Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore موَّال الصِّبا في المشيب #سمير_عبد_الباقى

موَّال الصِّبا في المشيب #سمير_عبد_الباقى

Published by ashrafsamir333, 2020-03-22 11:34:44

Description: موَّال الصِّبا في المشيب #سمير_عبد_الباقى

Keywords: موَّال الصِّبا في المشيب #سمير_عبد_الباقى

Search

Read the Text Version

‫م َّوال ال ِّصبا في المشيب‬ ‫رواية قد تكتمل ‪ ..‬غ ًدا‬

‫على هام�ش ال�سيرة الذاتية‬ ‫م َّوال ال ِّصبا في المشيب‬ ‫رواية قد تكتمل ‪ ..‬غ ًدا‬ ‫‪2013‬‬

‫م َّوال ال ِّصبا في المشيب‬ ‫رواية قد تكتمل ‪ ..‬غ ًدا‬ ‫النا�شر‪ :‬دار �إيزي�س للفنون والن�شر‬ ‫العنوان‪� 2 :‬أ �شارع طه ح�سين ‪ -‬الزمالك القاهرة‪.‬‬ ‫هاتف ‪)02(27361361 :‬‬ ‫محمول ‪0112695195 :‬‬ ‫بريد الكتروني ‪dar¬[email protected] :‬‬ ‫�صورة الغلاف‪:‬‬ ‫ت�صوير ‪ :‬و�سام الدويك‬ ‫ت�صميم الغلاف ‪:‬‬ ‫اهداء من الفنان محمد كامل (كامل جرافيك)‬ ‫الت�صميم الداخلي‪:‬‬ ‫�صالح عبدالعزيز‬ ‫المدير العام ‪:‬‬ ‫�سوزان التميمي‬ ‫رقم الإيداع ‪2013/3026 :‬‬ ‫الترقيم الدولي‪I.S.B.N : 978-977-6367-53-1 :‬‬ ‫جميع الحقوق محفوظة ©‬ ‫الطبعة ا ألولى ‪2013 -‬‬

‫حين ي�صير المراهق طفل ًا‬ ‫يجل�س ال�شيخ بينهما ويبكي‬ ‫عائدا إ�لى �صباه‬ ‫لكنني لا أ�تذكر غير �صورة الطفل‬ ‫وقد فاج أ�ه الجني‬ ‫ب�ضحكته المجلجلة ‪..‬‬ ‫وم�صباحه‬ ‫الذي لم يكن غير لعبة قديمة !‬ ‫(عبد الكريم قا�صد)‬ ‫‪5‬‬

‫عبدالباقى ‪� ،‬سمير‬ ‫موال ال�صبا في الم�شيب‪ :‬رواية قد‬ ‫تكتمل ‪ ..‬غدا ‪� /‬سمير عبدالباقى ‪ -:‬طـ‪-.1‬‬ ‫دار �إيزي�س للفنون والن�شر‪2013 ،‬‬ ‫‪�390‬ص ؛ ‪�20‬سم‬ ‫تدمك ‪978 977 6367 53 1‬‬ ‫‪ -1‬الق�ص�ص العربيه‬ ‫�أ‪ -‬العنوان‬ ‫‪813‬‬ ‫رقم الإيداع‪ 2013 /3026 :‬التاريخ‪2013/1/16 :‬‬

‫وما أ�ن ِزل من َق ِبلك‬ ‫‪ ‬قلقا متوتراً كان يراقب حالته النف�سية والج�سدية‬ ‫منذ فترة‪ ..‬أ��صبح يتوقع في كل لحظة �أن تداهمه فج أ�ة رغبته‬ ‫الحارقة في ا إلعتراف بخطاياه الخفية ‪ ..‬وكتابة تقريره‬ ‫ا ألخير وال�ضروري ‪� ،‬شاملا فا�ضحا ‪ .‬طلبا للعفو وال�سماح‬ ‫‪ ..‬والفهم‪..‬‬ ‫ينتابه الرعب ويزلزل طم�أنينته اله�شة‪ ،‬كلما ظن أ�ن‬ ‫اللحظة قد أ�زفت‪ ،‬يقوم بتجهيز ا ألوراق الكافية والمنا�سبة ‪،‬‬ ‫و�سرعان ما يطفئ لهيب رع ْبه بتمزيقها بي�ضاء من غير �سوء‪.‬‬ ‫في كل مرة ي�شتري ما يكفي من �أقلام الر�صا�ص‪ ،‬يبريها‬ ‫بنف�س طريقته الخا�صة‪ ،‬التي تعلمها في طفولته المبكره‪..‬‬ ‫وفي كل مرة ين�ساها‪ ..‬فت�ستخدم في �أغرا�ض أ�خرى ولا‬ ‫تعود ت�صلح للكتابة ‪ ..‬ي�ؤرقه على الدوام �إح�سا�س عميق‬ ‫قا�س ب�أن ما يكتبه تمت قراءته من قبل و�سيكون عديم الفائده‬ ‫‪7‬‬



‫في�سقط قلبه ال�صبي المنفعل في جب عميق‪ ،‬مع�صورا في قب�ضة �ألم‬ ‫غام�ض مثقلا بحزن مجهول‪ ،‬يمزق الأبيات التى خطها على هام�ش كرا�سة‬ ‫الجغرافيا‪ ،‬أ�و الر�سوم التي م أل بها الم�ساحات البي�ضاء في كتاب ( المنتخب‬ ‫من �أدب العرب) ‪.‬‬ ‫�أما أ�عدا�ؤه فقد رموا طوبته من زمن بعيد ‪ ،‬و أ�حاطوا ا�سمه بما يكفي‬ ‫من �أوامر إ�دارية و�أمنية ت�شكل حائطا �صعب ا ألختراق من أ��شواك وخوف‬ ‫وحبر �أ�سود‪ ،‬ثم �شطبوا عليه و�أ�سقطوه في مربع الن�سيان‪..‬‬ ‫وهكذا بين م�صلحة الم�ساحة التي يديرها �أ�صدقا�ؤه و�صحراء التجاهل‬ ‫التي يحر�سها أ�عدا�ؤه ‪ ..‬تناثرت ‪ ،‬ق�ص�صه وحكاياته و أ�حداث أ�يامه الطويلة‬ ‫وعلاقاته في كتب ودفاتر مختلفة الأ�شكال وا أللوان لا تجد فر�صه حقيقية‬ ‫لتقدير قيمتها أ�و ح�صرها ‪ ..‬أ�و أ�كت�شاف أ�ي قيمة لها ‪ ..‬ف أ��صبح هو نف�سه‬ ‫عاجزا عن ح�صر أ�عدادها أ�و �إحتمال ت�أمل �صفوفها مر�صو�صة مجلدة على‬ ‫الرفوف حوله ‪ ..‬وتجنب مع ا أليام الرغبة في �إح�صائها خ�شية �أن يفاجئه‬ ‫الموت وهو م�شغول با ألرقام‪ ،‬التي عا�ش يكرهها طول حياته‪..‬‬ ‫‪-‬ما العمل إ�ذن يا �صديقى؟ ‪� ..‬أحتاج أ�ن ت أ�خذ بيدي يا رفيق‬ ‫العمر‪� ..‬أجرني‪ ..‬الحلقة ت�ضيق حول عنقي والح�صار ي�شتد ‪ ..‬لم تعد‬ ‫بيوت ال�صحاب ت�ستقبل خطواتي المرحة‪ ،‬ولا تنتظرها ‪ ..‬ولا تواجهني‬ ‫إ�لا وجوه القدامى منهم ترتدي �أقنعة تخفى خلف ب�سمتها ما تكل�س على‬ ‫�أديم بع�ضها من كراهية وخوف‪ ..‬وتناءت عبر العقود بينها الم�سافات‪..‬‬ ‫واختفت ابت�سامات الحنان و�شاب الزمان وتفرق الخلان‪..‬‬ ‫طفرت دموع مالحة من عينيه حرقت أ�جفانه ‪ ،‬وامت أل برغبة معاك�سة‬ ‫حارقة متحدية م�شاعر الي أ��س‪ ..‬تطالبه أ�ن يعيد نثر ملامح �سنوات عمره‬ ‫‪9‬‬

‫وبلا أ�ي �أهمية تقريبا ‪ ..‬فما قيمة تقرير �آخر كتب مثله – بل و�أف�ضل و أ�عمق‬ ‫منه – ع�شرات المرات من قبل ‪..‬‬ ‫هو نف�سه كتب كثيرا ‪ ..‬كتب طويلا ‪ ..‬ولم تظهر علامات الاهتمام‬ ‫عند �أحد ما – بكل هذا الزمن الم�سفوح على الأوراق – على �أوراقه هو –‬ ‫ق�صائده و�أفكاره‪ ..‬وحكايات وم�سرحيات‪.‬‬ ‫كان �أ�صدقا�ؤه عادة مايبت�سمون في عطف بارد وهم يتظاهرون‬ ‫بمباركة ما يكتب دون قراءة ‪ ..‬وتظل إ�فرازاته على الورق �صامته لا يفكر‬ ‫أ�حد منهم في جدية أ�و جدة ما يكتبه أ�و حتى جدواه ‪� .‬إذ تعودوا على الثقة‬ ‫في خ�صوعه لهم إ�لى درجة يعتبرون معها كل ما يكتبه وما يفعله �صالح‬ ‫بال�ضرورة‪ ،‬متطابقا مع خطهم ال�سيا�سي والدعائي ب�شكل �أو ب�آخر‪..‬‬ ‫لقد تعودوه لا ي�شكل �أي خطر م�ضاد �أو مقلق ‪ ،‬فهو ملتزم التزاما (‬ ‫بيوريتانيا ) ولا ينوي التمرد على حدود التزامه – حتى لو خطر له ذلك‬ ‫– على �أية �صورة ولأي �سبب‪ ،‬لذلك فكل ممار�ساته العملية ‪� ..‬أو �إبداعاته‬ ‫الفنية تكون أ�و تكاد تكون متوقعة‪ ،‬في العادة‪ ،‬وا�ضحة وجليه لديهم‬ ‫كخرائط م�صلحة الم�ساحة لا تثير كثيرا من ال�شك �أو الده�شة‪.‬‬ ‫ردود فعلهم تكون بال�ضبط كرد فعل أ�مه الطيبة المنهمكة في توزيع‬ ‫وجبة الع�شاء على دواجنها عندما – في فرح وده�شة – يلفت نظرها لكل‬ ‫هذا الجمال الذي يغمر أ�فق ال�سماء الغربي‪ ،‬فوق �سطح بيتهم فتم�صم�ص‬ ‫�شفتيها في إ�بت�سامة منهكة مجاملة له ‪ ،‬وهي تقول دون أ�ن تنظر إ�لى حيث‬ ‫ي�شير في انفعال‪:‬‬ ‫‪� -‬سبحانه يا ابني‪ ..‬قادر على كل �شيء‪..‬‬ ‫ثم تعاود الانهماك في نثر الحبوب �أو عجن الردة في ال�سمك الم�سلوق‪:‬‬ ‫‪8‬‬

‫كان هذا ما ينتابه في الحقيقة من م�شاعر وما يملأ قلبه من رعب‬ ‫وخوف ‪ ..‬و�أنا �أعرف كثيرين لهم ملامحه ‪ ..‬عا�شوا حياة مثل حياته‬ ‫وعانوا من ظروف م�شابهة ‪ ..‬لكنهم لا يتعذبون عذابه‪ ..‬و�إذا ما فكروا‬ ‫في تق ّي ؤ� �سنوات عمرهم على الورق‪ ..‬يلج أ�ون للكثير من المبالغة بحجة أ�و‬ ‫ب�أخرى‪� ..‬أو لغر�ض �أو آ�خر ‪ ..‬وفي الكتابة ي�صبح (الغر�ض مر�ض) �أي�ض ًا‬ ‫‪ ..‬لكنهم لا يترددون ‪ ،‬فلهم من طوالع ال�سعد ما يكفي ليجعل المطابع على‬ ‫اختلاف �أ�ساليب إ�دارتها ( عامة �أو خا�صة) وبمختلف أ��شكال ملكيتها ‪..‬‬ ‫تنتظر ما يكتبونه في لهفة متعمد ًة ‪ ..‬لتن�شره على الر�صفان كتبا ومراجع‪..‬‬ ‫ولتمتلئ ا ألعمدة الفارغة على �صفحات كل ال�صحف وعلى اختلاف‬ ‫م�شارب ومذاهب كتابها و�أغرا�ضهم ‪ ..‬بمظاهرات الترحيب الفج بها ‪..‬‬ ‫وا إل�شادة بقيمتها ‪ ..‬و أ�عرف غيرهم لا يكفون ولا يملون من إ�ثارة �أكبر‬ ‫�ضجة ممكنة يملأون بها الدنيا �صخبا �أمام الميكروفونات وعلى ال�شا�شات‪..‬‬ ‫ووراء المن�صات للترويج لما تبولوه على الورق ‪ ..‬ويجدون الجر أ�ة للقتال‬ ‫من �أجل الح�صول على الجوائز التي ر�صدها الأعداء ل�شرائهم‪.‬‬ ‫وقد حيرّ ته هذه الظاهرة و أ�عتقد �أنها هي التي جعلته ي�شك في قيمة‬ ‫ما يكتب بل وقرر أ�كثر من مرة الكف عن ارتكاب جريمة الكتابة‪ ،‬و أ�ن‬ ‫يبحث لنف�سه عن عمل �أكثر ملاءمة لقدراته الحقيقية ومهاراته ‪ ..‬فهو‬ ‫ي�ستخدم �أدوات النجارة بحرفنة متو�سطة‪ ..‬وعنده فكرة لا ب أ��س بها عن‬ ‫طرق زراعة الب�صل البعلي والتين ال�شوكي ‪ ..‬والبر�سيم الحجازي ‪ ..‬كما‬ ‫كانت له محاولات في �شبابه لدق الو�شم في الموالد‪ ..‬وكثيرا ما قام ب أ�عمال‬ ‫ال�سباكة ال�صحية في بيته وفي بيوت أ��صدقائه‪� ..‬أحيانا على �سبيل التفكه‬ ‫ولكنها كانت ناجحة بما يكفي للحديث عنها بفخر‪ ..‬وكلها مهن �شريفة‬ ‫‪11‬‬

‫على ا ألوراق من جديد ‪ ،‬للمرة الأخيرة – حروفا وكلمات ‪ ..‬وليكن‬ ‫ما يكون ‪ .‬لم يعد الوقت متاحا ل إلنتظار أ�كثر من ذلك ‪� ..‬إن �أراد تحرير‬ ‫روحه مما يثقلها ‪ ..‬ما دام قرر أ�لا يتحمل وزر جريمة أ�خرى‪ ..‬لن يبحث‬ ‫عن منهج فني بعينه ‪ ،‬فهو لي�س روائي ًا محترف ًا‪� ..‬سيكتب كل ما يعن له‬ ‫ويذكره بالطريقة التي يتذكره بها وعلى ال�صورة التي يتخلق عليها دون‬ ‫تعمد‪ ..‬لن يكتب إ�لا عما يعرفه جيدا وخبره لم�س اليد ور ؤ�يا العين وح�س‬ ‫القلب ‪ .‬بكل ال�صدق والحرية الكافيينْ لجعل الحروف والكلمات وال�صور‬ ‫تتج�سد في تلقايئة ‪ .‬ولا تكون إ�لا هي ‪ ،‬لا زائدة ولا ناق�صة عما كانت‬ ‫عليه الأحداث والنا�س‪..‬‬ ‫�صادقة طاهرة كقطرات الطل التي يخلقها جدل الليل والنهار على‬ ‫ورق ا أل�شجار ‪ ..‬ولن ي�سمح �أن يربت ا أل�صدقاء على كتفه في ت�شجيع‬ ‫كاذب فلن ي�ستطيع �أن يغ�ضب منهم �أكثر من ذلك ‪ ..‬و�سيرف�ض ب�شدة �أن‬ ‫يتجاهله �أعدا ؤ�ه �أو يمزقون �صورته �شامتين‪ ،‬فلن يجد وقنا كي يحتقرهم –‬ ‫بعدم الاهتمام لهم – أ�قل مما فعل حتى ا آلن‪..‬‬ ‫كل ما �سي�سعى �إليه ا آلن هو أ�ن ي�ضع حدا لهذا القلق القاتل‪ ..‬وهذا‬ ‫الرعب الهائل الذي يزلزله كلما فكر في كل ما جرى منه وما جرى له‪..‬‬ ‫وما جرى عليه ‪ ..‬فلي�س هناك �سبيل آ�خر للخروج من نفق الالتزام القا�سي‬ ‫الذي تخبط في قيوده طوال هذه ال�سنين ‪ ،‬ولا للتخل�ص من براثن العذاب‬ ‫الفادح الذي تح ّمل جراج أ�ظافره منذ ال�صبا المبكر ‪� ..‬سوى ا إلنتحار ‪..‬‬ ‫أ�والكتابة دون أ�ن يق�صد بذلك �أي مبالغة أ�دبية �أو تركيبة ميلودرامية لإثارة‬ ‫�أهتمام القارئ ‪ ..‬فهو ممن ينتمون لتيار الواقعية و�أن وقف على �ضفافها‬ ‫محتميا بالم�شاعر الإن�سانية في �صورها البدائية الف ّجة‪ ..‬ال�ساحرة البكر‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫والرعب العادي والحزن النبيل ‪ ،‬الذي يعانيه ‪ ،‬مت�أكد تماما ‪� ،‬أ ّن يوما �سوف‬ ‫ي�أتي يتب ّجج فيه كثير من ه ؤ�لاء و أ�ولئك ‪ ،‬على الم أل – و( أ�نا ) على ر أ��سهم‪-‬‬ ‫�صديقه ورفيق عمره وتو�أم روحه اللدود‪ ،‬الذي كان (جبريله) و(فيرجيله)‬ ‫و( ِخ ْرض� ه) – �أننا كنا قريبين منه أ�كثر مما ظن هو بنا‪.‬‬ ‫و�أن كثيرين منا �سيندمون ب�شدة لأنهم لم يب�صروه جيدا ‪ ..‬وبع�ضنا‬ ‫�سوف يعتذر – لأن �صداقتهم له كانت �أكثر نذالة مما يجب و آ�خرون – ألن‬ ‫عداوتهم كانت �أقل �شرفا مما هو �ضروري ‪ ..‬لذلك ‪� ،‬أتوقع منه ا آلن أ�ن‬ ‫يعلنها وا�ضحة �صارخة على أ�ول نا�صية �أو ميدان مزدحم يقابله‪ ،‬غير مبال‬ ‫بنظرات الرعب أ�و ا إل�شفاق الي �ستحيط به وتترب�ص بدمائه على الورق‬ ‫قائلا‪:‬‬ ‫‪-‬ليفهم الجميع ‪ ..‬و أ�نت بالذات يا �صديقي التو أ�م – ا آلن �أموت‪،‬‬ ‫لأتحول على الورق �إلى حروف و�صور تبدو خيالية أ�و غير حقيقية كما‬ ‫�ألفتها ‪ ..‬لكن �أنا را�ض تماما عن نف�سي بقدر ما �أنا را�ض عنها وعنك ‪..‬‬ ‫وممتن لكل ما مر بي ب�إرادتي أ�و ب�إيحاء منك – ر�ضا �أو غ�صبا – من �أحداث‬ ‫وب�شر ‪ ..‬ورا�ض تماما عن تقريري هذا الذي �أتمنى �أن يكون كما �أريده‪،‬‬ ‫على درحة مفزعة من ال�صدق وال�صراحة ‪ ..‬بالقدر الذي يليق برحل يواجه‬ ‫الموت الحقيقي ( الرباني) ألول مرة‪ ،‬بحق – بعد حياة أ�رادها أ�و أ�جبر‬ ‫عليها – واجه فيها الموت أ�لف مرة‪ ..‬واختار كل ما يحبه فيها وكل ما‬ ‫كرهه‪ ،‬بمح�ض �إرادته الحرة و أ�رادتك المتع�سفة ‪ ..‬لكنه أ�رادها للنهاية كما‬ ‫هي بالرغم من حد �سيفك الم�شهر على رقبته ‪ ،‬يحر�ض عليه الأ�صدقاء‬ ‫وا ألعداء على حد �سواء‪..‬‬ ‫‪13‬‬

‫يمكن �أن ت�ضمن له رغيفا حلالا‪ ..‬وكافيا ي�ضمن ال�ستر بعيدا عن وجع‬ ‫الدماغ‪...‬‬ ‫إ�لى أ�ن و�صلت حيرته في تف�سير تردده في اتخاذ هذا القرار ذات مرة‬ ‫إ�لى قناعة عميقة أ�نه يمار�س الكتابة عمدا‪ ..‬إ�معان ًا في التمتع المري�ض ب�شعور‬ ‫الا�ضطهاد والقهر‪..‬‬ ‫وقد حيره �أكثر من عجزه الم�ستمر عن تنفيذ قراره بالكف عن‬ ‫الكتابة ‪ ،‬اكت�شافه �أن متعته في ممار�سة ال�شعور با إل�ضطهاد لن ت�ساوي على‬ ‫الاطلاق عذابه الممتع اللذيذ تحت وط�أة الرعب من الوحدة الذي يحا�صره‬ ‫كلما بد�أ في الكتابة‪ ..‬ولا ذلك ا لحزن النبيل الذي يجتاحه كلما فكر في‬ ‫الطريقة التي ي�ستقبل بها �أ�صدقا�ؤه و�أعدا ؤ�ه كتاباة – التي لا يمكن ح�صرها‬ ‫أ�و ح�صارها ‪ ..‬وانهماك الجميع في الا�ستعداد لحب�سها في جدران م�صلحة‬ ‫الم�ساحة‪� ..‬أو لنفيها على الفور إ�لى �صحراء التجاهل‪..‬‬ ‫�أر�أيتم؟ ‪ ..‬يخالجني �شعور م�ؤكد إ�زاء إ�عترافه هذا ‪� ،‬أنه م�ستعد ألن‬ ‫يمار�س في متعة بالغة ذلك ال�شعور الأليف من القلق والرعب‪ ،‬لأنه في هذه‬ ‫المرة م�صمم على تحويل عذاباته و أ�فراحه و�أحباطاته و�أحلامه المجه�ضة‬ ‫و أ�حداث حياته – ما خفي منها وما ظهر ولمرة واحدة و�أخيرة‪� ..‬إلى �شيء‬ ‫ما على الورق ‪ ..‬و أ�ن يقدمها بكل جر أ�ة للجميع أ�عداء و�أ�صدقاء‪ ..‬معلنا‬ ‫أل�صدقائه م�سبقا‪ ،‬رف�ضه النهائى لذلك التعالي ا ألبوي البغي�ض ومنذرا‬ ‫�أعداءه ب أ�نه لن يهتم لغلهم المقيت‪ ،‬ولن يحاول أ�ن يكون مو�ضع ر�ضاهم‬ ‫– كما كان دائما‪..‬‬ ‫م ؤ�كدا لنف�سه في ذات الوقت ‪ ،‬وبثقة‪ ،‬يخلقها احت�ضان الأ�صابع‬ ‫للقلم و�شوق الحروف للتخلق على الورق‪� ،‬أنه رغم كل القلق الم�شروع‬ ‫‪12‬‬

‫�أيها المراوغ يعاودك رعبك خل�سة‪ ،‬يتجمد الدم في عروقك كلما‬ ‫تذكرت كيف كان يعتريك ‪ ،‬و�أنت عائد وحدك في �ساعة مت�أخرة من عمل‬ ‫�أو اجتماع ما ‪ ،‬عبر (كاركا�س) – و�سط �صفوف ال�سيارات ال�صامتة –‬ ‫التي لا بد �أن إ�حداها مفخخة بالت أ�كيد ‪ ،‬قد تنفجر فج�أة �سواء عند مرورك‬ ‫�أو بعد عبورك‪ ..‬يكتم �أنفا�سك خوف جاف يلت�صق معه جلد حلقك ‪.‬‬ ‫وتحرق جفونك دموع أ�ثرية ‪ ..‬تدور حولك بعيونك مقيما حوائط من‬ ‫حذر غير مرئي‪ ،‬تحت جلد �أنفك الذي تحرقه رائحة دخان أ�كوام الزبالة‪..‬‬ ‫المحترقة ‪ .‬بال�ضبط كما تداعبك (ا آلن) روائح (جبل النرج�س)‪ ..‬أ�و‬ ‫كما كانت ن�سمة الع�صر �أمام (�صخرة العا�شقين) �أو في (مقهي عرو�س‬ ‫البحر) ال�صامت‪ .‬تلوك في تعب ذكريات �أ�شعارك ونغمات عود (عدلي‬ ‫فخري) وت�صفيق ا آللاف في العيد (الخم�سين للحزب ال�شيوعي) حول‬ ‫جبل ( أ�ميون ) وتمثال (فرج الله الحلو) ال�شامخ فوق القمة ‪ ،‬تغطيه حلقات‬ ‫و�أطواق الزهر حتى الر أ��س ‪� ..‬أزهار من (ال�صين ) و(مو�سكو) و(جنوب‬ ‫�أفريقيا) ‪ ..‬و(كوبا) ‪ ..‬يااااه ‪ ..‬حتى (اليمن) ‪ ..‬و(فل�سطين)‪ ..‬وكنت‬ ‫�أنت نجما �أمم ّيا بامتياز ‪.‬‬ ‫وحدك ا آلن والح�صار‪..‬‬ ‫(بلطيم) لي�ست ر أ��س (بيروت) يا ابن (ميت �سل�سيل) ‪ ،‬البحر هناك‬ ‫لا �صوت له‪ ..‬لكن له رائحة الدم المتخثر الذي لا يكاد ي�سمح ل�صوت‬ ‫(فيروز) �أن ي�صل �إليك إ�لا مجهدا ‪ ..‬و�سط �ضجيج ( لا تهزي كبو�ش التوتة)‬ ‫ي�ستحلفك بكل عزيز لديك �ألا ت�سمح لم ؤ�امرات وحيل �صديقك اللدود‬ ‫أ�ن تف�سد عليك حياتك أ�كثر مما فعلت ‪ ..‬أ�وتعطيك �صورة عن العالم ا�سو أ�‬ ‫مما هو عليه ‪..‬‬ ‫‪15‬‬

‫حا�صرته عقب �صراخة نظرات الده�شة الم�شفقة‪ ،‬وم�شاعر التعاطف‬ ‫ال�ساخر ‪ ..‬لكنها �سرعان ما اختفت وتبخرت ك�شبورة في �صباح �شتوي‬ ‫دافئ‪ ..‬وان�صرف عنه كل من �سمعه ‪ ،‬على اختلاف درجات ت أ�ثرهم‬ ‫واهتمامهم وم�ضوا كل إ�لى حال �سبيله مقتنع ًا أ�ن الحياة �أ�صبحت �أ�صعب‬ ‫و�أعقد ‪ ،‬من �أن ي�ضيع لحظة منها في الاهتمام بما قاله �أو ما �سيقوله �أو يكتبه‬ ‫هذا �أو ذاك من هراء حتى لو كان �شديد ال�صدق �إلى حد الكذب‪..‬‬ ‫اندفعوا متفرقين كلهم ‪ ،‬و�ضاعوا في الزحام الذي ي�صنعونه بد�أب‬ ‫كل يوم ‪ ..‬م�صم�صت بع�ض ال�سيدات �شفاههن متح�سرات على حاله‪،‬‬ ‫وهن يجذبن �صغارهن ال�ضاحكين عليه في حدة‪� ..‬أو و ّهن يغمزن جنوب‬ ‫�أزواجهن العاب�سين القلقين ليبتعدن بهم عنه ‪ ..‬بينما �صمت هو فج�أة‬ ‫مثلما �صرخ فج�أة ‪ ..‬وتلا�شى مثلهم في زحامهم وعاد كل �شيء إ�لى �سيرته‬ ‫الم أ�لوفه ك�أن �شيئا لم يكن‪..‬‬ ‫وحدك مرة أ�خرى – والبحر‪..‬‬ ‫بحر �آخر ‪ ..‬لكنه نف�س البحر بالت�أكيد ‪� ..‬شاطئ �آخر‪ ،‬ألر�ض �أخرى‬ ‫لي�ست نف�س ا ألر�ض التي تعرفها ‪ ..‬و إ�ن كانت مثلها تنبت الخيار والفوم‬ ‫والقثاء والبندورة والبطيخ – والقرع‪ -‬وهي أ�ي�ضا تقتل ابناءها ‪ .‬لكن تحت‬ ‫�شروط أ�خرى وبو�سائل مختلفة‪ ،‬ألنهم يتكاثرون بنف�س ال�سرعة حتى لا‬ ‫ينقر�ش �سل�سالهم اللعين ولا يكف في�ض مائهم المهين‪..‬‬ ‫محا�صر �أنت مازلت على �شاطئ المتو�سط مثلما كنت �أيام رعب‬ ‫(الفهكاني) و(الرو�شة) و(المدينة الريا�ضية) و(ابن ع�ساكر) و (باب توما)‬ ‫و (بيروت �ستار) ‪ .‬لكن الح�صار هذه المرة لي�س الح�صار نف�سه‪ ،‬ولا على‬ ‫نف�س الدرجة التى يبدو لك فيها مثل غيره‪..‬‬ ‫‪14‬‬

‫‪-‬دعني �أو�ضح عنك ما يلتب�س – في ظنك – علينا بكلامك هذا ‪..‬‬ ‫فمن الطبيعي أ�ن يدخل حلبة ال�سيا�سة من ي�شاء طمعا في ال�سلطة بعيدة المنال‬ ‫رغبة في الت�سلط والتحكم في رقاب الب�سطاء من خلق الله ‪ ،‬م�ستخدما كل‬ ‫الاقنعة ‪ ..‬وكل ا ألحلام وجميع الو�سائل‪.‬‬ ‫�أو َمن يمار�سها طمعا في عدل م�ستحيل ‪ ..‬رغبة في التحقق ا إلن�ساني‪..‬‬ ‫مدفوعا ب إ�لهام غام�ض ‪ .‬أ�ن غدا لابد أ�ن يكون أ�جمل ‪ ..‬ووهم جميل �أن‬ ‫الب�شر �سيتغيرون �إلى ا ألف�ضل ‪� ..‬أن عا�شوا بطريقة أ�ف�ضل‪..‬‬ ‫�أعرف �أنك كنت من �أولئك الرومانتكيين ‪ ..‬كثيرون كنتم –‬ ‫لكنكم ع�شتم ن�شازا يف�سد اللحن الثوري – معوقين لم�سيرة الن�ضال الذي‬ ‫لا ي�ساوم‪ ..‬ف�ضوليين تريدون معرفة كل �شيء ( وهذا �ضد (الان�ضباط)‬ ‫اللازم ‪ ..‬تثيرون �أ�سئلة أ�كثر من ال�ضروري حول كل �شيء ‪ ..‬حتى تلك‬ ‫التي لا ( إ�جابة لها ) تفتحون ا ألبواب المحظورة فتبدو ال�سوءات التي تدمر‬ ‫اليقين ‪ ..‬وتفوح رائحة العفونة التي تبعث القرف ‪ ..‬فلا تعودون كما‬ ‫ذهبتم ‪ ..‬لا تدركون حقيقة الاندحار العظيم في (يونيو) ‪ ..‬ولا تح�سون‬ ‫روعة الانهيار العظيم والهزيمة المروعة ف العام الت�سعين ‪ ..‬ولا تفهمون‬ ‫ما في ذلك ال�سقوط الهائل ألبنية (�ستالين) ال�سبعة المحيطة (لمو�سكو)‬ ‫و(الكريملين) من روعة و أ�بهة‪ ..‬ت�ؤكد نبل الحلم بالعدالة ‪ ..‬وبراءته من دم‬ ‫ال�صغار وغباء الزعماء‪!!..‬‬ ‫هل �أو�ضحت عنك بما يكفي ‪ ..‬أ�م �ست�سفهني كعادتك؟‬ ‫ا آلن‪ ..‬وحدك دون جيلك تجاوزن ال�سبعين وهي ميزة لي�س‬ ‫أل�صدقائك ف�ضل فيها ‪ ..‬بل يبدو أ�نها حدث ًت على غير رغبتهم ‪ .‬ورغم‬ ‫أ�نوفهم بعد �أن عجزوا عن النيل منك ‪ ،‬برحيلهم واحدا بعد ا آلخر وهم في‬ ‫الخم�سين �أو �أكبر قليل ًا‪ ،..‬لكنك – بدرجة ما من الغباء �أو الخوف – تظن‬ ‫‪17‬‬

‫لكنك ل�ست ( أ�خيل) يا ولد ولا ( أ�بو زيد ) ‪ ..‬ولا يمكن أ�ن تن�سى‬ ‫�أنك �سليل النجارين الذين هر�سهم قطار الزمن‪ ،‬منذ دمار (تاني�س)‬ ‫وخلفهم �ضحايا ألطماعهم ال�صغيرة و�صرعى لقلة الحيلة وغباء ال�ضعف‬ ‫المنافق اللزج الذي يخلقه ال�صبر ا ألعمى والهروب الدائم �أمام جيو�ش‬ ‫الغزاة والتجار الجائلين والتكنولوجيا الحديثة ‪ ..‬ول�ست (عنترة) يا حفيد‬ ‫الفلاحين الذين انتزعوا الأر�ض �شبرا �شبرا من براثن هذا البحر المالح‪..‬‬ ‫و�صارعوا دون جدوى كي يكون لهم ما للأ�سماك من حقوق‪.‬‬ ‫وحين ف�شلوا أ�ن يقنعوا الجباة والولاة والم�شايخ بقدرتهم على التحمل‬ ‫‪ ،‬هربوا لل�صحراء ليموتوا عط�شا في برية �سيناء وتهامة أ�و لي�صبحوا خدما في‬ ‫(ال�سعودية) أ�و رعيان غنم في (ا ألردن) ‪ ..‬أ�و جثثا في (العراق) ‪ ..‬خلفوك‬ ‫وحدك بلا ح�صان خ�شبي تخترق به �أ�سوار مدنك المحا�صرة‪ ،‬وكفورك‬ ‫ا أل�سيرة وح�صونك المدمرة‪ ..‬تائها في أ�حرا�ش نف�سك الم�ستباحة لتلحق‬ ‫بالجنازات ا ألخيرة‪ .‬التي �سلبت �أهلك قدرتهم على الحلم‪ ،‬و�أرهقت قراك‬ ‫المهزومة المنتهكة ب�شكل دوري ك�أوجه القمر ودورات الف�صول ومواعيد‬ ‫الزرع والح�صاد ‪ ..‬كلما حل (ب�ؤونة) في كل عام مهما تغير ا�سمه بتغير‬ ‫ر�سالات ال�سماء ورايات المغت�صبين‪..‬‬ ‫وك�أن كل ال�سهام كانت – من كل الجهات – موجهة �إليك ‪..‬‬ ‫وحدك – من الذين ظنوا في خطورتك المزعومة ما يدعو للترب�ص بك‪..‬‬ ‫�سواء من الذين ت�أكدوا �أنه لا لك في العير ولا في النفير – العارفين مواطن‬ ‫�ضعفك ‪� ..‬أو الخائفين عواقب �صمودك‪� ،‬أعدا ؤ�ك المنت�صرون الذين اعترفوا‬ ‫انت�صار‬ ‫أ��صدقائك الت ّواقين كل �صباح لتحقيق‬ ‫يهزيمتهم أ�مامك‪� ..‬أو من‬ ‫– من‬ ‫و�أمثالك من الحالمين ال�سذج والحمقى‬ ‫رخي�ص عليك ليقدموك‬ ‫�أن�صاف ال�شطار والموهوبين الذين لا ظهر لهم ولا بطن – قرابين لآلهة‬ ‫الكذب والحقد والكره التي يتعبد في محاريبها أ�هل ال�سيا�سة‪..‬‬ ‫‪16‬‬

‫من الذين بذلوا ما ا�ستطاعوا من جهد وعناء م�ضن ونميمة ‪ ،‬إللقائي ونفيي‬ ‫إ�لى �صحراء التجاهل ‪ ..‬فقد ذهبت جهودهم عبثا‪ ..‬فها �أنذا رغم كل هذا‬ ‫الوقت والجهد ال�ضائع‪� ..‬أتجاوز ال�سبعين رغما عن �أنوفهم ‪ ..‬وابد أ� الكتابة‬ ‫من جديد ك�أنني قمر وليد أ�و برعم يتفتح في مو�سمه‪!..‬‬ ‫**‬ ‫م�ضى في زحامهم معتدا بنف�سه غير مهتم بالعيون ال�شامته أ�و‬ ‫المنده�شة التي تحا�صره ‪ ..‬إ�بت�سم را�ضيا بقدر كاف عن نف�سه و�أخذ نف�سا‬ ‫عميقا ليخفي ُخجله ‪ ..‬نعم كان خجله يحاول �أن يخفف من غلوائه‬ ‫دافعا به إ�لى غابة الندم و�أ�شواكه‪ ..‬لكن الحزن النبيل الذي م أل قلبه ‪..‬‬ ‫حماه من الابتئا�س‪ ..‬كان في أ�عماقه مبتهجا �سعيدا ‪ ..‬لم تكن تبدو عليه‬ ‫الفرحة‪ ،‬لكنه كان يح�س بال�سعادة التي يم أل قلبه بها وعيه بتلك ال�سنوات‬ ‫الطويلة الحافلة التي عا�شها ‪ ..‬حيا ‪ ..‬لا عاجزاً ولا بليداً ‪ ..‬فله ابن وابنة‬ ‫و�أحفاد وبيت ‪ ،‬وكانت له زوجة �أحبته وكان عنده قط جميل رائع وب�ضع‬ ‫�أ�شجار زرعها بنف�سه ‪ ..‬ومازالت �أحلام ال�سفر تداعبه ‪ ..‬و�أمامه في‬ ‫�صفحة ال�سماء قمر و أ��صدقاء قليلين ‪ ..‬له محبين ومريدين كحبات المطر‪..‬‬ ‫وفي قلبه انتماء عميق‪ ،‬لقرية و�شاطئ وجدران �أقامها بنف�سه ومعه خلق‬ ‫كثيرون وقراء ومعارف‪� ،‬صنع لهم ‪� ،‬أو معهم ‪ ،‬حلما من بع�ض أ�يامه‪..‬‬ ‫ومن بع�ض دمه ‪ ،‬ومن الكثير من العرق والدموع ومن أ�يام ال�سجن‪� .‬سفنا‬ ‫و�أفقا بات�ساع المدى ‪ ..‬وبيوتا ب�سيطة لها �شمخة ق ّدحة الزيت في مغارب‬ ‫القرى المتعبة‪ .‬ويمتلك ق�صيدة و أ�غنية طويلة لا تموت‪� ..‬أفلتت ب أ�عجوبة من‬ ‫الح�صار‪ ..‬وعلى ل�سانه حكايات ل ألطفال بلا نهاية‪ ..‬لا تكف عن بعث‬ ‫وخلق الب�سمة ال�صعبة على وجوههم الجميلة المده�شة ‪ ..‬ولديه �ساحة‬ ‫ت�ضج بال�صراعات وبالدراما وبالب�شر!!‬ ‫•••‬ ‫‪19‬‬

‫أ�ن كثيرا من الإحباطات منذ ا آلن �ستهاجمك و�أن أ��سبابها الخفية الحقيقية‬ ‫مو�صولة با ألقربين �إليك منهم ‪..‬‬ ‫أ�ل�ست بذلك تظهر �شيئا من نكران الجميل؟‬ ‫‪-‬لا ل�ست ناكراً ألي جميل ‪ ..‬وهم لن يغ�ضبوا مني‪ ،‬فالموتى لا‬ ‫يغ�ضبون أ�حدا ألنهم عاجزون‪ ..‬أ�نا مت�أكد أ�ن كل من تكبد ب�سببي ذرة‬ ‫من عناء �أو قدر خردلة من عنتـ �سوف لا يغفر لي‪ ،‬و�سيقت�ص مني في‬ ‫الوقت والزمن المنا�سب – ومن يدينني منهم بمثقال ‪ ،‬لن ي�سامحني فيه ‪..‬‬ ‫و�سيطالبني به �أ�ضعافا م�ضاعفة ‪ ..‬فطمئنهم و�أ�صرخ بقوة و�أبلغهم عني‪..‬‬ ‫أ�علنها في وجوههم في ا أل�سواق ولا تبالي بنظرات الغ�ضب ولا همهمات‬ ‫ال�شماته التي �سيحا�صرونني بها ‪..‬‬ ‫‪�-‬أنا اقولها بكل ثقة‪ ..‬اطمئنوا يا غجر ‪ ..‬أ�ني لن �أهرب من دين‪ ،‬ولن‬ ‫�أتهرب من ذنب �أو جرم جنيت �أو ارتكبت ‪ .‬لقد ذهب �أكثركم والأقنعة‬ ‫على الوجوه لم تم�س ودفن بع�ضكم أ��سرار خيانته معه ‪ ..‬فاختلطت جثث‬ ‫المجرمين بال�ضحايا ‪ ..‬وامتزجت أ��شلاء الجانين با ألبرياء‪ ..‬ليبتهج من‬ ‫بقى من الجناة والكذبة على قيد الحياة حتى �صدور هذا التقرير‪ ..‬ف�أنا لن‬ ‫�أطالب من يدينون لي – حتى بحياتهم ‪ ..‬وما �أكثرهم ‪..‬‬ ‫ولن �أمن على من قدمت لهم عمري‪ ..‬بمح�ض �إرادتي زادا و�ضياء‪..‬‬ ‫وما �أغدرهم ‪ .‬ولن �أعاير من وهبتهم بع�ضا قل �أو كثر من موهبتي �أو عمري‬ ‫من �شعري أ�و من �صحتي‪ -‬فما افقرهم ‪.‬‬ ‫�أنا يا �أ�صدقاء‪ . .‬ويا من ل�ستم كذلك ‪ ..‬ممتن حتى لأولئك الذين‬ ‫�أجهدوا �أنف�سهم من عرقلتي �أو في ت�ضليلي ‪� ..‬أو في ( الو ّز) علي ‪..‬‬ ‫ولأولئك الذين اجتهدوا بثمن �أو بدون �أجر ليزرعوا الأ�شواك في‬ ‫طريقي‪ ..‬ممتن لهم بنف�س القدر الذي أ�نا به �شامت ‪� ،‬أ�سخر بكل جوارحي‬ ‫‪18‬‬

‫على بلكونة البنت (ماي�سة) ذات اليا�سمينة الطارحة ‪ ،‬واللبلابة ال�سارحة‬ ‫‪..‬وعلى زينه الخ�ضرجية التى كانت وراء نافذتها الحديدية تنتظر زوجها‬ ‫عارية لينفذ فيها حق الله ال�شرعى‪.‬‬ ‫�أنت يا من فتحت عيون البنت (نجاة) على حزن وب ؤ��س �أبيها ‪ ،‬حين‬ ‫حرم منها ومن أ�مها ليدخلوه م�ست�شفى المجانين‪ ..‬لا ل�شيء إ�لا لأنه (يمتلك‬ ‫بندقية “لي انفيلد” من بقايا الحرب العالمية الأولى) ‪ ,‬ويحب (هتلر الذي‬ ‫�سين�صر الإ�سلام ويدمر أ�مة ا إلنجليز) ‪ ..‬م ّل�ست �شعرها المبلول لأول مرة‬ ‫في حياتها ‪ .‬وب�شفايفك م�سحت دموعها حتى اتفطرت من ال�سعادة ‪..‬‬ ‫ظلمت (ر�سمية) بنت خالتك بح�سن نية ‪ ،‬حملتها �أكثر من طاقتها‬ ‫حين كنت تتعمد إ�يقاظ �شهوات (نرج�س) الغافية أ�مامها عمدا دون مراعاة‬ ‫لم�شاعر حرمانها ‪ ..‬حتى ماتت وحيدة لا أ�م ولا أ�ب ولا �إخوات مع �إنكو‬ ‫كتير ت�سدوا عين ال�شم�س ‪ .‬ولم تجد من يغلق عينيها آلخر مرة وينطقها‬ ‫ال�شهادتين ‪..‬‬ ‫�شعبطت أ�ختك الكبيرة في حبال الهوا الدايبة ‪� .‬صدقت و آ�منت‬ ‫بقوانين الجدل وال�صراع الطبقى ‪ .‬فبكت أ�مام �صليب (�سبارتاكو�س) ‪.‬‬ ‫وحلمت �أن �أح ًدا (يو ًما ما) �سيذكر ف�ضلها على الثورة العالمية من أ�ول‬ ‫(هو�شي منه ـ لجيفارا) ‪ ..‬إ�ذ كلهم انت�صروا‪ ،‬بف�ضل قرو�ش وبرايز درج‬ ‫ماكينة الخياطة الذي لم يغلق في وجه كل التنظيمات (الثورية) ‪ ،‬من (الهند)‬ ‫لغاية (دكرن�س) يدفع ثمن حبر المن�شورات الزفر و�أجرة الموا�صلات وثمن‬ ‫عجينة البالوظه ور�سوم البرقيات التي �سجنت ب�سببها ‪ ..‬مع �أنها لم تفهم‬ ‫كيف تدفن (الا�شتراكية) بلاد النوبة ‪ ..‬ولا كيف يموت (�شعبان حافظ)‬ ‫بعد كل هذا ال�سن في غربة الواحات ‪ ..‬ويموت (�شهدي) ب�ضربة �شومة‬ ‫م�صرية ‪ ،‬ولا كيف ي�صبح (رفعت ال�سعيد) بعد كل العذاب هذا محافظ بنك‬ ‫‪21‬‬

‫ولكن �أنف�سهم يظلمون ‪..‬‬ ‫‪ ‬قوم ‪ ..‬ف ّز اعترف ‪ُ ..‬حق نف�سك‬ ‫ل ألفراح ا ألولى ولأحزان ال�صبا‪ ..‬لهدهد (�سيدي‬ ‫مجاهد) وجميزة غيط ال�سباخ ومراجيح (�أحمد‬ ‫همام) ‪ ..‬لم�شنة جرجير خلت (خ�ضرة أ�م بيومي) ‪..‬‬ ‫ا�ستغفر خطاياك ا ألولى‪ -‬منديل (مديحة) بنت ( أ�م‬ ‫نمر) �أول بو�ســة تحت (خيمة اليا�ســـمين) ‪ .‬طرحة‬ ‫خ ْل ِت (مقبولة) وعينيها القديمة – يوم اتهمتها‬ ‫بالكذب لانها كانت ترتديها عندما ر�أتك ت�سرق‬ ‫الفول الحراتي ‪ ،‬ور�أت �صاحبك (فاروق) ملقح‬ ‫في الترعة مرعوب ‪ .‬و�صاحب الفول ي�صر على‬ ‫أ�ن يطاردك �أنت يا من وجدت لك عين جديدة‬ ‫‪ ..‬تغم�ضها ‪ ،‬مق�سما بكل عزيز �أنك لم تذهب �إلى‬ ‫غيط (العواي�ضة) من �سنين ‪ ..‬اعتذر عن تل�ص�صك‬ ‫‪20‬‬

‫منكم بكثير ‪ ،‬عندما أ�علن �أن المغرب �أقرب من الفجر ‪ ..‬وان ال�شيطان‬ ‫هو اللي طبخ الطبخة من يوم ما نف�ضك �ضهر �أبوك في بطن أ�مك ‪ ،‬فوقف‬ ‫يتحدى على �سطح (�سيدي مجاهد) عريان ملط كا�شفا وقاب�ضا على عورته‬ ‫ال�ضامرة ليراه الجميع ‪ -‬ن�سوان ورجال ‪ -‬على ر أ��سهم �ضابط ا ألمن الكبير‬ ‫ابن �شيخ البلد ‪ ..‬لي�شهدوا معه �أنه لي�س �شيوع ًّيا ‪ ..‬و�أنه لم يعا�شر �أخته في‬ ‫الحرام ولا في الحلال ‪ ،‬ولا عا�شر حتى زوجته ولم يظلمها ‪ ..‬لأنه لا يمتلك‬ ‫�أ�صل ًا أ�ي �إمكانية لإ�سعادها‪ ..‬و�أنه عندما هتف من قلبه (لعبد النا�صر)‬ ‫والخلق تبكي أ�ولادها الذين ُدفنوا في هجير �سيناء ‪ ،‬لم يكن يق�صد أ�ي‬ ‫احتجاج ولا (تقلي�س) فقد عا�ش عمره جنب الحيط ‪ ،‬يا دوب يدق على‬ ‫الطبلة في ال�سحور وي ؤ�ذن المغرب عند ا إلفطار ولا يقر�أ غيرهما �سورة‬ ‫(�أهل الكهف) و (عب�س وتولى)‪.‬‬ ‫قوم ‪ ..‬ف ّز ‪ ..‬ا�ستغفر الكل وا�ست�سمحهم ‪ ،‬يمكن تلحق ن�صيب في‬ ‫�أحزانهم ويعذروك ‪ ..‬وي�سامحوك في حقهم عليك ‪ ،‬وذنبك يغفروه ‪.‬‬ ‫لأنك �صدقت تخاريف (ال�شيخ الخ�شان) و أ�حلام (ابن عبد ربه) و(ف�ؤاد‬ ‫حداد) و(�أبوك �سل ّيم) ‪ ..‬اللي ده�ستها بوابير الحرت التي بعث بها (الزعيم‬ ‫الم�ؤمن) لت�ستولي على أ�ر�ض (الدومين) وتدفن (طيور ابو الخ�ضير) تحت‬ ‫عواميد �أ�سمنت كوبري (القناة الجديد) ‪ ,‬وجمرك (بور�سعيد الحرة !!) ‪،‬‬ ‫محبة لليهود تنفي ًذا لاتفاقية الكامب ‪ ..‬ويقيم على �أحدث طرق الديمقراطية‪،‬‬ ‫التلات منابر العجيبة اللي ح تنقذ (م�صر) من م�صير العالم التالت ‪ ،‬مرهونة‬ ‫ب�شيكات �صندوق النقد الدولي‪ ..‬اللي م ِّك ِن ُته فى لحظة �صفا �أن ي�ستجيب‬ ‫لطلب خدمه من الكتاب المخبرين أ�ن ي�ضاعف منح تفرغ ا ألدباء والفنانين‬ ‫ويعفيهم من �ضرايب الكتب من �أجل بناء م�صر الع�صرية!‬ ‫•••‬ ‫‪23‬‬

‫التمويل ا ألممي ‪ ،‬ومدير عام إ�دارة عموم ت�صفية الي�سار كما (ادعيت عليه‬ ‫أ�نت عيني عينك) ‪ ..‬فت�ضطر �أن تعلن ا�ست�سلامها وي�أ�سها من رجوعك ‪.‬‬ ‫إ��ست�سمحها و ِح ّب على �إيديها ‪ ،‬يمكن تغفر لك �آهات م�شاوير‬ ‫ال�سكك الكعابي في عز نقرة ال�شم�س �إلى طلمبات ال�سرو وعزبة �أكالة‬ ‫العي�ش‪ ..‬و�صداع المناق�شات اللي م�ش جايبة فى المندرة التى تحملت كل‬ ‫ماعن لمزاج والدك المتقلب من تغيرات وا�ضطرت �أن ت�شارك فى الخناقات‬ ‫الخايبة ‪ ..‬حول من �سوف يدفع ثمن العمر الم�سروق ‪ ..‬وعي�ش الغربة‬ ‫المحروق ‪ ،‬وم�صاريف عيال عقلهم زى حلقهم مفتوح و أ�حلامهم بو�سع‬ ‫الوطن ‪..‬‬ ‫�أعترف وقل مثلما قالت �أمك ‪( ..‬خايب بلاده خايب بلاد النا�س)‬ ‫‪ ..‬و اللي �سرق عيني عينك من تحت لتحت ‪� ..‬أكيد ي�سمح لنف�سه يخطف‬ ‫الكحل من عيون ا أليتام ‪ .‬عيني عينك �أي ً�ضا ‪ -‬لكن من فوق لفوق ‪ ..‬بعد‬ ‫ما انكتبت أ��سامينا في ك�شوف العملاء ‪ ،‬واتف َّرق د ِّمنا بين (البنتاجون)‬ ‫و(الكريملين) ونفينا (ميت �سل�سيل) من التاريخ ‪ ،‬وبعنا (بولاق) و(دقهلة)‬ ‫لح�ساب بور�صة (مجموعة روما) وتجار ورق الد�شت ا ألممي !!‬ ‫ف�سر لهم لماذا م�ضت بك وبهم الحياة فى ا�صرار مح�سوب فى م�سارها‬ ‫المحتم واللى كان مكتوب ومقدر حتمي معه أ�ن يتحول (كفاح ال�شعب‬ ‫الم�صري) والطبقة العاملة ‪ -‬ا�سم الله عليك وعليها ‪ -‬لمطبعة م�سروقة ‪،‬‬ ‫وحزب معفن وفيللا في اله�ضبة الو�سطي ‪ ،‬وق�صر ف (مارينا) وعزب‬ ‫ومزارع حديثة في الأر�ض البكر على امتداد الخط الثوري من (�سينا)‬ ‫(لوادي النطرون) ت�شرب آ�خر نقطة في عرق أ�بوك (�سل ّيم) ‪ ،‬و�آخر �ضي‬ ‫في نن عيونه ‪ ..‬من �أجل أ�ن يرحمه زمانه فلا يرى ابناء الزعماء يعملون‬ ‫لح�ساب ال�شركات المتعدية الجن�سية ويقب�ضون بالعملة ال�صعبة ولا يقر أ�‬ ‫الكتب الكدابة ‪ ،‬التي ت�ؤكد أ�ن ال�شيخ (�أبو �صبح) الأعمى كان �أ�شطر‬ ‫‪22‬‬

‫وكن َت (�أنت) ف أ� ًرا بر ًّيا يت�سلل عبر ال�سطوح إ�لى ا ألحوا�ش والمناور‬ ‫وا ألفران وقاعات الخزين و�أركان حموم الن�ساء ال�سرية يتل�ص�ص ويداعب‬ ‫وي�سرق ويعانق ويغازل ‪.‬‬ ‫لم تحمل ه ًّما ‪ ،‬فهناك دائما من كان يتولى عنك حل كل م�شاكلك‬ ‫وي�ضمن لك كل مطالبك ‪ ،‬مع �أنك لم تكن تجر�ؤ على الحديث مع ابيك ‪،‬‬ ‫أ�و الجلو�س على حجره مثلما يفعل كل ا ألطفال ‪ .‬لم تعرف جو ًعا �أو حاجة‬ ‫فالقر�ش يجري بين يديك من يديه ‪ ،‬حتى عندما يجف نهر المقاولات‬ ‫وتفتر ح َّمى ال�صراعات ‪ .‬لم تقهرك حاجة ‪ ،‬فبيوت العائلة الكثيرة والكبيرة‬ ‫مفتوحة لك و�إن �ص َّكت وجهك بع�ض �أبوابها ‪ ..‬وغ َّلقت دونك بع�ض‬ ‫قلوبها ح�س ًدا �أو قر ًفا ‪ .‬لكن الطين لم يلوث كفيك إ�لا حين كنت تك ِّوره‬ ‫لتحفظ داخله ديدان ا ألر�ض عندما تخرج ل َّلهو ب�صيد ال�سمك من‬ ‫(الم�سرف) �أو عند (الهدار) ‪ .‬الذي يقوم على �آخر زمام أ�ر�ضكم التي لا‬ ‫تعرف ولم تهتم �أن تعرف يو ًما حدودها ‪ -‬إ�لا بعد �أن ت�سرب معظمها بفعل‬ ‫الزمن والديون والتنا�سل الذي لا يتحكم فيه �شيء ‪ -‬ف أ�نت م�شغول طول‬ ‫الوقت بما ي�شتعل داخلك من لهب (الجمر) الخفي للتمرد الذي يجعلك‬ ‫كطير بري ج َّواب فوق �سطوح القرية وفي دهاليز الحواري وال�سراديب‬ ‫الخفية ‪ ..‬لتمار�س كل ما لا يخطر على بال من في �سنك من حماقات‬ ‫ونزوات‪.‬‬ ‫في عز الظهر وبعد الخروج من ماء البحر ال�صغير إ�لى ظل �صف�صاف‬ ‫(المغذي) تجمع ا ألج�ساد العارية حولك و أ�نت تمار�س بالطين الناعم اللزج‬ ‫العادة ال�سرية ‪ ,‬جها ًرا نها ًرا فتدفع ال�صبيان المبهورين ‪ ,‬بممار�ستك لجر�أتك‬ ‫علانية ‪ ,‬لمحاولة تقليدك‪ .‬ولكن هيهات وهم لا يملكون مثل هذا (الفرع)‬ ‫الداكن الذي لا ينا�سب لونه بيا�ض ب�شرتك وك�أنه ع�ضو م�ضاف لج�سدك‬ ‫‪25‬‬

‫مرج البحرين ‪..‬‬ ‫‪ ‬ليتني أ��ستطيع �أن �أخمن يا �صاحبي متى‬ ‫التقينا بال�ضبط ‪ ،‬ولو أ�نني �أعتقد �أن ذلك لا يهم أ�ح ًدا‬ ‫�سوانا ‪ ،‬فنحن فى الحقيقة �أ�صدقاء منذ ما قبل الولادة‬ ‫و�أ�صحاب عبر �أيام الطفولة وال�صبا الخ�ضراء في تلك‬ ‫القرية التي تمتد بين البحر القديم وج�سر قطار وجه‬ ‫بحرى (الفرن�ساوى) كالكذبة الجميلة ‪ ..‬ورفاق‬ ‫خلال �أيام ال�شباب والكهولة وحيث كان الحلم‬ ‫ُيخفف عنا عذابات الزنازين فى كل هذه المدن‬ ‫الظالمة المحترقة التي عبرنا �أمجادها المد َّمرة وهزائمها‬ ‫النبيلة ‪ -‬ظل ًّا و�صاحبه‪.‬‬ ‫كن ُت ( أ�نا) �أيام الطفولة وال�صبا فرا�شة تجوب‬ ‫الحقول ‪ ..‬ترتع حرة بين ج�سور الفول الحراتي‬ ‫و أ��سوار التين ال�شوكي و�شوالي الحليب في خزانات‬ ‫الطين القديمة التي لا أ�قفال لها ‪..‬‬ ‫‪24‬‬

‫(فرج) وتحول الجن في حجرهما من أ�رانب ألحذية قديمة ‪..‬‬ ‫وحكاياتك �أنت مع المارد الذي لقيته مع (ح�سن العربي) أ�مام بيت‬ ‫(ال�شهايبة) جح�ًشا م�سالمًا �أحقر من جح�شة (ظاظا) يدعوك للركوب‬ ‫بل�سان ف�صيح ‪ ..‬وبينما ف َّر (ح�سن) ركبت أ�نت ‪ .‬وحين فاج�أك الجح�ش‬ ‫بالارتفاع أ�على من نخلة (يا�سين) ‪ ،‬أ�نقذتك ن�صاحتك ومعرفتك اللا‬ ‫محدودة ب�أمور العفاريت ‪ ،‬التي تدفعك للاحتفاظ بالم�سلة جاهزة دائ ًما في‬ ‫جيبك ‪ ،‬تخرجها ب�سرعة البرق وتنخ�سه بقوة ‪( ..‬فن َّخ وفقد ارتفاعه و�سار‬ ‫بك طائ ًعا ك�أي جح�ش �أليف تدور به في حواري القرية !)‬ ‫(تب�صر من �ش َّراعات نوافذها وفتحات مقاعدها ‪ ،‬خلفيات الرجال‬ ‫العارية وهي منكفئة على �أج�ساد الن�سوة العلوق وهن يت�أوهن ويت�أودن)‪.‬‬ ‫لكل امر�أة طعم نح�سه ‪ ،‬و�صوت ن�سمع هم�سه ‪ ،‬لكل واحدة نغمة‬ ‫تختلف عن ا ألخرى (وجيدة) غير (بهية) و(زينب) الم َ�س ْلوعة غير (زكية)‬ ‫ذات الج�سم ال�ضخم التي يبلغ حجم فردة ثديها حجم طفل �صغير �سمين‬ ‫‪ ،‬والتي (ت أ�خذ زوجها النحيل كال�سحلية بين فخديها الهائلين لينزلق فوق‬ ‫بطنها القبة متقاف ًزا في هو�س فوق ت�ضاري�سها كالبرغوت اللا�سع )‪ ،‬لكنه‬ ‫قادر دائ ًما �أن يحكمها وي�شكمها ‪ .‬فت�صدر �آهاتها الم�سر�سعة الملتوية التي‬ ‫ي�ضحكنا من القلب تقليدك لها ‪ ..‬وكلهن غير(ام بهلول) التي تبوح ب�أغنية‬ ‫خا�صة لكل رجل يركبها ‪ .‬فهي (ترتل) كال�شيخة ( آ�منة) عندما تكون في‬ ‫ح�ضن زوجها الكهل ‪ ..‬و(تلعلع) مثل بنت (دعب�س) في ا ألفراح و( تئن)‬ ‫تحت وط�أة عنفوان الواد (بكير) العربجي �صديق ابنها ‪ ..‬و(تنفخ) محمومة‬ ‫مثل ناقة (ال�صح�صاح) في أ�نفا�س طويلة ملتذة مع الرجل ال�ساهي ؛ جارها‬ ‫المدر�س الذي من ع�شر �سنوات ي ؤ�جل زواجه من بنت ال�شيخ (ابو حامد)‬ ‫‪27‬‬

‫النحيل ‪ .‬منتزع من جثة رجل لها �صورة �أخرى ‪ ..‬ليعقد لك الزعامة‬ ‫عليهم ويجعلهم يخ�ضعون ل�سلطانك وي�ستمعون �شغوفين لحكاياتك عن‬ ‫البنات والن�ساء والحيوانات ودور النوم مع الحمير في زيادة حجم �آلتك ‪..‬‬ ‫عن بنت (غانم) التي تتلوى وتتمرغ عارية تحت �أقدامك في ع�شة فراخ‬ ‫أ�مها ال�شلق ‪ ,‬التي تجل�س على را�س الحارة تخانق طوب ا ألر�ض وتبيع بقايا‬ ‫خيرات الحقول ‪ ..‬بينما ابنتها تمار�س الجن�س معك في خزانة الحبوب ‪..‬‬ ‫وعن زوجة ابن جاركم ال�صبية التي تحت�ضنك لاهثة فيما بين البرميل والزير‬ ‫في الركن متح�صنة من اللوم بحنان أ�مومي كاذب لا يخفي زيفه القمي�ص‬ ‫ال�شفاف المبلول ‪ ,‬لتعو�ض بحرارتك برودة ليال طويلة من الحرمان‬ ‫ال�شرعي !‬ ‫وعن ذلك الأ�سطى الفت َّوة ذي ال�شارب المبروم وال�صوت العالي ‪،‬‬ ‫الذي يتحكم في ميدان المحطة وال�سوق كله ‪ ,‬بكلمة لا ترد وهو ملقى‬ ‫تحتك فوق كوم التبن القذر يت أ�وه ككلبة لائدة ‪.‬‬ ‫الكل يتبعونك فج أ�ة عندما ترتدي ملاب�سك وتعود جريًا إ�لى القرية‬ ‫‪ ،‬ك�أنما �ضربتك نزوة مفاجئة ليتابعوا في �شغف يدك ال�ساحرة وهي تر�سم‬ ‫على الأوراق بالقلم ‪ ،‬وبا أللوان الطبا�شير على الحيطان القليلة المب َّي�ضة‬ ‫بالجير ‪� ،‬أ�شكال ًا تكاد تكون حقيقية لحمير وبط وب�شر‪� ..‬أو ت�شكل من طين‬ ‫ال�صل�صال �أ�شكال ًا على هيئة الطير والحيوانات‪ ,‬تطلقها فتكاد تم�شي �أو‬ ‫تخور مرددة ا�سمك أ�و كلماتك الملحنة الملحونة ‪ ..‬التي تعطيها أ�نغا ًما من‬ ‫فمك نرددها خلفك م�سحورين ‪.‬‬ ‫وعند (خرنف�شة) عيو�شة في الليل ت�ستح�ضرجنياتك وعفاريتك تبعث‬ ‫في قلوبنا ال�ساذجة الرعب الذي ي�ضخمه في ليالي ال�شتاء رعد ال�سماء‬ ‫وخيالات ظلمة الأر�ض ‪ .‬و�أنت تحا�صرنا بحكايات (فريحة) وزوجها‬ ‫‪26‬‬

‫كذباب �ضخم ‪ .‬ن�سقطها بالجريد والغاب ونظل نطاردها حتى يحول بيننا‬ ‫وبينها الظلام الحالك ‪ .‬وتحر�ضنا في أ�وقات الفراغ على �صيد الدبابير �أو‬ ‫الرعا�شات تثقب بطونها وتدخل خيو ًطا طويلة فيها ‪ ..‬لتطير وهي مربوطة‬ ‫أليدينا فنغزوا بها حواري القرية �صائحين ب أ��صواتها لنفزع أ�طفال ك َّتاب‬ ‫ال�شيخ (محمد الأزرق) ‪ ..‬الذي يطاردنا ويمد الولد الذي يطوله منا في‬ ‫الفلكة ‪ ،‬فنعود ونحاول تحريره بالطوب ‪ ..‬ويغ�ضب أ�بي دائ ًما عندما ت�صله‬ ‫(ال�شكاوى) وك أ�ننى وحدى الذى يفعل كل ذلك يكون غ�ضبه أ�كبر ألنه‬ ‫يراني �أتبعك كالمريد و�أجري وراءك كالم�سحور فيثور ‪ ,‬وت َورم الخرزانة‬ ‫م ؤ�خرتي ولا �أتوب !‬ ‫ف�أنت ‪ ..‬كنت ال�ساحر المده�ش الخلاق ‪ ..‬و�أنا في جلبابك تحت‬ ‫جلدك أ�حاول اللحاق بك مثقل ًا بمواعظ خالي (ال�سعيد) مرعو ًبا من‬ ‫قر�صاته ألذني ‪ ..‬محمل ًا بن�صائح أ�مي بنت (يو�سف) أ�رزح تحت أ�كوام كتب‬ ‫بليدة وم�سائل ح�ساب معقدة وكلمات أ�جنبية �سخيفة ‪ .‬بينما أ�نت الذي‬ ‫تخففت منها ‪ ،‬تخفف عني ‪ ..‬وتدفعني لتجاهلها أ�و تحديها والانت�صار‬ ‫عليها ‪.‬‬ ‫ت�صعد بي نخل (ال�شهايبة) لآكل من ع�سل بلحه النادر ‪ ،‬تعبر بي‬ ‫البحر ال�صغير في ن َف�س واحد ‪ ..‬فوق الماء وتحت الماء لنترب�ص بطيور (ابو‬ ‫الخ�ضير) التي تحفر بيوتها في �سباخ التلول المالح ‪ ..‬نطارد الغربان التي تبني‬ ‫�أع�شا�شها فوق كافورة (ال�شيخ علي) العملاقة ونواجه زعيقها بنعيق أ��شد‬ ‫و�أقوى ‪ ،‬فتفر من أ�مامنا كالغربان ‪.‬‬ ‫و أ�نت الذي علمتني تلك العادة ال�سحرية المفعمة باللذة الغام�ضة‬ ‫حتى قبل أ�ن �أفلح في التع ّرف على ذلك ال�سائل المده�ش‪ ،‬الذي لم يكن‬ ‫‪29‬‬

‫البكرية هر ًبا من �سطوة أ�مها ال�شعنونة التى تتلذذ بعقابه على نجاحه في‬ ‫امتلاك قلب بنتها الحلوة التي تع�شقه لإتقانه غناء أ�غنية (�صالح عبد الحي)‬ ‫(ليه يا بنف�سج) ب�صوت �ساحر مغر ومثير ‪.‬‬ ‫كل حكايات الن�ساء عندك ملونة ملحنة حية ‪ .‬تجعلنا نعي�ش حالة‬ ‫�شجن وانبهار تجعلنا ‪ .‬نح�س نعومة ملم�س الح�صر والبطاطين‪ ,‬وخ�شونة‬ ‫الق�ش المهرو�س تحت وط أ�ة ا ألج�ساد المحمومة ‪ ..‬ون�شم رائحة العرق‬ ‫بل ورائحة المن ّي ونحن نخو�ض الليل الدام�س عند خرنف�شة (عيو�شة)‬ ‫أ�و نخلة (يا�سين) أ�و نعبر خلفك في تح ٍّد مقبرة (علي ابو ح�سن) ‪ ..‬أ�و‬ ‫نتلا�صق في فتحات مقابر ( أ�بو خ�شبة) الخالية �إلا من بقايا عظام الجدود‬ ‫المتح ِّللين لتراب ناعم ‪ ،‬نكب�شه في انفعال ونر�ش به بع�ضنا البع�ض‪ ،‬حين‬ ‫تحتدم الحكايا وتحركنا نعومة ا أللحفة الحريرية على �سراير العرائ�س‪� ..‬أو‬ ‫تخم�شنا خ�شونة العباءات على ا ألفران وتل�سعنا �سخونة الانفعال وليونة‬ ‫الانحناءات وح َّدة ا آلهات ‪ .‬و�أنت تلقي حولنا بعفاريتك ال�صغيرة ‪ .‬تحيط‬ ‫بنا هم�ساتها ال�شيطانية فتتج�سد لنا ولا يراها إ�لا أ�نت ‪ .‬ون�سمعها ولا‬ ‫يفهمها إ�لا أ�نت ‪ ..‬فتملكنا �أ�سرى الرغبة في ا�ستمرار حديثك �إلى الأبد‬ ‫‪ ..‬نتر َّجاك لو �سك َّت ‪ ،‬نحايلك لو �صم َّت ‪ ..‬ونتر�ضاك لو غ�ضبت ‪..‬‬ ‫ن�سلم زمامنا لك ‪ ..‬م�سلوبي الإرادة ‪ ..‬فتقودنا لغزو (توتة عبد الجليل)‬ ‫‪ ..‬تعلمنا �صيد الأ�سماك الكبيرة التي لا ت�أبه ب�صنانيرنا الهايفة ‪� .‬أو ت�سوقنا‬ ‫ل�سرقة �صندوق نذور (�سيدي مجاهد) أ�و( �سيدى االبهلول ) ول إلغارة على‬ ‫ب�ستان (على ابو ح�سن) المليء كالجنة بما لذ وطاب من فاكهة و�أعناب‬ ‫‪ ..‬تدربنا عند قدوم الم�ساء على حرب الوطاويط التي تنطلق مع �ضجة‬ ‫الم�ساء من مراب�ضها في �سكون النهار ‪ ،‬تم أل �سماء القرية طائرة بين البيوت‬ ‫‪28‬‬

‫النجاة من الأ�سر ‪ ..‬يغط�سون في عيون ماء لها روائح ت�سكر الع�شاق ‪..‬‬ ‫يعبرون في ُي�سرْ مياه ا ألنهار ‪ ،‬ويط�أون النار غير عابئين بلهب الجمرات‬ ‫ولا رمال ا أل�شواك ‪ ..‬تحيط بهم نغمات مو�سيقى إ�لاهية �سحرية تعزفها‬ ‫�آلات خفية تملأ بروعتها الم�سافة بين ظلام القاعات الفقيرة الوهمي ونور‬ ‫ال�شا�شات الملون ‪.‬‬ ‫حتى أ��صل معك ومعهم ‪ ,‬حين انتقلنا �إلى (المن�صورة) ‪ .‬إ�لى ذلك‬ ‫الك�شك العجيب ال�ساحر المزدحم بالكتب القديمة في �شارع (�سيدي عبد‬ ‫القادر) ‪ .‬ت�سكرني رائحة ا ألوراق حيث يبهرك أ�ن الكتاب تمتلكه بخم�سة‬ ‫مليمات ليحملك عبر بوابات الخيال إ�لى مدن لا تنام ول�صو�ص لا يموتون‬ ‫‪ ..‬ولا ت�صد إ�راداتهم �أبواب أ�و جدران ‪ ،‬ب�صحبة فر�سان لا يكفون عن‬ ‫إ�نقاذ الن�ساء وممار�سة الحب والغرام فوق ال�شرفات أ�و تحت ظلال ا أل�شجار‪،‬‬ ‫وحيث فى كرم يدعونك لم�شاركتهم تعرية الن�ساء في أ��س َّرتهن ال�شرعية التي‬ ‫يمتلكها أ�زواج كريهين مت�سلطين بلهاء ذوو كرو�ش وعرو�ش ‪ ،‬ولهم نفوذ‬ ‫و�سلطات غا�شمة تقهر النا�س وتعجز عن قهر القلوب‪..‬‬ ‫ب�شر لا يكفون عن ممار�سة الحب وهم يقاتلون ‪ ..‬وقرا�صنة �أفذاذ لهم‬ ‫هالات مقد�سة ‪ ،‬يدمرون الممالك الفا�سدة ويغرقون �سفن الملوك والحكام‬ ‫الج�شعين الذين في قتلهم بلا رحمة خلا�ص العبيد والم�ساكين والفقراء‬ ‫و�سعادة الع�شاق الذين �شاركتهم الرق�ص والقتال والغناء ‪.‬‬ ‫فن�ستطيع بف�ضلهم أ�ن نكتب أ�غنيات ذات �إيقاع ونغم يبعث على‬ ‫الحزن والألم اكثر مما ي�شي بال�سرور ‪ ..‬تدفعنا م ًعا �إلى ع�شق البنت (عزيزة)‬ ‫بنت (عبا�س) ‪ ..‬التي ربطتنا كثورين م�سالمين �إلى عربتها ننقل لها الطمي‬ ‫للتتريب تحت البهائم في الزريبة ‪ ..‬كي ت�صنع من عجينته المخلوطة ببول‬ ‫‪31‬‬

‫قد تك َّون بعد ‪ ،‬لي�ضعني على أ�عتاب ال�شباب ‪ .‬والذي يوم تدفق فج�أة و�أنا‬ ‫أ�حلم اننى أ�نام فى �أح�ضان (زهزهان)‪ .‬ف أ�رعبني و�أثار ده�شة لم تنطفئ‬ ‫ق�شعريرتها حتى ا آلن ‪..‬‬ ‫كيف يمكن إ�ذن أ�ن أ�نف�ضك عن كاهلي يا �صديقي و�أن �أنزع �أقنعتك‬ ‫عن وجهي ‪ ،‬دون أ�ن �أذكر كل التفا�صيل ‪ ..‬كل الحكايات بال�ضبط ‪ .‬مثلما‬ ‫يطرد كهنة البدائيين الجن من أ�ج�ساد المم�سو�سين بدقات الطبول البدائية‪،‬‬ ‫�أو تلاوة كلمات الذكر الحكيم و�أدعية ا إليمان القد�سية ‪� ..‬أو بذكر لفظ‬ ‫الجلالة و�أ�سمائه ال�سرية والتعوذ بها من ال�شياطين ‪ ،‬مثلما يف�سد �سحرة‬ ‫القبائل �سحر الأعمال ال�سرية بك�شف �شفرات رموزها وقراءتها �صراحة ‪،‬‬ ‫وف�ضح معنى حروفها الغريبة وكلماتها التي بلا معنى ظاهر ‪ ..‬فتنفك ُعقد‬ ‫ا ألل�سنة و ُتهتك أ��ستار �صانعيها ‪ ،‬فت�صبح عادية لا قوة لها ‪ ..‬لا ت�ضر بعد‬ ‫ولا تنفع ‪ .‬ف أ�ملك قوة للتطاول عليك ‪ ..‬أ�طاول بهامتي هامتك ‪ .‬وتقوي‬ ‫قب�ضتي لأتخل�ص من قب�ضتك ‪ ..‬أ�نظر في عيونك دون خوف و�أتحرر من‬ ‫جبروتك الذي ملكني حتى ا آلن منذ أ�طلعتني على �أول كتاب انتهك‬ ‫براءة مخي ‪ ..‬وح�شاه بخيالات ور�سوم وب�شر و�آلهة عجيبة ت�شبه مخلوقاتها ‪،‬‬ ‫وعمالقة �صارمين لا يعرفون الرحمة يطلقون �سهام �صواعقهم على خيول‬ ‫نارية لعربة تعبر بال�شم�س من ق�صر ا آللهة (�شرق الهند) إ�لى حيث تنام فيما‬ ‫وراء قبة (�سيدي مجاهد) بعد أ�ن يجهدها جلد أ�ج�ساد ب�شر لهم ر ؤ�و�س‬ ‫ثيران في متاهات لا فكاك منها ‪ .‬وحقول مجدبة لا تكف عن �إنجاب ب�شر‬ ‫يتنا�سلون ‪ .‬ولا يموتون ب�ضربات خناجر م�سمومة ولا ينزفون دماء تحت‬ ‫طعنات الرماح وال�سيوف ‪ ،‬لكنهم ي�ستطيعون ال�صعود لل�سماء كلما �شاءوا‬ ‫يقاتلون ال�شياطين وا آللهة وهم يرتدون ملاب�س من ري�ش ‪ .‬عندما يريدون‬ ‫التحول �إلى طيور ‪ .‬أ�و يحتمون بقرون �صلبة لغزلان برية عندما يطلبون‬ ‫‪30‬‬

‫تعانقنا نحن الثلاثة مرة أ�خرى حتى جفت ملاب�سنا ‪ ..‬و�ضحكنا من‬ ‫القلب عندما اعترفت لنا �أنها كانت تراقبنا �سعيدة ونحن ننه�ش بع�ضنا‪ .‬ولم‬ ‫تتدخل ‪ .‬كتمنا �ضحكتنا مذهولين ثم اندفعنا نحوها دون اتفاق غا�ضبين‬ ‫‪ ،‬فارتعبت ‪ .‬ولم نتركها إ�لا بعد �أن أ��شبعناها �ضر ًبا ‪ ..‬ثم ركل َتها �أنت ركلة‬ ‫�ألقتها �صامتة مذهولة في القناة حيث كنا‪ ..‬وم�ضينا دون �أن ننظر إ�ليها ولم‬ ‫نبادلها كلمة واحدة ولم يقترب �أحدنا منها بعد ذلك ‪..‬‬ ‫وك�أنما هو مقدر لنا الا تختفى �شم�س البنات من حياتى بغيابها‬ ‫الدرامى الم�ؤ�سف ظهرت (عزيزة) �أخرى فج�أة لتطلب مني طل ًبا غري ًبا ‪-‬‬ ‫(عزيزة) بنت (رزق) تلك التي وقع ُت دونك في غرامها وا�شترطت لكي‬ ‫تم�شي معي (م�شي النا�س اللي ُه َّمه) أ�ن �أح�ضر لها زجاجة بنج �صغيرة ‪،‬‬ ‫ألنها كانت حامل وتريد �إ�سقاط الجنين تجن ًبا للف�ضيحة‪ ..‬والداية طلبت‬ ‫منها ذلك البنج لتقوم بالمهمة دون أ�خطار ‪.‬‬ ‫و�سرق َت لي زجاجة البنج من الم�ست�شفى ‪� .‬أعطيتها لي في كرم و إ�يثار‬ ‫‪� ،‬أخذ ُتها إ�ليها و أ�نا �أكاد أ�موت من الحزن والرعب ‪ ..‬ألنك بخبرتك‬ ‫حذرتني (�أن الحكاية �ستكون م�صيبة لو جرى للبنت حاجة وماتت أ�ثناء‬ ‫العملية) ‪ ،‬واعترفت بمن �أح�ضر لها البنج ‪ .‬لكن الله �سلم ونجت (عزيزة) ‪.‬‬ ‫ف�سخر َت مني فى البداية ألنها لم تنفذ وعدها لي ‪ ..‬لكنك �أجبرتها أ�ن تعود‬ ‫إ�ل َّي غ�ص ًبا ‪ .‬بعد أ�ن �سحبتها �إلى غابة (ال�ساحل) لقاء حبتين طماطم وبي�ضة‬ ‫ورغيف أ�بي�ض ‪ .‬وعندما ظهرت أ�نا ‪ -‬ظلت ترف�ضني خو ًفا من الف�ضيحة‬ ‫لأنني ع َيل وكثير الكلام ‪ ..‬ورغم �إحباطي ‪ ،‬أ�عطيتها خم�سة قرو�ش كاملة‬ ‫جعلتها ت�شهق وترتمي على ظهرها ‪ ،‬وحين تركتنا أ�نت لن�أخذ حريتنا ‪ ..‬لم‬ ‫�أفعل �شي ًئا‪� ،‬سوى �أن �سترتها وجل�ست �إلى جانبها �أتكلم كلاما كثيرا اعتذر‬ ‫لها و�أوا�سيها و�أنا �أبكي بدموع حقيقية ‪ ،‬فقبلتني وم�ضت‪..‬‬ ‫‪33‬‬

‫الثور والبقرة �سما ًدا ُيك�سب �أر�ض النيل خ�صوبتها على الدوام ‪ ،‬نغ�سل‬ ‫لها جامو�ستها في البحر ال�صغير ‪ ،‬ونحن نتقافز كال�ضفادع حولها وفوقها‬ ‫نتح�ّس�س أ�ع�ضاءها لنثير �شهوة البنت الجال�سة دون تحفظ وقد ك�شفت‬ ‫�أ�شياءها المحتقنة على ال�شاطئ ‪ .‬ت�ضاحكنا لنر�شها بالماء ‪ ..‬وننقل لها التبن‬ ‫للزريبة ‪ -‬خزين المو�سم كله ونح�ش لعنزاتها البر�سيم ‪..‬‬ ‫وفي وقت راحتنا نخطفها لنقبلها (�شركة) في مخزن الدري�س والعليق‬ ‫‪ ،‬و�سط رائحة ال َّر َوث النفاذة ‪ ..‬تعطي نه ًدا لكل م َّنا فنر�ضع ك�أطفال‬ ‫النيل ‪ ..‬ثم �أن�شغل بالغناء ‪ .‬بينما ت�ستحوذ أ�نت على معظم �أر�ض المعركة‬ ‫‪ ،‬ف أ�حاول لملمة فلول جيو�شي متعث ًرا عند ا ألطراف في الكلمات المنظومة‬ ‫‪ .‬و�أغار منك يغيظني تماديك حتى الغ�ضب ‪ ,‬فنظل نت�ضارب تحت المطر‬ ‫في ال�ضحى الوح�شي ال�شتوي ‪ ..‬و�سط الحقل الخالي الذي أ�نهينا (ح�ش‬ ‫بر�سيمه) إ�ر�ضاء لها‪..‬‬ ‫لا �أحد قريب يخل�ص �أحدنا من ا آلخر ‪ .‬ولا �أحد عابر نحتكم �إليه ‪،‬‬ ‫حتى يه َّدنا ال�صراع والت�ضارب ‪ ،‬فنرتمى �إلى جوار بع�ضنا في القناة الغارقة‬ ‫في المياه نلهث ونبكي ثيابنا المدر�سية التي تلطخت بالطمي والخ�ضرة �إلى‬ ‫�أن نرتاح فنعاود الا�شتباك �ضر ًبا ورف�ًسا وع ًّ�ضا ككلبين ا�شتبكا دون �أمل‬ ‫في الخلا�ص ‪.‬و انفجر باك ًيا حين ك َّف المطر ‪ ..‬وت�صرخ بي ناد ًما (�أنت‬ ‫ال�سبب) ألنني قلت لها كلا ًما منغ ًما يغيظك ‪ ،‬و ألنني أ�عرف أ��سماء بلدان‬ ‫أ�كثر منك ‪ ..‬لت�صالحنى وتم�سح دموعي في حنان ‪..‬‬ ‫يومها �صالحتني وتنازلت لي عنها ‪ .‬بعد أ�ن �ساعدتني في غ�سل‬ ‫ملاب�سي ون�شرها على غ�صون �شجرة الجميز ‪ ..‬وبقينا نرتع�ش بجوار جدار‬ ‫الزريبة القبلي ن�ستجدي ال�شم�س حتى جاءت �ضاحكة و أ��شعلت لنا راكية‬ ‫نار هائلة ‪..‬‬ ‫‪32‬‬

‫�أجل�س فاغ ًرا فمي �أرفرف حول حبال خيالك ‪� .‬أذوب ع�ش ًقا في كلماتك‬ ‫و�أحفظها ‪� .‬أنت ال�ساحر الذي ي�ستطيع أ�ن ي�ض َّم العالم في ك ِّفه ليفرده‬ ‫�أمامى ‪ .‬خلفك �أجوب الأفراح والموالد ‪ ،‬مت َّيم �أنا بتراتيلك و�شعرك ‪..‬‬ ‫مجذوب بالخيط ال�سحري الذي ل�ضمنا م ًعا في كيان واحد ‪� .‬أ�سير لا تف ُّك‬ ‫الم�سافات أ��سري فيك ‪ ..‬ولا يقطعه الرحيل إ�لى المدن البعيدة ‪ ..‬أ�حملك‬ ‫تحت جلدي إ�لى بلاد تف�صل بينها وبين �أر�ض (عزيزة بنت عبا�س) و(عزيزة‬ ‫بنت رزق) و(مديحة بنت ام نمر) و(نجاة بنت حمادة الم�صري) وعزيزات‬ ‫كثر �أخر و�صحاري وبحار و�أهواء �صغيرة ‪ .‬تحول بينها وبيننا أ�حداث‬ ‫مهولة وهزائم �أكبر حج ًما من قدرات كينونتك التي لا تكف عن التوا�ؤم‬ ‫والتوالد والإبداع ‪ .‬لت�شكل ملامح كينونتي ‪ .‬وتعطيني ملامحي ‪ ،‬ولكنها‬ ‫تكبل روحي لفلكك الذي لم يكف أ�ب ًدا حتى في عتمة الزنازين الانفرادية‬ ‫‪ ,‬عن الدوران حول المركز ‪ ،‬الذي تم َّرغنا م ًعا في طميه النيلى المقد�س‬ ‫الممزوج بخ�ضرة بر�سيمه الرطب ‪ ،‬ذات نهار �شتوي ممطر على مرمى ب�صر‬ ‫(عزيزة بنت عبا�س) ‪.‬‬ ‫•••‬ ‫‪35‬‬

‫�أنت لم ت�صدقني أ�بدا وتح َّججت ب أ�نك لا تذكر �شيئا من تلك التفاهات‬ ‫‪ ..‬ف أ�نت كما تقول (لك دماغ واحد وذاكرة عادية و إ�ن كنت ب�ألف يد‬ ‫و�ألف عين‪ ).‬لك حق ‪ ..‬كيف يذكر مثلك هذه التفا�صيل التافهة ال�صغيرة‬ ‫التي تحدث لعامة الب�شر ‪ ،‬ف أ�نت ربيت �أ�سواق ‪ ،‬ج َّواب آ�فاق ‪ ,‬غ َّرا�س �أ�شجار‬ ‫وفت َّوة‪ ..‬وح َّفار ترع و�صانع ومحطم �أقفال ‪ ,‬و�شرا�شر وف ؤ�و�س ‪.‬‬ ‫أ�نت المـغ ِّني ‪ ،‬عازف الربابة ‪� .‬سحبتني خلفك إ�لى بلاد وعزب وكفور‬ ‫ت�سهر حتى ال�صباح في الليالي الباردة وا ألم�سيات المقمرة ‪ ..‬على �ضوء‬ ‫كلو َّبات الجاز ت�أ�سرنا �سهارى حتى الفجر نحارب مع (�أبو زيد) ون�أ�سى‬ ‫(لدياب) ونتناف�س على ع�شق (الجازية) ‪ .‬كنت وحدك من يحفظ كل هذه‬ ‫الكلمات التي بلا نهاية والتي ت�ضج ب�أحداث الحروب والقتال والمبارزات‬ ‫والمجاعات التي ت�ضطر الجوعى للهجرة والغربة‪.‬‬ ‫كنت تخترع وتقول في و�سط هذه الموالد ما يده�شنا وي�أخذ بقلوبنا‬ ‫‪ .‬تعزفها على أ�وتار الربابة أ�و تلوح بها على طرف ع�صا الموال ‪ ،‬المز َّوقة‬ ‫بالورق الملون و أ�نت تخترع �صو ًرا مده�شة �ضاحكة ‪ ..‬لا تتوقف الكلمات‬ ‫الفا�ضحة على ل�سانك ‪:‬‬ ‫عجبي على حداد بي�ضرب في مرازبه‬ ‫�سهران طول الليل وعينه على مرازبه‬ ‫لا ينام ولا يهدا إ�لا وفى المرة ‪!.......‬‬ ‫تنفجر ال�سهرة ب آ�اهات ال�ساهرين وترتفع �صيحة (الله اكبر) ‪ ..‬إ�عجابا‬ ‫بهذا ا إلعجاز ‪ ..‬أ�نت الذي لم يقر أ� ولم يف ّك الخط مثلي في المدار�س ‪.‬‬ ‫ولم تعرف الجغرافيا ولا الإنجليزي ‪ ،‬تتلقي �إعجاب الجميع بينما �أنا الذي‬ ‫يكتب كلا ًما منغ ًما ‪ -‬أ�غ َ�ضبك ذات يوم وجعلك ت�ضربني �أمام (عزيزة) ‪-‬‬ ‫‪34‬‬

‫وينزل بالفا�س على ر�أ�س الج�سر ليح ِّول المياة �إلى �أر�ض الطير وي�ضحك‬ ‫من قلبه ألن أ�ح ًدا لم ير المماليك يرق�صون ويعربدون ‪..‬‬ ‫‪ -‬ن�سوان وخمرة ؟! ‪ ..‬حلو قوي ‪ ،‬إ�حنا بقى ما �شفنا�ش �إلا الن�سوان‬ ‫أ�مات عراقيب تدبح الأرنب والم� ّش ابو دوده ‪ ..‬يا عمي اترك الملك‬ ‫للمالك‪.‬‬ ‫يقولها ويم�ضي ‪ ،‬وك�أنه يخزي العين ‪ ..‬فقد تزوج بامر�أة ذات جمال‬ ‫ملحوظ !‬ ‫�أجيال ‪ ..‬وراء أ�جيال ا�ستهلكوا �أجيال ًا بعد �أجيال من تلك البيوت‬ ‫الطينية ‪ ،‬وا�ستهلكتهم ‪ .‬وهي تتراكم طبقات من ا ألنقا�ض فوق بع�ضها‬ ‫وفوقهم ‪ ..‬ع�ضم ولحم طوب وطمى ‪ .‬ليت�شكل ذلك الارتفاع الملحوظ‬ ‫لو�سط البلد ‪ ،‬حيث يقع الجامع الكبير ذو المئذنة الفارهة ‪ ،‬التي ُبنيت‬ ‫لتباهي القرية بها القرى المجاورة ‪ ..‬منت�صبة في منت�صف �شارع ال�سوق ‪،‬‬ ‫الذي يمتد مختر ًقا القرية من غربها ل�شرقها ‪ ،‬منحن ًيا يتل َّوى كثعبان أ��سطوري‬ ‫طويل الذيل ‪ ..‬لا ر أ��س له ‪ ..‬تنحدر منه الحواري وال�شوارع �شمال ًا‬ ‫نحو �شط البحر القديم ‪ ،‬الذي يندفع جنو ًبا من (المغذي) عاب ًرا (اله َّدار)‬ ‫منحن ًيا عند جنينة (علي ابو ح�سن) التي تف�صله عن تل ( أ�بو خ�شبة) الذي‬ ‫تراكمت عليه المقابر القديمة فا�صل ًة غرب البلد عن مقام (�سيدي مجاهد �أبو‬ ‫عبد الوهاب) حامي حمى القرية ‪ ،‬وحار�سها وج ّد عائلة (ال�شرفا) ليم�ضى‬ ‫بعد تلك الانحناءة الفجائية م�ستقيما نحو ال�شرق حتى ترعة الجوابر حيث‬ ‫(ه ْرى) �ساقية العفاريت الممتد ككهف مظلم طويل تحت ج�سره قاطعا‬ ‫الم�ساحة الغام�ضة �شرق (بيت احمد ابو ق�صبى) حتى ال�ساقية المهجورة‬ ‫التى تحيطها غابة من �أ�شجار الجميز ت�صنع معها مكانا �سحريا يليق �أن‬ ‫‪37‬‬

‫بع�ضهم لبع�ض ‪..‬‬ ‫‪ ‬لا أ�حد من �أهالي (ميت �سل�سيل)‬ ‫المعا�صرين إ�هتم أ�ن يعرف �سر هذه الت�سمية ولا معناها‬ ‫‪ ..‬لا أ�حد يريد ‪ .‬فا ألقدار هي التي تختار لنا في �أي‬ ‫�أر�ض نولد وعلى �أي �أر�ض نموت ‪ ..‬وما الفائدة‬ ‫وراء �أ�سئلة لن تغير من ا ألمر �شي ًئا ‪ .‬وماذا يفيدنا �أن‬ ‫تكون (ميت) هذه كلمة فرعونية تعنى (طريق) �أو‬ ‫أ�ن (ميت �سل�سيل) تعني مكان الطرب واللهو ‪..‬‬ ‫�أطلقه المماليك الذين كانوا ير ِّوحون عن أ�نف�سهم‬ ‫على �شاطئ البحيرة ‪ ..‬فما علاقتنا بالفراعين �أو‬ ‫المماليك ‪ ..‬والخلق تدور في طاحونة الرزق ال�ضيق‪.‬‬ ‫�سي�شوح لك أ�ي فلاح بذراعه في �ضيق �إذا‬ ‫ما ذكرت له �شي ًئا من ذلك مثلما فعل (حلمي) ابن‬ ‫عمتك (فرحة)حين قال لك ‪:‬‬ ‫‪ -‬الفراعنة ؟!‪ ..‬كان فرعون جبار كافر والعياذ‬ ‫بالله‪..‬‬ ‫‪36‬‬

‫ناف ًرا تحت طربو�ش (عبد اللطيف افندي) الذي يكتب �شع ًرا منظو ًما مق ًّفى‬ ‫منذ كان على حجر أ�مه في كل منا�سبات القرية و�أعيادها وجنائزها ‪..‬‬ ‫بذلت جهو ًدا كبيرة ‪ -‬لا أ�دري لها �سب ًبا أ�و هد ًفا �سوى �أنك أ�غويتنى‬ ‫‪ -‬لمعرفة �سر هذا الا�سم ومعناه ‪ ..‬قبل �أن أ�كت�شف ذكره في بع�ض الكتب‬ ‫القديمة والخطط و�آثار البلدان ‪..‬‬ ‫�سمعت و�سجلت كلا ًما كثي ًرا من رجال ون�ساء عجائز ‪� ..‬ص ِّييتة‬ ‫وفقيهات وخلابي�ص وكوديات �سودانيات وغجر وحلبيات ع َّمر بع�ضهم‬ ‫�أو بع�ضهن حتى �صاروا من ا ألعاجيب و أ��صبحت �أقوالهم حك ًما أ�و الغا ًزا‬ ‫‪ ..‬وحواديت ‪ ..‬كت ًبا حية من لحم ودم ‪ ،‬مفتوحة ال�صفحات بلا حواجز‬ ‫لمن يريد أ�ن يقر أ� خطوط الزمن ‪ ،‬على جلد وجوههم وخ�شونة أ�يديهم‬ ‫و�صفحات عظامهم البالية ‪ ،‬ي�ؤكدون ما تطرحه القراءة من تخمينات ‪.‬‬ ‫وما تدح�ضه من أ�د َّلة �أو ما ت ؤ�كده من حقائق ‪ ..‬ي�شكلون ‪ -‬وهم لا يدرون‬ ‫‪ -‬ذلك الج�سر الغام�ض الوا�صل بين ر ؤ�ى الحلم وحقائق الطين ‪.‬‬ ‫الج�سر الذي بدونه لم يكن من ال�سهل أ�ن ت�ستحوذ على قلبي وروحي‬ ‫أ�حاديث خالتي (ال�سيدة)‪ ،‬التي ت أ��سر لي الخيال الجامح الفذ وت�ضعه واق ًعا‬ ‫ملمو�ًسا في قب�ضة يدي ال�صغيرة وقلبي البكر ‪ .‬ف أ�وقن �أن ذلك التعلب‬ ‫الماكر ( أ�بو الح�صين) الذي ُق ِّدر له أ�ن يحر�س جثث الموتى من الذئاب ب�أمر‬ ‫(فرعون) من بداية الزمان هو نف�سه الذي ا�ستدرج الذئب (�سرحان) وج َّره‬ ‫من �شهوة ج�شعه عاب ًرا به جرن دار (�أحمد) والم�سرف �إلى غيط (ال�سباخ)‬ ‫حيث دوار (اولاد الو�صيف) الذي تبيت فيه �أغنام (زكي الزروطي) بعد‬ ‫أ�ن أ�قنعه بوا�سطة قطعة من الورق قال له أ�نها دعوة ملكية لهما ألول م َّرة‬ ‫في التاريخ كي يلتهما ما ي�شاء لهما جوعهما ونهمهما من جديان وخرفان‬ ‫‪39‬‬

‫يختاره ليعمره الم�سحور وجنياته ويتخذه معهن �سكنا و ملاذا ومكمنا‬ ‫للهو والعربدة طول �أيام الفي�ضان ‪ ,‬تفور المياه فيه و تعلو وك�أنها تغلى محدثة‬ ‫أ�كبر �ضجة تليق بالعفاريت ‪ ,‬دافعة في�ض المياه الى (البركة) التى تف�صل‬ ‫بين �شريط ال�سكة الحديد وبيوت واطى البلد (البركة) ‪ .‬التى ميزت (ميت‬ ‫�سل�سيل) ل�سنوات واحتفظت با�سمها رغم تحولها بعد جفافها لجرن �شا�سع‬ ‫ي�ستوعب محا�صيل الدرا�س طوال العام بعد انقطاع مياه الفي�ضان وهرب‬ ‫الجنيات إ�لى الأبد‬ ‫وكان اهل ميت �سل�سيل يعتقدون فى غالبيتهم و يتم�سكون ب َن�سبهم‬ ‫( ألبو خ�شبة) ولي الله ال�صالح ‪ ،‬الذي مات وهو يقاتل ال�صليبيين ‪ -‬الذين‬ ‫هدموا (تاني�س) – بخ�شبة طول �صاري المركب ‪ ،‬ف�شتت �شملهم قبل‬ ‫�أن ي�ست�شهد ويدفن على �شاطئ (ترعة ال�سلطان) التي تحد القرية من‬ ‫الغرب‪ ..‬وتقع على �شاطئها الغربي �سراية (عبد ربه) وفيلات �أبنائه التى‬ ‫�سوف ت�شيد فى قادم ا أليام على الطرز الحديثة ‪ ..‬وحيث أ�مامها مبا�شرة‬ ‫تقع (عزبة ال�سلطان) تف�صلهما عن ج�سم القرية م�ساحات من خ�ضرة‬ ‫ا ألر�ض الخ�صبة حول جرن (دار �أحمد) المرتفع ‪ ،‬الذي يظهر معل ًنا عن‬ ‫نف�سه ك�ساحة للمولد ‪ ،‬وملعب �شتوي لل�صبيان وال�شباب العاطل والطلبة‬ ‫‪ ..‬ومكا ًنا لدر�س المحا�صيل في الموا�سم ‪ ،‬حيث يكاد غبار وتبن المداري‬ ‫يردم (الم�سرف) الذي يحيط به مندف ًعا نحو الجنوب ‪ ،‬عاب ًرا ال�سكة الحديد‬ ‫الفرن�ساوي ‪ ،‬ما ًّرا بمكنة (البداوية) ليف�صل عزبة الغجر إ�لى الجنوب الغربى‬ ‫ا ألق�صى ‪ ،‬بعد �أن يلازم الزراعية لم�سافة طويلة ‪ ,‬ثم يتركها ليمتد في ا�ستقامة‬ ‫إ�لى ال�شرق ‪ ،‬ك�ساق م�ستقيم ل�شجرة �سرو ‪ .‬تبدو القرية على جانبه الي�سار‬ ‫كع�ش (فر�س النبي) أ�و كورم ‪ ،‬أ�و طلوع في رقبة بني آ�دم مثل الذي يبرز‬ ‫‪38‬‬

‫اليوم في (بحر ماهر) و(الخطرية) ‪ ،‬عبر الم�ساحات ال�شا�سعة من المياه‬ ‫ال�ضحلة التي تغطيها غابات (البو�ص) و(الدي�س) و(الب�شنين) والتى كانت‬ ‫قديمًا مغطاة ب�أ�صداف (الل ؤ�ل�ؤ) و(المرجان) ‪ ،‬تغ�سلها المياه الهادئة العذبة‬ ‫التي لم تف�سدها بعد ملوحة البحر الذي يحيط من الأربع جهات تلك‬ ‫المدينة البائدة المدمرة ‪ .‬والتي (كلام في �سرك) هي نف�سها على ما كنت‬ ‫اعتقد (مدينة النحا�س) المذكورة في الكتب القديمة ‪ .‬وكان حولها �سور‬ ‫عال �إذا ما �صعد فوقه الع�شاق الم�ساكين و أ�ب�صروا ما بداخلها ‪ ..‬لا يجدون‬ ‫مف ًّرا من �إلقاء �أنف�سهم من الح�سرة ‪ ..‬رغبة في الح�صول على بع�ض ما بها‬ ‫من نعم وعجائب تفتن العابد ‪ ..‬ب�ساتين و�أرائك م�صفوفة وزرابى مبثوثة‬ ‫تحت كروم العنب والفواكه‪ ,‬والن�ساء الحور العاريات البكارى كالجواري‬ ‫ال�ساحرات ‪ .‬قادرات على أ�ن يتحولن �إلى طيور ‪ ..‬و�أن يحولن الرجال‬ ‫الأ�شرار إ�لى خراف أ�و كلاب �أو حجارة ‪ .‬ك ٌّل وقد ُره المكتوب ح�سب‬ ‫عمله ونيته ‪ ..‬ومن يذهب لا يعود ‪..‬‬ ‫وهل يرجع من الجنة �سوى �أهبل أ�و مجنون ‪.‬‬ ‫يفرط كيف ؟ فيما يهبنه مع حبهن من قوة تك�سبه القدرة على تحريك‬ ‫الجماد ‪ ..‬و �سخط ا ألحياء �إلى حجارة لو �شاء ‪� ..‬إذ يك�شفن له أ��سرار‬ ‫(ال�سيميا والكيميا) وعلم (الروكا) وال�شفاء بال�صلاة على النبي وقراءة‬ ‫القر�آن ‪ .‬وال�سحر الذي لا يدركه �سوى الموعودين ‪.‬‬ ‫كنت مت أ�ك ًدا ‪ ،‬بل م ؤ�م ًنا �أن خالتي ‪( -‬و�إن �أنكرت) ‪ -‬واحدة ممن‬ ‫يمتلكون بع�ض هذه القدرات ال�سحرية والمزايا الخفية ‪ .‬فهى ترى ب�صعوبة‬ ‫�شديدة في النهار ‪ ،‬ال�شم�س تغ�شي عينيها ولكنها في الليل ترى لم�سافات‬ ‫طويلة مثلها مثل القطط والثعالب وغيرها (من طواطم �أجداد أ�جدادها‬ ‫‪41‬‬

‫�أوزى بلا مقابل أ�و تعب احتفال ًا ب�سلام مزعوم بين الكلاب والذئاب ‪.‬‬ ‫و أ�ن ذلك الرجل القليل الجرم المحني الظهر ‪ ..‬الذي ي�سكن بجوار‬ ‫الجامع الكبير كان بالأم�س البعيد عترة و أ�بهة ‪ ..‬و�أن زوجته (زقمانة) هي‬ ‫نف�سها المر أ�ة التي ا�شترت ا�سم (فاطمة النبوية) بثمن الجامو�سة اليتيمة التي‬ ‫يملكانها ‪ ..‬وهو الذي ُفجع حين حدث ذلك ؛ و إ�ن �صعبت عليه غباوتها‬ ‫وحلاوتها فلم يطلقها ألنه كان يحبها ‪ ..‬لكنه قرر �أن يطف�ش وي�سيح في‬ ‫الدنيا ‪ ،‬ف�إن وجد من هو ( أ�عبط) منها عاد �إليها ‪ ..‬وغفر لها لكنه يقع ‪-‬‬ ‫لم�شيئة ربنا ‪ -‬على زوجة الطبيب (حبيب) قاطن ذلك البيت الذي يلوح‬ ‫منف�صل ًا عن قرية (الجمالية) في تعا ٍل و أ�نفة ‪ ..‬فتعطيه مال ًا وطعا ًما ألبيها‬ ‫المتوفى حين �أقنعها لما �س أ�لته عن احواله عن الدار ا آلخره �أنه ر�آه بعينيه‬ ‫ي�سوق القطار الذي يز ِّود (جهنم) بالفحم اللازم لإ�شعال نارها العظيمة ‪،‬‬ ‫التي وقودها النا�س والحجارة ‪..‬‬ ‫فيتبادر إ�ل َى �أن هذا هو بع�ض المكتوب والم�سجل على حجارة ال�شيخ‬ ‫(الم َ�سيد) ‪ ،‬بحروف ت�شبه نب�ش الفراخ ‪ -‬التي هي في الحقيقة كتابات‬ ‫�سريانية كما خ َمنت ‪ .‬ي�ستطيع �أن يقر أ�ها العارفون والوا�صلون من مريديه‬ ‫الذين ي ؤ�كدون في كل منا�سبة ‪� ،‬أنه جاء طائ ًرا من �أر�ض الر�سول ليرابط ‪،‬‬ ‫وليحمي قريتنا من ال�صليبيين الغزاة هو (وابن �سلام) و(القعقاع) وباقي‬ ‫الأولياء الأربعين ‪ ،‬الذين يحيطون المنطقة ويحمون �شواطئ البحيرة التي‬ ‫رابطوا عليها و ليفر�ضوا نفوذهم وحمايتهم على كل �أر�ض (ال�سبخاية)‬ ‫و(التلول) و(الهي�ش) المحيط با ألر�ض حتى بحر الظلمات ‪ .‬حيث َم َرج‬ ‫البحرين يلتقيان ‪ ،‬وحيث كانت تقع (تاني�س) التي كانوا يعبرون إ�ليها في‬ ‫(ال�صوالي) المقطرنة الم�سحوبة ا ألطراف التي ت�شبه ما ي�ستخدمه �ص َّيادو‬ ‫‪40‬‬

‫الربابة �أو ا ألراغيل مواجدهم ومواجعهم ‪ ،‬عبرة لمن يريد �أن يعتبر‪.‬‬ ‫هي قر أ�ت لي ما جاء في الكتب ‪ :‬أ�ن الله �أراد خي ًرا ب أ�هل هذه القرى‬ ‫التي تواجه (تاني�س) بعد �إ�سلامهم ‪ ..‬ف�أعاد الخ�صوبة إ�لى ا ألر�ض المالحة التي‬ ‫حرقها غ�ض ًبا عليها في الما�ضي ‪ ..‬فعادت �أكثر عطاء و�أوفر ثما ًرا مما كانت‬ ‫‪ ..‬و�أعطاها من و�َسع ‪ ،‬فز َّود عقول أ�هلها بالعلم و أ�يديهم بالمهارة ‪ ..‬ف�صار‬ ‫ت َّجا ُرهم �أ�شطر التجار وفلاحوهم �أمهر الفلاحين ‪ ،‬و أ��سطواتهم أ�حرف من‬ ‫ي�صنع ال�سفن والمراكب ‪ .‬ونفخ في �صور طلاب العلم من أ�ولادها ف�صاروا‬ ‫من �أذكى خلق الله ‪( ..‬مثل خالك �إبراهيم) ‪.‬‬ ‫لكنه لحكمة لا يعرفها �إلا هو ‪ -‬ترك بع�ض هذه القرى من قديم الزمن‬ ‫م�ستمرة على كفرها‪ ..‬ت أ�بى الخ�ضوع ل�سلطان أ�و ملك ‪ ..‬وهي القرى‬ ‫الهالك أ�هلها ‪ ،‬التي كانت تمد (تاني�س) بالطعام والمياه ‪ ..‬ولكن ذلك‬ ‫كان �إلى حين ‪ .‬إ�ذ عاد ف�سلط عليها من خرب م�صدر قوتهم وافترائهم ‪..‬‬ ‫وح َّولها �إلى �أنقا�ض و�سبخ لتكون عبرة لمن يعتبر ‪ ..‬ولا أ�حد يعتبر ‪..‬‬ ‫كان الخليفة بنف�سه ‪ ،‬ينزل إ�ليها من (بغداد) متخف ًيا في زي التجار‬ ‫‪ .‬أ�و في ثياب الهائمين في حب الله ‪ -‬ليعرف أ�حوال الرعية ويمنع ظلم‬ ‫ع َّماله الق�ساة ‪ ،‬الذين امت�صوا دمها على مدار ال�سنين ‪ ،‬وليرفع عن الغلابة‬ ‫الكم�مسااكحيدن الثظ‪.‬ل‪.‬ملبونيقييم(�اسللع�دسيلل‪.).‬نعخمو ًف‪.‬ا‪ .‬أ�(ن�يسل��صسي َّبلا)للههذعاليكهاانغم�لضب ًكهام َّعرةظ�أي ًمخار‪.‬ى‪.‬‬ ‫مار ًدا ‪( ..‬كالفرعون) ر�أ�سه يطول ال�سحاب ‪ ..‬وقدمه حافية أ�كبر من‬ ‫الجامو�سة ‪ ،‬وكان عنده �أبناء كثيرون ل�سانهم طويل ‪ ..‬ما �شاء الله مثلك‬ ‫‪,‬و ُملك لا ُملك مثله ‪ ..‬كانت بلدكم هذه ت�سمى (منية بني �سل�سيل)‬ ‫�أر أ�يت ‪ ..‬؟ �سميت با�سم أ�بنائه ما �شاء الله ‪ ..‬ولكن كان له ابنان هما‬ ‫المق َّدمان لديه دون إ�خوتهم �أجمعين ‪.‬‬ ‫‪43‬‬

‫الغابرين) ‪ .‬أ�و على ا ألقل هي من المك�شوف عنهم الحجاب ‪ .‬فما ت�صنعه‬ ‫من العجائب ‪ -‬أ�قلها قدرتها على قراءة اللغة ال�سريانية ‪ ..‬فحين �أح�ضرت‬ ‫لها بع ً�ضا من حروفها المنقو�شة على ذلك الحجر من بقايا (الم�سيد) قر�أ ْتها‬ ‫وف�سرَّ ْت لي معانيها ‪ ،‬لكنها عندما عرفت كيف ومن �أين جئت بها ‪ ،‬في‬ ‫منت�صف ليلة كحل م�ضلمة ‪ -‬فزعت وا�ستعاذت بالله ورقتني وب َّخرتني‬ ‫‪ .‬وظلت طوال الليل تتلو تعاويذ غام�ضة و ُرقى ‪ ،‬لكي تمنع العفاريت‬ ‫من التم ُّكن من ج ِّتتي ‪ ،‬وقد فعلتها ‪ ..‬نعم كانت ت�ستطيع ذلك ‪ ..‬هذا‬ ‫م ؤ�كد ‪ ،‬هي تعرف كل ذلك ‪ ..‬و�إلا من أ�ين عرفت �أخبار كل ه�ؤلاء الذين‬ ‫تحكي عنهم ‪� ..‬أولئك الذين ت�أكد لي معا�شرتها لهم ‪ ،‬وقربها الحميم منهم‬ ‫لدرجة �أنها ر أ�تهم ر أ�ي العين ولم�ستهم ‪ ..‬و�صاحبتهم وهم يركبون الريح‬ ‫وي�صعدون �إلى ال�سماء لي�سترقوا ال�سمع لت�سبيح الملائكة ‪ -‬مع أ�نهم كفرة لا‬ ‫يعرفون الله ولا يركعونها ‪..‬‬ ‫لذا ترميهم الملائكة بال�شهب لي�سقطوا محترقين ‪ .‬لكنهم يعاودون ‪.‬‬ ‫فقد ُكتب عليهم �ألا يفلتوا �أب ًدا من هذه اللعنة الربانية‪ ،‬فلا يك ُّفون عن‬ ‫محاولة ال�صعود ‪ ،‬ب�أجنحة خفية تنبت لهم ك َّلما حرق الملائكة ري�ش‬ ‫�أجنحتهم القديمة ‪..‬‬ ‫نعم هي منهم وتعرف �سر تحكمهم في طاقات ال�سر ا ألعظم وحق‬ ‫(كن فيكون) ‪ ..‬و إ�لا ما �سمعتها تحدث الن�ساء الخفيات ‪ ،‬اللائي يظهرن‬ ‫فقط لمن يحببن ‪ .‬ويختفين عمن يردن �سلب عقله منهم ‪ ،‬بعد �إ�شعال مواجد‬ ‫القلوب ‪ ،‬فيتركون الدنيا وما فيها ويهيمون على وجوههم ين�شدون ال�شعر‬ ‫زاهدين في ُمتع الج�سد ‪ ..‬أ�و ملتجئين �إلي حماية الأولياء ‪ .‬هائمين في مدح‬ ‫أ�هل (بيت النبي) اعتذا ًرا وتوبة وذوبا ًنا في حب الر�سول يحكون على‬ ‫‪42‬‬

‫‪ ..‬هو مجرد حار�س عليها فقط ‪ .‬نعم ‪ ،‬خالتي أ�كدت �أنها (ج ِّن َّية) ورقتني‬ ‫وع َّوذتني بالله من �شر �سحرها ‪ ..‬فهي من �سلالة الذين تز َّوجوا جن َّيات‬ ‫البحيرة ‪ ..‬وتعلموا على �أيديهن �صناعة الحرير الذي ا�ش ُتهرت به (تاني�س) ‪.‬‬ ‫ِمث ُله كذلك ‪( ،‬نعيمة العامية) التي ُك�شف عنها الحجاب فكانت ترى‬ ‫(عزرائيل) ‪ ..‬وتب�صره حين يحوم حول القرية في ن�صا�ص الليالي ‪ ،‬ليقب�ض‬ ‫أ�رواح ال�صبايا العذارى فت�صرخ محذرة ‪ ..‬لي�سود القرية �صمت غام�ض ‪.‬‬ ‫تن�ش ُّل معه حركة العذارى البكارى في فرا�شهن ‪� .‬إلا تلك التي وقع عليها‬ ‫الاختيار ‪ ..‬تت�سلل خارجة إ�لى الخلاء خفية ‪ ،‬ليجدوها في ال�صباح جثة‬ ‫هامدة في البحر غريقة ‪� ،‬أو على التل مذبوحة أ�و محروقة �صعدت منها‬ ‫الروح إ�لى ال�سماء لحكمة لا يعلمها إ�لا علام الغيوب !!‬ ‫زهقت من ا إللحاح على كل من لهم في تواريخ البلدان والقرى ‪..‬‬ ‫لكن �أح ًدا لم ي ؤ�كد كلام خالتي ولا وافق على ما تقول كتب خالي ‪ ..‬فلا‬ ‫أ�حد يذكر بال�ضبط متى بد�أت هذه الخرافة ‪ .‬وي َّدعون أ�نه لا �أحد يذكرها‬ ‫�إلا �أنا ‪ ..‬لغر�ض في نف�سي ‪.‬‬ ‫ال�شيخ (علي �أبو د�سوقي) حذرني �أن أ�خو�ض فيما لا أ�عرف ‪ ،‬ف�أكفر‬ ‫‪� ..‬أكثر مما �أنا فيه‪ ..‬وطلب �أن أ�نتبه لدرو�سي �أح�سن و�أف�ضل ‪ ..‬اترك الخلق‬ ‫للخالق ‪ ..‬فالنا�س ما ُخلقت �إلا لتعبد الله وتت�أمل في عظمة خلقه لا أ�ن‬ ‫ت�س أ�ل عما وراء الحجب وتخو�ض بلا علم فيما لا ق َبل للب�شر بفهمه‪..‬‬ ‫(الجدل يفتح الباب لموت القلب) ‪ ..‬والدنيا على ما هي عليه منذ أ�ر�سى‬ ‫روا�سيها ملك الملوك ‪ ،‬على هذه الأر�ض ‪( .‬وما خلقت الإن�س والجن إ�لا‬ ‫ليعبدون) فكن في حالك واتق الله ‪ .‬لكنني لم أ�رعو ‪ .‬وكنت أ�جادله و أ��صر‬ ‫‪45‬‬

‫كان لكل منهما (جنة) ‪ .‬فيها ما لا عين ر أ�ت ولا خطر على قلب‬ ‫ب�شر ‪ ..‬كانت ا ألولى ا�سمها ‪( ..‬منية بدر بن �سل�سيل) والتانية (منية مرجا‬ ‫بن �سل�سيل) ومازالت حتى ا آلن ا�سمها (ميت مرجا �سل�سيل) ‪� .‬أما (منية‬ ‫بدر) فقد حرقتها لعنة الله ‪ ..‬نعم ‪ ..‬مذكور ذلك في القر�آن (جنتان عن‬ ‫يمين و�شمال) ‪ ..‬مثل جنة ربنا الأولى ‪ .‬هكذا �شاءت �إرادته ‪ ..‬نعم ‪�( ..‬إذ‬ ‫قال ل�صاحبه وهو يحاوره) ! ‪ ..‬وارجع بنف�سك �إلى الم�صحف ال�شريف‬ ‫تعرف كل �شيء ‪ ..‬كان (بدر) يم�شي مختال ًا‪ ..‬وك أ�نه هو الذي خ َّرض� و أ�ثمر‬ ‫‪ ..‬فتخطى حدوده ‪ .‬و�س أ�ل في كبر وتجبر �أر أ�يت مثل هذا؟ ‪ ..‬قيل له لو‬ ‫قلت (ما �شاء الله) لكنه �ضحك و�سخر منه ‪ ..‬ور ُّبك لا يقبل ال�سخرية‪..‬‬ ‫�صبح لقاها بلقع ‪!.‬‬ ‫‪ -‬ندم ‪ ..‬ولكن هل ينفع الندم ؟ ‪ ..‬كل ده مكتوب ‪ ..‬وم�سجل في‬ ‫الكتب ‪ ..‬وا�س أ�ل خالك ( إ�براهيم) ‪ ..‬والكتاب �أهه‪..‬‬ ‫�أ�شارت لي ‪ .‬ف�ألقت بي في خ�ضم �صاخب من ال�صفحات والحكايات‬ ‫‪ ..‬تكاد كل منها �أن تتج�سد �أمامي وحولي واق ًعا ماد ًّيا كدت �ألم�سه في‬ ‫الجدران وال�شجر والحجر ‪ ..‬بيوت و�أماكن لا تموت ‪..‬و ك�أنما عاينت‬ ‫بنف�سي (تاني�س) القديمة تتحدث إ�ل َّي بل�سانهم ‪ ..‬تبعث لي ب�إ�شارات و�صور‬ ‫‪ ..‬ر أ�يتهم مثلها ‪ -‬ر أ�ي العين ‪ -‬نعم ‪ ..‬ف أ�نا لا يمكن �أن �أخ ِّمن متى ُولد هذا‬ ‫ال�شيخ الذي يقولون إ�نه وعي على البلد وهي أ�ع�شا�ش ‪ .‬ولا يدخل �أحد‬ ‫بيته ولا يرى مخلوق أ�هله ‪ ..‬ولا ينظر أ�حد أ�خته ال�ساحرة (زهزهان) التي‬ ‫لي�ست من دمه كما يدعي ‪ ،‬فهي لا ت�شبهه بل ولا ت�شبه أ�ح ًدا من ا إلن�س‬ ‫‪44‬‬

‫نظام ولا وعي حتى تتلا�شى في تلك ال�ساحة أ�مام الجامع ‪� .‬أو تندفع هابطة‬ ‫كمجاري مياه المطر نحو الأطراف ا ألربعة للقرية ك�شرايين باهته ت�ضج‬ ‫بالأولاد والحمير والبنات والكلاب ‪..‬تترك فيما بينها بلا نظام و�سعايات‬ ‫وخربات كا ألورام تختلف م�ساحتها ح�سب حاجات �أ�صحاب الدور‬ ‫حولها لتكوم فيها بقايا روث الموا�شى وما يطرح تحتها من تراب أ�ر�ض‬ ‫النيل عندما تترك لتجف ثم تنتقل إ�لى الأر�ض متخمرة بين حين وحين‬ ‫ح�سب حاجة المحا�صيل والموا�سم ‪.‬‬ ‫تتجمع وتتفرق هذه ال�شوارع والحوارى والخرابات حول (�سيدي‬ ‫مجاهد) ومكنة (البداوية) وجرن دار ( أ�حمد) وال�شادر و(عزبة الغجر)‬ ‫و(ابو خ�شبة) و(الم�سيد) �أو عبر �ساحة (ابو الرايات) و َمن َزل كتاب (ابو‬ ‫عبد الله) وحارة (ال�صياغ) وال�سبيل ودكان (زينب) وم�صطبة (خ�ضرة)‬ ‫وقهوة (�أحمد النادي) ودكان (�شطا) ‪ ..‬ودار (حبيب) و(زنئور ال�صليبة)‬ ‫و(البركة) ومدر�سة (ال�شيخة) و(الجامع ال�صغير) وبيوت (القدادحة)‬ ‫(والطاحونة) وال�شيخ (البهلول) وحارة (الجع َّطة) و(ابو ق�صبي) في �شبكة‬ ‫عنكبوتية خرافية ‪ ،‬لعنكبوت عجوز ‪ .‬ج َّفت عروقه ونبتت حولها ‪-‬‬ ‫بال�صدفة �أو ق�ص ًدا ‪ -‬بيوت لا عدد لها ولا ح�صر ولا �شكل ‪ .‬يفتح بع�ضها‬ ‫على بع�ض ‪ ،‬ويركب بع�ضها فوق بع�ض ‪ .‬ويتكالب بع�ضها لي�سد منافذ‬ ‫النور على البع�ض ‪ .‬فيتحجر القلب وال�سطح والعتبة وتن�شرخ الحيطان‬ ‫والدهاليز بفعل الرطوبة والقهر ‪.‬‬ ‫ويك ُّف الجميع عن التململ ‪ ،‬تع ًبا من جهد أ�زلي لا تبدو له نهاية‬ ‫ولا طائل وراءه ‪ ..‬توالى على بذله ال�سابقون من الب�شر لحكمة ربانية ‪..‬‬ ‫ت�صر على �أن يولد الخلق كال�ضفادع ‪ -‬من الماء المهين ‪ -‬مه َّي�أين للت آ�لف مع‬ ‫‪47‬‬

‫على أ�نني قر�أت �أنها ( إ�لا ليعرفون) وبع�ضهم تجاهل ذلك لغر�ض في نف�س‬ ‫يعقوب ‪.‬‬ ‫و ألني ع�شقت هذه ا ألر�ض ودفعني ع�شقي �أن �أبحث عن خرافاتها‬ ‫وتاريخ أ�هلها الطويل ؛ حيث ظلت ا ألجيال تنجب ا ألجيال من الفلاحين‬ ‫وال�صيادين ورعاة الغنم والن َّجارين و�صانعي الف ؤ�و�س وال�شباك والعبيد‬ ‫والم�ساخيط والمجاذيب والجواري و�أ�صحاب الحرف من القزازين‬ ‫نا�سجى القما�ش والزعابيط والب�شوت والعبى والفواخرية من �صانعى‬ ‫القلل والدوارق والمحالب والقدور والبلالي�ص والمناقد و �صانعى القفف‬ ‫والمقاطف والفرد وا ألطباق والابرا�ش والزنابيل والمرجونات والا�سمطة‬ ‫من الخو�ص والحلفا وال�سمار ‪.‬وغيرهم من حلاقين ونجارين و�سروجية‬ ‫وق َّ�صا�صين الحمير وغيرهم من ع َّطارين وق َّبانية وف َعلة وب َّنايين وح َّمارين‬ ‫وخ َّياطين وف َّوالين و ُ�ص َّناع ط�شوط وحلل النحا�س إ�لى جانب الم�شايخ‬ ‫والفقهاء و أ��صحاب العاهات والفقراء والمُل َّاك والغفر والدايات و�أبناء‬ ‫ال�سبيل و أ�قرانهم من الج ِّن َّيات والعفاريت ‪.‬‬ ‫و إ�ن كنا لم ن�شاهد جنيات ولا �شياطين ‪ ..‬فذلك ألنه لا �أحد من‬ ‫العقلاء يخو�ض في مثل هذا �أو يحكي عنه حتى لو كان قد حدث ‪ ..‬لأن‬ ‫من ا�ؤتمن على ال�سر لا يبوح به ‪ ..‬والله �أعلم ‪..‬‬ ‫أ�جيال تركب �ضهر �أجيال ‪ ..‬كما ركبت البيوت أ�نقا�ض ما ُهدم‬ ‫منها ‪ ..‬كل جيل يلعن �سل�سفيل الجيل الذي رماه عن ظهره ‪ ..‬ومن د َفنه‬ ‫في التراب ألنهم لم يو ِّرثوه إ�لا ال ُغلب ‪ ..‬والفقر والنكد ‪ ..‬والالت�صاق‬ ‫بالطين الرطب في الحقول �أو في هذه الدروب والحارات ال�شعرية التي‬ ‫تتفرع وتنق�سم وتتوالد وت�ستدق وت�ستعر�ض ‪ ،‬بين كتل البيوت الطينية بلا‬ ‫‪46‬‬

‫ِرمَ ًا مع التيار في كل الموا�سم ما بين نوبات الري والتحاريق ‪ ،‬تخنقنا‬ ‫روائحها الكريهة ‪ ..‬ويل�سعنا ذبابها الأزرق المخلوق من �أرواح الأطفال‬ ‫الموتى وال�صبايا العذارى المغتالات ‪ ..‬يط ّن ويز ّن ولا يك ّف عن نه�ش‬ ‫لحمها البنف�سجي المائل لل�سواد ‪ ..‬يجبرنا غيظنا منه �أن نرجمها بالحجارة‬ ‫ونحن نت�شهد كما علمونا في الك ّتاب ‪ .‬ون�ستعيذ ‪ -‬كما أ�و�صانا �آبا�ؤنا‬ ‫‪ -‬دون حقد جدي ‪ .‬ونحن ن�سد أ�نوفنا مفتعلين التقزز والقرف ‪ ..‬دون‬ ‫رغبة حقيقية �أو �أمل في انقطاع ورودها المق َّدر ‪ ..‬حتى لا تلحق بنا لعنتها‬ ‫‪� ،‬إن �أثرنا غيظ أ�و غ�ضب من ير�سلها كالم�صائب على ر ؤ�و�سنا ب إ��صرار‪ ،‬يليق‬ ‫ب إ��صرار الأحياء ‪ ،‬على موا�صلة رحلة التعب والنكد والكدح وراء لقمة‬ ‫العي�ش ‪ ،‬وه ّد الحيل المهدود ‪..‬‬ ‫جيل ي�سلم جيل ًا ‪ -‬منذ كانت أ�ع�شا�ًشا في خدمة (تاني�س) المخروبة‬ ‫و�إلى أ�ن يرث الله ا ألر�ض ومن عليها ‪ ..‬حتى و�إن ظلت ت ؤ�رقها وت�ؤرقهم‬ ‫كما أ�رقتنا �شهوة الت�سا�ؤل عن �سر هذا التناكب والتكالب والتناكح والتوالد‬ ‫والعذاب ‪ .‬منذ �صرخة المولود ا ألولى حتى �آهة طلوع الروح والنف�س‬ ‫الأخير ‪ ..‬دون إ�جابة ‪� ..‬إلا �أن (الحكيم العلي القدير) يدفعنا �إلى ذلك دف ًعا‬ ‫ويجبرنا عليه قه ًرا ‪ ،‬كي نظل نتكاثر ونتنا�سل لن�س َّد عين ال�شم�س ‪ ،‬ونم أل‬ ‫وجه الأر�ض‪ ،‬إ�لى �أن يحين نفخ ال�صور يوم قيام الجثث ‪ ،‬كي يباهي �سيدنا‬ ‫ومولانا ر�سول الله بنا ا ألمم ‪ -‬كافة ‪ -‬يوم القيامة !!‬ ‫•••‬ ‫‪49‬‬

‫المياه الراكدة ‪ ،‬متعاي�شين مع �ضحالتها و أ��سانتها ‪ ..‬لا يعرف الواحد منهم‬ ‫أ�بعد مما يراه منها ‪ ..‬ولا تعي ذاكرته أ�كثر مما مر به ؛ دون محاولة تف�سير �سر‬ ‫تخثر حبها في عروقه ‪ .‬ولا يلفت نظره تك أ�ك�ؤها المريب فوق بع�ضها هل ًعا‬ ‫ورع ًبا من المجهول والمعروف ‪ ،‬ولا يعرف ال�ضرورة الحتمية ‪ ..‬لتكالبها‬ ‫وتزاحمها على تلك البقعة الرطبة من ا ألر�ض القديمة البالية الممتدة من باط‬ ‫(البحر القديم) حتى (ترعة الجوابر) ؛ حيث ينبعج مجراه ويت�سع فات ًحا �شطه‬ ‫لذيول الفئران الملتوية على هيئة حواري بين البيوت ‪ .‬ت�ص ُّب فيه �أنا�ًسا‬ ‫ونفايات وحيوانات نافقة و�أطفال ًا عراة ون�سوة كا�شفات ال�سيقان ‪..‬‬ ‫ليندفع بعد (مدر�سة ال�شيخة) القديمة محرو ًما من أ�ن�س الب�شر وح�سهم‪،‬‬ ‫و�سط غابة من البو�ص ال�صامت المريب ‪ .‬و�أكمات من أ��شجار �شعر البنت‬ ‫والنخيل غير المق�ضب ‪ ،‬و�أ�شجار ال�صف�صاف القزمية والبرنوف والحلفا‪،‬‬ ‫تت�شابك قممها فوق المجرى ال�ضيق المح�صور بين �شاطئين كثيفين غام�ضين‬ ‫يحجبان الر�ؤية عما يجري في الليل والنهار فوق �سطح مياهه العكرة‬ ‫المل َّوثة المزدحمة بالج ِّن َّيات وبنات الم�سحور ‪..‬‬ ‫مثي ًرا في قلوبنا الغ�ضة �آلاف ا أل�سئلة ‪ ..‬بلا إ�جابة ت�شفي الغليل وتريح‬ ‫القلوب البكر من قهر تحذيرات (ال�شيخ علي �أبو دقن) التي لا تترك في‬ ‫قلوبنا أ�و فوق رمو�شنا غير مخلفات حيرتنا و�ش ِّكنا ‪ ،‬في ماهية الجهة الخفية‬ ‫التي ي�سيل إ�ليها الماء المندفع �شر ًقا خارج قريتنا بعد أ�ن غ�سلنا فيه �أج�سادنا‬ ‫و أ�ج�ساد الحيوانات والبهائم وحلل الطبيخ ود�سوت الأرز المفلفل ‪،‬‬ ‫و�صواني الموالد وقدور الفول النابت وخ�شب نعو�ش الجنازات وخرق‬ ‫الر�ضع والعرق وال�صد�أ والبراز وجثث الحمير بعد موتها لأ�سباب مجهولة‪..‬‬ ‫بينما نحن مازال ي�ؤرقنا جهلنا بم�صدرها ‪ .‬ولماذا تظل ت�أتي إ�لينا الجثث‬ ‫‪48‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook