© المعهـد العالمـي للفكـرالإسـامي -هرنـدن -فرجينيـا -الولايـات المتحـدة الأمريكيـة الطبعـة الأولـى 1442ﻫ2020 /م الفكـرالتربـوي الإسـامي المعاصـر؛ مفاهيمـه ومصـادره وخصائصـه وسـبل إصلاحـه تأليـف :فتحـي حسـن ملـكاوي -2التـراث التربـوي الإسـامي موضــــوع الكتـــاب -1 :الفكـرالتربـوي الإسـامي -4الإصـاح التربـوي -3المقاصـد التربويـة -6الفكـرالإسـامي المعاصـر -5دراسـات تربوية ردمـك (978-1-56564-828-9 :)ISBN المملكـة الأردنيـة الهاشـمية رقـم الإيـداع لـدى دائـرة المكتبـة الوطنيـة ()2019/12/6404 جميـع الحقـوق محفوظـة للمعهـد العالمـي للفكـرالإسـامي ،ولا يسـمح بإعـادة إصـدارهـذا الكتـاب ،أوجـزء منـه ،أونقلـه بـأي شـكل أوواسـطة مـن وسـائط نقـل المعلومـات ،سـواء أكانـت إلكترونيـة أوميكانيكيـة ،بمـا فـي ذلـك النسـخ أوالتسـجيل أوالتخزيـن والاسـترجاع، دون إذن خطـي مسـبق مـن المعهـد. ُانلآشـرارءبالـدوعـارمدةمـفـنيوهـزاذارةالالكثتـاقابفـ لةاُ ،تعع ّبّـمـرابانل /اضلـأررودرنة عـن وجهـة نظـرالجهـة الداعمـة المعهـد العالمـي للفكـرالإسـامي الـمركزالرئيسـي -الولايـات الـمتحـدة الأمـريكيــــــة The International Institute of Islamic Thought P. O. Box: 669, Herndon, VA 20172 - USA Tel: (1-703) 471 1133, Fax: (1-703) 471 3922 www.iiit.org/ [email protected] مكتـب الأردن -عمـان ص.ب 9489الرمـزالبريـدي 11191 هاتـف +96264611421 :فاكـس+96264611420 : www.iiitjordan.org ﺍﻟﻜﺘــﺐ�ﻭﺍﻟﺪﺭﺍﺳـﺎﺕ�ﺍﻟﺘــﻲ�ﻳﺼـــﺪﺭهﺎ�ﺍﻟـﻤﻌهــﺪ�ﻻ��ﻌ ّﺒــﺮ تصميم: ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ�ﻋﻦ�ﺭﺃﻳﻪ�ﻭﺇﻧﻤﺎ�ﻋﻦ�ﺁﺭﺍﺀ ﻣﺆﻟﻔ��ﺎ�ﻭﺍﺟ��ﺎﺩﺍ��ﻢ الأردن -ع ّمـان +96265658787
المحتويات المقدمـة٩......................................................................... الفصل الأول مفهوم \"الفكر التربوي\" وتط ُّوره وفلسفاته ،وموقع الفكر التربوي الإسلامي ١٩ المبحث الأول :مفهوم \"الفكر التربوي\" والمفاهيم ذات الصلة ٢٠ المبجث الثاني :تط ُّور الفكر التربوي في الحضارات البشرية والمجتمع المعاصر ٥٣ المبحث الثالث :فلسفات تربوية معاصرة ومرجعياتها الغربية ١١١ الفصل الثاني التراث التربوي الإسلامي ١٣٣ المبحث الأول :مفهوم \"التراث\" وتط ُّور موضوعاته ومؤسساته ١٣٦ المبحث الثاني :بعض معالم التط ُّور في التراث التربوي الإسلامي ١٥٠ المبحث الثالث :أعلام التراث التربوي ومصنَّفاته ومدارسه ١٧٧ المبحث الرابع :أدبيات التراث التربوي الإسلامي في الكتابات المعاصرة ١٩٧ الفصل الثالث مصادر الفكر التربوي الإسلامي المعاصر ٢١٣ المبحث الأول :القرآن الكريم مصدر ًا للفكر التربوي ٢١٧ المبحث الثاني :ال ُّسنة النبوية مصدر ًا للفكر التربوي ٢٤٦ المبحث الثالث :التراث التربوي الإسلامي مصدر ًا للفكر التربوي الإسلامي المعاصر ٢٦٢ المبحث الرابع :الخبرة التربوية المعاصرة مصدر ًا للفكر التربوي الإسلامي المعاصر ٢٧٦ الفصل الرابع مقاصد الفكر التربوي الإسلامي ٢٩٣ المبحث الأول :مفهوم \"المقاصد التربوية\" وصلتها بالأهداف التربوية ٢٩٦ المبحث الثاني :مرجعية المقاصد والأهداف التربوية ٣٠١
المبحث الثالث :تصنيف المقاصد التربوية ٣٠٧ المبحث الرابع :المقاصد القرآنية العليا وتج ِّلياتها التربوية ٣٢٤ المبحث الخامس :تفعيل المقاصد التربوية وتقويمها ٣٤٢ الفصل الخامس موضوعات الفكر التربوي ٣٦٥ المبحث الأول :حوار الفكر والعلم في الموضوعات التربوية ٣٦٨ المبحث الثاني :خريطة موضوعات المحتوى التربوي ٣٧٣ المبحث الثالث :علوم التربية وموضوعاتها في الرؤية الإسلامية ٣٨٦ المبحث الرابع :القيم في علوم التربية ٣٩٨ الفصل السادس خصائص الفكر التربوي الإسلامي ٤٢٠ المبحث الأول :خاصية التكا ُمل والتوا ُزن في الفكر التربوي الإسلامي ٤٢٣ المبحث الثاني :خاصية الواقعية في الفكر التربوي الإسلامي ٤٦٣ المبحث الثالثَ :سعة الفكر التربوي الإسلامي وامتداداته ٤٧٤ المبحث الرابع :تج ِّليات التكا ُمل والتوا ُزن في الفكر التربوي الإسلامي ٤٨٧ الفصل السابع واقع الفكر التربوي الإسلامي و ُسبل إصلاحه ٥٠١ المبحث الأول :وصف إجمالي لواقع الفكر التربوي الإسلامي وسياقه التاريخي والمعاصر ٥٠٥ المبحث الثاني :المرجعية في الفكر التربوي المعاصر ٥٢٩ المبحث الثالث :الوعي بقضية الإصلاح التربوي ومسؤوليات الأوساط التربوية ٥٦٤ الخاتمة ٦٠١..................................................................... المراجع٦٠٩...................................................................... الك ّشاف٦٤٧.....................................................................
المقدمة نشأت فكرة تأليف هذا الكتاب في \"الفكر التربوي الإسلامي\" منذ وقت مب ِّكر من خبرة المؤ ِّلف في التدريس الجامعي في برامج الدراسات العليا؛ إذ كان ُيط َلب إليه أ ْن يد ِّرس مادة بهذا العنوان ،فيجد وصف المادة المقررة وسائر المراجع والقراءات المقترحة يتح َّدد في تاريخ هذا الفكر الذي أصبح تراث ًا .ومع أهمية الحديث عن \"التراث التربوي الإسلامي\" الذي يصلح أ ْن يكون مادة مستقلة ،فقد كنّا نطمع أ ْن نجد ما يصلح أ ْن يكون تفصيل ًا في \"الفكر التربوي الإسلامي المعاصر\" ،أو يتح َّدث عن واقع هذا الفكر في المجتمعات الإسلامية ،والجهد اللازم بذله فيه لبناء مستقبل هذا المجتمعات .وهذه هي الإشكالية التي حاول هذا الكتاب أن يعالجها. وعندما شرعنا في التخطيط لتأليف هذا الكتاب ،راجعنا عدد ًا كبير ًا من الكتابات المتاحة باللغتين العربية والإنجليزية ،فلاحظنا حديث ًا جيد ًا عن التربية في القرآن الكريم وال ُّسنة النبوية ،يدور معظمها حول فضل العلم والعلماء والح ِّث على التع ُّلم والتعليم، لك َّن القسم الأكبر من المادة كان حديث ًا عن التعليم كما كتبه العلماء المسلمون ،أو ما كتبه واحد منهم ،أو مارسته المذاهب الفقهية أو الكلامية الإسلامية ،أو كان موجود ًا في إحدى مراحل التاريخ الإسلامي من مؤسسات تعليمية ،أو في قطر من أقطار العا َلم الإسلامي في زمن مضى؛ فق َّررنا أ ْن يتض َّمن الكتاب فصل ًا وافي ًا عن التراث التربوي الإسلامي يستجيب لشيء من هذه العناية الفائقة بهذا التراث. وقد اخترنا أ ْن نبدأ بكتابة الفصل المخ َّصص للتراث؛ ليكون التراث في الحسبان عندما نكتب الفصول الأُخرى ،واجتهدنا أ ْن ُن ِل َّم بكل ما نستطيع الإلمام به من الكتابات في موضوعات التراث ،واستغرق العمل في ذلك سنتين ،فكان أ ْن تح َّولت مادة الفصل إلى موسوعة من ثلاثة كتب ،بلغ مجموع صفحاتها ألف ًا وستمئة وثماني ًا وأربعين صفحة، وصدرت في مطلع عام 2018م بالعناوين الآتية: 9
-التراث التربوي الإسلامي :حالة البحث فيه ،ولمحات من تط ُّوره ،وقطوف من نصوصه ومدارسه. -نصوص من التراث التربوي الإسلامي. -مشروعات بحثية في التراث التربوي الإسلامي. وحرصنا أ ْن نق ِّدم في هذه الكتب مادة منهجية/مرجعية في الفكر التربوي الإسلامي في سياقه التاريخي ،تتض َّمن ال ُب ْعد الوصفي لهذا الفكر الذي ساد في مراحل التاريخ الإسلامي، وأصبح تراث ًا ،وكان له -ولا يزال -موقعه ومرجعياته ومشكلاته .وبالإضافة إلى هذا ال ُب ْعد الوصفي ،فقد حرصنا أ ْن يتض َّمن الحديث عن التراث ُب ْعد ًا تحليلي ًا نقدي ًا ضمن مرجعية المقاصد التي جاء بها الإسلام كما نفهم نصوصها اليوم في القرآن الكريم وال ُّسنة النبوية. أ ّما هذا الكتاب فقد اجتهدنا أ ْن تتض َّمن فصوله ما يمكن أ ْن يكون فكر ًا تربوي ًا في المجتمعات الإسلامية المعاصرة كما هو في واقعه المعيش ،وكما ينبغي أ ْن تتو َّجه إليه جهود الإصلاح ،فأصبح موضوع الكتاب يتناول مفهوم \"الفكر التربوي الإسلامي\" وتط ُّوره وأهميته في حياتنا؛ تاريخ ًا ،وحاضر ًا ،ومستقبل ًا ،مع تعريف موجز بمصادر هذا الفكر ومقاصده وموضوعاته وخصائصه؛ ويستشرف الجهود اللازمة لبناء فكر تربوي إسلامي معاصر ،يكون إسهام ًا إسلامي ًا مفيد ًا في تطوير الخبرة البشرية ،ويؤ ِّكد قدرة العقل المسلم على مواصلة العطاء الفكري والحضاري. ومع أ َّن الكتاب ينحو منحى أكاديمي ًا في تناول موضوعاته ،فإ َّن الواقع المعاصر لل ُأ َّمة الإسلامية سيكون في بؤرة الاهتمام؛ لتحديد ُسبل النهوض بهذا الواقع باتجاه بناء الهوية الحضارية المتميزة للفرد والمجتمع والأُ َّمة ،ولتقديم نموذج يمكن للإسلام أ ْن يسهم به في ترشيد الحضارة الإنسانية المعاصرة .لكن المنحى الأكاديمي الذي نشير إليه ربما يختلف عما ألفناه من تفاصيل شكلية ،تتطلبها بحوث الأطروحات الجامعية وبحوث الدوريات العلمية ،التي تقتضي إبراز عناوين محددة لمشكلة البحث ،وفرضياته، والتعريف بمصطلحاته ،وأهميته ،ومنهجيته والبحوث السابقة في موضوعه .إذ جاءت هذه العناصر مبثوثة حيثما دعت الحاجة إليها في فصول الكتاب ومباحث كل فصل .وكان 10
يقتضي الأمر أحيان ًا الإحالة إلى بعض المواقع الإلكترونية على الشابكة ،وقد رجعنا إلى هذه المواقع في أوقات مختلفة أثناء سن َت ْي تأليف هذا الكتاب ،لكننا تأكدنا من روابط هذه المواقع في المراجعة الأخيرة للكتاب في الأيام 8-4كانون أول (ديسمبر ،)2019 لنستغني على ذكر وقت الاسترجاع في كل هامش. يتك َّون الكتاب من سبعة فصول .تح َّدث الفصل الأول عن \"الفكر التربوي مفهوم ًا ومصطلح ًا\" وصلته بالمفاهيم والعبارات والمصطلحات ذات الصلة المباشرة به ،وما يلحق به ،أو يتصف به ،أو يضاف إليه من ألفاظ وعبارات ،مثل :التراث التربوي ،والفلسفة التربوية، والنظرية التربوية ،ومبادئ التربية ،والتربية الإسلامية ،والتربية في الإسلام .،وقد اجتهدنا أ ْن يستوعب الفصل تط ُّور الخبرة البشرية في مجال التربية والفكر التربوي منذ أقدم العصور في أقطار العا َلم ،مرور ًا بالعصر الوسيط الذي تض َّمن التط ُّور في الخبرة الإسلامية ،وما عاصرها في القارة الأوروبية ،ث َّم ما جاء بعد ذلك فيما ُع ِرف بالتنوير والحداثة ،وما بعد الحداثة. ول َّخص الفصل الثاني ما ورد عن \"التراث التربوي الإسلامي\" في الكتب الثلاثة المشار إليها ،عن مفهوم \"التراث\" ،وجدل القديم والحديث في قضيته ،وأشار إلى بعض معالم التط ُّور في التراث التربوي ،وتضمن موجز ًا عن أعلامه ومصنَّفاته ،ومدارسه، وأدبياته المعاصرة. وتناول الفصل الثالث \"مصادر الفكر التربوي الإسلامي\" في سياقه المعاصر ،مؤ ِّكد ًا ما نؤ ِّكده دائم ًا في سائر كتاباتنا على ضرورة التكا ُمل في المصادر الأربعة؛ فالوحي الإلهي في القرآن الكريم هو المصدر والمرجع والحاكم لفكرنا الإسلامي في سائر مجالاته، والهدي النبوي في ال ُّسنة والسيرة هو تنزيل لأحكام القرآن الكريم وتوجيهاته على الزمان والمكان والحال في عهد الرسالة .ويبقى هذان المصدران مرجعية دائمة في الحكم على أ ِّي مصادر ُأخرى .والمصدر الثالث هو التراث التربوي الإسلامي الذي كان يم ِّثل في كل مرحلة من مراحله فهم المسلمين للوحي الإلهي والهدي النبوي وممارساتهم لما فيهما من توجيهات .أ ّما المصدر الرابع فهو الخبرة التربوية البشرية المعاصرة التي نعيش تحت وطأتها ،فلا نملك إلا أ ْن نبدأ من حيث نحن في واقعنا وواقع العا َلم؛ فهم ًا ،واستيعاب ًا، وسعي ًا في الإصلاح والتطوير وإعادة البناء. 11
وف َّصل الفصل الرابع القول في \"المقاصد التربوية\" وصلتها بالأهداف والقيم الحاكمة ،ومرجعيتها القرآنية ،مب ِّين ًا المقاصد القرآنية العليا وتج ِّلياتها التربوية ،وانتقل من الحديث عن المقاصد في نصوصها ودلالاتها إلى تفعيلها في العمل التربوي المعاصر، و ُختِم الفصل بالإشارة إلى تقويم المقاصد والأهداف التربوية. وجاء الفصل الخامس بعنوان \"موضوعات الفكر التربوي\" ،فبدأ بالحديث عن حوار الفكر والعلم في الموضوعات التربوية ،ث َّم عرض موضوعات المحتوى التربوي فيما يشبه خريطة بها ،مر ِّكز ًا على ما س َّميناه بالعلوم المنهجية ،ثم تناول بعض الفروع العلمية للتربية ،ولا سيما النظرية التربوية والفلسفة التربوية ،وأشار إلى موقع الإسلام في علوم التربية ،و ُختِم الفصل بالإطار القيمي للعلوم التربوية وضرورة التربية على القيم. أ َّما الفصل السادس فقد تناول \"خصائص الفكر التربوي الإسلامي\" ،فنَ َحا منحى مختلف ًا ع ّما يسود في الحديث عن الخصائص ،واختار ثلاث خصائص في الفكر التربوي الإسلامي؛ الأولى :التكا ُمل والتوا ُزن كما يتم َّثلان في بناء الشخصية المسلمة ،وكما يظهران في الا ِّتباع والإبداع؛ والخاصية الثانية :الواقعية وتج ِّلياتها وضرورة تجذيرها في الفكر التربوي المعاصر؛ والخاصية الثالثة :السعة والامتداد في الزمان والمكان والإنسان. و ُختِم الكتاب بالفصل السابع الذي جاء بعنوان \"واقع الفكر التربوي الإسلامي و ُسبل إصلاحه\" ،فبدأ بوصف إجمالي لحالة الفكر التربوي الإسلامي في تط ُّوره التاريخي وواقعه المعاصر ،كما يبدو في مناهج التعليم الجامعي وما تكشف عنه الدراسات والبحوث المنشورة ،ولفت الانتباه إلى أ َّن المشكلة الأساسية في الفكر التربوي السائد في المجتمعات الإسلامية هي أ َّنه فكر مستورد في مجمله ،مع أ َّن العا َلم يتح َّدث عن أزمة عالمية في التعليم نتيجة المرجعيات الفلسفية المتضاربة ،م ّما يب ِّين حجم المسؤولية الملقاة على قادة الفكر التربوي الإسلامي المعاصر .و ُختِم الفصل بالحديث عن ضرورة بناء الوعي بقضية الإصلاح التربوي ومسؤوليات الأوساط التربوية في هذا البناء. 12
ونو ُّد أ ْن نن ِّوه بأ َّن هذا الكتاب في الفكر التربوي الإسلامي المعاصر ،وأمثاله من الكتب في الفكر الاقتصادي ،والفكر السياسي ،والفكر الإداري ...سوف تبقى قيمتها محدودة ما لم تحظ بالإصلاح الشامل لواقع المجتمعات الإسلامية يدرك خطورة البقاء في حالة التبعية والاستلاب الحضاري للواقع العالمي المعاصر ،ويدرك الصعوبات التي تواجه هذا السعي للبناء الحضاري الإسلامي؛ انطلاق ًا من تطوير الفكر التربوي الإسلامي المعاصر ووضعه موضع التح ّدي في تقديم البدائل المنشودة ،ليس على مستوى المجتمعات الإسلامية فحسب ،بل على المستوى العالمي؛ لتأكيد حيوية الفكر الإسلامي ،وقدرة العقل المسلم المهتدي بقيم الوحي الإلهي والهدي النبوي على إصلاح الحضارة الإنسانية وترشيدها. ولا ُب َّد أ ْن نكون على وعي بأ َّن حديثنا عن الفكر التربوي الإسلامي على المستوى الإداري والسياسي والقانوني يأتي اليوم والمجتمعات الإسلامية تع ُّج بقوانين وتشريعات تربوية مرجعيتها فلسفا ٌت و ُن ُظ ٌم دولية ،تفرضها منظما ٌت دولية أو دو ٌل مهيمنة؛ رغب ًا أو رهب ًا ،تح ِّد ُد معايير الاعتراف والقبول بالحضور الدولي ،أو إمكانية ت َل ّقي الخدمات والمساعدات ،وتتح َّدد في ضوء هذه المعايير أهداف النُّ ُظم التربوية ،وما يتصل بها من مناهج وبرامج وأساليب .وقد يسمح بع ُض هذه التشريعات والمعايير بمكان محدود لحضور \"إسلامي محلي\" ،وعلى استحياء أحيان ًا ،وبفخر واعتزاز أحيان ًا ُأخرى .ويتم َّثل هذا الحضور المحدود في صورة خصوصيات ثقافية تاريخية ،أو أعراف اجتماعية .أ ّما العناصر الأكثر أهمية من النظام التربوي فإ َّنها تفتقد الصلة بالمرجعية الإسلامية .ور َّبما كان نجاح قوى العولمة في خضوع مجتمعات المسلمين لها في المجال التربوي أكبر من نجاحها في مجتمعات غير المسلمين في هذا المجال ،وأكثر من نجاحها في المجالات الأُخرى السياسية والإدارية وغيرها .وبما تكشف هذه المسألة عن الحاجة إلى تأليف مثل هذا الكتاب لمعالجة هذا الخلل في طريقة النظر إلى الفكر التربوي الإسلامي. والتربية لا تقتصر على كونها ميدان ًا معرفي ًا أكاديمي ًا مح َّدد ًا ،له موقعه المهم في حياة المجتمع ،وإ َّنما هي الحياة ذاتها .ونستطيع بسهولة أ ْن نشاهد بعض تم ُّثلات العولمة 13
في الحياة المعاصرة بالمجتمعات الإسلامية في كثير من مظاهر الشكل والمضمون من أنماط الحياة؛ في :الطعام والشراب واللباس ،ووسائل التوا ُصل؛ في :موضوعاتها، ولغتها .وقد أصبحت هذه الأنما ُط من الحياة أكب َر مؤ ِّثر تربوي في تنشئة الأفراد ،وتشكيل شخصياتهم ،وبناء علاقاتهم الاجتماعية ،وتحديد القيم الضابطة للسلوك ،وهذا هو -إلى ح ٍّد كبير -ما كان على الفكر التربوي ،والنظام التربوي الذي يتبنّى هذا الفكر ،أ ْن يقوم به في مجتمعات المسلمين! ويظهر أثر العولمة بصورة واضحة في جميع وسائط التربية والتعليم؛ في :عولمة ُن ُظم التعليم العام والتعليم الجامعي ،وفي سياسات هذه النُّ ُظم وبرامجها ومناهجها ،وفي موقع الأسرة ومهمتها في تنشئة الأبناء وتربيتهم ،وفي موقع أدوات وبرامج التوجيه الثقافي والاجتماعي من وسائل إعلام واتصال وتوا ُصل ،وفي الطرق والأساليب الظاهرة والمستترة للضبط الإداري والقانوني. إ َّن الوعي بما تم ِّثله إكراهات العولمة من معيقات للإصلاح الإسلامي يجعلنا نفهم قيمة المجال الذي نجده مفتوح ًا في بعض الأحيان لنوع من \"الإصلاح الديني\"، يش ِّجع بعض مظاهر التد ُّين الشعائري؛ من :صلا ٍة ،وصو ٍم ،وقيا ِم لي ٍل ،واعتكا ٍف ،و ِذ ْك ٍر لله ،واتصا ٍل به ،وتو ُّك ٍل عليه ...وغير ذلك من شعائر العبادات المفروضة والنافلة .ومن المؤ َّكد أ َّننا نسعد بهذا المجال من الإصلاح ،لكنَّنا لا ننسى أ َّن قوى العولمة (من :دول ومؤسسات ،ومن بعض الباحثين الغربيين) تسعد بذلك أيض ًا ،وتدعو إلى التأ ُّمل فيه، وكتابة التقارير الإعلامية عنه،وإجراء الدراسات العلمية حوله ،و ُي ْع ِملون في ذلك مناهج البحث الاجتماعي \"الأنثروبولوجي\" و\"الإثنوغرافي\" ،مر ِّحبين بهذه الصور من التن ُّوع الثقافي؛ فك ُّل ذلك في نظرهم تد ُّي ٌن جمي ٌل يستح ُّق التأمل .ومثله كذلك أ ْن تحتوي بعض المناهج التربوية على نصو ٍص دينية عن الإحسان ،و ُح ْسن الجوار ،ومساعدة المحتاجين، م ّما ُيعلي من مقام الإنسان في الآخرة. ونحن مع وعينا بقيمة هذا النوع من الإصلاح عندما تقتصر مظاهر التد ُّين عليه ،نراه انسحاب ًا من إمكانية الحضور الفاعل في الحياة المعاصرة .ور َّبما تكون جهو ُد الباحثين في 14
الوصف الموضوعي لهذه الصور من التد ُّين ،والثناء عليها ،تعبير ًا صادق ًا عن مشاعرهم، لك َّن روح التح ُّيز الغربي تظهر عندما يحاول المسلمون الجمع بين \"تد ُّين الشعائر\" و\"تد ُّين المعاملات\" من أجل حضو ٍر ِع ْل ِم ٍّي و َع َم ِل ٍّي للإسلام في الحياة العامة؛ إصلاح ًا سياسي ًا، وتنمي ًة اقتصادي ًة واجتماعي ًة ،وكشف ًا علمي ًا ،وإبداع ًا حضاري ًا ،ومنافس ًة في توجيه حركة الحياة في العا َلم .ولع َّل هذا ما يجعل أصحاب القرار الغربي يدافعون عن بعض الحركات والتو ُّجهات الدينية الإسلامية التي تنأى بنفسها عن المشاركة في الإعمار؛ لتبقى منكفئة على نفسها في مظهر من مظاهر التد ُّين المعزول. إ َّن اهتمامنا بالفكر التربوي الإسلامي على وجه الخصوص؛ سعي ًا للاحتفاظ بالهوية المميزة لأُ َّمتنا المسلمة ،لا يق ِّلل من اهتمامنا بالفكر التربوي السائد في عا َلم اليوم في معظم مجتمعات المسلمين؛ ذلك أ َّن جهود ًا حثيثة ُتب َذل في العا َلم المعاصر من أجل صبغ العا َلم بصبغة ثقافية واحدة طوع ًا تحت عنوان \"التك ُّيف مع مؤ ِّثرات العولمة واتجاهاتها\"، أو ُكره ًا تحت \"ضغوط مؤسسات الاعتماد ،و ُن ُظم الجودة ،والتمويل ،والاستثمار\"؛ إلى أ ْن تأخذ اتجاهات العولمة وضغوطها مداها ،فتفقد الأُ َّمة خصائصها ،وعناصر هويتها. فالمسألة -في نظرنا -هي مسألة إصلاح حضاري شامل .ولمواجهة هذا التح ّدي، نعيد ما قلناه في مقدمة \"موسوعة كتب التراث\" ،من أ َّنه يتع َّين على النخب العلمية والثقافية في الأُ َّمة \"بذل الجهود اللازمة للجمع والتكا ُمل بين عناصر ثلاثة؛ أولها :استلهام القيم الحاكمة التي أرشد إليها الوح ُي الإلهي واله ْد ُي النبوي لتحقيق المقاصد التي جاء الدين من أجلها ،وثانيها :اعتماد هذه القيم أساس ًا في تقويم التراث الماضي لل ُأ َّمة وبيان القيمة التي يحملها لحاضرها ،وثالثها :التم ُّكن من منجزات العصر بمصادرها المختلفة ،وبيان القيمة التي تحملها هذه المنجزات .إ َّن هذا الجمع التكاملي بين هذه العناصر الثلاثة هو الأساس في إطلاق قوى الإبداع في حل مشكلات الحاضر وريادة آفاق المستقبل، وبه كذلك تستطيع النخب الثقافية المعاصرة لل ُأ َّمة أ ْن ترسم طريقها في إصلاح واقعها، والإسهام في العمران البشري ،وترشيد الحضارة\". 15
بقي أ ْن نقول إ َّن هذا الكتاب عن \"الفكر التربوي الإسلامي\" قد امت َّد حج ُمه أكثر م ّما ق َّد ْرنا له ،وكان يمكن له أ ْن يزداد امتداد ًا كما حصل معنا في موضوع \"التراث التربوي الإسلامي\" لولا حرصنا على أ ْن تأتي جميع موضوعاته السبعة في مجلد واحد ،ليس لتيسير التعامل معها فحسب ،بل لملاحظة المنهجية التي نحاول اعتمادها في جميع ما نكتب ،وهي منهجية التكا ُمل المعرفي .ونحرص كل الحرص على أ ْن يد ِّقق القارئ في محتويات هذا الكتاب؛ ليلاحظ هذه المنهجية في كل فصل من فصوله منفرد ًة ،وفي الفصول السبعة مجتمع ًة. وقد كان خطابنا في هذا الكتاب ُمو َّجه ًا إلى النخبة المثقفة ،والقيادات التربوية، والساعين في جهود الإصلاح التربوي والفكري والحضاري ،فضل ًا عن الفئة المستهدفة أساس ًا ،وهي أساتذة الجامعة وطلبة الدراسات العليا .ويمكن لهذه الفئة تحديد ًا أ ْن تتعامل مع كل فصل من فصول الكتاب بوصفه موضوع ًا من موضوعات الفكر التربوي الإسلامي؛ ليكون أساس ًا لمادة دراسية مستقلة ،أو لمشروع بحثيُ ،يو َّسع القول في موضوعه والبناء عليه بتقديم الأمثلة والنماذج والتطبيقات ،و ُيتعا َمل معه بالتحليل النقدي اللازم؛ تأكيد ًا لأهمية توا ُصل حركة البحث والتق ُّدم المعرفي؛ بالتصحيح ،والتصويب ،والتطوير ،والإضافة. نسأل الله سبحانه ُح ْسن القبول ،والحمد لله رب العالمين. 16
الفصل الأول مفهوم \"الفكر التربوي\" وتط ُّوره وفلسفاته ،وموقع الفكر التربوي الإسلامي مقدمة المبحث الأول :مفهوم \"الفكر التربوي\" والمفاهيم ذات الصلة أولاً :الفكر التربوي والتراث التربوي ثاني ًا :نظرية التربية وفلسفة التربية ثالث ًا :الفكر التربوي الإسلامي في الكتابات الحديثة والمعاصرة رابع ًا :موقع الفكر التربوي الإسلامي في جهود النهوض الحضاري لل ُأ َّمة خامس ًا :استهداف التعليم الإسلامي في مطلع القرن الحادي والعشرين المبحث الثاني :تط ُّور الفكر التربوي في الحضارات البشرية والمجتمع المعاصر أولاً :مرجعية البحث في تط ُّور الفكر التربوي ثاني ًا :التربية في الماضي بين التحقيب التاريخي والرؤى الفلسفية ثالث ًا :التربية في العصور القديمة رابع ًا :تط ُّور الفكر التربوي الديني في اليهودية والمسيحية خامس ًا :الفكر التربوي في الحضارات البشرية والمجتمع المعاصر ،وفلسفاته المبحث الثالث :فلسفات تربوية معاصرة ومرجعياتها الغربية أولاً :بعض الأمثلة على فلسفات تربوية معاصرة ثاني ًا :المرجعيات الغربية للتربية خاتمة
الفصل الأول مفهوم \"الفكر التربوي\" وتط ُّوره وفلسفاته ،وموقع الفكر التربوي الإسلامي مقدمة: يتك َّون هذا الفصل من ثلاثة مباحث :الأول؛ مفهوم \"الفكر التربوي\" :نشأة المفهوم، وعلاقته بعلوم التربية والتراث التربوي ،وأهميته في تحديد الهوية الثقافية والتكوين الحضاري للفرد والمجتمع والأُ َّمة ،وعناصره ،وخصائصه ،ونوعية الكتابات فيه .الثاني؛ حالة الفكر التربوي في الحضارات البشرية والمجتمع المعاصر ،والفلسفات التربوية التي تحكمه .الثالث؛ أوجز الحديث عن الفلسفات التربوية المعاصرة ومرجعياتها الغربية. وقد تو َّسع عرض هذه الموضوعات أكثر م ّما كان المؤ ِّلف يرغب ،ولم يكن من السهل عليه أ ْن يو ِجز القول فيها؛ لأ َّنه حاول أ ْن يفي عنوان الفصل حقه من البيان حتى جاءت مادته فيما يمكن أ ْن يكون كتاب ًا مستقل ًا وافي ًا بموضوعه .ولكنَّنا أردناه أ ْن يكون تمهيد ًا لما جاء بعده من فصول تجعل الكتا َب ك َّله ماد ًة مرجعي ًة ل َمن أراد قدر ًا من الإحاطة بالفكر التربوي الإسلامي ،لا ُتغني قارئه بالضرورة عن غيره من الكتب والمراجع ،وإ َّنما ُت ِعينه على تكوين رؤية تتصف بقد ٍر من التكا ُمل ،وتو ِّفر له الوعي بكثير من القضايا والمسائل ذات الصلة بالفكر التربوي عموم ًا ،وموقعها من الفكر التربوي الإسلامي خصوص ًا ،وتي ِّسر للباحث المتخ ِّصص سبيل المزيد من الإحاطة. 19
المبحث الأول مفهوم \"الفكر التربوي\" والمفاهيم ذات الصلة أولاً :الفكر التربوي والتراث التربوي: .1الفكر التربوي: يتأ َّلف مفهوم \"الفكر التربوي\" من كلمتين مفتاحيتين ،لك ٍّل منهما أهمية خاصة في تحديد الموضوع الذي يمكن الحديث عنه تحت هذا العنوان. فالفكر هو نتيج ُة عملي ِة التفكير والتف ُّكر التي يقوم بها الإنسان ،وتتم َّثل هذه النتيجة في خواطر وآراء وتص ُّورات ومعتقدات ،يتم على أساسها َتبنّي موقف ،أو اتخا ُذ قرار ،أو ممارس ُة سلوك .و\"التف ُّكر\" مصطل ٌح قرآني يتجاوز المرور العابر لأم ٍر من الأمور في الخاطر أو الذهن ،ويعني درجة عالية من الوعي ،والمتابعة ،والمعاودة .وقد ع َّبر ابن عاشور في تفسيره عن ذلك بقوله\" :والتف ُّكر :تك ُّلف الفكرة ،وهو معالجة الفكر ،ومعاودة التد ُّبر في دلالة الأدلة على الحقائق (((\".والفكر البشري ليس شيئ ًا نظري ًا مبتوت ًا عن الفعل البشري والواقع العملي ،كما يرى ابن الق ِّيم؛ ذلك أ َّن \"مبدأ ك ِّل ِع ْل ٍم نظري و َع َم ٍل اختياري هو الخواطر والأفكار؛ فإ َّنها تو ِجب التص ُّورات؛ والتص ُّورات تدعو إلى الإرادات؛ والإرادات تقتضي وقو َع الفعل ،وكثر ُة تكراره تعطي العادة؛ فصلا ُح هذه المراتب بصلاح الخواطر والأفكار ،وفسا ُدها بفسا ِدها(((\". والفكر البشري ليس مبتوت ًا عن العاطفة؛ ذلك أ َّنه توجد\" :في النفس الإنسانية ق َّوتان: ق َّو ُة تفكير ،وق َّو ُة وجدان؛ وحاجة ك ِّل واحد ٍة منهما غير حاجة أختها .فأ ّما إحداهما فتن ِّقب عن الحق لمعرفته ،وعن الخير للعمل به ،وأ ّما الأُخرى فتس ِّجل إحسا َسها بما في الأشياء من ل َّذة وألم ،والبيان التام هو الذي يوفي لك هاتين الحاجتين ،ويطير إلى نفسك بهذين ((( ابن عاشور ،محمد الطاهر .تفسير التحرير والتنوير ،تونس :الدار التونسية للنشر1984 ،م ،ج ،24ص.26 ((( ابن ق ِّيم الجوزية ،محمد بن أبي بكر بن أيوب (توفي751 :ﻫ) .الفوائد ،تحقيق :محمد عزيز شمس، مكة المكرمة :دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع1429 ،ﻫ ،ص.253-252 20
الجناحين ،فيؤت َيها ح َّظها من الفائدة العقلية والمتعة الوجدانية مع ًا ...وك ُّل امرئ حين يف ِّكر فإ َّنما هو فيلسوف صغير ،وك ُّل امرئ حين ُي ِح ُّس ويشعر فإ َّنما هو شاعر صغير(((\". ... والله تعالى يخاطب الفكر والعاطفة مع ًا؛ فأنت تجد الآية القرآنية تتح َّدث عن أحكام تنظيمية ،أو براهين جدلية ،أو قصص إخبارية ،ليق ِّدم للإنسان هداي ًة لفكره ،وحكم ًة لرأيه. وتجد الآية نفسها تح ِّرك في الإنسان مشاعر الرغبة أو الرهبة ،والتشويق أو التحذير .فحين يدعو سبحانه إلى النظر والتف ُّكر والتع ُّلم والاكتشاف ،يأتي التعبير في صيغ ٍة تثير التع ُّجب. ﴿ﮨﮩﮪﮫﮬﮭ﴾ [الغاشية .]17 :وحين تتن َّزل الآيات بأحسن الحديث ليرى الفك ُر البشري كيف تتك َّرر فيها الأخبار والأحكام والتشريعات ،في صو ٍر يشبه بع ُضها بعض ًا في إحكامها وصدقها وتناسقها ،إلى الح ِّد الذي تنفعل فيه النفس الإنسانية ب ِش َّدة، حتى يظهر الانفعال بصورة حسية في الجلود ،وبصورة نفسية في القلوب﴿ .ﭨﭩﭪ ﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭹ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ﴾ [الزمر.]23 : ومن حكمة الله سبحانه في هذا اللون من خطاب النفس البشرية ،وفي وصف الطريقة التي تستجيب بها النفس لهذا الخطاب ،أ ْن يع ِّلمنا شيئ ًا عن حقيقة هذه النفس ،وتكا ُمل أدوات الوعي فيها؛ فهي ليست كتل ًة من الفكر الجامد ،أو المشاعر المائعة ،وإ َّنما هي كينونة واحدة ،تجتمع فيها ق َّوة التفكير والجدل والبرهان والتح ُّقق والاكتشاف مع ق َّوة الانفعال العاطفي والتأ ُّثر الوجداني ،اجتماع تكا ُمل وتآ ُزر ،يرتقي بالنفس إلى المستوى المناسب لاستقبال الخطاب والاهتداء بهديه؛ لتحقيق غاية الحق من الخلق. والتربية لها معنيان؛ معنى مؤسسي خاص يتح َّدد فيما يتم في مؤسسات التعليم النظامي بمستوياته وتخ ُّصصاته المختلفة ،ومعنى اجتماعي عام يتح َّدد في الأثر الذي تتركه مؤسسات المجتمع ك ُّلها (الأسرة ،والمدرسة ،وسياسات الإعلام والثقافة والشباب وغيرها) على شخصية الفرد في الجوانب العقلية والنفسية وغيرها ،ويظهر هذا الأثر ويقاس بمقدار التغ ُّير في سلوك الأفراد والفئات ،وفي نوع هذا السلوك واتجاهه. ((( دراز ،محمد عبد الله .النبأ العظيم :نظرات جديدة في القرآن الكريم ،تقديم :عبد العظيم المطعني ،الكويت :دار القلم ،ط2005 ،9م ،ص.151-148 21
والمعنى العام للتربية يخت ُّص بتنمية الإنسان في جميع جوانب شخصيته ،ويتض َّمن ذلك :التعليم ،والتأديب ،والوعظ ،والتنشئة ،والتثقيف ،والتهذيب ،وغير ذلك؛ لتحقيق ما ذكره الله سبحانه عن تمكين الإنسان في الأرض لإقامة الخلافة والعمران .والأصل اللغوي لمفردة \"التربية\" من ال َّر ِّب؛ إذ \"ال َّر ُّب في الأصل :التربية ،وهو إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى ح ِّد التمام ،يقال :ر َّبه ور َّباه ور َّببه (((،وقيل :لأ ْن ير َّبني رج ٌل من قريش أح ُّب إل َّي من أ ْن ير َّبني رج ٌل من هوازن (((\".وذهب معنى \"التربية\" إلى العناية بالأطفال وتنشئتهم في الأسرة ،كما ُيف َهم ذلك من بعض الآيات القرآنية الكريمة ،من مثل قوله سبحانه﴿ :ﯙ ﯚﯛﯜﯝ ﯞ﴾ [الإسراء ،]24 :وقوله تعالى﴿ :ﯻﯼﯽﯾﯿ﴾ [الشعراء،]18 : في حين ارتبط لفظ \"التربية\" في الحقل التربوي بجميع مراحل العمر التي يم ُّر بها الإنسان . فالفكر التربوي يعني الآراء والمعتقدات والأهداف التي تحكم الممارسات التي تستهدف تنشئة الأبناء وإعدادهم لمسؤوليات الحياة ،بعمليات وأساليب مقصودة ،تتم في الأسرة ،وفي مؤسسات التعليم والتدريب والتوجيه والتثقيف والتوعية في المجتمع. و\"الفكر\" في الاستعمال المعاصر مصطل ٌح حديث ،لك َّن مادته هي أسا ٌس تقوم عليه سائر أوجه النشاط البشري؛ فالفقيه ،والعالِم ،والمث َّقف ،والفيلسوف ،والواعظ ،والداعية، والمصلح ...ك ُّل هؤلاء يتعاملون مع أفكار (((.وكذلك الأمر ،فإ َّن السياسي والاقتصادي والتربوي ،يق ِّدم ك ٌّل منهم آراءه ،ويمارس أعماله اعتماد ًا على الأفكار المختزنة في علم السياسة ،أو علم الاقتصاد ،أو علم التربية ،أو على الأفكار التي كانت الأساس في صياغة التشريعات والقوانين والأنظمة التي تحكم الممارسات السياسية والاقتصادية والتربوية ((( الراغب الأصفهاني ،أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل (توفي502ﻫ) .مفردات ألفاظ القرآن ،تحقيق: صفوان عدنان داوودي ،دمشق :دار العلم ،الدار الشامية1412 ،ﻫ ،ص.336 ((( من حديث صفوان بن أمية لأبي سفيان يوم حنين ،قالها ل ّما انهزم الناس أول المعركة .انظر: -ابن الأثير ،أبو السعادات مجد الدين محمد بن محمد الجزري (توفي606ﻫ) ،النهاية في غريب الحديث والأثر ،أشرف عليه وق ّدم له علي بن حسن الحلبي الأثري ،الدمام ،السعودية :دار ابن الجوزي1421 ،ﻫ، باب حرف الراء ،ص.339 ((( َث َّمة سياقا ٌت مح َّددة تر ِّجح المصطلح المناسب لأ ٍّي من هؤلاء .انظر في ذلك: -ملكاوي ،فتحي حسن .البناء الفكري :مفهومه ومستوياته وخرائطه ،هرندن :المعهد العالمي للفكر الإسلامي2015 ،م .انظر تحديد ًا الفصل الأول والفصل الثاني ،ص.119-22 22
وغيرها .ومثلما نتح َّدث عن الفكر التربوي ،فإ َّننا يمكن أ ْن نتح َّدث عن الفكر السياسي، والفكر الاقتصادي ،والفكر الاجتماعي ،والفكر القانوني ،والفكر الإداري ،وغير ذلك من مجالات الفكر في سائر التخ ُّصصات. ونستطيع أ ْن نتح َّدث عن الفكر التربوي في اجتهادات الباحثين المعاصرين في وصف ما هو كائن ،أو فيما ينبغي أ ْن يكون في الحياة التربوية المعاصرة بصورة عامة ،أو في جانب مح َّدد من جوانب هذه الحياة .ومن ذلك -مثل ًا -تحلي ُل الممارسات التربوية السائدة في واقع الأُ َّمة ،أو واقع مجتمع من مجتمعاتها ،والكش ُف عن المرجعيات الفكرية التي تستند إليها هذه الممارسات ،أو مدى الصلة بين هذه الممارسات ومرجعياتها الفكرية من جهة، والحالة الحضارية لل ُأ َّمة وقدرتها على مواجهة المشكلات التي تعاني منها وإسهامها في الحضور الفاعل في ساحة العا َلم المعاصر من جهة ُأخرى. .2التراث التربوي: التراث التربوي الإسلامي الذي نقصده في هذا السياق هو ما كتبه العلماء والمفكرون المسلمون عن موضوعات التربية والتعليم لتنمية أفراد الأمة صغار ًا وكبار ًا لما يلزمهم في حياتهم الدينية والدنيوية في هذه الحياة ،ويقربهم من ثواب الله في الآخرة ،من مصنفات فقهية ،وكلامية ،وحديثية ،وتاريخية ،وأدبية ،وصوفية ،وفلسفية ،وغيرها ،بعد عصر الرسالة، حتى القرن الثالث عشر الهجري .ذلك أننا لا نعد القرآن الكريم والسنة النبوية داخل ْين في دلالة مصلح التراث الذي نعتمده .ونقدر أن ما كتبه العلماء والمفكرون المسلمون بعد القرن الثالث عشر كان متأثر ًا ،قليل ًا أو كثير ًا ،بما ُس ّمي بالصدمة الحضارية والفكرية مع الغرب ،والتراث التربوي الإسلامي في أي مرحلة من مراحله هو بنية من ثلاثة عناصر: أولها الفكر التربوي الذي كان موضوع التعليم ،والممارسة التعليمية والتربوية نفسها، والسياق التاريخي مكان ًا وزمان ًا وأحوالاً ،أي أن التراث التربوي فكر وتربية وتاريخ(((. ((( ملكاوي ،فتحي حسن .التراث التربوي الإسلامي ،حالة البحث فيه ،ولمحات من تطوره ،وقطوف من نصوصه ومدارسه .عمان :المعهد العالمي للفكر الإسلامي ،2018 ،ص ،106وص .447 23
ونحن نعلم أن لكل مجتمع فكر ًا تربوي ًا ،لكنَّه ليس فكر ًا واحد ًا في كل جيل؛ إذ من ال ُمتو َّقع أ ْن يكون هذا الفكر نتيجة التف ُّكر الذي يقوم به أكثر من مف ِّكر في الجيل الواحد .فقد توجد مدارس فكرية متعددة ،تشترك في مرجعيتها العامة ،وتختلف في بعض التفاصيل، و ِم ْن َث َّم نجد ممارسات تربوية مختلفة تستند إلى هذه المدارس الفكرية المتعددة .وسنجد أ َّن الفكر التربوي في عصر من العصور يتح َّدد بخصائص ذلك العصر ،ث َّم يطرأ عليه بعض التغ ُّير في العصر اللاحق؛ نتيج َة تراك ِم الخبرات في المجتمع الواحد ،وتأثير التفا ُعل الثقافي بين المجتمعات .وبذلك يصبح الفكر التربوي في عصر معين تراث ًا تربوي ًا للعصر اللاحق .فالتراث التربوي هو الفكر التربوي عندما يصبح تراث ًا؛ لأ َّنه كان إنتاج ًا من زمن مضى .والفكر التربوي اليوناني هو في الحقيقة الآن تراث تربوي يوناني ،والفكر التربوي في العصر العباسي هو في الحقيقة اليوم تراث تربوي عباسي .والفكر التربوي المعاصر في بلد من البلدان سوف يصبح الترا َث التربوي لذلك البلد في العصر اللاحق. ومع ذلك ،فإ َّن بعض مك ِّونات التراث يم َت ُّد حضو ُرها من الماضي إلى الحاضر والمستقبل .وبطبيعة الحال ،فإ َّن العصر -في السياق الذي نحن فيه -ليس ساع ًة من نهار ،أو أسبوع ًا من شهر ،وإ َّنما هو المدى الزمني الذي تتعاصر فيه مؤ ِّثرات فكرية ،أو اجتماعية ،أو سياسية معينة مع َمن يعيش ذلك المدى الزمني ،قبل أ ْن تأتي مؤ ِّثراث غيرها لتبدأ عصر ًا جديد ًا ،وقد يمت ُّد العصر إلى حياة جي ٍل كامل ،أو أكثر(((. ونتوقع أ ْن تكون أهمية الفكر التربوي حاضر ًة في هذا الحديث؛ فالفكر التربوي في أ ِّي مجتمع هو العنصر الأساس في الفلسفة التي تستند إليها السياسات والبرامج والممارسات ((( لسنا معنيين في هذا المقام بتحديد المفهوم المؤسسي للتراث ،ومفهومي \"العصر\" و\"المعاصرة\" .ف َث َّمة آرا ٌء مختلفة حول ما ُي َع ُّد تراث ًا ،في التقدير الزمني .على سبيل المثال ،لليونسكو معايير معينة لتحديد الزمن الذي يم ُّر على الإنتاج الفكري والمادي حتى ُي َع َّد تراث ًا يخضع لقوانين وأنظمة التعامل مع التراث .أ ّما التحقيب الزمني السائد الذي يح ِّدد القديم والمتوسط والحديث والمعاصر ،فهو تحقيب زمني أوروبي ،لا يأخذ التراث الحضاري للشعوب والأمم الأُخرى بالحسبان .وقد درجت بع ُض التحقيبات الزمنية على اعتبار الصدمة الحضارية التي طرأت على المجتمعات الإسلامية عند اتصالها بالغرب فاصل ًا بين الفكر القديم والفكر الحديث في تاريخ الفكر الإسلامي ،لك َّن التأريخ بهذه الصدمة هو محاولة للتمييز بين صفة الإنتاج الأصيل للفكر وصفة الفكر الذي أنتجته المؤ ِّثرات الوافدة ،وهو تمييز غير دقيق؛ لأ َّن التأثيرات الوافدة رافقت قرون ًا زمنية قبل تلك الصدمة الحضارية. 24
التربوية في ذلك المجتمع .ويزداد حضور هذه الأهمية عندما نعلم أ َّن الفكر التربوي هو مجموعة المعتقدات والمبادئ التي تح ِّدد ملامح الشخصية البشرية المراد تشكيلها في المجتمع ،وتح ِّدد ِم ْن َث َّم خصائص ذلك المجتمع المنشود .وتنبثق هذه المعتقدات والمبادئ من \"رؤية العا َلم\" التي يتبنّاها المجتمع عن الكون والحياة والإنسان ،وتجتمع فيها الأسس التي ُت ْبنى عليها سائر الأنظمة في المجتمع :السياسية ،والاقتصادية ،والاجتماعية، والتربوية ...بصورة تتصف بالتوا ُزن والتكا ُمل .وهذا هو حال الفكر التربوي في المجتمع، في أ ِّي عصر من عصوره. ويستمد الفكر التربوي مادته وعناصره من عد ٍد من النُّ ُظم المعرفية ،مثل :الدين، والفلسفة ،والتاريخ ،وعلم الاجتماع ،وعلم النفس ،وغير ذلك من العلوم .ويتداخل مفهومه مع عدد من المفاهيم المفتاحية ذات الصلة بالتربية والتعليم والتنشئة الاجتماعية ،ولا سيما النظرية التربوية ،والفلسفة التربوية؛ ما يقتضي قدر ًا من البيان الموجز في حدود المقام الحالي. ثاني ًا :نظرية التربية وفلسفة التربية .1نظرية التربية: مهما يمكن أ ْن يقال عن مفهوم \"النظرية\" ،فلن يتجاوز كونها بنا ًء فكري ًا ُينتِجه التفكير البشري .لك َّن مفهوم \"النظرية\" ُيستع َمل على نطاق واسع بطريقتين؛ الأُولى :استعمال عام يخت ُّص بوصف الفكرة أو الرأي الذي يك ِّونه الفرد أو الجماعة عن قضية من القضايا، بغ ِّض النظر عن الأساس الذي ُي ْبنى عليه هذا الرأي ،أو هذه الفكرة .فيقول المتح ِّدث مثل ًا: نظريتي في ظاهرة \"تس ُّرب الأطفال من المدرسة\" هي ،...أو نظريتي في جعل حفظ القرآن جزء ًا من المنهاج الدراسي هي. ... والثانية :استعمال علمي منضبط؛ سواء أكان ذلك في العلوم الطبيعية ،أم العلوم الاجتماعية ،فيقال مثل ًا :نظرية الانفجار العظيم حول نشأة الكون المادي ،والنظرية الذرية حول -بنية المادة ،والنظرية السلوكية في التع ُّلم ،ونظرية القيمة في الاقتصاد ،ونظرية ال ُعرف في الفقه والقانون ،وغير ذلك. 25
والقرآن الكريم يستعمل لفظ \"النظر\" في عد ٍد من المعاني ،منها :المعنى الذي يخت ُّص بالتف ُّكر (التفكير بوع ٍي ،ومعاود ٍة ،وعم ِق تأ ُّم ٍل) ،والاعتبار (التفكير في حقائق الأمور ،وأخذ العبرة) ،والتد ُّبر (التفكير في أدبار الأمور ،ومآلاتها ،وعواقبها) .ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﴾ [آل عمران،]137 : وقوله سبحانه﴿ :ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋ ﰌﰍﰎﰏ﴾ [الروم.]50 : والنظرية بوصفها بنا ًء فكري ًا هي ق َّمة الهرم الذي يك ِّون المعرفة البشرية ،حيث يبدأ هرم المعرفة بالحقائق الجزئية المحسوسة التي تتجمع مفرداتها في مفاهيم أكثر تجريد ًا ،وتربط بين هذه المفاهيم علاقات وقوانين تصف ما يحدث في الواقع ،ث َّم تأتي النظريات لتف ِّسر القوانين التي تحكم السلوك. فوظيفة النظرية في البناء الفكري هي وظيفة تفسيرية ،في حين أ َّن وظائف المستويات الأُخرى من المعرفة هي وظائف وصفية. وإذا كانت النظرية هي مستوى معين من المعرفة ،فإ َّنها ليست معرفة جزئية ،بل هي بناء ك ِّلي شمولي .و\"النظرية\" في الاستعمال اللغوي العام تقابل \"الممارسة\"؛ ف َث َّمة أمو ٌر نظرية ،و ُأخرى عملية ،لك َّن الممارسة العلمية لا تنفك عن البناء النظري الذي يدفع إليها، أو يس ِّوغها .والنظرية تحتفظ بموقعها في بنية المعرفة ما دامت تف ِّسر الظواهر الخاصة بتلك المعرفة ،ولا ُتر َفض إلا عندما تعجز عن التفسير ،فيتم تطوير رؤية جديدة تكون أقدر على التفسير ،و ُتستب َعد النظرية لتح َّل مح َّلها نظري ٌة جديدة بديلة عنها. فالنظرية هي بناء فكري استنباطي يف ِّسر ظاهرة معينة ،ويتن ّبأ بسلوك هذه الظاهرة، ويتك َّون من عد ٍد من الأفكار والمبادئ والعلاقات التي تصف سلوك الظاهرة ،في ميدانها الطبيعي ،أو الاجتماعي ،أو النفسي ،وتف ِّسر هذا السلوك. 26
أ ّما النظرية التربوية فهي مجموعة الآراء والأفكار والمبادئ التي تف ِّسر ظاهرة \"التنشئة البشرية\" ،بما فيها من رعاية وتع ُّلم وتعليم ،وتتح َّدد في ضوئها أهداف التربية وموضوعاتها وطرق ممارساتها .ومن المعروف أ َّن كثير ًا من مجالات التنشئة وعمليات التع ُّلم تتم عن طريق التقليد والتوريث الاجتماعي والثقافي ،ولك َّن اكتساب أنواع من المعارف المعقدة يحتاج إلى تفسي ٍر من خلال نظرية تربوية معينة .ونظرية \"التربية\" ،أو النظرية التربوية ليست نظري ًة واحدة؛ فليس َث َّمة طريق ٌة واحدة لتفسير عملية التع ُّلم والتعليم ،تقود إلى دليل مح َّدد حول كيفية ممارسة هذه العملية؛ إذ يوجد عد ٌد من النظريات ،لك ٍّل منها خلفيتها الفلسفية والنفسية والمعرفية والاجتماعية. وتسعى النظرية التربوية إلى معرفة السياسات والممارسات التربوية وفهمها وتحديدها، وما تتض َّمنه من موضوعات أصول التدريس ،وتصميم المناهج وتنفيذها ،والإدارة التربوية. وقد عرف الفكر البشري نظريات تربوية متعددة عبر التاريخ ،أسهم في تقديمها علماء ومف ِّكرون من اليونانيين ،والصينيين ،والهنود ،والمسلمين ،وغيرهم .وكل نظرية من هذه النظريات يتم تطويرها في مجتمع ما كانت تستمد مفهومها من معتقدات ذلك المجتمع الدينية والفلسفية ،ومن حالته الحضارية وطموحاته السياسية والاقتصادية ،و ِم ْن َث َّم ترسم الصورة التي يسعى المجتمع إلى تنشئة أجياله وبناء مستقبله على أساسها .ولذلك كانت النظريات التربوية تختلف من مجتمع إلى آخر ،وفي المجتمع الواحد كانت النظرية التربوية المعتمدة تختلف من عصر إلى آخر ،ومن مف ِّكر تربوي إلى مف ِّكر تربوي آخر. وتعتمد النظرية التربوية في كثير من الأحيان على النظريات النفسية ،والاجتماعية، والفلسفية ،والاقتصادية ،وغيرها .و َث َّمة ارتبا ٌط قوي بين علم التربية وعلم النفس؛ فعلم التربية علم تطبيقي يعتمد -إلى ح ٍّد كبير -على علم النفس في تفسيراته النظرية لعمليات التع ُّلم البشري .ومن هنا ،جاءت نظريات تربوية سلوكية ومعرفية وبنائية وغيرها .و َث َّمة ارتبا ٌط قوي آخر بين النظرية التربوية والنظرية الاجتماعية .ومن هنا ،جاءت النظرية التربوية الثقافية التي تنظر في كيفية حدوث التعليم في مجمل ثقافة المجتمع ،الذي يتض َّمن مؤسسات الدين والأسرة والمدرسة وغيرها؛ والنظرية التربوية الوظيفية التي تعتمد على علم اجتماع التربية. وكثير من النظريات التربوية كانت انعكاس ًا لفلسفات عامة؛ فقد عرفنا نظريات تربوية مثالية، وواقعية ،وبراغماتية ،ووجودية ،وماركسية ،وغيرها ،لك َّن مجال العمل النظري في ميدان 27
التربية أتاح للفلاسفة والمف ِكرين ذوي التو ُّجه النظري من مجالا ٍت معرفية تربوية ُأخرى المشاركة في مناقشة قضايا وقيم وسياسات تربوية .ولذلك تح َّركت النظرية التربوية في الممارسة العملية من مجالها الض ِّيق في علم التربية إلى قضايا متداخلة التخ ُّصص؛ ُب ْغ َي َة تطوير الفكر الأفضل الذي يجمع بين حقل التربية والحقول الأُخرى .ومع ذلك ،فإ َّن أفضل عمل في الدراسات المتداخلة التخ ُّصص سيكون له محور قوي من تخ ُّصص معين. و ُتف َهم النظرية التربوية أحيان ًا في إطار معنى عام ينقصه التحديد ،حين يكون المقصود بها ما ُيك َتب عن التربية؛ سواء كان ما ُيك َتب مناقشات لمسائل نفسية ،أو اجتماعية ،أو فلسفية .ولك ْنَ ،ث َّمة معنى آخر للنظرية التربوية أكثر تحديد ًا ،وأضيق نطاق ًا ،وأكثر صل ًة بعلم التربية ،وهو مجموعة المبادئ والتوجيهات التي ُتق َّدم ل َمن يمارس العمل التربوي في الميدان؛ فالنظرية التربوية هي نظرية التربية(((. ولا تختلف النظرية التربوية الإسلامية ع ّما قيل عن النظرية التربوية بصورة عامة؛ فهذه النظرية هي آراء وأفكار صاغها مف ِّكرون مسلمون ،أو تمت ممارستها في مجتمعات إسلامية ،حول موقع التربية في المجتمع ،ومؤسساتها ،وموضوعاتها ،ومناهجها، وأساليبها .فكانت هذه الآراء والأفكار انعكاس ًا لما ساد في هذه المجتمعات من معتقدات، تقوم أساس ًا على رؤية العا َلم الإسلامية ،Islamic Worldviewالتي تجيب عن أ ِّي أسئلة يثيرها العقل البشري عن الخالق ،والعا َلم المخلوق ،والإنسان ال ُمستخ َلف فيه ،وطبيعة حياته ،والغرض من وجوده الإنساني ،وخصائص الإنسان الذي يسعى الإسلام إلى إيجاده ،والمجتمع الذي يريد بناءه ،والعمران البشري المادي والفكري في الأرض .ونظر ًا لأ َّن النظرية التربوية الإسلامية هي اجتهاد فكري بشري؛ فقد اختلفت هذه الاجتهادت من عالِم مسلم إلى عالِم آخر ،ومن مدرسة فكرية إلى ُأخرى ،وتأ َّثرت النظرية التربوية بالثقافة والأوضاع السياسية والاجتماعية التي سادت عصور التاريخ الإسلامي (((.ومع ذلك ،فقد (1) Moore, Terence W. Educational Theory: An Introduction, Abingdon: Routledge Library Editions/ Education, 2012 Edition (first published 1974), P. 9. ((( الكيلاني ،ماجد عرسان .تطور النظرية التربوية الإسلامية ،دمشق وبيروت :دار ابن كثير ،ط1985 ،2م .تح َّدث الكتاب بقدر من التفصيل عن أسس النظرية التربوية الإسلامية وتط ُّورها خلال القرون ،بدء ًا بالقرن الهجري الأول ،وتل ُّونها بالشخصيات التي مارست العمل التربوي ،أو تح َّدثت عنه وصف ًا ميداني ًا ،أو تنظير ًا معياري ًا؛ وبالمدارس الفكرية التي تنتمي إليها هذه الشخصيات :الفقهية ،والصوفية ،والفلسفية ،والتاريخية ...إلخ. 28
بقيت النظرية التربوية الإسلامية ثابت ًة في ملامحها العامة التي تم ِّيزها عن غيرها .فهي رؤية كلية وتصور شمولي للعمل التربوي والتعليمي الذي ُي ِع ُّد الإنسان فرد ًا ومجتمع ًا لتحقيق غرض وجوده في هذه الحياة؛ وهي عبادة الله سبحانه لتزكية النفس وتطهيرها ،والقيام بواجبات الخلافة والعمران في الأرض ،وتحدد هذه الرؤية أسس التربية ،ومناهجها، وموضوعاتها ،وخصائصها ،ومصادرها ،وفق ما يجتهد التربوي المسلم في فهم المرجعية التربوية في الهدي الإلهي والتوجيه النبوي ،مستأنس ًا بتجربة التراث الإسلامي ،ومستوعب ًا الخبرة البشرية المعاصرة. .٢فلسفة التربية: فلسفة التربية هي الدراسة الفلسفية للتربية ومشكلاتها ،لكنَّها ليست موضوع ًا من موضوعات الفلسفة ،وإ َّنما هي موضوع من موضوعات التربيةُ ،تدرس في مؤسساتها، و ُتناقش في أدبياتها .فموضوعها هو التربية ،ولك َّن طرق دراستها تتصل بالفلسفة من حيث تحليل وتوضيح المفاهيم والقضايا والنظريات واللغة المستعملة في العمل التربوي؛ فالفلاسفة لا يضعون نظريات تربوية أو اقتصادية ،ولكنَّهم يح ِّللون ما يو َضع من نظريات، ويو ِّجهون نقد ًا لها يؤدي إلى إلغائها ،أو تعديلها .وقد تح َّدث الباحثون الغربيون عن فلسفات التربية ،بدء ًا بفلسفات سقراط (توفي399 :ق.م) ،وأفلاطون (توفي347 :ق.م)، وأرسطو (توفي322 :ق.م) عن التربية ،ث َّم قفزوا إلى فلسفات القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر للميلاد ،ولا سيما أفكار لوك (توفي1704 :م) ،وروسو (توفي1788 :م)، وكانط (توفي1804 :م) ،وجون ستيوارت ميل (توفي1873 :م) ،ث َّم إلى فلسفة جون ديوي (توفي1952 :م) البراغماتية الطبيعية ،ث َّم إلى النظريات الغربية التي تط َّورت في القرن العشرين للميلاد ،والفلسفات المعاصرة ،مثل :التحليلية ،والوجودية ،والظاهراتية، والنقدية ،والتأويلية ،والنسوية ،والتو ُّجهات الفلسفية لما بعد الحداثة .وق َّلما أشاروا إلى العصور الإسلامية ،وما تط َّور فيها من ُأط ٍر وقواعد نظرية وممارسات عملية في التربية. وتهتم فلسفة التربية بتحليل وتوضيح مفاهيم وأسئلة ذات مواقع مركزية في الفكر التربوي والممارسة التربوية؛ ف َث َّمة أسئل ٌة قديمة ِق َدم الإنسان ،سألها الإنسان قبل أ ْن يكون هناك متخ ِّصصون في فلسفة التربية .واللافت أ َّن كثير ًا من هذه الأسئلة لا تزال قائمة، 29
وأ َّن إجاباتها تتج َّدد؛ وهي أسئلة من قبيل :ما مقاصد التربية وأهدافها؟ َمن الذين َيلزم تعليمهم وتربيتهم؟ كيف تتم تربية الأفراد تبع ًا لقدراتهم واهتماماتهم؟ ما مسؤولية الدولة عن التربية في مقابل مسؤولية الوالدين؟ واللافت أيض ًا أ َّن إجابات هذه الأسئلة لم تكن في التاريخ البشري إجابات معيارية مو َّحدة ،لا للنوع البشري ،ولا لأ ِّي مجتمع من مجتمعاته؛ فكل مجتمع يجيب عنها في كل زمن وفق ظروف المجتمع في ذلك الزمن ،وما تق ِّدمه الإجابات من فائدة للناس في ذلك الزمن ،وفي الزمن الذي يأتي بعده ،ور َّبما ما يصلح لمستقبل البشرية .وفي كل َم َّر ٍة تأتي إجابات جيدة وسيئة ،ويواصل المف ِّكرون تحليلهم ونقدهم للإجابات؛ ُب ْغ َي َة تطوير التربية إلى ما يتص َّورون أ َّنه الأفضل. وتأتي أهمية الفلسفة التربوية من أ َّن المسائل الكبرى التي تطرحها التربية هي مسائل فلسفية في الأساس .فطبيعة الفرد الإنساني ،ومتط َّلبات نم ِّوه وإعداده لمواجهة مسؤوليات الحياة ،وطبيعة المجتمع والحياة المنشودة فيه ،وما َيلزم للفرد والمجتمع من توفير المعرفة والخبرات التربوية من معلومات ومهارات وقيم؛ ك ُّلها مسائل وقضايا فلسفية .ولهذا ،فإ َّن الفلسفة التربوية تؤدي مهمة التفكير الفلسفي في هذه المسائل من حيث :التأ ُّمل ،والتحليل النقدي ،والتحديد المعياري لما يجب أ ْن تكون عليه حيا ُة الإنسان الفردية والمجتمعية ،وطبيعة المعرفة التي تلزمه ،والقيم التي تو ِّجه حياته ،كما تؤدي مهمة ُأخرى تخت ُّص بتوظيف ما يتأ ّتى عن هذا التحليل من توجيه وإرشاد للسياسات والممارسات التربوية لتحقيق الأهداف التربوية المنشودة. ولتيسير فهم العلاقة بين التربية والنظرية التربوية وفلسفة التربية ،يمكن تص ُّور عملية التربية ك ِّلها وهي تتم في مبنى واحد يتك َّون من ثلاثة طوابق؛ إذ تمارس في الطابق الأول جميع الممارسات التعليمية من :تدريس ،وتخطيط ،وتدريب ،وتقويم على ما عهدنا حصوله في غرفة الصف .وفي الطابق الثاني نجد النظرية التربوية في صورة مجموعة من المبادئ المترابطة والتوجيهات العملية التي تهدف إلى التأثير على ما يحدث في الطابق الأول من ممارسات تربوية .أ ّما في الطابق الثالث فنجد فلسفة التربية التي تقوم بمهمة توضيح المفاهيم المستعملة في الطابقين السفليين (مثل :التربية ،والتعليم ،والتع ُّلم)، وتحديد مك ِّونات النظرية التربوية ،واختبار صدقها ،وتماسكها ،وقدرتها على توجيه الممارسات التي تتم في الطابق الأول. 30
و ُتف َهم الفروق بين المستويات الثلاثة على أ َّنها فروق منطقية؛ أ ْي إ َّن ما يحدث في أ ِّي طابق ينطلق من الطابق الذي تحته ،ليخدمه ،ويو ِّفر له التوجيه اللازم .فالنظرية التربوية -مثل ًا -تح ِّدد النشاطات التربوية وتو ِّجهها ،وفلسفة التربية تح ِّدد ك ّ ًل من النظرية التربوية، والنشاطات التربوية (((.و َث َّمة فار ٌق من نوع آخر هو أ َّن الممارسات التربوية التي تتم في الطابق الأول هي نشاطات حسية تعتمد -إلى ح ٍّد كبير -على الإمكانات المادية والظروف العملية ،في حين تكون النظرية التربوية في الطابق الثاني نشاط ًا من رتبة أعلى ،يتصف بقدر من التجريد في تحديده لما َيلزم توفيره لخدمة الممارسات التربوية .أ ّما الفلسفة التربوية في الطابق الثالث فهي نشاط من رتبة أعلى من رتبة النظرية ،يتصف بقدر أكبر من التجريد حين ينظر إلى الإنسان في المجتمع ،ويح ِّلل المفاهيم والعمليات ،ويعطيها معاني ودلالات ُت ِعين في بناء نظريات مناسبة. وليس َث َّمة ش ٌّك في أ َّن الفلسفة التربوية ُتش َتق من الفلسفة العامة التي يتبنّاها المجتمع، ومرجعياته الفكرية ،ومعتقداته الدينية ،وخلفياته الثقافية ،وطموحاته الحضارية .و ِم ْن َث َّم، فليس َث َّمة ش ٌّك في أ َّن الفلسفة التربوية الإسلامية ستكون مستمد ًة من عقيدة الإسلام ونظامه العام ،وما تتض َّمنه هذه العقيدة من أركان الإيمان ،وتحديد مهمة الإنسان في عبادة الله والخلافة في الأرض ،بقيم التوحيد والتزكية والعمران ،وبسط الحرية ،وإشاعة الخير، وإقامة العدل .وحين ينحاز المجتمع الإسلامي إلى فلسفة التربية الإسلامية ،سيكون عليه إدراك الفرق بين حالته القائمة وحالته المنشودة ،والجهد اللازم بذله للتح ُّول من الواقع إلى الطموح ،وتم ُّثلات هذا الجهد في النظرية التربوية التي يتبنّاها ،والممارسات التربوية التي تقتضيها هذه النظرية لتحقيق هذا التح ُّول. ومن السهل إذا تح َّقق هذا الانحياز لفلسفة التربية الإسلامية أ ْن تتح َّقق الوظائف المأمولة منها في وضع أسس النظرية التربوية الإسلامية وعناصرها ،ولا سيما مقاصد التربية وغاياتها في المجتمع ،وتحديد ملامح النظام التربوي الإسلامي ومق ِّوماته وعناصره (1) Moore, Educational Theory: An Introduction, P. 5-8. See preview of the book at: - https://books.google.jo/books?id=sZw96Leb7wIC&printsec=frontcover&dq=inauth or: %22Terence+W.+Moore%22&hl=en&sa=X&ved=0ahUKEwjO9sPQ5vHUAhUEt hQKHRVUAkcQ6AEIKDAB#v=onepage&q&f=false. 31
وخصائصه ،وتحديد مصادر المعرفة ووسائل اكتسابها ،والكشف عن القيم التي تحكم العمل التربوي ،ومعالجة مشكلات التناشز القيمي بين فئات ال َم ْعنِ ّيين بالتربية والعاملين فيها ،ومعالجة المشكلات الناتجه عن هذا التناشز .وسوف نجد المرجعية الإسلامية حاضر ًة في كل ذلك ،متم ِّثل ًة في المصادر الأربعة لهذه المرجعية :القرآن الكريم ،وال ُّسنة النبوية ،والتراث الإسلامي ،والخبرة البشرية المعاصرة. نكتفي بهذا القدر من الحديث عن النظرية التربوية والفلسفة التربوية؛ فنحن لسنا بإزاء إعداد كتاب في هذا المجال .و َث َّمة كت ٌب متخ ِّصصة ،ومساقات ،أو مقررات دراسية جامعية على مستوى الدراسات العليا ،تناقش ذلك بقدر من التفصيل .ومع ذلك ،فر َّبما لزم التنويه بعدد من الأمور ،منها: -تأتي أهمية الحديث عن النظرية التربوية والفلسفة التربوية من أ َّن أ َّية مادة عنهما هي نوع من الفكر التربوي الذي يتأ َّسس على الممارسات العملية في التنشئة والتربية والتعليم ،ويو ِّجه هذه الممارسات ،ويح ِّللها ،ويق ِّومها ،وينقدها. -إ َّن النظرية في العلوم الاجتماعية ،ومنها التربية ،لا نجدها بالتحديد والانضباط اللذي ِن نجدهما في العلوم الطبيعية ،لا من حيث مك ِّونات النظرية ،ولا من حيث غاياتها ،ولا حتى في علم الاقتصاد -مثل ًا -الذي نجده أقرب إلى الدراسة العلمية التي تصف وتف ِّسر وتتن ّبأ بإنتاج المواد وتسويقها واستهلاكها. -المادة الأساسية للنظرية التربوية هي في جزء كبير منها مادة علوم ُأخرى ،مثل علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد وعلم الأحياء البشرية ،وعلم الطب. وتأثيرات هذه العلوم كثيرة ومعقدة. -تتأ َّثر النظرية التربوية كثير ًا بالأحكام القيمية التي يتبنّاها المجتمع؛ سواء كانت هذه الأحكام ذات مصدر ديني ،أو سياسي ،أو اجتماعي. وفيما يخ ُّص الفلسفة التربوية ،فإ َّن كثير ًا من الكتابات المتاحة فيها تحتوي على معالجة القضايا الفلسفية أكثر من معالجتها للقضايا التربوية .فمن المألوف -مثل ًا -أ ْن نجد هذه الكتابات تتح َّدث عن مباحث الفلسفة الرئيسية الثلاثة :الوجود ،Ontology 32
والمعرفة ،Epistemologyوالقيم ،Axiologyأو نجدها تتح َّدث عن مباحث الفلسفة في صياغة ُأخرى لها ،مثل رؤية العا َلم في مجالاتها الرئيسية الثلاثة ،وهي :الكون، والحياة ،والإنسان ،أو تجمع بين هذين النمطين .وسنجد كثير ًا من هذه الكتب تتح َّدث عن الفلسفات التقليدية الثلاث :المثالية ،والواقعية ،والذرائعية ،التي كان الحديث عنها سائد ًا في النصف الأول من القرن العشرين مع القليل من اللمسات حول تج ِّليات هذه الفلسفات في الميدان التربوي. ثالث ًا :الفكر التربوي الإسلامي في الكتابات الحديثة والمعاصرة: .١الكتابات التربوية باللغة العربية: لأغراض تأليف هذا الكتاب ،راجع المؤ ِّلف عشرات الكتب المتاحة في الأسواق، التي جاء الفكر التربوي (أو التعليم ،أو التربية) في عناوينها ،فلاحظ أ َّن معظم هذه الكتب تتح َّدث قليل ًا عن مفهوم \"الفكر التربوي\" وعناصره وخصائصه ومصادره ،وكثير ًا عن الفكر التربوي الذي ساد عصور ًا سابقة ،وأصبح اليوم تراث ًا؛ أ ْي جزء ًا من التاريخ .فالخلط بين الفكر التربوي والتراث التربوي ظاهر في معظم هذا الكتب .ويستطيع القارئ أ ْن يختبر هذا التعميم من خلال فحص نوعين من الكتب: النوع الأول :الكتب التي تتح َّدث عن الفكر التربوي الإسلامي ،أو الفكر التربوي العربي ،ليكون الجزء الأكبر من مادتها حديث ًا عن تط ُّور هذا الفكر في العصور الإسلامية، من عصر الرسالة إلى العصر الأموي ،فالعباسي ،فما بعده؛ أو عن الفكر التربوي لعلماء مختارين في التاريخ التربوي الإسلامي ،مثل :ابن سحنون ،والقابسي ،والزرنوجي، والغزالي ،وابن خلدون ،وغيرهم؛ أو عن المدارس الفكرية التربوية في التاريخ الإسلامي: الفقهية ،والفلسفية ،والصوفية ،والأدبية ،وغيرها؛ أو عن الفكر التربوي الذي ساد مصر ًا من أمصار المسلمين في عهد من العهود ،مثل :بلاد الشام في عصر الأيوبيين ،ومصر في عصر المماليك ،والأندلس في عهد المرابطين ،وهكذا. والنوع الثاني :الكتب التي تتح َّدث عن الفكر التربوي ،أو فلسفة التربية ،أو نظريات التربية بصورة عامة من دون أ ْن ُين َسب أ ٌّي منها إلى العرب أو المسلمين .وسنجد الجزء الأكبر من مادة 33
هذه الكتب حديث ًا عن الفلسفات التربوية التي انتسبت إلى شخصيات عرفها التاريخ الأوروبي على وجه الخصوص .فموضوعات هذه الكتب هي الفكر التربوي ،أو نظرية \"التربية\" ،أو فلسفة التربية عند سقراط ،وأفلاطون ،وأرسطو ،وروسو ،وديوي ،وغيرهم .وقد نجد بعض هذه الكتب تضيف أسماء بعض العلماء المسلمين ،مثل :الفارابي ،والغزالي ،وغيرهما. وسنجد بعض هذه الكتب تتح َّدث عن الفكر التربوي الذي يستند إلى الفلسفات التربوية التي ارتبطت بتلك الأسماء ،مثل :المثالية ،والواقعية ،والذرائعية (البراغماتية) ،والإسلامية .ومن الإنصاف أ ْن نشير إلى وجود بعض الكتب الحديثة التي تتح َّدث عن النظريات أو الفلسفات التربوية الحديثة والمعاصرة ،مثل :الوجودية ،والسلوكية ،والمعرفية ،والبنائية ،وغيرها(((. ولأ َّن كثير ًا م ّما ُكتِب عن الفكر التربوي كان في حقيقة الأمر ماد ًة عن التراث التربوي، وحتى لا يكون حديثنا عن الفكر التربوي تقليل ًا من أهمية التراث التربوي؛ فقد أشبعنا الحديث عن التراث التربوي (الإسلامي تحديد ًا) في ثلاثة كتب ،صدرت لنا قبل أ ْن نشرع في تأليف هذا الكتاب عن الفكر التربوي الإسلامي المعاصر(((. من هذه المراجعة لاحظنا أ َّن مصطلح \"الفكر الإسلامي\" مصطل ٌح حديث ،لم يكن شائع ًا في النصف الأول من القرن العشرين ،وعندما كان ُيستع َمل بعد ذلك لم يكن يجد ترحيب ًا ،ولا سيما عند المتخ ِّصصين في العلوم الإسلامية؛ إيثار ًا منهم للمصطلحات التي شاع استعمالها في كتب التراث ،مثل مصطلح \"العلم\" في أ ِّي تخ ُّصص من التخ ُّصصات الأثيرة ،مثل :علم الفقه ،وعلم العقيدة ،وعلم التوحيد ،وعلم المواريث ،...هذا مع العلم بأ َّن مادة مصطلح \"الفكر\" حاضرة في القرآن الكريم بصورة لافتة (((.ولع َّل من أوائل الم ْح َدثين في استعمال المصطلح في عناوين كتبهم محمد البهي في كتابه \"الفكر الإسلامي ((( لا نود أ ْن تكون هذه الإشارات تقويم ًا لأ ٍّي من هذه الكتب ،وحكم ًا عليها؛ فكل كتاب محكوم بظروف مؤ ِّلفه، وأغراضه من التأليف .وتقتصر هذه الإشارات على درجة الارتباط بين محتوى الكتاب وعنوانه ،ودرجة الإشباع التي يق ِّدمها الكتاب عن دلالة المفهوم أو المفاهيم المستعملة في عنوان الكتاب. ((( الكتب الثلاثة هي: -التراث التربوي الإسلامي :حالة البحث فيه ،ولمحات من تط ُّوره ،وقطوف من نصوصه ومدارسه. -نصوص مختارة من التراث التربوي الإسلامي. -مشروعات بحثية في التراث التربوي الإسلامي. ((( نوقش موضوع مصطلح \"الفكر\" وتط ُّور استعماله في الفصل الأول من كتاب \"البناء الفكري\" .انظر: -ملكاوي ،البناء الفكري :مفهومه ومستوياته وخرائطه ،مرجع سابق ،ص.69-22 34
الحديث وصلته بالاستعمار الغربي\" ،ومحمد المبارك في كتابه \"الفكر الإسلامي الحديث في مواجهة الأفكار الغربية\" ،ومحمد فتحي عثمان في كتابه \"الفكر الإسلامي والتط ُّور\"، وأنور الجندي في كتابه \"منابع الفكر الإسلامي\" ،وغيرهم .ولذلك ،لا غرابة أ َّن استعمال مصطلح \"الفكر التربوي الإسلامي\" لم يصبح شائع ًا إلا في العقد الأخير من القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين؛ فقد كانت هناك مصطلحات كثيرة تغطي الحاجة إلى الدلالة الخاصة بالفكر .ومصطلح \"النُّ ُظم الإسلامية\" كان أكثر شيوع ًا؛ ف َث َّمة حدي ٌث عن \"نظام تربوي إسلامي\" ،أو \"النظام التربوي في الإسلام\" ،وكذلك الأمر فيما يخ ُّص مصطلح \"العلوم الإسلامية\" :علم \"التربية في الإسلام\" ،أو \"التعليم في الإسلام\" ،أو ببساطة \"التربية الإسلامية\" ،أو \"التعليم الإسلامي\"(((. ... وأكثر المصطلحات التي كانت ُتستع َمل في سياق الحديث عن الفكر التربوي الإسلامي مصطلح \"التربية الإسلامية\" ،ومصطلح \"التعليم الإسلامي\" ،فجاءت عناوين كتب تاريخ التربية الإسلامية ،وأصول التربية الإسلامية ،وأهداف التربية الإسلامية ،ووسائل التربية الإسلامية ،أو التعليم في العصر العباسي ،أو العلم والتعليم في الأندلس ،وغير ذلك. وقد أخذ مصطلح \"التربية الإسلامية\" عدد ًا من الدلالات المختلفة؛ فهو: -مادة دراسية مدرسية ُتق َّدم لطلبة التعليم العام ،ويكون فيها ُن َب ٌذ \"دينية إسلامية\" تتناسب مع عمر الطلبة؛ من :مسائل العقيدة ،والفقه ،والتفسير ،والحديث ،والأخلاق، وبعض النصوص من القرآن الكريم وال ُّسنة النبوية .وتس ّمى المادة أحيان ًا \"التربية الدينية\" ،أو \"التربية الدينية الإسلامية\" ،ونجد الحديث عنها عند محمد أمين المصري وغيره (((.وتأتي عناوين الكتب المدرسية المقررة على هذا الأساس. ((( نشر الدكتور سعيد إسماعيل علي واحد ًا من كتبه بعنوان \"بحوث في التربية الإسلامية\" عام 1987م .ول ّما أعاد النظر في طبع الكتاب عام 2006م أجرى عليه بعض التعديلات ،ونشره بعنوان \"الفكر التربوي الإسلامي وتحديات المستقبل\" ،بالرغم من أ َّن معظم مادة الكتاب أبقت على المصطلح السابق عن التربية الإسلامية .انظر: -علي ،سعيد إسماعيل .الفكر التربوي الإسلامي وتحديات المستقبل .القاهرة :دار السلام2006 ،م .انظر في الصفحة 5حديثه عن العنوان السابق للكتاب. ((( المصري ،محمد أمين .لمحات من وسائل التربية الإسلامية وغاياتها .دمشق :دار الفكر ،ط1978 ،4م .فقد جاء في مقدمة الكتاب قول المؤ ِّلف\" :والغرض الأول والآخر أ ْن يكون ُمد ِّرس التربية الدينية نموذج ًا لرجل العقيدة\". الصفحة ب .وجاء العنوان الأول في الكتاب \"موقف التربية الدينية من الاتجاهات الحديثة في التربية\" ،ص،1 والعنوان الأخير \"أغراض التربية الدينية\" ،ص .244 35
-نجد مصطلح \"التربية الإسلامية\" عنوان ًا لمقرر جامعي ،أو مادة دراسية جامعية، مثل\" :أصول التربية الإسلامية\" ،أو \"مناهج التربية الإسلامية\" ،أو \"تاريخ التربية الإسلامية\" ،حيث يغلب في وصفها الإشارة إلى أعلام التراث التربوي الإسلامي، ومؤسساته ،ومناهجه .وقد تحتوى بعض هذه المقررات على مقترحات وإرشادات عن كيفية تدريس مواد التربية الإسلامية في المراحل الدراسية المختلفة ،والنشاطات التعليمية الخاصة بهذا التدريس. -نجد هذا المصطلح يم ِّثل تخ ُّصص ًا جامعي ًا كامل ًا ،مثل \"مناهج وتدريس التربية الإسلامية\" ،و ُي ِع ُّد ُمع ِّلمين لتدريس \"التربية الإسلامية\" في المدارس ،أو لمواصلة الدراسة في نفس التخ ُّصص حتى مرحلة الدكتوراه؛ للعمل في التدريس الجامعي في التخ ُّصص نفسه. -نجد مصطلح \"التربية الإسلامية\" ُمستع َمل ًا في سياق الحديث عن التنشئة العامة للأطفال ،التي تشترك فيها بيئات التعليم ومؤسساته؛ من :أسرة ،ومدرسة ،وأجهزة إعلام ،وتوا ُصل ،وإرشاد ثقافي ،وديني ،وغير ذلك ،وتتو ّلى رعاية النشء في الجوانب الجسمية والعقلية والنفسية والأخلاقية التي تقتضيها معايير الإسلام. فعلى الأسرة في المعايير الإسلامية أ ْن تز ِّود الأبناء بالتربية الإسلامية لتتح َّقق التنشئة على الالتزام الديني في العبادات ،والمعاملات ،والسلوك الاجتماعي، والسلوك الأخلاقي .ومؤسسات التعليم العام الرسمية تتح َّدث عن التربية والتعليم ،فلا ُيتو َّقع منها أ ْن تقتصر على تقديم التعليم في الموضوعات المختلفة؛ من :موضوعات \"دينية\" ،ولغة ،ورياضيات ،وعلوم طبيعية ،وغير ذلك ،بل يتع َّين عليها أ ْن تو ِّفر بيئ ًة للتوجيه والإرشاد التربوي في مجالات النمو البدني والنفسي والاجتماعي ،وفي أنماط التفكير والسلوك .وفي المجتمع الإسلامي ُيفت َرض أ ْن تكون معايير التربية والتنشئة في الأسرة والمدرسة معايير تربوية إسلامية. -التربية الإسلامية ِع ْل ٌم من العلوم التربوية ،أو فرع علمي من فروع علم التربية؛ إذ ُتصنَّف علوم التربية على أساس عمليات التربية ،مثل :الإدارة ،والتمويل، والتدريس ،والتع ُّلم ،والتقويم؛ أو على أساس التو ُّجهات الفكرية والفلسفية، مثل :المثالية ،والواقعية ،والبراغماتية ،والإسلامية. 36
فهذه خمسة معا ٍن للتربية الإسلامية ،والذي يهمنا تأكيده في هذا السياق هو أن التربية الإسلامية في معناها الشامل تشمل أوساط التربية المختلفة من أسرة ومدارس وجامعات، ووسائل الاتصال والإعلام ،ومؤسسات المجتمع المختلفة ،وتشمل كذلك على التنمية والإعداد والنمو المعرفي والسلوكي في المسائل الدينية والدنيوية ،وتستهدف أفراد المجتمع من جميع الأعمار .أما المعاني الخمسة التي وردت الإشارة إليها آنف ًا ،فكثير من ماد ِة أ ٍّي منها يقع ضمن ما نس ّميه الفكر التربوي الإسلامي .وتتم َّثل عناصر هذا الفكر فيما يأتي: -تراث إسلامي يتم َّثل في كتابات علماء الإسلام عن العلم والتع ُّلم والتعليم؛ سواء كانت هذه الكتابات نصوص ًا مرجعية ،أو أحكام ًا فقهية ،أو وصف ًا للممارسات والمؤسسات في التاريخ الإسلامي ،عن الواقع الذي شهدته عصور هذا التراث، أو تحديد ًا لما كان يجب أ ْن يكون عليه هذا الواقع .وهذه العناصر هي أقرب إلى الحديث عن التربية في التاريخ الإسلامي. -شرح وتفسير لنصوص القرآن الكريم وال ُّسنة النبوية ذات الصلة بالعلم والتع ُّلم والتعليم؛ لترشيد ممارسات التعليم في المجتمعات الإسلامية بهدف الحفاظ على الهوية الإسلامية لهذه المجتمعات .وقد يكون هذا الشرح والتفسير من قبيل ما سبق حضوره في التراث ،فيكون امتداد ًا للتراث ،أو يكون فهم ًا جديد ًا تقتضيه ظروف الحاضر ومتط َّلباته ومشكلاته ،فيكون أقرب إلى كونه فكر ًا معاصر ًا. -مراجعة الفكر التربوي في تش ُّكله وتط ُّوره التاريخي لدى الأمم المختلفة ،وما تض َّمنه هذا الفكر من نظريات وفلسفات ،مع تحليل نقدي لها ،وتحديد ما يمكن قبوله منها ،أو رفضه ،أو تعديله في ضوء المرجعية الإسلامية. -مناقشة التيارات الفكرية والفلسفات التربوية المعاصرة السائدة اليوم في المجتمعات الإسلامية ،وبيان ما أدت إليه هذه التيارات والفلسفات من حالات التبعية ،والضعف، ونضوب الإبداع العلمي والفكري ،وغياب الإسهام الحضاري في ساحة العا َلم. 37
ويبدو أ َّن الكتابة عن الفكر التربوي الإسلامي((( أخذت تتبلور في صورة ميدان معرفي متميز ،مع بداية القرن العشرين ،وتزايد حضورها حول منتصف القرن ،وفي النصف الثاني منه .ونلاحظ أ َّن بعض البدايات المبكرة كانت أطروحات جامعية ُكتِبت في الجامعات الغربية ،وانتقلت فكرة الأطروحات إلى بعض الجامعات العربية .وفي كلتا الحالتين كان ال ُب ْعد التاريخي هو محتوى هذه الأطروحات؛ سواء فيما كانت عليه موضوعات التعليم ومؤسساته ،أو مصادره وأعلامه (((.ومن الكتابات المبكرة: -خليل طوطح في كتابه \"التربية عند العرب\" ،الذي ُطبِع في المطبعة التجارية في نابلس بفلسطين عام 1935م .والكتاب ترجمة عربية لأطروحة المؤ ِّلف في الدكتوراه التي ق َّدمها في جامعة كولومبيا الأمريكية. -محمد أسعد طلس في كتابه \"التربية والتعليم في الإسلام\" ،الذي ُطبِع عام 1960م. والكتاب في الأصل جزء من أطروحة دكتوراه ق َّدمها المؤ ِّلف في جامعة السوربون عام 1939م ،وصدرت الطبعة الأُولى من ترجمتها العربية عام 1960م(((. -أحمد فؤاد الأهواني الذي حصل على أطروحة الدكتوراه عام 1943م من جامعة القاهرة ،على بحثه \"التربية في الإسلام\"ُ ،مل َحق به \"الرسالة المفصلة لأحوال ((( أو \"العربي\"؛ إذ اختار بعض المؤ ِّلفين أ ْن يجعلوا عناوين كتبهم عن \"الفكر العربي\" انسجام ًا مع الظروف السياسية التي سادت بعض فترات التاريخ الحديث في بعض البلدان؛ إعلا ًء من الشأن القومي ،وتجنُّب ًا للمؤ ِّشرات الدينية ،بالرغم من أ َّن محتوى هذه الكتب هو حديث عن علماء الأُ َّمة الإسلامية في التاريخ الإسلامي ،وعن المذاهب الفكرية التربوية التي عرفها ذلك التاريخ ،بغ ِّض النظر عن الانتماء العرقي (القومي) لهؤلاء العلماء أو شخصيات هذه المذاهب. ((( عبد الدايم ،عبد الله .التربية عبر التاريخ :من العصور القديمة حتى أوائل القرن العشرين ،بيروت :دار العلم للملايين، ط1984 ،5م .وقد أشار المؤ ِّلف في الصفحة 5إلى أ َّن الطبعة الأُولى من الكتاب صدرت عام 1960م ،ص.5 وورد في المقدمة كذلك قول المؤ ِّلف\" :إ َّن معرفة تط ُّور الفكر التربوي مدخل لازب لكل َمن أراد أ ْن يفهم الأنظار التربوية والاتجاهات التربوية والنظم التربوية التي نعيش اليوم في قلبها .فهذه الأنظار والاتجاهات والنظم مهما تعرف من تجديد وتحديث وليدة مخاض تاريخي طويل ،وتجربة بعيدة الجذور ... ،وقد لا نفقه الكثير من ثمرات التربية الحديثة إذا لم نعرف أصولها وجذورها ،وإذا لم نتبين كيف ُولِدت وتك َّونت من خلال الإرث التاريخي الذي تنتسب إليه \".ص .7-6ونلاحظ هنا أ َّن المؤ ِّلف قد تح َّدث في فقرة واحدة ،مستعمل ًا مصطلحات الفكر التربوي ،والنظرية التربوية (الأنظار) ،والنظم التربوية ،والإرث التاريخي للتربية الحديثة. ((( طلس ،محمد أسعد .التربية والتعليم في الإسلام ،القاهرة :مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة2014 ،م ،ص.27 وقد صدرت الطبعة العربية الأُولى من الكتاب عام 1960م. 38
ال ُمع ِّلمين وال ُمتع ِّلمين\" للقابسي ،و\"رسالة آداب ال ُمع ِّلمين\" لابن سحنون(((. -خطاب عطية علي في أطروحته عن \"التعليم في مصر في العصر الفاطمي الأول\"، التي نشرتها دار الفكر العربي في القاهرة عام 1947م. -أحمد شلبي الذي أع َّد أطروحة الدكتوراه في جامعة كمبردج البريطانية ،بعنوان: \"تاريخ التربية الإسلامية\" عام 1953م ،وصدرت الطبعة الأُولى من ترجمتها إلى العربية عام 1967م(((. -فتحية حسن سليمان التي كتبت عن \"المذهب التربوي عند الغزالي\" ،و ُن ِشرت في دار الهنا بالقاهرة عام 1956م ،ثم كتبت عن \"المذهب التربوي عند ابن خلدون\"، و ُن ِشرت في مكتبة نهضة مصر بالقاهرة عام 1957م. -عبد الله عبد الدايم الذي نشر كتابه عن تاريخ التربية عام 1960م ،وض َّمنه باب ًا بعنوان \"التربية العربية\" ،تح َّدث فيه عن مؤسسات التعليم الإسلامي ومناهجه وأعلامه. -محمد أمين المصري في كتابه \"لمحات في وسائل التربية الإسلامية وغاياتها\"، الذي أصدرت طبعته الأُولى دار الفكر في دمشق ،من دون تاريخ ،ولع َّلها كانت في منتصف ستينيات القرن العشرين .والطبعة المتوافرة على عدد من المواقع الإلكترونية هي الطبعة الرابعة الصادرة عام 1978م. ونجد الآن كتابات كثيرة عن الفكر التربوي الإسلامي المعاصر ،أسهم في كثرتها التزايد المتواصل لعدد الجامعات وكليات التربية فيها ،وظهور عدد من المجلات العلمية الدورية المتخ ِّصصة في التربية والتعليم ،وبعضها في التعليم الإسلامي تحديد ًا ،وتأسيس جمعيات مهنية متخ ِّصصة في التربية والتعليم ،وتنظيم مؤتمرات عالمية وإقليمية ومحلية عن قضايا التربية الإسلامية والفكر التربوي الإسلامي ،إضاف ًة إلى حضور الفكر الإسلامي في معترك الحياة المعاصرة. ((( الأهواني ،أحمد فؤاد .التربية في الإسلام ،مع ملحق بكتاب \"الرسالة المفصلة لأحوال المعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين\" للقابسي ،وكتاب \"آداب المعلمين لابن سحنون\" ،القاهرة :دار المعارف1967 ،م. ((( شلبي ،أحمد .تاريخ التربية الإسلامية ،القاهرة :دار الكشاف للنشر والطباعة والتوزيع1954 ،م. 39
ولع َّل من الأحداث المهمة التي و َّلدت زخم ًا من الاهتمام بموضوع الفكر التربوي الإسلامي ،على سبيل المثال ،المؤتمر العالمي الأول للتعليم الإسلامي الذي ُع ِقد في مكة المكرمة ما بين 20-12ربيع الثاني عام 1397ﻫ /الموافق 31مارس 8 -إبريل 1977م، بإشراف جامعة الملك عبد العزيز ،وشارك فيه 313مف ِّكر ًا وعالِم ًا وباحث ًا من 40بلد ًا ،و ُق ِّدم فيه 150بحث ًا ،إلى جانب الدراسات التي ُأجريت عن حالة التعليم في البلدان الإسلامية المختلفة .وكان الجديد فيه اهتمام كبير بضرورة اعتماد معايير لتطوير التعليم الإسلامي المدرسي والجامعي سبيل ًا إلى إصلاح واقع المجتمعات الإسلامية .وانبثق عن المؤتمر تأسيس مركز عالمي للتعليم الإسلامي مق ُّره جامعة الملك عبد العزيز بجدة ،ومجلة دورية باللغة الإنجليزية عن التعليم الإسلامي مركزها في بريطانيا ،وتنظيم سلسلة من المؤتمرات المتخ ِّصصة اللاحقة .وقد صدرت أعمال هذا المؤتمر في ستة مجلدات باللغة العربية، بعد ترجمة المواد التي ُكتِبت بالإنجليزية ،وستة مجلدات مثلها باللغة الإنجليزية ،بعد ترجمة المواد التي ُكتِبت بالعربية (((.وتبع هذا المؤتمر أربعة مؤتمرات ُأخرىُ ،ع ِقدت في باكستان (1979م) ،وبنغلاديش (1981م) ،وإندونيسيا (1985م) ،والقاهرة (1987م)، وتخ َّصص كل مؤتمر منها في موضوع مح َّدد من موضوعات التربية الإسلامية .وقد ش َّكلت هذه المؤتمرات زخم ًا ملحوظ ًا في الاهتمام بالتو ُّجه الإسلامي في مجالات إصلاح التعليم، وإنشاء جامعات إسلامية في عدد من البلدان ،وتطوير برامج ومشروعات إسلامية المعرفة، والتأصيل الإسلامي للعلوم ،والتوجيه الإسلامي للعلوم ،وغير ذلك(((. ((( صدرت المجلدات الستة باللغة الإنجليزية بالتعا ُون بين جامعة الملك عبد العزيز بجدة ودار Hodder and Stoughtonللنشر البريطانية. ((( ق َّدم الدكتور سيد علي أشرف إلى مؤتمر \"نحو بناء نظرية تربوية إسلامية معاصرة\" في الأردن صيف 1990م، ورق ًة مف َّصل ًة عن تقويم أعمال المؤتمرات الخمسة وتوصياتها ،وما أحدثته من زخم فكري إصلاحي عام .انظر: - Ashraf, Sayed Ali. \"Islamic Education: Recommendations and Implementation of the Five Conferences on Islamic Education\". وقد ُن ِشرت الورقة بكاملها في أعمال المؤتمر .انظر: -ملكاوي ،فتحي حسن (مح ِّرر) .بحوث المؤتمر التربوي ،ع ّمان :المعهد العالمي للفكر الإسلامي وجمعية الدراسات والبحوث الإسلامية1990 ،م .المجلد الأول ،الجزء الإنجليزي ،ص.62-1 40
ونظر ًا لكثرة الكتابات الموجودة اليوم في الفكر التربوي الإسلامي ،وكثرة المؤ ِّلفين فيه؛ فقد لا يكون من الإنصاف وضع قائمة قد لا تستوعب الجميع .ومع ذلك ،سوف نشير إلى بعض الر ّواد الذين أسهموا في تنظيم هذه المؤتمرات ،وتوجيه َد َّفة الاهتمام بموضوعاتها عند الحديث عن أدبيات الفكر التربوي الإسلامي التي ُكتِبت بغير العربية. أ ّما هؤلاء الذين أسهموا في إغناء الميدان في كتاباتهم بالعربية على مدى يزيد على نصف القرن الماضي ،وكانت إسهاماتهم متم ِّيزة في حجم الكتابة التربوية ونوعها ،إضاف ًة إلى ممارستهم العمل التربوي في التعليم العام والتعليم الجامعي؛ فنجد من الإنصاف أ ْن نشير إلى أبرز اثنين منهم ،دون أ ْن نق ِّلل من شأن غيرهم((( : سعيد إسماعيل علي :هو أستاذ أصول التربية في جامعة عين شمس بمصر ،من مواليد القاهرة عام 1937م .وقد تخ َّرج على يديه مئات من الطلبة الذي أصبحوا أساتذة في جامعات كثي ٍر من البلدان ،وزاد إنتاجه الفكري (حتى الآن) عن مئة وعشرين كتاب ًا، يقع معظمها في دائرة الفكر التربوي الإسلامي .أسهم هذا الأستاذ في الكتابة والتأليف والممارسة في ميدان التعليم العام والتعليم الجامعي ،وأصدر مجلة \"دراسات تربوية\" ( 80جزء ًا) ،وسلسلة \"قضايا تربوية\" ( 13عدد ًا) ،والكتاب السنوي في التربية وعلم النفس ( 16مجلد ًا) ،فضل ًا عن مئات البحوث والمقالات في عدد من الدوريات العلمية والصحف الأسبوعية واليومية .ومن أبرز مؤ َّلفاته :موسوعة \"التط ُّور الحضاري للتربية الإسلامية\" في سبعة مجلدات ،وموسوعة \"التط ُّور الثقافي للتعليم في مصر\" في خمسة مجلدات ،وموسوعة \"أصول الفقه التربوي الإسلامي\" في أربعة مجلدات ،وغيرها. ماجد عرسان ربابعة الكيلاني :من مواليد الشجرة قرب الرمثا في الأردن عام 1932م ،عمل في التعليم العام والتعليم الجامعي ،وتوفي عام 2015م .تخ َّصص في دراسة التاريخ والتربية ،ودرس في جامعة القاهرة ،والجامعة الأردنية ،والجامعة الأمريكية في بيروت ،وجامعة بتسبرغ في ولاية بنسلفانيا الأمريكية .وقد مارس التعليم ((( لا شك في أ َّن معرفة المؤ ِّلف بهذين ال َعلم ْي ِن من أعلام الفكر التربوي الإسلامي المعاصر ،وصلته الشخصية بهما وتعامله معهما ،جعلته على ُألفة كافية بإسهاماتهما ،وبالتزامهما الواضح والصريح بضرورة الإصلاح التربوي الإسلامي وتف ُّرغهما له .و ِم ْن َث َّم ،فإ َّن اختياره لهما دون غيرهما ُي َع ُّد نوع ًا من \"التح ُّيز\" المبني على هذه المعرفة والصلة. 41
الجامعي في الأردن والسعودية والإمارات .من أعماله في الفكر التربوي\" :تط ُّور مفهوم النظرية التربوية الإسلامية\" ،و\"أهداف التربية الإسلامية\" ،و\"فلسفة التربية الإسلامية\"، و\"التربية والمستقبل في المجتمعات الإسلامية\" ،و\"مناهج التربية الإسلامية والمربون العاملون فيها\" .ومن أكثرها شهر ًة كتاب \"هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس\" ،الذي ُطبِعت منه مئات الآلاف من النسخ ،و ُتر ِجم إلى عدد من اللغات .وقد ب َّين فيه أ َّن ظاهرة \"صلاح الدين الأيوبي\" ليست ظاهرة بطولة فردية خارقة ،وإ َّنما هي نتيجة ُمق َّدرة لجهود الأُ َّمة في التجديد والإصلاح السياسي والفكري والتربوي ،وهو نموذ ٌج قابل للتكرار في كل العصور ،وب َّين كذلك أهمية فهم القوانين والسنن التاريخية و ُفرص تطبيقاتها المعاصرة في حياة الأُ َّمة. .2الكتابات التربوية بغير اللغة العربية: كان الحديث حتى الآن عن الفكر التربوي الإسلامي المكتوب باللغة العربية ،ولك َّن الأمانة تحتم علينا أ ْن نشير إلى جهود ُمق َّدرة ُب ِذلت في المجتمعات الإسلامية غير العربية لتطوير التربية الإسلامية والفكر التربوي الإسلامي ،ولا سيما في ماليزيا ،وإندونيسيا، والهند ،والباكستان ،وتركيا ،وإيران ،وفي مواطن الجاليات الإسلامية الكبيرة في أوروبا وأمريكا الشمالية .وقد ُكتِبت في هذه الجهود ،وعنها بلغات الشعوب الإسلامية واللغة الإنجليزية وغيرها من اللغات الأوروبية ،ماد ٌة يصعب حصرها ،ولم ُيتر َجم منها إلى اللغة العربية إلا القليل .وكان من بين ما ُتر ِجم بعض الأطروحات الجامعية التي ُأ ِع َّدت في الجامعة الأوروبية أو الأمريكية ،وأصبحت بعد نشر ترجماتها العربية جزء ًا من الكتابات العربية التي أشرنا إليها ،والميزة الأساسية لها أ َّنها ا َّتخذت منهج ًا بحثي ًا صارم ًا ،ور َّبما تض َّمن بعضها شيئ ًا من آراء المستشرقين. أ ّما مادة الفكر التربوي الإسلامي التي ُكتِبت بغير العربية فر َّبما ُنم ِّيز فيها بين فئات ِع َّدة ،منها: -ما كتبه مسلمون في المجتمعات الإسلامية غير العربية من منطلق الرؤية الإسلامية، بلغات الشعوب الإسلامية ،وكثي ٌر منه يعالج مسائل تربوية محلية تخت ُّص بإصلاح وضع التعليم الديني الإسلامي في المؤسسات التقليدية المس ّماة ،madrasaأو Darul Ulumفي القارة الهندية ،أو \"الحوزة\" في إيران ،أو \"مدارس إمام وخطيب\" 42
في تركيا؛ أو بمعالجة وضع التعليم الإسلامي في مجتمعات تحتوي على نسبة كبيرة من غير المسلمين كما في ماليزيا ،أو في مجتمعات الأقليات الإسلامية في تايلند والفلبين والصين وغيرها. -ما كتبه غير المسلمين باللغات الأوروبية ،ولا سيما الإنجليزية ،والفرنسية، والإسبانية ،والألمانية ،وهي لا شك مادة كبيرة .وقد ُكتِب بعضها في إطار البيان التاريخي للحضور الإسلامي في ميدان التعليم في فترات زمنية ومناطق جغرافية معينة ،وتأ َّثر بعض آخر بمناهج نقدية استشراقية .وهي لا تخلو من قيمة علمية ،وقد لا يخلو بعضها من فهم خطأ؛ نتيجة قصور ونقص في المعلومات ،أو تشويه مقصود. -ما كتبه مسلمون يقيمون في أوروبا أو شمال أمريكا باللغات الأوروبية من باب رؤيتهم الفكرية التي تع ِّرف بالفكر التربوي الإسلامي ،أو تدعو إلى إصلاحه ،أو تنتقد سياقاته التاريخية ،وتراه سبب ًا في تخ ُّلف المسلمين. -ما ُكتِب ليكون مادة تعليمية في مؤسسات التعليم الإسلامي العام والجامعي لخدمة الجاليات الإسلامية. -ما ُكتِب عن التعليم الإسلامي في مراكز البحث في أوروبا وأمريكا والصين وروسيا ،بحوافز فكرية وسياسية؛ لتعزيز التهم التي ُتو َّجه إلى مؤسسات هذا التعليم ومناهجه بأ َّنه ُين ّمي ميول التط ُّرف والعنف. -غير ذلك من الفئات التي يكشف عنها البحث والاستقصاء. وهذه الإشارات العابرة إلى كتابات الفكر التربوي الإسلامي باللغات غير العربية غير كافية لإعطاء الموضوع حقه من العناية والأهمية؛ لذا نقترح أ ْن تكون هذه الكتابات موضوع ًا لبحث علمي ،أو لمشروع بحثي يتض َّمن بحوث ًا ِع َّد ًة ،تسعى لحصر هذه الكتابات، وتوثيقها ،ودراسة مادتها ،وبيان أهميتها ،وخصائصها ،ومناهجها ،ونتائجها .و ِم ْن َث َّم توفير نتائج هذه البحوث باللغة العربية وغيرها من اللغات؛ لتحقيق نوع من التفا ُعل وتبادل الخبرات بين المهتمين بموضوع الفكر التربوي الإسلامي على مستوى الأُ َّمة(((. ((( لع َّل من المناسب التنويه بالمجلدات الستة لأعمال المؤتمر الأول للتعليم الإسلامي في مكة ،التي صدرت باللغة العربية عن جامعة الملك عبد العزيز بمدينة جدة ،وبالإنجليزية عن دار نشر Hodder and Stoughtonبلندن ،وأصبحت مراجع مهمة للتعريف بالاهتمام المتزايد بإصلاح التعليم من منظور إسلامي .وقد تض َّمنت هذه الأعمال تعريف ًا بعدد كبير من المف ِّكرين المسلمين المتخصصين ،أو المهتمين بالتربية في أقطار العالم الإسلامي وبلدان الجاليات الإسلامية خارجها. 43
ولإعطاء َلمحة عن أهمية ما ُيك َتب عن الفكر التربوي الإسلامي بغير العربية وبعض مصادره ،فإ َّننا سنشير إلى عدد من المجلات الدورية المتخ ِّصصة في التربية الإسلامية، تصدر في عدد من البلدان الإسلامية ،منها على سبيل المثال لا الحصر: -مجلة \"تربية :مجلة التربية في المجتمع المسلم\" التي تصدر باللغة الإنجليزية عن جامعة الشريف هداية الله الإسلامية الحكومية في جاكرتا ،بالتعا ُون مع علماء التربية الإسلامية Scholars of Islamic Educationفي إندونيسيا. - Tarbiya: Journal of Education in Muslim Society -مجلة \"التربية الإسلامية\" التي تصدر باللغة الإندونيسية عن الجامعة الإسلامية الحكومية في ولاية يوجيكارتا. )- Jurnal Pendidikan Islam (Islamic Educational Journal -مجلة \"التربية الإسلامية\" (مجلة عالمية فصلية رقمية) التي تنشر بحوثها بأ ٍّي من اللغات الماليزية ،أو الإنجليزية ،أو العربية ،وتصدر عن كلية التربية بجامعة مالايا الماليزية. )- Online journal of Islamic Education (O-jIE -مجلة \"التعليم الإسلامي والعربي\" التي تصدرها الجامعة الوطنية في ماليزيا ،وتنشر البحوث باللغات الماليزية ،والإنجليزية ،والعربية. - Journal of Islamic and Arabic Education -مجلة \"التربية الإسلامية\" ،وهي مجلة فصلية تصدر بالفارسية عن جامعة الإمام الحسين في إيران ،وملخصاتها باللغة الإنجليزية. - Journal of Islamic Education (Imam Hossein University). Iran -مجلة نصف فصلية في \"التربية الإسلامية\" ،يصدرها مركز بحوث الحوزة والجامعة باللغة الفارسية ،وملخصاتها باللغة الإنجليزية. -مجلة \"العلوم الدينية\" ،وهي مجلة فصلية تصدر باللغة التركية. - Dinî Arastirmalar وقد نشرت بحث ًا مهم ًا في المجلد رقم ،9العدد 2006 ،25م ،بعنوان \"تط ُّور خبرة التعليم الديني ،ونظرة إلى التعليم الديني المعاصر في تركيا\". 44
-فصلية \"التربية الإسلامية\" التي تصدرها الأكاديمية الإسلامية بكامبردج في بريطانيا باللغة الإنجليزية. - Muslim Education Quarterly ونكتفي بهذه الأمثلة على المجلات المتخ ِّصصة بالتربية والتعليم الإسلامي خارج البلاد العربية؛ فعددها كبير ،وق َّلما يخلو بل ٌد من مجلة واحدة ،أو عدد من المجلات من هذا النوع ،وبخاصة في الربع الأخير من القرن العشرين وما بعده ،حيث ظهرت الجامعات الإسلامية في عدد من البلدان. وبالإضافة إلى ما ُين َشر في مثل هذه المجلات العلمية من بحوث عن التربية الإسلامية ،فإن َّكثير ًا من البحوث التي تخت ُّص بالتربية الإسلامية ُتن َشر في مجلات ُأخرى لا تحمل عنوان \"التربية الإسلامية\" ،ومن ذلك على سبيل المثال: -مجلة \"الدراسات الإسلامية\" التي يصدرها مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية بجامعة أكسفورد في بريطانيا. - Journal of Islamic Studies -مجلة \"الدراسات العربية والإسلامية\" التي تصدرها جامعة بيرغن في النرويج. - Journal of Arabic and Islamic Studies -مجلة \"البحوث الإسلامية\" التي تصدرها الجامعة الإسلامية بروتردام في هولندا باللغات الهولندية ،والتركية ،والإنجليزية. - Journal of Islamic Research -مجلة \"الدراسات الإسلامية\" التي تصدر عن معهد البحوث الإسلامية بالجامعة الإسلامية العالمية في إسلام أباد في الباكستان. - Journal of Islamic Studies \" -المجلة الأمريكية للعلوم الاجتماعية الإسلامية\" التي يصدرها المعهد العالمي للفكر الإسلامي في هيرندن (فيرجينيا) في الولايات المتحدة الأمريكية. - The American Journal of Islamic Social Sciences. 45
-مجلة أكاديمية فصلية تهتم بالعلوم البينية تصدر باللغة التركية بعنوان\" :وقف أرضروم للثقافة والتعليم\". - EKEV Academy Journal وقد نشرت بحث ًا مهم ًا في المجلد رقم ،10العدد ،26ربيع 2006م ،بعنوان \"بعض الأفكار الخاصة بسياسات التعليم الديني في تركيا\". ور َّبما يستحق وضع التعليم الإسلامي في البلدان الأوروبية وفي أمريكا الشمالية بعض الاهتمام؛ ف َث َّمة فك ٌر تربوي إسلامي ينمو بصورة تتوازن فيه تو ُّجهات التراث التربوي مع خبرات التعليم المعاصر ،وتتكامل فيه عناصر الحضور الفاعل للهوية الإسلامية والمواطنة الفاعلة في المجتمع الأوروبي والأمريكي (((.ففي أمريكا الشمالية زاد عدد المدارس الإسلامية عن 250مدرسة ،إضاف ًة إلى مدارس يصعب حصرها من نوع مدارس نهاية الأسبوع ،والمدارس المسائية ،والتعليم المنزلي .homeschooling وتأ َّسس لخدمة التعليم الإسلامي في هذه المدارس عد ٌد من المجالس والروابط والتجمعات المتخ ِّصصة في التربية والتعليم الإسلامي ،والتعليم عن الإسلام في الولايات المتحدة وكندا ،منها :مجلس التعليم الإسلامي في أمريكا الشمالية (((،ورابطة المدارس الإسلامية في أمريكا (((،وبعضها امتداد لـ\"دور العلوم\" المعروفة في الهند والباكستان .ومنها ما هو مؤسسات محلية في المدن الأمريكية الكبرى ،ومنها كذلك مؤسسات متخ ِّصصة في الترويج لاتجاهاتها الفكرية والدينية والمذهبية .وقد جاءت نشأة بعض هذه المؤسسات من جهود المهاجرين من البلاد الإسلامية ،وبعضها الآخر من جهود المسلمين الأمريكيين ،ولا سيما ذوي الأصول الإفريقية (((.و ُأن ِشئت لخدمة هذه المدارس مؤسسات إنتاج مناهج وكتب ومواد دراسية كثيرة ،و ُن ِشر كثير من البحوث والدراسات الخاصة بالتعليم الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية. ((( مع فارق ملحوظ في نوعية الحضور الإسلامي بين البيئتين الأوروبية والأمريكية .فمعظم المسلمين في أوروبا دون المتوسط الاقتصادي والتعليمي ،في حين أ َّن معظم المسلمين في أمريكا هم فوق المتوسط في المعايير الاقتصادية والتعليمية. (2) Council of Islamic Schools in North America- CISNA (3) Islamic Schools League of America- ISLA (4) Afro-American Muslims especially those affiliated with Nation of Islam communities headed by Louis Farrakhan. 46
وللإشارة إلى الحجم والتن ُّوع في البحوث والدراسات التي ُن ِشرت عن قضايا التعليم الإسلامي في أمريكا الشمالية ،نذكر هنا بعض الأمثلة ،مع التنويه بمراجع ك ٍّل منها: - Berglund, Jenny. Publicly Funded Islamic Education in Europe and the United States, Brookings Project on U.S. Relations with the Islamic World, Analysis paper no. 21 April 2015 (52 pages - Grewal, Zarena and Coolidge, David. Islamic Education in the United States: Debates, Practices and Institutions. In Hammer, Juliane and Safi, Omid. Cambridge Companion to American Islam, Chapter 14, pp 246-265. Cambridge University Press 2013. - Keyworth, Karen. Islamic Schools of United States: Data-Base Profiles. )Washington: Institute for Social Policy and Understanding (ISPU Report, May 2011. - Malkawi, Fathi. The Future of Muslim Education in the United States: An Agenda for Research, American Journal of Islamic Social Sciences, vol. 20, issue 3&4, 2004, pp. 46-82. وإذا كانت جهود \"التعليم الإسلامي\" تتو َّجه أساس ًا إلى أبناء المسلمين ،فإ َّن َث َّمة أهمي ًة كبرى لجهود \"التعليم عن الإسلام\" .ففي بعض المجتمعات غير الإسلامية يأتي الحديث عن الأديان في التعليم المدرسي في سياق دراسة التاريخ والدراسات الاجتماعية .وسنجد الكتب المدرسية تتح َّدث عن الإسلام والمسلمين بصورة غير موضوعية؛ إ ّما لجهل المؤ ِّلفين بالحقيقة ،وإ ّما بتشويه مقصود ،ولا يكون وضع ال ُمد ِّرسين أحسن حالاً .وقد واجه التلاميذ المسلمون وأولياء أمورهم مثل هذه الحالات ،وتطوعوا بتقديم البيانات المناسبة لتصحيح هذه الصور المشوهة .وقد وجد هذا التصحيح ترحيب ًا من ال ُمع ِّلمين والإدارات التعليمية؛ ما ش َّجع المعهد العالمي للفكر الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية على القيام بمشروع مراجعة الكتب المدرسية في الدراسات الاجتماعية Social ،Studiesوالكشف عن مواقع النقص أو الخطأ في المعلومات التي تخت ُّص بالإسلام والمسلمين ،وعمل دليل يق ِّدم لل ُمد ِّرسين التصحي َح والإضافة اللازمة .وقد صدرت أدلة 47
بهذه المراجعات في سبعة مجلدات ،تم تسويقها في المدارس الأمريكية ،ون َّظم المعهد لل ُمد ِّرسين دورات توعية للاستفادة منها(((. وفي السياق نفسه تتزايد الدعوات لاستهداف غير المسلمين بالتعليم عن الإسلام في مجتمعات الأقليات الإسلامية .فقد اهتم بعض صنّاع القرار التربوي وبعض الباحثين وبعض المؤسسات بتعميق هذا المعنى في كتاباتهم وممارساتهم .ومثال ذلك ما نشرته \"المجلة العالمية للتعليم والبحوث\" ،التي تصدر في أستراليا ،من دراسة لباحث ماليزي يتح َّدث ع ّما يس ّميه التوجيه الاستراتيجي للتربية الإسلامية ،بهدف تطوير هذه التربية؛ لتهتم بما َيلزم بناء الإنسان الفاضل في نظا ٍم للحياة يح ِّقق اعتقاد المسلمين بأ َّن الإسلام، والتربية على أساس الإسلام ،هما \"رحمة للعالمين\" ،وليس للمسلمين فحسب(((. والاستراتيجية التي يقترحها الباحث تتط َّلب تطوير التعليم الإسلامي ليعاد بناؤه على أسس الإسلام الفلسفية والمعرفية ،التي تصبغ النظام والإدارة وممارسات عملية التعليم والتع ُّلم والبحث ،و ِم ْن َث َّم ليح ِّقق رسالته بجهود ومسا ٍع إبداعية تضع التربية الإسلامية ومخرجاتها في مكانة الريادة والقيادة ،وتتخلص من التقليد والقياس بمقاييس الآخرين ومنافستهم؛ لتفتح موقع ًا جاذب ًا لجهود الإصلاح في العا َلم الغربي نفسه. - Sahin, Abdullah. New Directions in Islamic Education: Pedagogy and Identity Formation, Kube Publishing Ltd, May, 2015 رابع ًا :موقع الفكر التربوي الإسلامي في جهود النهوض الحضاري لل ُأ َّمة: كان إصلاح التعليم التربوي مطلب ًا أساسي ًا لتحقيق النهوض الحضاري للشعوب الإسلامية ،بوصفه مفتاح الإصلاح والتغيير في سائر المجالات الأُخرى .وكانت مطالب الإصلاح تتجه إلى ناحيتين؛ الأُولى :تحديث مناهج وطرق تدريس العلوم الإسلامية في (1) Douglas, Susan. Muslims in our Community and Around the World: A Supplementary Social Studies. Herndon VA: International Institute of Islamic Thought and Dubuque, Iowa: Kendall/ Hunt Publication Co. 1995. (Seven Manuals were published in the series )each with special title. (2) Salleh, Muhammad Syukri. \"Strateginzing Islamic Education\", International Journal of Education and Research, Vol 1, No. 6, June 2013, pp. 1-14. 48
مؤسسات التعليم الإسلامي التقليدية؛ في :الأزهر ،والزيتونة ،والقرويين ،وغيرها من المؤسسات الأُخرى في تركيا وإيران والهند .والناحية الثانية :الدعوة إلى إضافة مواد تعليمية جديدة إلى مناهج التعليم التقليدية؛ لأ َّن دعاة هذا الاتجاه يرون أ َّن المواد العلمية الحديثة (المدنية ،والعملية ،والتطبيقية) هي التي م َّكنت الشعوب الأُخرى من تحقيق الق َّوة والازدهار والتف ُّوق الصناعي والحضاري .ومن المألوف أ ْن نتذ َّكر من الدعاة إلى هذين الاتجاهين ك ّ ًل من :جمال الدين الأفغاني ،ومحمد عبده ،وشكيب أرسلان ،وعبد الرحمن الكواكبي ،ومحمد رشيد رضا ،وحسن البنا ،وأبو الأعلى المودودي ،وأبو الحسن الندوي، وعبد الحميد بن باديس ،والبشير الإبراهيمي ،ومحمد الطاهر بن عاشور ،وغيرهم(((. وفي النصف الثاني من القرن العشرين أصبحت دعوات الإصلاح التربوي تتجاوز ذلك إلى ضرورة تفعيل حضور التفكير الإسلامي في عرض وتدريس سائر مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية والطبيعية؛ لجعل الرؤية الإسلامية إلى العا َلم((( هي التي تحكم الفلسفات والنظريات والممارسات ال ُمو ِّجهة لهذه العلوم؛ ذلك أ َّن تعميم التعليم الحديث الذي ُن ِقلت أنظمته وفلسفاته ونظرياته من الغرب ،أحدث انفصام ًا نكد ًا في شخصية الإنسان المسلم عقل ًا ونفس ًا ،وفي بنية المجتمع المسلم نتيجة الاختلاف فيما تق ِّدمه مواد التربية والعلوم الإسلامية من جهة ،وما تق ِّدمه مناهج المواد الدراسية والعلوم الاجتماعية والطبيعية من جهة ُأخرى ،ولا سيما أ َّن الواقع التعليمي ر َّسخ هذه الازدواجية في التفكير ،حتى في المؤسسة الواحدة ،فنجد في الجامعة الواحدة كلي ًة بمس ّمى إسلامي، مثل :كلية الشريعة ،أو العلوم الإسلامية ،أو العلوم الشرعية ،أو الدراسات الإسلامية، إلى جانب كليات بمس ّميات ُأخرى لا دخل للفكر الإسلامي فيها ،مثل :كليات الآداب، والإدارة ،والاقتصاد ،والعلوم ،والطب ،والهندسة ،وغيرها. ((( أجد من الضروري في هذا المقام الإشارة إلى أهمية ما دعا إليه محمد الطاهر بن عاشور منذ بداية القرن العشرين الميلادي، وما مارسه عملي ًا في مجال إصلاح التعليم الإسلامي .ويظهر ذلك في واحد من أهم كتبه في هذا المجال .انظر: -ابن عاشور ،محمد الطاهر .أليس الصبح بقريب؟ التعليم العربي الإسلامي :دراسة تاريخية وآراء إصلاحية، تونس والقاهرة :دار سحنون ودار السلام ،ط2007 ،2م .وانظر كذلك جهود الإصلاح الفكري العام الذي قام به ابن عاشور في: -ملكاوي ،فتحي حسن (مح ِّرر) .الشيخ محمد الطاهر بن عاشور وقضايا الإصلاح والتجديد في الفكر الإسلامي المعاصر :رؤية معرفية ومنهجية ،هيرندن ،فيرجينيا :المعهد العالمي للفكر الإسلامي2011 ،م. (2) Islamic Worldview. 49
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152
- 153
- 154
- 155
- 156
- 157
- 158
- 159
- 160
- 161
- 162
- 163
- 164
- 165
- 166
- 167
- 168
- 169
- 170
- 171
- 172
- 173
- 174
- 175
- 176
- 177
- 178
- 179
- 180
- 181
- 182
- 183
- 184
- 185
- 186
- 187
- 188
- 189
- 190
- 191
- 192
- 193
- 194
- 195
- 196
- 197
- 198
- 199
- 200
- 201
- 202
- 203
- 204
- 205
- 206
- 207
- 208
- 209
- 210
- 211
- 212
- 213
- 214
- 215
- 216
- 217
- 218
- 219
- 220
- 221
- 222
- 223
- 224
- 225
- 226
- 227
- 228
- 229
- 230
- 231
- 232
- 233
- 234
- 235
- 236
- 237
- 238
- 239
- 240
- 241
- 242
- 243
- 244
- 245
- 246
- 247
- 248
- 249
- 250
- 251
- 252
- 253
- 254
- 255
- 256
- 257
- 258
- 259
- 260
- 261
- 262
- 263
- 264
- 265
- 266
- 267
- 268
- 269
- 270
- 271
- 272
- 273
- 274
- 275
- 276
- 277
- 278
- 279
- 280
- 281
- 282
- 283
- 284
- 285
- 286
- 287
- 288
- 289
- 290
- 291
- 292
- 293
- 294
- 295
- 296
- 297
- 298
- 299
- 300
- 301
- 302
- 303
- 304
- 305
- 306
- 307
- 308
- 309
- 310
- 311
- 312
- 313
- 314
- 315
- 316
- 317
- 318
- 319
- 320
- 321
- 322
- 323
- 324
- 325
- 326
- 327
- 328
- 329
- 330
- 331
- 332
- 333
- 334
- 335
- 336
- 337
- 338
- 339
- 340
- 341
- 342
- 343
- 344
- 345
- 346
- 347
- 348
- 349
- 350
- 351
- 352
- 353
- 354
- 355
- 356
- 357
- 358
- 359
- 360
- 361
- 362
- 363
- 364
- 365
- 366
- 367
- 368
- 369
- 370
- 371
- 372
- 373
- 374
- 375
- 376
- 377
- 378
- 379
- 380
- 381
- 382
- 383
- 384
- 385
- 386
- 387
- 388
- 389
- 390
- 391
- 392
- 393
- 394
- 395
- 396
- 397
- 398
- 399
- 400
- 401
- 402
- 403
- 404
- 405
- 406
- 407
- 408
- 409
- 410
- 411
- 412
- 413
- 414
- 415
- 416
- 417
- 418
- 419
- 420
- 421
- 422
- 423
- 424
- 425
- 426
- 427
- 428
- 429
- 430
- 431
- 432
- 433
- 434
- 435
- 436
- 437
- 438
- 439
- 440
- 441
- 442
- 443
- 444
- 445
- 446
- 447
- 448
- 449
- 450
- 451
- 452
- 453
- 454
- 455
- 456
- 457
- 458
- 459
- 460
- 461
- 462
- 463
- 464
- 465
- 466
- 467
- 468
- 469
- 470
- 471
- 472
- 473
- 474
- 475
- 476
- 477
- 478
- 479
- 480
- 481
- 482
- 483
- 484
- 485
- 486
- 487
- 488
- 489
- 490
- 491
- 492
- 493
- 494
- 495
- 496
- 497
- 498
- 499
- 500
- 501
- 502
- 503
- 504
- 505
- 506
- 507
- 508
- 509
- 510
- 511
- 512
- 513
- 514
- 515
- 516
- 517
- 518
- 519
- 520
- 521
- 522
- 523
- 524
- 525
- 526
- 527
- 528
- 529
- 530
- 531
- 532
- 533
- 534
- 535
- 536
- 537
- 538
- 539
- 540
- 541
- 542
- 543
- 544
- 545
- 546
- 547
- 548
- 549
- 550
- 551
- 552
- 553
- 554
- 555
- 556
- 557
- 558
- 559
- 560
- 561
- 562
- 563
- 564
- 565
- 566
- 567
- 568
- 569
- 570
- 571
- 572
- 573
- 574
- 575
- 576
- 577
- 578
- 579
- 580
- 581
- 582
- 583
- 584
- 585
- 586
- 587
- 588
- 589
- 590
- 591
- 592
- 593
- 594
- 595
- 596
- 597
- 598
- 599
- 600
- 601
- 602
- 603
- 604
- 605
- 606
- 607
- 608
- 609
- 610
- 611
- 612
- 613
- 614
- 615
- 616
- 617
- 618
- 619
- 620
- 621
- 622
- 623
- 624
- 625
- 626
- 627
- 628
- 629
- 630
- 631
- 632
- 633
- 634
- 635
- 636
- 637
- 638
- 639
- 640
- 641
- 642
- 643
- 644
- 645
- 646
- 647
- 648
- 649
- 650
- 651
- 652
- 653
- 654
- 655
- 656
- 657
- 658
- 659
- 660
- 661
- 662
- 663
- 664
- 665
- 666
- 1 - 50
- 51 - 100
- 101 - 150
- 151 - 200
- 201 - 250
- 251 - 300
- 301 - 350
- 351 - 400
- 401 - 450
- 451 - 500
- 501 - 550
- 551 - 600
- 601 - 650
- 651 - 666
Pages: