني على مد خطوط الدراما وحائطا أ��ستند �إليه كلما �إدلهمت‬ ‫الخطوب �أو تاهت الخطى لا أ��ستطيع �أن �أنهي هذه الرواية التي لا تبدو لها‬ ‫نهاية وا�ضحة ‪ .‬وقد طالت الحقب واختلطت الم�صائر ‪ ..‬و�ضعفت القدرة‬ ‫على التذكر ‪ ..‬فلا تغ�ضب مني وتهجرني و�أنا في أ��شد حالات الحاجة‬ ‫إ�ليك بجانبي والموت يقترب لامني وحدي ولكن من الوطن نف�سه – حبنا‬ ‫الم�شترك ‪ .‬ولكني �أرجوك أ�لا تفهمني خط أ� ‪ ..‬ف�أنا لا أ�ريد بهذا الإي�ضاح‬ ‫الذي يك�شف خططى الفنية �أن �أتن�صل من م�سئوليتي عن كل كلمة ذكرتها‬ ‫في حقك �أو في �صفك – �ضدك أ�و معك – لا فهذا أ�مر �آخر ‪ .‬ففي كل‬ ‫المواقف الذي تج�سدت فيها علي أ�ي �صورة أ�بدعتك �ستظل أ�نت (جبربلي‬ ‫وفيرجليي وخ�ضري وتو أ�مي) كنت ومازلت و أ�رجو أ�ن تظل ‪ ,‬لنخو�ض‬ ‫�سويًا ما بقى لي من �أيام ولنحاول �سويًا �أن نفهم ما �أحاط بي وبك من‬ ‫بلايا و ما كدر حياتك وحياتي من �أوهام ونك�شف معا ما ظل غام ً�ضا من‬ ‫خفايا ‪!.‬‬ ‫‪407‬‬

‫الذي ي�ستطيع �أن ي�ضطهدني ؟ أ�نا �أ�ضطهد بلد ! ‪ -‬و أ��ضفت مفاخ ًرا �أن أ�كثر‬ ‫من حارب وحا�صر وا�ضطهد ابن عبد الباقي هو ابن عبد الباقي نف�سه!‬ ‫ياللهول والحق أ�قول أ�نني يومها �أكبرت فيك هذا ‪ .‬فقد بدا لي اعترافا‬ ‫قري ًبا من الحقيقة ‪ ..‬ظننت أ�نه �سيقودك إ�لى ت�صور أ�قرب للواقع وللحقيقة‬ ‫ولل�صدق عن نف�سك ولكني اكت�شفت أ�ن به �شوائب من التمادي ومن‬ ‫الغرور !‬ ‫وبدت فيه قدرتك على كتمان ما تعانيه حتى عن �أقرب النا�س �إليك‬ ‫وانفلات ل�سانك الجارح ‪ .‬الذي لا يب�صر عيبة في �سلوك قريب �أو بعيد ‪.‬‬ ‫عدو أ�و �صديق ‪� -‬إلا وف�ضحها ‪ -‬عيني عينك ووج ًها لوجه حتى �صرت ما‬ ‫أ�نت عليه ‪ .‬حتى عند أ�كثر مريديك و�أ�صدقائك ‪ ..‬قنف ًذا بريًا �شر�ًسا لا يمكن‬ ‫لمن ي�ألفه أ�ن يداعبه تقر ًبا إ�ليه أ�و يربت عليه ت�شجع ًيا له دون �أن يتحمل وخز‬ ‫�أ�شواكه ‪ ..‬وربما أ�نيابه �أي�ضا !!‬ ‫�سامحني يا تو�أم روحي واغفر لي ‪ .‬ف�أنا لا �أريد �أن ي�صل بنا هذا الجدل‬ ‫�إلى حد الخ�صام �أو القطيعة ف�أفقدك بعد هذا العمر الطويل من ا ألحداث‬ ‫وال�شخ�صيات و أ�جد نف�سي وحي ًدا مرة أ�خرى كما حدث في مرات كيثرة‬ ‫من قبل‪ -‬إ�فتقدتك �إلى جانبي فلم �أجدك‪ ..‬وا�ضطررت �إلى اختراعك‬ ‫وخلق و�شائج وعلاقات بك تعيد �إلى ثقتي بنف�سي و�أ�شعر معها ب إ�ن�سانيتي‬ ‫و أ��شم عطر موهبتي التي لا تتفتح �أزهارها �إلا و�سط الآخرين وتحت دفء‬ ‫�شم�س ال�صداقة‪..‬‬ ‫نعم يا �صديقي لا �أريد ان افقدك ‪ ..‬ف أ�نت �أكبر �أن تكون �شخ ً�صا بعينه‬ ‫ب�شريًا تنطبق عليه القوانين التي تحكم م�صائر الب�شر العاديين ‪� ..‬أو كيانا‬ ‫‪406‬‬

‫انطوان) �أنت ؟ ومن غيرك ؟‪..‬‬ ‫قد تكون (�صلاح �أبو العز) الذي �شاركني في مداعبة (عزيزة) وقد‬ ‫تكون (ح�سن العربي) الذي �صاحبني في ظلام القرية نطارد العفاريت‬ ‫‪� .‬أو تكون (م أ�مون الزفتاوي) �أو (يا�سين عابدين) �أو (فاروق النملة) أ�و‬ ‫حتى (ح�سين عبد ربه) الذين فتح كل منهم بابا الي خبرْ ة أ�وطاقة لمعرفة ‪...‬‬ ‫ولكنهم جمع ًيا مهدوا لي الطريق إ�لى (مارك�س) والمادية الجدلية ‪ .‬ف�صنعوا‬ ‫مني ذلك البائ�س الذي اعتنق المارك�سية و آ�من ب�أن (مارك�س) ترك للب�شرية‬ ‫منه ًجا لو أ�ح�سنوا فهمه وتفعيله لما �ضل ثوار أ�ب ًدا !!‬ ‫ولذلك تجدني تماديت في ت�أنيبك ألنني وا�صلت عمري واجترار‬ ‫ذكرياتي إ�لى ذلك التاريخ الم�شئوم الذي �أغراك فيه أ��صدقا�ؤك الا�شتراكيون‬ ‫(!!) وحا�صروك مع الظروف لكي تنهي وجودك ‪ .‬ظ ًنا منهم أ�و وه ًما‬ ‫منك �أنكم معا بذلك �ستبنون م�صر و�ستخرجون بها من هوة الا�ستبداد‬ ‫والتخلف ف�ضعتم م ًعا و�ضيعتمونا ‪ ..‬وبددتم طاقات الوطن لخم�سين عا ًما‬ ‫‪ ..‬وانفجرت أ�مامي م�أ�ساتك وم�أ�ساة الوطن ب�شكل فا�ضح وا�ضح ‪..‬‬ ‫عندما ن�ضج ال�صراع الطبقي الذي تجاهلوه ‪ ..‬وتنامى الوعي العام بفعل‬ ‫قوة الدفع الذاتي لظروف العالم وتوح�ش الر أ��سمالية ‪ ..‬وخ�ضوع الوطن‬ ‫الذي قاوم الا�ستعمار طويلا وت�صدى إلملاءات ا إلمبريالية الجديدة التي‬ ‫أ��سقطت التجربة ال�سوفيتية ‪ ..‬وتعر�ض �شعبنا ألب�شع �صور القهر والفقر‬ ‫وا إلذلال ‪ ..‬فكانت ثورة (‪ )25‬يناير التي طالت �أكفها ال�سماء و�أ�سقطت‬ ‫الطاغية ولكنها عجزت عن قطف ثمار انت�صارها لأن الجماهير تلفتت‬ ‫تبحث عنك قلم تجدك ‪ .‬ألنك ر�ضيت أ�ن تنتحر ذات يوم ‪ ..‬متخليا عن‬ ‫م�سئوليتك التاريخية يا �صديقي ‪.‬‬ ‫‪409‬‬

‫أ�كورلخم(نال�كسندردبابدرا)ءةفوطفقولتجبيلح(اينلأوقلير أ�متب)ع‪.‬ل‪ّ.‬يلأكت�اصابحالأب�سا–طأ�ينرا‬ ‫ف أ�نت‬ ‫ف أ�لقيت بي‬ ‫التلميذ ال�صغير الريفي – (زيو�س وابولو وبو�سيدون وهيرا و�أفروديت‬ ‫وعولي�س و أ�خيل) وكل �شعبهم من ال�ّساتير وعرائ�س الماء ‪ ..‬و�أنت هو‬ ‫نف�سه الذي و�ضعني علي خ�شبة الم�سرح م�شمول ًا بقد�سية (ا ألمين) أل�صيح‬ ‫ب�صوتي ال�ضعيف �أهز جبال (مكة) وبيوت قرية (الجمالية) وكفار (قري�ش)‬ ‫وتجار �سوق الثلاثاء ‪.‬‬ ‫‪ -‬إ�يتوني بثوب ‪..‬‬ ‫فت�سيل دموع الن�ساء وترتجف �أطراف ا آلباء ‪ ..‬و�أنت من دفعني ل�سرقة‬ ‫مفتاح دولاب خالي الم�شلول ال�شيخ أل�سير وحدي في غابات وممالك ( ابن‬ ‫المقفع وبيدبا) و�أخو�ض بحار (القزويني) و�أطير فوق ب�ساط الريح �إلى جزر‬ ‫المرجان وجبل المغنطي�س و أ�دخل كهف (ملكة الحيات) مع (حا�سب كريم‬ ‫الدين) ولأ�سرق ثياب الجنيات الطيور و أ�نزل مع (جودر) تحت طبقات‬ ‫ا ألر�ض لأح�ضر الخاتم ‪..‬‬ ‫و أ�نت من دفع إ�بن عبد ربه أ�ن يعطينى كتاب (المعذبون في الأر�ض)‬ ‫فاكت�شفت جهلي بمن هم حولي و أ�ف�سدت علي كوني الابن ا ألكبر �أو‬ ‫البكر ألب مهتم ‪ .‬ودفعت بي إ�لى عوالم (ار�سكين كالدويل) و(وموم)‬ ‫و(جوركي) و(رايت) و(�شك�سبير) و(جراهام جرين) و(فرو�ست) ‪..‬‬ ‫وفتحت عيني وقلبي (لنجيب محفوظ) و( إ�دري�س) و(ديما�س) و(طاغور) ‪.‬‬ ‫�أغويتني في المدينة ب�أ�ضواء ال�سينما ف�أدمنت وهج (ال�سابحات‬ ‫الفاتنات) وفرو�سية الع�صور الو�سطى ‪ ..‬ورعاة البقر وقطعت �سهول �آ�سيا‬ ‫خلف (حاجي بابا) وغابات فرن�سا وراء (دارتنبان) و(�آتو�س) ألت�سلق‬ ‫البا�ستيل و�أحرر دكتور (مانيت) و�أ�ضيع في حواري وحانات ( �سان‬ ‫‪408‬‬

‫و أ��شرقت ا ألر�ض‪...‬‬ ‫‪ ‬قفزت ‪ -‬هي ‪ -‬في خفة إ�لى عربة‬ ‫ا ألوتوبي�س بعد تحركها ‪ ،‬فاختل توازنها ‪� ..‬شهق‬ ‫هو‪ -‬واندفع من فوق كر�سيه إ�ليها ‪ ..‬لكنها كانت قد‬ ‫ا�ستعادت توازنها و�صعدت منحنية لتتجنب ذراعه‬ ‫الممدود‪ .‬وان قالت دون أ�ن تلتفت �إليه متجهة �إلي‬ ‫(كر�سي خم�سة) في �آخر العربة ‪..‬‬ ‫‪ -‬مر�سيه ‪..‬‬ ‫تملى بعيونه الوجه الجميل الدقيق التقاطيع ‪،‬‬ ‫غرق في العينين الوا�سعتين ‪ ،‬وهو يعود �شبه محبط �إلى‬ ‫مقعده ‪ -‬دون كلمة ‪ .‬خطف قلبه النم�ش الخفيف‬ ‫على الوجه النظيف الن�ضر ‪ ،‬ذكره بنم�ش ريفي‬ ‫�سحره في �صباه ‪.‬‬ ‫بعد قليل ل�سعتها حرارة الموتور ‪ ،‬فانتف�ضت‪،‬‬ ‫‪411‬‬

‫أ�عرف ‪� ..‬ستعاود غ�ضبك مني ولكني لا �أريد ‪!.‬‬ ‫فقط �أريد أ�ن أ�ذكرك ب أ�نني لم �أعقد ذراعي علي �صدري وجل�ست‬ ‫أ�بكيك و أ�نوح على حالي يوم رحلت ‪ ..‬نعم حدث ولكن لأيام – ولكني‬ ‫لم أ�كف أ�ب ًدا عن التغني بم�آثرك والدعوة إ�لى جمع أ��شلائك والدعاء من �أجل‬ ‫�إعادة نفخ الروح فيك ولكني رغم هذه الدواوين ال�شعرية والإبداعات‬ ‫التي دارت كال�شهب في فلكك تناديك وتب�شر بقيامك‪ ...‬كنت وحيدا ‪.‬‬ ‫حتى في الفترة التي عرفت فيها تلك الفتاة التي �س أ�حكي لك عنها والتي‬ ‫تعرفت عليها إ�بان فترة الحداد التي أ�عقبت إ�نتحارك ‪..‬‬ ‫فا�سمح لي في محاولة للتخفيف من التوتر بيننا والواقع المعا�ش يكئبني‬ ‫وي�ضخ الي أ��س وا إلحباط في عروقي لأنني أ�رى الثورة الم�ضادة تعاود جمع‬ ‫قواها وتعيد ترتيب علاقاتها التابعة لقوى ال�سيطرة في العالم ‪ ..‬ويدخل‬ ‫الثوار في متاهات التخبط لغياب قيادة الكيان الواعي والمنظم الذي كان‬ ‫يمكن �أن يجنبها الكثير من التعثر ‪ ..‬ويجمعها في مواجهة �أعدائها وي�صنع‬ ‫معها وبها الانت�صار ‪ ..‬الحديث يجرني إ�لى المزيد من الح�سرة علي غيابك‬ ‫فدعني أ�ق�ص عليك ما منعني يومها من الانتحار أللحق بك ‪...‬‬ ‫•••‬ ‫‪410‬‬

‫‪ -‬يعني ‪ !.‬كان من مدة مفرو�ض أ�بقى معيد ‪ ..‬لكن ظروفي بقى ‪� ،‬أنا‬ ‫طالب في البكالوري�س ل�سه ‪..‬‬ ‫‪ -‬أ�نا بقى لي �سنتين في الكلية واعرف كل الطلبة تقري ًبا ‪ ..‬لكن‬ ‫ح�ضرتك ؟!‬ ‫‪ -‬لا والله ‪� ..‬صدقيني ‪ ..‬أ�نا طالب في بكالوريو�س زراعة عين �شم�س‬ ‫فعل ًا ‪.‬‬ ‫كان الرجل العجوز يمد ر�أ�سه لدرجة تكاد تنح�شر بينهما وهو يتابع‬ ‫الحديث دون �أي رد فعل ‪ .‬قالت ‪:‬‬ ‫‪ -‬م�ش محتاجة تحلف ‪ ..‬لكن ليه ماكنت�ش بتظهر في الكلية ‪ ..‬ظروف‬ ‫�إيه اللي منعتك؟‪..‬‬ ‫قال وهو يبت�سم في �سعادة لأن الحوار لم يبتر حتى ا آلن ‪:‬‬ ‫‪� -‬أ�صلي كنت في (بعثة) !‬ ‫‪ -‬بعثة ؟! بعثة قبل التخرج ؟ آ�اه ‪ ..‬تكون ؟‬ ‫�ضحكت في براءة رائعة �ضحكة رائقة جعلت �أكثر ركاب الأوتوبي�س‬ ‫يلوون رقابهم يتابعون الموقف في ف�ضول ‪..‬‬ ‫فوجىء بكل هذه العيون ف أ�ح�س ببع�ض الحرج ‪ ..‬لكنها لم تهتم بل‬ ‫�أكملت �ضحكتها بطبقة �أقل ارتفا ًعا ‪ ..‬وهي تقترب منه بر أ��سها الجميل‬ ‫‪ .‬فان�سدل �شعرها ولام�س جبهته ‪� ..‬سحرته رائحتها و أ��سكرته ‪ ،‬والبريق‬ ‫الذي لمع في عينيها د ّوخه وهو يتابعها بحبتي عينيه ‪ -‬وهي تهم�س ‪:‬‬ ‫‪� -‬أوعي تكون في (بعثة) الواحات !!‬ ‫فوجئ ‪ .‬وارتج عليه و�آفاق ‪ .‬ولم ينتبه إ�لى �أن العجوز الذي بجانبه‬ ‫قد قام متثاقل ًا يتكي بيد خ�شبية على كتفه مبتع ًدا‪ .‬دارت هي وجل�ست‬ ‫‪413‬‬

‫وقامت لتقف �أمامه مم�سكة بالعمود الر�أ�سي القائم بجوار الكر�سي‬ ‫الم�ستعر�ض الذي يجل�س عليه ‪ ،‬بجوار رجل عجوز محن ّي الظهر‪ ،‬ظل‬ ‫يراقب الفتاة منذ �صعودها الخطر بعينين ميتتين من تحت حاجبين �أ�شيبين‬ ‫كثيفين ‪.‬‬ ‫انتف�ض – هو – قائ ًما بدعوها للجلو�س مكانه ‪..‬‬ ‫ا�ستفزها عر�ضه – قالت باعتذار راف�ضة دعوته ‪:‬‬ ‫‪ -‬ليه ؟‪ ..‬مر�سيه ‪..‬‬ ‫بلع ريقه وابت�سم منده�ًشا‪ ،‬ومد يده في إ��صرار ‪ ،‬تناول الكتب من‬ ‫يدها دون أ�ن يترك لها فر�صة للرف�ض ‪ .‬تركتها له دون �أي اهتمام ‪..‬‬ ‫و�ضع الكتب فوق حقيبة اليد ال�سوداء الكلا�سيكية التي يحملها ‪..‬‬ ‫قر أ� عناوين الكتب ‪ ،‬فه ّز ر أ��سه وهو يرفع عينيه نحو الوجه الجميل الجاد ‪..‬‬ ‫‪ -‬يا�ستي اتف�ضي اقعدي ‪ ..‬داحنا زمايل ‪..‬‬ ‫رفعت حاجبيها في ده�شة حقيقية ؟‪..‬‬ ‫‪ -‬زمايل ؟‪� ..‬إزاي يعني ؟‬ ‫‪ -‬أ�يوة ‪� ..‬إنتي م�ش طالبة في كلية الزراعة ‪ ..‬أ�نا كمان في كلية‬ ‫الزراعة‪ ..‬يبقي عيب – تعالي اتف�ضلي ‪ .‬احنا فلاحين بر�ضه ‪ ..‬و ‪..‬‬ ‫زمايل‪..‬‬ ‫‪ -‬م�ش ممكن ‪ ..‬ا ألدعى ما دمنا زمايل �إني ما اخد�ش مكانك ‪...‬‬ ‫لم يجد ما يقوله ‪ ..‬ا�ستطردت ‪ .‬بعد �أن ت�أملت ملامحه وا�ستنتجت‬ ‫�سنه ‪.‬‬ ‫‪ -‬لكن أ�نا عمري ما �شفتك في الكلية ‪..‬‬ ‫‪ -‬لا ‪ ..‬ما هو أ��صل دي أ�ول مرة أ�روح الكلية بعد ما اتنقلت �شبرا ‪..‬‬ ‫‪ -‬غريبة ‪ !.‬الكلية بقى لها كذا �سنة في �شبرا ‪� ..‬إنت معيد ؟‬ ‫‪412‬‬

‫وبع�ضها ا آلخر منده�ًشا في ف�ضول ‪ .‬وحدها عيون طفلة كانت تل�صق‬ ‫وجهها بالزجاج الخلفي لل�سيارة ‪ .‬ظلت تبت�سم وهي تتابع قفزاتهما المرحة‬ ‫– يبدو �أنها كانت الوحيدة التي لم تلاحظ فارق ال�ّسن بينهما – فلوحت‬ ‫لهما بك ّفها ال�صغير �سعيدة ‪ .‬توقف منده�ًشا مر ًحا ولفت نظرها للطفلة‬ ‫ف�صاحت في فرح �أكثر منه غير م�صدقة وقفزت وراء العربة تلوح لها‬ ‫وت�شده معها في قمة ال�سعادة ‪..‬‬ ‫منذ دخلا م ًعا باب (ق�صر محمد علي) الذي نقلت الكلية إ�ليه من (ق�صر‬ ‫القبة) �أثناء غيابه في (البعثة) ‪ ..‬لم يفترقا إ�لا ليلتقيا ‪ -‬طوال ع�شرين �شه ًرا‬ ‫كاملة اعتبرت نف�سها م�سئولة عنه ‪ ..‬ناق�شت حر�س الكلية محتجة في حدة‬ ‫‪ ،‬عندما �س أ�لوه عن الكارنيه الذي لم يكن قد ا�ستخرجه بعد ‪ ،‬وعلى الفور‬ ‫�صحبته �إلى �شئون الطلبة وجعلتهم بكل اهتمام يبحثون عن خطاب الأمن‬ ‫الخا�ص ب إ�عادة قيده وانحنت له في حركة م�سرحية وهي تتعمد الجدية‬ ‫البا�سمة وهي ت�سلمه الكارنيه بعد �إعتماده بخاتم الكلية وتوقيع العميد ‪.‬‬ ‫‪ -‬الآن ‪ ..‬قم ‪ ،‬ف أ�نت طالب !‬ ‫كانت معروفة لكل الطلبة في الكلية تقري ًبا ‪ ..‬تحيي هذا وت�شير إ�لى‬ ‫تلك ‪ .‬وتعلق �ضاحكة على أ�خرى وتداعب ثالثة ‪ ،‬كانت رائعة ‪� ،‬أ�سلم‬ ‫لها قياده كطفل ف أ�خذته لجولة �سياحية إ�لى المعامل والمدرجات والأق�سام‬ ‫والمزرعة ‪ ..‬ثم �صحبته إ�لى البوفيه ‪ ..‬وهناك جل�ست معه في �أحد ا ألركان‬ ‫‪ .‬لاحظ احترام الجميع ل�سلوكها ‪.‬‬ ‫‪� -‬أنا (جوزفين) ‪ .‬إ��سمي (جوزفين) ‪.‬‬ ‫‪ -‬و إ�يه يعني ‪ ..‬و أ�نا (�سمير) ب�س كانوا ح ي�سموني (محمد �سمير) ‪.‬‬ ‫‪415‬‬

‫ب�سرعة �إلى جواره في فرح ‪� .‬إبت�سامتها الغامرة احتوته و�أعادته �إلى حالة‬ ‫الخدر فلم ي�شعر بالوجوه التي مازلت تتابع الموقف في ف�ضول ‪ .‬والأج�ساد‬ ‫التي �صعدت وتزاحمت حولهما من المحطة التي نزل فيها العجوز ‪ ،‬بينما‬ ‫وا�صلت الحديث ملتفته �إليه من مكانها في حب ا�ستطلاع طفولي ‪ ،‬وهي‬ ‫ت ْح ُرك في مرح وت�شده من ك ّمه ت�ستحثه �أن يجيب ‪.‬‬ ‫‪ -‬ه ّيه الواحات ؟! �أكيد انت م اللي كانوا في الواحات ‪!.‬‬ ‫تنبه من غيبوبة ال�سحر التي ا�ستولت على م�شاعره ‪ ..‬وحينها ا�ستطاع‬ ‫أ�ن يتمتم في ده�شة حقيقية ‪:‬‬ ‫‪ -‬انتي تعرفي الواحات ؟ منين ؟‬ ‫وك�أنها تعرفه من �سنين دفعته في �صدره في حركة طفولية �شقية‬ ‫وقالت ‪:‬‬ ‫‪ -‬طب ًعا ! إ�يه ؟ ابن خالتي كان معاكم ‪ ،‬ولازم تعرفه ؟‬ ‫‪ -‬ا�سمه �إيه ؟‬ ‫‪ -‬الدكتور (ف ‪ .‬ف) ‪.‬‬ ‫قالتها بب�ساطة و�ضحكت ‪.‬‬ ‫‪ -‬م�ش ممكن ‪..‬‬ ‫رد غير م�صدق ‪ .‬وابت�سم محر ًجا ‪ .‬فلعلعت �ضحكتها ‪.‬‬ ‫ولم يكن هناك من ُبد �أن ي�شاركها بقهقة أ�علي من �شق�شقتها ال�ضاحكة‬ ‫وهو يتركها ت أ�خذ يده وت�سحبه وراءها في اتجاه الباب ‪:‬‬ ‫‪ -‬محطتنا جت ‪ ..‬و�صلنا ! يالل ّا ‪.‬‬ ‫قفزت في خفة ريم بري ‪ .‬ووجد نف�سه يقفز خلفها كالوعل الجبلي‬ ‫دون �أن يلحظ نظرات العيون التي تابعت الم�شهد ‪ ،‬بع�ضها محتجا في ت�أفف‬ ‫‪414‬‬

‫لزيارة أ�خته إ�لي ق�سم الاقت�صاد للح�صول على جدول المحا�ضرات كي‬ ‫ينتظم في الدار�سة – أ�ول الأ�سبوع القادم ‪..‬‬ ‫ركبا ا ألوتوبي�س ‪ ،‬نزلا م ًعا في (القللي) ‪ .‬عرف �أنها ت�سكن في �شارع‬ ‫(ال�سبتيه) ‪ ،‬ودعها وهو يقول عندما لم يجد ما يقول أ�نه يعي�ش في حي‬ ‫(حدائق القبه) مع اتنين �أحدهما كان في البعثة ‪ ..‬لوحت له ‪ ،‬لوح لها ‪،‬‬ ‫لم ي�شبع بعد من ابت�سامتها ‪ ..‬ظل واق ًفا يتابعها وهي ت�شق طريقها طائرة لا‬ ‫تكاد تم�س الأر�ض في ر�شاقة دون �أن تلتفت �إليه ‪ .‬حتى اختفت فج أ�ة وراء‬ ‫�سور (نفق �شبرا) ‪..‬‬ ‫�أح�س ك أ�ن الدنيا انخطفت منه فج أ�ة ‪ .‬بال�ضبط مثلما حدث عندما‬ ‫دفع به �إلى الزنزانة (‪ )39‬الدور الثان (�سجن المن�صورة) ألول مرة من (‪5‬‬ ‫�سنوات) بالتمام والكمال ‪ ،‬فداهمته نف�س الرغبة العارمة في البكاء !‪..‬‬ ‫لم ينتظر حتى ي أ�تي على العالم يوم الثلاثاء ‪ ..‬وجد نف�سه – تاني يوم‬ ‫– واق ًفا أ�مام مدرج أ�ربعة في انتظار انتهاء محا�ضرة ال�سنة الثانية الهامة التي‬ ‫قالت �أنها �ستح�ضرها �صباح الأحد ‪.‬‬ ‫كان منظره ملف ًتا ‪� ،‬شاب يبدو أ�كبر �س ًنا من كل الطلبة يقف بلا �سبب‬ ‫فيما بين المدرجات ‪ .‬و�شعر بهم�سات تدور عنه بين بع�ض الطلبة ولاحظ‬ ‫إ�بت�سامات ماكرة على وجوه بع�ض الفتيات من اللائي ر�أينه بالأم�س معها‪.‬‬ ‫ولمح نظرات ا�ستنكار على وجوه بع�ض الفتيان‪..‬‬ ‫كان يبدو كتلميذ غر يقف أ�مم باب مدر�سة للبنات حيث لا يجب أ�ن‬ ‫يتلك أ� ال�صبيان ‪ ..‬ثم هلت – هي – ف أ��شرقت ‪ ..‬بدت و�سط زحام الطالبات‬ ‫والطلبة الهابطين على ال�سلم العري�ض ‪ ..‬مختلفة ‪ ،‬مميزة وا�ضحة‪ ..‬ومرحة‪..‬‬ ‫‪417‬‬

‫�س أ�لته عن حياته وكيف يتعامل مع الدينا والنا�س بعد �سنين المعتقل ؟‬ ‫وكيف يدبر أ�مره ؟ و أ�ين ي�سكن ؟ ومع من ؟ وما عمل والده ؟‬ ‫اندفع يحكي م�سحو ًرا ب�شخ�صيتها القوية المرحة الم�ستقلة الودودة ‪.‬‬ ‫كانت تعرف معظم الطلبة بالا�سم ‪ ،‬تجامل وت أ�مر وتنهر عند اللزوم‬ ‫من يقترب منهما ويقطع حديثه ‪ ،‬أ�عطته بكل إ�رادتها كل م�شاعرها ووقتها‬ ‫واهتمامها حتى غمرته واحتوته ‪.‬‬ ‫يومها ‪ ..‬لم تذهب – هي – إ�لى �أي من محا�ضرات ال�سنه الثانية ‪ ..‬ولم‬ ‫ي�سجل – هو – ا�سمه في ق�سم الاقت�صاد الزراعي ‪ ،‬كان يحكي م�سحو ًرا‬ ‫وكانت ت�سمع في �شغف ‪ ..‬تنعك�س كل الم�شاعر على �صفحة وجهها ‪.‬‬ ‫وفي عينيها تتزاحم ردود الفعل ‪ ،‬تتوالي الف�صول ‪ ..‬ت�صفو ال�سماء وتغيم‬ ‫ويغيب القمر ‪ ..‬وي�صير بد ًرا ‪ ..‬تثور أ�مواج البحر وتهد أ� وت�صفوا مياه‬ ‫النهر وتتكدر ‪ .‬ت�سقط ا ألمطار وتندفع جماهير في �شوراع المواجهات‬ ‫الدامية ‪ ،‬ترق الكلمات لتتقطر �شع ًرا ملي ًئا بعذابات الوحدة والغربة ‪.‬‬ ‫فتكاد تبكي‪ ..‬ثم ت�صفوا في غنائية تفي�ض ب�شجن الع�شق وعذابات ال�شوق‬ ‫والحنين فتحملها عل جناجين من نور إ�لى �شواطئ حلم غام�ض ‪.‬‬ ‫مرت �ساعات لم يعودا يلتفتان لندائات زملاء لها يتعجبون لحالها ‪،‬‬ ‫أ�و زملاء له يرحبون بعودته ‪.‬‬ ‫حل الليل و�أ�ضيئت �أنوار الكافتريا ‪ ..‬كان لابد من مغادرة الكلية ‪..‬‬ ‫كان لابد من الفراق ‪ ..‬حين خرجا لم يتفقا على لقاء آ�خر ‪ ..‬كان اليوم‬ ‫نهار ال�سبت يوم راحة الرب ‪ ،‬فقال لها �أنه �سيزور أ�خته ع�صر الثلاثاء في‬ ‫كلية البنات ‪ ..‬وكانت قد أ�خبرته أ�ن عندها في الغد محا�ضرة هامة في‬ ‫مدرج �أربعة ‪ ..‬وكانت تعرف �أنه قد يح�ضر �صباح الثلاثاء قبل الذهاب‬ ‫‪416‬‬

‫ال�صمت والموت تجاهد كي تعود �إلى الحياة ‪� .‬صحبته إ�لى (�إيزافيت�ش) حيث‬ ‫عرفت ًأ��صدقاءه وتعرفت بزملائه ‪ .‬إ��صطحبها لبيت (نذير و�شلبية) و�إلى‬ ‫حجرة (محمد جاد) وعبرا م ًعا دهاليز التاريخ القديم و�سراديب الع�صور‬ ‫الو�سيطة‪ ،‬طاردهما المماليك في حواري الأزهر وحا�صرهما (الرومان)‬ ‫في الكني�سة المعلقة ‪ .‬و�صلت معه خلف ( إ�خناتون) لل�شم�س وغنت‬ ‫ورق�صت مع فتيات التراحيل عندما زارت معه بيوت أ�قاربه وحين تعرفت‬ ‫إ�لى �أمه و�أخوته وعندما حكى لها عن �أهل قريته فر ًدا فر ًدا ‪.‬‬ ‫ركبا م ًعا �سفن ال�سندباد وهربا من ا أل�سر يوم هاجم التتار دم�شق‬ ‫‪ .‬وطافت مت�أبطة ذراعه حواري قريته ليل ًا ونها ًرا لا ملل ‪ .‬فرحت من‬ ‫القلب وبكت بحرقة وهي تحاول زيارته مع �أخته في �سجن (المن�صورة) ‪..‬‬ ‫امتلأت بالغ�ضب لا�ست�سلام زملائه للتعذيب في (�أبي زعبل) دون مقاومة‬ ‫‪� ،‬ضحكت من القلب لحكاياته عن ال�شاوي�ش (بولجانين) وعم (ح�سن‬ ‫عطية) ‪ ،‬دق قلبه في �صدرها مع إ�يقاعات أ�نا�شيد وق�ص�ص ثوار الغابات في‬ ‫(فنزويلا) و(البرازيل) و(فيتنام) ‪ ،‬هتفت من القلب مع عمال التعدين في‬ ‫�شيلي ‪ .‬ذابت من الوجد والحزن وهي تقر�أ له أ��شعار (لوركا) بعد أ�ن قدمها‬ ‫إ�ليه على �ضوء قمر جريح ‪� ،‬صعدت جبال ( إ��سبانيا) مع الأن�صار وهي‬ ‫تبكي ‪ ..‬ا�صطحبها و أ�خته لم�شاهدة فيلم (الحياة اللذيذة) (لفليني) و أ�عاد‬ ‫عليهما قراءة ال�سيناريو �أكثر من مرة ‪ ،‬فتاقت لر�ؤية البحر ‪� ..‬أنفقا عم ًرا‬ ‫على رمال ال�شاطئ في (ا إل�سكندرية) و�سارا حافيين على الكورني�ش من‬ ‫(الأنفو�شي للمنتزه) ‪� ..‬صفقت وهي تقفز فرحة ل�سعادته يوم قبل ع�ض ًوا‬ ‫في (الحزب) ألول مرة ‪ ..‬وتفتت قلبها حز ًنا عندما جاء ًها باك ًيا يغرق‬ ‫نف�سه في �أح�ضانها ألنهم (ح ّلوا) نف�س (الحزب) وبقلوب باردة ‪.‬‬ ‫‪419‬‬

‫كانت تتلفت – خ ّمن أ�نها تبحث – هي – �أي ً�ضا عنه ‪� ،‬صدق حد�سه ‪..‬‬ ‫قالت له وهي تعطيه يدها ك أ�نهما على موعد ‪..‬‬ ‫‪ -‬كنت مت أ�كدة �إنك جاي ‪ ..‬وع�شان كده النهاردة عزمتك على‬ ‫الغدا يا غلبان !‬ ‫ورفعت لفة م�ستديرة في كي�س من البلا�ستيك �أمام وجهه ‪ ،‬دون‬ ‫تكليف ‪ .‬قائلة في اعتزاز ودلال ‪:‬‬ ‫‪� -‬ص ْنعة إ�يديه ‪ ،‬حتاكل �صوابعك وراها ‪� .‬صحيح انت قلت لي �أنك‬ ‫طباخ ممتاز ‪ ..‬لكن يا �إبني هناك فرق ‪ ..‬ده من �إيد (جوزفين) ‪!..‬‬ ‫ا�ستطعمت �إذنيه كلمة (يا �إبني) التي خرجت من بين �شفتيها حنونة‬ ‫بب�ساطة مذهلة – �أخذت قلبه ‪� ..‬سارت به في حدائق الكلية ‪ .‬وم�شاتلها‬ ‫كانها تقدم له حديقة ق�صرها الخا�ص الذي تعرف وتع�شق كل �شبر فيه ‪..‬‬ ‫يرحب بها كل من يراها من الجناينية وعمال المزرعة والمعيدين ثم ذهبا‬ ‫للكافتريا ‪ ..‬كان ركنهم خال ًيا فجل�ست في مرح وقالت وك�أنها تحت�ضنه‬ ‫بعيونها ‪:‬‬ ‫‪ -‬ياللا احكي انت بقى ‪..‬‬ ‫وعاد يحكي وهو لا يت�صور – للحظة – �أنه �سيكف عن الحكي ‪� ..‬إلا‬ ‫بالموت ‪ .‬أ�كلا ما أ�ح�ضرت من طعام ‪ .‬حلقات من البي�ض الم�سلوق م ؤ�طرة‬ ‫باللحم المت ّبل المفروم ‪ ،‬لم يهتم بمعرفة ا�سمه ولا طريقة �صنعه مع �إنها المرة‬ ‫الأولى في حياته التي يذوقه أ�و يراه فيها ‪ .‬دعاها كي ت أ�كل من �صنع يديه –‬ ‫هو ‪ ،‬ف�صحبته إ�لى �شقته بكل ب�ساطة ‪.‬‬ ‫ظلا – ولع�شرين �شه ًرا يقطعان �شوارع القاهة �سي ًرا على الأقدام لا‬ ‫يكلان ولا يتعبان من الم�شي ولا من الكلام ‪ ..‬ك�أنما خم�س �سنوات من‬ ‫‪418‬‬

‫وغرتكم الأماني‪...‬‬ ‫‪ ‬كنت في هذا ا ألمر – أ�تحداك أ�نت –‬ ‫نعم �أنت بالذات ‪ .‬لأنك لم تكن تريد لهذه العلاقة‬ ‫أ�ن تكتمل ‪ ،‬كنت تريدها كغيرها‪ ..‬عابرة لا عمق‬ ‫لها ‪ ..‬غرت من �إمكانية و�صولي إ�لى قمة لا تعرفها‬ ‫‪ ..‬نعم هل تذكر يوم جاءت إ�لي فج�أة دون موعد‬ ‫‪ ،‬قلت �أنها جاءت كي تنام معي و أ�نني لم أ�فهم ‪..‬‬ ‫�صرخت فيك ألنك تريد تلويث كل �شيء تركتني‬ ‫غا�ض ًبا م�ؤك ًد على غبائي ‪ ..‬وعدم فهمي رغم كل‬ ‫هذه ال�سنين والتجارب لعواطف المر أ�ة ‪ ..‬و �سطوة‬ ‫رغبتها ‪ ..‬لمحت في عينيك ا�شتهاءها ‪ .‬يومها كان‬ ‫ا ألف�ضل لك أ�ن تن�صرف ‪ ..‬حتى لا أ�قتلك ‪ ..‬طب ًعا‬ ‫تذكر !؟ ألنك لا ت�صدق �أن لعلاقة كهذه �صلة بحل‬ ‫(الحزب)‪ ..‬كنت تريد �أن �أقتل الحلم عم ًدا ‪ ،‬وكنت‬ ‫‪421‬‬

‫ك ّنت وديعة في حجره وهو يق�ص عليها حكايات �سجنه ومغامرات‬ ‫�صباه وحياته في الزنزانة (‪ )36‬في �سجن (المن�صورة) ورحلته إ�لى‬ ‫(الواحات) ‪ ..‬وليالي معتقل (القلعة)‬ ‫وغنت له �أغنية ( أ�م كلثوم) (�سهران لوحدي) التي كانت تت�سرب إ�ليه‬ ‫خلال جدران القلعة القا�سية من المقاهي الباهتة الملامح في (الخليفة) ‪..‬‬ ‫و�ساندته بكل قوتها و�شجعته على الإ�ضراب من �أجل الجرائد والإذاعة ‪..‬‬ ‫والخطابات وفتح الزنزانة ‪ ،‬إ�حت�ضنته وهو وحيد في عربة التراحيل يرتجف‬ ‫من البرد منكم َ�ًشا تحت ل�سع رياح ال�شتاء دون ملاب�س حقيقية ‪ ..‬و�أيدت‬ ‫موقفه من طلاق أ�خته ‪ ،‬لكنها لم ت�سامحه أ�ب ًدا ‪ ..‬ألنه ظل راف ً�ضا الغو�ص‬ ‫خلف آللئ بحرها حفا ًظا على بكارتها ‪ ..‬ولم يفهم �سر نظرتها القا�سية‬ ‫الغا�ضية كلما كبلته �سلا�سل قيوده الأخلاقية‪ .‬تمنعه من الو�صول معها �إلى‬ ‫�سدرة المنتهى ‪ ..‬مدع ًيا أ�نها لي�ست كالأخريات و�أنه لايرف�ض اتهامها له �أنه‬ ‫�أ�سير ما�ض لا وجود له �أمام ما جرى للدنيا وللنا�س خلال خم�س �سنوات‬ ‫نفيه‪.‬‬ ‫•••‬ ‫‪420‬‬

‫عا�شت و�سطكم هي و أ�ولادها �سنين ‪ ..‬إ�يه الحكاية ‪� ..‬إيه الفرق ؟‬ ‫‪ -‬دي حاجة ودي حاجة ‪ .‬عايز تجيب منها أ�ولاد ‪..‬؟!‬ ‫‪� -‬سيدنا (محمد) جاب (�إبراهيم) من (ماريا) ‪..‬‬ ‫‪� -‬أنت م�ش نبي ‪!..‬‬ ‫وهي نف�سها قالت لك تحت ت�أثير لحظة ن�شوة خفية – كيف تحلم بيوم‬ ‫تخرج من الكني�سة و�سط الورد والزغاريد و أ�نت تحملها �إلى البيت أ�و �إلى‬ ‫ال�سيارة ‪ ..‬ولما انتهت من حلمها قالت لك ك أ�نها تعتذر عن تماديها بعي ًدا‬ ‫�إنها م�ستعدة �أن تتزوجك في الحال وبالطريقة التي تريدها ‪..‬‬ ‫و�أنت ؟‪ ..‬ماذا فعلت ؟‪..‬‬ ‫رف�ضت طب ًعا ‪� ..‬سقطت في ب ؤ�رة �ضعفك القاتل ‪ ،‬وفتحت أ�بواب‬ ‫جحيم التبريرات – �صحيحة وزائفة ‪ ،‬حقيقية ومفتعلة – بحجة أ�بيها‬ ‫المري�ض بالقلب مرة ‪ ..‬ومراعاة لأخوتها الذين هاجروا واح ًدا بعد الآخر‬ ‫‪ ..‬وخو ًفا من تلك النظرة القلقة في عينيها – من احتمالات �سجنك التي‬ ‫يمكن �أن تحدث في أ�ي وقت‪.‬‬ ‫لا تت�ستر خلف ذلك الطموح الخفي الذي كان يبرق في عينيها أ�حيا ًنا‬ ‫والذي كانت تف�شل في دفنه تحت ركام �أخلاقي مفتعل ‪ .‬ولا تبرر خيبة‬ ‫�أملك ب أ�حاديثك الرائعة و�أحلامك الممتدة من (بكين) حتى (هافانا) ‪..‬‬ ‫والتي تحمل الفقراء على جناحين من �شعر وحكايا ‪ ،‬حلم تظن �أنه لن‬ ‫يموت – فليكن ما تريد ‪ ..‬خ ّلك غار ًقا في غيامة وهمك ألنها لن تحتمل ‪.‬‬ ‫�سحرك لم يفعل مفعوله‪ ،‬ولم ينجح في �شق �صدرها لانتزاع بذرة ال�شيطان‬ ‫‪ ،‬ف�أنت لم ت�سمح لي بانتزاعها من �صدرك – �أنت أ�و علاقتك ‪.‬‬ ‫‪� -‬أنت الذي لم تدرك كم تغيرت الدنيا خلال (‪� )5‬سنوات ق�ضيتها‬ ‫في (البعثة) يا زميل‪.‬‬ ‫لم تعرف أ�ن الفتيات يحملن ا آلن في حقائبهن المدر�سية �شرائط تنظيم‬ ‫‪423‬‬

‫أ�ريد أ�ن أ�ثبت �أن �شي ًئا مقد�ًسا يجب �أن يبقى بعي ًدا عن خ�سة ال�سيا�سة ودناءة‬ ‫الو�صول على جثث ا آلخرين ‪ ،‬كنت أ�موت �شو ًقا ل إلكتمال معها وفيها‬ ‫‪ ..‬كنت عم ًدا أ�قاوم نف�سي لأثبت �أن �شي ًئا جميل ًا يمكن أ�ن يبقى في حياتي‬ ‫دون أ�ن تدن�سه خطيئة الم�ساومة أ�و يكون رخي ً�صا معر ً�ضا للبيع وال�شراء‪..‬‬ ‫ولم تفهم أ�نت م�شاعري لأنك تح�سب كل �شيء بح�سابات عملية وواقعية‬ ‫وتقي�س العواطف ب�شريط الم�صالح المق�سم لوحدات قيا�س التكتيك‬ ‫والا�ستراتيجية ‪.‬‬ ‫إ��سمع ‪ ..‬لا �أريد �أن ت�شوه ما �أت�صوره عن ذكرياتي معها ‪ ..‬أ�ترك لي‬ ‫�شي ًئا أ�عي�شه كما أ�ردت وكما ع�شت قبل أ�ن تف�سد كعادتك كل �شيء ‪.‬‬ ‫نعم كم كان هذا جميل ًا ورائ ًعا ‪ ..‬أ�نت لم تعره اهتما ًما في البداية واعتبرته‬ ‫عط�ًشا لممار�سة م�شاعر (الميلودراما) ب�سبب �سنوات الحرمان الطويلة خلف‬ ‫الق�ضبان ‪ ..‬تحديتك في البداية ثم رجوتك �أن تفهم و�أن تعطينا فر�صة ‪..‬‬ ‫أ�ن تح�س بي وت�شعر بحاجتي إ�ليها ‪ .‬لكن برودك حيال علاقتي بها كان‬ ‫يخيفني ‪ .‬وكنت أ�ق�سمت �أنى �س أ�حمي هذه العلاقة منك ومن منطقك‬ ‫العقلي المادي العملي ال�سخيف ‪ ،‬الذي حا�صرتني به ‪ .‬كنت تقول بخفة‬ ‫و أ�نت تقيم جدرا ًنا من الغل ‪.‬‬ ‫‪ -‬لن يقبلك القبط فارفع علمك فوق قلعتها ‪ .‬ولن ي�سامحها الم�سلمون‬ ‫فلا تتركها تتباهي ب�ضعفك وتزهو بك عليهم ‪� .‬أمك نف�سها قالتها لك –‬ ‫نكتة ظريفة أ�ي نعم – لكن قا�سية ووا�ضحة تفهم واقع الحياة ‪.‬‬ ‫‪ -‬لن �أ�شرب من إ�يدها كو ّباية ميه ‪..‬‬ ‫‪ -‬ليه يا �أمي ؟‪ ..‬انتي كنت �صديقة لمدام ( إ�يزي�س) التي كانت ت�سكن‬ ‫بيننا وفي بيتنا ل�سنوات ‪ .‬و أ�ر�ضعت ابنتها وكنت ت�ؤاكلينها وت�شاربينها ‪.‬‬ ‫‪422‬‬

‫فب�صرك اليوم حديد‪...‬‬ ‫‪ ‬لي�ست هذه مذكرات يا �سمير ‪ ..‬ولا‬ ‫خطابات ‪ ..‬ف�أنا لم �أكن أ�جر ؤ� على كتابة مذكراتي‬ ‫بانتظام ب�سبب ا�ضطراب حياتي ‪ ..‬ولم أ�كن �أفكر‬ ‫في مرا�سلتك بعد وداعنا الدامي ‪ ..‬أ�عترف ‪ ..‬أ�نك‬ ‫الوحيد الذي �أحبني ممن عرفتهم من الرجال ‪ ..‬لا‬ ‫تغ�ضب ‪ ..‬ولا تنفعل تقبل ا ألمر كظاهرة للفح�ص‬ ‫والتحليل كما علمتني دائ ًما وح�سب ما تقول‬ ‫�أفكارك وكنت �أ�صدقها و أ��صدقك ‪..‬‬ ‫(من ال�ضروري ا�ستبعاد عواطفنا �إذا كنا نريد‬ ‫الو�صول �إلى قرار �سليم‪ )..‬وعمرك ما فعلتها ‪..‬‬ ‫كانت عواطفك دائ ًما هي عينك التي ترى بها كل‬ ‫�شيء ‪..‬‬ ‫ولو كنت تدرى �أنني عرفت كثيرين غيرك ‪..‬‬ ‫‪425‬‬

‫الأ�سرة ‪.‬‬ ‫لم تكن حري ً�صا على عذريتها حفا ًظا على �شرفها المزعوم ‪ .‬بل كان‬ ‫حر�صك على ما تظنه عذريتك أ�نت ‪.‬‬ ‫كانت بينكما (‪� )5‬سنوات فقط لكنها كانت بمثابة حقب طويلة‬ ‫ج ًدا ‪ .‬تكاد تبلغ في طولها قر ًنا من الزمان ‪ ..‬قدر الم�سافة التى تف�صل‬ ‫ما بين (لفي�شاوي) ودي�سكو (المريديان) ‪ ..‬ما بين حكايات (�أم يو�سف)‬ ‫و(�ساتيروكون فليني) ‪ ..‬ما بين خطابات (جيفارا) ‪ ..‬وقرارا (حل‬ ‫الحزب) ‪ ،‬ولم تفهم ‪ ..‬تركتك عا ًما ون�صف ‪ .‬بل �أكثر تمار�س حالة المراهقة‬ ‫التي حرمك ال�سجن منها قبل �أن �أظهر في ال�صورة لأ�ضع مر آ�ة �أمام وجهك‬ ‫‪� .‬أنت تمنيت ظهوري وكان لابد �أن �أظهر ولو رغ ًما عن �أنفك ‪ ،‬فمازلت‬ ‫لا تفهم ولن تفهم �إنني تو�أم روحك (‪ ..‬كالكا ‪ ..‬والبا ‪)..‬‬ ‫إ�ذا كنت مازالت تعتقد في �أ�صولك الروحية ‪ ..‬على كل حال �أنا‬ ‫ل�ست عدوك ‪ ..‬أ�نا �صديقك وقرينك ‪ ..‬قرين المرء لا يعاديه ‪..‬‬ ‫وتو�أمه ‪ ..‬لا ي�ؤذيه ‪..‬‬ ‫على كل حال ‪ .‬كي تكتمل لديك ال�صورة وتظهر لك براءتي‪..‬‬ ‫إ�ذهب في الثالثة بعد الظهر غ ًدا إ�لى (جروبي) ‪ ..‬لن يحتاج ا ألمر لقرنفلة‬ ‫ت�شبكها في عروتك ولا لمجلة (روزاليو�سف) هو �سوف يتعرف عليك‬ ‫لأنه يبحث عنك ‪ ..‬وطلب مني �أن أ�دبر له لقاء معك ‪ ..‬و�سوف يعطيك‬ ‫دليل براءتي من دمها ‪ ..‬وبراءتك أ�نت �أي ً�ضا ‪ ..‬لو كنت ماتزال مهتما ‪� .‬أن‬ ‫تعرف لماذا ت�سربت من بين يديك �شي ًئا ف�شي ًئا ‪ ..‬وتبخرت �أمام عينيك ‪..‬‬ ‫حملها (عفريت) الواقع بعي ًدا عن �أ�شواك زهر �أحلامك المهزومة ‪..‬‬ ‫•••‬ ‫‪424‬‬

‫لي (ولماذا لا تكون �أقرب كني�سة)‪ ..‬عرفت �أن الهوة تزداد بيننا والم�سافات‬ ‫الطويلة �صارت أ�طول‪ ..‬لكني كنت �أحبك ومازلت ‪ ..‬كنت �أحبك على‬ ‫طريقتي ‪� ..‬أنت الوحيد الذي (قد�سني) واتخذ مني ملاكه الحار�س ‪..‬‬ ‫كنت الوحيد الذي أ�حبني بحق ‪ ..‬وكنت أ�تمزق ‪ ..‬و�أنت تقدمني ألمك‬ ‫الطيبة ‪ ..‬التي أ�ح�س�ست بمرارة قبلتها رغم ابت�سامتها التي ذبت في رقتها‬ ‫وح�ضنها الدافئ الذي عو�ضني كثي ًرا ‪.‬‬ ‫كنت أ�بكي �أحيا ًنا و أ�نا في أ�ح�ضان ا آلخرين ‪ ..‬وعاقبني الرب ‪..‬‬ ‫عقا ًبا �صار ًما ‪..‬‬ ‫هل تذكر يوم التقينا في (باب الحديد) بال�صدفة ‪ ..‬وكدت ان‬ ‫تحت�ضنني و�سط زحام الخلق ‪..‬‬ ‫عرفت يومها �أنك في �أزمة مع زوجتك و�أنكما على و�شك الطلاق‪..‬‬ ‫هل تعرف �إلى أ�ين كنت ذاهبة ‪ ..‬كنت ذاهبة ألكفر عن عقاب الرب ‪..‬‬ ‫عند طبيب ا ألمرا�ض التنا�سلية ‪!! .‬‬ ‫تواعدنا يومها على أ�ن نلتقي ونذهب �إلى القناطر ‪ ..‬لكي ن�ستعيد‬ ‫ذكرى أ�حلى رحلة لنا حين كنا نلتهم العالم كفاكهة محرمة ‪ ..‬وتركتك و أ�نا‬ ‫مت أ�كدة �أنك لن ت أ�تي ‪ ..‬ف أ�نا �أعرفك أ�كثر مما تعرف نف�سك ‪..‬‬ ‫لقد حكيت لزوجتك ك أ�حمق عن كل مغامراتك قبل الزواج ‪ ..‬هل‬ ‫هناك من يفعل ذلك ؟ إ�لا ريفي أ�حمق ‪ ..‬كنت تريد ان تبد أ� معها �صفحة‬ ‫جديدة ‪ ..‬كنت تت�صور أ�نك (تطب في بحر النيل لتتطهر من الما�ضي) ‪.‬‬ ‫الحياة لي�ست �شع ًرا يا �شاعر ‪ .‬وهي لم تفهم ‪ ..‬طبع ًا ‪ ..‬وجاءت إ�لي ‪ ..‬ت�صور‬ ‫جاءت �إلى �شقتنا ولا �أعرف كيف ا�ستدلت عليها ‪ ..‬لابد أ�نك و�صفت‬ ‫لها‪ ..‬حتى أ�دق التفا�صيل ‪ ..‬يا مغفل ‪ ..‬جاءت لتت�أكد �أنني لم أ�عد على‬ ‫‪427‬‬

‫لقتلتني ‪ ..‬نعم يا حبيب القلب عرفت �آخرين حتى و أ�نا �أعبر معك القرون‬ ‫بح ًثا عن ذاتي ‪ ..‬أ�جاهد لمعرفة هويتي ‪ ..‬و أ�عرف من أ�نا ‪ ..‬كان عندي �أمل‬ ‫أ�ن تقودني أ�نت إ�لى نف�سي ‪ ..‬كنت الوحيد الذي أ�حبني ‪ ..‬كنت الوحيد‬ ‫(الجبان) الذي أ��صر �ألا يف�ض بكارتي ‪ ..‬رغم كل ا إل�شارات لم تفهم ‪..‬‬ ‫وعذرتك ألن الم�سافات بيننا كانت بطول هذا التاريخ ال�سحيق من القهر‬ ‫والانتهاكات ‪ ..‬وبات�ساع الهوة بين أ�حلامك ‪ ..‬وظروف حياتي ‪ ..‬لم‬ ‫أ�حك لك التفا�صيل فبع�ضها كفيل بتدميرك لو وقعت هذه الأوراق في‬ ‫يدك وكنت لا تزال �صام ًدا تخو�ض حربك ال�شر�سة �ضد طواحين الهواء‬ ‫وطواغيت م�صر ‪..‬‬ ‫كثيرون ‪ ..‬نعم ‪ ..‬عرفت الوغد والندل والطاغية والف�سل وا أل ّمعة ‪..‬‬ ‫عرفت – الرجل الخرتيت والرجل الخنزير ‪ ..‬والرجل الكذبة ‪ ..‬بع�ضهم‬ ‫كانوا من أ��صدقائك ‪ ..‬لا تنفعل ‪ ..‬فكل من قدمتني إ�ليهم من زملائك‬ ‫أ��صدقاء القهوة راودني عن نف�سي ‪� ..‬أكثرهم إ�لحا ًحا كان (القبطي) الذي‬ ‫ت�صور �أن مهمة إ�بعادي عنك مهمة دينية مقد�سة حتى لا �أ�صبح فري�سة‬ ‫(الغزو الإ�سلامي) ‪ ..‬قليلون هم الذين حفظوا غيبتك منهم زوج (�شلبية)‬ ‫و(محمد جاد) وبلدياتك الذي فهمني يوم فاج�أتك في �شقتك بحجة‬ ‫حاجتي ل�شرح بع�ض المواد التي �س�أمتحن فيها في اليوم التالي ‪ ..‬كان ذك ًيا‬ ‫فعرف أ�نني جئت ب�سبب ملفق ‪ ..‬فا�ست�أذن وتركنا وحدنا‪.‬‬ ‫أ�نا و�صفتك يومها بالجبان ونحن على قمة (ا ألوليم ْب) ألن ريفيتك‬ ‫غلبتك ‪ ..‬كان يومها يو ًما فار ًقا في العلاقة بيننا ‪ ..‬فقد رف�ضت �أي ً�ضا �أن‬ ‫نتزوج على الفور عند أ�قرب م�أذون ‪ ..‬ولم ا�ست�سغ فكاهتك عندما قلت‬ ‫‪426‬‬

‫على �أن �أكون لطيفة مع �شركائه ‪ ..‬ومموليه في كل مكان ‪ ..‬كان ثم ًنا فاد ًحا‬ ‫لحياة باذخة ‪ ..‬وكان عقابا �شدي ًدا كعقاب امر�أة (لوط) ‪ ..‬لأنني لم �أحافظ‬ ‫عليك ‪ ،‬تركتك ل�ضعفك و أ�وهامك ‪ ..‬كي تدفن نف�سك في �أح�ضان جارية‬ ‫�أو امر�أة ريفية لا ت�ستحقك ‪ ..‬ولم يكن ب�إمكاني ا�ستعادتك حتى في �صورة‬ ‫ذكرى ‪ ..‬ولم يعد للحياة طعم ‪ ..‬ولذا �س أ�عود إ�لى (م�صر) ‪ ..‬و�أطلب مغفرة‬ ‫(ايزافيت� ْش) و(ري�ش) ‪ ..‬و(الفي�شاوي) ‪ ..‬و(�أتوبي�س ‪ .. )132‬و(�صوبة‬ ‫الظل) في ق�صر (محمد علي) ‪ ..‬و(القناطر الخيرية) ‪ ..‬و(كازينو ال�شجرة)‬ ‫‪( ..‬و�شارع �شبرا) ‪ ..‬و(“‪� ”8‬ش محمد م�سعود) و(محطة القللي) و(�سينما‬ ‫راديو) ‪ ..‬و�إن �أمكن �س أ�طلب غفران (الزنزانة “‪ )”39‬الدور الثاني �سجن‬ ‫(المن�صورة) ‪ ..‬و(زنزانة “‪ ”6‬بالقلعة) و(مزرعة المحاريق) ‪ ..‬و(عنبر أ�لف‬ ‫في العزب) ‪ .‬لعل الجميع يغفرون لي خطيئتي ‪� ،‬إنني لم أ�حاربك من أ�جل‬ ‫حبي ‪ ..‬وتركتك تنتحر على طريقتك ‪ ..‬و�إن لم يغفروا لي ‪ ..‬ف�سوف �أجد‬ ‫لنف�سي طريقة �أ�سرع للإنتحار طل ًبا للغفران !‬ ‫كان الذي �سلمني ا ألوراق ‪ ..‬هو نف�سه ذلك (القبطي) الذي كان‬ ‫يحارب من أ�جل انقاذها من الوقوع في حم أ�ة حبي الريفي‪� ..‬أعطاها لي‬ ‫وفي عيونه نظرة ت�شف قا�سية ‪ ..‬ولم أ�كن �أعرف علاقته بك يا �صديقى‬ ‫ألنني فوجئت به يتقدم مني وي�سلمني ا ألوراق ‪ ..‬ويم�ضي دون كلمة ‪..‬‬ ‫لمحت ق�سوتك الفجة في نظرة عيونه عندما �إلتفت ليت�أكد إ�نني‬ ‫مازلت واق ًفا م�سم ًرا مذهول ًا من المفاج أ�ة ‪ ..‬لأنني حتى تلك اللحظة لم‬ ‫ا�ستوعب مدى ات�ساع وت�شعب �صلاتك وطول ذراعك ‪ ..‬وخيل �إلي أ�نه‬ ‫يقهقه في ت�ش ّف وهو يدور ليختفي عن ناظري ‪.‬‬ ‫•••‬ ‫‪429‬‬

‫علاقة بك‪ ..‬وحزنت ل�سذاجتها ‪ .‬لكني حزنت �أكثر و�أ�شفقت عليك‪!..‬‬ ‫لم �أكن في (بيروت) عندما ذهبت �إليها من �صديقك المغني الذي لم‬ ‫أ�تعرف عليه ولكني �سمعت ال�شريط الذي �سجلتموه هناك �أيامها ‪ .‬ويبدو‬ ‫�أن جز ًءا من (عقاب الرب) هو أ�لا أ�كون في (لبنان) و أ�نت فيها ‪ .‬فقد كان‬ ‫يمكن أ�ن ينقذني لقا ؤ�نا في تلك الظروف النادرة ‪ ..‬كنت في (البرازيل) مع‬ ‫زوجي (الماروني) ‪ ..‬أ�نت تعرفه ذلك (اللبناني) زميلنا في الكلية ‪ ..‬كنت‬ ‫ت�سميه (اليرقة) ‪ ..‬وكنت أ��ضحك من القلب ‪ ..‬و أ�قول أ�نك غيران منه ألنه‬ ‫على طرف نقي�ض معك ‪ ..‬في كل �شيء ‪� ..‬ستتعجب ألنني تزوجته هو‬ ‫دون كل الحيوانات والح�شرات التي عرفتها ‪ ..‬كنت أ�معن في الانتقام من‬ ‫نف�سي ألنني �ضيعتك ‪..‬‬ ‫لو كنت يومها في (بيروت) لتغير وجه الدنيا ‪ ..‬كنت يومها �ست�صبح‬ ‫طوق النجاة ا ألخير ‪ ..‬كنت �س�أرتمي في ح�ضنك فوق من�صة (عرو�س‬ ‫البحر) ‪� ..‬أو فوق جبل ( أ�ميون) �أمام تمثال (فرج الله الحلو) و�أمام كل تلك‬ ‫الجحافل التي كنت تحتفل معها ب�إزحة ال�ستار عن التمثال و�إغراقه في الورد‬ ‫‪ ..‬و أ��صرخ فيهم ألعلن لهم أ�نك حبيبي ‪ ..‬ولكني لم �أعرف – �إلا عندما‬ ‫عدت – أ�نك كنت طائر (العيد الخم�سين) المغرد ‪ ..‬و أ�نك حرثت (لبنان)‬ ‫من (طرابل�س) إ�لى (�صيدا) ومن (بيروت) إ�لى (بعلبك) ‪ ..‬تغني لـ (نيرودا)‬ ‫و(فرج الله) و(�شهدي) ‪ ..‬وللعمال ‪ ..‬وللحرية وال�سلام ‪ ..‬وكل ما �شدني‬ ‫�إليك و أ�ذابك في دمي الفا�سد ‪ ..‬كانت علاقتي باليرقة قد و�صلت �إلى حد‬ ‫ال�سفالة ‪ ..‬كان (عقاب الرب) �شدي ًدا ‪ ..‬ف أ�نا التي لم �أقم علاقة إ�لا مع من‬ ‫�أرغب ‪ ..‬وب إ�رادتي الحرة ‪ ..‬وكنت أ�عتبر حريتي الجن�سية جز ًءا لا يتجز�أ من‬ ‫حريتي ك�إن�سانة ‪ ..‬أ�نا التي لم �أحظ بعلاقة معك ‪ ،‬يا من �أحببت ‪� ،‬أجبرت‬ ‫‪428‬‬

‫(بيروت) ‪ ،‬ولم تنهدم فوق ر أ��سي �صدفة �إحدى بنايات (الفكهاني) ‪� ..‬أو‬ ‫(كورني�ش المزرعة) ‪ ..‬ولم تنفجر في توقيت م�ضبوط مع خطواتي �سيارة‬ ‫مفخخة عند (ر�أ�س بيروت) أ�و عبر (كاركا�س) إ�لى (الحمرا) ‪ ..‬ولم أ�تعفن‬ ‫في أ�حد �سجون (�سوريا البعث)‪ ..‬أ�و (ليبيا العقيد) ‪ ..‬و أ�نني نجوت في‬ ‫اللحظة المنا�سبة ولم يجرفني ال�سيل في (بوخار�ست) ولم يقتلني على �سبيل‬ ‫الخط�أ ‪ ..‬الع�س�س الغا�ضب المتوتر في بحرة (دم�شق) �أو في حواري المنطقة‬ ‫ال�صناعية أ�و (باب توما) ‪..‬‬ ‫كل �إن�سان يولد مرة ‪ ..‬وقد يموت �ألف مرة ‪ ،‬لكنني ولدت مرات‬ ‫كثيرة ‪ ..‬ومازلت حيا في انتظر الموت للمرة ا ألخيرة ‪ ،‬فوق فرا�شي ‪ ..‬بعد‬ ‫هذا الرحيل الطويل في المكان والزمان‪ ،‬في الأ�سر وفي الحرية ‪..‬‬ ‫ومازلت �أراقب تحولات نف�سي النزقة ك�سحابة مرحة ‪ ،‬تدفع بها‬ ‫ريح البحر نحو ذراعى طفل مجنون ‪ ،‬طموح ‪� ،‬سريع البكاء‪ ،‬م�شحون‬ ‫بالعواطف الم�شبوبة ‪ ،‬يجل�س متطل ًعا إ�لى المجرة على حافة قرية (ميت‬ ‫�سل�سيل) الغربية قبالة (�سيدي مجاهد) بالقرب من (م�سرف) البلهار�سيا‬ ‫‪ ..‬المزدحم بال�ضفادع والذي لم تق�صفه الطائرات ا إل�سرائيلية بعد ‪ ،‬و�أن‬ ‫و�ضعته في ح�سبان خططها للم�ستقبل – لعجزها عن تف�سير ما يزدحم‬ ‫به عقله من أ�فكار‪ .‬وهو يجل�س �ساك ًنا يت أ�مل ال�شم�س الغاربة ‪ ..‬يراقب‬ ‫عفاريت الدنيا وهي تلعب في بحيرات ال�ضوء الذهبية بين ظلال تيجان‬ ‫النخيل حول قبة ال�شيخ (مجاهد) ‪ ..‬أ�و حول �صخرة (بيروت) ‪ .‬يتابع‬ ‫في انبهار رق�ص جنيات الماء وعرائ�س الحواديت ‪ ،‬في غابات (مو�سكو)‬ ‫و(�صوفيا)‬ ‫و (غوطة دم�شق) و(�سراديب كريتر) ‪ ..‬قبل أ�ن يغ�ص قلبه بالهم‬ ‫الحقيقي ل�صراع الطبقات ‪ ،‬وت�سلط القوى الغا�شمة و�سحقها لل�شعر عبر‬ ‫‪431‬‬

‫إ�ن الإن�سان لفي خ�سر‪..‬‬ ‫‪� ‬أيتها الأ�سماك الحرة الم�سكينة ‪ ..‬خذيني‬ ‫�صدي ًقا لك ‪ .‬فقد رحل عني معظم ا أل�صدقاء ‪..‬‬ ‫�أعاهدك أ�ن �أطلق �سراح كل من يلقي به �سوء الحظ‬ ‫منك في براثن �شبكتي ‪� ،‬أو تلتقطه �صنارتي ‪ ..‬ف�أنا‬ ‫�أعرف م�شاعر من ت�شق الخطاطيف �سقف حلقه ‪.‬‬ ‫وذقت مرارة ال�سقوط في قب�ضة ال�شباك على اختلاف‬ ‫أ�نواعها ‪ ..‬فكوني �صديقة لي ‪ ،‬بعد �أن هجرني‬ ‫ا أل�صدقاء الذين يخيل لي أ�حيا ًنا – أ�ن معظمهم لم‬ ‫يكونوا �أب ًدا – كما �صورتهم لي �أوهامي‪..‬‬ ‫أ�نا الذي لم أ�عد نف�سي ال�شخ�ص ‪� ..‬أنا الذي‬ ‫لم يكن ينتابه أ�ي �شك فيمن هو – �أنا الذي كنته‬ ‫وما �س�أكونه ‪ ..‬رغم أ�نني �أقنعت نف�سي كثي ًرا ‪،‬‬ ‫وعلى مدد متفاوتة الطول ‪ .‬وب�سبب ظروف مختلفة‬ ‫‪� ،‬أنني ولدت من جديد مرات ومرات ‪ ..‬فلم‬ ‫أ��صب بر�صا�صة طائ�شة في حواري الجامعة العربية‬ ‫‪430‬‬

‫النيل أ�ي ً�ضا من �سالف وقديم الزمان ‪.‬‬ ‫بيروي عط�ش المفتري والكداب وابن الحرام ‪ ..‬وي�سقي الطيب‬ ‫والنوري البا�شا والوالي ‪ ..‬والفلح الكلح ‪ ،‬المكفى على �سن المحرات‬ ‫عل�شان يتكوم مهدود على عتب ا ألبواب ‪ .‬ويبل ريق الأغراب اللي �سقوه‬ ‫و�سقوا بلاده الويل ‪ .‬و�سرقوه و�سرقوا منه حلاوة الليل ‪ ..‬وخطوات الخيل‬ ‫‪ .‬بيرويهم همه وجيو�شهم وهو يحمد ربه على بق المية اللي بيبقى له ‪.‬‬ ‫مالي�ش �أي حق �ألومه �أو أ�عاتبه ‪ ..‬لأنه مقدر له يخ�ضر نف�س الأر�ض‬ ‫اللي قادره ت�شيل أ�ولادها وت�شيل اللي دابحهم ‪ ..‬وتحاجي على بناتها ‪..‬‬ ‫زي ما بتداري على اللي ف�ضحهم ‪ ..‬وع�شان متحملة خطو النكدي الظالم‬ ‫�أبو دم تقيل ‪ .‬والعا�شق قلب المواويل ‪..‬‬ ‫النيل طول عمره �سبيل ‪ ،‬ونبيل ‪ ..‬قبل ما تتفرنج ميت �سل�سيل ‪.‬‬ ‫أ�نا و�أنت اللي ر�ضينا نلهب قلب �أولاده في ال�صحراء تحت نابالم‬ ‫الغدر ‪ ،‬وندو�سهم بالدبابات عيني عينك في �صهد (ب ؤ�ونة) ‪ ..‬و�سمحنا‬ ‫للقتلة ي�شربوا منه ‪ ،‬ويقعدوا في �ضل �شطوطه ‪ ..‬ويقتلوا �شبابه ويعروا بناته‬ ‫في �سل�سلة جهنمية طويلة وممتدة منذ عرف الع�سكر الطريق �إلى العر�ش‬ ‫وا�ستن�شقوا عطر ال�سلطة فقرروا ي أ�كلوا تمر نخيلة ‪ ،‬ويم�سحوا أ�يديهم‬ ‫الغرقانة في دم �أولاده – في غ�ض نجيلة ‪..‬‬ ‫تنكر ؟!‪� ..‬أن �أنا و�أنت ياما هدينا حيله ‪ ..‬و�سممنا ‪ -‬ب ُذلنا وخيانتنا‬ ‫للعي�ش والملح – مواويله‪!.‬‬ ‫•••‬ ‫‪433‬‬

‫الكرة الأر�ضية ‪ ،‬من حقول الأرز في (فيتنام) حتى منازل الأزهار في‬ ‫(�شيلي) و(ا ألندل�س) ‪..‬‬ ‫وقبل �أن يجد نف�سه عاج ًزا تما ًما عن لوم ال�شم�س (ا ألم ا ألزلية ا ألبدية)‬ ‫على ظلم ا إلن�سان‪ .‬لأخيه ا إلن�سان وكيف كان ي�ستطيع؟‪ ،‬وهي تدفئ في‬ ‫�صباحات ال�شتاء و�أم�سياته الباردة ا إلن�سان ال�شقيان وقاهره المرتاح فى‬ ‫لحد واحد ‪ .‬تخرج كل يوم وت�سطع فوق �شق الحارة الغرقانة في برك الفقر‬ ‫‪ .‬في نف�س الوقت الذي تبرق فيه وتلمع وتلعلع فوق جدران الق�صور‬ ‫البلورية و�أ�شجار ال�سلطان‪ ..‬دون �أن تهتز منها �شعرة �ضوء ‪..‬‬ ‫ما ذنبها ؟‪ ..‬إ�ذا كان قد ر�أى العالم مقلوب ا ألو�ضاع ‪ .‬ووجد أ�ن‬ ‫الحلم الإن�ساني معطوب ‪ ..‬والتاريخ مكتوب بالطريقة التي تجبر الجميع‬ ‫على فهمه بالمقلوب ‪ ..‬القادر قادر – ويلقي التبرير الر�سمي الدائم لخطف‬ ‫اللقمة من بق الغلبان ‪ ..‬ال�شم�س لي�ست (الأمم المتحدة) ولا (الولايات‬ ‫المتحدة) لتوزع �ضوءها المقد�س ب أ�كثر من ميزان ‪ ..‬أ�و بطريقة غير عادلة‬ ‫بين العمال و أ��صحاب الأموال ‪..‬‬ ‫كان �سيجد القدرة على لومها بالت أ�كيد – �إن أ�تيحت له الفر�صة – لو‬ ‫�أنها طلعت فرحانة تغني طلعت يا محلا نورها وهي توقظ وتفتح �شبابيك‬ ‫الق�صر ثم عادت فانقلبت و�ضربت بوز وهي تدق أ�بواب بيوت الفقراء‬ ‫وتوقظ ر�صفان حارة �شق التعبان ‪.‬‬ ‫ال�شم�س �صريحة ووا�ضحة ‪ ..‬عارفة �أن الحق حق ‪ .‬وبتطلع من ملايين‬ ‫ا أليام وال�سنين‪ ،‬توزع �ضوءها بالحق وبالعدل ‪ ..‬هو وحده الإن�سان من‬ ‫يعطيها المبرر ‪ ،‬ويزودها بالحجج والبراهين ليعدمها روح العدل ‪� ..‬أول ما‬ ‫تطل بو�شها في مرايته ‪ ..‬وتدله على منبع قوتها ‪ ..‬فتعطيه فر�صة أ�ن يتحكم‬ ‫فيها ‪..‬‬ ‫‪432‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook