Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore الفكر التربوي الاسلامي- ملكاوي

الفكر التربوي الاسلامي- ملكاوي

Published by آيه الشوابكه, 2021-04-03 00:56:36

Description: الفكر التربوي الاسلامي- ملكاوي

Search

Read the Text Version

‫© المعهـد العالمـي للفكـرالإسـامي ‪ -‬هرنـدن ‪ -‬فرجينيـا ‪ -‬الولايـات المتحـدة الأمريكيـة‬ ‫الطبعـة الأولـى ‪1442‬ﻫ‪2020 /‬م‬ ‫الفكـرالتربـوي الإسـامي المعاصـر؛ مفاهيمـه ومصـادره وخصائصـه وسـبل إصلاحـه‬ ‫تأليـف‪ :‬فتحـي حسـن ملـكاوي‬ ‫‪ -2‬التـراث التربـوي الإسـامي‬ ‫موضــــوع الكتـــاب‪ -1 :‬الفكـرالتربـوي الإسـامي ‬ ‫‪ -4‬الإصـاح التربـوي‬ ‫‪ -3‬المقاصـد التربويـة ‬ ‫ ‬ ‫‪ -6‬الفكـرالإسـامي المعاصـر‬ ‫‪ -5‬دراسـات تربوية ‬ ‫ ‬ ‫ردمـك (‪978-1-56564-828-9 :)ISBN‬‬ ‫المملكـة الأردنيـة الهاشـمية‬ ‫رقـم الإيـداع لـدى دائـرة المكتبـة الوطنيـة (‪)2019/12/6404‬‬ ‫جميـع الحقـوق محفوظـة للمعهـد العالمـي للفكـرالإسـامي‪ ،‬ولا يسـمح بإعـادة إصـدارهـذا‬ ‫الكتـاب‪ ،‬أوجـزء منـه‪ ،‬أونقلـه بـأي شـكل أوواسـطة مـن وسـائط نقـل المعلومـات‪ ،‬سـواء‬ ‫أكانـت إلكترونيـة أوميكانيكيـة‪ ،‬بمـا فـي ذلـك النسـخ أوالتسـجيل أوالتخزيـن والاسـترجاع‪،‬‬ ‫دون إذن خطـي مسـبق مـن المعهـد‪.‬‬ ‫ُانلآشـرارءبالـدوعـارمدةمـفـنيوهـزاذارةالالكثتـاقابفـ لةا‪ُ ،‬تعع ّبّـمـرابانل‪ /‬اضلـأررودرنة عـن وجهـة نظـرالجهـة الداعمـة‬ ‫المعهـد العالمـي للفكـرالإسـامي‬ ‫الـمركزالرئيسـي ‪ -‬الولايـات الـمتحـدة الأمـريكيــــــة‬ ‫‪The International Institute of Islamic Thought‬‬ ‫‪P. O. Box: 669, Herndon, VA 20172 - USA‬‬ ‫‪Tel: (1-703) 471 1133, Fax: (1-703) 471 3922‬‬ ‫‪www.iiit.org/ [email protected]‬‬ ‫مكتـب الأردن ‪ -‬عمـان‬ ‫ص‪.‬ب ‪ 9489‬الرمـزالبريـدي ‪11191‬‬ ‫هاتـف‪ +96264611421 :‬فاكـس‪+96264611420 :‬‬ ‫‪www.iiitjordan.org‬‬ ‫ﺍﻟﻜﺘــﺐ�ﻭﺍﻟﺪﺭﺍﺳـﺎﺕ�ﺍﻟﺘــﻲ�ﻳﺼـــﺪﺭهﺎ�ﺍﻟـﻤﻌهــﺪ�ﻻ��ﻌ ّﺒــﺮ‬ ‫تصميم‪:‬‬ ‫ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ�ﻋﻦ�ﺭﺃﻳﻪ�ﻭﺇﻧﻤﺎ�ﻋﻦ�ﺁﺭﺍﺀ ﻣﺆﻟﻔ��ﺎ�ﻭﺍﺟ��ﺎﺩﺍ��ﻢ‬ ‫الأردن ‪ -‬ع ّمـان ‪+96265658787‬‬





‫المحتويات‬ ‫المقدمـة‪٩.........................................................................‬‬ ‫الفصل الأول‬ ‫مفهوم \"الفكر التربوي\" وتط ُّوره وفلسفاته‪ ،‬وموقع الفكر التربوي الإسلامي ‪١٩‬‬ ‫المبحث الأول‪ :‬مفهوم \"الفكر التربوي\" والمفاهيم ذات الصلة ‪٢٠‬‬ ‫المبجث الثاني‪ :‬تط ُّور الفكر التربوي في الحضارات البشرية والمجتمع المعاصر ‪٥٣‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬فلسفات تربوية معاصرة ومرجعياتها الغربية ‪١١١‬‬ ‫الفصل الثاني‬ ‫التراث التربوي الإسلامي ‪١٣٣‬‬ ‫المبحث الأول‪ :‬مفهوم \"التراث\" وتط ُّور موضوعاته ومؤسساته ‪١٣٦‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬بعض معالم التط ُّور في التراث التربوي الإسلامي ‪١٥٠‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬أعلام التراث التربوي ومصنَّفاته ومدارسه ‪١٧٧‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬أدبيات التراث التربوي الإسلامي في الكتابات المعاصرة ‪١٩٧‬‬ ‫الفصل الثالث‬ ‫مصادر الفكر التربوي الإسلامي المعاصر ‪٢١٣‬‬ ‫المبحث الأول‪ :‬القرآن الكريم مصدر ًا للفكر التربوي ‪٢١٧‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬ال ُّسنة النبوية مصدر ًا للفكر التربوي ‪٢٤٦‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬التراث التربوي الإسلامي مصدر ًا للفكر التربوي الإسلامي المعاصر ‪٢٦٢‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬الخبرة التربوية المعاصرة مصدر ًا للفكر التربوي الإسلامي المعاصر ‪٢٧٦‬‬ ‫الفصل الرابع‬ ‫مقاصد الفكر التربوي الإسلامي ‪٢٩٣‬‬ ‫المبحث الأول‪ :‬مفهوم \"المقاصد التربوية\" وصلتها بالأهداف التربوية ‪٢٩٦‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬مرجعية المقاصد والأهداف التربوية ‪٣٠١‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬تصنيف المقاصد التربوية ‪٣٠٧‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬المقاصد القرآنية العليا وتج ِّلياتها التربوية ‪٣٢٤‬‬ ‫المبحث الخامس‪ :‬تفعيل المقاصد التربوية وتقويمها ‪٣٤٢‬‬ ‫الفصل الخامس‬ ‫موضوعات الفكر التربوي ‪٣٦٥‬‬ ‫المبحث الأول‪ :‬حوار الفكر والعلم في الموضوعات التربوية ‪٣٦٨‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬خريطة موضوعات المحتوى التربوي ‪٣٧٣‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬علوم التربية وموضوعاتها في الرؤية الإسلامية ‪٣٨٦‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬القيم في علوم التربية ‪٣٩٨‬‬ ‫الفصل السادس‬ ‫خصائص الفكر التربوي الإسلامي ‪٤٢٠‬‬ ‫المبحث الأول‪ :‬خاصية التكا ُمل والتوا ُزن في الفكر التربوي الإسلامي ‪٤٢٣‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬خاصية الواقعية في الفكر التربوي الإسلامي ‪٤٦٣‬‬ ‫المبحث الثالث‪َ :‬سعة الفكر التربوي الإسلامي وامتداداته ‪٤٧٤‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬تج ِّليات التكا ُمل والتوا ُزن في الفكر التربوي الإسلامي ‪٤٨٧‬‬ ‫الفصل السابع‬ ‫واقع الفكر التربوي الإسلامي و ُسبل إصلاحه ‪٥٠١‬‬ ‫المبحث الأول‪ :‬وصف إجمالي لواقع الفكر التربوي الإسلامي وسياقه التاريخي والمعاصر ‪٥٠٥‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬المرجعية في الفكر التربوي المعاصر ‪٥٢٩‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬الوعي بقضية الإصلاح التربوي ومسؤوليات الأوساط التربوية ‪٥٦٤‬‬ ‫الخاتمة ‪٦٠١.....................................................................‬‬ ‫المراجع‪٦٠٩......................................................................‬‬ ‫الك ّشاف‪٦٤٧.....................................................................‬‬

‫المقدمة‬ ‫نشأت فكرة تأليف هذا الكتاب في \"الفكر التربوي الإسلامي\" منذ وقت مب ِّكر‬ ‫من خبرة المؤ ِّلف في التدريس الجامعي في برامج الدراسات العليا؛ إذ كان ُيط َلب إليه‬ ‫أ ْن يد ِّرس مادة بهذا العنوان‪ ،‬فيجد وصف المادة المقررة وسائر المراجع والقراءات‬ ‫المقترحة يتح َّدد في تاريخ هذا الفكر الذي أصبح تراث ًا‪ .‬ومع أهمية الحديث عن \"التراث‬ ‫التربوي الإسلامي\" الذي يصلح أ ْن يكون مادة مستقلة‪ ،‬فقد كنّا نطمع أ ْن نجد ما يصلح أ ْن‬ ‫يكون تفصيل ًا في \"الفكر التربوي الإسلامي المعاصر\"‪ ،‬أو يتح َّدث عن واقع هذا الفكر في‬ ‫المجتمعات الإسلامية‪ ،‬والجهد اللازم بذله فيه لبناء مستقبل هذا المجتمعات‪ .‬وهذه هي‬ ‫الإشكالية التي حاول هذا الكتاب أن يعالجها‪.‬‬ ‫وعندما شرعنا في التخطيط لتأليف هذا الكتاب‪ ،‬راجعنا عدد ًا كبير ًا من الكتابات‬ ‫المتاحة باللغتين العربية والإنجليزية‪ ،‬فلاحظنا حديث ًا جيد ًا عن التربية في القرآن الكريم‬ ‫وال ُّسنة النبوية‪ ،‬يدور معظمها حول فضل العلم والعلماء والح ِّث على التع ُّلم والتعليم‪،‬‬ ‫لك َّن القسم الأكبر من المادة كان حديث ًا عن التعليم كما كتبه العلماء المسلمون‪ ،‬أو ما كتبه‬ ‫واحد منهم‪ ،‬أو مارسته المذاهب الفقهية أو الكلامية الإسلامية‪ ،‬أو كان موجود ًا في إحدى‬ ‫مراحل التاريخ الإسلامي من مؤسسات تعليمية‪ ،‬أو في قطر من أقطار العا َلم الإسلامي في‬ ‫زمن مضى؛ فق َّررنا أ ْن يتض َّمن الكتاب فصل ًا وافي ًا عن التراث التربوي الإسلامي يستجيب‬ ‫لشيء من هذه العناية الفائقة بهذا التراث‪.‬‬ ‫وقد اخترنا أ ْن نبدأ بكتابة الفصل المخ َّصص للتراث؛ ليكون التراث في الحسبان‬ ‫عندما نكتب الفصول الأُخرى‪ ،‬واجتهدنا أ ْن ُن ِل َّم بكل ما نستطيع الإلمام به من الكتابات‬ ‫في موضوعات التراث‪ ،‬واستغرق العمل في ذلك سنتين‪ ،‬فكان أ ْن تح َّولت مادة الفصل‬ ‫إلى موسوعة من ثلاثة كتب‪ ،‬بلغ مجموع صفحاتها ألف ًا وستمئة وثماني ًا وأربعين صفحة‪،‬‬ ‫وصدرت في مطلع عام ‪2018‬م بالعناوين الآتية‪:‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪ -‬التراث التربوي الإسلامي‪ :‬حالة البحث فيه‪ ،‬ولمحات من تط ُّوره‪ ،‬وقطوف من‬ ‫نصوصه ومدارسه‪.‬‬ ‫‪ -‬نصوص من التراث التربوي الإسلامي‪.‬‬ ‫‪ -‬مشروعات بحثية في التراث التربوي الإسلامي‪.‬‬ ‫وحرصنا أ ْن نق ِّدم في هذه الكتب مادة منهجية‪/‬مرجعية في الفكر التربوي الإسلامي في‬ ‫سياقه التاريخي‪ ،‬تتض َّمن ال ُب ْعد الوصفي لهذا الفكر الذي ساد في مراحل التاريخ الإسلامي‪،‬‬ ‫وأصبح تراث ًا‪ ،‬وكان له ‪ -‬ولا يزال‪ -‬موقعه ومرجعياته ومشكلاته‪ .‬وبالإضافة إلى هذا ال ُب ْعد‬ ‫الوصفي‪ ،‬فقد حرصنا أ ْن يتض َّمن الحديث عن التراث ُب ْعد ًا تحليلي ًا نقدي ًا ضمن مرجعية‬ ‫المقاصد التي جاء بها الإسلام كما نفهم نصوصها اليوم في القرآن الكريم وال ُّسنة النبوية‪.‬‬ ‫أ ّما هذا الكتاب فقد اجتهدنا أ ْن تتض َّمن فصوله ما يمكن أ ْن يكون فكر ًا تربوي ًا في‬ ‫المجتمعات الإسلامية المعاصرة كما هو في واقعه المعيش‪ ،‬وكما ينبغي أ ْن تتو َّجه إليه‬ ‫جهود الإصلاح‪ ،‬فأصبح موضوع الكتاب يتناول مفهوم \"الفكر التربوي الإسلامي\"‬ ‫وتط ُّوره وأهميته في حياتنا؛ تاريخ ًا‪ ،‬وحاضر ًا‪ ،‬ومستقبل ًا‪ ،‬مع تعريف موجز بمصادر هذا‬ ‫الفكر ومقاصده وموضوعاته وخصائصه؛ ويستشرف الجهود اللازمة لبناء فكر تربوي‬ ‫إسلامي معاصر‪ ،‬يكون إسهام ًا إسلامي ًا مفيد ًا في تطوير الخبرة البشرية‪ ،‬ويؤ ِّكد قدرة العقل‬ ‫المسلم على مواصلة العطاء الفكري والحضاري‪.‬‬ ‫ومع أ َّن الكتاب ينحو منحى أكاديمي ًا في تناول موضوعاته‪ ،‬فإ َّن الواقع المعاصر‬ ‫لل ُأ َّمة الإسلامية سيكون في بؤرة الاهتمام؛ لتحديد ُسبل النهوض بهذا الواقع باتجاه بناء‬ ‫الهوية الحضارية المتميزة للفرد والمجتمع والأُ َّمة‪ ،‬ولتقديم نموذج يمكن للإسلام أ ْن‬ ‫يسهم به في ترشيد الحضارة الإنسانية المعاصرة‪ .‬لكن المنحى الأكاديمي الذي نشير‬ ‫إليه ربما يختلف عما ألفناه من تفاصيل شكلية‪ ،‬تتطلبها بحوث الأطروحات الجامعية‬ ‫وبحوث الدوريات العلمية‪ ،‬التي تقتضي إبراز عناوين محددة لمشكلة البحث‪ ،‬وفرضياته‪،‬‬ ‫والتعريف بمصطلحاته‪ ،‬وأهميته‪ ،‬ومنهجيته والبحوث السابقة في موضوعه‪ .‬إذ جاءت هذه‬ ‫العناصر مبثوثة حيثما دعت الحاجة إليها في فصول الكتاب ومباحث كل فصل‪ .‬وكان‬ ‫‪10‬‬

‫يقتضي الأمر أحيان ًا الإحالة إلى بعض المواقع الإلكترونية على الشابكة‪ ،‬وقد رجعنا إلى‬ ‫هذه المواقع في أوقات مختلفة أثناء سن َت ْي تأليف هذا الكتاب‪ ،‬لكننا تأكدنا من روابط‬ ‫هذه المواقع في المراجعة الأخيرة للكتاب في الأيام ‪ 8-4‬كانون أول (ديسمبر ‪،)2019‬‬ ‫لنستغني على ذكر وقت الاسترجاع في كل هامش‪.‬‬ ‫يتك َّون الكتاب من سبعة فصول‪ .‬تح َّدث الفصل الأول عن \"الفكر التربوي مفهوم ًا‬ ‫ومصطلح ًا\" وصلته بالمفاهيم والعبارات والمصطلحات ذات الصلة المباشرة به‪ ،‬وما يلحق‬ ‫به‪ ،‬أو يتصف به‪ ،‬أو يضاف إليه من ألفاظ وعبارات‪ ،‬مثل‪ :‬التراث التربوي‪ ،‬والفلسفة التربوية‪،‬‬ ‫والنظرية التربوية‪ ،‬ومبادئ التربية‪ ،‬والتربية الإسلامية‪ ،‬والتربية في الإسلام‪ .،‬وقد اجتهدنا أ ْن‬ ‫يستوعب الفصل تط ُّور الخبرة البشرية في مجال التربية والفكر التربوي منذ أقدم العصور في‬ ‫أقطار العا َلم‪ ،‬مرور ًا بالعصر الوسيط الذي تض َّمن التط ُّور في الخبرة الإسلامية‪ ،‬وما عاصرها‬ ‫في القارة الأوروبية‪ ،‬ث َّم ما جاء بعد ذلك فيما ُع ِرف بالتنوير والحداثة‪ ،‬وما بعد الحداثة‪.‬‬ ‫ول َّخص الفصل الثاني ما ورد عن \"التراث التربوي الإسلامي\" في الكتب الثلاثة‬ ‫المشار إليها‪ ،‬عن مفهوم \"التراث\"‪ ،‬وجدل القديم والحديث في قضيته‪ ،‬وأشار إلى بعض‬ ‫معالم التط ُّور في التراث التربوي‪ ،‬وتضمن موجز ًا عن أعلامه ومصنَّفاته‪ ،‬ومدارسه‪،‬‬ ‫وأدبياته المعاصرة‪.‬‬ ‫وتناول الفصل الثالث \"مصادر الفكر التربوي الإسلامي\" في سياقه المعاصر‪ ،‬مؤ ِّكد ًا‬ ‫ما نؤ ِّكده دائم ًا في سائر كتاباتنا على ضرورة التكا ُمل في المصادر الأربعة؛ فالوحي الإلهي‬ ‫في القرآن الكريم هو المصدر والمرجع والحاكم لفكرنا الإسلامي في سائر مجالاته‪،‬‬ ‫والهدي النبوي في ال ُّسنة والسيرة هو تنزيل لأحكام القرآن الكريم وتوجيهاته على الزمان‬ ‫والمكان والحال في عهد الرسالة‪ .‬ويبقى هذان المصدران مرجعية دائمة في الحكم على‬ ‫أ ِّي مصادر ُأخرى‪ .‬والمصدر الثالث هو التراث التربوي الإسلامي الذي كان يم ِّثل في كل‬ ‫مرحلة من مراحله فهم المسلمين للوحي الإلهي والهدي النبوي وممارساتهم لما فيهما‬ ‫من توجيهات‪ .‬أ ّما المصدر الرابع فهو الخبرة التربوية البشرية المعاصرة التي نعيش تحت‬ ‫وطأتها‪ ،‬فلا نملك إلا أ ْن نبدأ من حيث نحن في واقعنا وواقع العا َلم؛ فهم ًا‪ ،‬واستيعاب ًا‪،‬‬ ‫وسعي ًا في الإصلاح والتطوير وإعادة البناء‪.‬‬ ‫‪11‬‬

‫وف َّصل الفصل الرابع القول في \"المقاصد التربوية\" وصلتها بالأهداف والقيم‬ ‫الحاكمة‪ ،‬ومرجعيتها القرآنية‪ ،‬مب ِّين ًا المقاصد القرآنية العليا وتج ِّلياتها التربوية‪ ،‬وانتقل من‬ ‫الحديث عن المقاصد في نصوصها ودلالاتها إلى تفعيلها في العمل التربوي المعاصر‪،‬‬ ‫و ُختِم الفصل بالإشارة إلى تقويم المقاصد والأهداف التربوية‪.‬‬ ‫وجاء الفصل الخامس بعنوان \"موضوعات الفكر التربوي\"‪ ،‬فبدأ بالحديث عن حوار‬ ‫الفكر والعلم في الموضوعات التربوية‪ ،‬ث َّم عرض موضوعات المحتوى التربوي فيما‬ ‫يشبه خريطة بها‪ ،‬مر ِّكز ًا على ما س َّميناه بالعلوم المنهجية‪ ،‬ثم تناول بعض الفروع العلمية‬ ‫للتربية‪ ،‬ولا سيما النظرية التربوية والفلسفة التربوية‪ ،‬وأشار إلى موقع الإسلام في علوم‬ ‫التربية‪ ،‬و ُختِم الفصل بالإطار القيمي للعلوم التربوية وضرورة التربية على القيم‪.‬‬ ‫أ َّما الفصل السادس فقد تناول \"خصائص الفكر التربوي الإسلامي\"‪ ،‬فنَ َحا منحى‬ ‫مختلف ًا ع ّما يسود في الحديث عن الخصائص‪ ،‬واختار ثلاث خصائص في الفكر التربوي‬ ‫الإسلامي؛ الأولى‪ :‬التكا ُمل والتوا ُزن كما يتم َّثلان في بناء الشخصية المسلمة‪ ،‬وكما‬ ‫يظهران في الا ِّتباع والإبداع؛ والخاصية الثانية‪ :‬الواقعية وتج ِّلياتها وضرورة تجذيرها في‬ ‫الفكر التربوي المعاصر؛ والخاصية الثالثة‪ :‬السعة والامتداد في الزمان والمكان والإنسان‪.‬‬ ‫و ُختِم الكتاب بالفصل السابع الذي جاء بعنوان \"واقع الفكر التربوي الإسلامي‬ ‫و ُسبل إصلاحه\"‪ ،‬فبدأ بوصف إجمالي لحالة الفكر التربوي الإسلامي في تط ُّوره التاريخي‬ ‫وواقعه المعاصر‪ ،‬كما يبدو في مناهج التعليم الجامعي وما تكشف عنه الدراسات‬ ‫والبحوث المنشورة‪ ،‬ولفت الانتباه إلى أ َّن المشكلة الأساسية في الفكر التربوي السائد‬ ‫في المجتمعات الإسلامية هي أ َّنه فكر مستورد في مجمله‪ ،‬مع أ َّن العا َلم يتح َّدث عن‬ ‫أزمة عالمية في التعليم نتيجة المرجعيات الفلسفية المتضاربة‪ ،‬م ّما يب ِّين حجم المسؤولية‬ ‫الملقاة على قادة الفكر التربوي الإسلامي المعاصر‪ .‬و ُختِم الفصل بالحديث عن ضرورة‬ ‫بناء الوعي بقضية الإصلاح التربوي ومسؤوليات الأوساط التربوية في هذا البناء‪.‬‬ ‫‪12‬‬

‫ونو ُّد أ ْن نن ِّوه بأ َّن هذا الكتاب في الفكر التربوي الإسلامي المعاصر‪ ،‬وأمثاله من‬ ‫الكتب في الفكر الاقتصادي‪ ،‬والفكر السياسي‪ ،‬والفكر الإداري‪ ...‬سوف تبقى قيمتها‬ ‫محدودة ما لم تحظ بالإصلاح الشامل لواقع المجتمعات الإسلامية يدرك خطورة البقاء‬ ‫في حالة التبعية والاستلاب الحضاري للواقع العالمي المعاصر‪ ،‬ويدرك الصعوبات‬ ‫التي تواجه هذا السعي للبناء الحضاري الإسلامي؛ انطلاق ًا من تطوير الفكر التربوي‬ ‫الإسلامي المعاصر ووضعه موضع التح ّدي في تقديم البدائل المنشودة‪ ،‬ليس على‬ ‫مستوى المجتمعات الإسلامية فحسب‪ ،‬بل على المستوى العالمي؛ لتأكيد حيوية الفكر‬ ‫الإسلامي‪ ،‬وقدرة العقل المسلم المهتدي بقيم الوحي الإلهي والهدي النبوي على إصلاح‬ ‫الحضارة الإنسانية وترشيدها‪.‬‬ ‫ولا ُب َّد أ ْن نكون على وعي بأ َّن حديثنا عن الفكر التربوي الإسلامي على المستوى‬ ‫الإداري والسياسي والقانوني يأتي اليوم والمجتمعات الإسلامية تع ُّج بقوانين وتشريعات‬ ‫تربوية مرجعيتها فلسفا ٌت و ُن ُظ ٌم دولية‪ ،‬تفرضها منظما ٌت دولية أو دو ٌل مهيمنة؛ رغب ًا‬ ‫أو رهب ًا‪ ،‬تح ِّد ُد معايير الاعتراف والقبول بالحضور الدولي‪ ،‬أو إمكانية ت َل ّقي الخدمات‬ ‫والمساعدات‪ ،‬وتتح َّدد في ضوء هذه المعايير أهداف النُّ ُظم التربوية‪ ،‬وما يتصل بها من‬ ‫مناهج وبرامج وأساليب‪ .‬وقد يسمح بع ُض هذه التشريعات والمعايير بمكان محدود‬ ‫لحضور \"إسلامي محلي\"‪ ،‬وعلى استحياء أحيان ًا‪ ،‬وبفخر واعتزاز أحيان ًا ُأخرى‪ .‬ويتم َّثل‬ ‫هذا الحضور المحدود في صورة خصوصيات ثقافية تاريخية‪ ،‬أو أعراف اجتماعية‪ .‬أ ّما‬ ‫العناصر الأكثر أهمية من النظام التربوي فإ َّنها تفتقد الصلة بالمرجعية الإسلامية‪ .‬ور َّبما‬ ‫كان نجاح قوى العولمة في خضوع مجتمعات المسلمين لها في المجال التربوي أكبر من‬ ‫نجاحها في مجتمعات غير المسلمين في هذا المجال‪ ،‬وأكثر من نجاحها في المجالات‬ ‫الأُخرى السياسية والإدارية وغيرها‪ .‬وبما تكشف هذه المسألة عن الحاجة إلى تأليف مثل‬ ‫هذا الكتاب لمعالجة هذا الخلل في طريقة النظر إلى الفكر التربوي الإسلامي‪.‬‬ ‫والتربية لا تقتصر على كونها ميدان ًا معرفي ًا أكاديمي ًا مح َّدد ًا‪ ،‬له موقعه المهم في حياة‬ ‫المجتمع‪ ،‬وإ َّنما هي الحياة ذاتها‪ .‬ونستطيع بسهولة أ ْن نشاهد بعض تم ُّثلات العولمة‬ ‫‪13‬‬

‫في الحياة المعاصرة بالمجتمعات الإسلامية في كثير من مظاهر الشكل والمضمون‬ ‫من أنماط الحياة؛ في‪ :‬الطعام والشراب واللباس‪ ،‬ووسائل التوا ُصل؛ في‪ :‬موضوعاتها‪،‬‬ ‫ولغتها‪ .‬وقد أصبحت هذه الأنما ُط من الحياة أكب َر مؤ ِّثر تربوي في تنشئة الأفراد‪ ،‬وتشكيل‬ ‫شخصياتهم‪ ،‬وبناء علاقاتهم الاجتماعية‪ ،‬وتحديد القيم الضابطة للسلوك‪ ،‬وهذا هو ‪-‬إلى‬ ‫ح ٍّد كبير‪ -‬ما كان على الفكر التربوي‪ ،‬والنظام التربوي الذي يتبنّى هذا الفكر‪ ،‬أ ْن يقوم‬ ‫به في مجتمعات المسلمين! ويظهر أثر العولمة بصورة واضحة في جميع وسائط التربية‬ ‫والتعليم؛ في‪ :‬عولمة ُن ُظم التعليم العام والتعليم الجامعي‪ ،‬وفي سياسات هذه النُّ ُظم‬ ‫وبرامجها ومناهجها‪ ،‬وفي موقع الأسرة ومهمتها في تنشئة الأبناء وتربيتهم‪ ،‬وفي موقع‬ ‫أدوات وبرامج التوجيه الثقافي والاجتماعي من وسائل إعلام واتصال وتوا ُصل‪ ،‬وفي‬ ‫الطرق والأساليب الظاهرة والمستترة للضبط الإداري والقانوني‪.‬‬ ‫إ َّن الوعي بما تم ِّثله إكراهات العولمة من معيقات للإصلاح الإسلامي يجعلنا‬ ‫نفهم قيمة المجال الذي نجده مفتوح ًا في بعض الأحيان لنوع من \"الإصلاح الديني\"‪،‬‬ ‫يش ِّجع بعض مظاهر التد ُّين الشعائري؛ من‪ :‬صلا ٍة‪ ،‬وصو ٍم‪ ،‬وقيا ِم لي ٍل‪ ،‬واعتكا ٍف‪ ،‬و ِذ ْك ٍر‬ ‫لله‪ ،‬واتصا ٍل به‪ ،‬وتو ُّك ٍل عليه‪ ...‬وغير ذلك من شعائر العبادات المفروضة والنافلة‪ .‬ومن‬ ‫المؤ َّكد أ َّننا نسعد بهذا المجال من الإصلاح‪ ،‬لكنَّنا لا ننسى أ َّن قوى العولمة (من‪ :‬دول‬ ‫ومؤسسات‪ ،‬ومن بعض الباحثين الغربيين) تسعد بذلك أيض ًا‪ ،‬وتدعو إلى التأ ُّمل فيه‪،‬‬ ‫وكتابة التقارير الإعلامية عنه‪،‬وإجراء الدراسات العلمية حوله‪ ،‬و ُي ْع ِملون في ذلك مناهج‬ ‫البحث الاجتماعي \"الأنثروبولوجي\" و\"الإثنوغرافي\"‪ ،‬مر ِّحبين بهذه الصور من التن ُّوع‬ ‫الثقافي؛ فك ُّل ذلك في نظرهم تد ُّي ٌن جمي ٌل يستح ُّق التأمل‪ .‬ومثله كذلك أ ْن تحتوي بعض‬ ‫المناهج التربوية على نصو ٍص دينية عن الإحسان‪ ،‬و ُح ْسن الجوار‪ ،‬ومساعدة المحتاجين‪،‬‬ ‫م ّما ُيعلي من مقام الإنسان في الآخرة‪.‬‬ ‫ونحن مع وعينا بقيمة هذا النوع من الإصلاح عندما تقتصر مظاهر التد ُّين عليه‪ ،‬نراه‬ ‫انسحاب ًا من إمكانية الحضور الفاعل في الحياة المعاصرة‪ .‬ور َّبما تكون جهو ُد الباحثين في‬ ‫‪14‬‬

‫الوصف الموضوعي لهذه الصور من التد ُّين‪ ،‬والثناء عليها‪ ،‬تعبير ًا صادق ًا عن مشاعرهم‪،‬‬ ‫لك َّن روح التح ُّيز الغربي تظهر عندما يحاول المسلمون الجمع بين \"تد ُّين الشعائر\" و\"تد ُّين‬ ‫المعاملات\" من أجل حضو ٍر ِع ْل ِم ٍّي و َع َم ِل ٍّي للإسلام في الحياة العامة؛ إصلاح ًا سياسي ًا‪،‬‬ ‫وتنمي ًة اقتصادي ًة واجتماعي ًة‪ ،‬وكشف ًا علمي ًا‪ ،‬وإبداع ًا حضاري ًا‪ ،‬ومنافس ًة في توجيه حركة‬ ‫الحياة في العا َلم‪ .‬ولع َّل هذا ما يجعل أصحاب القرار الغربي يدافعون عن بعض الحركات‬ ‫والتو ُّجهات الدينية الإسلامية التي تنأى بنفسها عن المشاركة في الإعمار؛ لتبقى منكفئة‬ ‫على نفسها في مظهر من مظاهر التد ُّين المعزول‪.‬‬ ‫إ َّن اهتمامنا بالفكر التربوي الإسلامي على وجه الخصوص؛ سعي ًا للاحتفاظ بالهوية‬ ‫المميزة لأُ َّمتنا المسلمة‪ ،‬لا يق ِّلل من اهتمامنا بالفكر التربوي السائد في عا َلم اليوم في‬ ‫معظم مجتمعات المسلمين؛ ذلك أ َّن جهود ًا حثيثة ُتب َذل في العا َلم المعاصر من أجل صبغ‬ ‫العا َلم بصبغة ثقافية واحدة طوع ًا تحت عنوان \"التك ُّيف مع مؤ ِّثرات العولمة واتجاهاتها\"‪،‬‬ ‫أو ُكره ًا تحت \"ضغوط مؤسسات الاعتماد‪ ،‬و ُن ُظم الجودة‪ ،‬والتمويل‪ ،‬والاستثمار\"؛ إلى‬ ‫أ ْن تأخذ اتجاهات العولمة وضغوطها مداها‪ ،‬فتفقد الأُ َّمة خصائصها‪ ،‬وعناصر هويتها‪.‬‬ ‫فالمسألة ‪ -‬في نظرنا‪ -‬هي مسألة إصلاح حضاري شامل‪ .‬ولمواجهة هذا التح ّدي‪،‬‬ ‫نعيد ما قلناه في مقدمة \"موسوعة كتب التراث\"‪ ،‬من أ َّنه يتع َّين على النخب العلمية والثقافية‬ ‫في الأُ َّمة \"بذل الجهود اللازمة للجمع والتكا ُمل بين عناصر ثلاثة؛ أولها‪ :‬استلهام القيم‬ ‫الحاكمة التي أرشد إليها الوح ُي الإلهي واله ْد ُي النبوي لتحقيق المقاصد التي جاء الدين‬ ‫من أجلها‪ ،‬وثانيها‪ :‬اعتماد هذه القيم أساس ًا في تقويم التراث الماضي لل ُأ َّمة وبيان القيمة‬ ‫التي يحملها لحاضرها‪ ،‬وثالثها‪ :‬التم ُّكن من منجزات العصر بمصادرها المختلفة‪ ،‬وبيان‬ ‫القيمة التي تحملها هذه المنجزات‪ .‬إ َّن هذا الجمع التكاملي بين هذه العناصر الثلاثة‬ ‫هو الأساس في إطلاق قوى الإبداع في حل مشكلات الحاضر وريادة آفاق المستقبل‪،‬‬ ‫وبه كذلك تستطيع النخب الثقافية المعاصرة لل ُأ َّمة أ ْن ترسم طريقها في إصلاح واقعها‪،‬‬ ‫والإسهام في العمران البشري‪ ،‬وترشيد الحضارة‪\".‬‬ ‫‪15‬‬

‫بقي أ ْن نقول إ َّن هذا الكتاب عن \"الفكر التربوي الإسلامي\" قد امت َّد حج ُمه أكثر م ّما‬ ‫ق َّد ْرنا له‪ ،‬وكان يمكن له أ ْن يزداد امتداد ًا كما حصل معنا في موضوع \"التراث التربوي‬ ‫الإسلامي\" لولا حرصنا على أ ْن تأتي جميع موضوعاته السبعة في مجلد واحد‪ ،‬ليس‬ ‫لتيسير التعامل معها فحسب‪ ،‬بل لملاحظة المنهجية التي نحاول اعتمادها في جميع‬ ‫ما نكتب‪ ،‬وهي منهجية التكا ُمل المعرفي‪ .‬ونحرص كل الحرص على أ ْن يد ِّقق القارئ‬ ‫في محتويات هذا الكتاب؛ ليلاحظ هذه المنهجية في كل فصل من فصوله منفرد ًة‪ ،‬وفي‬ ‫الفصول السبعة مجتمع ًة‪.‬‬ ‫وقد كان خطابنا في هذا الكتاب ُمو َّجه ًا إلى النخبة المثقفة‪ ،‬والقيادات التربوية‪،‬‬ ‫والساعين في جهود الإصلاح التربوي والفكري والحضاري‪ ،‬فضل ًا عن الفئة المستهدفة‬ ‫أساس ًا‪ ،‬وهي أساتذة الجامعة وطلبة الدراسات العليا‪ .‬ويمكن لهذه الفئة تحديد ًا أ ْن تتعامل‬ ‫مع كل فصل من فصول الكتاب بوصفه موضوع ًا من موضوعات الفكر التربوي الإسلامي؛‬ ‫ليكون أساس ًا لمادة دراسية مستقلة‪ ،‬أو لمشروع بحثي‪ُ ،‬يو َّسع القول في موضوعه والبناء عليه‬ ‫بتقديم الأمثلة والنماذج والتطبيقات‪ ،‬و ُيتعا َمل معه بالتحليل النقدي اللازم؛ تأكيد ًا لأهمية‬ ‫توا ُصل حركة البحث والتق ُّدم المعرفي؛ بالتصحيح‪ ،‬والتصويب‪ ،‬والتطوير‪ ،‬والإضافة‪.‬‬ ‫نسأل الله سبحانه ُح ْسن القبول‪ ،‬والحمد لله رب العالمين‪.‬‬ ‫‪16‬‬

‫الفصل الأول‬ ‫مفهوم \"الفكر التربوي\" وتط ُّوره وفلسفاته‪ ،‬وموقع‬ ‫الفكر التربوي الإسلامي‬ ‫مقدمة‬ ‫المبحث الأول‪ :‬مفهوم \"الفكر التربوي\" والمفاهيم ذات الصلة‬ ‫أولاً‪ :‬الفكر التربوي والتراث التربوي‬ ‫ثاني ًا‪ :‬نظرية التربية وفلسفة التربية‬ ‫ثالث ًا‪ :‬الفكر التربوي الإسلامي في الكتابات الحديثة والمعاصرة‬ ‫رابع ًا‪ :‬موقع الفكر التربوي الإسلامي في جهود النهوض الحضاري لل ُأ َّمة‬ ‫خامس ًا‪ :‬استهداف التعليم الإسلامي في مطلع القرن الحادي والعشرين‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬تط ُّور الفكر التربوي في الحضارات البشرية والمجتمع المعاصر‬ ‫أولاً‪ :‬مرجعية البحث في تط ُّور الفكر التربوي‬ ‫ثاني ًا‪ :‬التربية في الماضي بين التحقيب التاريخي والرؤى الفلسفية‬ ‫ثالث ًا‪ :‬التربية في العصور القديمة‬ ‫رابع ًا‪ :‬تط ُّور الفكر التربوي الديني في اليهودية والمسيحية‬ ‫خامس ًا‪ :‬الفكر التربوي في الحضارات البشرية والمجتمع المعاصر‪ ،‬وفلسفاته‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬فلسفات تربوية معاصرة ومرجعياتها الغربية‬ ‫أولاً‪ :‬بعض الأمثلة على فلسفات تربوية معاصرة‬ ‫ثاني ًا‪ :‬المرجعيات الغربية للتربية‬ ‫خاتمة‬



‫الفصل الأول‬ ‫مفهوم \"الفكر التربوي\" وتط ُّوره وفلسفاته‪ ،‬وموقع الفكر‬ ‫التربوي الإسلامي‬ ‫مقدمة‪:‬‬ ‫يتك َّون هذا الفصل من ثلاثة مباحث‪ :‬الأول؛ مفهوم \"الفكر التربوي\"‪ :‬نشأة المفهوم‪،‬‬ ‫وعلاقته بعلوم التربية والتراث التربوي‪ ،‬وأهميته في تحديد الهوية الثقافية والتكوين‬ ‫الحضاري للفرد والمجتمع والأُ َّمة‪ ،‬وعناصره‪ ،‬وخصائصه‪ ،‬ونوعية الكتابات فيه‪ .‬الثاني؛‬ ‫حالة الفكر التربوي في الحضارات البشرية والمجتمع المعاصر‪ ،‬والفلسفات التربوية التي‬ ‫تحكمه‪ .‬الثالث؛ أوجز الحديث عن الفلسفات التربوية المعاصرة ومرجعياتها الغربية‪.‬‬ ‫وقد تو َّسع عرض هذه الموضوعات أكثر م ّما كان المؤ ِّلف يرغب‪ ،‬ولم يكن من السهل‬ ‫عليه أ ْن يو ِجز القول فيها؛ لأ َّنه حاول أ ْن يفي عنوان الفصل حقه من البيان حتى جاءت مادته‬ ‫فيما يمكن أ ْن يكون كتاب ًا مستقل ًا وافي ًا بموضوعه‪ .‬ولكنَّنا أردناه أ ْن يكون تمهيد ًا لما جاء‬ ‫بعده من فصول تجعل الكتا َب ك َّله ماد ًة مرجعي ًة ل َمن أراد قدر ًا من الإحاطة بالفكر التربوي‬ ‫الإسلامي‪ ،‬لا ُتغني قارئه بالضرورة عن غيره من الكتب والمراجع‪ ،‬وإ َّنما ُت ِعينه على تكوين‬ ‫رؤية تتصف بقد ٍر من التكا ُمل‪ ،‬وتو ِّفر له الوعي بكثير من القضايا والمسائل ذات الصلة‬ ‫بالفكر التربوي عموم ًا‪ ،‬وموقعها من الفكر التربوي الإسلامي خصوص ًا‪ ،‬وتي ِّسر للباحث‬ ‫المتخ ِّصص سبيل المزيد من الإحاطة‪.‬‬ ‫‪19‬‬

‫المبحث الأول‬ ‫مفهوم \"الفكر التربوي\" والمفاهيم ذات الصلة‬ ‫أولاً‪ :‬الفكر التربوي والتراث التربوي‪:‬‬ ‫‪ .1‬الفكر التربوي‪:‬‬ ‫يتأ َّلف مفهوم \"الفكر التربوي\" من كلمتين مفتاحيتين‪ ،‬لك ٍّل منهما أهمية خاصة في‬ ‫تحديد الموضوع الذي يمكن الحديث عنه تحت هذا العنوان‪.‬‬ ‫فالفكر هو نتيج ُة عملي ِة التفكير والتف ُّكر التي يقوم بها الإنسان‪ ،‬وتتم َّثل هذه النتيجة‬ ‫في خواطر وآراء وتص ُّورات ومعتقدات‪ ،‬يتم على أساسها َتبنّي موقف‪ ،‬أو اتخا ُذ قرار‪ ،‬أو‬ ‫ممارس ُة سلوك‪ .‬و\"التف ُّكر\" مصطل ٌح قرآني يتجاوز المرور العابر لأم ٍر من الأمور في الخاطر‬ ‫أو الذهن‪ ،‬ويعني درجة عالية من الوعي‪ ،‬والمتابعة‪ ،‬والمعاودة‪ .‬وقد ع َّبر ابن عاشور في‬ ‫تفسيره عن ذلك بقوله‪\" :‬والتف ُّكر‪ :‬تك ُّلف الفكرة‪ ،‬وهو معالجة الفكر‪ ،‬ومعاودة التد ُّبر في‬ ‫دلالة الأدلة على الحقائق‪ (((\".‬والفكر البشري ليس شيئ ًا نظري ًا مبتوت ًا عن الفعل البشري‬ ‫والواقع العملي‪ ،‬كما يرى ابن الق ِّيم؛ ذلك أ َّن \"مبدأ ك ِّل ِع ْل ٍم نظري و َع َم ٍل اختياري هو‬ ‫الخواطر والأفكار؛ فإ َّنها تو ِجب التص ُّورات؛ والتص ُّورات تدعو إلى الإرادات؛ والإرادات‬ ‫تقتضي وقو َع الفعل‪ ،‬وكثر ُة تكراره تعطي العادة؛ فصلا ُح هذه المراتب بصلاح الخواطر‬ ‫والأفكار‪ ،‬وفسا ُدها بفسا ِدها‪(((\".‬‬ ‫والفكر البشري ليس مبتوت ًا عن العاطفة؛ ذلك أ َّنه توجد‪\" :‬في النفس الإنسانية ق َّوتان‪:‬‬ ‫ق َّو ُة تفكير‪ ،‬وق َّو ُة وجدان؛ وحاجة ك ِّل واحد ٍة منهما غير حاجة أختها‪ .‬فأ ّما إحداهما فتن ِّقب‬ ‫عن الحق لمعرفته‪ ،‬وعن الخير للعمل به‪ ،‬وأ ّما الأُخرى فتس ِّجل إحسا َسها بما في الأشياء‬ ‫من ل َّذة وألم‪ ،‬والبيان التام هو الذي يوفي لك هاتين الحاجتين‪ ،‬ويطير إلى نفسك بهذين‬ ‫((( ابن عاشور‪ ،‬محمد الطاهر‪ .‬تفسير التحرير والتنوير‪ ،‬تونس‪ :‬الدار التونسية للنشر‪1984 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،24‬ص‪.26‬‬ ‫((( ابن ق ِّيم الجوزية‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن أيوب (توفي‪751 :‬ﻫ)‪ .‬الفوائد‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عزيز شمس‪،‬‬ ‫مكة المكرمة‪ :‬دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع‪1429 ،‬ﻫ‪ ،‬ص‪.253-252‬‬ ‫‪20‬‬

‫الجناحين‪ ،‬فيؤت َيها ح َّظها من الفائدة العقلية والمتعة الوجدانية مع ًا‪ ...‬وك ُّل امرئ حين‬ ‫يف ِّكر فإ َّنما هو فيلسوف صغير‪ ،‬وك ُّل امرئ حين ُي ِح ُّس ويشعر فإ َّنما هو شاعر صغير‪(((\". ...‬‬ ‫والله تعالى يخاطب الفكر والعاطفة مع ًا؛ فأنت تجد الآية القرآنية تتح َّدث عن أحكام‬ ‫تنظيمية‪ ،‬أو براهين جدلية‪ ،‬أو قصص إخبارية‪ ،‬ليق ِّدم للإنسان هداي ًة لفكره‪ ،‬وحكم ًة لرأيه‪.‬‬ ‫وتجد الآية نفسها تح ِّرك في الإنسان مشاعر الرغبة أو الرهبة‪ ،‬والتشويق أو التحذير‪ .‬فحين‬ ‫يدعو سبحانه إلى النظر والتف ُّكر والتع ُّلم والاكتشاف‪ ،‬يأتي التعبير في صيغ ٍة تثير التع ُّجب‪.‬‬ ‫﴿ﮨﮩﮪﮫﮬﮭ﴾ [الغاشية‪ .]17 :‬وحين تتن َّزل الآيات بأحسن الحديث ليرى‬ ‫الفك ُر البشري كيف تتك َّرر فيها الأخبار والأحكام والتشريعات‪ ،‬في صو ٍر يشبه بع ُضها‬ ‫بعض ًا في إحكامها وصدقها وتناسقها‪ ،‬إلى الح ِّد الذي تنفعل فيه النفس الإنسانية ب ِش َّدة‪،‬‬ ‫حتى يظهر الانفعال بصورة حسية في الجلود‪ ،‬وبصورة نفسية في القلوب‪﴿ .‬ﭨﭩﭪ‬ ‫ﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭹ‬ ‫ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ﴾ [الزمر‪.]23 :‬‬ ‫ومن حكمة الله سبحانه في هذا اللون من خطاب النفس البشرية‪ ،‬وفي وصف الطريقة‬ ‫التي تستجيب بها النفس لهذا الخطاب‪ ،‬أ ْن يع ِّلمنا شيئ ًا عن حقيقة هذه النفس‪ ،‬وتكا ُمل‬ ‫أدوات الوعي فيها؛ فهي ليست كتل ًة من الفكر الجامد‪ ،‬أو المشاعر المائعة‪ ،‬وإ َّنما هي‬ ‫كينونة واحدة‪ ،‬تجتمع فيها ق َّوة التفكير والجدل والبرهان والتح ُّقق والاكتشاف مع ق َّوة‬ ‫الانفعال العاطفي والتأ ُّثر الوجداني‪ ،‬اجتماع تكا ُمل وتآ ُزر‪ ،‬يرتقي بالنفس إلى المستوى‬ ‫المناسب لاستقبال الخطاب والاهتداء بهديه؛ لتحقيق غاية الحق من الخلق‪.‬‬ ‫والتربية لها معنيان؛ معنى مؤسسي خاص يتح َّدد فيما يتم في مؤسسات التعليم‬ ‫النظامي بمستوياته وتخ ُّصصاته المختلفة‪ ،‬ومعنى اجتماعي عام يتح َّدد في الأثر الذي‬ ‫تتركه مؤسسات المجتمع ك ُّلها (الأسرة‪ ،‬والمدرسة‪ ،‬وسياسات الإعلام والثقافة والشباب‬ ‫وغيرها) على شخصية الفرد في الجوانب العقلية والنفسية وغيرها‪ ،‬ويظهر هذا الأثر‬ ‫ويقاس بمقدار التغ ُّير في سلوك الأفراد والفئات‪ ،‬وفي نوع هذا السلوك واتجاهه‪.‬‬ ‫((( دراز‪ ،‬محمد عبد الله‪ .‬النبأ العظيم‪ :‬نظرات جديدة في القرآن الكريم‪ ،‬تقديم‪ :‬عبد العظيم المطعني‪ ،‬الكويت‪ :‬دار‬ ‫القلم‪ ،‬ط‪2005 ،9‬م‪ ،‬ص‪.151-148‬‬ ‫‪21‬‬

‫والمعنى العام للتربية يخت ُّص بتنمية الإنسان في جميع جوانب شخصيته‪ ،‬ويتض َّمن‬ ‫ذلك‪ :‬التعليم‪ ،‬والتأديب‪ ،‬والوعظ‪ ،‬والتنشئة‪ ،‬والتثقيف‪ ،‬والتهذيب‪ ،‬وغير ذلك؛ لتحقيق‬ ‫ما ذكره الله سبحانه عن تمكين الإنسان في الأرض لإقامة الخلافة والعمران‪ .‬والأصل‬ ‫اللغوي لمفردة \"التربية\" من ال َّر ِّب؛ إذ \"ال َّر ُّب في الأصل‪ :‬التربية‪ ،‬وهو إنشاء الشيء حالاً‬ ‫فحالاً إلى ح ِّد التمام‪ ،‬يقال‪ :‬ر َّبه ور َّباه ور َّببه‪ (((،‬وقيل‪ :‬لأ ْن ير َّبني رج ٌل من قريش أح ُّب إل َّي‬ ‫من أ ْن ير َّبني رج ٌل من هوازن‪ (((\".‬وذهب معنى \"التربية\" إلى العناية بالأطفال وتنشئتهم في‬ ‫الأسرة‪ ،‬كما ُيف َهم ذلك من بعض الآيات القرآنية الكريمة‪ ،‬من مثل قوله سبحانه‪﴿ :‬ﯙ‬ ‫ﯚﯛﯜﯝ ﯞ﴾ [الإسراء‪ ،]24 :‬وقوله تعالى‪﴿ :‬ﯻﯼﯽﯾﯿ﴾ [الشعراء‪،]18 :‬‬ ‫في حين ارتبط لفظ \"التربية\" في الحقل التربوي بجميع مراحل العمر التي يم ُّر بها الإنسان‪ .‬‬ ‫فالفكر التربوي يعني الآراء والمعتقدات والأهداف التي تحكم الممارسات التي‬ ‫تستهدف تنشئة الأبناء وإعدادهم لمسؤوليات الحياة‪ ،‬بعمليات وأساليب مقصودة‪ ،‬تتم‬ ‫في الأسرة‪ ،‬وفي مؤسسات التعليم والتدريب والتوجيه والتثقيف والتوعية في المجتمع‪.‬‬ ‫و\"الفكر\" في الاستعمال المعاصر مصطل ٌح حديث‪ ،‬لك َّن مادته هي أسا ٌس تقوم عليه‬ ‫سائر أوجه النشاط البشري؛ فالفقيه‪ ،‬والعالِم‪ ،‬والمث َّقف‪ ،‬والفيلسوف‪ ،‬والواعظ‪ ،‬والداعية‪،‬‬ ‫والمصلح‪ ...‬ك ُّل هؤلاء يتعاملون مع أفكار‪ (((.‬وكذلك الأمر‪ ،‬فإ َّن السياسي والاقتصادي‬ ‫والتربوي‪ ،‬يق ِّدم ك ٌّل منهم آراءه‪ ،‬ويمارس أعماله اعتماد ًا على الأفكار المختزنة في علم‬ ‫السياسة‪ ،‬أو علم الاقتصاد‪ ،‬أو علم التربية‪ ،‬أو على الأفكار التي كانت الأساس في صياغة‬ ‫التشريعات والقوانين والأنظمة التي تحكم الممارسات السياسية والاقتصادية والتربوية‬ ‫((( الراغب الأصفهاني‪ ،‬أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل (توفي‪502‬ﻫ)‪ .‬مفردات ألفاظ القرآن‪ ،‬تحقيق‪:‬‬ ‫صفوان عدنان داوودي‪ ،‬دمشق‪ :‬دار العلم‪ ،‬الدار الشامية‪1412 ،‬ﻫ‪ ،‬ص‪.336‬‬ ‫((( من حديث صفوان بن أمية لأبي سفيان يوم حنين‪ ،‬قالها ل ّما انهزم الناس أول المعركة‪ .‬انظر‪:‬‬ ‫‪ -‬ابن الأثير‪ ،‬أبو السعادات مجد الدين محمد بن محمد الجزري (توفي‪606‬ﻫ)‪ ،‬النهاية في غريب الحديث‬ ‫والأثر‪ ،‬أشرف عليه وق ّدم له علي بن حسن الحلبي الأثري‪ ،‬الدمام‪ ،‬السعودية‪ :‬دار ابن الجوزي‪1421 ،‬ﻫ‪،‬‬ ‫باب حرف الراء‪ ،‬ص‪.339‬‬ ‫((( َث َّمة سياقا ٌت مح َّددة تر ِّجح المصطلح المناسب لأ ٍّي من هؤلاء‪ .‬انظر في ذلك‪:‬‬ ‫‪ -‬ملكاوي‪ ،‬فتحي حسن‪ .‬البناء الفكري‪ :‬مفهومه ومستوياته وخرائطه‪ ،‬هرندن‪ :‬المعهد العالمي للفكر‬ ‫الإسلامي‪2015 ،‬م‪ .‬انظر تحديد ًا الفصل الأول والفصل الثاني‪ ،‬ص‪.119-22‬‬ ‫‪22‬‬

‫وغيرها‪ .‬ومثلما نتح َّدث عن الفكر التربوي‪ ،‬فإ َّننا يمكن أ ْن نتح َّدث عن الفكر السياسي‪،‬‬ ‫والفكر الاقتصادي‪ ،‬والفكر الاجتماعي‪ ،‬والفكر القانوني‪ ،‬والفكر الإداري‪ ،‬وغير ذلك من‬ ‫مجالات الفكر في سائر التخ ُّصصات‪.‬‬ ‫ونستطيع أ ْن نتح َّدث عن الفكر التربوي في اجتهادات الباحثين المعاصرين في وصف‬ ‫ما هو كائن‪ ،‬أو فيما ينبغي أ ْن يكون في الحياة التربوية المعاصرة بصورة عامة‪ ،‬أو في جانب‬ ‫مح َّدد من جوانب هذه الحياة‪ .‬ومن ذلك ‪-‬مثل ًا‪ -‬تحلي ُل الممارسات التربوية السائدة في‬ ‫واقع الأُ َّمة‪ ،‬أو واقع مجتمع من مجتمعاتها‪ ،‬والكش ُف عن المرجعيات الفكرية التي تستند‬ ‫إليها هذه الممارسات‪ ،‬أو مدى الصلة بين هذه الممارسات ومرجعياتها الفكرية من جهة‪،‬‬ ‫والحالة الحضارية لل ُأ َّمة وقدرتها على مواجهة المشكلات التي تعاني منها وإسهامها في‬ ‫الحضور الفاعل في ساحة العا َلم المعاصر من جهة ُأخرى‪.‬‬ ‫‪ .2‬التراث التربوي‪:‬‬ ‫التراث التربوي الإسلامي الذي نقصده في هذا السياق هو ما كتبه العلماء والمفكرون‬ ‫المسلمون عن موضوعات التربية والتعليم لتنمية أفراد الأمة صغار ًا وكبار ًا لما يلزمهم في‬ ‫حياتهم الدينية والدنيوية في هذه الحياة‪ ،‬ويقربهم من ثواب الله في الآخرة‪ ،‬من مصنفات‬ ‫فقهية‪ ،‬وكلامية‪ ،‬وحديثية‪ ،‬وتاريخية‪ ،‬وأدبية‪ ،‬وصوفية‪ ،‬وفلسفية‪ ،‬وغيرها‪ ،‬بعد عصر الرسالة‪،‬‬ ‫حتى القرن الثالث عشر الهجري‪ .‬ذلك أننا لا نعد القرآن الكريم والسنة النبوية داخل ْين في‬ ‫دلالة مصلح التراث الذي نعتمده‪ .‬ونقدر أن ما كتبه العلماء والمفكرون المسلمون بعد‬ ‫القرن الثالث عشر كان متأثر ًا‪ ،‬قليل ًا أو كثير ًا‪ ،‬بما ُس ّمي بالصدمة الحضارية والفكرية مع‬ ‫الغرب‪ ،‬والتراث التربوي الإسلامي في أي مرحلة من مراحله هو بنية من ثلاثة عناصر‪:‬‬ ‫أولها الفكر التربوي الذي كان موضوع التعليم‪ ،‬والممارسة التعليمية والتربوية نفسها‪،‬‬ ‫والسياق التاريخي مكان ًا وزمان ًا وأحوالاً‪ ،‬أي أن التراث التربوي فكر وتربية وتاريخ‪(((.‬‬ ‫((( ملكاوي‪ ،‬فتحي حسن‪ .‬التراث التربوي الإسلامي‪ ،‬حالة البحث فيه‪ ،‬ولمحات من تطوره‪ ،‬وقطوف من نصوصه‬ ‫ومدارسه‪ .‬عمان‪ :‬المعهد العالمي للفكر الإسلامي‪ ،2018 ،‬ص ‪ ،106‬وص ‪.447‬‬ ‫‪23‬‬

‫ونحن نعلم أن لكل مجتمع فكر ًا تربوي ًا‪ ،‬لكنَّه ليس فكر ًا واحد ًا في كل جيل؛ إذ من‬ ‫ال ُمتو َّقع أ ْن يكون هذا الفكر نتيجة التف ُّكر الذي يقوم به أكثر من مف ِّكر في الجيل الواحد‪ .‬فقد‬ ‫توجد مدارس فكرية متعددة‪ ،‬تشترك في مرجعيتها العامة‪ ،‬وتختلف في بعض التفاصيل‪،‬‬ ‫و ِم ْن َث َّم نجد ممارسات تربوية مختلفة تستند إلى هذه المدارس الفكرية المتعددة‪ .‬وسنجد‬ ‫أ َّن الفكر التربوي في عصر من العصور يتح َّدد بخصائص ذلك العصر‪ ،‬ث َّم يطرأ عليه بعض‬ ‫التغ ُّير في العصر اللاحق؛ نتيج َة تراك ِم الخبرات في المجتمع الواحد‪ ،‬وتأثير التفا ُعل‬ ‫الثقافي بين المجتمعات‪ .‬وبذلك يصبح الفكر التربوي في عصر معين تراث ًا تربوي ًا للعصر‬ ‫اللاحق‪ .‬فالتراث التربوي هو الفكر التربوي عندما يصبح تراث ًا؛ لأ َّنه كان إنتاج ًا من زمن‬ ‫مضى‪ .‬والفكر التربوي اليوناني هو في الحقيقة الآن تراث تربوي يوناني‪ ،‬والفكر التربوي‬ ‫في العصر العباسي هو في الحقيقة اليوم تراث تربوي عباسي‪ .‬والفكر التربوي المعاصر‬ ‫في بلد من البلدان سوف يصبح الترا َث التربوي لذلك البلد في العصر اللاحق‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فإ َّن بعض مك ِّونات التراث يم َت ُّد حضو ُرها من الماضي إلى الحاضر‬ ‫والمستقبل‪ .‬وبطبيعة الحال‪ ،‬فإ َّن العصر ‪-‬في السياق الذي نحن فيه‪ -‬ليس ساع ًة من‬ ‫نهار‪ ،‬أو أسبوع ًا من شهر‪ ،‬وإ َّنما هو المدى الزمني الذي تتعاصر فيه مؤ ِّثرات فكرية‪ ،‬أو‬ ‫اجتماعية‪ ،‬أو سياسية معينة مع َمن يعيش ذلك المدى الزمني‪ ،‬قبل أ ْن تأتي مؤ ِّثراث غيرها‬ ‫لتبدأ عصر ًا جديد ًا‪ ،‬وقد يمت ُّد العصر إلى حياة جي ٍل كامل‪ ،‬أو أكثر‪(((.‬‬ ‫ونتوقع أ ْن تكون أهمية الفكر التربوي حاضر ًة في هذا الحديث؛ فالفكر التربوي في أ ِّي‬ ‫مجتمع هو العنصر الأساس في الفلسفة التي تستند إليها السياسات والبرامج والممارسات‬ ‫((( لسنا معنيين في هذا المقام بتحديد المفهوم المؤسسي للتراث‪ ،‬ومفهومي \"العصر\" و\"المعاصرة\"‪ .‬ف َث َّمة آرا ٌء‬ ‫مختلفة حول ما ُي َع ُّد تراث ًا‪ ،‬في التقدير الزمني‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬لليونسكو معايير معينة لتحديد الزمن الذي‬ ‫يم ُّر على الإنتاج الفكري والمادي حتى ُي َع َّد تراث ًا يخضع لقوانين وأنظمة التعامل مع التراث‪ .‬أ ّما التحقيب‬ ‫الزمني السائد الذي يح ِّدد القديم والمتوسط والحديث والمعاصر‪ ،‬فهو تحقيب زمني أوروبي‪ ،‬لا يأخذ التراث‬ ‫الحضاري للشعوب والأمم الأُخرى بالحسبان‪ .‬وقد درجت بع ُض التحقيبات الزمنية على اعتبار الصدمة‬ ‫الحضارية التي طرأت على المجتمعات الإسلامية عند اتصالها بالغرب فاصل ًا بين الفكر القديم والفكر‬ ‫الحديث في تاريخ الفكر الإسلامي‪ ،‬لك َّن التأريخ بهذه الصدمة هو محاولة للتمييز بين صفة الإنتاج الأصيل‬ ‫للفكر وصفة الفكر الذي أنتجته المؤ ِّثرات الوافدة‪ ،‬وهو تمييز غير دقيق؛ لأ َّن التأثيرات الوافدة رافقت قرون ًا‬ ‫زمنية قبل تلك الصدمة الحضارية‪.‬‬ ‫‪24‬‬

‫التربوية في ذلك المجتمع‪ .‬ويزداد حضور هذه الأهمية عندما نعلم أ َّن الفكر التربوي‬ ‫هو مجموعة المعتقدات والمبادئ التي تح ِّدد ملامح الشخصية البشرية المراد تشكيلها‬ ‫في المجتمع‪ ،‬وتح ِّدد ِم ْن َث َّم خصائص ذلك المجتمع المنشود‪ .‬وتنبثق هذه المعتقدات‬ ‫والمبادئ من \"رؤية العا َلم\" التي يتبنّاها المجتمع عن الكون والحياة والإنسان‪ ،‬وتجتمع فيها‬ ‫الأسس التي ُت ْبنى عليها سائر الأنظمة في المجتمع‪ :‬السياسية‪ ،‬والاقتصادية‪ ،‬والاجتماعية‪،‬‬ ‫والتربوية‪ ...‬بصورة تتصف بالتوا ُزن والتكا ُمل‪ .‬وهذا هو حال الفكر التربوي في المجتمع‪،‬‬ ‫في أ ِّي عصر من عصوره‪.‬‬ ‫ويستمد الفكر التربوي مادته وعناصره من عد ٍد من النُّ ُظم المعرفية‪ ،‬مثل‪ :‬الدين‪،‬‬ ‫والفلسفة‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬وعلم الاجتماع‪ ،‬وعلم النفس‪ ،‬وغير ذلك من العلوم‪ .‬ويتداخل مفهومه‬ ‫مع عدد من المفاهيم المفتاحية ذات الصلة بالتربية والتعليم والتنشئة الاجتماعية‪ ،‬ولا سيما‬ ‫النظرية التربوية‪ ،‬والفلسفة التربوية؛ ما يقتضي قدر ًا من البيان الموجز في حدود المقام الحالي‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬نظرية التربية وفلسفة التربية‬ ‫‪ .1‬نظرية التربية‪:‬‬ ‫مهما يمكن أ ْن يقال عن مفهوم \"النظرية\"‪ ،‬فلن يتجاوز كونها بنا ًء فكري ًا ُينتِجه التفكير‬ ‫البشري‪ .‬لك َّن مفهوم \"النظرية\" ُيستع َمل على نطاق واسع بطريقتين؛ الأُولى‪ :‬استعمال عام‬ ‫يخت ُّص بوصف الفكرة أو الرأي الذي يك ِّونه الفرد أو الجماعة عن قضية من القضايا‪،‬‬ ‫بغ ِّض النظر عن الأساس الذي ُي ْبنى عليه هذا الرأي‪ ،‬أو هذه الفكرة‪ .‬فيقول المتح ِّدث مثل ًا‪:‬‬ ‫نظريتي في ظاهرة \"تس ُّرب الأطفال من المدرسة\" هي‪ ،...‬أو نظريتي في جعل حفظ القرآن‬ ‫جزء ًا من المنهاج الدراسي هي‪. ...‬‬ ‫والثانية‪ :‬استعمال علمي منضبط؛ سواء أكان ذلك في العلوم الطبيعية‪ ،‬أم العلوم‬ ‫الاجتماعية‪ ،‬فيقال مثل ًا‪ :‬نظرية الانفجار العظيم حول نشأة الكون المادي‪ ،‬والنظرية الذرية‬ ‫حول‪ -‬بنية المادة‪ ،‬والنظرية السلوكية في التع ُّلم‪ ،‬ونظرية القيمة في الاقتصاد‪ ،‬ونظرية‬ ‫ال ُعرف في الفقه والقانون‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬ ‫‪25‬‬

‫والقرآن الكريم يستعمل لفظ \"النظر\" في عد ٍد من المعاني‪ ،‬منها‪ :‬المعنى الذي يخت ُّص‬ ‫بالتف ُّكر (التفكير بوع ٍي‪ ،‬ومعاود ٍة‪ ،‬وعم ِق تأ ُّم ٍل)‪ ،‬والاعتبار (التفكير في حقائق الأمور‪ ،‬وأخذ‬ ‫العبرة)‪ ،‬والتد ُّبر (التفكير في أدبار الأمور‪ ،‬ومآلاتها‪ ،‬وعواقبها)‪ .‬ومن ذلك قوله تعالى‪:‬‬ ‫﴿ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﴾ [آل عمران‪،]137 :‬‬ ‫وقوله سبحانه‪﴿ :‬ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋ‬ ‫ﰌﰍﰎﰏ﴾ [الروم‪.]50 :‬‬ ‫والنظرية بوصفها بنا ًء فكري ًا هي ق َّمة الهرم الذي يك ِّون المعرفة البشرية‪ ،‬حيث‬ ‫يبدأ هرم المعرفة بالحقائق الجزئية‬ ‫المحسوسة التي تتجمع مفرداتها في‬ ‫مفاهيم أكثر تجريد ًا‪ ،‬وتربط بين هذه‬ ‫المفاهيم علاقات وقوانين تصف ما‬ ‫يحدث في الواقع‪ ،‬ث َّم تأتي النظريات‬ ‫لتف ِّسر القوانين التي تحكم السلوك‪.‬‬ ‫فوظيفة النظرية في البناء الفكري هي‬ ‫وظيفة تفسيرية‪ ،‬في حين أ َّن وظائف‬ ‫المستويات الأُخرى من المعرفة هي‬ ‫وظائف وصفية‪.‬‬ ‫وإذا كانت النظرية هي مستوى معين من المعرفة‪ ،‬فإ َّنها ليست معرفة جزئية‪ ،‬بل هي‬ ‫بناء ك ِّلي شمولي‪ .‬و\"النظرية\" في الاستعمال اللغوي العام تقابل \"الممارسة\"؛ ف َث َّمة أمو ٌر‬ ‫نظرية‪ ،‬و ُأخرى عملية‪ ،‬لك َّن الممارسة العلمية لا تنفك عن البناء النظري الذي يدفع إليها‪،‬‬ ‫أو يس ِّوغها‪ .‬والنظرية تحتفظ بموقعها في بنية المعرفة ما دامت تف ِّسر الظواهر الخاصة‬ ‫بتلك المعرفة‪ ،‬ولا ُتر َفض إلا عندما تعجز عن التفسير‪ ،‬فيتم تطوير رؤية جديدة تكون أقدر‬ ‫على التفسير‪ ،‬و ُتستب َعد النظرية لتح َّل مح َّلها نظري ٌة جديدة بديلة عنها‪.‬‬ ‫فالنظرية هي بناء فكري استنباطي يف ِّسر ظاهرة معينة‪ ،‬ويتن ّبأ بسلوك هذه الظاهرة‪،‬‬ ‫ويتك َّون من عد ٍد من الأفكار والمبادئ والعلاقات التي تصف سلوك الظاهرة‪ ،‬في ميدانها‬ ‫الطبيعي‪ ،‬أو الاجتماعي‪ ،‬أو النفسي‪ ،‬وتف ِّسر هذا السلوك‪.‬‬ ‫‪26‬‬

‫أ ّما النظرية التربوية فهي مجموعة الآراء والأفكار والمبادئ التي تف ِّسر ظاهرة \"التنشئة‬ ‫البشرية\"‪ ،‬بما فيها من رعاية وتع ُّلم وتعليم‪ ،‬وتتح َّدد في ضوئها أهداف التربية وموضوعاتها‬ ‫وطرق ممارساتها‪ .‬ومن المعروف أ َّن كثير ًا من مجالات التنشئة وعمليات التع ُّلم تتم عن‬ ‫طريق التقليد والتوريث الاجتماعي والثقافي‪ ،‬ولك َّن اكتساب أنواع من المعارف المعقدة‬ ‫يحتاج إلى تفسي ٍر من خلال نظرية تربوية معينة‪ .‬ونظرية \"التربية\"‪ ،‬أو النظرية التربوية ليست‬ ‫نظري ًة واحدة؛ فليس َث َّمة طريق ٌة واحدة لتفسير عملية التع ُّلم والتعليم‪ ،‬تقود إلى دليل مح َّدد‬ ‫حول كيفية ممارسة هذه العملية؛ إذ يوجد عد ٌد من النظريات‪ ،‬لك ٍّل منها خلفيتها الفلسفية‬ ‫والنفسية والمعرفية والاجتماعية‪.‬‬ ‫وتسعى النظرية التربوية إلى معرفة السياسات والممارسات التربوية وفهمها وتحديدها‪،‬‬ ‫وما تتض َّمنه من موضوعات أصول التدريس‪ ،‬وتصميم المناهج وتنفيذها‪ ،‬والإدارة التربوية‪.‬‬ ‫وقد عرف الفكر البشري نظريات تربوية متعددة عبر التاريخ‪ ،‬أسهم في تقديمها علماء‬ ‫ومف ِّكرون من اليونانيين‪ ،‬والصينيين‪ ،‬والهنود‪ ،‬والمسلمين‪ ،‬وغيرهم‪ .‬وكل نظرية من هذه‬ ‫النظريات يتم تطويرها في مجتمع ما كانت تستمد مفهومها من معتقدات ذلك المجتمع‬ ‫الدينية والفلسفية‪ ،‬ومن حالته الحضارية وطموحاته السياسية والاقتصادية‪ ،‬و ِم ْن َث َّم ترسم‬ ‫الصورة التي يسعى المجتمع إلى تنشئة أجياله وبناء مستقبله على أساسها‪ .‬ولذلك كانت‬ ‫النظريات التربوية تختلف من مجتمع إلى آخر‪ ،‬وفي المجتمع الواحد كانت النظرية‬ ‫التربوية المعتمدة تختلف من عصر إلى آخر‪ ،‬ومن مف ِّكر تربوي إلى مف ِّكر تربوي آخر‪.‬‬ ‫وتعتمد النظرية التربوية في كثير من الأحيان على النظريات النفسية‪ ،‬والاجتماعية‪،‬‬ ‫والفلسفية‪ ،‬والاقتصادية‪ ،‬وغيرها‪ .‬و َث َّمة ارتبا ٌط قوي بين علم التربية وعلم النفس؛ فعلم‬ ‫التربية علم تطبيقي يعتمد ‪-‬إلى ح ٍّد كبير‪ -‬على علم النفس في تفسيراته النظرية لعمليات‬ ‫التع ُّلم البشري‪ .‬ومن هنا‪ ،‬جاءت نظريات تربوية سلوكية ومعرفية وبنائية وغيرها‪ .‬و َث َّمة ارتبا ٌط‬ ‫قوي آخر بين النظرية التربوية والنظرية الاجتماعية‪ .‬ومن هنا‪ ،‬جاءت النظرية التربوية الثقافية‬ ‫التي تنظر في كيفية حدوث التعليم في مجمل ثقافة المجتمع‪ ،‬الذي يتض َّمن مؤسسات الدين‬ ‫والأسرة والمدرسة وغيرها؛ والنظرية التربوية الوظيفية التي تعتمد على علم اجتماع التربية‪.‬‬ ‫وكثير من النظريات التربوية كانت انعكاس ًا لفلسفات عامة؛ فقد عرفنا نظريات تربوية مثالية‪،‬‬ ‫وواقعية‪ ،‬وبراغماتية‪ ،‬ووجودية‪ ،‬وماركسية‪ ،‬وغيرها‪ ،‬لك َّن مجال العمل النظري في ميدان‬ ‫‪27‬‬

‫التربية أتاح للفلاسفة والمف ِكرين ذوي التو ُّجه النظري من مجالا ٍت معرفية تربوية ُأخرى‬ ‫المشاركة في مناقشة قضايا وقيم وسياسات تربوية‪ .‬ولذلك تح َّركت النظرية التربوية في‬ ‫الممارسة العملية من مجالها الض ِّيق في علم التربية إلى قضايا متداخلة التخ ُّصص؛ ُب ْغ َي َة‬ ‫تطوير الفكر الأفضل الذي يجمع بين حقل التربية والحقول الأُخرى‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإ َّن أفضل‬ ‫عمل في الدراسات المتداخلة التخ ُّصص سيكون له محور قوي من تخ ُّصص معين‪.‬‬ ‫و ُتف َهم النظرية التربوية أحيان ًا في إطار معنى عام ينقصه التحديد‪ ،‬حين يكون المقصود‬ ‫بها ما ُيك َتب عن التربية؛ سواء كان ما ُيك َتب مناقشات لمسائل نفسية‪ ،‬أو اجتماعية‪ ،‬أو‬ ‫فلسفية‪ .‬ولك ْن‪َ ،‬ث َّمة معنى آخر للنظرية التربوية أكثر تحديد ًا‪ ،‬وأضيق نطاق ًا‪ ،‬وأكثر صل ًة‬ ‫بعلم التربية‪ ،‬وهو مجموعة المبادئ والتوجيهات التي ُتق َّدم ل َمن يمارس العمل التربوي‬ ‫في الميدان؛ فالنظرية التربوية هي نظرية التربية‪(((.‬‬ ‫ولا تختلف النظرية التربوية الإسلامية ع ّما قيل عن النظرية التربوية بصورة عامة؛‬ ‫فهذه النظرية هي آراء وأفكار صاغها مف ِّكرون مسلمون‪ ،‬أو تمت ممارستها في مجتمعات‬ ‫إسلامية‪ ،‬حول موقع التربية في المجتمع‪ ،‬ومؤسساتها‪ ،‬وموضوعاتها‪ ،‬ومناهجها‪،‬‬ ‫وأساليبها‪ .‬فكانت هذه الآراء والأفكار انعكاس ًا لما ساد في هذه المجتمعات من معتقدات‪،‬‬ ‫تقوم أساس ًا على رؤية العا َلم الإسلامية ‪ ،Islamic Worldview‬التي تجيب عن أ ِّي أسئلة‬ ‫يثيرها العقل البشري عن الخالق‪ ،‬والعا َلم المخلوق‪ ،‬والإنسان ال ُمستخ َلف فيه‪ ،‬وطبيعة‬ ‫حياته‪ ،‬والغرض من وجوده الإنساني‪ ،‬وخصائص الإنسان الذي يسعى الإسلام إلى‬ ‫إيجاده‪ ،‬والمجتمع الذي يريد بناءه‪ ،‬والعمران البشري المادي والفكري في الأرض‪ .‬ونظر ًا‬ ‫لأ َّن النظرية التربوية الإسلامية هي اجتهاد فكري بشري؛ فقد اختلفت هذه الاجتهادت من‬ ‫عالِم مسلم إلى عالِم آخر‪ ،‬ومن مدرسة فكرية إلى ُأخرى‪ ،‬وتأ َّثرت النظرية التربوية بالثقافة‬ ‫والأوضاع السياسية والاجتماعية التي سادت عصور التاريخ الإسلامي‪ (((.‬ومع ذلك‪ ،‬فقد‬ ‫‪(1) Moore, Terence W. Educational Theory: An Introduction, Abingdon: Routledge Library‬‬ ‫‪Editions/ Education, 2012 Edition (first published 1974), P. 9.‬‬ ‫((( الكيلاني‪ ،‬ماجد عرسان‪ .‬تطور النظرية التربوية الإسلامية‪ ،‬دمشق وبيروت‪ :‬دار ابن كثير‪ ،‬ط‪1985 ،2‬م‪ .‬تح َّدث‬ ‫الكتاب بقدر من التفصيل عن أسس النظرية التربوية الإسلامية وتط ُّورها خلال القرون‪ ،‬بدء ًا بالقرن الهجري‬ ‫الأول‪ ،‬وتل ُّونها بالشخصيات التي مارست العمل التربوي‪ ،‬أو تح َّدثت عنه وصف ًا ميداني ًا‪ ،‬أو تنظير ًا معياري ًا؛‬ ‫وبالمدارس الفكرية التي تنتمي إليها هذه الشخصيات‪ :‬الفقهية‪ ،‬والصوفية‪ ،‬والفلسفية‪ ،‬والتاريخية‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫‪28‬‬

‫بقيت النظرية التربوية الإسلامية ثابت ًة في ملامحها العامة التي تم ِّيزها عن غيرها‪ .‬فهي رؤية‬ ‫كلية وتصور شمولي للعمل التربوي والتعليمي الذي ُي ِع ُّد الإنسان فرد ًا ومجتمع ًا لتحقيق‬ ‫غرض وجوده في هذه الحياة؛ وهي عبادة الله سبحانه لتزكية النفس وتطهيرها‪ ،‬والقيام‬ ‫بواجبات الخلافة والعمران في الأرض‪ ،‬وتحدد هذه الرؤية أسس التربية‪ ،‬ومناهجها‪،‬‬ ‫وموضوعاتها‪ ،‬وخصائصها‪ ،‬ومصادرها‪ ،‬وفق ما يجتهد التربوي المسلم في فهم المرجعية‬ ‫التربوية في الهدي الإلهي والتوجيه النبوي‪ ،‬مستأنس ًا بتجربة التراث الإسلامي‪ ،‬ومستوعب ًا‬ ‫الخبرة البشرية المعاصرة‪.‬‬ ‫‪ .٢‬فلسفة التربية‪:‬‬ ‫فلسفة التربية هي الدراسة الفلسفية للتربية ومشكلاتها‪ ،‬لكنَّها ليست موضوع ًا من‬ ‫موضوعات الفلسفة‪ ،‬وإ َّنما هي موضوع من موضوعات التربية‪ُ ،‬تدرس في مؤسساتها‪،‬‬ ‫و ُتناقش في أدبياتها‪ .‬فموضوعها هو التربية‪ ،‬ولك َّن طرق دراستها تتصل بالفلسفة من حيث‬ ‫تحليل وتوضيح المفاهيم والقضايا والنظريات واللغة المستعملة في العمل التربوي؛‬ ‫فالفلاسفة لا يضعون نظريات تربوية أو اقتصادية‪ ،‬ولكنَّهم يح ِّللون ما يو َضع من نظريات‪،‬‬ ‫ويو ِّجهون نقد ًا لها يؤدي إلى إلغائها‪ ،‬أو تعديلها‪ .‬وقد تح َّدث الباحثون الغربيون عن‬ ‫فلسفات التربية‪ ،‬بدء ًا بفلسفات سقراط (توفي‪399 :‬ق‪.‬م)‪ ،‬وأفلاطون (توفي‪347 :‬ق‪.‬م)‪،‬‬ ‫وأرسطو (توفي‪322 :‬ق‪.‬م) عن التربية‪ ،‬ث َّم قفزوا إلى فلسفات القرن الثامن عشر والقرن‬ ‫التاسع عشر للميلاد‪ ،‬ولا سيما أفكار لوك (توفي‪1704 :‬م)‪ ،‬وروسو (توفي‪1788 :‬م)‪،‬‬ ‫وكانط (توفي‪1804 :‬م)‪ ،‬وجون ستيوارت ميل (توفي‪1873 :‬م)‪ ،‬ث َّم إلى فلسفة جون‬ ‫ديوي (توفي‪1952 :‬م) البراغماتية الطبيعية‪ ،‬ث َّم إلى النظريات الغربية التي تط َّورت في‬ ‫القرن العشرين للميلاد‪ ،‬والفلسفات المعاصرة‪ ،‬مثل‪ :‬التحليلية‪ ،‬والوجودية‪ ،‬والظاهراتية‪،‬‬ ‫والنقدية‪ ،‬والتأويلية‪ ،‬والنسوية‪ ،‬والتو ُّجهات الفلسفية لما بعد الحداثة‪ .‬وق َّلما أشاروا إلى‬ ‫العصور الإسلامية‪ ،‬وما تط َّور فيها من ُأط ٍر وقواعد نظرية وممارسات عملية في التربية‪.‬‬ ‫وتهتم فلسفة التربية بتحليل وتوضيح مفاهيم وأسئلة ذات مواقع مركزية في الفكر‬ ‫التربوي والممارسة التربوية؛ ف َث َّمة أسئل ٌة قديمة ِق َدم الإنسان‪ ،‬سألها الإنسان قبل أ ْن يكون‬ ‫هناك متخ ِّصصون في فلسفة التربية‪ .‬واللافت أ َّن كثير ًا من هذه الأسئلة لا تزال قائمة‪،‬‬ ‫‪29‬‬

‫وأ َّن إجاباتها تتج َّدد؛ وهي أسئلة من قبيل‪ :‬ما مقاصد التربية وأهدافها؟ َمن الذين َيلزم‬ ‫تعليمهم وتربيتهم؟ كيف تتم تربية الأفراد تبع ًا لقدراتهم واهتماماتهم؟ ما مسؤولية الدولة‬ ‫عن التربية في مقابل مسؤولية الوالدين؟ واللافت أيض ًا أ َّن إجابات هذه الأسئلة لم تكن في‬ ‫التاريخ البشري إجابات معيارية مو َّحدة‪ ،‬لا للنوع البشري‪ ،‬ولا لأ ِّي مجتمع من مجتمعاته؛‬ ‫فكل مجتمع يجيب عنها في كل زمن وفق ظروف المجتمع في ذلك الزمن‪ ،‬وما تق ِّدمه‬ ‫الإجابات من فائدة للناس في ذلك الزمن‪ ،‬وفي الزمن الذي يأتي بعده‪ ،‬ور َّبما ما يصلح‬ ‫لمستقبل البشرية‪ .‬وفي كل َم َّر ٍة تأتي إجابات جيدة وسيئة‪ ،‬ويواصل المف ِّكرون تحليلهم‬ ‫ونقدهم للإجابات؛ ُب ْغ َي َة تطوير التربية إلى ما يتص َّورون أ َّنه الأفضل‪.‬‬ ‫وتأتي أهمية الفلسفة التربوية من أ َّن المسائل الكبرى التي تطرحها التربية هي‬ ‫مسائل فلسفية في الأساس‪ .‬فطبيعة الفرد الإنساني‪ ،‬ومتط َّلبات نم ِّوه وإعداده لمواجهة‬ ‫مسؤوليات الحياة‪ ،‬وطبيعة المجتمع والحياة المنشودة فيه‪ ،‬وما َيلزم للفرد والمجتمع‬ ‫من توفير المعرفة والخبرات التربوية من معلومات ومهارات وقيم؛ ك ُّلها مسائل وقضايا‬ ‫فلسفية‪ .‬ولهذا‪ ،‬فإ َّن الفلسفة التربوية تؤدي مهمة التفكير الفلسفي في هذه المسائل من‬ ‫حيث‪ :‬التأ ُّمل‪ ،‬والتحليل النقدي‪ ،‬والتحديد المعياري لما يجب أ ْن تكون عليه حيا ُة‬ ‫الإنسان الفردية والمجتمعية‪ ،‬وطبيعة المعرفة التي تلزمه‪ ،‬والقيم التي تو ِّجه حياته‪ ،‬كما‬ ‫تؤدي مهمة ُأخرى تخت ُّص بتوظيف ما يتأ ّتى عن هذا التحليل من توجيه وإرشاد للسياسات‬ ‫والممارسات التربوية لتحقيق الأهداف التربوية المنشودة‪.‬‬ ‫ولتيسير فهم العلاقة بين التربية والنظرية التربوية وفلسفة التربية‪ ،‬يمكن تص ُّور عملية‬ ‫التربية ك ِّلها وهي تتم في مبنى واحد يتك َّون من ثلاثة طوابق؛ إذ تمارس في الطابق الأول‬ ‫جميع الممارسات التعليمية من‪ :‬تدريس‪ ،‬وتخطيط‪ ،‬وتدريب‪ ،‬وتقويم على ما عهدنا‬ ‫حصوله في غرفة الصف‪ .‬وفي الطابق الثاني نجد النظرية التربوية في صورة مجموعة من‬ ‫المبادئ المترابطة والتوجيهات العملية التي تهدف إلى التأثير على ما يحدث في الطابق‬ ‫الأول من ممارسات تربوية‪ .‬أ ّما في الطابق الثالث فنجد فلسفة التربية التي تقوم بمهمة‬ ‫توضيح المفاهيم المستعملة في الطابقين السفليين (مثل‪ :‬التربية‪ ،‬والتعليم‪ ،‬والتع ُّلم)‪،‬‬ ‫وتحديد مك ِّونات النظرية التربوية‪ ،‬واختبار صدقها‪ ،‬وتماسكها‪ ،‬وقدرتها على توجيه‬ ‫الممارسات التي تتم في الطابق الأول‪.‬‬ ‫‪30‬‬

‫و ُتف َهم الفروق بين المستويات الثلاثة على أ َّنها فروق منطقية؛ أ ْي إ َّن ما يحدث في‬ ‫أ ِّي طابق ينطلق من الطابق الذي تحته‪ ،‬ليخدمه‪ ،‬ويو ِّفر له التوجيه اللازم‪ .‬فالنظرية التربوية‬ ‫‪-‬مثل ًا‪ -‬تح ِّدد النشاطات التربوية وتو ِّجهها‪ ،‬وفلسفة التربية تح ِّدد ك ّ ًل من النظرية التربوية‪،‬‬ ‫والنشاطات التربوية‪ (((.‬و َث َّمة فار ٌق من نوع آخر هو أ َّن الممارسات التربوية التي تتم في‬ ‫الطابق الأول هي نشاطات حسية تعتمد ‪-‬إلى ح ٍّد كبير‪ -‬على الإمكانات المادية والظروف‬ ‫العملية‪ ،‬في حين تكون النظرية التربوية في الطابق الثاني نشاط ًا من رتبة أعلى‪ ،‬يتصف‬ ‫بقدر من التجريد في تحديده لما َيلزم توفيره لخدمة الممارسات التربوية‪ .‬أ ّما الفلسفة‬ ‫التربوية في الطابق الثالث فهي نشاط من رتبة أعلى من رتبة النظرية‪ ،‬يتصف بقدر أكبر‬ ‫من التجريد حين ينظر إلى الإنسان في المجتمع‪ ،‬ويح ِّلل المفاهيم والعمليات‪ ،‬ويعطيها‬ ‫معاني ودلالات ُت ِعين في بناء نظريات مناسبة‪.‬‬ ‫وليس َث َّمة ش ٌّك في أ َّن الفلسفة التربوية ُتش َتق من الفلسفة العامة التي يتبنّاها المجتمع‪،‬‬ ‫ومرجعياته الفكرية‪ ،‬ومعتقداته الدينية‪ ،‬وخلفياته الثقافية‪ ،‬وطموحاته الحضارية‪ .‬و ِم ْن َث َّم‪،‬‬ ‫فليس َث َّمة ش ٌّك في أ َّن الفلسفة التربوية الإسلامية ستكون مستمد ًة من عقيدة الإسلام‬ ‫ونظامه العام‪ ،‬وما تتض َّمنه هذه العقيدة من أركان الإيمان‪ ،‬وتحديد مهمة الإنسان في عبادة‬ ‫الله والخلافة في الأرض‪ ،‬بقيم التوحيد والتزكية والعمران‪ ،‬وبسط الحرية‪ ،‬وإشاعة الخير‪،‬‬ ‫وإقامة العدل‪ .‬وحين ينحاز المجتمع الإسلامي إلى فلسفة التربية الإسلامية‪ ،‬سيكون عليه‬ ‫إدراك الفرق بين حالته القائمة وحالته المنشودة‪ ،‬والجهد اللازم بذله للتح ُّول من الواقع‬ ‫إلى الطموح‪ ،‬وتم ُّثلات هذا الجهد في النظرية التربوية التي يتبنّاها‪ ،‬والممارسات التربوية‬ ‫التي تقتضيها هذه النظرية لتحقيق هذا التح ُّول‪.‬‬ ‫ومن السهل إذا تح َّقق هذا الانحياز لفلسفة التربية الإسلامية أ ْن تتح َّقق الوظائف‬ ‫المأمولة منها في وضع أسس النظرية التربوية الإسلامية وعناصرها‪ ،‬ولا سيما مقاصد‬ ‫التربية وغاياتها في المجتمع‪ ،‬وتحديد ملامح النظام التربوي الإسلامي ومق ِّوماته وعناصره‬ ‫‪(1) Moore, Educational Theory: An Introduction, P. 5-8. See preview of the book at:‬‬ ‫‪- https://books.google.jo/books?id=sZw96Leb7wIC&printsec=frontcover&dq=inauth‬‬ ‫‪or: %22Terence+W.+Moore%22&hl=en&sa=X&ved=0ahUKEwjO9sPQ5vHUAhUEt‬‬ ‫‪hQKHRVUAkcQ6AEIKDAB#v=onepage&q&f=false.‬‬ ‫‪31‬‬

‫وخصائصه‪ ،‬وتحديد مصادر المعرفة ووسائل اكتسابها‪ ،‬والكشف عن القيم التي تحكم‬ ‫العمل التربوي‪ ،‬ومعالجة مشكلات التناشز القيمي بين فئات ال َم ْعنِ ّيين بالتربية والعاملين‬ ‫فيها‪ ،‬ومعالجة المشكلات الناتجه عن هذا التناشز‪ .‬وسوف نجد المرجعية الإسلامية‬ ‫حاضر ًة في كل ذلك‪ ،‬متم ِّثل ًة في المصادر الأربعة لهذه المرجعية‪ :‬القرآن الكريم‪ ،‬وال ُّسنة‬ ‫النبوية‪ ،‬والتراث الإسلامي‪ ،‬والخبرة البشرية المعاصرة‪.‬‬ ‫نكتفي بهذا القدر من الحديث عن النظرية التربوية والفلسفة التربوية؛ فنحن لسنا‬ ‫بإزاء إعداد كتاب في هذا المجال‪ .‬و َث َّمة كت ٌب متخ ِّصصة‪ ،‬ومساقات‪ ،‬أو مقررات دراسية‬ ‫جامعية على مستوى الدراسات العليا‪ ،‬تناقش ذلك بقدر من التفصيل‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فر َّبما‬ ‫لزم التنويه بعدد من الأمور‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫‪ -‬تأتي أهمية الحديث عن النظرية التربوية والفلسفة التربوية من أ َّن أ َّية مادة عنهما‬ ‫هي نوع من الفكر التربوي الذي يتأ َّسس على الممارسات العملية في التنشئة‬ ‫والتربية والتعليم‪ ،‬ويو ِّجه هذه الممارسات‪ ،‬ويح ِّللها‪ ،‬ويق ِّومها‪ ،‬وينقدها‪.‬‬ ‫‪ -‬إ َّن النظرية في العلوم الاجتماعية‪ ،‬ومنها التربية‪ ،‬لا نجدها بالتحديد والانضباط‬ ‫اللذي ِن نجدهما في العلوم الطبيعية‪ ،‬لا من حيث مك ِّونات النظرية‪ ،‬ولا من حيث‬ ‫غاياتها‪ ،‬ولا حتى في علم الاقتصاد ‪-‬مثل ًا‪ -‬الذي نجده أقرب إلى الدراسة العلمية‬ ‫التي تصف وتف ِّسر وتتن ّبأ بإنتاج المواد وتسويقها واستهلاكها‪.‬‬ ‫‪ -‬المادة الأساسية للنظرية التربوية هي في جزء كبير منها مادة علوم ُأخرى‪ ،‬مثل‬ ‫علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد وعلم الأحياء البشرية‪ ،‬وعلم الطب‪.‬‬ ‫وتأثيرات هذه العلوم كثيرة ومعقدة‪.‬‬ ‫‪ -‬تتأ َّثر النظرية التربوية كثير ًا بالأحكام القيمية التي يتبنّاها المجتمع؛ سواء كانت هذه‬ ‫الأحكام ذات مصدر ديني‪ ،‬أو سياسي‪ ،‬أو اجتماعي‪.‬‬ ‫وفيما يخ ُّص الفلسفة التربوية‪ ،‬فإ َّن كثير ًا من الكتابات المتاحة فيها تحتوي على‬ ‫معالجة القضايا الفلسفية أكثر من معالجتها للقضايا التربوية‪ .‬فمن المألوف ‪-‬مثل ًا‪ -‬أ ْن‬ ‫نجد هذه الكتابات تتح َّدث عن مباحث الفلسفة الرئيسية الثلاثة‪ :‬الوجود ‪،Ontology‬‬ ‫‪32‬‬

‫والمعرفة ‪ ،Epistemology‬والقيم ‪ ،Axiology‬أو نجدها تتح َّدث عن مباحث الفلسفة‬ ‫في صياغة ُأخرى لها‪ ،‬مثل رؤية العا َلم في مجالاتها الرئيسية الثلاثة‪ ،‬وهي‪ :‬الكون‪،‬‬ ‫والحياة‪ ،‬والإنسان‪ ،‬أو تجمع بين هذين النمطين‪ .‬وسنجد كثير ًا من هذه الكتب تتح َّدث‬ ‫عن الفلسفات التقليدية الثلاث‪ :‬المثالية‪ ،‬والواقعية‪ ،‬والذرائعية‪ ،‬التي كان الحديث عنها‬ ‫سائد ًا في النصف الأول من القرن العشرين مع القليل من اللمسات حول تج ِّليات هذه‬ ‫الفلسفات في الميدان التربوي‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬الفكر التربوي الإسلامي في الكتابات الحديثة والمعاصرة‪:‬‬ ‫‪ .١‬الكتابات التربوية باللغة العربية‪:‬‬ ‫لأغراض تأليف هذا الكتاب‪ ،‬راجع المؤ ِّلف عشرات الكتب المتاحة في الأسواق‪،‬‬ ‫التي جاء الفكر التربوي (أو التعليم‪ ،‬أو التربية) في عناوينها‪ ،‬فلاحظ أ َّن معظم هذه الكتب‬ ‫تتح َّدث قليل ًا عن مفهوم \"الفكر التربوي\" وعناصره وخصائصه ومصادره‪ ،‬وكثير ًا عن‬ ‫الفكر التربوي الذي ساد عصور ًا سابقة‪ ،‬وأصبح اليوم تراث ًا؛ أ ْي جزء ًا من التاريخ‪ .‬فالخلط‬ ‫بين الفكر التربوي والتراث التربوي ظاهر في معظم هذا الكتب‪ .‬ويستطيع القارئ أ ْن‬ ‫يختبر هذا التعميم من خلال فحص نوعين من الكتب‪:‬‬ ‫النوع الأول‪ :‬الكتب التي تتح َّدث عن الفكر التربوي الإسلامي‪ ،‬أو الفكر التربوي‬ ‫العربي‪ ،‬ليكون الجزء الأكبر من مادتها حديث ًا عن تط ُّور هذا الفكر في العصور الإسلامية‪،‬‬ ‫من عصر الرسالة إلى العصر الأموي‪ ،‬فالعباسي‪ ،‬فما بعده؛ أو عن الفكر التربوي لعلماء‬ ‫مختارين في التاريخ التربوي الإسلامي‪ ،‬مثل‪ :‬ابن سحنون‪ ،‬والقابسي‪ ،‬والزرنوجي‪،‬‬ ‫والغزالي‪ ،‬وابن خلدون‪ ،‬وغيرهم؛ أو عن المدارس الفكرية التربوية في التاريخ الإسلامي‪:‬‬ ‫الفقهية‪ ،‬والفلسفية‪ ،‬والصوفية‪ ،‬والأدبية‪ ،‬وغيرها؛ أو عن الفكر التربوي الذي ساد مصر ًا‬ ‫من أمصار المسلمين في عهد من العهود‪ ،‬مثل‪ :‬بلاد الشام في عصر الأيوبيين‪ ،‬ومصر في‬ ‫عصر المماليك‪ ،‬والأندلس في عهد المرابطين‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫والنوع الثاني‪ :‬الكتب التي تتح َّدث عن الفكر التربوي‪ ،‬أو فلسفة التربية‪ ،‬أو نظريات التربية‬ ‫بصورة عامة من دون أ ْن ُين َسب أ ٌّي منها إلى العرب أو المسلمين‪ .‬وسنجد الجزء الأكبر من مادة‬ ‫‪33‬‬

‫هذه الكتب حديث ًا عن الفلسفات التربوية التي انتسبت إلى شخصيات عرفها التاريخ الأوروبي‬ ‫على وجه الخصوص‪ .‬فموضوعات هذه الكتب هي الفكر التربوي‪ ،‬أو نظرية \"التربية\"‪ ،‬أو‬ ‫فلسفة التربية عند سقراط‪ ،‬وأفلاطون‪ ،‬وأرسطو‪ ،‬وروسو‪ ،‬وديوي‪ ،‬وغيرهم‪ .‬وقد نجد بعض‬ ‫هذه الكتب تضيف أسماء بعض العلماء المسلمين‪ ،‬مثل‪ :‬الفارابي‪ ،‬والغزالي‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬ ‫وسنجد بعض هذه الكتب تتح َّدث عن الفكر التربوي الذي يستند إلى الفلسفات التربوية التي‬ ‫ارتبطت بتلك الأسماء‪ ،‬مثل‪ :‬المثالية‪ ،‬والواقعية‪ ،‬والذرائعية (البراغماتية)‪ ،‬والإسلامية‪ .‬ومن‬ ‫الإنصاف أ ْن نشير إلى وجود بعض الكتب الحديثة التي تتح َّدث عن النظريات أو الفلسفات‬ ‫التربوية الحديثة والمعاصرة‪ ،‬مثل‪ :‬الوجودية‪ ،‬والسلوكية‪ ،‬والمعرفية‪ ،‬والبنائية‪ ،‬وغيرها‪(((.‬‬ ‫ولأ َّن كثير ًا م ّما ُكتِب عن الفكر التربوي كان في حقيقة الأمر ماد ًة عن التراث التربوي‪،‬‬ ‫وحتى لا يكون حديثنا عن الفكر التربوي تقليل ًا من أهمية التراث التربوي؛ فقد أشبعنا‬ ‫الحديث عن التراث التربوي (الإسلامي تحديد ًا) في ثلاثة كتب‪ ،‬صدرت لنا قبل أ ْن نشرع‬ ‫في تأليف هذا الكتاب عن الفكر التربوي الإسلامي المعاصر‪(((.‬‬ ‫من هذه المراجعة لاحظنا أ َّن مصطلح \"الفكر الإسلامي\" مصطل ٌح حديث‪ ،‬لم يكن‬ ‫شائع ًا في النصف الأول من القرن العشرين‪ ،‬وعندما كان ُيستع َمل بعد ذلك لم يكن يجد‬ ‫ترحيب ًا‪ ،‬ولا سيما عند المتخ ِّصصين في العلوم الإسلامية؛ إيثار ًا منهم للمصطلحات التي‬ ‫شاع استعمالها في كتب التراث‪ ،‬مثل مصطلح \"العلم\" في أ ِّي تخ ُّصص من التخ ُّصصات‬ ‫الأثيرة‪ ،‬مثل‪ :‬علم الفقه‪ ،‬وعلم العقيدة‪ ،‬وعلم التوحيد‪ ،‬وعلم المواريث‪ ،...‬هذا مع العلم‬ ‫بأ َّن مادة مصطلح \"الفكر\" حاضرة في القرآن الكريم بصورة لافتة‪ (((.‬ولع َّل من أوائل‬ ‫الم ْح َدثين في استعمال المصطلح في عناوين كتبهم محمد البهي في كتابه \"الفكر الإسلامي‬ ‫((( لا نود أ ْن تكون هذه الإشارات تقويم ًا لأ ٍّي من هذه الكتب‪ ،‬وحكم ًا عليها؛ فكل كتاب محكوم بظروف مؤ ِّلفه‪،‬‬ ‫وأغراضه من التأليف‪ .‬وتقتصر هذه الإشارات على درجة الارتباط بين محتوى الكتاب وعنوانه‪ ،‬ودرجة الإشباع‬ ‫التي يق ِّدمها الكتاب عن دلالة المفهوم أو المفاهيم المستعملة في عنوان الكتاب‪.‬‬ ‫((( الكتب الثلاثة هي‪:‬‬ ‫‪ -‬التراث التربوي الإسلامي‪ :‬حالة البحث فيه‪ ،‬ولمحات من تط ُّوره‪ ،‬وقطوف من نصوصه ومدارسه‪.‬‬ ‫‪ -‬نصوص مختارة من التراث التربوي الإسلامي‪.‬‬ ‫‪ -‬مشروعات بحثية في التراث التربوي الإسلامي‪.‬‬ ‫((( نوقش موضوع مصطلح \"الفكر\" وتط ُّور استعماله في الفصل الأول من كتاب \"البناء الفكري\"‪ .‬انظر‪:‬‬ ‫‪ -‬ملكاوي‪ ،‬البناء الفكري‪ :‬مفهومه ومستوياته وخرائطه‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.69-22‬‬ ‫‪34‬‬

‫الحديث وصلته بالاستعمار الغربي\"‪ ،‬ومحمد المبارك في كتابه \"الفكر الإسلامي الحديث‬ ‫في مواجهة الأفكار الغربية\"‪ ،‬ومحمد فتحي عثمان في كتابه \"الفكر الإسلامي والتط ُّور\"‪،‬‬ ‫وأنور الجندي في كتابه \"منابع الفكر الإسلامي\"‪ ،‬وغيرهم‪ .‬ولذلك‪ ،‬لا غرابة أ َّن استعمال‬ ‫مصطلح \"الفكر التربوي الإسلامي\" لم يصبح شائع ًا إلا في العقد الأخير من القرن العشرين‬ ‫ومطلع القرن الحادي والعشرين؛ فقد كانت هناك مصطلحات كثيرة تغطي الحاجة إلى‬ ‫الدلالة الخاصة بالفكر‪ .‬ومصطلح \"النُّ ُظم الإسلامية\" كان أكثر شيوع ًا؛ ف َث َّمة حدي ٌث عن‬ ‫\"نظام تربوي إسلامي\"‪ ،‬أو \"النظام التربوي في الإسلام\"‪ ،‬وكذلك الأمر فيما يخ ُّص مصطلح‬ ‫\"العلوم الإسلامية\"‪ :‬علم \"التربية في الإسلام\"‪ ،‬أو \"التعليم في الإسلام\"‪ ،‬أو ببساطة \"التربية‬ ‫الإسلامية\"‪ ،‬أو \"التعليم الإسلامي\"‪(((. ...‬‬ ‫وأكثر المصطلحات التي كانت ُتستع َمل في سياق الحديث عن الفكر التربوي الإسلامي‬ ‫مصطلح \"التربية الإسلامية\"‪ ،‬ومصطلح \"التعليم الإسلامي\"‪ ،‬فجاءت عناوين كتب تاريخ‬ ‫التربية الإسلامية‪ ،‬وأصول التربية الإسلامية‪ ،‬وأهداف التربية الإسلامية‪ ،‬ووسائل التربية‬ ‫الإسلامية‪ ،‬أو التعليم في العصر العباسي‪ ،‬أو العلم والتعليم في الأندلس‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬ ‫وقد أخذ مصطلح \"التربية الإسلامية\" عدد ًا من الدلالات المختلفة؛ فهو‪:‬‬ ‫‪ -‬مادة دراسية مدرسية ُتق َّدم لطلبة التعليم العام‪ ،‬ويكون فيها ُن َب ٌذ \"دينية إسلامية\" تتناسب‬ ‫مع عمر الطلبة؛ من‪ :‬مسائل العقيدة‪ ،‬والفقه‪ ،‬والتفسير‪ ،‬والحديث‪ ،‬والأخلاق‪،‬‬ ‫وبعض النصوص من القرآن الكريم وال ُّسنة النبوية‪ .‬وتس ّمى المادة أحيان ًا \"التربية‬ ‫الدينية\"‪ ،‬أو \"التربية الدينية الإسلامية\"‪ ،‬ونجد الحديث عنها عند محمد أمين‬ ‫المصري وغيره‪ (((.‬وتأتي عناوين الكتب المدرسية المقررة على هذا الأساس‪.‬‬ ‫((( نشر الدكتور سعيد إسماعيل علي واحد ًا من كتبه بعنوان \"بحوث في التربية الإسلامية\" عام ‪1987‬م‪ .‬ول ّما أعاد‬ ‫النظر في طبع الكتاب عام ‪2006‬م أجرى عليه بعض التعديلات‪ ،‬ونشره بعنوان \"الفكر التربوي الإسلامي وتحديات‬ ‫المستقبل\"‪ ،‬بالرغم من أ َّن معظم مادة الكتاب أبقت على المصطلح السابق عن التربية الإسلامية‪ .‬انظر‪:‬‬ ‫‪ -‬علي‪ ،‬سعيد إسماعيل‪ .‬الفكر التربوي الإسلامي وتحديات المستقبل‪ .‬القاهرة‪ :‬دار السلام‪2006 ،‬م‪ .‬انظر في‬ ‫الصفحة ‪ 5‬حديثه عن العنوان السابق للكتاب‪.‬‬ ‫((( المصري‪ ،‬محمد أمين‪ .‬لمحات من وسائل التربية الإسلامية وغاياتها‪ .‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1978 ،4‬م‪ .‬فقد جاء‬ ‫في مقدمة الكتاب قول المؤ ِّلف‪\" :‬والغرض الأول والآخر أ ْن يكون ُمد ِّرس التربية الدينية نموذج ًا لرجل العقيدة‪\".‬‬ ‫الصفحة ب‪ .‬وجاء العنوان الأول في الكتاب \"موقف التربية الدينية من الاتجاهات الحديثة في التربية\"‪ ،‬ص‪،1‬‬ ‫والعنوان الأخير \"أغراض التربية الدينية\"‪ ،‬ص ‪.244‬‬ ‫‪35‬‬

‫‪ -‬نجد مصطلح \"التربية الإسلامية\" عنوان ًا لمقرر جامعي‪ ،‬أو مادة دراسية جامعية‪،‬‬ ‫مثل‪\" :‬أصول التربية الإسلامية\"‪ ،‬أو \"مناهج التربية الإسلامية\"‪ ،‬أو \"تاريخ التربية‬ ‫الإسلامية\"‪ ،‬حيث يغلب في وصفها الإشارة إلى أعلام التراث التربوي الإسلامي‪،‬‬ ‫ومؤسساته‪ ،‬ومناهجه‪ .‬وقد تحتوى بعض هذه المقررات على مقترحات‬ ‫وإرشادات عن كيفية تدريس مواد التربية الإسلامية في المراحل الدراسية‬ ‫المختلفة‪ ،‬والنشاطات التعليمية الخاصة بهذا التدريس‪.‬‬ ‫‪ -‬نجد هذا المصطلح يم ِّثل تخ ُّصص ًا جامعي ًا كامل ًا‪ ،‬مثل \"مناهج وتدريس التربية‬ ‫الإسلامية\"‪ ،‬و ُي ِع ُّد ُمع ِّلمين لتدريس \"التربية الإسلامية\" في المدارس‪ ،‬أو لمواصلة‬ ‫الدراسة في نفس التخ ُّصص حتى مرحلة الدكتوراه؛ للعمل في التدريس الجامعي‬ ‫في التخ ُّصص نفسه‪.‬‬ ‫‪ -‬نجد مصطلح \"التربية الإسلامية\" ُمستع َمل ًا في سياق الحديث عن التنشئة العامة‬ ‫للأطفال‪ ،‬التي تشترك فيها بيئات التعليم ومؤسساته؛ من‪ :‬أسرة‪ ،‬ومدرسة‪ ،‬وأجهزة‬ ‫إعلام‪ ،‬وتوا ُصل‪ ،‬وإرشاد ثقافي‪ ،‬وديني‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬وتتو ّلى رعاية النشء في‬ ‫الجوانب الجسمية والعقلية والنفسية والأخلاقية التي تقتضيها معايير الإسلام‪.‬‬ ‫فعلى الأسرة في المعايير الإسلامية أ ْن تز ِّود الأبناء بالتربية الإسلامية لتتح َّقق‬ ‫التنشئة على الالتزام الديني في العبادات‪ ،‬والمعاملات‪ ،‬والسلوك الاجتماعي‪،‬‬ ‫والسلوك الأخلاقي‪ .‬ومؤسسات التعليم العام الرسمية تتح َّدث عن التربية‬ ‫والتعليم‪ ،‬فلا ُيتو َّقع منها أ ْن تقتصر على تقديم التعليم في الموضوعات المختلفة؛‬ ‫من‪ :‬موضوعات \"دينية\"‪ ،‬ولغة‪ ،‬ورياضيات‪ ،‬وعلوم طبيعية‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬بل يتع َّين‬ ‫عليها أ ْن تو ِّفر بيئ ًة للتوجيه والإرشاد التربوي في مجالات النمو البدني والنفسي‬ ‫والاجتماعي‪ ،‬وفي أنماط التفكير والسلوك‪ .‬وفي المجتمع الإسلامي ُيفت َرض أ ْن‬ ‫تكون معايير التربية والتنشئة في الأسرة والمدرسة معايير تربوية إسلامية‪.‬‬ ‫‪ -‬التربية الإسلامية ِع ْل ٌم من العلوم التربوية‪ ،‬أو فرع علمي من فروع علم التربية؛‬ ‫إذ ُتصنَّف علوم التربية على أساس عمليات التربية‪ ،‬مثل‪ :‬الإدارة‪ ،‬والتمويل‪،‬‬ ‫والتدريس‪ ،‬والتع ُّلم‪ ،‬والتقويم؛ أو على أساس التو ُّجهات الفكرية والفلسفية‪،‬‬ ‫مثل‪ :‬المثالية‪ ،‬والواقعية‪ ،‬والبراغماتية‪ ،‬والإسلامية‪.‬‬ ‫‪36‬‬

‫فهذه خمسة معا ٍن للتربية الإسلامية‪ ،‬والذي يهمنا تأكيده في هذا السياق هو أن التربية‬ ‫الإسلامية في معناها الشامل تشمل أوساط التربية المختلفة من أسرة ومدارس وجامعات‪،‬‬ ‫ووسائل الاتصال والإعلام‪ ،‬ومؤسسات المجتمع المختلفة‪ ،‬وتشمل كذلك على التنمية‬ ‫والإعداد والنمو المعرفي والسلوكي في المسائل الدينية والدنيوية‪ ،‬وتستهدف أفراد المجتمع‬ ‫من جميع الأعمار‪ .‬أما المعاني الخمسة التي وردت الإشارة إليها آنف ًا‪ ،‬فكثير من ماد ِة أ ٍّي منها‬ ‫يقع ضمن ما نس ّميه الفكر التربوي الإسلامي‪ .‬وتتم َّثل عناصر هذا الفكر فيما يأتي‪:‬‬ ‫‪ -‬تراث إسلامي يتم َّثل في كتابات علماء الإسلام عن العلم والتع ُّلم والتعليم؛ سواء‬ ‫كانت هذه الكتابات نصوص ًا مرجعية‪ ،‬أو أحكام ًا فقهية‪ ،‬أو وصف ًا للممارسات‬ ‫والمؤسسات في التاريخ الإسلامي‪ ،‬عن الواقع الذي شهدته عصور هذا التراث‪،‬‬ ‫أو تحديد ًا لما كان يجب أ ْن يكون عليه هذا الواقع‪ .‬وهذه العناصر هي أقرب إلى‬ ‫الحديث عن التربية في التاريخ الإسلامي‪.‬‬ ‫‪ -‬شرح وتفسير لنصوص القرآن الكريم وال ُّسنة النبوية ذات الصلة بالعلم والتع ُّلم‬ ‫والتعليم؛ لترشيد ممارسات التعليم في المجتمعات الإسلامية بهدف الحفاظ‬ ‫على الهوية الإسلامية لهذه المجتمعات‪ .‬وقد يكون هذا الشرح والتفسير من قبيل‬ ‫ما سبق حضوره في التراث‪ ،‬فيكون امتداد ًا للتراث‪ ،‬أو يكون فهم ًا جديد ًا تقتضيه‬ ‫ظروف الحاضر ومتط َّلباته ومشكلاته‪ ،‬فيكون أقرب إلى كونه فكر ًا معاصر ًا‪.‬‬ ‫‪ -‬مراجعة الفكر التربوي في تش ُّكله وتط ُّوره التاريخي لدى الأمم المختلفة‪ ،‬وما‬ ‫تض َّمنه هذا الفكر من نظريات وفلسفات‪ ،‬مع تحليل نقدي لها‪ ،‬وتحديد ما يمكن‬ ‫قبوله منها‪ ،‬أو رفضه‪ ،‬أو تعديله في ضوء المرجعية الإسلامية‪.‬‬ ‫‪ -‬مناقشة التيارات الفكرية والفلسفات التربوية المعاصرة السائدة اليوم في المجتمعات‬ ‫الإسلامية‪ ،‬وبيان ما أدت إليه هذه التيارات والفلسفات من حالات التبعية‪ ،‬والضعف‪،‬‬ ‫ونضوب الإبداع العلمي والفكري‪ ،‬وغياب الإسهام الحضاري في ساحة العا َلم‪.‬‬ ‫‪37‬‬

‫ويبدو أ َّن الكتابة عن الفكر التربوي الإسلامي((( أخذت تتبلور في صورة ميدان معرفي‬ ‫متميز‪ ،‬مع بداية القرن العشرين‪ ،‬وتزايد حضورها حول منتصف القرن‪ ،‬وفي النصف الثاني‬ ‫منه‪ .‬ونلاحظ أ َّن بعض البدايات المبكرة كانت أطروحات جامعية ُكتِبت في الجامعات‬ ‫الغربية‪ ،‬وانتقلت فكرة الأطروحات إلى بعض الجامعات العربية‪ .‬وفي كلتا الحالتين كان‬ ‫ال ُب ْعد التاريخي هو محتوى هذه الأطروحات؛ سواء فيما كانت عليه موضوعات التعليم‬ ‫ومؤسساته‪ ،‬أو مصادره وأعلامه‪ (((.‬ومن الكتابات المبكرة‪:‬‬ ‫‪ -‬خليل طوطح في كتابه \"التربية عند العرب\"‪ ،‬الذي ُطبِع في المطبعة التجارية في‬ ‫نابلس بفلسطين عام ‪1935‬م‪ .‬والكتاب ترجمة عربية لأطروحة المؤ ِّلف في‬ ‫الدكتوراه التي ق َّدمها في جامعة كولومبيا الأمريكية‪.‬‬ ‫‪ -‬محمد أسعد طلس في كتابه \"التربية والتعليم في الإسلام\"‪ ،‬الذي ُطبِع عام ‪1960‬م‪.‬‬ ‫والكتاب في الأصل جزء من أطروحة دكتوراه ق َّدمها المؤ ِّلف في جامعة السوربون‬ ‫عام ‪1939‬م‪ ،‬وصدرت الطبعة الأُولى من ترجمتها العربية عام ‪1960‬م‪(((.‬‬ ‫‪ -‬أحمد فؤاد الأهواني الذي حصل على أطروحة الدكتوراه عام ‪1943‬م من جامعة‬ ‫القاهرة‪ ،‬على بحثه \"التربية في الإسلام\"‪ُ ،‬مل َحق به \"الرسالة المفصلة لأحوال‬ ‫((( أو \"العربي\"؛ إذ اختار بعض المؤ ِّلفين أ ْن يجعلوا عناوين كتبهم عن \"الفكر العربي\" انسجام ًا مع الظروف السياسية‬ ‫التي سادت بعض فترات التاريخ الحديث في بعض البلدان؛ إعلا ًء من الشأن القومي‪ ،‬وتجنُّب ًا للمؤ ِّشرات‬ ‫الدينية‪ ،‬بالرغم من أ َّن محتوى هذه الكتب هو حديث عن علماء الأُ َّمة الإسلامية في التاريخ الإسلامي‪ ،‬وعن‬ ‫المذاهب الفكرية التربوية التي عرفها ذلك التاريخ‪ ،‬بغ ِّض النظر عن الانتماء العرقي (القومي) لهؤلاء العلماء‬ ‫أو شخصيات هذه المذاهب‪.‬‬ ‫((( عبد الدايم‪ ،‬عبد الله‪ .‬التربية عبر التاريخ‪ :‬من العصور القديمة حتى أوائل القرن العشرين‪ ،‬بيروت‪ :‬دار العلم للملايين‪،‬‬ ‫ط‪1984 ،5‬م‪ .‬وقد أشار المؤ ِّلف في الصفحة ‪ 5‬إلى أ َّن الطبعة الأُولى من الكتاب صدرت عام ‪1960‬م‪ ،‬ص‪.5‬‬ ‫وورد في المقدمة كذلك قول المؤ ِّلف‪\" :‬إ َّن معرفة تط ُّور الفكر التربوي مدخل لازب لكل َمن أراد أ ْن يفهم الأنظار‬ ‫التربوية والاتجاهات التربوية والنظم التربوية التي نعيش اليوم في قلبها‪ .‬فهذه الأنظار والاتجاهات والنظم مهما‬ ‫تعرف من تجديد وتحديث وليدة مخاض تاريخي طويل‪ ،‬وتجربة بعيدة الجذور‪ ... ،‬وقد لا نفقه الكثير من ثمرات‬ ‫التربية الحديثة إذا لم نعرف أصولها وجذورها‪ ،‬وإذا لم نتبين كيف ُولِدت وتك َّونت من خلال الإرث التاريخي‬ ‫الذي تنتسب إليه‪ \".‬ص‪ .7-6‬ونلاحظ هنا أ َّن المؤ ِّلف قد تح َّدث في فقرة واحدة‪ ،‬مستعمل ًا مصطلحات الفكر‬ ‫التربوي‪ ،‬والنظرية التربوية (الأنظار)‪ ،‬والنظم التربوية‪ ،‬والإرث التاريخي للتربية الحديثة‪.‬‬ ‫((( طلس‪ ،‬محمد أسعد‪ .‬التربية والتعليم في الإسلام‪ ،‬القاهرة‪ :‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‪2014 ،‬م‪ ،‬ص‪.27‬‬ ‫وقد صدرت الطبعة العربية الأُولى من الكتاب عام ‪1960‬م‪.‬‬ ‫‪38‬‬

‫ال ُمع ِّلمين وال ُمتع ِّلمين\" للقابسي‪ ،‬و\"رسالة آداب ال ُمع ِّلمين\" لابن سحنون‪(((.‬‬ ‫‪ -‬خطاب عطية علي في أطروحته عن \"التعليم في مصر في العصر الفاطمي الأول\"‪،‬‬ ‫التي نشرتها دار الفكر العربي في القاهرة عام ‪1947‬م‪.‬‬ ‫‪ -‬أحمد شلبي الذي أع َّد أطروحة الدكتوراه في جامعة كمبردج البريطانية‪ ،‬بعنوان‪:‬‬ ‫\"تاريخ التربية الإسلامية\" عام ‪1953‬م‪ ،‬وصدرت الطبعة الأُولى من ترجمتها إلى‬ ‫العربية عام ‪1967‬م‪(((.‬‬ ‫‪ -‬فتحية حسن سليمان التي كتبت عن \"المذهب التربوي عند الغزالي\"‪ ،‬و ُن ِشرت في‬ ‫دار الهنا بالقاهرة عام ‪1956‬م‪ ،‬ثم كتبت عن \"المذهب التربوي عند ابن خلدون\"‪،‬‬ ‫و ُن ِشرت في مكتبة نهضة مصر بالقاهرة عام ‪1957‬م‪.‬‬ ‫‪ -‬عبد الله عبد الدايم الذي نشر كتابه عن تاريخ التربية عام ‪1960‬م‪ ،‬وض َّمنه باب ًا بعنوان‬ ‫\"التربية العربية\"‪ ،‬تح َّدث فيه عن مؤسسات التعليم الإسلامي ومناهجه وأعلامه‪.‬‬ ‫‪ -‬محمد أمين المصري في كتابه \"لمحات في وسائل التربية الإسلامية وغاياتها\"‪،‬‬ ‫الذي أصدرت طبعته الأُولى دار الفكر في دمشق‪ ،‬من دون تاريخ‪ ،‬ولع َّلها كانت‬ ‫في منتصف ستينيات القرن العشرين‪ .‬والطبعة المتوافرة على عدد من المواقع‬ ‫الإلكترونية هي الطبعة الرابعة الصادرة عام ‪1978‬م‪.‬‬ ‫ونجد الآن كتابات كثيرة عن الفكر التربوي الإسلامي المعاصر‪ ،‬أسهم في كثرتها‬ ‫التزايد المتواصل لعدد الجامعات وكليات التربية فيها‪ ،‬وظهور عدد من المجلات العلمية‬ ‫الدورية المتخ ِّصصة في التربية والتعليم‪ ،‬وبعضها في التعليم الإسلامي تحديد ًا‪ ،‬وتأسيس‬ ‫جمعيات مهنية متخ ِّصصة في التربية والتعليم‪ ،‬وتنظيم مؤتمرات عالمية وإقليمية ومحلية‬ ‫عن قضايا التربية الإسلامية والفكر التربوي الإسلامي‪ ،‬إضاف ًة إلى حضور الفكر الإسلامي‬ ‫في معترك الحياة المعاصرة‪.‬‬ ‫((( الأهواني‪ ،‬أحمد فؤاد‪ .‬التربية في الإسلام‪ ،‬مع ملحق بكتاب \"الرسالة المفصلة لأحوال المعلمين وأحكام‬ ‫المعلمين والمتعلمين\" للقابسي‪ ،‬وكتاب \"آداب المعلمين لابن سحنون\"‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار المعارف‪1967 ،‬م‪.‬‬ ‫((( شلبي‪ ،‬أحمد‪ .‬تاريخ التربية الإسلامية‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الكشاف للنشر والطباعة والتوزيع‪1954 ،‬م‪.‬‬ ‫‪39‬‬

‫ولع َّل من الأحداث المهمة التي و َّلدت زخم ًا من الاهتمام بموضوع الفكر التربوي‬ ‫الإسلامي‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬المؤتمر العالمي الأول للتعليم الإسلامي الذي ُع ِقد في مكة‬ ‫المكرمة ما بين ‪ 20-12‬ربيع الثاني عام ‪1397‬ﻫ‪ /‬الموافق ‪ 31‬مارس‪ 8 -‬إبريل ‪1977‬م‪،‬‬ ‫بإشراف جامعة الملك عبد العزيز‪ ،‬وشارك فيه ‪ 313‬مف ِّكر ًا وعالِم ًا وباحث ًا من ‪ 40‬بلد ًا‪ ،‬و ُق ِّدم‬ ‫فيه ‪ 150‬بحث ًا‪ ،‬إلى جانب الدراسات التي ُأجريت عن حالة التعليم في البلدان الإسلامية‬ ‫المختلفة‪ .‬وكان الجديد فيه اهتمام كبير بضرورة اعتماد معايير لتطوير التعليم الإسلامي‬ ‫المدرسي والجامعي سبيل ًا إلى إصلاح واقع المجتمعات الإسلامية‪ .‬وانبثق عن المؤتمر‬ ‫تأسيس مركز عالمي للتعليم الإسلامي مق ُّره جامعة الملك عبد العزيز بجدة‪ ،‬ومجلة دورية‬ ‫باللغة الإنجليزية عن التعليم الإسلامي مركزها في بريطانيا‪ ،‬وتنظيم سلسلة من المؤتمرات‬ ‫المتخ ِّصصة اللاحقة‪ .‬وقد صدرت أعمال هذا المؤتمر في ستة مجلدات باللغة العربية‪،‬‬ ‫بعد ترجمة المواد التي ُكتِبت بالإنجليزية‪ ،‬وستة مجلدات مثلها باللغة الإنجليزية‪ ،‬بعد‬ ‫ترجمة المواد التي ُكتِبت بالعربية‪ (((.‬وتبع هذا المؤتمر أربعة مؤتمرات ُأخرى‪ُ ،‬ع ِقدت في‬ ‫باكستان (‪1979‬م)‪ ،‬وبنغلاديش (‪1981‬م)‪ ،‬وإندونيسيا (‪1985‬م)‪ ،‬والقاهرة (‪1987‬م)‪،‬‬ ‫وتخ َّصص كل مؤتمر منها في موضوع مح َّدد من موضوعات التربية الإسلامية‪ .‬وقد ش َّكلت‬ ‫هذه المؤتمرات زخم ًا ملحوظ ًا في الاهتمام بالتو ُّجه الإسلامي في مجالات إصلاح التعليم‪،‬‬ ‫وإنشاء جامعات إسلامية في عدد من البلدان‪ ،‬وتطوير برامج ومشروعات إسلامية المعرفة‪،‬‬ ‫والتأصيل الإسلامي للعلوم‪ ،‬والتوجيه الإسلامي للعلوم‪ ،‬وغير ذلك‪(((.‬‬ ‫((( صدرت المجلدات الستة باللغة الإنجليزية بالتعا ُون بين جامعة الملك عبد العزيز بجدة ودار ‪Hodder and‬‬ ‫‪ Stoughton‬للنشر البريطانية‪.‬‬ ‫((( ق َّدم الدكتور سيد علي أشرف إلى مؤتمر \"نحو بناء نظرية تربوية إسلامية معاصرة\" في الأردن صيف ‪1990‬م‪،‬‬ ‫ورق ًة مف َّصل ًة عن تقويم أعمال المؤتمرات الخمسة وتوصياتها‪ ،‬وما أحدثته من زخم فكري إصلاحي عام‪ .‬انظر‪:‬‬ ‫‪- Ashraf, Sayed Ali. \"Islamic Education: Recommendations and Implementation of the‬‬ ‫‪Five Conferences on Islamic Education\".‬‬ ‫وقد ُن ِشرت الورقة بكاملها في أعمال المؤتمر‪ .‬انظر‪:‬‬ ‫‪ -‬ملكاوي‪ ،‬فتحي حسن (مح ِّرر)‪ .‬بحوث المؤتمر التربوي‪ ،‬ع ّمان‪ :‬المعهد العالمي للفكر الإسلامي وجمعية‬ ‫الدراسات والبحوث الإسلامية‪1990 ،‬م‪ .‬المجلد الأول‪ ،‬الجزء الإنجليزي‪ ،‬ص‪.62-1‬‬ ‫‪40‬‬

‫ونظر ًا لكثرة الكتابات الموجودة اليوم في الفكر التربوي الإسلامي‪ ،‬وكثرة المؤ ِّلفين‬ ‫فيه؛ فقد لا يكون من الإنصاف وضع قائمة قد لا تستوعب الجميع‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬سوف‬ ‫نشير إلى بعض الر ّواد الذين أسهموا في تنظيم هذه المؤتمرات‪ ،‬وتوجيه َد َّفة الاهتمام‬ ‫بموضوعاتها عند الحديث عن أدبيات الفكر التربوي الإسلامي التي ُكتِبت بغير العربية‪.‬‬ ‫أ ّما هؤلاء الذين أسهموا في إغناء الميدان في كتاباتهم بالعربية على مدى يزيد على نصف‬ ‫القرن الماضي‪ ،‬وكانت إسهاماتهم متم ِّيزة في حجم الكتابة التربوية ونوعها‪ ،‬إضاف ًة إلى‬ ‫ممارستهم العمل التربوي في التعليم العام والتعليم الجامعي؛ فنجد من الإنصاف أ ْن نشير‬ ‫إلى أبرز اثنين منهم‪ ،‬دون أ ْن نق ِّلل من شأن غيرهم‪((( :‬‬ ‫سعيد إسماعيل علي‪ :‬هو أستاذ أصول التربية في جامعة عين شمس بمصر‪ ،‬من‬ ‫مواليد القاهرة عام ‪1937‬م‪ .‬وقد تخ َّرج على يديه مئات من الطلبة الذي أصبحوا أساتذة‬ ‫في جامعات كثي ٍر من البلدان‪ ،‬وزاد إنتاجه الفكري (حتى الآن) عن مئة وعشرين كتاب ًا‪،‬‬ ‫يقع معظمها في دائرة الفكر التربوي الإسلامي‪ .‬أسهم هذا الأستاذ في الكتابة والتأليف‬ ‫والممارسة في ميدان التعليم العام والتعليم الجامعي‪ ،‬وأصدر مجلة \"دراسات تربوية\"‬ ‫(‪ 80‬جزء ًا)‪ ،‬وسلسلة \"قضايا تربوية\" (‪ 13‬عدد ًا)‪ ،‬والكتاب السنوي في التربية وعلم‬ ‫النفس (‪ 16‬مجلد ًا)‪ ،‬فضل ًا عن مئات البحوث والمقالات في عدد من الدوريات العلمية‬ ‫والصحف الأسبوعية واليومية‪ .‬ومن أبرز مؤ َّلفاته‪ :‬موسوعة \"التط ُّور الحضاري للتربية‬ ‫الإسلامية\" في سبعة مجلدات‪ ،‬وموسوعة \"التط ُّور الثقافي للتعليم في مصر\" في خمسة‬ ‫مجلدات‪ ،‬وموسوعة \"أصول الفقه التربوي الإسلامي\" في أربعة مجلدات‪ ،‬وغيرها‪.‬‬ ‫ماجد عرسان ربابعة الكيلاني‪ :‬من مواليد الشجرة قرب الرمثا في الأردن عام‬ ‫‪1932‬م‪ ،‬عمل في التعليم العام والتعليم الجامعي‪ ،‬وتوفي عام ‪2015‬م‪ .‬تخ َّصص‬ ‫في دراسة التاريخ والتربية‪ ،‬ودرس في جامعة القاهرة‪ ،‬والجامعة الأردنية‪ ،‬والجامعة‬ ‫الأمريكية في بيروت‪ ،‬وجامعة بتسبرغ في ولاية بنسلفانيا الأمريكية‪ .‬وقد مارس التعليم‬ ‫((( لا شك في أ َّن معرفة المؤ ِّلف بهذين ال َعلم ْي ِن من أعلام الفكر التربوي الإسلامي المعاصر‪ ،‬وصلته الشخصية‬ ‫بهما وتعامله معهما‪ ،‬جعلته على ُألفة كافية بإسهاماتهما‪ ،‬وبالتزامهما الواضح والصريح بضرورة الإصلاح‬ ‫التربوي الإسلامي وتف ُّرغهما له‪ .‬و ِم ْن َث َّم‪ ،‬فإ َّن اختياره لهما دون غيرهما ُي َع ُّد نوع ًا من \"التح ُّيز\" المبني على هذه‬ ‫المعرفة والصلة‪.‬‬ ‫‪41‬‬

‫الجامعي في الأردن والسعودية والإمارات‪ .‬من أعماله في الفكر التربوي‪\" :‬تط ُّور مفهوم‬ ‫النظرية التربوية الإسلامية\"‪ ،‬و\"أهداف التربية الإسلامية\"‪ ،‬و\"فلسفة التربية الإسلامية\"‪،‬‬ ‫و\"التربية والمستقبل في المجتمعات الإسلامية\"‪ ،‬و\"مناهج التربية الإسلامية والمربون‬ ‫العاملون فيها\"‪ .‬ومن أكثرها شهر ًة كتاب \"هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت‬ ‫القدس\"‪ ،‬الذي ُطبِعت منه مئات الآلاف من النسخ‪ ،‬و ُتر ِجم إلى عدد من اللغات‪ .‬وقد ب َّين‬ ‫فيه أ َّن ظاهرة \"صلاح الدين الأيوبي\" ليست ظاهرة بطولة فردية خارقة‪ ،‬وإ َّنما هي نتيجة‬ ‫ُمق َّدرة لجهود الأُ َّمة في التجديد والإصلاح السياسي والفكري والتربوي‪ ،‬وهو نموذ ٌج‬ ‫قابل للتكرار في كل العصور‪ ،‬وب َّين كذلك أهمية فهم القوانين والسنن التاريخية و ُفرص‬ ‫تطبيقاتها المعاصرة في حياة الأُ َّمة‪.‬‬ ‫‪ .2‬الكتابات التربوية بغير اللغة العربية‪:‬‬ ‫كان الحديث حتى الآن عن الفكر التربوي الإسلامي المكتوب باللغة العربية‪ ،‬ولك َّن‬ ‫الأمانة تحتم علينا أ ْن نشير إلى جهود ُمق َّدرة ُب ِذلت في المجتمعات الإسلامية غير العربية‬ ‫لتطوير التربية الإسلامية والفكر التربوي الإسلامي‪ ،‬ولا سيما في ماليزيا‪ ،‬وإندونيسيا‪،‬‬ ‫والهند‪ ،‬والباكستان‪ ،‬وتركيا‪ ،‬وإيران‪ ،‬وفي مواطن الجاليات الإسلامية الكبيرة في أوروبا‬ ‫وأمريكا الشمالية‪ .‬وقد ُكتِبت في هذه الجهود‪ ،‬وعنها بلغات الشعوب الإسلامية واللغة‬ ‫الإنجليزية وغيرها من اللغات الأوروبية‪ ،‬ماد ٌة يصعب حصرها‪ ،‬ولم ُيتر َجم منها إلى اللغة‬ ‫العربية إلا القليل‪ .‬وكان من بين ما ُتر ِجم بعض الأطروحات الجامعية التي ُأ ِع َّدت في‬ ‫الجامعة الأوروبية أو الأمريكية‪ ،‬وأصبحت بعد نشر ترجماتها العربية جزء ًا من الكتابات‬ ‫العربية التي أشرنا إليها‪ ،‬والميزة الأساسية لها أ َّنها ا َّتخذت منهج ًا بحثي ًا صارم ًا‪ ،‬ور َّبما‬ ‫تض َّمن بعضها شيئ ًا من آراء المستشرقين‪.‬‬ ‫أ ّما مادة الفكر التربوي الإسلامي التي ُكتِبت بغير العربية فر َّبما ُنم ِّيز فيها بين فئات‬ ‫ِع َّدة‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫‪ -‬ما كتبه مسلمون في المجتمعات الإسلامية غير العربية من منطلق الرؤية الإسلامية‪،‬‬ ‫بلغات الشعوب الإسلامية‪ ،‬وكثي ٌر منه يعالج مسائل تربوية محلية تخت ُّص بإصلاح‬ ‫وضع التعليم الديني الإسلامي في المؤسسات التقليدية المس ّماة ‪ ،madrasa‬أو‬ ‫‪ Darul Ulum‬في القارة الهندية‪ ،‬أو \"الحوزة\" في إيران‪ ،‬أو \"مدارس إمام وخطيب\"‬ ‫‪42‬‬

‫في تركيا؛ أو بمعالجة وضع التعليم الإسلامي في مجتمعات تحتوي على نسبة‬ ‫كبيرة من غير المسلمين كما في ماليزيا‪ ،‬أو في مجتمعات الأقليات الإسلامية في‬ ‫تايلند والفلبين والصين وغيرها‪.‬‬ ‫‪ -‬ما كتبه غير المسلمين باللغات الأوروبية‪ ،‬ولا سيما الإنجليزية‪ ،‬والفرنسية‪،‬‬ ‫والإسبانية‪ ،‬والألمانية‪ ،‬وهي لا شك مادة كبيرة‪ .‬وقد ُكتِب بعضها في إطار البيان‬ ‫التاريخي للحضور الإسلامي في ميدان التعليم في فترات زمنية ومناطق جغرافية‬ ‫معينة‪ ،‬وتأ َّثر بعض آخر بمناهج نقدية استشراقية‪ .‬وهي لا تخلو من قيمة علمية‪ ،‬وقد‬ ‫لا يخلو بعضها من فهم خطأ؛ نتيجة قصور ونقص في المعلومات‪ ،‬أو تشويه مقصود‪.‬‬ ‫‪ -‬ما كتبه مسلمون يقيمون في أوروبا أو شمال أمريكا باللغات الأوروبية من باب‬ ‫رؤيتهم الفكرية التي تع ِّرف بالفكر التربوي الإسلامي‪ ،‬أو تدعو إلى إصلاحه‪ ،‬أو‬ ‫تنتقد سياقاته التاريخية‪ ،‬وتراه سبب ًا في تخ ُّلف المسلمين‪.‬‬ ‫‪ -‬ما ُكتِب ليكون مادة تعليمية في مؤسسات التعليم الإسلامي العام والجامعي‬ ‫لخدمة الجاليات الإسلامية‪.‬‬ ‫‪ -‬ما ُكتِب عن التعليم الإسلامي في مراكز البحث في أوروبا وأمريكا والصين‬ ‫وروسيا‪ ،‬بحوافز فكرية وسياسية؛ لتعزيز التهم التي ُتو َّجه إلى مؤسسات هذا‬ ‫التعليم ومناهجه بأ َّنه ُين ّمي ميول التط ُّرف والعنف‪.‬‬ ‫‪ -‬غير ذلك من الفئات التي يكشف عنها البحث والاستقصاء‪.‬‬ ‫وهذه الإشارات العابرة إلى كتابات الفكر التربوي الإسلامي باللغات غير العربية‬ ‫غير كافية لإعطاء الموضوع حقه من العناية والأهمية؛ لذا نقترح أ ْن تكون هذه الكتابات‬ ‫موضوع ًا لبحث علمي‪ ،‬أو لمشروع بحثي يتض َّمن بحوث ًا ِع َّد ًة‪ ،‬تسعى لحصر هذه الكتابات‪،‬‬ ‫وتوثيقها‪ ،‬ودراسة مادتها‪ ،‬وبيان أهميتها‪ ،‬وخصائصها‪ ،‬ومناهجها‪ ،‬ونتائجها‪ .‬و ِم ْن َث َّم توفير‬ ‫نتائج هذه البحوث باللغة العربية وغيرها من اللغات؛ لتحقيق نوع من التفا ُعل وتبادل‬ ‫الخبرات بين المهتمين بموضوع الفكر التربوي الإسلامي على مستوى الأُ َّمة‪(((.‬‬ ‫((( لع َّل من المناسب التنويه بالمجلدات الستة لأعمال المؤتمر الأول للتعليم الإسلامي في مكة‪ ،‬التي صدرت باللغة العربية‬ ‫عن جامعة الملك عبد العزيز بمدينة جدة‪ ،‬وبالإنجليزية عن دار نشر ‪ Hodder and Stoughton‬بلندن‪ ،‬وأصبحت مراجع‬ ‫مهمة للتعريف بالاهتمام المتزايد بإصلاح التعليم من منظور إسلامي‪ .‬وقد تض َّمنت هذه الأعمال تعريف ًا بعدد كبير من‬ ‫المف ِّكرين المسلمين المتخصصين‪ ،‬أو المهتمين بالتربية في أقطار العالم الإسلامي وبلدان الجاليات الإسلامية خارجها‪.‬‬ ‫‪43‬‬

‫ولإعطاء َلمحة عن أهمية ما ُيك َتب عن الفكر التربوي الإسلامي بغير العربية وبعض‬ ‫مصادره‪ ،‬فإ َّننا سنشير إلى عدد من المجلات الدورية المتخ ِّصصة في التربية الإسلامية‪،‬‬ ‫تصدر في عدد من البلدان الإسلامية‪ ،‬منها على سبيل المثال لا الحصر‪:‬‬ ‫‪ -‬مجلة \"تربية‪ :‬مجلة التربية في المجتمع المسلم\" التي تصدر باللغة الإنجليزية عن‬ ‫جامعة الشريف هداية الله الإسلامية الحكومية في جاكرتا‪ ،‬بالتعا ُون مع علماء‬ ‫التربية الإسلامية ‪ Scholars of Islamic Education‬في إندونيسيا‪.‬‬ ‫‪- Tarbiya: Journal of Education in Muslim Society‬‬ ‫‪ -‬مجلة \"التربية الإسلامية\" التي تصدر باللغة الإندونيسية عن الجامعة الإسلامية‬ ‫الحكومية في ولاية يوجيكارتا‪.‬‬ ‫)‪- Jurnal Pendidikan Islam (Islamic Educational Journal‬‬ ‫‪ -‬مجلة \"التربية الإسلامية\" (مجلة عالمية فصلية رقمية) التي تنشر بحوثها بأ ٍّي من اللغات‬ ‫الماليزية‪ ،‬أو الإنجليزية‪ ،‬أو العربية‪ ،‬وتصدر عن كلية التربية بجامعة مالايا الماليزية‪.‬‬ ‫)‪- Online journal of Islamic Education (O-jIE‬‬ ‫‪ -‬مجلة \"التعليم الإسلامي والعربي\" التي تصدرها الجامعة الوطنية في ماليزيا‪ ،‬وتنشر‬ ‫البحوث باللغات الماليزية‪ ،‬والإنجليزية‪ ،‬والعربية‪.‬‬ ‫‪- Journal of Islamic and Arabic Education‬‬ ‫‪ -‬مجلة \"التربية الإسلامية\"‪ ،‬وهي مجلة فصلية تصدر بالفارسية عن جامعة الإمام‬ ‫الحسين في إيران‪ ،‬وملخصاتها باللغة الإنجليزية‪.‬‬ ‫‪- Journal of Islamic Education (Imam Hossein University). Iran‬‬ ‫‪ -‬مجلة نصف فصلية في \"التربية الإسلامية\"‪ ،‬يصدرها مركز بحوث الحوزة والجامعة‬ ‫باللغة الفارسية‪ ،‬وملخصاتها باللغة الإنجليزية‪.‬‬ ‫‪ -‬مجلة \"العلوم الدينية\"‪ ،‬وهي مجلة فصلية تصدر باللغة التركية‪.‬‬ ‫‪- Dinî Arastirmalar‬‬ ‫وقد نشرت بحث ًا مهم ًا في المجلد رقم ‪ ،9‬العدد ‪2006 ،25‬م‪ ،‬بعنوان \"تط ُّور خبرة‬ ‫التعليم الديني‪ ،‬ونظرة إلى التعليم الديني المعاصر في تركيا\"‪.‬‬ ‫‪44‬‬

‫‪ -‬فصلية \"التربية الإسلامية\" التي تصدرها الأكاديمية الإسلامية بكامبردج في بريطانيا‬ ‫باللغة الإنجليزية‪.‬‬ ‫‪- Muslim Education Quarterly‬‬ ‫ونكتفي بهذه الأمثلة على المجلات المتخ ِّصصة بالتربية والتعليم الإسلامي خارج‬ ‫البلاد العربية؛ فعددها كبير‪ ،‬وق َّلما يخلو بل ٌد من مجلة واحدة‪ ،‬أو عدد من المجلات من‬ ‫هذا النوع‪ ،‬وبخاصة في الربع الأخير من القرن العشرين وما بعده‪ ،‬حيث ظهرت الجامعات‬ ‫الإسلامية في عدد من البلدان‪.‬‬ ‫وبالإضافة إلى ما ُين َشر في مثل هذه المجلات العلمية من بحوث عن التربية‬ ‫الإسلامية‪ ،‬فإن َّكثير ًا من البحوث التي تخت ُّص بالتربية الإسلامية ُتن َشر في مجلات ُأخرى‬ ‫لا تحمل عنوان \"التربية الإسلامية\"‪ ،‬ومن ذلك على سبيل المثال‪:‬‬ ‫‪ -‬مجلة \"الدراسات الإسلامية\" التي يصدرها مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية‬ ‫بجامعة أكسفورد في بريطانيا‪.‬‬ ‫‪- Journal of Islamic Studies‬‬ ‫‪ -‬مجلة \"الدراسات العربية والإسلامية\" التي تصدرها جامعة بيرغن في النرويج‪.‬‬ ‫‪- Journal of Arabic and Islamic Studies‬‬ ‫‪ -‬مجلة \"البحوث الإسلامية\" التي تصدرها الجامعة الإسلامية بروتردام في هولندا‬ ‫باللغات الهولندية‪ ،‬والتركية‪ ،‬والإنجليزية‪.‬‬ ‫‪- Journal of Islamic Research‬‬ ‫‪ -‬مجلة \"الدراسات الإسلامية\" التي تصدر عن معهد البحوث الإسلامية بالجامعة‬ ‫الإسلامية العالمية في إسلام أباد في الباكستان‪.‬‬ ‫‪- Journal of Islamic Studies‬‬ ‫‪\" -‬المجلة الأمريكية للعلوم الاجتماعية الإسلامية\" التي يصدرها المعهد العالمي‬ ‫للفكر الإسلامي في هيرندن (فيرجينيا) في الولايات المتحدة الأمريكية‪.‬‬ ‫‪- The American Journal of Islamic Social Sciences.‬‬ ‫‪45‬‬

‫‪ -‬مجلة أكاديمية فصلية تهتم بالعلوم البينية تصدر باللغة التركية بعنوان‪\" :‬وقف‬ ‫أرضروم للثقافة والتعليم\"‪.‬‬ ‫‪- EKEV Academy Journal‬‬ ‫وقد نشرت بحث ًا مهم ًا في المجلد رقم ‪ ،10‬العدد ‪ ،26‬ربيع ‪2006‬م‪ ،‬بعنوان \"بعض‬ ‫الأفكار الخاصة بسياسات التعليم الديني في تركيا\"‪.‬‬ ‫ور َّبما يستحق وضع التعليم الإسلامي في البلدان الأوروبية وفي أمريكا الشمالية‬ ‫بعض الاهتمام؛ ف َث َّمة فك ٌر تربوي إسلامي ينمو بصورة تتوازن فيه تو ُّجهات التراث التربوي‬ ‫مع خبرات التعليم المعاصر‪ ،‬وتتكامل فيه عناصر الحضور الفاعل للهوية الإسلامية‬ ‫والمواطنة الفاعلة في المجتمع الأوروبي والأمريكي‪ (((.‬ففي أمريكا الشمالية زاد عدد‬ ‫المدارس الإسلامية عن ‪ 250‬مدرسة‪ ،‬إضاف ًة إلى مدارس يصعب حصرها من نوع مدارس‬ ‫نهاية الأسبوع‪ ،‬والمدارس المسائية‪ ،‬والتعليم المنزلي ‪.homeschooling‬‬ ‫وتأ َّسس لخدمة التعليم الإسلامي في هذه المدارس عد ٌد من المجالس والروابط‬ ‫والتجمعات المتخ ِّصصة في التربية والتعليم الإسلامي‪ ،‬والتعليم عن الإسلام في‬ ‫الولايات المتحدة وكندا‪ ،‬منها‪ :‬مجلس التعليم الإسلامي في أمريكا الشمالية‪ (((،‬ورابطة‬ ‫المدارس الإسلامية في أمريكا‪ (((،‬وبعضها امتداد لـ\"دور العلوم\" المعروفة في الهند‬ ‫والباكستان‪ .‬ومنها ما هو مؤسسات محلية في المدن الأمريكية الكبرى‪ ،‬ومنها كذلك‬ ‫مؤسسات متخ ِّصصة في الترويج لاتجاهاتها الفكرية والدينية والمذهبية‪ .‬وقد جاءت‬ ‫نشأة بعض هذه المؤسسات من جهود المهاجرين من البلاد الإسلامية‪ ،‬وبعضها الآخر‬ ‫من جهود المسلمين الأمريكيين‪ ،‬ولا سيما ذوي الأصول الإفريقية‪ (((.‬و ُأن ِشئت لخدمة‬ ‫هذه المدارس مؤسسات إنتاج مناهج وكتب ومواد دراسية كثيرة‪ ،‬و ُن ِشر كثير من البحوث‬ ‫والدراسات الخاصة بالتعليم الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية‪.‬‬ ‫((( مع فارق ملحوظ في نوعية الحضور الإسلامي بين البيئتين الأوروبية والأمريكية‪ .‬فمعظم المسلمين في أوروبا دون المتوسط‬ ‫الاقتصادي والتعليمي‪ ،‬في حين أ َّن معظم المسلمين في أمريكا هم فوق المتوسط في المعايير الاقتصادية والتعليمية‪.‬‬ ‫‪(2) Council of Islamic Schools in North America- CISNA‬‬ ‫‪(3) Islamic Schools League of America- ISLA‬‬ ‫‪(4) Afro-American Muslims especially those affiliated with Nation of Islam communities‬‬ ‫‪headed by Louis Farrakhan.‬‬ ‫‪46‬‬

‫وللإشارة إلى الحجم والتن ُّوع في البحوث والدراسات التي ُن ِشرت عن قضايا التعليم‬ ‫الإسلامي في أمريكا الشمالية‪ ،‬نذكر هنا بعض الأمثلة‪ ،‬مع التنويه بمراجع ك ٍّل منها‪:‬‬ ‫‪- Berglund, Jenny. Publicly Funded Islamic Education in Europe and‬‬ ‫‪the United States, Brookings Project on U.S. Relations with the Islamic‬‬ ‫‪World, Analysis paper no. 21 April 2015 (52 pages‬‬ ‫‪- Grewal, Zarena and Coolidge, David. Islamic Education in the United‬‬ ‫‪States: Debates, Practices and Institutions. In Hammer, Juliane and‬‬ ‫‪Safi, Omid. Cambridge Companion to American Islam, Chapter 14, pp‬‬ ‫‪246-265. Cambridge University Press 2013.‬‬ ‫‪- Keyworth, Karen. Islamic Schools of United States: Data-Base Profiles.‬‬ ‫)‪Washington: Institute for Social Policy and Understanding (ISPU‬‬ ‫‪Report, May 2011.‬‬ ‫‪- Malkawi, Fathi. The Future of Muslim Education in the United States:‬‬ ‫‪An Agenda for Research, American Journal of Islamic Social Sciences,‬‬ ‫‪vol. 20, issue 3&4, 2004, pp. 46-82.‬‬ ‫وإذا كانت جهود \"التعليم الإسلامي\" تتو َّجه أساس ًا إلى أبناء المسلمين‪ ،‬فإ َّن َث َّمة أهمي ًة‬ ‫كبرى لجهود \"التعليم عن الإسلام\"‪ .‬ففي بعض المجتمعات غير الإسلامية يأتي الحديث‬ ‫عن الأديان في التعليم المدرسي في سياق دراسة التاريخ والدراسات الاجتماعية‪ .‬وسنجد‬ ‫الكتب المدرسية تتح َّدث عن الإسلام والمسلمين بصورة غير موضوعية؛ إ ّما لجهل‬ ‫المؤ ِّلفين بالحقيقة‪ ،‬وإ ّما بتشويه مقصود‪ ،‬ولا يكون وضع ال ُمد ِّرسين أحسن حالاً‪ .‬وقد‬ ‫واجه التلاميذ المسلمون وأولياء أمورهم مثل هذه الحالات‪ ،‬وتطوعوا بتقديم البيانات‬ ‫المناسبة لتصحيح هذه الصور المشوهة‪ .‬وقد وجد هذا التصحيح ترحيب ًا من ال ُمع ِّلمين‬ ‫والإدارات التعليمية؛ ما ش َّجع المعهد العالمي للفكر الإسلامي في الولايات المتحدة‬ ‫الأمريكية على القيام بمشروع مراجعة الكتب المدرسية في الدراسات الاجتماعية ‪Social‬‬ ‫‪ ،Studies‬والكشف عن مواقع النقص أو الخطأ في المعلومات التي تخت ُّص بالإسلام‬ ‫والمسلمين‪ ،‬وعمل دليل يق ِّدم لل ُمد ِّرسين التصحي َح والإضافة اللازمة‪ .‬وقد صدرت أدلة‬ ‫‪47‬‬

‫بهذه المراجعات في سبعة مجلدات‪ ،‬تم تسويقها في المدارس الأمريكية‪ ،‬ون َّظم المعهد‬ ‫لل ُمد ِّرسين دورات توعية للاستفادة منها‪(((.‬‬ ‫وفي السياق نفسه تتزايد الدعوات لاستهداف غير المسلمين بالتعليم عن الإسلام‬ ‫في مجتمعات الأقليات الإسلامية‪ .‬فقد اهتم بعض صنّاع القرار التربوي وبعض الباحثين‬ ‫وبعض المؤسسات بتعميق هذا المعنى في كتاباتهم وممارساتهم‪ .‬ومثال ذلك ما نشرته‬ ‫\"المجلة العالمية للتعليم والبحوث\"‪ ،‬التي تصدر في أستراليا‪ ،‬من دراسة لباحث ماليزي‬ ‫يتح َّدث ع ّما يس ّميه التوجيه الاستراتيجي للتربية الإسلامية‪ ،‬بهدف تطوير هذه التربية؛‬ ‫لتهتم بما َيلزم بناء الإنسان الفاضل في نظا ٍم للحياة يح ِّقق اعتقاد المسلمين بأ َّن الإسلام‪،‬‬ ‫والتربية على أساس الإسلام‪ ،‬هما \"رحمة للعالمين\"‪ ،‬وليس للمسلمين فحسب‪(((.‬‬ ‫والاستراتيجية التي يقترحها الباحث تتط َّلب تطوير التعليم الإسلامي ليعاد بناؤه على‬ ‫أسس الإسلام الفلسفية والمعرفية‪ ،‬التي تصبغ النظام والإدارة وممارسات عملية التعليم‬ ‫والتع ُّلم والبحث‪ ،‬و ِم ْن َث َّم ليح ِّقق رسالته بجهود ومسا ٍع إبداعية تضع التربية الإسلامية‬ ‫ومخرجاتها في مكانة الريادة والقيادة‪ ،‬وتتخلص من التقليد والقياس بمقاييس الآخرين‬ ‫ومنافستهم؛ لتفتح موقع ًا جاذب ًا لجهود الإصلاح في العا َلم الغربي نفسه‪.‬‬ ‫‪- Sahin, Abdullah. New Directions in Islamic Education: Pedagogy and‬‬ ‫‪Identity Formation, Kube Publishing Ltd, May, 2015‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬موقع الفكر التربوي الإسلامي في جهود النهوض الحضاري لل ُأ َّمة‪:‬‬ ‫كان إصلاح التعليم التربوي مطلب ًا أساسي ًا لتحقيق النهوض الحضاري للشعوب‬ ‫الإسلامية‪ ،‬بوصفه مفتاح الإصلاح والتغيير في سائر المجالات الأُخرى‪ .‬وكانت مطالب‬ ‫الإصلاح تتجه إلى ناحيتين؛ الأُولى‪ :‬تحديث مناهج وطرق تدريس العلوم الإسلامية في‬ ‫‪(1) Douglas, Susan. Muslims in our Community and Around the World: A Supplementary‬‬ ‫‪Social Studies. Herndon VA: International Institute of Islamic Thought and Dubuque,‬‬ ‫‪Iowa: Kendall/ Hunt Publication Co. 1995. (Seven Manuals were published in the series‬‬ ‫)‪each with special title.‬‬ ‫‪(2) Salleh, Muhammad Syukri. \"Strateginzing Islamic Education\", International Journal of‬‬ ‫‪Education and Research, Vol 1, No. 6, June 2013, pp. 1-14.‬‬ ‫‪48‬‬

‫مؤسسات التعليم الإسلامي التقليدية؛ في‪ :‬الأزهر‪ ،‬والزيتونة‪ ،‬والقرويين‪ ،‬وغيرها من‬ ‫المؤسسات الأُخرى في تركيا وإيران والهند‪ .‬والناحية الثانية‪ :‬الدعوة إلى إضافة مواد‬ ‫تعليمية جديدة إلى مناهج التعليم التقليدية؛ لأ َّن دعاة هذا الاتجاه يرون أ َّن المواد العلمية‬ ‫الحديثة (المدنية‪ ،‬والعملية‪ ،‬والتطبيقية) هي التي م َّكنت الشعوب الأُخرى من تحقيق الق َّوة‬ ‫والازدهار والتف ُّوق الصناعي والحضاري‪ .‬ومن المألوف أ ْن نتذ َّكر من الدعاة إلى هذين‬ ‫الاتجاهين ك ّ ًل من‪ :‬جمال الدين الأفغاني‪ ،‬ومحمد عبده‪ ،‬وشكيب أرسلان‪ ،‬وعبد الرحمن‬ ‫الكواكبي‪ ،‬ومحمد رشيد رضا‪ ،‬وحسن البنا‪ ،‬وأبو الأعلى المودودي‪ ،‬وأبو الحسن الندوي‪،‬‬ ‫وعبد الحميد بن باديس‪ ،‬والبشير الإبراهيمي‪ ،‬ومحمد الطاهر بن عاشور‪ ،‬وغيرهم‪(((.‬‬ ‫وفي النصف الثاني من القرن العشرين أصبحت دعوات الإصلاح التربوي تتجاوز‬ ‫ذلك إلى ضرورة تفعيل حضور التفكير الإسلامي في عرض وتدريس سائر مجالات‬ ‫العلوم الاجتماعية والإنسانية والطبيعية؛ لجعل الرؤية الإسلامية إلى العا َلم((( هي التي‬ ‫تحكم الفلسفات والنظريات والممارسات ال ُمو ِّجهة لهذه العلوم؛ ذلك أ َّن تعميم التعليم‬ ‫الحديث الذي ُن ِقلت أنظمته وفلسفاته ونظرياته من الغرب‪ ،‬أحدث انفصام ًا نكد ًا في‬ ‫شخصية الإنسان المسلم عقل ًا ونفس ًا‪ ،‬وفي بنية المجتمع المسلم نتيجة الاختلاف فيما‬ ‫تق ِّدمه مواد التربية والعلوم الإسلامية من جهة‪ ،‬وما تق ِّدمه مناهج المواد الدراسية والعلوم‬ ‫الاجتماعية والطبيعية من جهة ُأخرى‪ ،‬ولا سيما أ َّن الواقع التعليمي ر َّسخ هذه الازدواجية‬ ‫في التفكير‪ ،‬حتى في المؤسسة الواحدة‪ ،‬فنجد في الجامعة الواحدة كلي ًة بمس ّمى إسلامي‪،‬‬ ‫مثل‪ :‬كلية الشريعة‪ ،‬أو العلوم الإسلامية‪ ،‬أو العلوم الشرعية‪ ،‬أو الدراسات الإسلامية‪،‬‬ ‫إلى جانب كليات بمس ّميات ُأخرى لا دخل للفكر الإسلامي فيها‪ ،‬مثل‪ :‬كليات الآداب‪،‬‬ ‫والإدارة‪ ،‬والاقتصاد‪ ،‬والعلوم‪ ،‬والطب‪ ،‬والهندسة‪ ،‬وغيرها‪.‬‬ ‫((( أجد من الضروري في هذا المقام الإشارة إلى أهمية ما دعا إليه محمد الطاهر بن عاشور منذ بداية القرن العشرين الميلادي‪،‬‬ ‫وما مارسه عملي ًا في مجال إصلاح التعليم الإسلامي‪ .‬ويظهر ذلك في واحد من أهم كتبه في هذا المجال‪ .‬انظر‪:‬‬ ‫‪ -‬ابن عاشور‪ ،‬محمد الطاهر‪ .‬أليس الصبح بقريب؟ التعليم العربي الإسلامي‪ :‬دراسة تاريخية وآراء إصلاحية‪،‬‬ ‫تونس والقاهرة‪ :‬دار سحنون ودار السلام‪ ،‬ط‪2007 ،2‬م‪ .‬وانظر كذلك جهود الإصلاح الفكري العام الذي‬ ‫قام به ابن عاشور في‪:‬‬ ‫‪ -‬ملكاوي‪ ،‬فتحي حسن (مح ِّرر)‪ .‬الشيخ محمد الطاهر بن عاشور وقضايا الإصلاح والتجديد في الفكر‬ ‫الإسلامي المعاصر‪ :‬رؤية معرفية ومنهجية‪ ،‬هيرندن‪ ،‬فيرجينيا‪ :‬المعهد العالمي للفكر الإسلامي‪2011 ،‬م‪.‬‬ ‫‪(2) Islamic Worldview.‬‬ ‫‪49‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook