Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore الفكر التربوي الاسلامي- ملكاوي

الفكر التربوي الاسلامي- ملكاوي

Published by آيه الشوابكه, 2021-04-03 00:56:36

Description: الفكر التربوي الاسلامي- ملكاوي

Search

Read the Text Version

‫المبحث الثاني‬ ‫بعض معالم التط ُّور في التراث التربوي الإسلامي‬ ‫ليس من المبالغة أ ْن نقول إ َّن حالة العلم والتعليم والتع ُّلم كانت دائمة التط ُّور والنمو‬ ‫والتغ ُّير؛ استجاب ًة لمستجدات الزمان والمكان‪ ،‬وتك ُّيف ًا مع حالة المجتمع الحضارية‪ .‬وكان‬ ‫ذلك واضح ًا تمام ًا في الانتقال من تبليغ العلم بالمشافهة إلى تدوينه في الكتب‪ ،‬وفي نشأة‬ ‫العلم في صورته الإجمالية وبذوره الأُولى‪ ،‬ث َّم تنظيمه في مباحث وأبواب‪ ،‬ث َّم تقسيمه إلى‬ ‫فروع‪ ،‬ث َّم استقلال بعض الفروع إلى علوم متخ ِّصصة‪.‬‬ ‫لقد رأينا ذلك فيما يخت ُّص بتعليم القرآن الكريم‪ ،‬والحديث النبوي الشريف‪ ،‬ونشأة‬ ‫علوم الفقه والأصول‪ ،‬وعلم التوحيد‪ ،‬أو الإيمان‪ ،‬أو العقيدة‪ ،‬وعلوم اللغة‪ ،‬وغيرها‪ .‬وعلى‬ ‫طريق التط ُّور نشأت علوم جديدة‪ ،‬مثل‪ :‬علوم الكلام‪ ،‬والتصوف‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬والعلوم‬ ‫العملية والطبيعية‪ ،‬من مثل الطب والفلك وغيرهما‪ ،‬وسائر ما ط َّورته الصنائع والحرف‬ ‫والمهن من معارف‪ ،‬و ُن ُظم‪ ،‬وأساليب‪ ،‬وأدوات‪.‬‬ ‫ولع َّل مواقف التعليم كانت تنشأ بصورة تلقائية عفوية‪ ،‬حين يجلس شخص ح َّصل‬ ‫قدر ًا من العلم ليب ِّلغه ل َمن لم ي ْب ُل ْغه‪ ،‬أو حين يأتي شخ ٌص يجهل مسأل ًة معينة‪ ،‬فيسأل عنها‬ ‫َمن يعرفها‪ ،‬ويحصل ذلك في أ ِّي مكان يتاح فيه لقاء العالِم وال ُمتع ِّلم‪ .‬ث َّم تتراكم الخبرة‪،‬‬ ‫وتستجد مسائل وقضايا‪ ،‬تستدعي أ ْن تأخذ هذه المواقف التعليمية صور ًا أكثر تنظيم ًا‪،‬‬ ‫فتتح َّدد المسؤوليات‪ ،‬وتنشأ المؤسسات‪ ،‬وتأتي مبادرات من العلماء أو الأغنياء لتمارس‬ ‫هذا التحديد والتنظيم‪ ،‬ويدخل فيه الاهتمام الحكومي‪ ،‬فيبادر إلى توفير ما َيلزم من أموال‬ ‫لبناء المؤسسات وتأهيليها لإقامة ال ُمع ِّلمين وال ُمتع ِّلمين‪ ،‬ويشترط لها شروط ًا قد تصل إلى‬ ‫تعليم مذهب بع ْينِه‪ ،‬أو حتى كتاب مح َّدد في المذهب‪.‬‬ ‫ومن الطبيعي أ ْن تتط َّور عملية التعليم على مدار التاريخ؛ فظاهرة التوا ُصل في‬ ‫اكتساب المعرفة وتراكم الخبرات تستدعي إدراك أهمية هذا التوا ُصل بين الأجيال‪،‬‬ ‫وتنظيمه في صورة مناسبة من العمل المؤسسي‪ .‬ويظهر هذا التنظيم أوضح ما يظهر في‬ ‫‪150‬‬

‫العملية التربوية والتعليمية؛ ذلك أ َّن التعليم هو حلقة الوصل بين أجيال الأُ َّمة‪ ،‬وانتقال‬ ‫عناصر بنائها الفكري والنفسي والاجتماعي‪ ،‬ولا سيما ما يخت ُّص بالدين واللغة والتاريخ‪،‬‬ ‫وهي العناصر التي تش ِّكل هوي َة الأُ َّمة ورؤي َتها للعا َلم‪.‬‬ ‫والمهم في دراسة تط ُّور الفكر التربوي في العصور الإسلامية هو تت ُّبع الطريقة التي‬ ‫تعامل بها العقل المسلم مع مسائل التربية والتعليم‪ ،‬ورصد موقع المرجعية الحاكمة لهذا‬ ‫التعامل‪ ،‬وملاحظة الطرائق التي اس ُتع ِملت في تنزيل آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي‬ ‫ص ّلى الله عليه وس َّلم على الواقع الذي كان المجتمع يعيشه؛ فقد تباينت الاجتهادات في‬ ‫هذا التنزيل‪ ،‬وحصل التط ُّور في جميع ما يخت ُّص بالتعليم‪ .‬ف َث َّمة تط ُّو ٌر في موضوعات‬ ‫التعليم وأساليبه ومؤسساته؛ في مكانة ال ُمع ِّلم‪ ،‬وفي مسؤولية الدولة والأسرة عن التعليم‪،‬‬ ‫وفي مسألة الثواب والعقاب‪ ،‬وأخذ الأجرة على التعليم‪ .‬وق َّل أ ْن يوجد جانب من هذه‬ ‫الجوانب وغيرها إلا وقد شا َب ُه شي ٌء من التغيير والتبديل‪ .‬ولم يكن التط ُّور والتغيير في هذه‬ ‫الجوانب في اتجاه الأفضل في جميع الحالات‪.‬‬ ‫ويمكن أ ْن نم ِّيز بسهولة بعض ملامح التط ُّور من حالة إلى ُأخرى في عدد من‬ ‫المجالات؛ فالتراث الإسلامي في عصر الصحابة ومعظم عصر التابعين كان ُيتداول‬ ‫بالمشافهة‪ ،‬ث َّم انتقل تدا ُوله عن طريق التدوين‪ .‬ولع َّل ابن شهاب الزهري (توفي‪124:‬ﻫ)‬ ‫كان أحد الأئمة الذين أسهموا في بداية هذا التح ُّول‪ ،‬ث َّم َم َّر التدوين بمراحل متعددة‪.‬‬ ‫وأساليب التعليم كان يغلب عليها في بادئ الأمر أسلوب المذاكرة‪ ،‬ث َّم تح َّول إلى‬ ‫تدوين الكتب‪ .‬ومن أشهر الأمثلة على هذا التح ُّول ما تم بين الإمام أبي حنيفة النعمان‬ ‫(توفي‪150 :‬ﻫ) وتلاميذه‪ .‬وحصل تط ُّور من إلقاء الدروس على التلاميذ شفوي ًا إلى الإملاء‬ ‫عليهم ليكتبوه‪ ،‬ث َّم بقراءة الكتاب على صاحبه‪ .‬وكانت تربية الصبيان في الأساس نوع ًا‬ ‫من التأديب‪ ،‬والتهذيب‪ ،‬وبناء الشخصية‪ ،‬وتكوين الهوية بتعليم اللغة وأساسيات الدين‬ ‫والفضائل والأخلاق‪ .‬وكل ذلك كان يسبق تعليم فروع العلم المختلفة؛ فالتأديب يسبق‬ ‫التعليم‪ .‬وفي تط ُّور علوم اللغة من إتقان الكلام بالمشافهة‪ ،‬على السليقة‪ ،‬إلى تعليم طرق‬ ‫ضبطه بتقعيد قواعد النحو والصرف‪ .‬وفي موضوعات العلم شهد التراث البدء بحفظ‬ ‫القرآن‪ ،‬ث َّم ُأضيف إليه حفظ الحديث‪ ،‬ث َّم ُأضيف إليهما حفظ العلوم الأُخرى‪ .‬وشهد‬ ‫‪151‬‬

‫كذلك تط ُّور المؤسسات التعليمية‪ ،‬بدء ًا بال ُك ّتاب والمسجد‪ ،‬ث َّم مجالس التأديب في‬ ‫المنارل وقصور الأمراء‪ ،‬ث َّم المدارس المتخ ِّصصة التي هي أشبه بجامعات اليوم‪ ،‬ث َّم‬ ‫ُأن ِشئت بيوت الحكمة أو دور العلم التي تغ َّشتها طبقة العلماء الذين يتذاكرون ويبحثون‬ ‫في مسائل متخ ِّصصة م ّما هو شبيه بمراكز البحوث في أيامنا هذه‪ .‬وحصل تط ُّور واضح‬ ‫في نمط التصنيف والتأليف‪ ،‬فكانت الكتب في بداية الأمر متون ًا يكتبها المؤ ِّلف بصور ٍة‬ ‫تفي بغرض ال ُمتع ِّلمين‪ ،‬ث َّم احتاجت هذه الكتب في مراحل لاحقة إلى شروح‪ .‬ول ّما‬ ‫تو َّسعت الشروح إلى مجلدات كثيرة احتاج الأمر أحيان ًا إلى مختصرات‪ .‬ولتيسير حفظ‬ ‫المختصرات‪ ،‬فإ َّنها تح َّولت إلى منظومات شعرية‪.‬‬ ‫ولا شك في أ َّن التط ُّور لم يكن دائم ًا خط ًا صاعد ًا في اتجاه واحد‪ .‬فإذا كانت‬ ‫المختصرات والمنظومات محاولة لاحقة لكتب الشروح المط َّولة‪ ،‬فقد لزم أحيان ًا شرح‬ ‫هذه المختصرات والمنظومات‪ ،‬في كتب مط َّولة‪ ،‬ثم إ َّن التط ُّور لم يكن في جميع الحالات‬ ‫يعني الاستغناء عن شيء واستبدال غيره به‪ ،‬وإ َّنما كان أحيان ًا إضافة شيء إلى ما كان قبله‪.‬‬ ‫أولاً‪ :‬تط ُّور في علم التفسير‪:‬‬ ‫إ َّن التط ُّور في التراث التربوي والتعليمي لأ َّية ُأ َّمة يتداخل ‪-‬في أحد أبعاده على‬ ‫الأقل‪ -‬مع موضوعات التعليم والتربية‪ ،‬وهي العلوم نفسها؛ إذ نشأت علو ٌم لم تكن‬ ‫موجودة بصورة واضحة‪ .‬وكل علم نشأ ث َّم تط َّور‪ .‬وفي التاريخ الإسلامي كان القرآن‬ ‫الكريم ‪-‬في بداية الأمر‪ -‬هو موضوع العلم والتعليم‪ ،‬ونشأت حوله علوم ث َّم تط َّورت‪.‬‬ ‫فعلم التفسير ‪-‬مثل ًا‪ -‬بدأ من الرواية الشفوية للصحابة الذين اش ُت ِهر منهم فيه عبد الله بن‬ ‫عباس‪ ،‬وعبد الله بن مسعود‪ ،‬و ُأب ُّي بن كعب؛ نظر ًا لاستمرار حياتهم في عهد التابعين‪.‬‬ ‫وكانت هذه الروايات الشفوية تتض َّمن تفسير ًا لبعض الآيات؛ إ ّما نقل ًا عن النبي ص ّلى‬ ‫الله عليه وس َّلم‪ ،‬وإ ّما معرف ًة من الرواة بالسياق والظروف التي نزلت فيها هذه الآيات‪ .‬ث َّم‬ ‫جاءت مرحل ٌة ُأخرى في التفسير عندما احتاج المجتمع الإسلامي إلى تفسير القرآن كامل ًا‬ ‫وفق منهج يجمع بين الدلالات اللغوية والآثار المروية‪ ،‬ور َّبما د َّشن هذه المرحلة الإمام‬ ‫الطبري (توفي‪310:‬ﻫ) في نهايات القرن الثالث الهجري‪.‬‬ ‫‪152‬‬

‫واعتبار ًا من القرن الرابع الهجري بدأت تظهر تفاسير متن ِّوعة في مناهجها وأغراضها‪،‬‬ ‫تض َّمنت تفاصيل لغوية وتاريخية وفقهية وكلامية‪ ،‬ع َّبرت عن التن ُّوع في الاتجاهات‬ ‫العلمية والمنهجية للمذاهب الفقهية‪ ،‬وال ِفرق الكلامية‪ ،‬والنزعات الصوفية‪ ،‬وغيرها‪ .‬ومع‬ ‫أ َّن بعض هذه التفاسير كانت تراجع سائر المقولات والاجتهادات السابقة‪ ،‬وتر ِّجح بينها‪،‬‬ ‫أو تضيف إليها‪ ،‬فإ َّنها بقيت تدور حول الآثار المروية‪ ،‬ومعاني الألفاظ‪ ،‬وفنون اللغة‪،‬‬ ‫وبعض المسائل الفنية في الفقه والعقيدة التي لا تدخل في صميم المقاصد القرآنية‪ ،‬التي‬ ‫تجعل القرآن نور ًا وهد ًى ورحم ًة للإنسان؛ ما يم ِّكنه من تحقيق المعنى الصحيح للعبادة‬ ‫والخلافة والعمران‪(((.‬‬ ‫ولع َّل هذه المعاني بدأت تتبلور بصورة أكثر وضوح ًا في القرنين الأخيرين عندما بدأ‬ ‫بعض رجال الفكر والإصلاح يشعرون بوطأة التخ ُّلف الذي وصلت إليه الأُ َّمة الإسلامية‬ ‫في المجالات المختلفة‪ ،‬وحاجة الأُ َّمة إلى تفعيل القرآن في حياتها‪ .‬ولع َّل جهود محمد‬ ‫عبده‪ ،‬ورشيد رضا‪ ،‬وأبو الكلام آزاد‪ ،‬وعبد الحميد بن باديس‪ ،‬والطاهر بن عاشور‪ ،‬وسيد‬ ‫قطب ‪-‬في هذا المجال‪ -‬أمثلة على هذا التو ُّجه التجديدي‪-‬الإصلاحي في تفسير القرآن‬ ‫الكريم‪ .‬ومن أهم ما نجده اليوم في اتجاهات التفسير المعاصر تفسير القرآن بالقرآن‪،‬‬ ‫والتفسير الموضوعي‪ ،‬والجمع بين قراءة الوحي المسطور والعا َلم المنظور‪ ،‬والوحدة‬ ‫البنائية للقرآن الكريم‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬ ‫وقد ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين قراءات حداثية للقرآن الكريم‪،‬‬ ‫تو َّسلت بمناهج غربية حديثة‪ ،‬تحمل اتجاهات فكرية تحاول بناء قطيعة مع التراث‬ ‫الإسلامي‪ ،‬تحت عناوين متعددة‪ ،‬منها‪ :‬تحليل الخطاب‪ ،‬واللسانيات‪ ،‬والتأويل‪،‬‬ ‫والهرمنوطيقا الظاهراتية‪ ،‬والهرمنوطيقا البنيوية‪ ،‬وغيرها‪ .‬ونذكر من أصحاب هذه‬ ‫القراءات الحداثية‪ :‬نصر حامد أبو زيد‪ ،‬ومحمد أركون‪ ،‬ومحمد شحرور‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬ ‫((( العرض السريع لتط ُّور التفسير لا يكفي لفهم المراحل والنماذج والمناهج التي تط َّور فيها التفسير؛ لذا َيح ُسن‬ ‫مراجعة أحد الكتب المتخصصة‪ ،‬ومنها على سبيل المثال‪:‬‬ ‫‪ -‬الذهبي‪ ،‬محمد حسين‪ .‬التفسير والمفسرون‪ :‬بحث تفصيلي عن نشأة التفسير وتطوره‪ ،‬وألوانه ومذاهبه‪ ،‬مع‬ ‫عرض شامل لأشهر المفسرين‪ ،‬وتحليل كامل لأهم كتب التفسير من عصر النبي ﷺ إلى عصرنا الحاضر‪،‬‬ ‫القاهرة‪ :‬مكتبة وهبة‪1976 ،‬م‪ ،‬ثلاثة مجلدات‪.‬‬ ‫‪153‬‬

‫و ُق ْل مثل ذلك في علوم الحديث وعلوم الفقه وأصوله م ّما يح ُسن الا ِّطلاع عليه في‬ ‫المراجع المتخ ِّصصة‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬تط ُّور في مسؤولية التعليم‪:‬‬ ‫تشير نصوص التراث التربوي الإسلامي إلى أ َّن تعليم الأبناء كان في بداية‬ ‫التاريخ الإسلامي مهم ًة أساسية من مهمات الأسرة؛ فإ ّما أ ْن يقوم أولياء الأمور بتعليم‬ ‫أبنائهم بأنفسهم‪ ،‬أو يستأجرون َمن يقوم بذلك‪ .‬وكتاب \"آداب ال ُمع ِّلمين\" لابن سحنون‬ ‫(توفي‪256:‬ﻫ) الذي ر َّبما يكون أقدم كتاب متخ ِّصص في شؤون التعليم‪ ،‬في عنوانه‬ ‫ومحتواه‪ ،‬يتح َّدث عن عقود بين ال ُمع ِّلمين وأولياء الأمور‪ ،‬وعن أحكام فقهية مح َّددة تتع َّلق‬ ‫بشروط هذه العقود‪ ،‬وقد نسب ابن سحنون بعضها إلى الإمام مالك (توفي‪179:‬ﻫ)‪ .‬واستمر‬ ‫الحديث عن هذه العقود عبر زمان سحنون (توفي‪240:‬ﻫ)‪ ،‬وابنه محمد (توفي‪256:‬ﻫ)‪،‬‬ ‫والقابسي (توفي‪403:‬ﻫ)‪ ،‬وحتى ابن حجر الهيتمي (توفي‪973:‬ﻫ) في القرن العاشر‬ ‫الهجري‪ .‬وأ َّكد هذا الاتجاه القابسي الذي ب َّين صراح ًة \"أ َّن أئمة المسلمين في صدر هذه‬ ‫الأُ َّمة‪ ...‬لم يبل ْغنا أ َّن أحد ًا منهم أقام ُمع ِّلمين يع ِّلمون للناس أولادهم من صغرهم في‬ ‫الكتاتيب‪ ،‬ويجعلون لهم على ذلك نصيب ًا من مال الله\" كما صنعوا في مجالات ُأخرى‪(((.‬‬ ‫وبالرغم من أ َّننا نجد تعليمات صريحة من بعض الخلفاء والأمراء عن تعميم التعليم‬ ‫وتوفير نفقاته من بيت المال‪ ،‬بدء ًا بعهد عمر بن الخطاب‪ ،‬ومرور ًا بعدد من الخلفاء الأمويين‬ ‫والعباسيين‪ ،‬فقد استمر النقاش الفقهي يؤ ِّكد مسؤولية الأبوين‪ .‬فهذا بدر الدين الغ ِّز ُّي في القرن‬ ‫العاشر يقول‪\" :‬قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله‪ :‬على الآباء والأُ َّمهات ‪-‬أ ْي ونحوهم‬ ‫كالقيم والوصي‪ -‬تعليم من تحت نظرهم من الصغار ما سيتع َّين عليهم بعد البلوغ‪ ...‬وقيل هذا‬ ‫التعليم مستحب‪ ...‬والصحيح وجوبه‪ .‬والمستحب ما زاد على هذا من تعليم قرآن وفقه وأدب‬ ‫ونحوها‪ ...‬ث َّم أجرة تعليم الواجب‪ ،‬ومث ُله أجرة تعليم المستحب من قرآن وما ذكر في مالِ ِهم‬ ‫معه‪ ،‬فإ ْن لم يكن فعلى َمن تلزمه نفقتهم من نحو أ ٍب وإ ْن علا‪ ،‬ث َّم ُأ ٍّم وإ ْن علت‪(((\".‬‬ ‫((( القابسي‪ ،‬أبو الحسن علي بن خلف (توفي‪403:‬ﻫ)‪ .‬الرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين وأحكام المعلمين‬ ‫والمتعلمين‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬أحمد خالد‪ ،‬تونس‪ :‬الشركة التونسية للتوزيع‪ ،‬ط‪1986 ،1‬م‪ ،‬ص‪.98‬‬ ‫((( الغزي‪ ،‬أبو البركات بدر الدين محمد بن محمد (توفي‪984:‬ﻫ)‪ .‬الدر النضيد في أدب المفيد والمستفيد‪ ،‬تحقيق‪:‬‬ ‫نشأت بن كمال المصري‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة التوعية الإسلامية‪2009 ،‬م‪ ،‬ص‪.112-111‬‬ ‫‪154‬‬

‫وقد رافق انتشار الإسلام في البلاد‪ ،‬إنشاء مؤسسات التعليم بأنواعها ومستوياتها‪،‬‬ ‫وذلك بعد انتقال التعليم من المسجد إلى ال ُك ّتاب‪ ،‬أو إلى المدرسة؛ نظر ًا لتزايد الأعداد التي‬ ‫باتت ُت ْقبِل على طلب العلم‪ ،‬ولظهور أنواع من العلوم رأوا أ َّنه لا َيح ُسن تع ُّل ُمها وتعليمها في‬ ‫المسجد؛ لما فيها من نقاش وجدال‪ ،‬مثل‪ :‬علم الكلام‪ ،‬والمنطق‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬وغيرها‪.‬‬ ‫ومع أ َّن التراث الإسلامي يشير إلى عدد من المواقف التي فهم فيها بعض الخلفاء‬ ‫والأمراء مسؤوليتهم‪ ،‬ث َّم مسؤولية الدولة‪ ،‬عن نشر التعليم وتوفير متط َّلباته؛ من‪ :‬علوم‪،‬‬ ‫و ُمع ِّلمين‪ ،‬ومؤسسات تعليمية‪ ،‬فإ َّن الممارسة العملية التي يكشف عنها التراث التربوي‬ ‫الإسلامي تؤ ِّكد أ َّن القاعدة ظ َّلت في الغالب ُت َح ِّمل الأسرة مسؤولية التعليم‪.‬‬ ‫ومن المؤ َّكد أ َّن مسؤولية ولاة الأمر عن التعليم كانت أمر ًا حاضر ًا منذ البداية‪ ،‬وقد‬ ‫و َّثقنا في موقع آخر قيام الخلفاء الراشدين بتعليم ما عندهم من العلم‪ ،‬وإرسال بعض‬ ‫الصحابة إلى الأمصار لتعليم الناس‪ ،‬وتكليف الولاة في الأمصار تيسير ُسبل التع ُّلم ودفع‬ ‫نفقاته ل َمن يحبسون أنفسهم للتعليم‪ .‬وقد تفاوتت الآثار المنقولة في رصد اهتمام الخلفاء‬ ‫في العصر الأموي والعصر العباسي من خليفة إلى آخر‪ ،‬ومن واحد إلى آخر من الولاة في‬ ‫الأمصار‪ .‬ومن الأمثلة على ذلك اهتمام عمر بن عبد العزيز بضرورة اهتمام الولاة والع ّمال‬ ‫في أنحاء الدولة بالتع ُّلم والتعليم‪ ،‬ومن ذلك أ َّنه أرسل إلى والي حمص يقول له‪\" :‬انظر إلى‬ ‫القوم الذين ن َّصبوا أنفسهم للفقه‪ ،‬وحبسوها في المسجد عن طلب الدنيا‪ ،‬فأع ِط كل رجل‬ ‫منهم مئة دينار‪ ،‬يستعينوا بها على ما هم عليه من بيت مال المسلمين‪ ،‬حين يأتيك كتابي‬ ‫هذا‪ .‬وإ َّن خي َر الخير أعجله‪ ،‬والسلام عليك‪(((\".‬‬ ‫ومنه كذلك أ َّن الوليد بن عبد الملك كان يتع َّهد الأيتام‪ ،‬ويكفلهم‪ ،‬وير ِّتب لهم‬ ‫مؤ ِّدبين‪ ،‬كما كان ُيعطي الفقهاء‪ .‬قال الذهبي‪\" :‬كان يختن الأيتام‪ ،‬وير ِّتب لهم المؤ ِّدبين‪،‬‬ ‫وير ِّتب لل َّز ْمنَى َمن يخدمهم‪ ،‬وللأض ّراء َمن يقودهم من رقيق المسلمين‪ ،‬وع َّمر مسجد‬ ‫النبي ﷺ وو َّسعه‪ ،‬ورزق الفقهاء والفقراء والضعفاء‪ ،‬وح َّرم عليهم سؤال الناس‪ ،‬وفرض‬ ‫لهم ما يكفيهم‪ ،‬وضبط الأموال أتم ضب ٍط‪(((\".‬‬ ‫((( ابن الجوزي‪ ،‬الحافظ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن (توفي ‪597‬ﻫ)‪ .‬سيرة عمر بن عبد العزيز الخليفة‬ ‫الزاهد‪ ،‬ضبط وشرح وتعليق‪ :‬نعيم زرزور‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1984 ،1‬م‪ ،‬ص‪.115‬‬ ‫((( الذهبي‪ ،‬شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز (توفي ‪748‬ﻫ)‪ .‬تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير‬ ‫والأعلام‪ ،‬تحقيق‪ :‬عمر عبد السلام تدمري‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬ط‪1987 ،1‬م‪ ،‬حوادث ووفيات‬ ‫(‪100-81‬ﻫ)‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.500‬‬ ‫‪155‬‬

‫ومن الملاحظ أ َّن مسؤولية الوالدين عن تعليم الأبناء‪ ،‬ولا سيما في المراحل الأُولى‬ ‫من س ِّن الأبناء‪ ،‬كانت تنطلق من المبادرات المحلية في المجتمع الإسلامي؛ تطبيق ًا‬ ‫للتوجيه الإسلامي في الح ِّث على طلب العلم وبذله‪ ،‬وتحقيق ًا لمسؤولية الرعاية المنوطة‬ ‫بالوالدين؛ لذا انتشرت الكتاتيب في أحياء المدن والقرى والأرياف والبوادي‪ ،‬فش َّكل‬ ‫ذلك بديل ًا عن قيام الدولة بتمويل هذا المستوى من التعليم الأولي في معظم الأحيان‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬تط ُّور في مكانة ال ُمع ِّلم ومهنة التعليم‪:‬‬ ‫بالرغم من سم ِّو مكانة ال ُمع ِّلم‪ ،‬فإ َّن هذه المكانة شا َبها شي ٌء من التشويه والنقص‪.‬‬ ‫فمع هذا الانتشار والتو ُّسع في مؤسسات التعليم وأعداد ال ُم ْقبِلين عليه زادت الحاجة إلى‬ ‫ال ُمع ِّلمين‪ ،‬ودخل إلى مهنة التعليم في بعض الأزمان َمن لم يكن أهل ًا لها‪ ،‬فاخت َّلت صورة‬ ‫ال ُمع ِّلم في المجتمع‪ ،‬وأصبح أحيان ًا مضرب المثل في الحمق والغباء‪.‬‬ ‫وهو ما انتبه إليه الجاحظ وغيره‪ ،‬وف َّسروه بأ َّنه نتيج ٌة طبيعية لمعاشرتهم الصبيان‪.‬‬ ‫يقول الجاحظ‪\" :‬وهؤلاء الذين هج ْو َتهم وشك ْو َتهم وحاج ْج َتهم و َف َح ْشت عليهم‪ ،‬وألز ْمت‬ ‫الأكاب َر ذنب الأصاغر‪ ،‬وحكم َت على المجتهدين بتفريط المقصرين‪ ،‬و َر َث ْيت لآباء الصبيان‬ ‫من إبطاء ال ُمع ِّلمين عن تحذيقهم‪ ،‬ولم ت ْر ِث لل ُمع ِّلمين من إبطاء الصبيان ع ّما يراد بهم‪،‬‬ ‫و ُب ْع ِدهم عن صرف القلوب لما يحفظونه ويدرسونه‪ ،‬وال ُمع ِّلمون أشقى بالصبيان من رعاة‬ ‫الضأن و ُر َّواض المهارة‪ (((\".‬وقد رأى الجاحظ أ َّن م ّما‪\" :‬أعان الله تعالى به الصبيان أ ْن ق َّرب‬ ‫طبائ َعهم ومقادي َر عقولهم من مقادير عقول ال ُمع ِّلمين‪ (((\".‬وربما كان المقصود بهذه العبارة‬ ‫هو تقريب عقول ال ُمع ِّلمين من عقول الصبيان؛ فقد وردت نصوص تراثية متعددة عن تح ُّول‬ ‫لغة البالغين وسلوكهم إلى ما يناسب حالة الأطفال واستجاباتهم المرغوبة‪ .‬ومن ذلك قول‬ ‫الجاحظ‪\" :‬ألا ترى أ َّن أبل َغ الناس لسان ًا‪ ،‬وأجو َدهم بيان ًا‪ ،‬وأد َّقهم فطن ًة‪ ،‬وأبع َدهم رو َّي ًة‪ ،‬لو‬ ‫نا َط َق طفل ًا أو نا َغى صبي ًا‪ ،‬لتو ّخى حكاي َة مقادير عقول الصبيان‪ ،‬وال َّش َب َه لمخارج كلامهم‪،‬‬ ‫وكان لا ُب َّد من أ ْن ينصرف عن كل ما ف َّضله الله به بالمعرفة الشريفة والألفاظ الكريمة!\"(((‬ ‫((( الجاحظ‪ ،‬أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب (توفي‪255:‬ﻫ)‪ .‬رسائل الجاحظ‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السلام هارون‪،‬‬ ‫بيروت‪ :‬دار الجيل‪1991 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.28‬‬ ‫((( المرجع السابق‪ ،‬ص‪.37‬‬ ‫((( المرجع السابق‪ ،‬ص‪.28‬‬ ‫‪156‬‬

‫وقد وجدنا نصوص ًا متعددة تشير إلى اعتبار مهنة تعليم الصبيان مؤ ِّشر ًا لنقص‬ ‫وضعف في شخصيات ال ُمع ِّلمين وعدم الثقة بهم‪ ،‬وأصبحت مهنة التعليم تهم ًة ُتز ِري‬ ‫بصاحبها‪ ،‬وقالوا في ذلك شعر ًا‪:‬‬ ‫كفـى المرء نقص ًا أ ْن يقال بأ َّنه ُمع ِّل ُم صبيا ٍن وإ ْن كان فاضل ًا(((‬ ‫و َينْ ُسب اب ُن حجة قولاً إلى ابن الجوزي يقول فيه‪\" :‬قال ابن الجوزي في آخر كتاب‬ ‫\"الحمقى والمغفلين\"‪ :‬إ َّن ال ُمع ِّلمين للصبيان صناعتهم تكاد أ ْن تكون إكسير ًا لق َّلة العقل‪،‬‬ ‫وإبراز ًا للحماقة‪(((\".‬‬ ‫وهناك نصوص تو ِّثق تطا ُول الصبيان على صنف من ال ُمع ِّلمين بالهزء والضرب‬ ‫أحيان ًا؛ لسقوط مكانتهم في أنفسهم‪ ،‬وامتهان كرامتهم‪(((.‬‬ ‫ومن أسباب تد ّني هذه المكانة ما ذكره ابن حوقل‪ ،‬قال‪\" :‬وكان قد سبق الرسم بإعفاء‬ ‫ال ُمع ِّلمين قديم ًا بينهم من النوائب‪ ،‬وحملت على المغارم‪ ،‬ففزع إلى التعليم ُب ُل ُههم‪،‬‬ ‫وح َّسن ُه لديهم جه ُل ُهم مع ق َّلة الانتفاع به والجدوى منه؛ فإ َّن فيهم الكثير تم ُّر به السنة فلا‬ ‫يصيب من جميع صبيانه وهو كثير عشرة دنانير‪ ،‬فأ ُّي منزلة أقبح‪ ،‬وصورة أخ ُّس وأوتح من‬ ‫رجل باع ما أوجب الله تعالى عليه من الجهاد وشرفه‪ ،‬والغزو وعزه بأخس منزلة‪ ،‬وأوضح‬ ‫حرفة‪ ،‬وأسقط صنيعة‪(((\".‬‬ ‫((( الراغب الأصبهاني‪ ،‬أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل المعروف بالراغب (توفي‪502:‬ﻫ)‪ .‬محاضرات الأدباء‬ ‫ومحاورات الشعراء والبلغاء‪ ،‬ه َّذبه واختصره‪ :‬إبراهيم زيدان‪ ،‬القاهرة‪ :‬مطبعة الهلال بالفجالة‪1902 ،‬م‪ ،‬ص‪.53‬‬ ‫((( ابن حجة الحموي‪ ،‬تقي الدين أبو بكر بن علي بن محمد (توفي‪837:‬ﻫ)‪ .‬ثمرات الأوراق‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد أبو‬ ‫الفضل إبراهيم‪ ،‬بيروت‪ :‬المكتبة العصرية‪2005 ،‬م‪ ،‬ص‪.138‬‬ ‫بيد أ َّن هذا النص الموجود في عدد من المراجع الأُخرى ليس موجود ًا في النسخ المطبوعة من كتاب‬ ‫\"الحمقى والمغفلين\" لابن الجوزي‪.‬‬ ‫((( َث َّمة قص ٌص متعددة في ذلك‪ ،‬ذكرها ابن الجوزي في \"أخبار الحمقى والمغفلين\"‪ .‬انظر‪:‬‬ ‫‪ -‬ابن الجوزي‪ ،‬أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي (توفي ‪597‬ﻫ)‪ .‬أخبار الحمقى والمغفلين‪ ،‬بيروت‪:‬‬ ‫المكتب التجاري‪( ،‬د‪.‬ت‪ ،).‬ص‪.142‬‬ ‫ومن ذلك قوله‪ ...\" :‬قال الجاحظ‪ :‬ومررت ب ُمع ِّلم صبيان وهو جالس وحده وليس عنده صبيانه‪ ،‬فقلت‬ ‫له‪ :‬ما فعل صبيانك؟ قال‪ :‬ذهبوا يتصافعون‪ ،‬فقلت‪ :‬أذهب وأنظر إليهم؟ فقال‪ :‬إ ْن كان ولا ُب َّد فغ ِّط رأسك لئلا‬ ‫يحسبوك أنا فيصفعوك حتى تعمى‪\".‬‬ ‫((( ابن حوقل‪ ،‬أبو القاسم محمد بن حوقل النصيبي الموصلي (توفي‪367:‬ﻫ)‪ .‬كتاب صورة الأرض‪ ،‬بيروت‪:‬‬ ‫منشورات دار مكتبة الحياة‪1992 ،‬م‪ ،‬ص‪.121-120‬‬ ‫‪157‬‬

‫ور َّبما كان القصور في مسؤولية الدولة عن التعليم‪ ،‬وبسط إلزاميته‪ ،‬وتوفير متط َّلباته‪،‬‬ ‫وتنظيم إدارته‪ ،‬أحد الأسباب في دخول ميدان التعليم َمن لم يكن أهل ًا له‪ ،‬لا سيما إذا‬ ‫رافق ذلك قصور في أداء المحتسب لمهمته في الرقابة على التعليم وال ُمع ِّلمين‪ ،‬والبطء‬ ‫في إنشاء المؤسسات المتخ ِّصصة التي تدير التعليم وتن ِّظم شؤونه‪ ،‬فأسهم ذلك في تراجع‬ ‫مكانة ال ُمع ِّلم في المجتمع‪ ،‬والح ِّط من مهنة التعليم في بعض الأوساط‪.‬‬ ‫وتج ّلى عدم تأهيل ال ُمع ِّلم أحيان ًا في جهله بالطرق المناسبة للتعليم؛ ما زاد في تراجع‬ ‫مكانة ال ُمع ِّلمين‪ ،‬وأنقص تع ُّلق الطلبة بالتعليم‪ .‬وفي هذا يقول ابن خلدون‪\" :‬وقد شاهدنا كثير ًا‬ ‫من ال ُمع ِّلمين لهذا العهد الذي أدركنا يجهلون طرق التعليم وإفاداته‪ ،‬و ُيح ِضرون لل ُمتع ِّلم في‬ ‫أول تعليمه المسائل المقفلة من العلم‪ ،‬ويطالبونه بإحضار ذهنه في حلها‪ ،‬و َي ْح َسبون ذلك‬ ‫مران ًا على التعليم وصواب ًا فيه‪ ... ،‬ويخلطون عليه بما ُي ْلقون له من غايات الفنون في مبادئها‪،‬‬ ‫وقبل أ ْن يستعد لفهمها‪ ... ،‬و َح ِسب (الطالب) ذلك ِمن صعوبة العلم في نفسه‪ ،‬فتكاسل عنه‪،‬‬ ‫وانحرف عن قبوله‪ ،‬وتمادى في ُهجرانه‪ ،‬وإ َّنما أتى ذلك من سوء التعليم‪(((\".‬‬ ‫ولع َّل من المناسب أ ْن نشير إلى أ َّن ما قيل عن تراجع مكانة ال ُمع ِّلم ينطبق في الغالب‬ ‫على ُمع ِّلمي الصبيان في الكتاتيب‪ .‬أ ّما المؤ ِّدبون الذين كانوا يتو َّل ْون تعليم أولاد الخاصة‬ ‫من الخلفاء والأمراء والأغنياء‪ ،‬فإ َّن مكانتهم كانت ترتفع بارتفاع منزلتهم عند أولئك‬ ‫الخاصة‪ .‬ور َّبما أراد الجاحظ تأكيد معنى الارتفاع في مكانة ال ُمع ِّلم مع الارتفاع في منزلة‬ ‫أولياء ال ُمتع ِّلمين‪ .‬وحتى ُمع ِّلمو الكتاتيب‪ ،‬فإ َّنهم عند الجاحظ فئات؛ فبعضهم من الحاشية‬ ‫ال َّس ِفلة‪ .‬يقول‪\" :‬ال ُمع ِّلمون على ضربين؛ منهم رجا ٌل ارتفعوا عن تعليم أولاد العامة إلى‬ ‫أولاد الخاصة‪ ،‬ومنهم رجا ٌل ارتفعوا عن تعليم أولاد الخاصة إلى تعليم أولاد الملوك‬ ‫أنفسهم المرشحين للخلافة‪ .‬فكيف تستطيع أ ْن تزعم أ َّن مثل عل ِّي بن حمزة الكسائي‬ ‫ومحمد بن المستنير الذي يقال له ُق ْط ُرب‪ ،‬وأشبا َه هؤلاء يقال لهم حمقى‪ .‬ولا يجوز هذا‬ ‫القول على هؤلاء ولا على الطبقة التي دونهم‪ .‬فإ ْن ذهبوا إلى ُمع ِّلمي كتاتيب ال ُقرى‪ ،‬فإ َّن‬ ‫لكل قوم حاشي ًة و َس ِفل ًة‪ ،‬فما ُه ْم في ذلك إلا كغيرهم‪ ،‬وكيف تقول مثل ذلك في هؤلاء‬ ‫وفيهم الفقهاء والشعراء والخطباء‪(((\". ...‬‬ ‫((( ابن خلدون‪ ،‬أبو زيد عبد الرحمن بن محمد الحضرمي (توفي‪808:‬ﻫ)‪ .‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي عبد الواحد‬ ‫وافي‪ ،‬طبعة جديدة ومنقحة‪ ،‬القاهرة‪ :‬نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪2004 ،4‬م‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.1110‬‬ ‫((( الجاحظ‪ ،‬أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب (توفي‪255:‬ﻫ)‪ .‬البيان والتبيين‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السلام هارون‪،‬‬ ‫بيروت‪ :‬دار الجيل‪( ،‬د‪ .‬ت‪ ،).‬ج‪ ،1‬ص‪.251-250‬‬ ‫‪158‬‬

‫وقد شهد المجتمع الإسلامي تط ُّور ًا واضح ًا حين أصبح التعليم مهنة لها شروطها‬ ‫وطرق التأهيل لها‪ ،‬لك َّن متط َّلبات الإعداد والتأهيل لهذه المهنة كانت تختلف باختلاف‬ ‫المستوى؛ فالمؤ ِّدب الذي سيع ِّلم أبناء الملوك والأمراء والأغنياء سيكون المطلوب منه‬ ‫كفاء ًة عالية ومواصفات محددة تخت ُّص بشخصيته الثقافية‪ ،‬وبنيته الجسمية‪ ،‬فضل ًا عن‬ ‫تب ُّحره في العلم‪ ،‬وتزكية كبار العلماء‪ ،‬وإجازتهم له‪ .‬وقد عرف التراث الإسلامي َمن‬ ‫تخ َّصص في إعداد الأدباء وتأهيلهم‪ ،‬كما يروي ياقوت الحموي‪ .‬ومن هؤلاء ‪-‬مثل ًا‪-‬‬ ‫أحمد بن محمد بن عبد الله السهلي‪ ،‬قيل عنه‪ :‬هو \"إمام في الأدب‪ ...‬وأنفق عمره على‬ ‫مطالعة العلوم وتدريس مؤ ِّدبي نيسابور‪ (((\".‬ومنهم \"الحسن بن مهرجان‪ ،‬كان من أعرف‬ ‫المؤ ِّدبين بأسرار التأديب والتدريس‪ ،‬وأعلمهم بطرق التدريج إلى التخريج‪(((\".‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬تط ُّور في علاقة العلماء بالحكام‪:‬‬ ‫كان بعض العلماء والأدباء يتر َّفعون حتى عن تأديب أولاد الخاصة؛ فهذا الإمام مالك‬ ‫بن أنس (توفي‪179 :‬ﻫ) رفض أ ْن يذهب ليع ِّلم ولدي الخليفة المهدي (توفي‪169:‬ﻫ)‪:‬‬ ‫هارون الرشيد‪ ،‬وموسى الهادي‪ .‬وحتى عندما حضرا إليه مع مؤ ِّدبِهما‪ ،‬رفض أ ْن يقرأ‬ ‫لهم حتى يقرؤوا ُه ْم عليه؛ لأ َّن‪\" :‬أهل المدينة يقرؤون على العالِم كما يقرأ الصبيان على‬ ‫ال ُمع ِّلم‪ (((\".‬ث َّم إ َّن مالك ًا نف َسه رفض أ ْن يذهب لقراءة المؤطأ على هارون الرشيد عندما‬ ‫َق ِدم المدين َة حاج ًا في أثناء خلافته‪ ،‬ورأى أ َّن ذلك َو ْضع ًا للعلم‪ .‬وقد روى ابن عساكر هذه‬ ‫القصة‪ ،‬قائل ًا‪\" :‬قال هارون لمالك‪ :‬يا أبا عبد الله‪ ،‬أريد أ ْن أسمع منك الموطأ‪ ،‬قال‪ :‬فقال‬ ‫مالك‪ :‬نعم يا أمير المؤمنين‪ ،‬قال‪ :‬فقال لمالك‪ :‬متى؟ قال مالك‪ :‬غد ًا‪ ،‬قال‪ :‬فجلس هارون‬ ‫ينتظره‪ ،‬وجلس مالك في َب ْيتِه ينتظره‪ ،‬قال‪ :‬فل ّما أبطأ عليه أرسل إليه هارون ف َد َعاه‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫فقال له‪ :‬يا أبا عبد الله‪ ،‬ما زل ُت انتظ ُر َك اليوم‪ ،‬فقال مالك‪ :‬وأنا أيض ًا يا أمير المؤمنين لم أ َز ْل‬ ‫أنتظ ُرك منذ اليوم‪ ،‬إ َّن العلم ُي ْؤ َتى ولا َي ْأتِي‪ ،‬وإ َّن اب َن ع ِّمك هو الذي جاء بالعلم ﷺ‪ ،‬فإ ْن‬ ‫رفع ُت ُموه ا ْر َت َفع‪ ،‬وإ ْن وضع ُت ُموه ا َّت َضع‪(((\".‬‬ ‫((( الحموي‪ ،‬معجم الأدباء‪ :‬إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.491‬‬ ‫((( المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.1869‬‬ ‫((( الذهبي‪ ،‬شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان (توفي‪748:‬ﻫ)‪ .‬سير أعلام النبلاء‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب الأرنؤوط‬ ‫ومحمد نعيم العرقسوسي‪ ،‬بيروت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1982 ،2‬م‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.64‬‬ ‫((( ابن عساكر‪ ،‬أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله (توفي‪571:‬ﻫ)‪ .‬كشف المغ َّطا في فضل المو َّطا‪ ،‬تحقيق‪:‬‬ ‫محمد مطيع الحافظ‪ ،‬بيروت ودمشق‪ :‬دار الفكر المعاصر ودار الفكر‪1992 ،‬م‪ ،‬ص‪.58-57‬‬ ‫‪159‬‬

‫ومثل هذا الموقف ليس خاص ًا بالإمام مالك‪ ،‬وما ُع ِرف عنه من إجلاله لما يحمله‬ ‫من علم‪ ،‬وإجلاله للمدينة وأهلها؛ فقد وقع ذلك من غيره من العلماء‪ ،‬ونذكر مثالاً عليه‬ ‫من علماء الأندلس؛ فهذا أبو سليمان داود بن يزيد الغرناطي (توفي‪573:‬ﻫ) طلب منه‬ ‫السلطان أ ْن يع ِّلم أبناءه‪ ،‬فقال‪\" :‬والله لا أهنت العلم‪ ،‬ولا مشيت إلى الديار‪(((\".‬‬ ‫ور َّبما كان إقبال بعض أهل العلم على الدنيا‪ ،‬وطلبهم الجاه والمال عند الأمراء‪،‬‬ ‫أحد الأسباب في سقوط منزلتهم‪ ،‬ليس في المجتمع فحسب‪ ،‬بل عند الأمراء‪ ،‬ور َّبما عند‬ ‫أنفسهم؛ فقد تح َّدث ابن حزم عن المخاطر النفسية التي قد تتر َّتب على هذه الصلة‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫\"وإ ِن اب ُت ِلي بصحبة سلطان فقد اب ُت ِلي بعظيم البلايا‪ ،‬وعرض للخطر الشنيع في ذهاب دينه‪،‬‬ ‫وذهاب نفسه‪ ،‬وشغل باله‪ ،‬وترادف همومه‪(((\". ...‬‬ ‫ولك ْن‪ ،‬من المهم أ ْن نلاحظ أ َّن المجتمع الإسلامي‪ ،‬حتى في تلك الظروف‪ ،‬ومع‬ ‫وجود مثل هذه الحالات‪ ،‬كان يمتلئ بحالات ُأخرى من العلماء الأعلام الذين حافظوا‬ ‫بتكريمهم لعلمهم‪ ،‬وتب ُّحرهم فيه‪ ،‬وباستقلالية شخصياتهم وق َّوتها‪ ،‬وبتر ُّفعهم عن حظوظ‬ ‫الدنيا‪ ،‬وجرأتهم في العلاقة بالأمراء‪ ،‬فاكتسبوا بذلك المكانة العالية عند الناس‪ ،‬وحتى‬ ‫عند الأمراء أنفسهم‪ .‬ومن الإنصاف أ ْن نتذ َّكر الأمثلة الكثيرة من هذا الصنف من العلماء‬ ‫ال ُمع ِّلمين كلما ورد الحديث عن وجود حالات التد ّني في مكانة العلماء وال ُمع ِّلمين‪.‬‬ ‫وإذا كان هذا التن ُّوع في السلوك البشري يع ِّبر عن طبائع البشر‪ ،‬فإ َّن َث َّمة تن ُّوع ًا آخ َر‬ ‫يعكس الاختلاف في اجتهادات العلماء في تح ّري الحق في المواقف والفتاوى‪ .‬ومثال‬ ‫ذلك أ َّننا نجد نصوص ًا كثيرة تح ِّذر من القرب من الأمراء والسلاطين‪ ،‬وقد أخذ بها بعض‬ ‫العلماء؛ تر ُّفع ًا ع ّما قد يس ِّببه ذلك من حالات ضعف‪ ،‬وخضوع‪ ،‬ونفاق‪ .‬فقد روى ابن‬ ‫عباس عن النبي ﷺ قوله‪\" :‬و َمن أتى أبواب السلاطين اف ُتتِن‪ (((\".‬ومع ذلك نجد علماء‬ ‫((( السيوطي‪ ،‬جلال الدين عبد الرحمن بن كمال الدين (توفي‪911:‬ﻫ)‪ .‬بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة‪،‬‬ ‫تحقيق‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬القاهرة‪ :‬مطبعة عيسى البابي الحلبي‪ ،‬ط‪1964 ،1‬م‪ ،‬ص‪.563‬‬ ‫((( ابن حزم‪ ،‬أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد (توفي‪456:‬ﻫ)‪ .‬رسائل ابن حزم الأندلسي‪ ،‬تحقيق‪ :‬إحسان عباس‪،‬‬ ‫بيروت‪ :‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬ط‪1983 ،1‬م‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.76‬‬ ‫((( الترمذي‪ ،‬جامع الترمذي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬كتاب‪ :‬الفتن‪ ،‬با ٌب‪ ،‬حديث رقم‪ ،)2256( :‬ص‪.373‬‬ ‫‪160‬‬

‫آخرين كانوا جبالاً في العلم والصلاح‪ ،‬لم يأنفوا من تلبية دعوات الأمراء‪ ،‬وقبول بعض‬ ‫ِصلاتهم المالية‪ ،‬ولك َّن مواقفهم كانت تشهد أمثلة عظيمة في الاستقلالية والجرأة وع َّزة‬ ‫النفس‪ .‬وعندما كانت تو َّجه إليهم انتقادات الصلة بالأمراء‪ ،‬كانوا يب ِّينون ما يتح َّقق من ذلك‬ ‫من خير‪ ،‬وما يضيع من ُفرص الخير لو لم يفعلوه‪.‬‬ ‫وعلى كل حال‪ ،‬فإ َّن التاريخ الإسلامي لم يخ ُل من أمراء ا َّتصفوا بالظلم والكذب‪،‬‬ ‫ولم يخ ُل التراث الإسلامي من علماء ص َّدقوهم في كذبهم‪ ،‬وز َّينوا لهم ظلمهم‪ ،‬وأعانوهم‬ ‫عليه؛ خوف ًا‪ ،‬أو طمع ًا‪ .‬ور َّبما كان تراث التحذير من الاقتراب من الأمراء ‪-‬وهو كثير‪ -‬يقع‬ ‫في مثل هذه الحالات‪ .‬ففي الحديث عن جابر بن عبد الله ‪ ‬أ َّن رسول الله ﷺ قال‪:‬‬ ‫\"سيكون أمراء‪َ ،‬من دخل عليهم وأعانهم على ظلمهم‪ ،‬وص َّدقهم بكذبهم‪ ،‬فليس مني‪،‬‬ ‫ولست منه‪ ،‬ولن ير َد عل َّي الحوض‪ .‬و َمن لم يدخل عليهم‪ ،‬ولم يعنهم على ظلمهم‪ ،‬ولم‬ ‫يص ِّدقهم بكذبهم‪ ،‬فهو مني‪ ،‬وأنا منه‪ ،‬وسير ُد عل َّي الحوض‪ (((\".‬‬ ‫لقد تن َّوعت مواقف العلماء مع السلاطين؛ من‪ :‬ملاينة ومتابعة‪ ،‬أو تش ُّدد وابتعاد‪.‬‬ ‫والأمثلة كثيرة على نوعي الصلة‪ ،‬وقد استشهد اب ُن عبد البر في \"جامع بيان العلم وفضله\"‬ ‫في هذا الباب بكثير من الأحاديث والآثار‪ ،‬منها الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه‪:‬‬ ‫\"يكون عليكم أمراء تعرفون منهم وتنكرون‪ ،‬ف َمن أنكر فقد برئ‪ ،‬و َمن كره فقد َس ِلم‪،‬‬ ‫ولك ْن َمن رضي وتابع فأبعده الله‪ (((\".‬ومنها ما يرويه عن الأعمش‪\" :‬ش ُّر الأمراء أبعدهم‬ ‫من العلماء‪ ،‬وش ُّر العلماء أقربهم من الأمراء‪ (((\".‬ث َّم ع َّقب اب ُن عبد البر على الآثار المروية‬ ‫((( النسائي‪ ،‬أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي (توفي‪303:‬ﻫ)‪ .‬سنن النسائي‪ ،‬اعتنى به‪ :‬فريق بيت‬ ‫الأفكار الدولية‪ ،‬الرياض‪ :‬بيت الأفكار الدولية‪ ،‬ط‪1999 ،1‬م‪ ،‬كتاب‪ :‬البيعة‪ ،‬باب‪ :‬من لم يعن أمير ًا على الظلم‪،‬‬ ‫حديث رقم‪ ،)4208( :‬ص‪.442‬‬ ‫((( ابن عبد البر‪ ،‬أبو عمر يوسف بن عبد الله النمري القرطبي (توفي‪463 :‬ﻫ)‪ .‬جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬تحقيق‪:‬‬ ‫أبو الأشبال الزهيري‪ ،‬الدمام‪ :‬دار ابن الجوزي‪ ،‬مجلد واحد‪1414( ،‬ﻫ‪1994/‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.635-634‬‬ ‫والحديث صحيح‪ .‬انظر‪:‬‬ ‫‪ -‬مسلم‪ ،‬أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري (توفي‪260:‬ﻫ)‪ .‬صحيح مسلم‪ ،‬اعتنى به‪ :‬أبو صهيب الكرمي‪،‬‬ ‫الرياض‪ :‬بيت الأفكار الدولية‪ ،‬ط‪1998 ،1‬م‪ ،‬كتاب‪ :‬الإمارة‪ ،‬باب‪ :‬وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف‬ ‫الشرع وترك قتالهم ما صلوا‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬حديث رقم‪ ،)1854( :‬ص‪.774‬‬ ‫((( ابن عبد البر‪ ،‬جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.634‬‬ ‫‪161‬‬

‫في هذا الباب بقوله‪\" :‬معنى هذا الباب كله في السلطان الجائر الفاسق‪ ،‬فأ ّما العدل منهم‬ ‫الفاضل‪ ،‬فمدا َخ َل ُته ورؤي ُته وعو ُنه على الصلاح من أفضل أعمال البر‪ ،‬ألا ترى أ َّن عمر‬ ‫بن عبد العزيز إ ّنما كان يصحبه ج َّلة العلماء‪ ،‬مثل‪ :‬عروة بين الزبير وطبقته‪ ،‬وابن شهاب‬ ‫وطبقته‪ .‬وقد كان اب ُن شهاب يدخل إلى السلطان عبد الملك وبنيه بعده‪ .‬وكان م َّمن يدخل‬ ‫إلى السلطان‪ :‬الشعبي‪ ،‬وقبيصة بن ذؤيب‪ ،‬والحسن‪ ،‬وأبو الزناد‪ ،‬ومالك‪ ،‬والأوزاعي‪،‬‬ ‫والشافعي ‪ ،‬وجماعة يطول ذكرهم‪ .‬وإذا حضر العالِم عند السلطان ِغ ّب ًا فيما فيه‬ ‫الحاجة إليه‪ ،‬وقال خير ًا‪ ،‬ونطق بعلم كان َح َسن ًا‪ ،‬وكان في ذلك رضوان الله إلى يوم يلقاه‪،‬‬ ‫ولكنَّها مجالس الفتنة فيها أغلب‪ ،‬والسلامة منها ترك ما فيها‪ ،‬وحسبك ما تق َّدم في هذا‬ ‫الباب من قوله ﷺ‪َ \" :‬من أنكر فقد برئ‪ ،‬ولك ْن َمن رضي وتابع‪ ،‬فأبعده الله ع َّز وج َّل‪(((\".‬‬ ‫وكما كان في العلماء أهل علم وتقى وصلاح‪ ،‬كان في الأمراء أهل علم وعدل‬ ‫وصلاح كذلك‪ .‬وقد ُع ِرف من الأمراء َمن كانوا ُي ِج ّلون العلما َء إجلالاً عظيم ًا‪ ،‬ويجلسون‬ ‫بين أيديهم جلوس التلميذ أمام ال ُمع ِّلم‪ .‬فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال‪ :‬قال‬ ‫رسول الله ص ّلى الله عليه وس َّلم‪\" :‬إ َّن الله يحب الأمراء إذا خالطوا العلماء‪ ،‬ويمقت العلماء‬ ‫إذا خالطوا الأمراء؛ لأ َّن العلماء إذا خالطوا الأمراء رغبوا في الدنيا‪ ،‬والأمراء إذا خالطوا‬ ‫العلماء رغبوا في الآخرة‪(((\".‬‬ ‫خامس ًا‪ :‬التط ُّور في أخذ الأجرة على التعليم‪:‬‬ ‫ح َّذرت نصوص القرآن الكريم والحديث النبوي من جعل طلب العلم وسيل ًة‬ ‫للتك ُّسب والتر ُّفع والجاه‪ .‬وبسبب هذا التحذير‪ ،‬اجتهد بعض العلماء في تحريم أخذ‬ ‫الأجرة على التعليم‪ .‬ولك ْن‪ ،‬سرعان ما أصبح واضح ًا صعوبة الجمع بين ُسبل اكتساب‬ ‫الرزق‪ ،‬والالتزام بمسؤولية عامة‪ .‬فبعد أ ْن بويع أبو بكر بالخلافة‪ ،‬رآه عمر وعبد الرحمن‬ ‫بن عوف يحمل ثياب ًا يريد بها السوق‪ ،‬فاعترضا عليه‪ ،‬فذكر أ َّنه يريد اكتساب الرزق لعياله‪،‬‬ ‫فاصطحباه إلى المسجد حيث تشاور المسلمون في فرض مخصصات مالية تكفيه مؤونة‬ ‫((( المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.644‬‬ ‫((( الديلمي الهمذاني‪ ،‬أبو شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه (توفي‪509:‬ﻫ)‪ .‬الفردوس بمأثور الخطاب‪ ،‬تحقيق‪:‬‬ ‫السعيد بن بسيوني زغلول‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1986 ،1‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬حديث رقم‪ ،)566( :‬ص‪.155‬‬ ‫‪162‬‬

‫العمل‪ ،‬ليتف َّرغ لشؤون المسلمين‪ (((.‬فالخلافة منص ٌب عام يحتاج إلى تف ُّرغ‪ ،‬و ُتغ ّطى حاج ُة‬ ‫َمن يقوم بهذا المنصب من بيت المال؛ أ ْي من موازنة الدولة‪ .‬ومثله كثير من الأعمال‪،‬‬ ‫مثل‪ :‬عمل القاضي‪ ،‬والمحتسب‪ ،‬والمؤ ِّذن‪ ،‬وصاحب السوق‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬ ‫وعندما كان جلوس ال ُمع ِّلم للتعليم في أوقات محدودة في اليوم أو في الأسبوع‬ ‫ليق ِّدم للناس شيئ ًا من علمه‪ ،‬يبتغي به إبلاغ العلم‪ ،‬والأجر من الله‪ ،‬جاءت الآثار بالنهي‬ ‫عن أخذ الأجرة على التعليم‪ .‬وعندما ظهرت الحاجة إلى التف ُّرغ الكامل للتعليم‪ ،‬وليس‬ ‫لل ُمع ِّلم مصدر رزق ُيغنيه عن طلب الأجرة أو قبولها‪ ،‬ظهرت الحاجة إلى أخذ الأجرة‪.‬‬ ‫وعندما يكون ال ُمع ِّلم مخلص ًا في عمله متقن ًا له‪ ،‬فلن ينقص أخ ُذه الأجر َة شيئ ًا من فضله‪،‬‬ ‫وكرامته في المجتمع‪ ،‬وأجره عند الله‪.‬‬ ‫ومع أ َّن إنشاء المدارس‪ ،‬والإنفاق بسخاء عليها‪ ،‬وتعيين كبار العلماء فيها مقابل‬ ‫أجرة‪ ،‬كان ُيذ َكر بالثناء والتبجيل‪ ،‬فقد كان بعض العلماء يرون ذلك مناسبة لإقامة المآتم؛‬ ‫لأ َّنهم يرون أ َّنه لا يجلس لبذل العلم إلا الكبار من العلماء؛ الكبار بعلمهم وكرامتهم‪،‬‬ ‫وليس بما يكسبونه من أجر على التعليم‪ .‬وقد جاء في كتاب \"القانون\" للحسن اليوسي في‬ ‫هذا الشأن قوله‪\" :‬ويقال إ َّنه ل ّما بلغ علما َء ما وراء النهر بنا ُء المدارس ببغداد أقاموا مأتم ًا‬ ‫للعلم‪ ،‬وقالوا‪ :‬كان الذين يشتغلون به هم أرباب الهمم ف ُينْ َت َفع بهم‪ ،‬فأ ّما إذا كانت له أجرة‪،‬‬ ‫فإ َّنه يتسارع إليه الأ ِخ ّساء‪ ،‬فيكون ذلك سبب ًا لارتفاعه‪ (((\".‬ونظر ًا لما استقر عليه المجتمع‬ ‫من حاجته إلى تف ُّرغ ال ُمع ِّلمين لتعليم الأبناء وتأمين متط َّلبات ذلك من أجور ال ُمع ِّلمين‪،‬‬ ‫ونفقات الأماكن والمرافق والمواد التعليمية وغيرها؛ فإ َّننا لا نتوقع أ ْن تكون الحالة التي‬ ‫تح َّدث عنها اليوسي تقع ضمن هذا المستوى من الحاجة والضرورة‪ ،‬و ِم ْن َث َّم التقدير‪.‬‬ ‫وقد أكثر العلماء من الجدل حول حكم أخذ الأجر على التعليم‪ ،‬وف َّرعوا على‬ ‫الموضوع مسائل متعددة ما بين منع وإجازة‪ ،‬منها ما يخت ُّص بالتمييز بين حكم تعليم القرآن‬ ‫((( الطبري‪ ،‬أبو جعفر محمد بن جرير (توفي‪310:‬ﻫ)‪ .‬تاريخ الأمم والملوك‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الفكر‪1979 ،‬م‪ ،‬المجلد‬ ‫الثاني‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.54‬‬ ‫((( اليوسي‪ ،‬أبو المواهب الحسن بن مسعود (توفي‪1105:‬ﻫ)‪ .‬القانون في أحكام العلم وأحكام العالم وأحكام‬ ‫المتعلم‪ ،‬تحقيق وشرح‪ :‬حميد حماني‪ ،‬الرباط‪ :‬المحقق‪1998 ،‬م‪ ،‬ص‪.306‬‬ ‫‪163‬‬

‫والعلوم الأُخرى‪ ،‬وحكم ما يخت ُّص بتعليم الصبيان لأساسيات الدين وتعليم البالغين‬ ‫علوم ًا متخ ِّصصة‪ .‬ومنها ما يخت ُّص بالقيام بالتعليم بتكليف من الدولة‪ ،‬أو بالتعليم على‬ ‫نفقة أولياء الأمور‪ ،‬وغير ذلك‪ .‬وخلاصة الأمر هو أ َّن الشافعية والحنابلة والمالكية أجازوا‬ ‫أخذ الأجرة‪ ،‬وأ َّن متقدمي الحنفية منعوا ث َّم أفتى متأخروهم بالجواز لعموم البلوى‪.‬‬ ‫ويستشهد َمن يجيزون أخذ الأجرة على التعليم بنصوص كثيرة‪ ،‬ويف ِّسرون النصوص‬ ‫التي تح ِّذر من أخذ الأجرة‪ ،‬بسياقاتها الخاصة التي لا تقف أمام النصوص المجيزة‪ .‬وقد‬ ‫ُع َّد حك ُم الجواز ‪-‬فضل ًا عن نصوصه المتضافرة‪ -‬من متط َّلبات تط ُّور المجتمع وتنظيم‬ ‫شؤونه منذ وقت مبكر‪ ،‬ومن ذلك ما يروى عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود قوله‪:‬‬ ‫\"ثلا ٌث لا ُب َّد للناس منهم‪ :‬لا بد للناس من أمير يحكم بينهم‪ ،‬ولولا ذلك لأكل بعضهم‬ ‫بعض ًا‪ ،‬ولا ُب َّد للناس من شراء المصاحف وبيعها‪ ،‬ولولا ذلك لق َّل كتاب الله‪ ،‬ولا ُب َّد للناس‬ ‫من ُمع ِّل ٍم ُيع ِّل ُم أولادهم‪ ،‬ويأخذ على ذلك أجر ًا‪ ،‬ولولا ذلك لكان الناس ُأميين‪(((\".‬‬ ‫وقد جعل سحنون في \"ال ُمد َّونة الكبرى\" التي يرويها عن مالك بن أنس باب ًا في إجارة‬ ‫ال ُمع ِّلم‪ ،‬ذكر فيه أ َّنه لا بأس في استئجار ال ُمع ِّلم بمبلغ معلوم من الدراهم؛ سواء للحذقة‪،‬‬ ‫أو على الوقت‪ ،‬أو على القرآن‪ ،‬أو جزء منه‪ ،‬أو على تعليم الكتابة‪ ،‬وفيه عن‪\" :‬ابن وهب‪،‬‬ ‫عن يحيى بن أبوب‪ ،‬عن المثنى بن الصباح‪ ،‬قال‪ :‬سأل ُت الحسن البصري عن ُمع ِّلم الكتاب‬ ‫للغلمان و َيشترط عليه‪ ،‬قال‪ :‬لا بأس به‪ .‬وعن عبد الجبار بن عمر قال‪ :‬ك ُّل َمن سألت من‬ ‫أهل المدينة لا يرى بتعليم الغلمان بالأجر بأس ًا‪ .‬وعن ابن لهيعة‪ ،‬عن صفوان بن سليم‪:‬‬ ‫أ َّنه كان ُيع ِّلم الكتاب بالمدينة‪ ،‬ويعطونه على ذلك الأجر‪ ،‬قال ابن وهب‪ :‬وسمع ُت مالك ًا‬ ‫يقول‪ :‬لا بأس بأخذ الأجر على تعليم الغلمان الكتاب والقرآن‪(((\".‬‬ ‫ويبدو أ َّن ما استقر عليه الأمر مع نهاية القرن الرابع هو الإفتاء بجواز أخذ الأجرة على‬ ‫التعليم‪ ،‬من دون حاجة إلى النظر في ُح َّجة ذلك‪ .‬قال القابسي (توفي‪403:‬ﻫ)‪\" :‬وقد مضى‬ ‫((( ابن سحنون‪ ،‬محمد بن عبد السلام التنوخي (توفي‪256:‬ﻫ)‪ .‬كتاب آداب المعلمين‪ ،‬تحقيق‪ :‬حسن حسني عبد‬ ‫الوهاب‪ ،‬طبعة جديدة‪ ،‬مراجعة وتعليق‪ :‬محمد العروسي المطوي‪ ،‬تونس‪ :‬دار الكتب الشرقية‪1972 ،‬م‪ ،‬ص‪.82‬‬ ‫((( سحنون‪ ،‬أبو سعيد عبد السلام بن سعيد التنوحي القيرواني (توفي‪240:‬ﻫ)‪ .‬ال ُمد َّونة الكبرى‪ ،‬رواية الإمام‬ ‫سحنون عن الإمام عبد الرحمن بن قاسم عن الإمام مالك بن أنس (توفي‪179:‬ﻫ)‪ ،‬الرياض‪ :‬دار الكتب العلمية‪،‬‬ ‫ط‪1994 ،1‬م‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.431‬‬ ‫‪164‬‬

‫أمر المسلمين أ َّنهم يع ِّلمون أولا َدهم القرآن‪ ،‬ويأتونهم بال ُمع ِّلمين‪ ،‬ويجتهدون في ذلك‪،‬‬ ‫وهذا م ّما لا يمتنع منه وال ٌد لولده وهو يجد إليه سبيل ًا‪ ...‬ولا يدع أيض ًا هذا والد واحد‬ ‫تهاون ًا واستخفاف ًا لتركه إلا والد جاف لا رغبة له في الخير‪ ...‬ف َمن رغب إلى ر ِّبه أ ْن يجعل‬ ‫له من ذريته ق َّرة عين‪ ،‬لم يبخل على ولد بما ينفق عليه في تعليمه القرآن‪ ...‬لقد استغنى‬ ‫سلف المؤمنين أ ْن يتك َّلفوا الا ْحتِجا َج في مثل هذا‪ ،‬واكتفوا بما جعل الله في قلوبهم من‬ ‫الرغبة في ذلك فعملوا به‪ ،‬وأبقوا ذلك ُسنَّة ينقلها الخلف عن السلف‪ ،‬ما ا ْح ُت ِسب في ذلك‬ ‫على أحد من الآباء‪ ،‬ولا ُت ُب ِّين على أحد من الآباء أ َّنه ترك ذلك رغب ًة عنه‪ ،‬ولا تهاون ًا فيه‪،‬‬ ‫وليس هذا من صفة المؤمن المسلم‪ ،‬ولو ظهر على أحد أ َّنه ترك أ ْن ُيع ِّلم ولده القرآن تهاون ًا‬ ‫بذلك‪َ ،‬ل ُج ِّهل و ُق ِّبح و َن ُقص حاله‪َ ،‬و َو ُض َع عن حال أهل القناعة والرضا‪(((\".‬‬ ‫ورأى القابسي أ َّن أج َر ال ُمع ِّلم أصبح مرتبط ًا بالمهنة؛ فكل صاحب مهنة يتف َّرغ لها‪،‬‬ ‫ويقوم بخدمتها‪ ،‬فله أجره‪ .‬وال ُمع ِّلم صاحب مهنة‪ ،‬ولا ُب َّد من وجود َمن يدفع أجرة التعليم‪،‬‬ ‫فإ ْن لم يوجد َمن يدفع أجر تعليم الولد‪ ،‬وقام ال ُمع ِّلم بتعليمه بلا أجر‪ ،‬تضاعف أجر ال ُمع ِّلم‬ ‫عند الله‪ .‬قال القابسي في ذلك‪\" :‬وإ ِن ا ْح َتسب فيه ال ُمع ِّلم فع َّل َمه لله ع َّز وج َّل‪ ،‬وصبر على‬ ‫ذلك‪ ،‬فأ ْجره إ ْن شاء الله ُي َض َّع ُف في ذلك؛ إذ هي صنعته التي يقوم منها معاشة‪ (((\".‬ث َّم قال‪:‬‬ ‫\" َو َب ُع َد أ ْن يمكن أ ْن يوجد من الناس َمن يتط َّوع للمسلمين‪ ،‬ف ُيع ِّل َم لهم أولادهم‪ ،‬ويحبس‬ ‫نفسه عليهم‪ ،‬ويترك التماس معا ِي ِشه‪ ،‬وتص ُّر َفه في مكاسبه وفي سائر حاجياته‪َ ،‬ص ُلح‬ ‫للمسلمين أ ْن يستأجروا َمن يكفيهم تعليم أولادهم‪(((\".‬‬ ‫وتو َّسع القابسي في بيا ِن على َمن َتلزم نفقة تعليم الطفل حتى لو عجر والده عنها؛ فإ ْن‬ ‫مات الأب‪ ،‬فعلى الوصي‪\" ،‬فإ ْن لم يكن لليتيم وصي َن َظر في أمره حاكم المسلمين‪ ،‬وسار‬ ‫في تعليمه سيرة أبيه أو وصيه‪ ،‬وإ ْن كان ببلد لا حاكم فيه َن َظر له في مثل هذا‪ ،‬لو اجتمع‬ ‫صالحو ذلك البلد على النظر في مصالح أهله؛ فالنظر في هذا اليتيم من تلك المصالح‪،‬‬ ‫وإ ْن لم يكن لليتيم مال \"فأ ُّمه أو أولياؤه الأقرب فالأقرب‪ ... ،‬فإن تط َّوع غيرهم بحمل ذلك‬ ‫((( القابسي‪ ،‬الرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪( 94-92‬بتصرف)‬ ‫((( المرجع السابق‪ ،‬ص‪.94‬‬ ‫((( المرجع السابق‪ ،‬ص‪.98‬‬ ‫‪165‬‬

‫عنهم فله أجره‪ ... ،‬وإ ِن ا ْح َتسب فيه ال ُمع ِّلم فع َّل َمه لله ع َّز وج َّل‪ ،‬وصبر على ذلك‪ ،‬فأ ْجره‬ ‫إ ْن شاء الله ُي َض َّع ُف في ذلك‪ (((\".‬ومثل هذا التأكيد على ضرورة توفير ما َيلزم لتعليم الصبي‬ ‫على أ ِّي حالة كان فيها يعني ‪-‬فيما نعنيه اليوم‪ -‬مبدأ إلزامية التعليم‪.‬‬ ‫سادس ًا‪ :‬التط ُّور في المؤسسات التعليمية‪:‬‬ ‫بالرغم من أ َّن بعض الكتاتيب كانت موجودة في الجزيرة العربية قبل الإسلام‪ ،‬فإ َّن‬ ‫ما جاء في القرآن الكريم وال ُّسنة النبوية عن فضل العلم والتع ُّلم والتعليم‪ ،‬والأمر بالقراءة‬ ‫والكتابة‪ ،‬واحتفاء القرآن الكريم بالقلم والصحف‪ ،‬قد أدخل المجتمع الإسلامي في ثورة‬ ‫علمية وتربوية ضد الأُ ِّمية والجهل؛ ما أ ّدى إلى انتشار مواقف التعليم والتع ُّلم في كل مكان‪.‬‬ ‫أ ّما عملية نزول القرآن الكريم على النبي ﷺ منجم ًا وفق مراحل البناء التربوي المتد ِّرج‬ ‫لل ُأ َّمة في المجالات المختلفة‪ ،‬فقد كان ذلك كله مواقف تربوية وتعليمية‪ .‬وبالمثل‪ ،‬فإ َّن‬ ‫سياسة النبي ص ّلى الله عليه وس َّلم في إدارة شؤون الأُ َّمة على ضوء الهدي الإلهي كانت‬ ‫كذلك مواقف تربوية متد ِّرجة‪ .‬وكان المسجد هو المؤسسة العامة التي تتم فيها معظم‬ ‫المواقف التعليمية‪ .‬وبقي ال ُك ّتاب ظهير ًا للمسجد في تعليم صبيان المجتمع وتربيتهم‪،‬‬ ‫وكان في كثير من الأحيان ملحق ًا بالمسجد أو قريب ًا منه؛ فقد كان تعليم القرآن الكريم‬ ‫وأحكام الصلاة أهم ما يتم تع ُّلمه فيهما‪.‬‬ ‫لك َّن علاقة المسجد بال ُك ّتاب وغيره من أماكن التعليم لم تكن على حالة واحدة‬ ‫دائم ًا‪ .‬فقد أفتى مالك بعدم جواز تعليم الصبيان في المسجد؛ \"لأ َّنهم لا يتح َّفظون من‬ ‫النجاسة‪ ،‬ولم ُين َصب المسجد للتعليم‪ (((\".‬ث َّم جاءت ظرو ٌف عجز فيها ُمع ِّلمو الصبيان‬ ‫عن إيجاد أماكن خارج المساجد‪ ،‬فجعلوا كتاتيبهم داخلها‪ ،‬واستمر التراجع في الاهتمام‬ ‫بمكان ال ُك ّتاب في بعض الأحيان‪ ،‬بل إ َّن التراجع والتدهور وصل أحيان ًا إلى ح ِّد جعل‬ ‫المسجد مكان ًا لتعليم بعض الحرف‪ .‬فقد جاء في كتاب \"طبقات علماء إفريقية\" أ َّن أحد‬ ‫ُمع ِّلمي مهنة الخياطة كان ي َّتخذ من المسجد مكان ًا لتعليم تلاميذه‪(((.‬‬ ‫((( المرجع السابق‪ ،‬ص‪.94‬‬ ‫((( المرجع السابق‪ ،‬ص‪.114‬‬ ‫((( ابن تميم التميمي‪ ،‬أبو العرب محمد بن أحمد المغربي الإفريقي (توفي‪333:‬ﻫ)‪ .‬طبقات علماء إفريقية وكتاب‬ ‫طبقات علماء تونس‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الكتاب اللبناني‪1970 ،‬م‪ ،‬ص‪.68‬‬ ‫‪166‬‬

‫وفي عهد الصحابة والتابعين عرف المسج ُد مجال َس لل ُّسنة النبوية والفقه والأدب‪،‬‬ ‫إضاف ًة إلى تعليم القرآن الكريم‪.‬‬ ‫ومع مطلع العهد الأموي انتشرت مجالس التأديب في قصور الخلفاء وبيوت الأمراء‬ ‫والأغنياء‪ ،‬وكانت هذه المجالس تعبير ًا عن نوع جديد من مؤسسات التعليم الخاصة بأبناء‬ ‫ِع ْل َية القوم‪ ،‬واشتمل التدريس فيها على علوم القرآن‪ ،‬والحديث‪ ،‬واللغة‪ ،‬والشعر‪ ،‬وأيام‬ ‫العرب‪ ،‬وفضائل الأخلاق والآداب العامة‪ ،‬وإدارة شؤون الدولة‪ ،‬وغير ذلك من طرق‬ ‫التعامل مع فئات الناس والأحداث‪ .‬ث َّم تط َّورت خبرات التأديب حتى أصبحت مهنة‬ ‫خاصة يتف َّرغ لها كبار المؤ ِّدبين‪.‬‬ ‫وبقيت مجالس العلم في المساجد على مدار التاريخ الإسلامي‪ ،‬بحيث يجلس فيها‬ ‫عالِم ُيلقي على الناس موضوعات العلم؛ من‪ :‬تفسير‪ ،‬أو حديث‪ ،‬أو فقه‪ .‬وإلى جانب ذلك‬ ‫انتشر في بيوت العلماء من المتخ ِّصصين في رواية الحديث‪ ،‬أو تفسير القرآن الكريم‪ ،‬أو‬ ‫الفقهاء والمفتين والأدباء وشيوخ التصوف؛ مجالس لإلقاء الدروس‪ ،‬أو الإملاء‪ .‬وحين‬ ‫لا ي َّتسع بيت العالِم للعدد الكبير من ال ُم ْقبِلين على الدروس‪ ،‬فإ َّن المجلس كان ُين َقل إلى‬ ‫بعض الطرق والساحات العامة‪.‬‬ ‫ومن الإدراك المتزايد لقيمة هذه المجالس‪ ،‬وضرورة تطوير تعليم العلوم‬ ‫المتخ ِّصصة‪ ،‬وإشاعة التو ُّجهات المذهبية أو الفكرية الخاصة‪ ،‬نشأت فكرة المدرسة التي‬ ‫كانت في الأساس مكان ًا لعالِم مح َّدد‪ ،‬فتس ّمى المدرسة باسمه‪ ،‬أو باسم الأمير الذي يأمر‬ ‫ببنائها‪ ،‬والإنفاق عليها‪ .‬وقد ظهرت ُأولى هذه المدارس في القرن الرابع في نيسابور‪ ،‬ث َّم‬ ‫ُبنِيت المدارس النظامية منتصف القرن الخامس تقريب ًا‪ .‬وهذه المدارس في حقيقتها أقرب‬ ‫ما تكون إلى الكليات الجامعية المعروفة اليوم؛ فهي ُأن ِشئت لتعليم موضوع مح َّدد‪ ،‬وتو ّلى‬ ‫أم َرها عالِ ٌم اش ُت ِهر بعلمه وفضله‪ ،‬وكان أشبه بما ُيط َلق عليه اليوم اسم أستاذ كرسي‪ .‬فمدرسة‬ ‫أبي حفص بناها الإمام أبو حفص البخاري الذي عاش في الم َّدة (‪217-150‬ﻫ)‪ ،‬في‬ ‫بخارى‪ ،‬ف ُع ِرفت باسمه‪ ،‬ومثلها المدرسة البيهقية في نيسابور التي أنشأها الإمام المح ِّدث‬ ‫أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي الذي عاش في الم َّدة (‪458-384‬ﻫ)‪ ،‬وكذلك المدرسة‬ ‫الصادرية في دمشق التي أنشأها الإمام صادر بن عبد الله عام ‪391‬ﻫ‪.‬‬ ‫‪167‬‬

‫وقد عرف المجتمع الإسلامي ‪-‬منذ القرن الرابع الهجري وما بعده‪ -‬تنافس ًا شديد ًا‬ ‫بين المذاهب الفقهية؛ لذا اقتصر التعليم في معظم هذه المدارس على مذهب واحد‪،‬‬ ‫وكانت كل مدرسة تقوم على شيخ ُع ِرف بعلمه وفضله وإتقانه علم مذهبه‪ ،‬إلى جانب‬ ‫عدد من تلاميذه الذين كانوا أشبه بالمعيدين الراغبين في وراثة علم الشيخ؛ فكانت هذه‬ ‫المدارس أشبه بكليات جامعية متخ ِّصصة‪.‬‬ ‫وفي عام (‪459‬ﻫ) أنشأ نظام الملك في بغداد المدرسة النظامية للفقه الشافعي‪ ،‬وعلى‬ ‫نمطها ُأن ِشئت نظاميات عديدة في أماكن ُأخرى‪ .‬وكانت المدارس النظامية متخ ِّصصة في‬ ‫تدريس الفقه الشافعي تحديد ًا؛ ذلك أ َّن من أهداف نظام الملك في بناء هذه المدارس هو‬ ‫تعليم الناس حقائق الإسلام على طريقة أهل ال ُّسنة والجماعة‪ ،‬بعد أ ْن تو َّسعت سيطرة‬ ‫الفاطميين والإسماعليين على شمال إفريقيا ومصر واليمن وكثير من أنحاء بلاد الشام‪،‬‬ ‫وانتشر دعاتهم في العراق‪ ،‬ولذلك كانت المدارس النظامية تع ِّلم المذهب الشافعي‪ ،‬وهو‬ ‫مذهب السلاجقة في ذلك الوقت‪.‬‬ ‫وقد م َّثلت المدارس النظامية نمط ًا إداري ًا ا ُّتبِع ‪-‬فيما بعد‪ -‬في إنشاء المدارس في‬ ‫معظم أنحاء العا َلم الإسلامي‪ ،‬من حيث تخ ُّصص المدرسة في نوع مح َّدد من التعليم‪،‬‬ ‫وهندسة البناء الواسع ومرافقه وخدماته‪ ،‬والأوقاف الدا َّرة من الضيع الزراعية والدكاكين‬ ‫التجارية‪ ،‬التي ُتغ ّطي نفقات ال ُمع ِّلمين والعاملين والطلبة بصورة مجزية‪ .‬وفي كتاب‬ ‫\"الدارس في تاريخ المدارس\" للنعيمي توثيق لمئات المدارس في بلاد الشام‪ ،‬مع بيان‬ ‫تفاصيل عن إنشاء ك ٍّل منها‪ ،‬وأسماء بناتها وعلمائها ودروسها وأوقافها‪ .‬وهي مصنَّفة‬ ‫إلى‪ :‬مدارس القرآن الكريم‪ ،‬ومدارس الحديث الشريف‪ ،‬ومدارس المذاهب الفقهية‬ ‫التي تخت ُّص ك ٌّل منها بمذهب واحد‪ .‬ومنها مدارس الطب‪ ،‬وغيرها من أماكن التعليم‬ ‫الأُخرى‪ ،‬مثل‪ :‬الخوانق‪ ،‬والربط‪ ،‬والترب‪ ،‬والرباطات‪(((.‬‬ ‫((( النعيمي‪ ،‬عبد القادر محمد الدمشقي‪ .‬الدارس في تاريخ المدارس‪ ،‬فهرسة‪ :‬إبراهيم شمس الدين‪ ،‬بيروت‪ :‬دار‬ ‫الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1990 ،1‬م‪.‬‬ ‫صدر الكتاب في جزأين‪ ،‬ويمكن النظر في فهرس ك ٍّل منهما لملاحظة العدد الكبير من المدارس وغيرها‬ ‫من المؤسسات التي كانت تقوم بنوع من التعليم‪.‬‬ ‫‪168‬‬

‫ومع أ َّن معظم المدارس كانت تس ّمى باسم العالِم الذي ُيع ِّلم فيها‪ ،‬أو الحاكم الذي‬ ‫أمر ببنائها‪ ،‬فإ َّن بعض المدارس أخذت أسماءها من صفات الوقف الموقوف عليها؛‬ ‫فالمدرسة القمحية التي أنشأها صلاح الدين‌عام ‪566‬ﻫ بجوار مسجد عمرو بن العاص‪،‬‬ ‫ووقفها على المذهب‌المالكي‪ ،‬ووقف عليها ضيع ًة بالفيوم‪ ،‬كانت تد ُّر قمح ًا كثير ًا يو َّزع‬ ‫على طلبتها‪ ،‬وعلى العاملين فيها‪(((.‬‬ ‫وفي المقابل‪ ،‬عرف المجتمع الإسلامي مدارس متعددة المذاهب‪ ،‬يتجاوز فيها‬ ‫تعليم المذاهب الفقهية‪ ،‬وأحيان ًا تعليم العلوم الأُخرى‪ .‬ومن أهم هذه المدارس مدرسة‬ ‫المستنصرية في بغداد التي بناها الخليفة المستنصر بالله العباسي (امت َّدت خلافته ما بين‬ ‫عامي ‪640-623‬ﻫ)‪ ،‬وبدأ التدريس فيها عام ‪631‬ﻫ‪ ،‬وكانت أشبه بالجامعة المعاصرة‬ ‫من حيث احتواؤها على عدد من المدارس المتخ ِّصصة‪ ،‬في ك ٍّل منها عدد من ال ُمد ِّرسين‬ ‫والمعيدين؛ فقد كان فيها مدرسة (أو كلية) متكاملة للفقه ض َّمت علماء متخ ِّصصين في‬ ‫المذاهب الأربعة‪ ،‬ومدرسة للحديث‪ ،‬ودار للقرآن الكريم‪ ،‬ومدرسة للطب فيها كبير‬ ‫الأطباء وعشرة من الأطباء المتد ِّربين معه‪ ،‬ومشيخة (أو عمادة) للعلوم الرياضية‪ ،‬و ُأخرى‬ ‫للأدب العربي‪ ،‬وإدارة للمكتبة بلغ عدد مجلداتها أربعمئة وخمسين ألف مجلد‪ ،‬وإدارة‬ ‫متف ِّرغة للشؤون الإدارية والمالية‪ ،‬ومسائل السكن والإعاشة‪ .‬وكان من الواضح أ َّن طلبتها‬ ‫ُي ْق َبلون على أساس ما اش ُت ِهروا به من التأليف والتدريس‪ ،‬ويأتون من سائر بلدان العا َلم‬ ‫الإسلامي آنذاك‪ .‬وكانت المدرسة تعتمد النظام الداخلي‪ ،‬وتتوافر فيها جميع متط َّلبات‬ ‫السكن‪ ،‬والإقامة‪ ،‬والطعام‪ ،‬والملابس‪ ،‬وغيرها من المتط َّلبات‪ (((.‬وكانت المدرسة تق ِّدم‬ ‫‪-‬إلى جانب ذلك‪ -‬خدمات تربوية واجتماعية ُأخرى‪ ،‬مثل المدرسة الخاصة بصغار‬ ‫الأيتام‪ ،‬إضاف ًة إلى المسجد ومرافقه‪.‬‬ ‫ولم تكن المستنصرية الوحيدة في جمعها لتدريس موضوعات مختلفة‪ ،‬وكأ َّنها دوائر‬ ‫أو كليات في الجامعة؛ فالمدرسة الصالحية أنشأها الملك‌الصالح نجم الدين أيوب سنة‬ ‫((( المقريزي‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن علي بن عبد القادر (توفي‪845:‬ﻫ)‪ .‬المواعظ والاعتبار بذكر الخطط‬ ‫والآثار «الخطط المقريزية»‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬ط‪1987 ،2‬م‪ ،‬ص‪.364‬‬ ‫((( ابن كثير‪ ،‬أبو الفداء الحافظ إسماعيل بن عمر الدمشقي (توفي‪774:‬ﻫ)‪ .‬البداية والنهاية‪ ،‬بيروت‪ :‬مكتبة المعارف‪،‬‬ ‫ط‪1988 ،7‬م‪ ،‬ج‪ ،13‬ص‪ .159‬وانظر تفاصيل ذلك في‪:‬‬ ‫‪ -‬معروف‪ ،‬تاريخ علماء المستنصرية‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬انظر فهرس الكتاب فيما يخ ُّص أقسام المدرسة وعلماءها‪.‬‬ ‫‪169‬‬

‫‪641‬ﻫ‪ ،‬ووقفها على المذاهب الأربعة قال المقريزي في ذلك‪ :‬وهو (أ ِي الملك الصالح)‬ ‫أول َمن عمل‌بديار مصر دروس ًا أربعة في مكان واحد‪(((.‬‬ ‫وعندما احتل الفاطميون مصر عام ‪358‬ﻫ ح َّولوا مدارسهم السرية إلى مساجد بنوها‬ ‫لعقد ما كانوا يس ّمونه مجالس الحكمة‪ .‬وكان منها في مصر الجامع الأزهر‪ ،‬الذي استمر‬ ‫مؤسسة تعليمية كبيرة لإعداد الدعاة ونشرهم في البلدان م َّدة تقرب من قرنين‪ ،‬إلى أ ْن جاء‬ ‫صلاح الدين الأيوبي‪ ،‬فباشر ‪-‬وهو لا يزال وزير ًا للخليفة الفاطمي العاضد‪ -‬ببناء المدارس‬ ‫ال ُّسنية‪ ،‬فبنى المدرسة الناصرية (نسب ًة إلى الناصر صلاح الدين) لفقهاء الشافعية‪ .‬وفي‬ ‫ذلك يقول المقريزي‪ :‬إ َّن بناء المدرسة كان \"من أعظم ما نزل بالدولة‪ ،‬وهي أول مدرسة‬ ‫عملت بديار مصر‪ (((\".‬ث َّم أنشأ مدارس ُأخرى؛ للتسريع في محو آثار العهد الفاطمي‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫المدرسة القمحية لفقهاء المالكية‪ ،‬والمدرسة السيوفية لفقهاء الحنفية‪ .‬وأنشأ وزير صلاح‬ ‫الدين القاضي الفاضل المدرسة الفاضلية‪ ،‬وأنشأ الملك العادل أخو صلاح الدين المدرسة‬ ‫العادلية‪ ،‬وهكذا‪ .‬وقد و َّثق المقريزي أسماء عشرات المدارس‪ ،‬والمارستانات‪ ،‬والخوانق‪،‬‬ ‫ومؤسسيها‪ ،‬وعلمائها‪ ،‬وأوقافها‪(((.‬‬ ‫وإذا كانت المدرسة هي تط ُّور في التعليم الإسلامي أشبه بالكلية الجامعية المتخ ِّصصة‬ ‫في تعليم علم مح َّدد وتطويره‪ ،‬أو مجموعة كليات ُتشبِه الجامعة المعاصرة‪ ،‬فقد عرف‬ ‫المجتمع الإسلامي كذلك نوع ًا آخر من مؤسسات التعليم ر َّبما كانت مرجعية لمناقشة‬ ‫وتطوير بعض صور الفهم والاستعداد لاتخاد قرارات في مسائل مح َّددة؛ فجمهورها‬ ‫ليس علماء وطلبة‪ ،‬وإ َّنما هي مصادر معرفة‪ ،‬ومداولات علماء كبار مع الخلفاء والأمراء‬ ‫والقادة‪ ،‬وقد ُعرفِت بع ُض هذه المؤسسات‪ ،‬وو َّثقتها مصادر التراث الإسلامي باسم بيت‬ ‫الحكمة‪ ،‬أو دار العلم‪.‬‬ ‫سابع ًا‪ :‬التط ُّور في الاتجاهات والمدارس الفكرية في التراث التربوي الإسلامي‪:‬‬ ‫لا يقتصر التراث التربوي الإسلامي المعروف على ما ُس ِّمي علوم الشريعة (علوم القرآن‬ ‫الكريم‪ ،‬وعلوم الحديث النبوي‪ ،‬وعلوم الفقه)‪ ،‬وإ َّنما كانت هذه العلوم مصاحبة لميادين العلم‬ ‫((( المقريزي‪ ،‬المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار «الخطط المقريزية»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.374‬‬ ‫((( المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.363‬‬ ‫((( المرجع السابق‪ ،‬ص‪.414-362‬‬ ‫‪170‬‬

‫الأُخرى التي تنامى الاهتمام بها لأسباب مختلفة‪ ،‬منها‪ :‬نشوء ال ِفرق والمذاهب والتنافس‬ ‫والجدل الذي دار بين علمائها‪ ،‬وزيادة حجم المعرفة إلى الح ِّد الذي جعل بعض طلبة العلم‬ ‫يتخ َّصصون في علم واحد ُي َم ِّكنهم من إتقانه والتب ُّحر فيه‪ .‬ومنها التط ُّور المادي الذي طرأ‬ ‫على المجتمع‪ ،‬وأ ّدى إلى رغبة بعض العلماء في العزلة وإيثار الزهد‪ .‬ومنها التفا ُعل مع تراث‬ ‫الحضارات الأُخرى بالترجمة‪ ،‬وبالاتصال المباشر عن طريق الرحلات‪ ،‬وغير ذلك من العوامل‪.‬‬ ‫وهذا التط ُّور أ ّدى إلى ظهور علماء ُع ِرفوا بعلوم متخ ِّصصة‪ ،‬بحيث َب َر َع الواحد في‬ ‫علمه حتى أصبح مدرس ًة في هذا العلم‪ ،‬يأتي إليه طلبته من كل مكان‪ .‬وقد كان من هؤلاء‪:‬‬ ‫المق ِرئ‪ ،‬والمح ِّدث‪ ،‬والمتك ِّلم‪ ،‬والأديب‪ ،‬والطبيب‪ ،‬والفلكي‪ ،‬والصوفي‪ ،‬والمؤ ِّرخ‪،‬‬ ‫وغير ذلك‪ .‬وكان يجمع كثير ًا من هؤلاء اهتمامهم ‪-‬على تن ُّوع تخ ُّصصاتهم‪ -‬تأكيدهم‬ ‫فيما كتبوه فض َل العلم والتع ُّلم والتعليم‪ ،‬وآداب العالِم وال ُمتع ِّلم‪ ،‬وطرق التعليم‪ ،‬وأقسام‬ ‫العلوم‪ ،‬ومؤسسات التعليم‪ ،‬وغير ذلك م ّما عرفه التراث التربوي الإسلامي‪ .‬ومع هذا‬ ‫المشترك بين هؤلاء العلماء‪ ،‬فإ َّن مناهجهم وطرقهم في تدوين ما د َّونوه قد تمايزت‬ ‫واختلفت‪ ،‬حتى أصبح لكل فئة من العلماء اتجاه‪ ،‬أو تيار‪ ،‬أو طريقة‪ ،‬أو مدرسة‪ ،‬فيما‬ ‫يكتبون على التربية والتعليم‪ ،‬مما س َّوغ لنا أ ْن نم ِّيز من بين هذه المدارس‪ :‬مدرسة الفقهاء‪،‬‬ ‫ومدرسة المحدثين‪ ،‬ومدرسة المؤ ِّرخين‪ ،‬ومدرسة الأدباء‪ ،‬ومدرسة الصوفية‪ ،‬ومدرسة‬ ‫المتك ِّلمين‪ ،‬ومدرسة الفلاسفة‪ ،‬وهكذا‪ .‬وفي هذا المجال نجد بعض الباحثين المعاصرين‬ ‫يصنِّفون كتابات التراث التربوي الإسلامي ضمن ما س َّموه تيارات‪ (((،‬أو اتجاهات‪ (((،‬أو‬ ‫قطاعات‪ (((.‬ومع ذلك‪ ،‬فإ َّننا نستطيع أ ْن نجعل بع َض العلماء في مدرستين أو أكثر؛ فمعظم‬ ‫((( المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم‪ .‬الفكر التربوي العربي الإسلامي‪ :‬الأصول والمبادئ‪ ،‬تونس‪ :‬المنظمة‬ ‫العربية للتربية والثقافة والعلوم‪1987 ،‬م‪ ،‬ص‪.716-582‬‬ ‫((( علي‪ ،‬سعيد إسماعيل‪ .‬اتجاهات الفكر التربوي الإسلامي‪ ،‬الجزء الخامس من موسوعة التطور الحضاري للتربية‬ ‫الإسلامية‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار السلام‪2010 ،‬م‪.‬‬ ‫((( كتب عبد الأمير شمس الدين مجموعة من الكتب‪ ،‬صدرت في سلسلة \"موسوعة التربية والتعليم الإسلامية\"‪،‬‬ ‫وقد صنَّف فيها عدد ًا من كتب التراث التربوي الإسلامي ضمن ما س ّماه قطاعات‪ :‬قطاع الفقهاء‪ ،‬قطاع الأدباء‪،‬‬ ‫قطاع الفلاسفة‪ . ... ،‬انظر مثل ًا‪:‬‬ ‫‪ -‬شمس الدين‪ ،‬عبد الأمير‪ .‬الفكر التربوي عند ابن سحنون والقابسي‪ :‬دراسة وتحليل‪ ،‬موسوعة التربية والتعليم‬ ‫الإسلامية‪-‬قطاع الفقهاء‪ ،‬بيروت‪ :‬الشركة العالمية للكتاب‪1990 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -‬شمس الدين‪ ،‬عبد الأمير‪ .‬الفكر التربوي عند ابن المقفع والجاحظ وعبد الحميد الكاتب‪ ،‬موسوعة التربية‬ ‫والتعليم الإسلامية‪-‬قطاع الأدباء‪ ،‬بيروت‪ :‬الشركة العالمية للكتاب‪1990 ،‬م‪.‬‬ ‫‪171‬‬

‫المح ِّدثين جمعوا بين الحديث والفقه‪ ،‬وبعض الأدباء جمعوا بين الأدب والكلام‪ ،‬وبعض‬ ‫المتصوفة كانوا فقهاء‪ ،‬وبعض الفلاسفة كانوا مؤ ِّرخين‪.‬‬ ‫وعندما يكون الهدف بيان ما غلب على المجتمع الإسلامي في مراحل زمنية متتابعة‪،‬‬ ‫فر َّبما نستطيع القول إ َّن الحركة الفكرية والعلمية في عصر معين كان يغلب عليها الفقه‪ ،‬أو‬ ‫الحديث‪ ،‬أو التصوف‪ ،‬أو الفلسفة‪ .‬فمن المعروف عن القرن الثاني ومطلع القرن الثالث‬ ‫أ َّنه كان عصر فقه بامتياز‪ ،‬حيث تمايزت مذاهب أهل ال ُّسنة الأربعة‪ ،‬وبرز فيها اسم أبي‬ ‫حنيفة النعمان (توفي‪150:‬ﻫ)‪ ،‬ث َّم مالك بن أنس (توفي‪179:‬ﻫ)‪ ،‬ث َّم محمد بن إدريس‬ ‫الشافعي (توفي‪204:‬ﻫ)‪ ،‬ث َّم أحمد بن حنبل (توفي‪241:‬ﻫ)‪.‬‬ ‫ولكنَّنا لا ننسى أ َّن جزء ًا ليس قليل ًا من مناهجهم الفقهية كان يعتمد على الحديث إلى‬ ‫ح ٍّد كبير‪ .‬وما كان متداولاً من الحديث الذي ُد ِّون في مطلع القرن الثاني‪ ،‬وأصبح موضوع ًا‬ ‫حيوي ًا للرواية في المجتمع الإسلامي‪ ،‬فقد تط َّور في القرن الثالث؛ إذ نشطت فيه حركة‬ ‫التصنيف والتبويب والتمحيص للحديث النبوي؛ فالكتب الستة‪ :‬الصحيحان‪ ،‬والسنن‬ ‫الأربع‪ُ ،‬كتِبت في هذا القرن؛ إذ توفي الإمام البخاري عام ‪256‬ﻫ‪ ،‬والإمام مسلم عام‬ ‫‪261‬ﻫ‪ ،‬وابن ماجة عام ‪273‬ﻫ‪ ،‬وأبو داود عام ‪275‬ﻫ‪ ،‬والترمذي عام ‪279‬ﻫ‪ ،‬والنسائي‬ ‫عام ‪303‬ﻫ‪.‬‬ ‫أ ّما ملاحظة التط ُّور الزمني في نشأة هذه المدارس أو التيارات في التراث التربوي‪،‬‬ ‫فإ َّن ذلك لم يكن أمر ًا سهل ًا؛ فهذه المدارس كانت في معظم الأحيان متزامنة؛ إذ توفي‬ ‫ابن سحنون أبرز مم ِّثلي مدرسة الفقهاء عام ‪256‬ﻫ‪ ،‬وتوفي الكندي أبرز مم ِّثلي مدرسة‬ ‫الفلاسفة في السنة نفسها‪ ،‬وتوفي الجاحظ أبرز مم ِّثلي مدرسة الأدباء قبلهما بعام؛ أ ْي عام‬ ‫‪255‬ﻫ‪ .‬ونستطيع أ ْن َن ُع َّد الحارث المحاسبي من مدرسة التصوف‪ ،‬وقد توفي عام ‪243‬ﻫ‪.‬‬ ‫وكل هؤلاء لهم في التراث التربوي إسهام مق َّدر‪.‬‬ ‫والتط ُّور والتغ ُّير صفة أساسية في الفكر البشري؛ ذلك أ َّن الفكر هو في الأساس إنتاج‬ ‫العقل البشري في ضوء الاهتمامات الخاصة بالعلماء والمف ِّكرين‪ .‬فاهتمامات الفقهاء‬ ‫من أمثال ابن سحنون‪ ،‬والأدباء من أمثال الجاحظ‪ ،‬والفلاسفة من أمثال الكندي‪ ،‬هي‬ ‫‪172‬‬

‫اهتمامات مختلفة‪ ،‬بالرغم من أ َّن الثلاثة عاشوا العصر نفسه‪ ،‬فأصبح لك ٍّل منهم منهجه‬ ‫وقضاياه؛ ما ُيس ِّوغ القول بوجود فكر تربوي فقهي‪ ،‬وآخر فلسفي‪ ،‬وثالث أدبي‪ ،‬ورابع‬ ‫صوفي‪ ،‬وهكذا‪ .‬ث َّم إ َّن خبرات العلماء تتغ َّير وتتط َّور بتفاعلهم مع ظروف الزمان والمكان؛‬ ‫فالظروف تتغ َّير‪ ،‬والخبرات تتط َّور‪ ،‬و ِم ْن َث َّم فإ َّن النتيجة تتغ َّير كذلك‪.‬‬ ‫ومن المؤ َّكد أ َّن تط ُّور ًا قد حصل في كل مدرسة من المدارس‪ ،‬مع اعتماد كل مدرسة‬ ‫على ما سبقها؛ فمالك بن أنس أفتى في كثير من المسائل الفقهية الخاصة بشؤون التعليم‪،‬‬ ‫وقد رواها عنه اب ُن القاسم‪ ،‬وص َّحح مسائلها وه َّذبها ور َّتبها الإمام سحنون في \"ال ُمد َّونة‬ ‫الكبرى‪ \"،‬فنُ ِسبت \"ال ُمد َّونة\" إلى سحنون‪ ،‬ث َّم رواها عنه ابنه محمد بن سحنون في \"آداب‬ ‫ال ُمع ِّلمين\"‪ ،‬وض َّمن القابسي معظم مسائلها في \"الرسالة المفصلة لأحوال ال ُمتع ِّلمين‬ ‫وأحكام ال ُمع ِّلمين وال ُمتع ِّلمين\"‪.‬‬ ‫وكتاب القابسي مثا ٌل واض ٌح على صورة من صور التط ُّور؛ فالكتاب في الأساس‬ ‫إجابات عن أسئلة ق َّدمها أحد الناس إلى القابسي‪ ،‬وهي أسئلة فقهية في معظمها‪ .‬وفي‬ ‫نصوص الأسئلة عبارات تكشف عن حالة التعليم عند السائل والمجيب‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يأتي‬ ‫التط ُّور بين كتاب ابن سحنون وكتاب القابسي؛ فمادة ك ٍّل منهما تكشف عن القضايا المثارة‬ ‫في زمنه‪ ،‬بالرغم من أ َّن الكتابين يقعان ضمن المدرسة الفقهية في التعامل مع قضايا‬ ‫التعليم‪ .‬وكلاهما كان يتح َّدث عن تعليم ال ُك ّتاب‪ ،‬وليس عن التعليم في مراحل ُأخرى‪.‬‬ ‫روى ابن سحنون عن أبيه قائل ًا‪\" :‬وحضرت لسحنون قضى بالختمة على رجل‪ ،‬وإ َّنما‬ ‫ذلك على قدر ُي ْسر الرجل و ُع ْسره‪ ،‬وقيل له‪ :‬أرى لل ُمع ِّلم سعة في إذنه للصبيان اليوم‬ ‫ونحوه؟ قال‪ :‬ما زال ذلك عمل الناس‪ \"...‬وعندما ُس ِئل ع ّما يهدي الصبي لل ُمع ِّلم لم يأذن‬ ‫إلا بإذن الآباء وع َّقب على ذلك بحالة أهل زمانه‪ ،‬فقال‪\" :‬ومن هنا‪ ،‬سقطت شهادة أكثر‬ ‫ال ُمع ِّلمين لأنهم غير مؤدين لما يجب عليهم إلا َمن عصم الله‪(((\".‬‬ ‫و َث َّمة إشارا ٌت إلى بعض ممارسات الناس في زمانه؛ إذ ُس ِئل‪\" :‬فما يعمل الناس من‬ ‫الإيلام عند الختم‪ ،‬ومن الفاكهة ُيرمى بها على الناس‪ ،‬هل يح ُّل؟ قال‪ :‬لا يح ُّل لأ َّنه نهبة‪(((\".‬‬ ‫((( ابن سحنون‪ ،‬كتاب آداب المعلمين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪( .95‬بتصرف)‬ ‫((( المرجع السابق‪ ،‬ص‪.99‬‬ ‫‪173‬‬

‫ومثل ذلك يقال عن رسالة القابسي؛ إذ إ َّنها كذلك تعبير عن حالة العصر‪ ،‬وما فيها‬ ‫كانت فتاوى عن أسئلة العصر وقضاياه‪ ،‬وأ َّن الفتوى كانت تصاغ بالإشارة إلى ما فشا بين‬ ‫الناس‪ ،‬وأصبح من ِق َبل عادة العامة‪ ،‬فهو يقول في مسألة الختمة مثل ًا‪\" :‬ول ّما كانت الختمة‬ ‫في تع ُّلم القرآن كامل ًا‪ ،‬إ َّنما وجبت على َمن ُأ ِّد َي منها من ِق َبل عادة العامة‪ ،‬فحملت على‬ ‫عادتهم في ذلك على وجه الوجوب‪ ،‬وإ ْن لم يشترط لها ُجعل ًا مس ّمى‪ ،‬وجب ذلك في كل‬ ‫ما فشا في العامة والتز َم ْته‪((( \".‬‬ ‫ومن ذلك ‪-‬مثل ًا‪ -‬أ َّنه ُيفتي بكراهة أ ْن َيقبل ال ُمع ِّلم شيئ ًا من الهدايا في أعياد النصارى‬ ‫مثل النيروز وال ِمهرجان‪ ،‬فذلك‪\" :‬لا يح ُّل ل َمن فعله‪ ،‬ولا ل َمن يقبله من ال ُمع ِّلمين‪ ،‬بل‬ ‫ذلك تعظي ٌم للشرك‪ ،‬وإعظام لأيام الكفر بالله‪ ...‬وكذلك المذموم أ ْن يؤخذ في أعياد‬ ‫الكفر يدخل فيها أيض ًا الميلاد والفصح (من أعياد النصارى)‪ ،‬والا ْنبِداس (من أعياد‬ ‫اليهود) عندنا‪ ،‬والغبطة بالأندلس‪ ،‬والغطاس بمصر‪ ...‬ولا يفرح الصبيان بعمل القباب‬ ‫في الانبِداس والقصوفات في الميلاد‪ .‬كل ذلك لا يصلح من عمل المسلمين‪ ،‬و ُينهون‬ ‫عنه‪ ،‬ويأبى ال ُمع ِّلم من قبول الإكرام منهم فيه‪ ،‬ل َيعلم جاهلهم أ َّنه هذا خط ٌأ فينتهي‪ ،‬ويخجل‬ ‫مستخفهم له فيترك ذلك‪(((\".‬‬ ‫ومن القضايا التي أثارها القابسي‪ ،‬وتح َّدث عنها بصورة واضحة لم نجدها عند ابن‬ ‫سحنون ولا عند غيره‪ ،‬ملاحظ ُة أ َّنه بالرغم من كثرة النصوص التي تح ُّض على طلب‬ ‫العلم‪ ،‬ومسؤولية الوالدين عن تعليم الأبناء‪ ،‬وأخبار َمن اهتم بتعميم التعليم من الخلفاء‬ ‫والعلماء؛ فإ َّن التعليم لم يكن في المجتمع الإسلامي تعليم ًا إلزامي ًا تو َّلته إدارة الدولة‪،‬‬ ‫بل بقي مهمة أولياء الأمور بما جعلهم الله رعاة لأبنائهم‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإ َّن القابسي ‪-‬وهو‬ ‫يتح َّدث عن مسؤولية تعليم الأبناء‪ -‬أشار إلى درجات المسؤولية؛ من‪ :‬الأب إلى الأُ ِّم‪،‬‬ ‫إلى الوصي‪ ،‬إلى جماعة المسلمين‪ ،‬إلى الحاكم‪ ،‬بحيث لا يجب أ ْن يبقى الطفل من دون‬ ‫تعليم‪ ،‬وهو كما يبدو صياغة لمبدأ إلزامية التعليم‪(((.‬‬ ‫ومن التط ُّور الذي حصل في لغة التراث التربوي وممارساته‪ ،‬ونتج عن تن ُّوع المدارس‬ ‫((( القابسي‪ ،‬الرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.152‬‬ ‫((( المرجع السابق‪ ،‬ص‪.154-153‬‬ ‫((( المرجع السابق‪ ،‬ص‪ .94‬‬ ‫‪174‬‬

‫الفكرية‪ ،‬أمو ٌر أدخلها التصوف في العلاقة التربوية والتعليمية بين الشيخ‪-‬ال ُمع ِّلم‪،‬‬ ‫والمريد‪-‬ال ُمتع ِّلم‪ .‬فالالتزام الكامل للشيخ‪ ،‬والطاعة العمياء لأوامره‪ ،‬والثقة المطلقة‬ ‫بمنزلته‪ ،‬لم تكن أمور ًا مألوفة في مطلع الإسلام‪ ،‬ولا حتى في تو ُّجهات الزهد والعزلة عند‬ ‫التابعين‪ .‬وكذلك‪ ،‬فإ َّن مصطلحات التربية الصوفية؛ من‪ :‬الحضرة‪ ،‬والتخ ّلي‪ ،‬والتج ّلي‪،‬‬ ‫والمجاهدة‪ ،‬وحالات الشهود‪ ،‬والفناء‪ ،‬والمقامات‪ ،‬والظاهر‪ ،‬والباطن‪ ،‬والرسوم‪،‬‬ ‫وشطحات التأ ُّله‪ ،‬وأفكار الحلول والاتحاد‪ ،‬وغير ذلك؛ كلها أمور طارئة‪ ،‬لكنَّها تن َّوعت‬ ‫ما بين قدر من الاعتدال في حالة المحاسبي (توفي‪243:‬ﻫ)‪ ،‬والجنيد (توفي‪297:‬ﻫ)‪،‬‬ ‫والجيلاني (توفي‪561:‬ﻫ)‪ ،‬والسهروردي البغدادي (توفي‪632:‬ﻫ)‪ ،‬وقدر كبير من‬ ‫التط ُّرف عند الحلاج (توفي‪309:‬ﻫ)‪ ،‬ومحي الدين بن عربي (توفي‪638:‬ﻫ)‪ ،‬وابن سبعين‬ ‫(توفي‪660:‬ﻫ)‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬ ‫نستخلص من الحالات التي تح َّدثنا عنها فيما سبق لم تقتصر على التط ُّور والتغ ُّير‬ ‫من حال إلى حال‪ ،‬وإ َّنما كانت تتح َّدث كذلك عن تغ ُّير وتن ُّوع في الاجتهاد والمواقف؛‬ ‫إذ نجد بعض المسائل استمرت موضع نظر عبر القرون‪ .‬ومعظم الجدل كان ناتج ًا عن‬ ‫النظر في الأحاديث النبوية؛ فبعض الأحاديث كانت في اتجاه‪ ،‬وبعضها الآخر في اتجاه‬ ‫آخر‪ ،‬مع أ َّن لكل حديث سياقه ومناسبته‪ .‬وكثير من آراء العلماء كانت تميل إلى التح ُّفظ‬ ‫والمنع َت َو ُّرع ًا‪ ،‬والتو ُّرع أحيان ًا هو اختيار شخصي‪ ،‬أو إفتاء لحالة بعينها‪ .‬وقد كان معظم‬ ‫المتأخرين يختارون البقاء عند فتاوى المتقدمين‪ ،‬بالرغم من أ َّن حالة المجتمع الإسلامي‬ ‫تتغ َّير وتتط َّور‪ ،‬وتعتمد أحكام ًا معينة‪ ،‬من قبيل الأخذ بمبدأ \"الأصل في الأشياء الإباحة\"‪،‬‬ ‫وحين تعم البلوى تأتي الفتاوى أحيان ًا من قبيل عموم البلوى‪ .‬ث َّم إ َّن واقع المجتمع وطبيعة‬ ‫العلاقات بين أفراده وجماعاته تبدأ بسيطة‪ ،‬ث َّم تزداد تعقيد ًا‪ ،‬وتصبح بحاجة إلى تنظيم‬ ‫وتقنين وبناء مؤسسات‪ ،‬لا تكتفي بأ ْن تجعل أمور الناس رهن ًا بأخلاقياتهم أو ورعهم‬ ‫الديني‪ ،‬وإ َّنما تضبط الحقوق والواجبات‪ ،‬وت ْأ ُطر عن طريقها الناس على الحق أطر ًا‪.‬‬ ‫ويمكن للمتأ ِّمل في الوقائع التي نجدها في التراث أ ْن يلاحظ تن ُّوع ًا واسع ًا في‬ ‫المواقف والحالات من حيث الاقتراب من نصوص القرآن الكريم وال ُّسنة النبوية‪ ،‬أو‬ ‫الابتعاد عنها‪ ،‬لا سيما فيما يخت ُّص بمكانة ال ُمع ِّلم (في نفسه‪ ،‬وبين طلبته‪ ،‬وفي مجتمعه)‪،‬‬ ‫والمسؤولية عن التعليم (أهي مسؤولية الأسرة أم الدولة؟)‪ ،‬والأجرة على التعليم (أتح ُّل‬ ‫‪175‬‬

‫أم ُتح َّر ُم؟)‪ ،‬وعلاقة ال ُمع ِّلم بالأمراء وذوي السلطان (أتجوز أم لا تجوز؟)‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬ ‫فنصوص القرآن الكريم التي تتصل بالعلم والتعليم والتع ُّلم‪ ،‬وما نجد فيها م ّما يتصل‬ ‫بذلك من أدوات التعليم (الصحف‪ ،‬والكتب‪ ،‬والأقلام)‪ ،‬وما تتط َّلبه من عمليات القراءة‬ ‫والكتابة‪ ،‬ومن أساليب التعليم‪ ،‬والتنبيه‪ ،‬والتذكير بالنظر في المشاهد‪ ،‬وتأ ُّمل القصص‪،‬‬ ‫وضرب الأمثلة‪ ،‬والحوار‪ ،‬والتد ُّرج؛ كل ذلك ُيح ِّفز َمن يو ُّد أ ْن يهتدي بهدي القرآن؛ على‬ ‫أ ْن يكون في حالة دائمة من التع ُّلم والتعليم‪ ،‬وطلب الزيادة من العلم‪ ،‬وتأكيد أ َّن الأُ ِّمية‬ ‫والجهل وق َّلة العلم كلها نقيصة في ح ِّق الإنسان‪ ،‬وجعل ذلك مسؤولية كل فرد في حق‬ ‫نفسه‪ ،‬وحق َمن يقع تحت رعايته‪ ،‬بل وحق َمن يعيش بجواره‪ ،‬وحق المجتمع بأكمله؛ فكل‬ ‫فرد في المجتمع را ٍع‪ ،‬وكل را ٍع مسؤو ٌل عن رعيته‪.‬‬ ‫وقد جاءت الأحاديث النبوية الشريفة لتو ِّضح الهدي القرآني بمواقف‪ ،‬وحالات‪،‬‬ ‫وأمثلة‪ ،‬وممارسات‪ ،‬فيها من الكثرة والتن ُّوع والشمول ما جعل حياة النبي ص ّلى الله عليه‬ ‫وس َّلم كلها ُت َع ُّد مواقف تعليم لصحابته و ُأ َّمته من بعده‪.‬‬ ‫وفي ضوء ما يمكن أ ْن نستحضره من نصوص القرآن الكريم وال ُّسنة النبوية‪ ،‬وما‬ ‫نفهمه من هذين الأصلين من مقاصد الإسلام‪ ،‬نستطيع ملاحظة أ َّن التراث التربوي‬ ‫الإسلامي ‪-‬بالرغم م ّما كشف عنه من صو ٍر لتح ُّقق تلك المقاصد في الحياة العلمية‬ ‫والتعليمية في المجتمع الإسلامي‪ -‬كشف عن حالات من الضعف والتخ ُّلف والقصور‬ ‫وانحراف الممارسات‪ ،‬وأ ّدى إلى الفرقة‪ ،‬والخلافات العميقة‪ ،‬والحروب الدامية في‬ ‫الداخل الإسلامي‪ ،‬والعجز عن مواجهة التح ِّديات والقوى الخارجية الغازية‪.‬‬ ‫وبنا ًء على مقاصد الإسلام‪ ،‬فإ َّننا نؤ ِّكد كذلك أ َّنه ليس من الإسلام في شيء أ ْن يبقى‬ ‫في المجتمع فرد يرضى بالجهل في حق نفسه‪ ،‬أو يسكت عن جهل غيره‪ .‬فالتعليم في‬ ‫الإسلام إلزامي‪ ،‬يتع َّلم فيه كل فرد مسلم من العلم ما يكون به مسلم ًا‪ ،‬ويتع َّلم في الأُ َّمة من‬ ‫الأفراد والفئات َمن يتقن كل فروع العلوم النظرية والعملية؛ ما يو ِّفر لل ُأ َّمة كل متط َّلبات‬ ‫السبق والتف ُّوق وال ُع ُل ِّو‪ ،‬وما يجعلها الأُ َّمة التي أرادها الله سبحانه؛ خير ُأ َّمة ُأخ ِرجت للناس‪،‬‬ ‫والمثال الحي لقيم الحق والخير والعدل‪ ،‬والصورة العملية لتزكية الإنسان ال ُمستخ َلف‪،‬‬ ‫وعمران الأرض بالعلم والحضارة‪.‬‬ ‫‪176‬‬

‫المبحث الثالث‬ ‫أعلام التراث التربوي ومصنَّفاته ومدارسه‬ ‫أولاً‪ :‬أعلام التراث ومص َّنفاته‪:‬‬ ‫ذكرنا أ َّن التراث التربوي يمكن أ ْن يتح َّدد بمعنى عام‪ ،‬يشمل ما هو مكتوب عن‬ ‫المواقف التي تكون فيها مادة التراث موضوع ًا للتعليم؛ أو بمعنى خاص يقتصر على‬ ‫ما ُكتِب عن ال ُمع ِّلم‪ ،‬وال ُمتع ِّلم‪ ،‬وموضوع التعليم‪ .‬ففي المعنى الأول َن ُع ُّد كل ما ُكتِب‬ ‫عن مجالس العلم في المساجد والمجالس والمنازل‪ ،‬وكل ما ُكتِب في الفقه والحديث‬ ‫والتفسير والحساب والفلك والطب وغيرها‪ ،‬و َم ْن ُيد ِّرس علم ًا من هذه العلوم وحوله‬ ‫تلاميذ يسمعون أو يكتبون؛ َن ُع ُّد ذلك كله من التراث التربوي‪ .‬وعلى هذا الأساس‪ ،‬فإ َّن‬ ‫كل علماء الأُ َّمة هم من علماء التراث التربوي‪ ،‬وكل كتبهم‪ ،‬ور َّبما ما ُكتِب عنهم‪ ،‬هو من‬ ‫مصنَّفات التراث التربوي‪ .‬وفي المعنى الثاني يكون التراث التربوي هو ما ُكتِب عن آداب‬ ‫ال ُمع ِّلم وال ُمتع ِّلم‪ ،‬وأساليب التعليم‪ ،‬والموضوعات التي ُيد ِّرسها ال ُمع ِّلمون و َيد ُرسها‬ ‫الطلبة‪ ،‬والمؤسسات التي يتم فيها التعليم‪ ،‬وأدوات التعليم من أوراق‪ ،‬وأقلام‪ ،‬وكتب‪،‬‬ ‫وأمثال ذلك‪ .‬وعلى هذا الأساس‪ ،‬فإ َّن أعلام التراث التربوي هم من العلماء الذي كتبوا‬ ‫في هذه الموضوعات المح َّددة‪ ،‬حتى لو كتبوا كتب ًا ُأخرى في موضوعات غيرها‪.‬‬ ‫وقد تو َّسع بعض الباحثين في أعلام التراث ضمن المعنى العام‪ ،‬حتى َع ُّدوا عم َر بن‬ ‫الخطاب‪ ،‬وعل َّي بن أبي طالب‪ ،‬وعب َد الله بن مسعود رضي الله عنهم‪ ،‬ومال َك بن أنس‪ ،‬ومحم َد‬ ‫بن إدريس الشافعي‪ ،‬والخلي َل بن أحمد الفراهيدي‪ ،‬من أعلام التراث التربوي‪ .‬ولا شك في‬ ‫أ َّن مثل هؤلاء كانت لهم مواقف تعليمية على غاية الأهمية‪ ،‬لكنَّهم لم يخ ِّلفوا تراث ًا مكتوب ًا‬ ‫متخ ِّصص ًا في التربية والتعليم‪ ،‬بل إ َّن منهم َمن كان َع َلم ًا في الحكم والقضاء والسياسة‪،‬‬ ‫ومنهم َمن كان َع َلم ًا في الإفتاء الفقهي‪ ،‬أو رواية الحديث‪ ،‬أو التفسير‪ ،‬ومنهم َمن كان َع َلم ًا‬ ‫في اللغة والأدب والشعر‪ .‬ولا ُينْ ِقص ِم ْن َق ْدر أ ٍّي منهم أ َّنه لم يكتب كتاب ًا عن التعليم‪.‬‬ ‫والمعروف أ َّن بداية التدوين في العهد الإسلامي تم َّثلت في تدوين الحديث النبوي‬ ‫الشريف‪ ،‬بنقل المحفوظ في الصدور من روايات الرواة للحديث ليصبح مكتوب ًا في كتب‪،‬‬ ‫ونشط بع ُض التابعين في تدوين كل ما سمعوه من الصحابة‪ ،‬من دون الاهتمام بالتبويب‪،‬‬ ‫‪177‬‬

‫وأحيان ًا من دون التمييز بين الأحاديث النبوية والآثار الأُخرى من أقوال الصحابة والتابعين‪ .‬ث َّم‬ ‫كتب مالك بن أنس \"الموطأ\"‪ ،‬ور َّتب أحاديثه على أبواب الفقه‪ .‬ث َّم بدأت بعض كتب الحديث‬ ‫ُتب ِرز مجموع َة الأحاديث التي تذكر فضل العلم والعلماء‪ ،‬وأهمية طلب العلم وسائر المسائل‬ ‫ذات الصلة بالعلم وال ُمع ِّلم وال ُمتع ِّلم‪ ،‬كما فعل الإمام البخاري في صحيحه‪ ،‬والإمام مسلم‬ ‫في صحيحه‪ ،‬حتى إ َّن البخاري جعل \"كتاب العلم\" هو الكتاب الثالث بعد كتاب \"الوحي\"‬ ‫وكتاب \"الإيمان\"‪ ،‬ث َّم جاء بعد ذلك كتاب \"الفقه\" وغيرها التي بلغت سبعة وتسعين كتاب ًا‪.‬‬ ‫ور َّبما كانت هذه الأحاديث وما جاء حولها من أقوال الصحابة والتابعين مرجع ًا‬ ‫أساسي ًا لكثير م ّما ُكتِب بع ُد ِضمن ما س ّميناه التراث التربوي‪.‬‬ ‫ومن الفطرة البشرية أ ْن يميل الفرد البشري إلى نوع مح َّدد من الاهتمام‪ ،‬فيبرع فيه‪،‬‬ ‫و ُيع َرف به؛ فك ٌّل مي َّس ٌر لما ُخ ِلق له‪ .‬وقد ز ّكى النبي ص ّلى الله عليه وس َّلم عدد ًا من أصحابه؛‬ ‫كل واحد منهم في جانب غير جانب الآخر‪ ،‬فأعل ُمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل‪،‬‬ ‫وأقرؤهم لكتاب الله ُأب ّي‪ ،‬وأعل ُمهم بالفرائض زيد‪ ،‬وأمي ُن الأُ َّمة أبو عبيدة‪ ،‬وأش ُّدهم حيا ًء‬ ‫عثمان‪ ،‬وأرح ُمهم بالأُ َّمة أبو بكر‪ ،‬وأش ُّدهم في أمر الله عمر‪.‬‬ ‫وعرف التاريخ الإسلامي بعد ذلك عدد ًا من التابعين الذين استقروا في أماكن‬ ‫مختلفة؛ في‪ :‬مكة‪ ،‬والمدينة‪ ،‬والشام‪ ،‬والبصرة‪ ،‬ومصر‪ ،‬وغيرها‪ .‬وقد م َّيز المؤ ِّرخون في‬ ‫كل مكان من هذه الأمكنة طبقا ٍت من العلماء في مجالات الفقه‪ ،‬والحديث‪ ،‬والقرآن‪،‬‬ ‫وغير ذلك‪ .‬فمن الطبقة الأُولى في المدينة ‪-‬مثل ًا‪ -‬سبعة من التابعين‪ ،‬منهم‪ :‬سعيد بن‬ ‫المسيب‪ ،‬وفي الطبقة الثانية ابن شهاب الزهري‪ ،‬وفي الطبقة الثالثة مالك بن أنس‪ .‬وكل‬ ‫هؤلاء جلسوا في مجالس عامة أو خاصة للعلم‪ ،‬وكان حولهم تلاميذ‪ ،‬لكنَّنا لم نجد منهم‬ ‫َمن كتب كتابات متخ ِّصصة في مسائل التعليم‪.‬‬ ‫ث َّم بدأنا نجد من بعض هؤلاء‪ ،‬من التابعين وتابعيهم‪َ ،‬من ُس ِئل عن مسائل في التعليم‬ ‫والتع ُّلم‪ ،‬فأجاب‪ ،‬فجاء بعده َمن نقل هذه الإجابات‪ ،‬وض َّمنَها كتب ًا أصبحت من التراث‬ ‫التربوي المهم‪ ،‬كما كان حال الإمام مالك (توفي‪179:‬ﻫ) الذي نقل عنه عبد الرحمن‬ ‫بن القاسم (توفي‪191:‬ﻫ) بعض فِ ْق ِهه‪ ،‬ث َّم سمعه منه عبد السلام بن سعيد المعروف‬ ‫‪178‬‬

‫بـ \"سحنون\"‪ ،‬ود َّونه سحنون (توفي‪240:‬ﻫ)‪ ،‬ث َّم عرضه على ابن القاسم فأجازه فيما‬ ‫أصبح \"ال ُمد َّونة الكبرى\"‪ ،‬ث َّم نقل ابن سحنون (توفي‪256:‬ﻫ) عن أبيه معظم ما ورد في‬ ‫كتاب \"آداب ال ُمع ِّلمين\"‪.‬‬ ‫ومن هؤلاء الإمام الشافعي (توفي‪204 :‬ﻫ) الذي ُي َع ُّد من الطبقة الرابعة من فقهاء‬ ‫مكة المكرمة‪ ،‬الذي ُع ِرف من تراثه كتاب \"جماع العلم\"‪ ،‬الذي لا يتح َّدث عن التعليم‪،‬‬ ‫وإ َّنما يتح َّدث عن العلم في مصادره‪ ،‬فيما ُي َع ُّد من مسائل أصول الفقه‪ ،‬لا سيما عن موقع‬ ‫ال ُّسنة من القرآن الكريم‪ ،‬وكيفية ر ِّد الأخبار وقبولها‪ ،‬والدليل القطعي والظني‪ ،‬ومسائل‬ ‫الاجتهاد والقياس والإجماع‪ ،‬وعلم العامة وعلم الخاصة‪.‬‬ ‫ومن أوائل ما ُكتِب بعناوين تتداخل مع المعنى الخاص للتراث التربوي‪ ،‬رسالة‬ ‫الإمام أبي حنيفة (توفي‪150:‬ﻫ) التي عنوانها \"العالِم وال ُمتع ِّلم\"‪ ،‬وهي رواية يرويها‬ ‫ال ُمتع ِّلم (وهو أبو مقاتل) عن العالِم (وهو أبو حنيفة) لينتفع بمجلسه‪ ،‬وهي أسئلة يسألها‬ ‫ال ُمتع ِّلم‪ ،‬ويطلب فيها من ال ُمع ِّلم فتاوى ينتفع بها‪\" ،‬فأحببت أصلحك الله تعالى أ ْن أكون‬ ‫عالِم ًا بأصل ما أنتحل من الحق‪ ،‬وأتك َّلم به‪ ... ،‬وإ ْن جاءني ُمتع ِّلم أوضحت له‪ ،‬وأكون‬ ‫على بصيرة من أمري‪ (((\".‬وموضوعات الأسئلة والأجوبة هي مسائل في فضل العلم‪،‬‬ ‫وأركان الاعتقاد‪ ،‬ووحدة الدين‪ ،‬واختلاف الشرائع‪ ،‬وأسباب اختلاف العلماء‪ .‬واللافت‬ ‫في الرسالة هو أ َّن إجابات العالِم (ال ُمع ِّلم) إجابات مح َّددة قصيرة تأتي بقدر السؤال‪ .‬وهو‬ ‫منهج في التعليم يسمح لل ُمتع ِّلم باستيعاب الإجابة‪ ،‬ث َّم تفتيق الموضوع‪ ،‬وتوليد أسئلة‬ ‫جديدة للإحاطة بالموضوع من كل جوانبه‪ ،‬قبل الانتقال إلى موضوع جديد‪.‬‬ ‫وهكذا شهد المجتمع الإسلامي‪ ،‬اعتبار ًا من القرن الثاني‪ ،‬نشاط ًا متزايد ًا في تدوين‬ ‫العلم‪ ،‬و َتما ُيز موضوعاتِه وفروعه‪ ،‬ليصبح علوم ًا مستقلة ُيع َرف علماؤها بها‪ .‬ومع أ َّن‬ ‫معظم هؤلاء العلماء كانوا ُمع ِّلمين يكتبون مادة العلم‪ ،‬ويجلسون لتعليمها أو لإملائها على‬ ‫ال ُمتع ِّلمين‪ ،‬وكان فيما يكتبون و ُي ْملون مسائل تتع َّلق بفضل العلم وآداب التعليم وأحكامه؛‬ ‫فإ َّننا لم نجد علم ًا متم ِّيز ًا يس ّمى علم التربية أو علم التعليم‪ ،‬مثلما وجدنا علم الفقه‪ ،‬وعلم‬ ‫((( أبو حنيفة‪ ،‬النعمان بن ثابت (توفي‪150 :‬ﻫ)‪ .‬العالم والمتعلم‪ ،‬رواية أبي مقاتل‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد زاهد الكوثري‪،‬‬ ‫القاهرة‪ :‬مكتبة الخانجي‪1368 ،‬ﻫ‪ ،‬ص‪( .9‬بتصرف)‬ ‫‪179‬‬

‫الحديث‪ ،‬وعلم الحساب‪ ،‬وعلم التاريخ‪ ،‬وغيرها‪ .‬والعلماء الذي كتبوا نصوص ًا متم ِّيزة في‬ ‫موضوعات التعليم م ّما أصبحنا نس ّميه تراث ًا تربوي ًا هم علماء ُع ِرفوا بتخ ُّصصاتهم في الفقه‪،‬‬ ‫أو الحديث‪ ،‬أو الأدب‪ ،‬أو التاريخ‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬ ‫وفيما يأتي أسماء أعلام التراث التربوي الإسلامي ومصنَّفاته بالمعنى الخاص لهذا‬ ‫التراث؛ أ ِي الأعلام الذين كتبوا ُكتب ًا مستقلة عن مسائل التعليم‪ ،‬ونلاحظ ذلك من عناوين‬ ‫هذه الكتب‪ ،‬وشهرة هذه الأسماء التي تناولتها الكثير من الدراسات المعاصرة بوصفها‬ ‫أمثل ًة مباشر ًة على التراث التربوي الإسلامي‪:‬‬ ‫‪ -‬محمد بن سحنون (توفي‪256:‬ﻫ)‪ ،‬في‪\" :‬آداب ال ُمع ِّلمين\"‪.‬‬ ‫‪ -‬ابن الجزار القيرواني (توفي‪369:‬ﻫ)‪ ،‬في‪\" :‬سياسة الصبيان وتدبيرهم\"‪.‬‬ ‫‪ -‬أبو الحسن القابسي (توفي‪403:‬ﻫ)‪ ،‬في‪\" :‬الرسالة المفصلة لأحوال ال ُمع ِّلمين‬ ‫وأحكام ال ُمع ِّلمين وال ُمتع ِّلمين\"‪.‬‬ ‫‪ -‬عبد الكريم السمعاني (توفي‪562:‬ﻫ)‪ ،‬في‪\" :‬أدب الإملاء والاستملاء\"‪.‬‬ ‫‪ -‬برهان الدين الزرنوجي (توفي‪593:‬ﻫ)‪ ،‬في‪\" :‬تعليم ال ُمتع ِّلم طريق التعليم\"‪.‬‬ ‫‪ -‬يحي بن شرف الدين النووي (توفي‪676:‬ﻫ)‪ ،‬في‪\" :‬آداب العالِم وال ُمتع ِّلم‪ ،‬و\"المفتي‬ ‫والمستتفتي وفضل طالب العلم\"‪.‬‬ ‫‪ -‬بدر الدين بن جماعة (توفي‪733:‬ﻫ)‪ ،‬في‪\" :‬تذكرة السامع والمتك ِّلم في أدب‬ ‫العالِم وال ُمتع ِّلم\"‪.‬‬ ‫‪ -‬عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن غانم (توفي‪856:‬ﻫ)‪ ،‬في‪\" :‬شفاء المتألم في أدب‬ ‫ال ُمع ِّلم وال ُمتع ِّلم\"‪.‬‬ ‫‪ -‬عبد الباسط العلموي (توفي‪981:‬ﻫ)‪ ،‬في‪\" :‬المعيد في آداب المفيد والمستفيد\"‪.‬‬ ‫‪ -‬المنصور بالله الحسين بن القاسم (توفي‪1050:‬ﻫ)‪ ،‬في‪\" :‬آداب العلماء وال ُمتع ِّلمين\"‪.‬‬ ‫‪ -‬أبو المواهب اليوسي (توفي‪1102:‬ﻫ)‪ ،‬في‪\" :‬القانون على أحكام العلم‬ ‫وأحكام ال ُمتع ِّلمين\"‪.‬‬ ‫وغير ذلك كثير‪.‬‬ ‫‪180‬‬

‫ولك ْن‪ ،‬يدخل ضمن أعلام التراث التربوي الإسلامي بكل جدارة علماء آخرون لم‬ ‫تكن كتبهم متخ ِّصصة مثل الكتب السابقة‪ .‬غير أ َّنهم تح َّدثوا في كتبهم عن مسائل التعليم‬ ‫بقد ٍر لا يقل تفصيل ًا وأهمي ًة‪ ،‬ور َّبما يزيد‪ ،‬ع ّما تح َّدث به غيرهم‪ .‬ونذكر من هؤلاء‪:‬‬ ‫‪ -‬محمد بن سعد (توفي‪230:‬ﻫ)‪ ،‬في‪\" :‬الطبقات الكبرى\"‪.‬‬ ‫‪ -‬الحارث المحاسبي (توفي‪243:‬ﻫ)‪ ،‬في‪\" :‬رسالة المسترشدين\"‪.‬‬ ‫‪ -‬أبو الحسن العامري (توفي‪381:‬ﻫ)‪ ،‬في‪\" :‬الإعلام بمناقب الإسلام\"‪.‬‬ ‫‪ -‬أبو حيان التوحيدي (توفي‪414:‬ﻫ)‪ ،‬في‪\" :‬الإمتاع والمؤانسة\"‪.‬‬ ‫‪ -‬أبو الفرج ابن الجوزي (توفي‪597:‬ﻫ)‪ ،‬في‪\" :‬كتاب القصاص والمذكرين\"‪.‬‬ ‫‪ -‬شهاب الدين ياقوت الحموي (توفي‪626:‬ﻫ)‪ ،‬في‪\" :‬معجم البلدان\"‪.‬‬ ‫‪ -‬أبو العباس ابن أبي أصيبعة (توفي‪668:‬ﻫ)‪ ،‬في\" \"عيون الأنباء في طبقات الأطباء\"‪.‬‬ ‫‪ -‬محمد بن أبي بكر ابن الق ِّيم (توفي‪751:‬ﻫ)‪ ،‬في‪\" :‬تحفة المودود بأحكام المولود\"‪.‬‬ ‫‪ -‬عبد الرحمن بن خلدون (توفي‪808:‬ﻫ)‪ ،‬في‪\" :‬المقدمة\"‪.‬‬ ‫‪ -‬عبد القادر النعيمي (توفي‪978:‬ﻫ)‪ ،‬في‪\" :‬الدارس في تاريخ المدارس\"‪.‬‬ ‫‪ -‬حاجي خليفة (توفي‪1067:‬ﻫ)‪ ،‬في‪\" :‬كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون\"‪.‬‬ ‫إ َّن اختيارنا أسماء هولاء الأعلام ومصنَّفاتهم هو تمثيل على التع ُّدد والتن ُّوع والتو ُّزع‬ ‫على قرون التاريخ الإسلامي‪ .‬ونحن نلاحظ أ َّن أسماء المؤ ِّلفين وعناوين الكتب قد‬ ‫ُع ِرفت في مجالات الأدب‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬والطب‪ ،‬والجغرافيا‪ ،‬والتصوف‪ ،‬ولك َّن كل كتاب‬ ‫منها يحوي نصيب ًا مق َّدر ًا من الحديث عن مسائل العلم‪ ،‬والتع ُّلم‪ ،‬والتعليم‪ ،‬ومؤسسات‬ ‫التعليم‪ ،‬و ِس َير العلماء (ال ُمع ِّلمين) وأخلاقهم‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬مدارس التراث التربوي‪:‬‬ ‫تط َّورت حركة العلم‪ ،‬وتع َّددت موضوعاته إلى أ ْن تمايزت بعض العلوم‪ ،‬ف َب َر َع في ك ٍّل‬ ‫منها علماء تخ َّصصوا فيه‪ ،‬و ُع ِرفوا به‪ ،‬فكان منهم مح ِّدثين‪ ،‬وفقهاء‪ ،‬ومف ِّسرين‪ ،‬ومتك ِّلمين‪،‬‬ ‫ومؤ ِّرخين‪ ،‬وأدباء‪ ،‬ومتصوفة‪ .‬وقد احتفظت معظم مجالس العلم بآداب وشروط وأخلاق‬ ‫‪181‬‬

‫مح َّددة‪ ،‬كان منها ما يخت ُّص بالعلماء‪ ،‬ومنها ما يخت ُّص بال ُمتع ِّلمين‪ ،‬ومنها ما يخت ُّص‬ ‫بموضوعات العلم من حيث أهميتها‪ ،‬وترتيب دراستها ومصنَّفاتها‪ ،‬وغير ذلك‪ .‬ومن أجل‬ ‫التذكير بهذه الآداب‪ ،‬والح ِّض على التق ُّيد بها؛ فقد وجدنا علماء من تخ ُّصصات مختلفة‬ ‫يكتبونها في كتب خاصة‪ ،‬أو يجعلونها فصولاً في كتب تخ ُّصصاتهم‪.‬‬ ‫وبالرغم من أ َّن هؤلاء العلماء انطلقوا من مرجعية مشتركة تعتمد القرآن الكريم‬ ‫وال ُّسنة النبوية‪ ،‬فإ َّن طرقهم في تناول موضوعات التعليم تع َّددت؛ فالذي يه ُّم الفقي َه‬ ‫هو بيان الأحكام الفقهية في مسائل التعليم‪ ،‬وتوثيق روايات العلماء السابقين في هذه‬ ‫المسائل‪ ،‬م ّما أجازوه أو منعوه‪ .‬والذي يه ُّم المح ِّدث هو رصد الأحاديث ذات الصلة‬ ‫بمسائل التعليم‪ ،‬ومحاولة الجمع بينها‪ ،‬ومناقشة ما قد يبدو من تناقض في دلالاتها‪،‬‬ ‫وأحيان ًا بيان رتبة الحديث وإمكانية العمل به‪ .‬والمؤ ِّرخ يه ُّمه إلقاء الضوء على سيرة العالِم‬ ‫الذي يؤ ِّرخ له‪ ،‬مع الاهتمام الكبير في ذكر أسماء َمن َأخذ العل َم عنهم‪ ،‬وأسماء َمن أخذوا‬ ‫العلم عنه‪ ،‬ورحلاته في طلب العلم‪ ،‬وجلوسه في مجالس العلم‪ ،‬ومؤ َّلفاته التي كتبها أو‬ ‫أملاها‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإ َّن كل مدرسة فكرية من مدارس التراث التربوي يغلب عليها مناهج‬ ‫وممارسات‪ ،‬س َّوغت تمييزها عن غيرها‪.‬‬ ‫و ُي َع ُّد تع ُّدد المدارس التربوية‪ ،‬وتو ُّزع عطاء العلماء فيها مؤ ِّشر ًا من مؤ ِّشرات الحيوية‬ ‫في أداء العقل المسلم‪ ،‬م َّكنه من الاستجابة للحاجات المتن ِّوعة لقطاعات المجتمع‪،‬‬ ‫وتلبية اهتماماتها‪.‬‬ ‫وقد اجتهد الباحثون المعاصرون في تمييز هذه الكتب أو هذه الفصول ضمن مصنَّفات‬ ‫التراث التربوي الإسلامي‪ ،‬وتصنيفها ضمن المنهج الذي غلب على عمل المصنِّف في‬ ‫كتابة مادته؛ فقد يكون المصنِّف فقيه ًا يكتفي ببيان الأحكام الفقهية ذات الصلة بهذه‬ ‫المادة‪ ،‬وقد يكون مؤ ِّرخ ًا يرصد ما كان عليه واقع التعليم ومناهجه وممارساته في حقبة‬ ‫زمنية مح َّددة في بلد معين‪ ،‬وقد يكون مح ِّدث ًا يروي متون الأحاديث النبوية الواردة في‬ ‫موضوعات التعليم‪ ،‬ويجمع بينها‪ ،‬ور َّبما يدرس سندها‪ ،‬وقد يكون زاهد ًا متصوف ًا‪ ،‬كل‬ ‫ه ِّمه تربية المريدين من تلاميذه‪ ،‬وتهذيب سلوكهم‪ ،‬وجمع قلوبهم على شؤون الآخرة‪،‬‬ ‫وهكذا‪ .‬ففي مثل هذه الحالة يسهل تصنيف هذه المصنَّفات ضمن المدرسة الفقهية‪ ،‬أو‬ ‫المدرسة التاريخية‪ ،‬أو المدرسة الحديثية‪ ،‬أو المدرسة الصوفية‪.‬‬ ‫‪182‬‬

‫ولك َّن كتاب الفقيه الذي َن ُع ُّده ضمن التراث التربوي ر َّبما يكون منهج كتابته أو إملائه‬ ‫منهج ًا عقدي ًا‪ -‬كلامي ًا كما هو الحال في رسالة \"العالِم وال ُمتع ِّلم\" للفقيه أبي حنيفة‪ ،‬أو‬ ‫منهج ًا أصولي ًا كما في كتاب \"جماع العلم\" للفقيه الشافعي‪ ،‬أو أدبي ًا كالذي َكت َبه الفيلسوف‬ ‫الأديب أبو حيان التوحيدي في \"الإمتاع والمؤانسة\" عن التعليم وال ُمع ِّلم‪ .‬وهكذا َع َرف‬ ‫التراث التربوي الإسلامي هذا التن ُّوع في مناهج الكتابة‪ ،‬فم َّيز الباحثون هذه المناهج‪،‬‬ ‫وصنَّفوا كتبها ومؤ ِّلفيها في مدارس‪ ،‬أو تيارات‪ ،‬أو قطاعات‪.‬‬ ‫ونحن نف ِّضل أ ْن ننظر إلى هذه المدارس أو التيارات بوصفها ظاهرة دالة على الغنى‬ ‫والتن ُّوع والتع ُّدد في عطاء العقل المسلم وتو ُّجهاته الفكرية‪ .‬ومن الواضح أ َّن الإسلام‪،‬‬ ‫بوصفه المرجعية التي كان علماء المسلمين يستندون إليها‪ ،‬هو الذي و َّلد لديهم هذا الغنى‬ ‫والتن ُّوع والتع ُّدد‪ .‬فميادين المعرفة بدأت تنمو في المجتمع الإسلامي بصورة متسارعة‪،‬‬ ‫وتتسع لتؤ ِّسس مجالات معرفية جديدة‪ ،‬وبعضها على غير سابقه‪.‬‬ ‫إ َّن النظر في نشأة العلوم‪ ،‬والتفكير في مراحل تط ُّورها‪ ،‬لا ينبغي أ ْن يصرفنا عن حقيقة‬ ‫أ َّن بذور جميع هذه العلوم كانت موجودة في عهد النبي ص ّلى الله عليه وس َّلم؛ ذلك أ َّن‬ ‫الله سبحانه ق َّدر أ ْن تتن َّوع حياة النبي مع الناس حتى تشهد كثير ًا من حالات المجتمع؛‬ ‫في المنشط والمكره‪ ،‬في الحرب والسلم‪ ،‬في الغنى والفقر‪ ،‬في الضعف والق َّوة‪ ،‬في‬ ‫الحياة الخاصة والحياة الأسرية والعلاقة مع فئات المؤمنين‪ ،‬وأهل الكتاب‪ ،‬والمنافقين‪،‬‬ ‫وممارسات الحكم والسياسة‪ ،‬والبيع والشراء‪ ،‬والزراعة والصناعة‪ ،‬وغير ذلك‪ .‬وما ورد عن‬ ‫هذه الحالات أصبح موضوعات للعلم والتع ُّلم والتعليم؛ فحين تستج ُّد حالا ٌت ومواقف‬ ‫في حياة الفرد أو المجتمع‪ ،‬ويحرص المسلمون على معرفة ما يجوز وما لا يجوز‪ ،‬فإ َّنهم‬ ‫يحتاجون إلى َمن ُيفتي لهم‪ ،‬فنشأ علم الفقه‪.‬‬ ‫ول ّما كان فقه الفقهاء يعتمد على نصوص من الوحي الإلهي والهدي النبوي‪ ،‬فلا ُب َّد‬ ‫من استدعاء نصوص القرآن الكريم وال ُّسنة النبوية ذات الصلة بتلك الحالات والمواقف‪،‬‬ ‫وفهم دلالاتها‪ ،‬وإحسان تنزيلها‪ ،‬فلزم وضع ضوابط لذلك‪ ،‬فنشأ علم أصول الفقه‪.‬‬ ‫لقد كانت نصوص ال ُّسنة‪ ،‬وأحداث السيرة‪ ،‬وآثار الصحابة‪ ،‬تروى في أول الأمر‬ ‫مشافه ًة؛ لقربها من زمانها‪ ،‬والاعتماد على الثقة التي يتم َّتع بها الرواة‪ .‬ث َّم َب ُعد عهد الناس‬ ‫‪183‬‬

‫بهذه الحالة‪ ،‬فلزم تدوين ال ُّسنة‪ ،‬ث َّم تمحيص ما دون منها‪ ،‬فنشأت علوم الحديث‪ .‬فما ُأثِر‬ ‫من حديث النبي ص ّلى الله عليه وس َّلم من أقوال‪ ،‬أو أفعال‪ ،‬أو تقريرات‪ ،‬احتاج إلى ضبط‬ ‫الروايات والدلالات‪ ،‬فأصبحت هذه الجهود موضوع ًا لعلوم الحديث‪.‬‬ ‫ومع احتكاك المجتمع الإسلامي بالشعوب والحضارات الأُخرى‪ ،‬تفاعل بعض‬ ‫العلماء مع ثقافة هذه الشعوب‪ ،‬فظهرت علوم المنطق‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬والطب‪ ،‬والفلك‪،‬‬ ‫وغيرها من العلوم الطبيعية والعملية‪.‬‬ ‫وبعض الأحاديث التي تذ ُّم الدنيا‪ ،‬و ُتر ِّغب في الآخرة‪ ،‬أصبحت مستند ًا للزهد‬ ‫والتق ُّشف‪ ،‬لا سيما بعد تط ُّور الحياة الاجتماعية‪ ،‬وتفنُّن الناس في متاع الدنيا؛ ما جعل‬ ‫بعض الناس يرغبون عن هذا المتاع‪ ،‬و ُي ْؤثِرون الزهد والعزلة وابتغاء الآخرة‪ ،‬فظهر‬ ‫التصوف‪ ،‬وتط ُّور السلوك الصوفي‪ ،‬الذي يعتمد الذكر والأوراد‪ ،‬وملازمة الشيخ في‬ ‫المساجد والزوايا والخوانق بهدف تهذيب السلوك‪ ،‬وتربية الغرائز‪ ،‬والرضا والقناعة‬ ‫بقليل من متاع الدنيا‪ ،‬والثقة التامة بأهلية الشيخ وا ِّتباع توجيهاته‪ ،‬ليصبح في نهاية المطاف‬ ‫\"طرق ًا\" ذات أنظمة وحدود ورسوم‪ .‬وبقيت بعض ممارسات التصوف ضمن دائرة‬ ‫المألوف عند أهل ال ُّسنة والجماعة‪ ،‬فيما ُيع َرف بـ\"التصوف ال ُّسني\"‪ .‬وقد ط َّور بعض شيوخ‬ ‫الصوفية أنماط ًا من السلوك في العبادة‪ ،‬والذكر‪ ،‬والتو ُّسل‪ ،‬والعلاقة بين الشيخ والمريد‪،‬‬ ‫والثقة المطلقة به‪ ،‬فيما ُس ِّمي بـ\"التصوف البدعي\"‪ .‬واختلط بعض التصوف برؤى فلسفية‬ ‫من التراث الفارسي والهندي واليوناني‪ ،‬فظهر ما ُيع َرف بـ\"التصوف الفلسفي\"‪ .‬واشت َّط‬ ‫بعض المتصوفة في معتقداتهم وممارساتهم‪ ،‬وخرجوا عن المألوف المقبول في المجتمع‬ ‫الإسلامي‪ ،‬في تفسير النصوص‪ ،‬وا ِّدعاء منازل الولاية والمقامات غير البشرية‪ ،‬فأصبحوا‬ ‫من أهل الضلال‪.‬‬ ‫وقد ورد في القرآن الكريم والأحاديث النبوية كثي ٌر من قصص الأنبياء والأمم الغابرة‪،‬‬ ‫ث َّم ض َّمت إليها روايات أهل الكتاب والمأثور التاريخي عن أيام العرب والأمم الأُخرى‪،‬‬ ‫فأصبح ذلك أساس ًا للكتابة التاريخية‪ ،‬وظهور المؤ ِّرخين‪.‬‬ ‫‪184‬‬

‫وقد كان الأدب نثر ًا وشعر ًا ديدن اهتمام العرب قبل الإسلام‪ ،‬وبقي البيان اللغوي‬ ‫أدا ًة للإعلام والتأثير‪ .‬ول ّما ا َّتسع الإسلام في الشعوب غير العربية‪ ،‬وظهر اللحن والخطأ‬ ‫في اللغة‪ ،‬لزم وضع القواعد‪ ،‬وتو َّسعت علوم اللغة؛ من‪ :‬نح ٍو‪ ،‬وصر ٍف‪ ،‬وبيا ٍن‪ ،‬وبلاغ ٍة‪،‬‬ ‫وغير ذلك‪.‬‬ ‫وقد تض َّمن الحديث النبوي كثير ًا من نصائح الطب الوقائي والعلاجي‪ ،‬بما في ذلك‬ ‫الأدوية‪ ،‬وأنواع الطعام‪ ،‬والحمية‪ ،‬وتخ َّصص بع ُض العلماء في رصد ممارسات هذه‬ ‫النصائح والإضافة إليها من خبرات الطب في تراث الأمم الأُخرى‪ ،‬حتى تط َّور علم الطب‬ ‫في المجتمع الإسلامي كثير ًا‪ .‬وتض َّمنت كتب الرعاية الصحية والطبية تنشئة الأطفال‬ ‫وتربيتهم‪ ،‬كما تض َّمنت تعليم الأطباء واختبارهم‪.‬‬ ‫وقد أتاح استقصاء مادة التراث التربوي الإسلامي في مصنَّفات التراث عامة تع ُّرف‬ ‫عد ٍد من هذه المصنَّفات التي نقترح تصنيفها في عدد من المدارس‪ .‬ومن الجدير بالذكر أ َّن‬ ‫هذا العدد من الكتب (‪ 108‬كتب) التي تم ِّكننا من تمييز محتوى التراث التربوي فيها‪ ،‬لا‬ ‫يعني عدم وجود غيرها؛ فمجال البحث في مصنَّفات التراث الإسلامي مفتو ٌح للباحثين‪،‬‬ ‫وقد يجدون ما هو أهم م ّما وجدناه‪.‬‬ ‫وفي الجدول رقم (‪ )1‬بيان بعناوين هذه الكتب‪ ،‬مع أسماء مؤ ِّلفيها‪ ،‬وسنوات وفاتهم‪،‬‬ ‫إضاف ًة إلى المدرسة التي يمكن تصنيف كل كتاب فيها‪.‬‬ ‫وعند النظر في محتوى هذه المصنَّفات‪ ،‬فإ َّننا سنجد قدر ًا مشترك ًا بين محتويات‬ ‫كثير منها‪ ،‬وسنجد بعضها قد تط َّرق إلى مسائل لم يتط َّرق إليها غيره‪ .‬ومن ال ُمتو َّقع أ ْن‬ ‫يكون الفقه حاضر ًا في كثير من هذه الكتب؛ فقد كان الفقه ِمظ َّل ًة لكثي ٍر م ّما أصبح بعد‬ ‫ذلك علوم ًا مستقل ًة‪ ،‬فكان الفقه ‪-‬مثل ًا‪ -‬يشمل أحكام العبادات‪ ،‬من صلاة وصوم وحج‪،‬‬ ‫وغيره‪ ،‬وأحكام المعاملات الاقتصادية والتجارية والصناعية‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وقضايا الأحوال‬ ‫الشخصية من زواج وطلاق ووصية وميراث وغيرها‪ ،‬وقضايا السياسة الشرعية من حكم‬ ‫وقضاء وعلاقات دولية‪ ،‬وغيرها‪.‬‬ ‫‪185‬‬

‫الجدول رقم (‪)1‬‬ ‫عناوين مؤ َّلفات تراثية تتض َّمن نصوص ًا مهم ًة في التعليم‬ ‫(مر َّتبة حسب تسلسل سنة وفاة المؤ ِّلف)‬ ‫سنة‬ ‫الرقم‬ ‫الوفاة‬ ‫المدرسة‬ ‫اسم المؤ ِّلف‬ ‫عنوان الكتاب‬ ‫أبو محمد عبد الله بن المقفع ‪142‬ﻫ أدبية‬ ‫‪ 1‬الأدب الكبير والصغير‪.‬‬ ‫أبو حنيفة النعمان ‪150‬ﻫ كلامية‬ ‫‪ 2‬العا ِل وال ُمتع ِّلم‪.‬‬ ‫محمد بن إدريس الشافعي ‪204‬ﻫ فقهية (شافعية)‬ ‫‪ 3‬جماع العلم‪.‬‬ ‫‪230‬ﻫ التاريخ العام‬ ‫محمد بن سعد‬ ‫‪ 4‬الطبقات الكبرى‪.‬‬ ‫حديثية‬ ‫أبو خيثمة زهير بن حرب ‪234‬ﻫ‬ ‫‪ 5‬كتاب العلم‪.‬‬ ‫صوفية‬ ‫الحارث بن أسد المحاسبي ‪243‬ﻫ‬ ‫‪ 6‬رسالة المسترشدين‪.‬‬ ‫عمرو بن بحر الجاحظ ‪255‬ﻫ أدبية‬ ‫‪ 7‬رسالة ال ُمع ِّلمين‪.‬‬ ‫‪256‬ﻫ فقهية (مالكية)‬ ‫محمد بن سحنون‬ ‫‪ 8‬آداب ال ُمع ِّلمين فيما د َّون ابن سحنون‬ ‫عن أبيه‪.‬‬ ‫إسماعيل بن يحيى المزني ‪264‬ﻫ فقهية (شافعية)‬ ‫‪ 9‬الترغيب في العلم‪.‬‬ ‫ابن قتيبة الدينوري ‪276‬ﻫ أدبية‬ ‫‪ 10‬عيون الأخبار‪.‬‬ ‫‪ -‬تأديب الناشئين بأدب الدنيا والدين‪ .‬أدبية‬ ‫ابن عبد ربه الأندلسي ‪328‬ﻫ‬ ‫‪11‬‬ ‫‪ -‬العقد الفريد‪ .‬أدبية‬ ‫فلسفية‬ ‫محمد بن محمد الفارابي ‪339‬ﻫ‬ ‫‪ 12‬إحصاء العلوم‪.‬‬ ‫حديثية‬ ‫محمد بن حبان البستي ‪354‬ﻫ‬ ‫‪ 13‬العا ِل وال ُمتع ِّلم‪.‬‬ ‫فلسفية‬ ‫ق‪4‬ﻫ‬ ‫إخوان الصفا‬ ‫‪ 14‬رسائل إخوان الصفا‪.‬‬ ‫‪186‬‬

‫حديثية‬ ‫الحسن بن عبد الرحمن‬ ‫‪ 15‬المحدث الفاصل بين الراوي والواعي‪360 .‬ﻫ‬ ‫الرامهرمزي‬ ‫أبو بكر الآجري ‪360‬ﻫ فقهية (شافعية)‬ ‫‪ 16‬أخلاق العلماء‪.‬‬ ‫حديثية‬ ‫أبو بكر ابن السني ‪364‬ﻫ‬ ‫‪ 17‬رياضة ال ُمتع ِّلمين‪.‬‬ ‫ابن الجزار القيرواني ‪369‬ﻫ طبية‬ ‫‪ 18‬سياسة الصبيان وتدبيرهم‪.‬‬ ‫فلسفية‬ ‫أبو الحسن العامري ‪381‬ﻫ‬ ‫‪ -‬الإعلام بمناقب الإسلام‪.‬‬ ‫‪19‬‬ ‫فلسفية‬ ‫‪ -‬رسائل العامري وشذراته الفلسفية‪.‬‬ ‫فقهية‬ ‫ابن أبي زيد القيرواني ‪386‬ﻫ‬ ‫‪ 20‬أحكام ال ُمع ِّلمين وال ُمتع ِّلمين‪.‬‬ ‫)مالكية(‬ ‫‪403‬ﻫ فقهية (مالكية)‬ ‫أبو الحسن القابسي‬ ‫الرسالة المفصلة لأحوال ال ُمتع ِّلمين‬ ‫‪406‬ﻫ كلامية‬ ‫أبو بكر بن فورك‬ ‫‪21‬‬ ‫وأحكام ال ُمع ِّلمين وال ُمتع ِّلمين‪.‬‬ ‫‪ 22‬شرح العا ِل وال ُمتع ِّلم لأبي حنيفة‪.‬‬ ‫صوفية‬ ‫أبو عبد الرحمن السلمي ‪412‬ﻫ‬ ‫‪ 23‬طبقات الصوفية‪.‬‬ ‫أبو حيان التوحيدي ‪414‬ﻫ أدبية‬ ‫‪ 24‬الإمتاع والمؤانسة‪.‬‬ ‫فلسفية‬ ‫‪421‬ﻫ‬ ‫ابن مسكويه‬ ‫‪ 25‬تهذيب الأخلاق‪.‬‬ ‫الرئيس ابن سينا ‪428‬ﻫ فلسفية‬ ‫‪ 26‬كتاب السياسة‪.‬‬ ‫تاريخ العلم‬ ‫‪438‬ﻫ‬ ‫محمد بن النديم‬ ‫‪ 27‬الفهرست‪.‬‬ ‫والعلوم‬ ‫فقهية (شافعية)‬ ‫‪450‬ﻫ‬ ‫أبو الحسن الماوردي‬ ‫‪ 28‬أدب الدنيا والدين‪.‬‬ ‫‪456‬ﻫ‬ ‫ابن حزم الأندلسي‬ ‫‪ -‬الأخلاق والسير (مداواة النفوس)‪.‬‬ ‫أدبية‬ ‫أدبية‬ ‫‪ - 29‬مراتب العلوم‪.‬‬ ‫‪187‬‬

‫فقهية حديثية‬ ‫‪463‬ﻫ‬ ‫الخطيب البغدادي‬ ‫‪ -‬اقتضاء العلم العمل‪.‬‬ ‫‪30‬‬ ‫حديثية‬ ‫‪463‬ﻫ‬ ‫ابن عبد البر القرطبي‬ ‫‪ -‬تقييد العلم‪.‬‬ ‫‪31‬‬ ‫حديثية‬ ‫حديثية‬ ‫‪ -‬الرحلة في طلب الحديث‪.‬‬ ‫‪ -‬الكفاية في علم الرواية‪.‬‬ ‫حديثية فقهية‬ ‫فقهية (حنفية)‬ ‫‪ -‬الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع‪.‬‬ ‫‪ -‬الفقيه والمتفقه‪.‬‬ ‫حديثية‬ ‫حديثية فقهية‬ ‫‪ -‬جامع بيان العلم وفضله‪.‬‬ ‫‪ -‬أدب المجالسة‪.‬‬ ‫أبو الوليد سليمان الباجي ‪474‬ﻫ فقهية (مالكية)‬ ‫‪ 32‬نصيحة الإمام الباجي لولده‪.‬‬ ‫فقهية (شافعية)‬ ‫‪502‬ﻫ‬ ‫الراغب الأصفهاني‬ ‫‪ 33‬الذريعة إلى مكارم الشريعة‪.‬‬ ‫‪505‬ﻫ‬ ‫أبو حامد الغزالي‬ ‫فقهية (شافعية)‬ ‫‪520‬ﻫ‬ ‫أبو بكر الطرطوشي‬ ‫‪ -‬منهاج ال ُمتع ِّلم‪.‬‬ ‫‪34‬‬ ‫فقهية (شافعية)‬ ‫‪ -‬أيها الولد‪.‬‬ ‫صوفية‬ ‫‪ -‬إحياء علوم الدين‪.‬‬ ‫التاريخ العام‬ ‫‪ 35‬سراج الملوك‪.‬‬ ‫حديثية فقهية‬ ‫القاضي عياض اليحصبي ‪544‬ﻫ‬ ‫الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد‬ ‫‪36‬‬ ‫حديثية‬ ‫السماع‪.‬‬ ‫حديثية‬ ‫أبو سعيد السمعاني ‪562‬ﻫ‬ ‫‪ -‬أدب الإملاء والاستملاء‪.‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪ -‬طراز الذهب في أدب الطلب‪.‬‬ ‫علي بن الحسن ابن عساكر ‪571‬ﻫ فقهية حديثية‬ ‫‪ - 38‬ذم َمن لا يعمل بعلمه‪.‬‬ ‫حديثية‬ ‫‪ -‬مجلسان من مجالس ابن عساكر‪.‬‬ ‫حديثية‬ ‫أبو محمد الأزدي ‪581‬ﻫ‬ ‫‪ 39‬تلقين الوليد الصغير‪.‬‬ ‫أبو النجيب الشيرزي ‪590‬ﻫ مهنية حرفية‬ ‫‪ 40‬نهاية الرتبة في طلب الحسبة‪.‬‬ ‫‪593‬ﻫ فقهية (حنفية)‬ ‫برهان الدين الزرنوجي‬ ‫‪ 41‬تعليم ال ُمتع ِّلم طرق التع ُّلم‪.‬‬ ‫أبو الفرج ابن الجوزي‬ ‫فقهية حديثية‬ ‫‪597‬ﻫ‬ ‫‪ -‬تلبيس إبليس‪.‬‬ ‫‪42‬‬ ‫أدبية‬ ‫‪ -‬لفتة الكبد في نصيحة الولد‪.‬‬ ‫‪ -‬كتاب القصاص والمذكرين‪.‬‬ ‫تاريخ العلم والعلماء‬ ‫‪ -‬المنتظم في تاريخ الأمم والملوك‪.‬‬ ‫التاريخ العام‬ ‫‪188‬‬

‫التاريخ العام‬ ‫‪614‬ﻫ‬ ‫ابن جبير الأندلسي‬ ‫‪ 43‬رحلة ابن جبير‪.‬‬ ‫التاريخ العام‬ ‫‪626‬ﻫ‬ ‫ياقوت الحموي‬ ‫‪ 44‬معجم البلدان‪.‬‬ ‫التاريخ العام‬ ‫‪630‬ﻫ‬ ‫ابن الأثير الجزري‬ ‫‪ 45‬الكامل في التاريخ‪.‬‬ ‫صوفية‬ ‫محيي الدين ابن عربي ‪638‬ﻫ‬ ‫‪ 46‬محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار‪.‬‬ ‫أبو عمرو بن الصلاح ‪643‬ﻫ فقهية (شافعية)‬ ‫‪ 47‬أدب المفتي والمستفتي‪.‬‬ ‫تاريخ العلم‬ ‫‪ 48‬إنباه الرواة على أنباء النحاة‪.‬‬ ‫جمال الدين القفطي ‪646‬ﻫ‬ ‫والعلوم‬ ‫كمال الدين ابن العديم ‪660‬ﻫ أدبية‬ ‫‪ 49‬الدراري في ذكر الذراري‪.‬‬ ‫العز بن عبد السلام ‪660‬ﻫ فقهية (شافعية)‬ ‫‪ 50‬قواعد الأحكام في مصالح الأنام‪.‬‬ ‫تاريخ العلم‬ ‫كتاب الروضتين في أخبار الدولتين‪ :‬أبو شامة عبد الرحمن بن‬ ‫والعلوم‬ ‫‪665 51‬ﻫ‬ ‫إسماعيل المقدسي‬ ‫النورية والصلاحية‪.‬‬ ‫ابن أبي أصيبعة ‪668‬ﻫ طبية‬ ‫‪ 52‬عيون الأنباء في طبقات الأطباء‪.‬‬ ‫‪672‬ﻫ فقهية (جعفرية)‬ ‫أبو جعفر الطوسي‬ ‫آداب ال ُمتع ِّلمين‪.‬‬ ‫‪53‬‬ ‫فقهية (شافعية)‬ ‫يحيى بن شرف النووي‬ ‫‪-‬آدابالعا ِلوال ُمتع ِّلموالمفتيوالمستفتي‪.‬‬ ‫‪54‬‬ ‫‪676‬ﻫ فقهية (شافعية)‬ ‫‪ -‬التبيان في آداب حملة القرآن‪.‬‬ ‫‪681‬ﻫ التاريخ العام‬ ‫ابن خلكان‬ ‫‪ 55‬وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان‪.‬‬ ‫حديثية‬ ‫بدر الدين ابن جماعة ‪733‬ﻫ‬ ‫تذكرة السامع والمتك ِّلم في أدب العا ِل‬ ‫‪56‬‬ ‫وال ُمتع ِّلم‪.‬‬ ‫شهاب الدين النويري ‪733‬ﻫ أدبية‬ ‫‪ 57‬نهاية الأرب في فنون الأدب‪.‬‬ ‫‪737‬ﻫ فقهية (مالكية)‬ ‫ابن الحاج العبدري‬ ‫المدخل إلى تنمية الأعمال بتحسين‬ ‫‪748‬ﻫ تاريخ العلم والعلوم‬ ‫شمس الدين الذهبي‬ ‫‪58‬‬ ‫فقهية (شافعية)‬ ‫النيات‪.‬‬ ‫‪ - 59‬زغل العلم‪.‬‬ ‫‪ -‬مسائل في طلب العلم وأقسامه‪.‬‬ ‫‪189‬‬

‫إسماعيل بن موسى الجيطالي ‪750‬ﻫ فقهية (إباضية)‬ ‫‪ 60‬قناطر الخيرات‪.‬‬ ‫طبية‬ ‫ابن ق ِّيم الجوزية‬ ‫‪ -‬تحفة المودود في أحكام المولود‪.‬‬ ‫‪751‬ﻫ‬ ‫‪61‬‬ ‫فقهية (حنبلية)‬ ‫‪ -‬مفتاح دار السعادة ‪.‬‬ ‫تاج الدين السبكي ‪771‬ﻫ تاريخ العلم والعلوم‬ ‫‪ 62‬طبقات الشافعية الكبرى‪.‬‬ ‫محمد ابن بطوطة ‪779‬ﻫ التاريخ العام‬ ‫‪ 63‬رحلة ابن بطوطة‪.‬‬ ‫أبو الحسن الخزاعي ‪789‬ﻫ مهنية حرفية‬ ‫‪ 64‬تخريج الدلالات السمعية‪.‬‬ ‫عبد الرحمن بن خلدون ‪808‬ﻫ التاريخ العام‬ ‫‪ 65‬مقدمة ابن خلدون‪.‬‬ ‫‪ 66‬صبح الأعشى في صناعة الإنشا‪ .‬أحمد بن علي القلقشندي ‪821‬ﻫ أدبية‬ ‫أحمد ابن المرتضى ‪840‬ﻫ التاريخ العام‬ ‫‪ 67‬طبقات المعتزلة‪.‬‬ ‫تقي الدين المقريزي ‪845‬ﻫ التاريخ العام‬ ‫‪ 68‬تاريخ المقريزي‪.‬‬ ‫شهاب الدين الإبشيهي ‪850‬ﻫ أدبية‬ ‫‪ 69‬المستطرف في كل فن مستظرف‪.‬‬ ‫عبد اللطيف ابن غانم ‪856‬ﻫ فقهية (مالكية)‬ ‫‪ 70‬شفاء المتأ ِّل في أدب ال ُمع ِّلم وال ُمتع ِّلم‪.‬‬ ‫أبو عبد الله بن الأزرق ‪896‬ﻫ تاريخ العلم والعلوم‬ ‫‪ 71‬بدائع السلك‪.‬‬ ‫جلال الدين السيوطي ‪911‬ﻫ أدبية‬ ‫‪ 72‬المزهر في علوم اللغة وأنواعها‪.‬‬ ‫نور الدين السمهودي ‪911‬ﻫ فقهية (حنفية)‬ ‫‪ 73‬جواهر العقدين في فضل الشرفين‪.‬‬ ‫محمد بن أبي جمعة المغراوي ‪920‬ﻫ فقهية (مالكية)‬ ‫‪ 74‬جامع جوامع الاختصار والتبيان‪.‬‬ ‫‪ 75‬رسالة في آداب البحث والمناظرة‪.‬‬ ‫عبد الباسط ابن الوزير ‪920‬ﻫ كلامية‬ ‫زكريا الأنصاري ‪926‬ﻫ فقهية (شافعية)‬ ‫‪ 76‬اللؤلؤ النظيم في روم التعليم‪.‬‬ ‫زين الدين العاملي ‪965‬ﻫ فقهية (جعفرية)‬ ‫‪ 77‬منية المريد في أدب المفيد والمستفيد‪.‬‬ ‫‪ 78‬رسالة الآداب في علم أدب البحث والمناظرة‪ .‬طاش كبرى زاده ‪968‬ﻫ كلامية‬ ‫حديثية‬ ‫ابن حجر الهيتمي ‪976‬ﻫ‬ ‫تحرير المقال في أدب وأحكام وفوائد‬ ‫‪79‬‬ ‫يحتاج إليها مؤ ِّدبو الأطفال‪.‬‬ ‫‪190‬‬

‫تاريخ العلم‬ ‫‪ 80‬الدارس في تاريخ المدارس‪.‬‬ ‫عبد القادر النعيمي ‪978‬ﻫ‬ ‫والعلوم‬ ‫فقهية (شافعية)‬ ‫عبد الباسط العلموي‬ ‫‪ -‬المعيد في آداب المفيد والمستفيد‪.‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪981‬ﻫ فقهية (شافعية)‬ ‫‪ -‬مختصر تنبيه الطالب وإرشاد‬ ‫الدارس‪.‬‬ ‫بدر الدين الغزي ‪984‬ﻫ فقهية (شافعية)‬ ‫‪ 82‬الدر النضيد في أدب المفيد والمستفيد‪.‬‬ ‫المنصور بالله الزيدي ‪1050‬ﻫ فقهية (زيدية)‬ ‫‪ 83‬آداب العلماء وال ُمتع ِّلمين‪.‬‬ ‫‪ 84‬كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون‪ .‬حاجي خليفة الجلبي ‪1067‬ﻫ تاريخ العلم والعلوم‬ ‫درويش المحروقي ‪1086‬ﻫ فقهية (إباضية)‬ ‫‪ 85‬الدلائل واللوازم‪.‬‬ ‫أبو زيد عبد الرحمن الفاسي ‪1096‬ﻫ منظومة كلامية‬ ‫‪ 86‬الأقنوم في مبادئ العلوم‪.‬‬ ‫‪1102‬ﻫ فقهية (مالكية)‬ ‫اليوسي المراكشي‬ ‫القانون على أحكام العلم وأحكام‬ ‫‪87‬‬ ‫ال ُمتع ِّلمين‪.‬‬ ‫‪ -‬غاية الإحكام في آداب الفهم والإفهام‪ .‬مؤ ِّلفه عمر الطحلاوي‪1181 ،‬ﻫ كلامية‬ ‫‪88‬‬ ‫‪ -‬شرحه (ثمر الثمار شرح غاية الإحكام)‪ .‬وشارحه ال َّسنَباوي ‪1232‬ﻫ كلامية‬ ‫محمد بن علي الشوكاني ‪1250‬ﻫ فقهية لا مذهبية‬ ‫‪ 89‬أدب الطلب ومنتهى الأرب‪.‬‬ ‫عدد المؤ َّلفات‪ )110( :‬كتب‪.‬‬ ‫المدارس‪)110( :‬‬ ‫العلماء‪ )89( :‬عالِ ًا‬ ‫ملاحظة‪:‬‬ ‫هذا المجموع أو العدد (‪ )89‬يم ِّثل أسماء العلماء المؤ ِّلفين‪ ،‬علم ًا بأ َّن هذا العدد‬ ‫يشمل اسمي عالِم ْي ِن‪ ،‬هما‪ :‬المؤ ِّلف الطحلاوي‪ ،‬والشارح ال َّسنَباوي‪ ،‬و ِم ْن َث َّم يكون عدد‬ ‫أسماء العلماء (‪ )90‬عالِم ًا‪ .‬أ ّما مجموع مصنَّفاتهم فهو (‪ )110‬مصنَّفات؛ ذلك أ َّن بعض‬ ‫العلماء لهم أكثر من كتاب‪ ،‬ظهرت عناوينها في خانة واحدة أمام اسم المؤ ِّلف‪ ،‬مثل‪ :‬ابن‬ ‫عبد ربه‪ ،‬والخطيب البغدادي‪ ،‬وابن الجوزي‪ ،‬وابن عساكر‪ ،‬وابن حزم‪ ،‬والعامري‪ ،‬وابن‬ ‫الق ِّيم‪ ،‬والذهبي‪ ،‬والعلموي‪ ،‬والغزالي‪.‬‬ ‫‪191‬‬

‫وقد ظهر التع ُّدد في الرأي والاختلاف بين العلماء في وقت مبكر في طريقة‬ ‫تعاملهم مع النصوص وتنزيلها على الأحداث والأحوال‪ ،‬فكان هذا الاختلاف سبب ًا‬ ‫في نشأة المذاهب الفقهية‪ .‬وقد وجدنا تراث ًا تربوي ًا مق َّدر ًا في مصنَّفات هذه المذاهب‪،‬‬ ‫وحرصنا على التنويه بالمذهب الثمانية التي عرفها المجتمع المسلم في تاريخه‪ ،‬وهي‬ ‫مذاهب الحنفية‪ ،‬والشافعية‪ ،‬والمالكية‪ ،‬والحنبلية‪ ،‬والجعفرية (الاثني عشرية)‪ ،‬والزيدية‪،‬‬ ‫والظاهرية‪ ،‬والإباضية‪ ،‬إضاف ًة إلى فئة من العلماء الذين بدأوا حياتهم ضمن مذهب فقهي‬ ‫معين‪ ،‬ث َّم أصبحوا يجتهدون بالاعتماد على الدليل الأصلي من الكتاب وال ُّسنة‪ ،‬دون التق ُّيد‬ ‫بأ ِّي مذهب‪ ،‬فاصطلحنا على وجود مثل هؤلاء في مدرسة فقهية لا مذهبية‪.‬‬ ‫وإذا كانت المذاهب الفقهية تم ِّثل مدارس فكرية متن ِّوعة ضمن مجال الفقه‪ ،‬فإ َّن‬ ‫بعض المدارس الفكرية تم َّيزت بمداخل ضمن مجال آخر‪ ،‬إضاف ًة إلى الفقه؛ فكثير من‬ ‫كتب الحديث كانت تقتصر على رواية الأحاديث النبوية‪ ،‬ولكنَّها تحيل إلى أحكام فقهية‪،‬‬ ‫فرأينا إفراد هذه الكتب ضمن مدرسة تجمع بين الحديث والفقه‪ .‬أ ّما الكتب التي تقتصر‬ ‫على رواية الأحاديث من دون الإشارة إلى الأحكام الفقهية فقد جعلناها ضمن مدرسة‬ ‫أطلقنا عليها اسم المدرسة الحديثية‪.‬‬ ‫وقد شهد التراث الإسلامي زخم ًا من كتب التاريخ العام التي تض َّمن بعضها بيانات‬ ‫وافية عن التعليم والتع ُّلم‪ ،‬فصنَّفناها في مدرسة س َّميناها المدرسة التاريخية‪ .‬واقتصرت‬ ‫بعض كتب التاريخ على تاريخ العلم والعلماء والمؤسسات التعليمية‪ ،‬فأفردنا لها مدرسة‬ ‫تاريخ العلم والعلماء‪.‬‬ ‫ث َّم إ َّن بعض كتب التراث اهت َّمت بالتربية والتعليم ضمن المدرسة الصوفية‪ ،‬أو‬ ‫المدرسة الفلسفية‪ ،‬أو المدرسة الطبية‪ ،‬أو المدرسة الكلامية‪ ،‬فصنَّفنا هذه الكتب ضمن‬ ‫المدرسة التي هي أقرب انتساب ًا إليها‪.‬‬ ‫وفي الجدول رقم (‪ )2‬توزيع مختصر لمادة الجدول رقم (‪ ،)1‬مع الاكتفاء بذكر‬ ‫أسماء المؤ ِّلفين؛ لبيان عدد المؤ َّلفات ضمن كل مدرسة من المدارس التسع عشرة‪.‬‬ ‫‪192‬‬

‫الجدول رقم (‪)2‬‬ ‫أسماء المؤ ِّلفين (مر َّتبة حسب المدارس)‬ ‫‪11 10‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫اسم المدرسة ‪1‬‬ ‫السمهودي‬ ‫النووي‬ ‫ابن الصلاح العز بن‬ ‫الغزالي‬ ‫الراغب‬ ‫الخطيب‬ ‫الماوردي‬ ‫الآجري‬ ‫المزني‬ ‫الشافعي‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(‪911‬ﻫ)‬ ‫(‪676‬ﻫ)‬ ‫(‪643‬ﻫ) عبد السلام‬ ‫(‪505‬ﻫ)‬ ‫الأصفهاني‬ ‫البغدادي‬ ‫(‪450‬ﻫ)‬ ‫(‪360‬ﻫ)‬ ‫(‪264‬ﻫ)‬ ‫(‪204‬ﻫ)‬ ‫الفقهية الشافعية‬ ‫(‪660‬ﻫ)‬ ‫(‪502‬ﻫ)‬ ‫(‪463‬ﻫ)‬ ‫الزرنوجي‬ ‫(‪)2‬‬ ‫الفقهية الحنفية (‪503‬ﻫ)‬ ‫‪193‬‬ ‫اليوسي‬ ‫ابن سحنون‬ ‫(‪)3‬‬ ‫المراكشي‬ ‫(‪1102‬ﻫ)‬ ‫المغراوي‬ ‫ابن غانم‬ ‫العبدري‬ ‫الباجي‬ ‫القابسي‬ ‫الفقهية المالكية (‪256‬ﻫ) القيرواني‬ ‫(‪920‬ﻫ)‬ ‫(‪856‬ﻫ)‬ ‫(‪737‬ﻫ)‬ ‫(‪474‬ﻫ)‬ ‫(‪403‬ﻫ)‬ ‫(‪386‬ﻫ)‬ ‫ابن ق ِّيم‬ ‫ابن الجوزي‬ ‫(‪)4‬‬ ‫الجوزية‬ ‫(‪597‬ﻫ)‬ ‫الفقهية الحنبلية‬ ‫(‪751‬ﻫ)‬ ‫المحروقي‬ ‫الجيطالي‬ ‫(‪)5‬‬ ‫(‪1086‬ﻫ)‬ ‫(‪750‬ﻫ)‬ ‫الفقهية الإباضية‬

‫المنصور بالله‬ ‫(‪)6‬‬ ‫الفقهية الزيدية (‪1050‬ﻫ)‬ ‫العاملي‬ ‫الطوسي‬ ‫(‪)7‬‬ ‫(‪965‬ﻫ)‬ ‫(‪672‬ﻫ)‬ ‫الفقهية الجعفرية‬ ‫ابن حزم‬ ‫(‪)8‬‬ ‫(‪456‬ﻫ)‬ ‫الفقهية الظاهرية‬ ‫الشوكاني‬ ‫(‪)9‬‬ ‫‪194‬‬ ‫الفقهية اللامذهبية (‪1250‬ﻫ)‬ ‫ابن حجر‬ ‫ابن جماعة‬ ‫ابن عساكر‬ ‫السمعاني‬ ‫ابن عبد البر‬ ‫الخطيب‬ ‫أبو خيثمة الرامهرمزي‬ ‫(‪)10‬‬ ‫الهيتمي‬ ‫(‪733‬ﻫ)‬ ‫(‪571‬ﻫ)‬ ‫(‪562‬ﻫ)‬ ‫(‪463‬ﻫ)‬ ‫البغدادي‬ ‫(‪234‬ﻫ) (‪360‬ﻫ)‬ ‫الحديثية‬ ‫(‪976‬ﻫ)‬ ‫(‪463‬ﻫ)‬ ‫ابن الجوزي‬ ‫الأزدي‬ ‫ابن عساكر‬ ‫القاضي‬ ‫ابن عبد البر‬ ‫ابن حبان ابن السني‬ ‫(‪)11‬‬ ‫(‪597‬ﻫ)‬ ‫(‪581‬ﻫ)‬ ‫(‪571‬ﻫ)‬ ‫عياض‬ ‫(‪463‬ﻫ)‬ ‫الخطيب‬ ‫(‪354‬ﻫ) (‪364‬ﻫ)‬ ‫الحديثية الفقهية‬ ‫(‪544‬ﻫ)‬ ‫البغدادي‬ ‫(‪463‬ﻫ)‬ ‫الفارابي إخوان الصفا العامري مسكويه ابن سينا‬ ‫(‪)12‬‬ ‫(‪339‬ﻫ) (ق‪4‬ﻫ) (‪381‬ﻫ) (‪421‬ﻫ) (‪428‬ﻫ)‬ ‫الفلسفية‬

‫المحاسبي السلمي الغزالي ابن عربي‬ ‫(‪)13‬‬ ‫(‪243‬ﻫ) (‪412‬ﻫ) (‪505‬ﻫ) (‪638‬ﻫ)‬ ‫الصوفية‬ ‫أبو حنيفة ابن الوزير كبرى زاده الفاسي الطحلاوي السنباوي‬ ‫(‪)14‬‬ ‫(‪150‬ﻫ) (‪920‬ﻫ) (‪968‬ﻫ) (‪1096‬ﻫ) (‪1181‬ﻫ) (‪1232‬ﻫ)‬ ‫الكلامية‬ ‫(‪)15‬‬ ‫السيوطي‬ ‫الأبشيهي‬ ‫ابن الجوزي ابن العديم شهاب الدين القلقشندي‬ ‫أبو حيان‬ ‫ابن عبد ربه‬ ‫ابن قتيبة‬ ‫الجاحظ‬ ‫ابن المقفع‬ ‫الأدبية‬ ‫(‪911‬ﻫ)‬ ‫(‪850‬ﻫ)‬ ‫(‪597‬ﻫ) (‪660‬ﻫ) النويري (‪821‬ﻫ)‬ ‫التوحيدي‬ ‫(‪328‬ﻫ)‬ ‫الدينوري‬ ‫(‪255‬ﻫ)‬ ‫(‪142‬ﻫ)‬ ‫(‪414‬ﻫ)‬ ‫(‪276‬ﻫ)‬ ‫(‪)16‬‬ ‫(‪733‬ﻫ)‬ ‫التاريخ العام‬ ‫ابن الأثير ابن خلكان ابن بطوطة ابن خلدون ابن المرتضى المقريزي‬ ‫ياقوت‬ ‫ابن سعد الطرطوشي ابن الجوزي ابن جبير‬ ‫‪195‬‬ ‫(‪630‬ﻫ) (‪681‬ﻫ) (‪779‬ﻫ) (‪808‬ﻫ) (‪840‬ﻫ) (‪845‬ﻫ)‬ ‫الحموي‬ ‫(‪230‬ﻫ) (‪520‬ﻫ) (‪597‬ﻫ) (‪614‬ﻫ)‬ ‫(‪626‬ﻫ)‬ ‫الذهبي السبكي ابن الأزرق النعيمي حاجي خليفة‬ ‫ابن النديم ابن الجوزي القفطي أبو شامة‬ ‫(‪)17‬‬ ‫(‪748‬ﻫ) (‪771‬ﻫ) (‪896‬ﻫ) (‪978‬ﻫ) (‪1067‬ﻫ)‬ ‫(‪438‬ﻫ) (‪597‬ﻫ) (‪646‬ﻫ) (‪665‬ﻫ)‬ ‫تاريخ العلم‬ ‫ابن ق ِّيم‬ ‫ابن أبي‬ ‫ابن الجزار‬ ‫والعلوم‬ ‫الجوزية‬ ‫أصيبعة‬ ‫(‪369‬ﻫ)‬ ‫(‪)18‬‬ ‫(‪751‬ﻫ)‬ ‫(‪668‬ﻫ)‬ ‫الطبية‬ ‫الشيزري‬ ‫الخزاعي‬ ‫(‪590‬ﻫ)‬ ‫(‪)19‬‬ ‫(‪789‬ﻫ)‬ ‫المهنية الحرفية‬

‫ملاحظات‪:‬‬ ‫‪ -‬صنِّفت أسماء المؤ ِّلفين إلى هذه المدارس وفق ًا لكتب المؤ ِّلفين الوارد ذكرها في‬ ‫الجدول رقم (‪)1‬؛ فالمحاسبي في المدرسة الصوفية هو إشارة إلى كتابه \"رسالة‬ ‫المسترشدين\"‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫‪ُ -‬بنِي هذا الجدول اجتهاد ًا منّا في ملاحظة الأعم والأغلب؛ إذ ر َّبما نجد المادة التي‬ ‫يتض َّمنها الكتاب الذي أشار إليه اسم المؤ ِّلف في هذا الجدول تصلح أ ْن توضع‬ ‫ضمن مدرستين أو أكثر من المدارس الوارد ذكرها في هذا التصنيف‪.‬‬ ‫‪ -‬تقتصر أسماء العلماء الوارد ذكرها في الجدول على مؤ َّلفاتهم التي استطعنا‬ ‫الا ِّطلاع عليها كما وردت في الجدول رقم (‪ .)1‬ومن المؤ َّكد أ َّن َث َّمة مؤ َّلفا ٍت‬ ‫ُأخرى تتض َّمن حديث ًا عن التربية والتعليم‪ ،‬لم نتم َّكن من الا ِّطلاع عليها‪.‬‬ ‫‪ -‬قد تتشابه بعض أسماء المؤ ِّلفين في الجدول مع غيرها م ّما ليس في الجدول‪.‬‬ ‫والمقصود هنا هو مؤ ِّلف الكتاب الذي ورد في الجدول رقم (‪.)1‬‬ ‫‪ -‬أسماء المؤ ِّلفين أمام كل مدرسة في ال ُب ْعد الأفقي من الجدول مر َّتبة حسب تسلسل‬ ‫التاريخ الهجري لوفياتهم‪.‬‬ ‫‪ -‬ظهرت أسماء بعض المؤ ِّلفين في مدرستين أو أكثر؛ لأ َّن هؤلاء أ َّلفوا كتب ًا مختلفة‬ ‫يصنَّف بعضها في مدرسة معينة‪ ،‬وبعضها الآخر في مدرسة ُأخرى‪ .‬فابن الجوزي‬ ‫‪-‬مثل ًا‪ -‬أ َّلف كتب ًا تصنَّف في الفقه‪ ،‬أو الحديث‪ ،‬أو الأدب‪ ،‬أو التاريخ‪ .‬وللخطيب‬ ‫البغدادي وابن عبد البر ُكت ٌب أقرب إلى الفقه‪ ،‬و ُأخرى أقرب إلى الحديث‪.‬‬ ‫‪ -‬في كتب التاريخ التي تحتوي على مادة تصنَّف ضمن التربية والتعليم نوعان؛‬ ‫أحدهما‪ :‬كتب في التاريخ العام‪ ،‬والآخر‪ :‬كتب في تاريخ العلم والعلماء؛ لذا‬ ‫اجتهدنا في تقسيم هذه الكتب إلى مدرستين‪ .‬وكذلك الحال في الكتب الحديثية؛‬ ‫فبعضها يكتفي بالأحاديث‪ ،‬وبعضها الآخر يضيف إليها بعض الفقه‪.‬‬ ‫‪196‬‬

‫المبحث الرابع‬ ‫أدبيات التراث التربوي الإسلامي في الكتابات المعاصرة‬ ‫لقد ق َّدم كثي ٌر من الباحثين أعمالاً متن ِّوعة عن التراث الإسلامي على مدار القرن العشرين‪،‬‬ ‫وتضاعف هذا الاهتمام في النصف الثاني من ذلك القرن‪ ،‬لا سيما بعد ظهور الجامعات‪،‬‬ ‫والمؤسسات البحثية على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي‪ ،‬وظهور الصحف والمجلات‬ ‫في مختلف بلدان العا َلم العربي والإسلامي‪ .‬وكان للتراث التربوي الإسلامي ح ٌّظ وافر من‬ ‫هذا الاهتمام‪ ،‬وكان هناك العديد من المقارنات أو المقاربات‪ ،‬مع الخبرة التربوية المعاصرة‬ ‫المستمدة في معظمها من الفكر الغربي‪ ،‬بشخصياته‪ ،‬ومدارسه‪ ،‬وممارساته‪.‬‬ ‫ومنذ ثمانينيات القرن العشرين تزايد عدد الأساتذة الجامعيين الذين يكتبون عن‬ ‫الفكر الإسلامي في سائر التخ ُّصصات العلمية‪ .‬وكانت كتاباتهم من قبيل التك ُّيف مع‬ ‫متط َّلبات الساحة الأكاديمية الجديدة‪ ،‬وأحيان ًا بقدر محدود من العمق في البحث‪ ،‬أو‬ ‫التجديد في الفكر‪ ،‬لا سيما في الأطروحات الجامعية التي يق ِّدمها طلبتهم‪ ،‬ث َّم ينشرون‬ ‫بعضها في صورة بحوث في المجلات الجامعية‪ ،‬التي بدأت تتكاثر لتلبية متط َّلبات النشر؛‬ ‫لأغراض ترقية أعضاء هيئة التدريس في الجامعات‪ .‬وكان للتخ ُّصصات التربوية والنفسية‬ ‫نصي ٌب مق َّدر من هذه الأطروحات الجامعية والبحوث التي تصدر ‪-‬فيما بعد‪ -‬في صورة‬ ‫كتب‪ .‬وكان القدر الأكبر م ّما ُكتِب عن الفكر الإسلامي في مجال التربية وعلم النفس‬ ‫حديث ًا عن التراث الإسلامي في هذا المجال؛ في‪ :‬شخصياته‪ ،‬ومصنَّفاته‪ ،‬وممارساته‪.‬‬ ‫ومن الإنصاف أ ْن نذكر أ َّن بعض تلك الدراسات جاءت بهدف الإفادة من التراث‬ ‫في مهمة إصلاح الواقع‪ ،‬وما ينبثق عنه من تطوير للعملية التربوية وفق الرؤية الإسلامية‪.‬‬ ‫وقد ذكرنا أ َّن كثير ًا من هذه الأدبيات كان إنتاج ًا فردي ًا‪ ،‬ومنها ما كان بحوث ًا علمية ق َّدمها‬ ‫طلبة الدراسات العليا في صورة أطروحات ماجستير أو دكتوراه‪ ،‬أو مؤ َّلفات‪ ،‬أو مقالات‬ ‫ُتن َشر في المجلات‪ ،‬أو على مواقع شبكة الإنترنت‪ .‬وفي حالات قليلة كان يشترك أستاذان‬ ‫جامعيان أو أكثر في إعداد بح ٍث علمي من بحوث الترقية‪ .‬وندرة البحوث العلمية المشتركة‬ ‫ظاهرة مؤسفة من ظواهر البحث العلمي في البلاد العربية‪ .‬وقد تح َّدثنا في كتاب سابق عن‬ ‫‪197‬‬

‫حالة البحث في التراث التربوي الإسلامي كما تكشف عنها الدراسات المعاصرة‪ ،‬وصنَّ ْفنا‬ ‫هذه الدراسات في أربعة أنواع‪ :‬الجهود البحثية المشتركة للمؤسسات‪ ،‬والأطروحات‬ ‫الجامعية‪ ،‬وبحوث الدوريات العلمية‪ ،‬والكتب المنهجية والمرجعية للمؤ ِّلفين‪(((.‬‬ ‫أولاً‪ :‬الجهود البحثية المشتركة‪:‬‬ ‫فيما يخ ُّص النوع الأول‪ ،‬ن َّوهنا بمشروع التربية العربية الإسلامية‪ ،‬الذي شاركت في‬ ‫تنفيذه ثلاث مؤسسات‪ ،‬هي‪ :‬المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (أليكسو) في تونس‪،‬‬ ‫ومكتب التربية العربي لدول الخليج في الرياض‪ ،‬والمجمع الملكي لبحوث الحضارة‬ ‫الإسلامية (مؤسسة آل البيت) في الأردن‪ .‬وتكمن أهمية مثل هذا العمل أ َّن دائرته تتسع‬ ‫لتشمل كثير ًا من المتخ ِّصصين من الباحثين من بلدان متعددة‪ ،‬وأ َّن التخطيط والإشراف‬ ‫والدعم الذي يتوافر له يجعله أكثر إتقان ًا ووفا ًء بغرضه‪.‬‬ ‫وقد اتفقت هذه المؤسسات الثلاث‪ ،‬اعتبار ًا من عام ‪1982‬م‪ ،‬على تنفيذ هذا‬ ‫المشروع‪\" :‬في تكافل وتكافؤ‪ ،‬بالاشتراك في العمل له‪ :‬تخطيط ًا وإشراف ًا وتمويل ًا‪ ،‬حتى‬ ‫يتم في صورة علمية؛ منهج ًا وماد ًة‪ ...‬وقد تح َّقق هذا المشروع في صورة جماعية‪ ،‬فكان‬ ‫خير مثال لتعا ُون علمي خ ّلق للعمل العربي المشترك‪(((\".‬‬ ‫وقد صدرت أعمال هذا المشروع المشترك في ثلاثة أقسام‪:‬‬ ‫القسم الأول‪ :‬كتاب \"الفكر التربوي العربي الإسلامي‪ :‬الأصول والمبادئ\"‪:‬‬ ‫يتأ َّلف هذا الكتاب من مجلد واحد‪ ،‬يقع في ألف واثنتين وخمسين صفحة‬ ‫(‪ 1052‬صفحة)‪ .‬وقد صدر عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم‪ ،‬وشارك في‬ ‫كتابة فصوله ثمانية عشر مف ِّكر ًا وأستاذ ًا‪ ،‬وتح َّدث عن مبادئ التربية العربية الإسلامية‬ ‫وأصولها في خمسة أبواب‪:‬‬ ‫((( ملكاوي‪ ،‬فتحي حسن‪ .‬التراث التربوي الإسلامي‪ :‬حالة البحث فيه‪ ،‬ولمحات من تطوره‪ ،‬وقطوف من نصوصه‬ ‫ومدارسه‪ ،‬هرندن‪ :‬المعهد العالمي للفكر الإسلامي‪1439( ،‬ﻫ‪2018/‬م)‪ ،‬الفصل الثاني‪ ،‬ص‪.181 -109‬‬ ‫((( صابر‪ ،‬محي الدين‪ .‬الفكر التربوي العربي الإسلامي‪ :‬الأصول والمبادئ‪ ،‬تونس‪ :‬المنظمة العربية للتربية والثقافة‬ ‫والعلوم‪1987 ،‬م‪ ،‬من مقدمة المدير العام للمنظمة‪ ،‬ص‪.7‬‬ ‫‪198‬‬

‫الباب الأول‪ :‬مدخل تاريخي؛ إذ تناول حالة العرب منذ ما قبل الإسلام إلى مطلع‬ ‫القرن العشرين‪ ،‬وجاء في ثمانية فصول‪.‬‬ ‫الباب الثاني‪ :‬الأسس النظرية للفكر التربوي العربي الإسلامي‪ .‬وقد جاء في خمسة‬ ‫فصول‪ ،‬من خلال تم ُّثلاث هذه الأسس النظرية في مجموعات من القضايا‪ ،‬صنِّفت في‬ ‫خمسة فصول‪ :‬قضايا الكون‪ ،‬والإنسان‪ ،‬والمجتمع‪ ،‬والمعرفة‪ ،‬والقيم‪.‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬الفكر التربوي العربي الإسلامي في القرآن الكريم وال ُّسنة النبوية‪ .‬وقد‬ ‫جاء في ثمانية فصول‪ ،‬تت َّبع فيها النصوص الواردة عن‪ :‬العلم‪ ،‬والعلماء‪ ،‬والتعليم والتع ُّلم‪،‬‬ ‫والتنمية العقلية‪ ،‬والتربية الخلقية‪ ،‬والتربية الاجتماعية‪ ،‬والتربية الوجدانية‪ ،‬والتربية‬ ‫الجسمية‪ .‬الباب الرابع‪ :‬جاء في ستة فصول تح َّدثت عن التح ُّولات الحضارية التي أفرزت‬ ‫الفكر التربوي العربي الإسلامي‪ ،‬وأشارت إلى تصنيف هذا الفكر‪ ،‬وف َّصلت القول فيه في‬ ‫أربعة تيارات‪ ،‬هي‪ :‬التيار النقلي‪ ،‬والتيار العقلي‪ ،‬والتيار الوظيفي‪ ،‬والتيار الصوفي‪.‬‬ ‫الباب الخامس‪ :‬تح َّدث عن موضوعات الفكر التربوي العربي الإسلامي‪ ،‬وتض َّمن‬ ‫أحد عشر فصل ًا‪ :‬الوظيفة الاجتماعية للتربية‪ ،‬والدولة والتعليم‪ ،‬والأهداف التربوية‪،‬‬ ‫ومحتوى التعليم‪ ،‬وتعليم الصنائع‪ ،‬والتربية والإبداع‪ ،‬والتربية الجمالية‪ ،‬والتربية البيئية‪،‬‬ ‫وتعليم المرأة‪ ،‬ورعاية الطفولة‪ ،‬وتربية المعوقين‪.‬‬ ‫ومن الواضح أ َّن هذا القسم من المشروع جمع بين حالة التربية والتعليم في التاريخ‬ ‫الإسلامي عموم ًا كما يكشف عنها التراث التربوي‪ ،‬والفكر التربوي كما ُيف َهم من مصدريه‬ ‫التأسيسيين في القرآن الكريم وال ُّسنة النبوية‪ ،‬إضاف ًة إلى شيء من الفكر التربوي في واقعه‬ ‫المعاصر‪ ،‬وفيما ينبغي أ ْن يكون في رؤية بعض َمن شاركوا في الكتابة فيه‪ .‬وقد جمع في‬ ‫منهجيته الوصف وشيئ ًا من التحليل والرؤى الناقدة‪ ،‬وهو لا يخلو من تع ُّسف ومبالغة‬ ‫في الحكم على بعض التو ُّجهات والممارسات والمدارس الفكرية التي عرفها التاريخ‬ ‫الإسلامي‪ ،‬ولا سيما المبالغة في التمييز بين المدرسة النقلية الصرفة والمدرسة العقلية‬ ‫الصرفة‪ ،‬والتمييز بين البيان والعرفان والبرهان بوصفها ثلاثة أنظمة معرفية متمايزة‪،‬‬ ‫‪199‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook